موقع د. محمود صبيح

منتدى موقع د. محمود صبيح

جميع الأوقات تستخدم GMT + ساعتين



إرسال موضوع جديد الرد على الموضوع  [ 310 مشاركة ]  الانتقال إلى صفحة السابق  1 ... 17, 18, 19, 20, 21
الكاتب رسالة
 عنوان المشاركة: Re: من رقائق التفاسير الصوفية
مشاركة غير مقروءةمرسل: الاثنين مارس 25, 2024 11:52 pm 
غير متصل

اشترك في: الاثنين يناير 25, 2021 8:59 pm
مشاركات: 2430


الإشارة: في الآية تخويف للمريد أن يرجع إلى عوائده، ويلتفت إلى عوالم حسه، فيشتغل بالدنيا بعد أن استشرف على جنة المعارف، تجري على قلبه أنهار العلوم، فينقُضُ العهد مع شيخه، أو يسيء الأدب معه، ولم يتب حتى تيبس أشجار معارفه، وتلعب به ريح الهوى، فيحترق قلبه بنار الشهوات.
قال البيضاوي: وأشبههم به من جال سره في عالم الملكوت، وترقى بفكره إلى جناب الجبروت، ثم نكص على عقبيه إلى عالم الزور، والتفت إلى ما سوى الحق وجعل سعيه هباء منثوراً. هـ.يقول الحقّ جلّ جلاله: { يا أيها الذين آمنوا أنفقوا من طيبات ما كسبتم } من الأموال في التجارة وغيرها، وفي الحديث عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: "يا معشرَ التُجار، أنتم فُجار إلا من اتقى وبَرَّ وصَدَق وَقَالَ بالمال هكذا وهكذا" .
وقوله: { من طيبات ما كسبتم } أي: من حلاله، أو من خياره، أما في الزكاة فعلى الوجوب، إذ لا يصح دفع الرديء فيها، وأما من التطوع فعلى سبيل الكمال، وأنفقوا أيضاً من طيبات { ما أخرجنا لكم من الأرض } من أنواع الحبوب والثمار والفواكه، وفي الحديث عنه صلى الله عليه وسلم: "مَا مِنْ مُسْلِم يَغْرِسَ غَرْساً، أَوْ يَزرَعُ زَرْعاً، فَيَأكُلُ مِنهُ إنْسَانٌ ولا دَابَّةٌ ولاَ طَائِرٌ، إلاَّ كَانَت لَهُ صدقةً إلى يَوَمِ الِقِيَامِةِ" . ولا تقصدوا { الخبيث } أي: الرديء من أموالكم، فتنفقون منه وأنتم { لستم بآخذيه } في ديونكم { إلا أن تُغْمضوا } بصركم فيه، وتقبضونه حياء أو كرهاً أو مسامحة.
نزلت في قوم كانوا يتصدقون بخبيث التمر وشراره، فنُهوا عنه، وأدبهم بقوله: { واعلموا أن الله غني } عن إنفاقكم، وإنما أمركم به منفعة لكم، { حميد } بقبوله وإثابته، فهو فعيل بمعنى الفاعل، مبالغة، أي: يحمد فعلكم ويشكره لكم، إن أحسنتم فيه، وفي الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: "إن الله قَسَم بينَكم أخلاقكم كما قسم أرزاقكم، وإن الله طيِّبٌ لا يقبلُ إلا طيباً، لا يكسبُ عبدٌ مالاً من حرام فيتصدقُ منه فيُقْبل منه، ولا ينفقُ منه فيبَارك له فيه، ولا يتركهُ خلفَ ظهره إلا كان زاده إلى النار، وإن الله لا يمحو السيىء بالسيىء ولكن يمحو السيىء بالحسن، وإن الخبيث لا يمحوه الخبيُ" .
الإشارة: يا أيها الذين آمنوا إيمان الخصوص، أنفقوا العلوم اللدنية والأسرار الربانية، من طيبات ما كسبتم؛ من تصفية أسراركم وتزكية أرواحكم، وأنفقوا أيضاً علوم الشريعة وأنوار الطريقة، مما أخرجنا لكم من أرض نفوسكم التي تزكت بالأعمال الصافية والأحوال المُرْضِية.
ولا تيمموا العمل الخبيث أو الحال الخبيث، تريدون أن تنفقوا منه شيئاً من تلك العلوم، فإن ذلك لا يزيد النفس إلا جهلاً وبعداً، فكما أن الحبة لا تنبت إلا في الأرض الطيبة، كذلك النفس لا تُدفن إلا في الحالة المرضية، فلا تؤخذ العلوم اللدنية من النفس حتى تدفن في أرض الخُمول، وأرض الخمول هي الأحوال المرضية، الموافقة للقواعد الشرعية، وإليه الإشارة بقوله: { ولستم بآخذيه } أي: لستم بآخذي العلم اللدني من الحال الخبيث، غلا أن تغيبوا فيه عن حِسَّكم، ومن غلبه الحال لم يبق عليه مقال. وعليها تتخرج قصة لص الحَمَّام، فلا يقتدى به لغلبة الحال عليه، واعلموا أن الله غني حميد، لا يتقرب إليه إلا بما هو حميد. والله تعالى أعلم.يقول الحقّ جلّ جلاله: { الشيطان يعدكم } أي: يخوفكم { الفقر } بسبب الإنفاق، ويقول في وسوسته: إن أعطيت مالك بقيت فقيراً تتكفف الناس، { ويأمركم بالفحشاء } أي: ويأمركم بالبخل والشح، والعرب تسمي البخيل فاحشاً، وفي الحديث:
"البخيلُ بعيدٌ من الله، بعيدُ من الناسِ، بعيد من الجنة قريب من النار. والسخي قريب من الله. قريبٌ من الناس، قريب من الجنة، بعيد من النار. ولجاهل سخيٍّ أحبُّ إلى الله من عابدٍ بخيل" . وفي حديث آخر: "إنَّ الله يأخذُ بيد السخيِّ كلما عثر" . { والله يعدكم } في الإنفاق { مغفرة منه } لذنوبكم، وستراً لعيوبكم، { وفضلاً } أي: خَلَفاً أفضل مما أنفقتم في الدنيا والآخرة، { وما أنفقتم من شيء فهو يخلفه }، { والله واسع } الفضل والعطاء، { عليم } بما أنفقتم، ولماذا أنفقتم، وفيما أخلصتم، لا يخفى عليه شيء من أموركم.
الإشارة: إذا توجه المريد إلى الله تعالى، وأراد سلوك طريق التجريد والزهد والانقطاع إلى الله تعالى، تعرض له الشيطان، اختباراً منه تعالى وابتلاء، إذ الحضرة محروسة بالقواطع؛ ليظهر الصادق في الطلب من الكاذب، فيخوفه من الفقر، ويأمره بالوقوف مع الأسباب والعوائد، وهي أفحش المعاصي عند الخواص، إذ إذ الهمة العالية تأنف عن الاشتغال بغير الحضرة الإلهية. والله يعدكم - أيها المتوجهون إليه - مغفرة لذنوبكم، وستراً لعيوبكم، فيغطي وصفكم بوصفه، ونعتكم بنعته، فيوصلكم بما منه إليكم من الفضل والجود، لا بما منكم إليه من المجاهدة والمكابدة، { وَلَوْلاَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ مَا زَكَى مِنكُم مِّنْ أَحَدٍ أَبَداً } [النُّور: 21]، { والله واسع } الجود والإحسان، { عليم } بمن يستحق الفضل والامتنان.
ومن نتائج الزهد والانقطاع: ورود الحكمة على لسان العبد وقلبه.يقول الحقّ جلّ جلاله: { يؤتي } الحق تعالى { الحكمة من يشاء } من عباده، وهي التفقّه في الدين والتبصر في الأمور. قال صلى الله عليه وسلم:" { مَنْ يُرد اللّهُ به خيراً يُفقِّهْه في الدين، ويُلهمْه رُشْدَه } ". وقيل: الحكمة: الإصابة في الرأي. وقيل: الفهم في كتاب الله. وقيل الفهم عن الله. { ومن يؤت الحكمة } أي: أعطيها، { فقد أوتي خيراً كثيراً }؛ لأنه حاز خيرَ الدارَيْن، ولا شك أن من حقَّق العلم بالله وبأحكامه، وأتقنَ العملَ بما أمره الله به، فقد صفا قلبه، وتطهر سره، فصار من أولي الألباب ولذلك قال عقبه: { وما يذكر إلا أولوا الألباب }.
الإشارة: الحكمة هي: شهود الذات مرتديةً بأنوار الصفات، وهي حقيقة المعرفة، ومن عرف الله هابه، ولذلك قال عليه الصلاة والسلام: "رأس الحكمة مخافة الله" . وقيل: هي تجريد السر لورود الإلهام، وقيل: هي النور المفرق بين الوسواس والإلهام، وقيل: شهود الحق تعالى في جميع الأحوال. والتحقيق: أن الحكمة هي إبداع الشيء وإتقانه حتى يأتي على غاية الكمال، ويجري ذلك في العلم والعمل والحال والمعرفة.
وقال القُشَيْري: الحكمة: أن يَحكم عليك خاطر الحق لا داعي الباطل، وأن تحكم قواهر الحق لا زواجر الشيطان. ويقال: الحكمة: صواب الأمر، ويقال: هي ألا تغلب عليك رعونات البشرية، ومن لا حكم له على نفسه لا حُكْمَ له على غيره. ويقال: الحكمة: موافقة أمر الله، والسفه: مخالفة أمره، ويقال: الحكمة شهود الحق، والسفه: شهود الغير. قاله المحشي.
واعلم أن الصوفية، في اصطلاحهم، يُعبِّرون عن أسرار الذات بالقدرة، وعن أنوار الصفات - وهي ظهور آثارها - بالحكمة. فالوجودُ كله قائم بين الحكمة والقدرة، فالقدرة تُبرز الأشياء، والحكمة تَسترها. فربط الأشياء واقترانها بأسبابها تُسمى عندهم الحكمة، وإنفاذ الأمر وإظهار يُسمى القدرة، فمن وقف مع الحكمة حجب عن شهود القدرة، وكان محجوباً عن الله. ومن نفذ إلى شهود القدرة ولم يرتبط مع الأسباب والعوائد كان عارفاً محبوباً. فالعارف الكامل هو الذي جمع بين شهود القدرة وإقرار الحكمة، فأعطى كل ذي حق حقه، وَوَفَّى كلَّ ذي قسط قسطه، لكن يكون ذلك ذوقاً وكشفاً، لا علماً وتقليداً. وبالله تعالى التوفيق.
يقوله الحقّ جلّ جلاله: { وما أنفقتم من نفقة } قليلة أو كثيرة، سرّاً أو علانية، في حق أو باطل، { أو نذرتم من نذر } بشرط أو بغير شرط، في طاعة أو معصية، { فإن الله يعلمه }، فيجازيكم عليه، فمن أنفق في طاعة أو نذر قربة كان من المحسنين، ومن أنفق في معصية أو نذر معصية كان من الظالمين. { وما للظالمين من أنصار } ينصرونهم من عذاب الله.
{ إن } تُظهروا { الصدقات }، مخلصين فيها، { فَنِعِمَّا هي } أي: فنعم شيئاً إبداؤها، ولا سيما للمقتدى به، فهو أفضل في حقه، { وإن تخفوها وتؤتوها الفقراء } خفيه { فهو خير لكم }؛ لأنه أقرب للإخلاص، وهذا في التطوع، تفضل عَلانيتها بسبعين ضعفاً. وأما الفريضة ففيها تفصيل، فمن خاف على نفسه شوْبَ الرياء أخفى أو نَوّب، ومَنْ أَمِنَ أَظْهَر. فقد ورد أن علانية الفريضة تَفْضُلُ سرَّها بخمسة وعشرين ضعفاً، فإن فعلتم ما أُمرتم به في الوجهين، فقد أحسنتم، { ونكفر عنكم من سيئاتكم } أي: نستر عنكم بعض ذنوبكم، وقد ورد في صدقة السر أن صاحبها يُظله الله يوم لا ظل إلا ظله { والله بما تعملون خبير }؛ لا يخف عليه من أَسَرَّ أو جَهَر، ومن أخلص أو خلط، ففيه ترغيب وترهيب. والله تعالى أعلم.
الإشارة: معاملة العبد مع مولاه: إما أن تكون لطلب الأجور، وإما لرفع الستور، فالأول يُعطي أجره من وراء الباب، والثاني يدخل مع الأحباب. وأما العامل للدنيا فهو ظالم لنفسه { وما للظالمين من أنصار }، وفي بعض الآثار: طالبُ الدنيا أسير، وطالب الآخرة أجير، وطالب الحق أمير.
ثُم الناس في معاملة الحق على أقسام ثلاثة: قِسْمٍ يليق بهم الإخفاء والإسرار، وهم طالبوا الإخلاص من المريدين السائرين. وقسْمٍ يليق بهم الإظهار وهم أهل الاقتداء من العلماء المخلصين. وقسْم لا يقفون مع ظهور ولا خفاء، بل مع ما يبرز في الوقت، وهم العارفون الكاملون. ولذلك قال الشيخ أبو العباس رضي الله عنه: (من أحبَّ الظهور فهو عبد الظهور، ومن أحب الخفاء فهو عبد الخفاء، ومن كان عبد الله فسواء عليه أظهره أم أخفاه).
والهداية كلها بيد الله، ليس لغيره منها شيء.
----
البحر المديد لابن عجيبة الحسيني

_________________
أغث يا سيدى وأدرك محبا يرى الأقدار تضربه سهاما
لكل قضية أعددت طه بغير شكية يقضى المراما
أيغدرنا الزمان وأنت فينا معاذ الله يا بدر التماما
(ﷺ)


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة: Re: من رقائق التفاسير الصوفية
مشاركة غير مقروءةمرسل: الأحد مارس 31, 2024 12:25 am 
غير متصل

اشترك في: الاثنين يناير 25, 2021 8:59 pm
مشاركات: 2430


إِن تُبْدُواْ ٱلصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِيَ وَإِن تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا ٱلْفُقَرَآءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَيُكَفِّرُ عَنكُم مِّن سَيِّئَاتِكُمْ وَٱللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ ٢٧١إن أظْهَرْتَ صحبتَكَ معنا وأعلنتَ فلقد جوَّدْتَ وأحْسنْتَ، وإنْ حفظت سِرَّنَا عن دخول الوسائط بيننا صُنْتَ شروط الوداد، وشَيَّدت من بناء الوصلة العماد.لَّيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ وَلَـٰكِنَّ ٱللَّهَ يَهْدِي مَن يَشَآءُ وَمَا تُنْفِقُواْ مِنْ خَيْرٍ فَلأَنْفُسِكُمْ وَمَا تُنْفِقُونَ إِلاَّ ٱبْتِغَآءَ وَجْهِ ٱللَّهِ وَمَا تُنْفِقُواْ مِنْ خَيْرٍ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لاَ تُظْلَمُونَ ٢٧٢ -البقرةلكَ المقام المحمود، واللواء المعقود، والرتب الشريفة، والمنازل العلية، والسنن المرضية. وأنت سيد الأولين والآخرين، ولا يدانيك أحدُ - فضلاً عن أن يساميك، ولكن ليس عليك هداهم فالهداية من خصائص حقنا، وليس للأغيار منه شطية. يا محمد: أنت تدعوهم ولكن نحن نهديهم.لِلْفُقَرَآءِ ٱلَّذِينَ أُحصِرُواْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ لاَ يَسْتَطِيعُونَ ضَرْباً فِي ٱلأَرْضِ يَحْسَبُهُمُ ٱلْجَاهِلُ أَغْنِيَآءَ مِنَ ٱلتَّعَفُّفِ تَعْرِفُهُم بِسِيمَاهُمْ لاَ يَسْأَلُونَ ٱلنَّاسَ إِلْحَافاً وَمَا تُنفِقُواْ مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ ٱللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ ٢٧٣ -البقرةأخذ عليهم سلطانُ الحقيقة كلَّ طريق، فلا لهم في الشرق مذهب، ولا لهم في الغرب مضرب. كيفما نظروا رأوا سرادقات التوحيد محدقة بهم:
كأنَّ فجاجَ الأرض ضاقَتْ بِرَحْبِها عليهم فما تزداد طولاً ولا عرضا

ولا يسلم لهم نفس مع الخلق، وأنَّى بذلك ولا خَلْق!! وإذا لم يكن فإثبات ما ليس شِرْكٌ (.....) في التوحيد.
والفقير الصادق واقف مع الله بالله، لا إشراف للأجانب عليه، ولا سبيل لمخلوق إليه تنظره عين الأغيار في لبسة سوى ما هو به؛ قال تعالى: { يَحْسَبُهُمُ ٱلْجَاهِلُ أَغْنِيَآءَ مِنَ ٱلتَّعَفُّفِ } فأما من كان ذا بصيرة فلا إشكال عليه في شيء من أحوالهم. تعرفهم يا محمد - أنت - بسيماهم، فليست تلك السيماء مما يلوح للبصر ولكنها سيماء تدركها البصيرة. لا إشراف عليهم إلا بنور الأحدية.
ويقال: { تَعْرِفُهُم بِسِيمَاهُمْ }: استبشار قلوبهم عند انكسار نفوسهم، وصياح أسرارهم إلى العرش (نشاطاً عنه) عند ذبول ظاهرهم عن الانتعاش.
ويقال تكسر الظاهر عند تكسر الباطن وبالعكس من هذه لا يسألون الناس إلحافاً، فإن جرى منهم من الخلق بدون الإلحاف سؤال - لما يشير إليه دليل الخطاب - فذلك صيانة لهم ولسر قصتهم، لئلا يلاحظهم الخلْق بعين السؤال، وليس على سرّهم ذرة من الإثبات للأغيار.
ويقال: { أُحصِرُواْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ }: وقفوا على حكم الله، وأحْصَرُوا نفوسَهم على طاعته وقلوبَهم على معرفته، وأرواحَهم على محبته، وأسرارَهم على رؤيته.
ٱلَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ بِٱللَّيْلِ وَٱلنَّهَارِ سِرّاً وَعَلاَنِيَةً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ وَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ ٢٧٤ -البقرة
ما دام لهم مال لا يفترون ساعة عن إنفاقه ليلاً ونهاراً، فإذا نفد المال لا يفترون عن شهوده لحظةً ليلاً ونهاراً.ٱلَّذِينَ يَأْكُلُونَ ٱلرِّبَٰواْ لاَ يَقُومُونَ إِلاَّ كَمَا يَقُومُ ٱلَّذِي يَتَخَبَّطُهُ ٱلشَّيْطَانُ مِنَ ٱلْمَسِّ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوۤاْ إِنَّمَا ٱلْبَيْعُ مِثْلُ ٱلرِّبَٰواْ وَأَحَلَّ ٱللَّهُ ٱلْبَيْعَ وَحَرَّمَ ٱلرِّبَٰواْ فَمَن جَآءَهُ مَوْعِظَةٌ مِّنْ رَّبِّهِ فَٱنْتَهَىٰ فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى ٱللَّهِ وَمَنْ عَادَ فَأُوْلَـٰئِكَ أَصْحَابُ ٱلنَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ ٢٧٥ -البقرةمَنْ أعرض عن الأمر، ورخَّص لنفسه بما يسوِّله له خاطره من التأويل فلا استقلال لهم في الحال ولا انتعاش في المآل؛ خسروا في عاجلهم ولم يربحوا في آجلهم.
ومَنْ انتبه بزواجر الوعظ، وكَبَحَ لجامَ الهوى، ولم يُطْلِقْ عنان الإصرار فَلَهُ الإمهال في الحال، فإنْ عاد إلى مذموم تلك الأحوال فَلْيَنْتَظِرُوا أوشكَ الاستئصالِ وفجاءة النَّكال.
-----
لطائف الإشارات للقشيري

_________________
أغث يا سيدى وأدرك محبا يرى الأقدار تضربه سهاما
لكل قضية أعددت طه بغير شكية يقضى المراما
أيغدرنا الزمان وأنت فينا معاذ الله يا بدر التماما
(ﷺ)


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة: Re: من رقائق التفاسير الصوفية
مشاركة غير مقروءةمرسل: الأحد إبريل 07, 2024 11:30 pm 
غير متصل

اشترك في: الاثنين يناير 25, 2021 8:59 pm
مشاركات: 2430


يقول الحقّ جلّ جلاله: { الذين ينفقون أموالهم بالليل والنهار سرّاً وعلانية }، ويعمرون أوقاتهم بفعل الخيرات، { فلهم أجرهم عند ربهم } إذا قدموا عليه، { ولا خوف عليهم } من لُحوق مكروه، { ولا هم يحزنون } على فوات محبوب، بل وجدوا الله فأغناهم عن كل شيء.
قيل: نزلت في أبي بكر رضي الله عنه؛ تصدَّق بأربعين ألف دينار، عشرة بالليل، وعشرة بالنهار، وعشرة بالسر، وعشر بالعلانية، أو في عليّ - كرّم الله وجهه - لم يملك إلا أربعة دراهم، فتصدق بدرهم ليلاً، ودرهم نهاراً، ودرهم سرّاً، ودرهم علانية. وهي عامة لمن فعل فعلهما.
الإشارة: أجر بذل الأموار هو إعطاء الثواب من وراء الباب، والأمن من العذاب وسوء المآب، وأجر بذل النفوس هو دخول حضرة القدوس، والأنس بالأحباب داخل الحجاب، فمن بذل نفسه لله على الدوام، أمنه من الحجبة في دار السلام، فلا خوف يلحقهم في الدارين، ولا يعتريهم حزن في الكونين. وبالله التوفيق.
ولما رغَّب في الصدقة، وكانت في الغالب لا يتوصل إليها إلا بتعاطي أسباب المال، وهو البيع والشراء حذر من الربا؛ لئلا يتساهل الناس في المعاملة به، حرصاً على الصدقة.الإشارة: ما أفلح من أفلح، وخسر مَنْ خسر، إلا من نفسه وفلسه، فمن جاد بهما، أو بأحدهما، فقد فاز وأفلح وظفر بما قصد، والجود بالنفس أعظم، وهو يستلزم الجود بالفلس، والجود بالفلس، إن دام، يوصل إل الجود بالنفس، والمراد بالجود بالنفس: إسلامها للشيخ يفعل بها ما يشاء، وتكون الإشارة فيها كافية عن التصريح، ومن بخل بهما أو بأحدهما، فقد خسر وخاب في طريق الخصوص، ومصرف ذلك هو الشيخ، أو الفقراء المنقطعون إلى الله؛ الذي حصروا أنفسهم في سبيل الله، وهو الجهاد الأكبر.
قال في القوت: وكان بعض الفضلاء يؤثر بالعطاء فقراء الصوفية دون غيرهم، فقيل له في ذلك، فقال: لأن هؤلاء هممهم الله عزّ وجلّ، فإذا ظهر منهم فاقة تَشَتَّتَ قلبُ أحدِهم، فلأنْ أرد هِمة واحدٍ إلى الله أحب إليّ من أن أعطي ألفاً من غيرهم ممن همه الدنيا. فذكر هذا الكلام لأبي القاسم الجنيد، فقال: هذا كلام ولي من أولياء الله. ثم قال: ما سمعت كلاماً أحسنَ من هذا. وبلغني أن هذا الرجل اقتر حاله في أمر الدنيا حتى همّ بترك الحانوت؛ فبعث إليه الجنيد بمال كان صرف إليه، وقال له: اجعل هذا في بضاعتك، ولا تترك الحانوت فإنَّ التجارة لا تضرُّ مثلك. ويقال: إن هذا لم يكن يأخذ من الفقراء ثمن ما يبتاعون منه. هـ.
وكان عبد الله بن المبارك يصرف مصروفه لأهل العلم، ويقول: إني لا أعرف بعد النبوة أفضل من العلماء، فإذا اشتغل قلب أحدهم بالحاجة والعيلة لم يتفرغ للعلم، ولا يقبل على تعليم الناس، فرأيت أن أكفيهم أمر الدنيا؛ لأفرغهم للعلم، فهو أفضل. هـ. والله تعالى أعلم.الربا في اصطلاح الشرع على قسمين: ربا الفضل وربا النِّسَاءِ، فأما ربا الفضل فهو التفاضل بين الطعامين أو النقدين في المبادلة من الجنس الواحد، فإن اختلفت الأجناس فلا حرج، وأما ربا النساء فهو بيع الطعامين أو النقدين بعضهما ببعض بالتأخير، وهذا حرام ولو اختلفت الأجناس.
يقول الحقّ جلّ جلاله: { الذين يأكلون الربا } أي: يأخذونه، وإنما خص الأكل لأنه أعظم منافع المال، { لا يقومون } من قبورهم يوم البعث { إلا كما يقوم } المجنون { الذي يتخبطه الشيطان من } أجل { المس } الذي يمسه يقوم ويسقط، رُوِيَ أن بطونهم تكون أمامهم كالبيت الضخم، يقوم أحدهم فتميل به بطنه فيصرع، وعن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لما أُسْرِيَ بِي إلى السماء رأيتُ رِجالاً بُطُونُهُمْ كَالبُيوتِ، فيهَا حَيَّاتٌ تُرى مِنْ خِارِجِ بُطُونِهمْ، فقلت مَنْ هؤلاءِ يا جِبْرِيل؟ فقال: أكَلَةُ الرِّبا" .
ذلك العذاب بسبب أنهم استحلُّوا الربا، و { قالوا إنما البيع مثل الربا } فنظموا الربا والبيع في سلك واحد، وفيه عكس التشبيه. والأصل: إنما الربا مثل البيع، قصدوا المبالغة، كأنهم جعلوا الربا أصلاً وقاسوا عليه البيع. وذلك أن أهل الجاهلية كان أحدهم إذا حلّ ماله على غريمه يقول الغريم: زدني في الأجل أزدك في المال، فيفعلان، ويقولان: سواء علينا الزيادة في أول البيع بالربح أو عند محل الدين، هو مراضاة فكذبهم الحقّ تعالى بقوله: { وأحلّ الله البيع وحرّم الربا }؛ لأن القياس مع وجود النص فاسد، والفرق ظاهر؛ فإن من باع درهماً بدرهمين ضيع درهماً من غير فائدة، بخلاف من اشترى سلعة بدرهم، وباعها بدرهمين، فلعل مساس الحاجة، والرغبة فيها، توقع رواجها فيجبر الغبن.
{ فمن جاءه موعظة من ربه } كالنهي عن الربا { فانتهى } وترك الربا { فله ما سلف } قبل التحريم ولا يَرُدُّهُ، { وأمره إلى الله } لا إلى أحد منكم، فلا يتعرض له، { ومن عاد } إلى تحليل الربا بعد بلوغه النهي { فأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون } لأنهم كفروا وسفهوا أمر الله. { ويمحق الله الربا } أي: يذهب بركته، ويُهلك المال الذي يدخل فيه { ويربي الصدقات } أي: يضاعف ثوابها ويُبارك في المال الذي أخرجت منه، فقد رُوِيَ عنه - عليه الصلاة والسلام - أنه قال: "ما نَقَصَ مالٌ مِنْ صَدقة" ، "وأنه يُربي الصدقةَ حتى تكونَ مثلَ الجبل" . قال يحيى بن معاذ: (ما أعرفُ حبةً تزن جبال الدنيا إلا الحبَّةَ من الصدقة).
{ والله لا يحب كل كفّار } أي: مُصِرٍّ على تحليل المحرمات، { أثيم } أي: منهمك في ارتكاب المنهيات، أي: لا يرتضي حاله، ولا يحبه كما يحب التوابين.
ثم ذكر مقابله فقال: { إن الذين آمنوا } بالله، وصدَّقُوا بما جاء من عنده، { وعملوا } الأعمال { الصالحات وأقاموا الصلاة } أي: أتقنوها { وآتوا الزكاة } أي: أدوها على التمام، فلهم أجرهم عند ربهم إذا قدموا عليه، { ولا خوف عليهم } من آت، { ولا هم يحزنون } على ما فات، إذ لم يفتهم شيء حيث وجدوا الله.الإشارة: مدار صفاء المعاملة على تصفية اللقمة، فمن صفَّا طعمته صفت معاملته، ومن صفت معاملته أفضى الصفاء إلى قلبه، ومن خلط في لقمته تكدرت معاملته، ومن تكدرت معاملته تكدر قلبه، ولذلك قال بعضهم: (مَنْ أكَلَ الحلال أطاع الله، أحبَّ أم كَرِهَ، ومن أكل الحرام: عصى الله، أحبَّ أم كَرِه) وكذلك الواردات الإلهية، لا ترد إلا على من صفا مطعمه ومشربه، ولذلك قال بعضهم: (من لا يعرف ما يدخل بطنه لا يفرق بين الخواطر الربانية والشيطانية).
وقال سيدي علي الخواص رضي الله عنه: (اعلم أن المدد الذي لم يزل فياضاً على قلب كل إنسان ويتلون بحسب القلب، والقلب يتلون بحسبه هو بحسب صلاح الطعمة وفسادها). هـ. فالذين يأكلون الحرام؛ كالربا وشبهه، ولا يقومون إلى معاملتهم للحق إلا كما يقوم المجنون الذي يلعب به الشيطان، ولا يدري ما يقول ولا ما يقال له، فقد حُرم لذيذ المناجاة وحلاوة خلوص المعاملات، فإن احتج لنفسه واستعمل القياس لم يُرْجَ فلاحُه في طريق الخواص، فمن جاءه موعظة من ربه فانتهى، وطلب العفاف فقد عفا الله عما سلف. ومن عاد إلى ما خرج عنه؛ من متابعة هواه، فنار القطيعة مثواه ومأواه.
ومن شأن الحق جلّ جلاله مع عباده: أن من طلب الزيادة في حس ظاهره محق الله نور باطنه، ومن حسم مادة زيادة الحس في ظاهره قوي الله مدد الأنوار في باطنه، { يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَواْ وَيُرْبِى الصَّدَقَاتِ } [البقرة: 276]، أي: يُقَوِّي مدد ثواب الصدقات. { وَاللَّهُ لاَ يُحِبُّ كُلَّ كَفَارٍ أَثِيمٍ } [البقرة: 276]، وإنما يحب كل مطيع منيب، وهو من آمن إيمان أهل التحقيق، وسلك أهل التوفيق. فلا جرم أنه ينخرط في سلك أهل العناية، ويسلك به مسلك أهل الولاية، الذين { لاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ } [يونس: 62].
{ يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله } حق تقاته، واتركوا ما بقي في باطنكم من بقايا الحس وأسبابه، إن كنتم طالبين إيمان أهل الشهود، والوصول إلى الملك المعبود. فإن لم تفعلوا ذلك فاعلموا أنكم في مقام البعد من حيث لا تظنون، معاندون وأنتم لا تشعرون. وإن رجعتم إلى ربكم فلكم رؤوس أموالكم، وهم نور التوحيد، لا تنقصون منه ولا تزيدون عليه، إلا إن أفردتم الوجهة إليه، وطلبتم الوصول منه إليه، فإن الله لا يُخيٍّب من أمَّل جُوده، ولا يردُّ من وقَف ببابه، بمنِّه وكرمه.
----
البحر المديد لابن عجيبة الحسيني

_________________
أغث يا سيدى وأدرك محبا يرى الأقدار تضربه سهاما
لكل قضية أعددت طه بغير شكية يقضى المراما
أيغدرنا الزمان وأنت فينا معاذ الله يا بدر التماما
(ﷺ)


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة: Re: من رقائق التفاسير الصوفية
مشاركة غير مقروءةمرسل: الاثنين إبريل 08, 2024 8:58 pm 
غير متصل

اشترك في: الاثنين يناير 25, 2021 8:59 pm
مشاركات: 2430


يَمْحَقُ ٱللَّهُ ٱلرِّبَٰواْ وَيُرْبِي ٱلصَّدَقَٰتِ وَٱللَّهُ لاَ يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ ٢٧٦ -البقرة
ما كان بإذن منه - سبحانه - من التصرُّفات فمقرون بالخيرات، ومصحوب بالبركات. وما كان بمتابعة الهوى يُسَلِّط عليه المَحْقَ، وكانت عاقبة أمره الخسران.
إِنَّ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّٰلِحَٰتِ وَأَقَامُواْ ٱلصَّلَٰوةَ وَآتَوُاْ ٱلزَّكَٰوةَ لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ وَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ ٢٧٧ -البقرة

إن الذين كانوا لنا يكفيهم ما يجدون مِنَّ، لا نضيع أجر من أحسن عملاً.
يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ ٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَذَرُواْ مَا بَقِيَ مِنَ ٱلرِّبَٰواْ إِن كُنْتُمْ مُّؤْمِنِينَ ٢٧٨ -البقرة
الاكتفاء بموعود الربِّ خيرٌ للمسلم من تعليق قلبه بمقصود نفسه.
ومقصودُك من تسويلات النفس، وموعودك مما ضمنه الحق.
فَإِن لَّمْ تَفْعَلُواْ فَأْذَنُواْ بِحَرْبٍ مِّنَ ٱللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُؤُوسُ أَمْوَٰلِكُمْ لاَ تَظْلِمُونَ وَلاَ تُظْلَمُونَ ٢٧٩ -البقرة
إن صاحب الإصرار ليس له عندنا وزن ولا مقدار، ولا قَدْرٌ ولا أخطار.
وَإِن كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَىٰ مَيْسَرَةٍ وَأَن تَصَدَّقُواْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ ٢٨٠ -البقرة
إذا تقرر عند القاضي إفلاس المحبوس فلا تحل له استدامة حَبْسه، وإن ظهرت لذي الحق حجة المفلس فذلك مرتهن بحق خصمه، ولكنه في إمهال وإنظار. والرب لا يحكم بهذا علينا؛ فمع علمه بإعسارنا وعجزنا، وصدق افتقارنا إليه وانقطاعنا له - يرحمنا.
قوله: { إِلَى مَيْسَرَةٍ }. ليس للفقير المفلس وجه يحصل له منه شيء إلا من حيث ما جعل الله سبحانه من سهم الغارمين، فأمَّا من جهة الغلات فالغلة تدخل من رقاب الأموال والعقد.. وأنَّى للمفلس به؟!
وأمَّا الربح في التجارة من تقليب رأس المال والتصرُّف فيه.. فأنَّى للمفلس به؟!
ما بقي للمفلس إلا قول من قال من الفقهاء (....) وإن كان ضعيفاً، فلذلك لمن بقيت له منه الحراك أما المفلس عن قوته - كما هو مفلس عن ماله - ما بقي له وجه إلا ما يسبب له مولاه.
----
لطائف الإشارات للقشيري

_________________
أغث يا سيدى وأدرك محبا يرى الأقدار تضربه سهاما
لكل قضية أعددت طه بغير شكية يقضى المراما
أيغدرنا الزمان وأنت فينا معاذ الله يا بدر التماما
(ﷺ)


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة: Re: من رقائق التفاسير الصوفية
مشاركة غير مقروءةمرسل: الأربعاء إبريل 10, 2024 12:19 am 
غير متصل

اشترك في: الاثنين يناير 25, 2021 8:59 pm
مشاركات: 2430


وَٱتَّقُواْ يَوْماً تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى ٱللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّىٰ كُلُّ نَفْسٍ مَّا كَسَبَتْ وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ ٢٨١ -البقرة
الرجوع على ضربين: بالأبشار والنفوس غداً عند التوفي، وبالأسرار والقلوب في كل نَفَسٍ محاسبة؛ نقدٌ ووعد، فنَقْدُ مطالبته أحقُّ مما سيكون في القيامة من وعده.
وقال للعوام: { وَٱتَّقُواْ يَوْماً } وقال للخواص: { وَإِيَّٰيَ فَٱتَّقُونِ }.
يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُوۤاْ إِذَا تَدَايَنتُم بِدَيْنٍ إِلَىٰ أَجَلٍ مُّسَمًّى فَٱكْتُبُوهُ وَلْيَكْتُب بَّيْنَكُمْ كَاتِبٌ بِٱلْعَدْلِ وَلاَ يَأْبَ كَاتِبٌ أَنْ يَكْتُبَ كَمَا عَلَّمَهُ ٱللَّهُ فَلْيَكْتُبْ وَلْيُمْلِلِ ٱلَّذِي عَلَيْهِ ٱلْحَقُّ وَلْيَتَّقِ ٱللَّهَ رَبَّهُ وَلاَ يَبْخَسْ مِنْهُ شَيْئاً فَإن كَانَ ٱلَّذِي عَلَيْهِ ٱلْحَقُّ سَفِيهاً أَوْ ضَعِيفاً أَوْ لاَ يَسْتَطِيعُ أَن يُمِلَّ هُوَ فَلْيُمْلِلْ وَلِيُّهُ بِٱلْعَدْلِ وَٱسْتَشْهِدُواْ شَهِيدَيْنِ مِّن رِّجَالِكُمْ فَإِن لَّمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَٱمْرَأَتَانِ مِمَّن تَرْضَوْنَ مِنَ ٱلشُّهَدَآءِ أَن تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا ٱلأُخْرَىٰ وَلاَ يَأْبَ ٱلشُّهَدَآءُ إِذَا مَا دُعُواْ وَلاَ تَسْأَمُوۤاْ أَن تَكْتُبُوهُ صَغِيراً أَو كَبِيراً إِلَىٰ أَجَلِهِ ذَلِكُمْ أَقْسَطُ عِندَ ٱللَّهِ وَأَقْومُ لِلشَّهَٰدَةِ وَأَدْنَىٰ أَلاَّ تَرْتَابُوۤاْ إِلاَّ أَن تَكُونَ تِجَٰرَةً حَاضِرَةً تُدِيرُونَهَا بَيْنَكُمْ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَلاَّ تَكْتُبُوهَا وَأَشْهِدُوۤاْ إِذَا تَبَايَعْتُمْ وَلاَ يُضَآرَّ كَاتِبٌ وَلاَ شَهِيدٌ وَإِن تَفْعَلُواْ فَإِنَّهُ فُسُوقٌ بِكُمْ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ ٱللَّهُ وَٱللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ ٢٨٢ وَإِن كُنتُمْ عَلَىٰ سَفَرٍ وَلَمْ تَجِدُواْ كَاتِباً فَرِهَٰنٌ مَّقْبُوضَةٌ فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُم بَعْضاً فَلْيُؤَدِّ ٱلَّذِي ٱؤْتُمِنَ أَمَانَتَهُ وَلْيَتَّقِ ٱللَّهَ رَبَّهُ وَلاَ تَكْتُمُواْ ٱلشَّهَٰدَةَ وَمَن يَكْتُمْهَا فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ وَٱللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ ٢٨٣ -البقرة

أمَرَ الله سبحانه الخلْقَ بالقيام بالصدق، وعلَّمَهم كيفية معاملاتهم فيما بينهم، والأخذ بالاحتياط والاستشهاد لئلا يُجْرِيَ - بعضُهم على بعض - حيفاً، وذلك من مقتضى رحمته سبحانه عليهم، وموجب رِفقِه بهم كيلا يتخاصموا. فأمر بتحصين الحقوق بالكتابة والإشهاد، وأمر الشهود بالتحمل ثم بالإقامة.
ومن شرع اليومَ ما يقطع الخصومة بينهم فبالحري أن يجري ما يرفع في الآخرة آثار الخصومة بينهم، وفي الخبر المنقول: "تواهبوا فيما بينكم فقد وهبت منكم مالي عليكم، فإن الكريم إذا قدر غفر" .
وفيما شرع من الدَيْن رِفْق بأرباب الحاجات، لأن الحاجة تمس فيحمله الحال على الاحتيال، ويضيق به الصدر عن الاحتمال، ويمنعه حفظ التجمل عن الكدية والسؤال، فأذِنَ له في الاستدانة ليَجْبُرَ أمرهَ في الحال، وينتظرَ فضل الله في المآل، وقد وعد على الإدانة الثوابَ الكثير، وذلك من لطفه تعالى.
للَّهِ ما فِي ٱلسَّمَٰوٰتِ وَمَا فِي ٱلأَرْضِ وَإِن تُبْدُواْ مَا فِيۤ أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ ٱللَّهُ فَيَغْفِرُ لِمَن يَشَآءُ وَيُعَذِّبُ مَن يَشَآءُ وَٱللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ٢٨٤ -البقرة
من المعاني والدعاوى، ويقال من القصود والرغائب، وفنون الحوائج والمطالب.
ويقال ما "تبديه": العبادة، "وما تخفيه" الإرادة.
ويقال ما "تخفيه": الخطرات و "ما تبديه": "العبارات".
ويقال ما "تخفيه": السكنات والحركات.
ويقال الإشارة فيه إلى استدامة المراقبة واستصحاب المحاسبة، فلا تغفل خطرة ولا تحمل وقتك نَفَساً.
ءَامَنَ ٱلرَّسُولُ بِمَآ أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِن رَّبِّهِ وَٱلْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِٱللَّهِ وَمَلاۤئِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لاَ نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّن رُّسُلِهِ وَقَالُواْ سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ ٱلْمَصِيرُ ٢٨٥ -البقرة
هذه شهادة الحق - سبحانه - لنبيِّه - صلى الله عليه وسلم وعلى آله - بالإيمان، وذلك أتمُّ له من إخباره عن نفسه بشهادته.
ويقال آمن الخَلْق كلُّهم من حيث البرهان وآمن الرسول - عليه السلام - من حيث العيان.
ويقال آمن الخَلْق بالوسائط وآمن محمد - صلى الله عليه وسلم - بغير واسطة.
ويقال هذا خطاب الحق معه ليلة المعراج على جهة تعظيم القَدْر فقال: { ءَامَنَ ٱلرَّسُولُ }، ولم يقل آمَنتَ، كما تقول لعظيم الشأن من الناس: قال الشيخ، وأنت تريد قلتَ.
ويقال: { ءَامَنَ ٱلرَّسُولُ بِمَآ أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِن رَّبِّهِ وَٱلْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِٱللَّهِ وَمَلاۤئِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ }، ولكن شتان بين إيمان وإيمان، الكلُّ آمنوا استدلالاً، وأنت يا محمد آمنتَ وصالاً.
قوله جلّ ذكره: { لاَ يُكَلِّفُ ٱللَّهُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا }.
لكمال رحمته بهم وقفهم على حد وسعهم ودون ذلك بكثير، كل ذلك رِفق منه وفضل. { لَهَا مَا كَسَبَتْ }.
من الخيرات.
{ وَعَلَيْهَا مَا ٱكْتَسَبَتْ }.
ما تكسبه من التوبة التي تُنَجِّي من كسب.
قوله جلّ ذكره: { رَبَّنَا لاَ تُؤَاخِذْنَا إِن نَّسِينَآ أَوْ أَخْطَأْنَا رَبَّنَا وَلاَ تَحْمِلْ عَلَيْنَآ إِصْراً كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِنَا رَبَّنَا وَلاَ تُحَمِّلْنَا مَا لاَ طَاقَةَ لَنَا بِهِ }.
كان إذا وقعت حاجة كلَّموه بلسان الواسطة. قالوا: { يٰمُوسَىٰ ٱدْعُ لَنَا رَبَّكَ } [الأعراف: 134] وهذه الأمة قال لهم: { { وَقَالَ رَبُّكُـمُ ٱدْعُونِيۤ أَسْتَجِبْ لَكُمْ } [غافر: 60].
وكانت الأمم (السالفة) إذا أذنبوا احتاجوا إلى مضي مدة لقبول التوبة، وفي هذه الأمة قال صلى الله عليه وسلم: "الندم توبة" .
وكانت الأمم السالفة منهم من قال اجعل لنا إلهاً كما لهم آلهة، وهذه الأمة اختصت بإشراق أنوار توحيدهم، وخصائصُهم أكثر من أن يأتي عليه الشرح.
قوله جلّ ذكره: { وَٱعْفُ عَنَّا }.
في الحال.
{ وَٱغْفِرْ لَنَا }.
في المآل.
{ وَٱرْحَمْنَآ أَنتَ مَوْلَٰـنَا فَٱنْصُرْنَا عَلَى ٱلْقَوْمِ ٱلْكَافِرِينَ }.
في جميع الأحوال إذ ليس لنا أحد سواك، فأنت مولانا فاجعل النصرة لنا على ما يشغلنا عنك.
ولمَّا قالوا: { وَلاَ تَحْمِلْ عَلَيْنَآ إِصْراً كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِنَا } خَسَفَ الله ذنوبهم بدل خسف المتقدمين، فأبدل ذنوبهم حسنات بدل مسخهم، وأمطر عليهم الرحمة بدل ما أمطر على المتقدمين من الحجارة.
-----
لطائف الإشارات للقشيري

_________________
أغث يا سيدى وأدرك محبا يرى الأقدار تضربه سهاما
لكل قضية أعددت طه بغير شكية يقضى المراما
أيغدرنا الزمان وأنت فينا معاذ الله يا بدر التماما
(ﷺ)


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة: Re: من رقائق التفاسير الصوفية
مشاركة غير مقروءةمرسل: الأربعاء إبريل 10, 2024 12:31 am 
غير متصل

اشترك في: الاثنين يناير 25, 2021 8:59 pm
مشاركات: 2430


الإشارة: وإن كان ذو عسرة من نور اليقين والمعرفة، فلينظر إلى أهل الغنى بالله، وليصحبهم ويتعلَّق بهم، وهم العارفون، فإنهم يغنونه بالنظر. وفي بعض الأخبار: إن لله رجالاً؛ من نظر إليهم سعد سعادة لا يشقى بعدها أبداً. هـ. ولله رجال إذا نظروا أغنَوْا، وفي هذا المعنى يقول صاحب العينية:
فَشَمِّرْ، ولُذْ بالأَوْليَاءِ فَإنَّهُمْ لَهُمْ مِنْ كِتَابِ الله تلْكَ الوقَائعُ
هُمُ الذُّخْرُ لِلمَلهُوفِ، والكَنْزُ لِلرَّجَا وَمِنْهُمْ يَنَالُ الصَبُّ مَا هُوَ طَامِعُ

وقال الشيخ أبو العباس رضي الله عنه: والله ما بيني وبين الرجل إلا أن أنظر إليه وقد أغنيته. وقال فيه شيخه: نعم الرجل أبو العباس، يأتيه البدويُّ يبول على ساقه، فلا يُمسي إلا وقد أوصله إلى ربه. وقال شيخ شيوخنان سيدي العربي بن عبد الله: لو أتاني يهودي أو نصراني، لَمْ يُمْسِ إلا وقد أوصلته إلى الله. هـ. وفي كل زمان رجال يُغْنُونَ بالنظر، وقد أدركتهم، وصحبتُهم والحمد لله، والإشارة بقوله: { وأن تصدقوا خير لكم } إلى أهل الغنى بالله، يتصدقون على الفقراء بالنظرة والهمة، حتى يحصل لهم الغنى بالله. والله تعالى أعلم.
كما أمر الله تعالى بتقييد الديون الدنيوية، والاعتناء بشأنها، أمر بتقييد العلوم اللدنية والوردات القدسية والاغتباط بأمرها، بل هي أولى؛ لدوام ثمراتها وخلود نتائجها، فإن الحكمة ترد على القلب من عالم القدس عظيمة كالجبل، فإن أهملتها ولم تبادر إلى تقييدها، رجعت كالجمل، فإن أخرتها رجعت كالطير، ثم كالبيضة، ثم تمتحي من القلب، وفي هذا المعنى قيل:
العلمُ صيدٌ والكتابةُ قَيْدُه قَيِّدْ صُيودَك بالحِبَالِ المُوثِقَهْ
وَمِنَ الجَهَالة أن تصِيدَ حمامةً وتتركُها بَيْنَ الأوانِس مطلقهْ

فإن لم يسحن الكتابة، فليملله على من يُحسنها، ولا يبخس منه شيئاً، بل يمُليه على ما ورد في قلبه، فإن كان ضعيف العبارة، فليملل عنه من يحسنها بالعدل، من غير زيادة ولا نقصان في المعنى، وليُشهد عليها رجال أهل الفن وهم العارفون، فإن لم يكونوا، فمن حضر من الفقراء المتمكنين؛ لئلا يكون في تلك الحكمة شيء من الخلل؛ لنقصان صاحبها، أو: وليُشْهِد على ذلك الوارد عدلين، وهما الكتاب والسنّة، فإن كان موافقاً لهما، قُبل، وإلا رُدَّ.
قال الجنيد رضي الله عنه: إن النكتةَ لتقع في قلبي فلا أقبلها إلا بشهادة عَدْلَين: الكتاب والسنّة. هـ. وإن كنتم مستعجلين، ولم تجدوا كاتباً، فارتهنوها في قلوب بعضكم بعضاً، حتى تُقيد. ومن كتم الواردات عن شيخه أو إخوانه، فقد أثم قلبه؛ لأنه نوع من الخيانة في طريق التربية. والله تعالى أعلم.
{ وإن تبدوا ما في أنفسكم } من الخواطر الردية والطوارق الشيطانية، أو تخفوه في قلوبكم، حتى يحول بينكم وبين شهود محبوبكم، { يحاسبكم به الله فيغفر لمن يشاء } فيمحو ظلمته من قلبه؛ بإلهام التوبة والمبادرة إلى اليقظة، { ويعذب من يشاء } بتركه مع ظلمة تلك الأغيار، وخوضه في بحار تلك الأكدار، فما منع القلوب من مشاهدة الأنوار إلا اشتغالها بظلمة الأغيار، فرّغْ قلبك من الأغيار تملأه بالمعارف والأسرار، فإن أردت أن تكون عين العين، فامح من قلبك نقطة الغين، وهي نقطة السوى، ولله درّ القائل:
إِنْ تَلاشَى الكونُ عن عَيْنِ كشْفِي شاهَدَ السرُّ غَيْبَه في بَيَاني
فاطْرح الكونَ عن عِيانِكَ وامْحُ نقطةَ الغَيْنِ إنْ أردتَ تَرَاني

واعلم أن الخواطر أربعة: ملكي ورباني ونفساني وشيطاني، فالملكي والرباني لا يأمران إلا بالخير، والنفساني والشيطاني لا يأمران إلا بالشر، وقد يأمران بالخير إذا كان فيه دسيسة إلى الشر، والفرق بين النفساني والشيطاني: أن الخاطر النفساني ثابت لا يزول بتعوذ ولا غيره، إلا بسابق العناية، بخلاف الشيطاني: فإنه يزول بذكر الله، ويرجع مع الغفلة عن الله. والله تعالى أعلم.
ولمَّا نزل قوله تعالى: { وإن تبدوا ما في أنفسكم... } الآية. شق ذلك على الصحابة - رضي الله عنهم - فجاء الصدِّيقُ والفاروق وعبدُ الرحمن ومعاذ، وناسُ من الأنصار، فَجَثَوْا على الرُّكَب، وقالوا: يا رسول الله، ما نزلت علينا آيةٌ أشدُّ من هذه الآية وأنا إن أخذنا بما نُحَدِّثُ به أنفَسنا هَلَكْنَا! فقال النبيّ صلى الله عليه وسلم: "هكذا نزلت" . فقالوا: كُلِّفنا من العمل ما لا نطيق، فقال - عليه الصلاة والسلام: "فلعلكم تقولون كما قالت بنو إسرائيل: { سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا } [البقرة: 93]، قولوا: { سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا }[البقرة: 285]" ، فقالوا: { سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا }، وذَلَّتْ بها أَلْسِنَتُهُمْ، فأَنْزَلَ اللّهُ التخفيف، وحكى ما وقع لهم من الإيمان والإذعان.
يُفهم من سر الآية أن من شق عليه أمر من الأمور، أو عسرت عليه حاجة، أو نزلت به شدة أبو بلية، فليرجع إلى الله، ولينطرح بين يدي مولاه، وليعتقد أن الأمور كلها بيده؛ فإن الله تعالى لا يخليه من معونته ورفده، فيخفف عنه ما نزل به، أو يقويه على حمله، فإن الصحابة - رضي الله عنهم - لما شق عليهم المحاسبة على الخواطر سلَّموا وأذعنوا لأمر مولاهم، فأنزل عليهم التخفيف، وأسقط عنهم في ذلك التكليف، وكل من رجع في أموره كلها إلى الله قضيت حوائجه كلها بالله. "من علامات النُّجْحِ في النهايات الرجوع إلى الله في البدايات".
وقوله تعالى: { ربنا ولا تحملنا ما لا طاقة لنا به }، قيل: هو الحب لله، فلا يسأل العبد من مولاه من حبه إلا ما يطيقه، وتأمل قضية الرجل الذي سأل سيدنا موسى عليه السلام أن يرزقه الله حبه، فلما سأل ربه موسى عليه السلام هام ذلك الرجل، وشق ثيابه، وتمزقت أوصاله حتى مات. فناجى موسى رضي الله عنه ربه في شأنه، فقال: يا موسى، ألف رجل كلهم سألوني ما سأل ذلك الرجل، فقسمت جزءاً من محبتي بينهم، فنابه ذلك. الجزء. أو كما قال سبحانه.
وقال بعض الصالحين: حضرتُ مجلس ذي النون، في فسطاط مصر، فَحَزَرْت في مجلسه سبعين ألفاً، فتكلم ذلك اليوم في محبته تعالى فمات أحدَ عشرَ رجلاً في المجلس، فصاح رجل من المريدين فقال: يا أبا الفيض، ذكرْتَ محبة الله تعالى فاذكر محبة المخلوقين، فتأوّه ذو النون تأوّهاً شديداً، ومدّ يده إلى قميصه، وشقه اثنتين، وقال: آه! غلقت رهونهم، واستعبرت عيونهم، وحالفوا السُّهَاد، وفارقوا الرُّقاد، فليلُهم طويل، ونومهم قليل، أحزانهم لا تُنْفذ. وهموهم لا تفقد، أمورهم عسيرة، ودموعهم غزيرة، باكية عيونهم، قريحة جفونهم، عاداهم الزمان والأهل والجيران.
قلت: هذه حالة العباد والزهاد، أُولي الجد والاجتهاد، غلب عليهم الخوف المزعج، أو الشوق المقلق، وأما العارفون الواصلون؛ فقد زال عنهم هذا التعب، وأفضوا إلى الراحة بعد النصب، قد وصلوا إلى مشاهدة الحبيب، ومناجاة القريب، فعبادتهم قلبية، وأعمالهم باطنية، بين فكرة ونظرة، مع العكوف في الحضرة، قد سكن شوقهم وزال قلقهم، قد شربوا ورووا، وسكروا وصحوا، لا تحركهم الأحوال، ولا تهيجهم الأقوال، بل هم كالجبال الرواسي، نفعنا الله بذكرهم، وجعلنا من حزرهم. آمين.
قوله تعالى: { واعف عنا }، قال الورتجبي: أي: { واعف عنا } قلة المعرفة بك، { واغفر لنا } التقصير في عبادتك، { وارحمنا } بمواصلتك ومشاهدتك. هـ. وبالله التوفيق، وهو الهادي إلى سواء الطريق، وسلام على المرسلين، والحمد لله رب العالمين.
----
البحر المديد لابن عجيبة الحسيني






_________________
أغث يا سيدى وأدرك محبا يرى الأقدار تضربه سهاما
لكل قضية أعددت طه بغير شكية يقضى المراما
أيغدرنا الزمان وأنت فينا معاذ الله يا بدر التماما
(ﷺ)


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة: Re: من رقائق التفاسير الصوفية
مشاركة غير مقروءةمرسل: الثلاثاء إبريل 16, 2024 10:16 pm 
غير متصل

اشترك في: الاثنين يناير 25, 2021 8:59 pm
مشاركات: 2430

سورة آل عمران

الۤمۤ ١ ٱللَّهُ لاۤ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ ٱلْحَيُّ ٱلْقَيُّومُ ٢ -آل عمران




{ الۤمۤ ٱللَّهُ لاۤ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ ٱلْحَيُّ ٱلْقَيُّومُ }[1-2] قال: هو اسم الله الأعظم مكتوب على السماء بالنور الأخضر من المشرق إلى المغرب."التستري"
قوله عز وجل: { الۤمۤ ٱللَّهُ لاۤ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ } [الآية: 1-2].
قيل: الألِفُ من الأحدية واللام من اللُّطفِ والميم من الملك.
وقيل: الواحدُ اللطيفُ، الملكُ هو الله الذى لا إله إلا هو.
قال جعفر: الحروف المقطوعةُ فى القرآن إشارات إلى الوحدانية والفردانية والديمومية وقيام الحقِّ بنفسه بالاستغناءِ عما سِوَاهُ. قوله { ٱلْحَيُّ } هو الذى لا طول لحياته ولا أمد لبقائه.
وقال بعضهم: { ٱلْحَيُّ } الكاملُ فى ذَاته لا بعلة وبه قيام كل منعوت بالحق.
قال بعضهم: { ٱلْحَيُّ } هو الذى به حياة كل حىٍّ ومن لم يحى به فهو ميت.
قوله تعالى: { ٱلْقَيُّومُ } قيل: هو مُزيلُ العِلل عن ذاته بالدَّرَكِ أو بالعبادة عنه أو بالإشارة، فلا يبلغ أحد شيئًا من كُنه معرفته لأنه لا يعلم أحد ما هو إلا هو."السلمي"
قوله جلّ ذكره: { الۤمۤ ٱللَّهُ }.
أشار بقوله ألف إلى قيامه بكفايتك على عموم أحوالك، فأنت في أسر الغفلة لا تهتدي إلى صلاحك ورشدك، وهو مجرٍ ما يجبرك، وكافٍ بما ينصرك، فبغير سؤالك - بل بغير علمك بحالك - يكفيك من حيث لا تشعر، ويعطيك من غير أن تطلب.
والإشارة من اللام إلى لطفه بك في خفيِّ السرِّ حتى أنه لا يظهر عليك محل المنة فيما يثبتك فيه. والإشارة من الميم لموافقة جريان التقدير بمتعلقات الطِّلْبَةِ من الأولياء، فلا يتحرك في العالم شيء، ولا تظهر ذرة إلا وهو بمحل الرضا منهم حتى أن قائلاً لو قال في قوله: { كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ } [الرحمن: 29] إن ذلك الشأن تحقيق مراد الأولياء - لم يكن ذلك ببعيد.
ويقال تفرَّق عن القلوب - باستماع هذه الحروف المقطعة التي هي خلاف عادة الناس في التخاطب - كلُّ معلومٍ ومرسوم، ومعتاد وموهوم، من ضرورة أو حِسٍّ أو اجتهاد، حتى إذا خلت القلوب عن الموهومات والمعلومات، وصفَّى الأسرار عن المعتادات والمعهودات يَرِدُ هذا الاسم وهو قوله: "الله" على قلب مقدَّسٍ من كل غَيْرٍ، وسِرٍّ مصفىً عن كل كيف؛ فقال: { الۤمۤ ٱللَّهُ لاۤ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ ٱلْحَيُّ ٱلْقَيُّومُ }.
فهو الذي لا يلهو فيشتغل عنك، ولا يسهو فتبقى عنه، فهو على عموم أحوالك رقيبُ سِرِّك؛ إنْ خلوتَ فهو رقيبك، وإن توسطت الخَلْقَ فهو رقيبك، وفي الجملة - كيفما دارت بك الأحوال - فهو حبيبك."للقشيري"
الإشارة: لمّا أراد الحقّ جلّ جلاله أن يشير إلى وحدة الذات وظهور أنوار الصفات، قَدَّم قبل ذلك رموزاً وإشارات، لا يفهمها إلا من غاص في قاموس بحر الذات، وغرق في تيار الصفات، فيستخرج بفكرته من يواقيت العلوم وغوامض الفهوم، ما تحار فيه الأذهان، وتكِلُّ عنه عبارةُ اللسان، فحينئذٍ يفقهم دقائق الرموز وأسرار الإشارات، ويطلع على أسرار الذات وأنوار الصفات، ويفهم أسرار الكتب السماوية، وما احتوت عليه من العلوم اللدنية، والمواهب الربانية، ويشرق في قلبه أنوار الفرقان، حتى يرتقي إلى تحقيق أهل الشهود والعيان. جعلنا الله منهم بمنِّه وكرمه."ابن عجيبة الحسيني"
{ الۤمۤ } [آل عمران: 1] أيها الإنسان الكامل الأحدي الأوحدي الأقدسي، اللائح على صورة الرحماني، الملازم الملاحظ لمقتضيات الأوصاف والسماء الإلهية، المتفرعة عليها جميع الماظهر الكونية المشتمل عليها، المحيط بها.
{ ٱللَّهُ } أي: الذات الصمد المبدع المظهر الموجد الذي { لاۤ إِلَـٰهَ } أي: لا مظهر ولا موجد { إِلاَّ هُوَ ٱلْحَيُّ } الدائم الثابت، الذي لا يقدر حياته الزمان ولا حصره المكان، ولا يشغله شأن عن شأن { ٱلْقَيُّومُ } [آل عمران: 2] الذي لا يعرضه الفتور، ولا يعجزه كره الأعوام ومر الدهور."الجيلاني"

_________________
أغث يا سيدى وأدرك محبا يرى الأقدار تضربه سهاما
لكل قضية أعددت طه بغير شكية يقضى المراما
أيغدرنا الزمان وأنت فينا معاذ الله يا بدر التماما
(ﷺ)


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة: Re: من رقائق التفاسير الصوفية
مشاركة غير مقروءةمرسل: الخميس إبريل 18, 2024 11:29 am 
غير متصل

اشترك في: الأربعاء فبراير 03, 2010 12:20 am
مشاركات: 7639
أحمد ماهرالبدوى كتب:

سورة آل عمران

الۤمۤ ١ ٱللَّهُ لاۤ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ ٱلْحَيُّ ٱلْقَيُّومُ ٢ -آل عمران



والإشارة من الميم لموافقة جريان التقدير بمتعلقات الطِّلْبَةِ من الأولياء، فلا يتحرك في العالم شيء، ولا تظهر ذرة إلا وهو بمحل الرضا منهم حتى أن قائلاً لو قال في قوله: { كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ } [الرحمن: 29] إن ذلك الشأن تحقيق مراد الأولياء - لم يكن ذلك ببعيد.

_________________
صلوات الله تعالى تترى دوما تتوالى ترضي طه والآلا مع صحب رسول الله


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة: Re: من رقائق التفاسير الصوفية
مشاركة غير مقروءةمرسل: الخميس إبريل 18, 2024 1:22 pm 
غير متصل

اشترك في: الاثنين يناير 25, 2021 8:59 pm
مشاركات: 2430

نَزَّلَ عَلَيْكَ ٱلْكِتَٰبَ بِٱلْحَقِّ مُصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ وَأَنزَلَ ٱلتَّوْرَاةَ وَٱلإِنْجِيلَ ٣ مِن قَبْلُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَأَنزَلَ ٱلْفُرْقَانَ إِنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ بِآيَاتِ ٱللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَٱللَّهُ عَزِيزٌ ذُو ٱنْتِقَامٍ ٤إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يَخْفَىٰ عَلَيْهِ شَيْءٌ فِي ٱلأَرْضِ وَلاَ فِي ٱلسَّمَآءِ ٥ -آل عمران




قوله جلّ ذكره: { نَزَّلَ عَلَيْكَ ٱلْكِتَٰبَ بِٱلْحَقِّ }.
وما كنتَ يا محمد تدري ما الكتاب، ولا قصة الأحباب، ولكنما صادفك اختيار أزليّ فألقاك في أمرٍ عجيبٍ شأنُه، جَلِيٌّ برهانُه، عزيزٍ محلُّه ومكانُه.
{ مُصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ }.
أي محققاً لموعوده لك في الكتاب على ألسنة الرسل عليهم السلام.
{ وَأَنزَلَ ٱلتَّوْرَاةَ وَٱلإِنْجِيلَ مِن قَبْلُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَأَنزَلَ ٱلْفُرْقَانَ }.
أي إنا وإن أنزلنا قبلك كُتُبَنَا على المرسلين فما أخْلَيْنَا كتاباً من ذِكْرِكْ، قال قائلهم:
وعندي لأحبابنا الغائبين صحائفُ ذِكرُك عنوانُها

وكما أتممنا بك أنوار الأنبياء زيَّنا بذكرك جميع ما أنزلنا من الأذكار.
قوله جلّ ذكره: { إِنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ بِآيَاتِ ٱللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ }.
وهو ذُلُّ الحجاب، ولكنهم لا يشعرون.
{ وَٱللَّهُ عَزِيزٌ } على أوليائه { ذُو ٱنْتِقَامٍ } من أعدائه، عزيز يطلبه كل أحد، ولكن لا يجده - كثيراً - أحد.
لا يتنفس عبدٌ نَفَساً إلا والله سبحانه وتعالى مُحْصِيه، ولا تحصل في السماء والأرض ذرة لا وهو سبحانه مُحْدِثهُ ومُبْدِيه، ولا يكون أحد بوصف ولا نعت إلا هو متوليه.
هذا على العموم، فأمَّا على الخصوص: فلا رَفَعَ أحدٌ إليه حاجةً إلا وهو قاضيها، ولا رجع أحدٌ إليه في نازلة إلا وهو كافيها. "لطائف الإشارات للقشيري"
{ ٱلْحَيُّ ٱلْقَيُّومُ } الحى الذى لا يقاس حيوته ببعد الاوهام ولا يدرك سر مدية ذاته بغوص قطن الانام وايضا الحى الذى حيوته قام به العالم واستنارت بنورها روح أدم والقيوم الذى يبقى ببقائه اهل الفناء ويغنى بقهر قيوميه اهل البقاء وايضا القيوم هو القدس عن العلائق وقيامه لخلقه بنعت حفظهم ورحمته عليهم روح الخلائق وقال الاستاد الحى القيوم الذى لا يلهو فيشغل عنك ولا يشهو فيبقى عنه فهو على عموم احوالك رقيب سرك ان خلوت فهو رقيبك وان توسطت الخلق فهو قريبك وقيل الحى الذى لا اول لحيوته والقيوم الذى لا امد لقائه وقال الكتانى حقيقة الحى الذى به حيوة كل حى ومن لم يحى به وهو ميت وقيل القيوم من هو مزيل العلل عن ذاته بالزوال وبالعبادة عنه او بالاشارة فلا يبلغ احد شيئا من كنه معرفته لانه لا يعلم احد ما هو الا هو قوله تعالى { إِنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ بِآيَاتِ ٱللَّهِ } اى ان الذين حجبوا عن مشاهدة الحق بنعت اليقين فى روية شواهد الربوبية { لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ } لهم حرمان وجدان وصل مقامات اهل الهدايات وقال ابو سعيد الحران كفروا باظهار كرامات الله على اوليائه لهم عذاب شديد نفى الحق عن ذلك { وَٱللَّهُ عَزِيزٌ } يعز اولياءه بولايته واظهار الكرامات على من يشاء من عباده { ذُو ٱنْتِقَامٍ } من يحجد ذلك وانتقام يغر اوليائه بعز التوحيد وينتقم من اعدائه انكارهم على امنائه بان لا يهديهم الى ما اتاهم من انواع فضله وكرمه قال الواسطى عزيز ذو انتقام عن ان يخالف ارادته ا حد بل ينتقم بما يجرى عليه ان يكون عقوبته مقابله."عرائس البيان في حقائق القرآن/ البقلي"
الإشارة: ظهور أولياء الله لطف من آيات الله، فمن كفر بهم حُرم بركتهم، وبقي في عذاب الحجاب وسوء الحساب، تظهر عليه النقمة والمحنة، حين يرفع الله المقربين في أعلى عليين، ويكون الغافلون مع عوام المسلمين، (ذلك يوم التغابن). والله تعالى أعلم. ومَنْ تحقق أن الله واحدٌ في ملكه، لا شريك له في ذاته ولا في صفاته ولا في أفعاله، وأنه أحاط به علماً وسمعاً وبصراً، وأن أمره بين الكاف والنون، { إِذَآ أَرَادَ شَيْئاً أَن يَقُولَ لَهُ كُن فَيَكُونُ } [يس: 82] - كيف يشكو ما نزل به منه إلى أحد سواه؟ أم كيف يرفع حوائجه إلى غير مولاه؟ أم كيف يعول هما، وسيدُه من خيره لا ينساه؟ من دبرك في ظلمة الأحشاء، وصوَّرك في الأرحام كيف يشاء، وآتاك كل ما تسأل وتشاء، كيف يَنْساكَ من بره وإحسانه؟ أم كيف يخرجك عن دائرة لطفه وامتنانه؟ وفي ذلك يقول لسان الحقيقة:
تَذَكَّر جَمِيلِي فِيكَ إِذْ كُنْتَ نُطْفَةً وَلا تَنْسَ تَصْوِيرِي لشَخْصِكَ في الْحَشا
وَكُنْ وَاثِقاً بِي في أُمُورِكَ كُلِّها سأَكْفِيكَ مِنْهَا ما يُخافُ ويُخْتَشَى
وَسَلِّمْ ليّ الأمْرَ واعْلَمْ بأنني أُصَرِّفُ أحْكَامِي وأَفْعَلُ مَا أشا
"البحر المديد لابن عجيبة الحسيني"



_________________
أغث يا سيدى وأدرك محبا يرى الأقدار تضربه سهاما
لكل قضية أعددت طه بغير شكية يقضى المراما
أيغدرنا الزمان وأنت فينا معاذ الله يا بدر التماما
(ﷺ)


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة: Re: من رقائق التفاسير الصوفية
مشاركة غير مقروءةمرسل: الخميس إبريل 25, 2024 10:52 pm 
غير متصل

اشترك في: الاثنين يناير 25, 2021 8:59 pm
مشاركات: 2430

هُوَ ٱلَّذِيۤ أَنزَلَ عَلَيْكَ ٱلْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُّحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ ٱلْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ في قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ٱبْتِغَاءَ ٱلْفِتْنَةِ وَٱبْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ ٱللَّهُ وَٱلرَّاسِخُونَ فِي ٱلْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِّنْ عِندِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلاَّ أُوْلُواْ ٱلأَلْبَابِ ٧ رَبَّنَا لاَ تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِن لَّدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ ٱلْوَهَّابُ ٨ رَبَّنَآ إِنَّكَ جَامِعُ ٱلنَّاسِ لِيَوْمٍ لاَّ رَيْبَ فِيهِ إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يُخْلِفُ ٱلْمِيعَادَ ٩ -آل عمران





قوله: { فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ٱبْتِغَاءَ ٱلْفِتْنَةِ }[7] يعني الكفر. { وَٱبْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ }[7] يعني تفسيره على ما يوافق هوى نفوسهم. { وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ ٱللَّهُ }[7] قال ابن عباس رضي الله عنهما: أنزل القرآن على أربعة أحرف، حلال وحرام لا يعذر أحد بجهالته، وتفسير تفسره العرب، وتفسير تفسره العلماء، ومتشابه لا يعلمه إلاَّ الله تعالى، فمن ادعى علمه سوى الله عزَّ وجلَّ فهو كاذب.
قوله: { وَٱلرَّاسِخُونَ فِي ٱلْعِلْمِ }[7] قال: حكي عن علي رضي الله عنه: هم الذين حجبهم العلم عن الاقتحام بالهوى والحجج المضروبة، دون الغيوب لما هداهم الله وأشرفهم على أسراره المغيبة في خزائن العلوم فقالوا: { آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِّنْ عِندِ رَبِّنَا }[7] فشكر الله تعالى لهم وجعلهم أهل الرسوخ والمبالغة في العلم زيادة منه لهم، كما قال الله تعالى: { { وَقُل رَّبِّ زِدْنِي عِلْماً } [طه:114] قال سهل: استثنى الله تبارك وتعالى الراسخين في العلم بقولهم: { كُلٌّ مِّنْ عِندِ رَبِّنَا }[7] يعني الناسخ والمنسوخ والمحكم والمتشابه، وهم الكاشفون عن العلوم الثلاثة إذ العلماء ثلاثة: الربانيون والنورانيون والذاتيون، وبعد العلوم الأربعة: الوحي والتجلي والعندي واللدني، كما قال تعالى: { { آتَيْنَاهُ رَحْمَةً مِّنْ عِندِنَا وَعَلَّمْنَاهُ مِن لَّدُنَّا عِلْماً } [الكهف:65]، { { وَمَا يَذَّكَّرُ إِلاَّ أُوْلُواْ ٱلأَلْبَابِ } [البقرة:269] أي وما يتذكر إلاَّ أولو الفهم والعقول الذين يقولون: { رَبَّنَا لاَ تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا }[8] أي لا تُمل قلوبنا عن الإيمان بعد إذ هديتنا بهداية منك، { وَهَبْ لَنَا مِن لَّدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ ٱلْوَهَّابُ }[8] لمن رجع إليك بالافتقار والتضرع والمسكنة. ثم قال سهل: ليس للعبد حيلة سوى أن يواظب في جميع عمره على قول: "رب سلم سلم، الأمان الأمان، الغوث الغوث".
قال الله تعالى: { كَمَا بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ } [الأعراف:29] يعني ينبغي للموحد أن يعلم يقيناً أنه ليس كل من أحب الحق أحبه، لأن إبليس قابله بعلاء الحب فقال: { { أَأَسْجُدُ لِمَنْ خَلَقْتَ طِيناً } [الإسراء:61] وأنت الله لا يجوز أن يعبد غيرك، حتى لعنه. فليس كل من تقرب إليه قبله وليس كل من أطاعه قبل طاعته، إنه بصير بما في الضمير، فلا يأمن أحد أن يفعل به كما فعل بإبليس لعنه بأنوار عصمته، وهو عنده في حقائق لعنته، ستر عليه ما سبق منه إليه حتى عاقبه بإظهاره عليه، فليس للعبد إلاَّ استدامة الغوث بين يديه. وقد كان الرسول صلى الله عليه وسلم يقول: "يا ثابت المثبتين ثبتني بثباتك، يا ثابت الوحدانية لا إله إلاَّ أنت، سبحانك إني كنت من الظالمين" . وكان يقول: "يا ولي الإسلام وأهله ثبتني بالإسلام حتى ألقاك به" ، قال: وموضع الإيمان بالله تعالى القلب، وموضع الإسلام الصدر، وفيه تقع الزيادة والنقصان."التستري"

جَنَّسَ عليهم الخطاب؛ فمِنْ ظاهرٍ واضح تنزيله، ومن غامض مشكل تأويله. القِسْم الأول لبسط الشرع واهتداء أهل الظاهر، والقِسْم الثاني لصيانة الأسرار عن اطلاع الأجانب عليها، فسبيلُ العلماء الرسوخُ في طلب معناه على ما يوافق الأصول، فما حصل عليه الوقوف فمُقَابَلٌ بالقبول، وما امتنع من التأثر فيه بمعلول الفكر سلَّموه إلى عالم الغيب.
وسبيل أهل الإشارة والفهم إلقاء السمع بحضور القلب، فما سنح لفهومهم من لائح التعريفات بَنَوْا (عليه) إشارات الكشف.
إنْ (طولبوا) باستدامة الستر وطيِّ السِّر تخارسوا عن النطق، وإنْ أُمِروا بالإظهار والنشر أطلقوا بيان الحق، ونطقوا عن تعريفات الغيبة، فأمَّا الذين أُيِّدوا بأنوار البصائر فمستضيئون بشعاع شموس الفهم، وأمّا الذين ألبسوا غطاء الريب، وحرموا لطائف التحقيق، فتتقسم بهم الأحوال وتَتَرجَّمُ بهم الظنون، ويطيحون في أودية الرَّيْبِ والتلبيس، فلا يزدادون إلا جهلاً على جهل، ونفوراً على شك.
قوله جلّ ذكره: { وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللهُ }.
ومَنْ وجد علمه من الله فيكون إيمانهم بلا احتمال جولان خواطر التجويز بل عن صريحات الظهور، وصافيات اليقين. وأمّا أصحاب العقول الصاحية ففي صحبة التذكر، لظهور البراهين و(....) أحكام التحصيل.
ما ازدادوا قرباً إلا ازدادوا أدباً، واللياذ إلى التباعد أقوى أسباب رعاية الأدب ويقال حين صدقوا في حسن الاستغانة أُمِدُّوا بأنوار الكفاية.اليوم جمع الأحباب على بساط الاقتراب، وغداً جمع الكافة لمحل الثواب والعقاب، اليوم جمع الأسرار لكشف الجلال والجمال، وغداً جمع الأبشار لشهود الأحوال، ومقاساة ما أخبر عنه من تلك الأحوال."القشيري"
الإشارة: إذ صفت القلوب، وسكنت في حضرة علام الغيوب، تنزلت عليها الواردات الإلهية والعلوم اللدنية، والمواهب القدسية، فمنها ما تكون محكمات المبنى، واضحة المعنى، ومنها ما تكون مجملة في حال ورودها، وبعد الوعي يكون البيان، { فَإْذَا قَرَأْنَاهُ فَاْتَّبِعْ قُرْءَانَهُ ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ } [القيامة: 18، 19]. وقد تكون خارجة عن مدارك العقول. فأما أهل الزيغ والانتقاد فيتعبون المتشابه من تلك الواردات، ابتغاء فتنة العامة، وصرفهم عن طريق الخاصة، وابتغاء تأويله، ليقيم عليه حجة الشريعة، { وما يعلم تأويله إلا الله }، أو من تحقق فناؤه في الله، وهم الراسخون في معرفة الله، يقولون: { آمنا به كل من عند ربنا }؛ إذ القلوب المطهرة من الهوى لا نطق عن الهوى، وهم أرباب القلوب يقولون: { ربنا لا تزغ قلوبنا } عن حضرة قدسك { بعد إذ هديتنا } إلى الوصول إليها، { وهب لنا من لدنك رحمة } تعصمنا من النظر إلى سواك، { إنك أنت الوهاب }.
ربنا إنك جامع الناس. وهم السائرون إليك ليوم لا ريب في الوصول إليه، وهو يوم اللقاء، { إنك لا تخلف الميعاد } فاجمع بيننا وبينك، وحل بيننا وبين من يقطعنا عنك؛ { إنك على كل شيء قدير }."ابن عجيبة الحسيني"
{ مِنْهُ آيَاتٌ مُّحْكَمَاتٌ } المحكمات التى لا تتبدل مما كانت فى الازل وهى ايات لا بد للمؤمنين من استعمال اوامرها لانها فى اصلاح الخلق وثبت ايمانهم بمنزلة الدواء للمرضى قال ابو عثمن هى فاتحة الكتاب التى لا تجزى الصلوة الا بها وقال محمد من الفضل سورة الاخلاص لانه ليس فيها التويحد فقط { هُنَّ أُمُّ ٱلْكِتَابِ } اى مدار اوامر الكتاب و---- اصول المعاملات وبينت اشجار الايمان فى قلوب اهل المداناة بنعت ----- لارواح فى اقتباس ---- { وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ } هى اوصاف التباس الصفات وظهور الذات فى مراة الشواهد والايات { فَأَمَّا الَّذِينَ في قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ٱبْتِغَاءَ } اهل التقليد يخوضون فى المتشابهات طلبا للتوحيد وهم بمعزل عن شهوده لانهم اصحاب الوهم وصاحب الوهم لا يعرف حقيقة الاشياء المحدثة فكيف يعرف وجود الحق برسم الوهم واذا كان يطلب علوم المتشابهة لم يبلغ حقيقتها ويقع فى الفتنة ولهذا قال عليه السلام تفكروا فى الاء الله ولا تتكفرو فى ذات الله ومن لا يعبر بحار حقائق اليقين ولم ينظر فى مراة التحقيق ورسم فى المتشابهات يسقط عن مرسوم ايماننه ولا يبلغ معانى متشابهات لانه مقام اهل العشق الذى يرون الحق فى كل شئ كما قال بعض اهل المعانى ما نظرت الى شئ الا ورايت الله فيه هذا وصف ظهور التجلى فى مراة الكون كان الحق تعالى جل فى الاشياء لانه منزه عن اشكال الحلول { وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ ٱللَّهُ وَٱلرَّاسِخُونَ فِي ٱلْعِلْمِ } خص نفسه جل جلاله بحقيقة علم تشابه اسرار الالتباس هيأت الجبروت فى الملكوت بنعت ظهور تجليه لاهل حقيقة التوحيد والتفريد واضاف الى اوليائه من اهل العشق خاصة طرفا من علم المشاهدة بنعت الالتباس فى حقيقة المكاشفة { يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ } ايمان مشاهدة وحقيقة علم وعرفان مكاشفة والراسخون هم الذين كشف لهم اسرار العلوم اللدنية وعجائب معلومات الاخرة الخارجة من انصار الطاهرة وايضا الراسخ الربانى الذى تخلق بخلق الحق جلت عظمته ان يكون له كفوا وقال الواسطى هم الذين رسخوا بارواحهم فى غيب الغيب فى سر السر فعرفهم ما عرفهم وخاضوا فى ابحر العلم بالفهم لطلب الزيادات ما كشف لهم من مدخور الخزائن تحت كل حرق منه من الفهم وعجائب الخطاب فنطقوا بالحكم وقال سهل الرسوخ فى العلم زيادة بيان ونرو من الله كما قال رب زدنى علما وقال الراسخ فى العلم من علوم المكاشفة ربانى نور انى وزانى واحكام العلوم اربعة الوحى والتجلى والعندى واللدنى وقال بعضهم الراسخ فى العلم من طوع على محل المراد من الخطاب وصف اللاستادرحمه الله اهل اليقين واهل الزيغ قال اما الذين ايدوا بانوار البصائر فمستضيئون بشعاع شموس الفهم واما الذين اسبلوا غطاء الريب وحرموا الطائف التحقيق فينقسم بهم الاحوال وترتجم لهم الظنون ------- التلبيس فلا يزداد دون الا جحدا على جحد ونقورا على شك قال ومن وجد علم التاويل من الله عز وجل فيكون ايمانهم بلا احتمال لحولان خواطر التجريد بل عن صريحات الظهور وصافيات اليقين قال واصحاب العقول الصاحبة هم فى صحة التذكير لوجود البراهين وستر احكام التحصيل وايضا الراسخون فى العلم هم الشاهدون بنعت الارواح قبل الاشباح فى ديوان الازل قد عاينوا مكنونات اسرار خصائص العلوم القدمية وفهموا منها عواقب شانهم فى مجدارج البقاء سخروا فى بحر عين اليقين ولم يتزلزلوا فى ظهور الحكومات بنعت التصاريف والتحويل والمكرو الخديعة فمل نيهزموا عن صولات القهر وتخويفه وثبتوا صدمات الله وفى الله فيما ظهر من الله من رسم المحو والطمس وعلموا ان جميعها ابتلاء وامتحان فسكنوا فى العبودية رسما ورسخوا فى مشاهدة الربوبية حقيقة وصرفا قوله تعالى { رَبَّنَا لاَ تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا } اى لا تزغ قلوبنا بقدان الطمانية بذكرك وايضا لا تزغ قلوبنا عن قربك ومحتبك بعداد هديتنا الى نمعرفتك ومحتبك { وَهَبْ لَنَا مِن لَّدُنْكَ رَحْمَةً } علما خاصا ومعرفة تامة { إِنَّكَ أَنْتَ ٱلْوَهَّابُ } وهب ما لا يحصى شكره وقال سهل رجع قوم للتضرع اليه والمسكنة بين يديه بعد اذ هديتنا اى لا تمل بقلوبنا واسرارنا عن الايمان بك اذ منيت علينا به وقال جعفر لا تنزل قلوبنا عنك بعد اذ هديتنا اليك من لدنك رحمة لزوما لخدمتك على شرط السنة انك انت الوهاب المعطى بفضله عباده ما لا يستحقونه من نعمه وقال الاستاد ما ازدادوا قربا الا ازداد واادبار واللياذ الى التباعد اقوى اسباب رعاية الادب وقيل حين صدقوا فى حسن الاستعانة ايدوا بانوار الكفاية."البقلي"
{ هُوَ ٱلَّذِيۤ } اصفاك يا أكمل الرسل لرسالته واجتباك لنيابته وخلافته، بأن { أَنزَلَ } تفضلاً وامتناً { عَلَيْكَ } من عنده لتصديقك وتأييدك { ٱلْكِتَابَ } المعجز لجميع من تحدى وتعارض معك تعظيماً لشأنك، وفصله بالسور والآيات الدالة على الأمور المتعلقة لأحوال العباد، وفي النشأة الأولى والأخرى؛ إذ { مِنْهُ آيَاتٌ مُّحْكَمَاتٌ } متعلقة بعموم أحوال العباد على اختلاف طبقاتهم في معاشهم معادهم من الأحكام والمعاملات والمعتقدات الجارية فيما بينهم بحسب النشأتين { هُنَّ أُمُّ ٱلْكِتَابِ } واجبة الاقتداء والامتثال لكافة الأنام { وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ } متعلقة بالمعارف والحقائق المتربتة على الحكم والمصالح المودعة في إيجاب التكليفات، والطاعات والعبادات المؤدية إليها بالنسبة إلى أولى العزائم الصحيحة المتوجهة إلى بحر التوحيد.
{ فَأَمَّا الَّذِينَ في قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ } ميل وعدول عن طريق الحق الجامع بين الظاهر والباطن { فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ } ويتركون الامتثال بمحكماته جهلاً وعناداً، ولم يعلموا أن الوصول إلى المعارف والحقائق إنما تنال بتهذيب الظاهر بامتثال المحكمات، وليس غرضهم من تلك المتابعة { ٱبْتِغَاءَ ٱلْفِتْنَةِ } أي: طلب إيقاع الفتنة بين الناس إفساد عقائدهم عن منهج التوحيد { وَٱبْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ } إلى ما يرتضيه عقولهم وتشتهيه نفوسهم، كالمبتدعة خذلهم الله { وَ } الحال أنه { مَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ } على ما ينبغي { إِلاَّ ٱللَّهُ } المنزل؛ إذ تأويل كلامه لا يسع لغيره إلا بتوفيقه وإعانته { وَٱلرَّاسِخُونَ فِي ٱلْعِلْمِ } اللدني المؤيدون من عنده بإلهامه ووحيه بمعارف وحقائق لا تحصل بمجرد القوة البشرية إلا بتأييد منه، وجذب من جانبه { يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ } أي: أيقنا وأذعنا بمحكمات الكتاب ومتشابهاته جميعاً؛ إذ { كُلٌّ } منزل { مِّنْ عِندِ رَبِّنَا } ومالنا أن يتفاوت فيه { وَمَا يَذَّكَّرُ } يتعظ ويتيقظ منه { إِلاَّ أُوْلُواْ ٱلأَلْبَابِ } [آل عمران: 7] المجبولون على لب التوحيد، المعرضون عن قشوره التي هي من مقتضيات القوى النفسانية، التي هي من جنود شياطين الأهواء الباطلة والآراء الفاسدة.
{ رَبَّنَا } يا من ربانا بلطفك على نشأة توحيدك { لاَ تُزِغْ } ولا تمل { قُلُوبَنَا } عن طريقك { بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا } عليه بإنزال الكتب وإرسال الرسل { وَهَبْ لَنَا } وتفضل علينا { مِن لَّدُنْكَ رَحْمَةً } علماً وعيناً وحقاً { إِنَّكَ أَنْتَ ٱلْوَهَّابُ } [آل عمران: 8] بلا إعراض وأغراض.
{ رَبَّنَآ إِنَّكَ } بذاتك وأوصافك وأسمائك { جَامِعُ } شتات { ٱلنَّاسِ لِيَوْمٍ } شأنه { لاَّ رَيْبَ فِيهِ } ولا شك في وقوعه لإخبارك بوقوعه على ألسنة رسلك، وإنزالك في كتبك { إِنَّ ٱللَّهَ } الجامع لتشات العباد في المعاد { لاَ يُخْلِفُ ٱلْمِيعَادَ } [آل عمران: 9] الذي وعده في كتابه، بل أنجزه على مقتضى إنزاله ووحيه. "الجيلاني"

_________________
أغث يا سيدى وأدرك محبا يرى الأقدار تضربه سهاما
لكل قضية أعددت طه بغير شكية يقضى المراما
أيغدرنا الزمان وأنت فينا معاذ الله يا بدر التماما
(ﷺ)


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
عرض مشاركات سابقة منذ:  مرتبة بواسطة  
إرسال موضوع جديد الرد على الموضوع  [ 310 مشاركة ]  الانتقال إلى صفحة السابق  1 ... 17, 18, 19, 20, 21

جميع الأوقات تستخدم GMT + ساعتين


الموجودون الآن

المستخدمون المتصفحون لهذا المنتدى: لا يوجد أعضاء مسجلين متصلين و 5 زائر/زوار


لا تستطيع كتابة مواضيع جديدة في هذا المنتدى
لا تستطيع كتابة ردود في هذا المنتدى
لا تستطيع تعديل مشاركاتك في هذا المنتدى
لا تستطيع حذف مشاركاتك في هذا المنتدى
لا تستطيع إرفاق ملف في هذا المنتدى

البحث عن:
الانتقال الى:  
© 2011 www.msobieh.com

جميع المواضيع والآراء والتعليقات والردود والصور المنشورة في المنتديات تعبر عن رأي أصحابها فقط