موقع د. محمود صبيح

منتدى موقع د. محمود صبيح

جميع الأوقات تستخدم GMT + ساعتين



إرسال موضوع جديد الرد على الموضوع  [ 22 مشاركة ]  الانتقال إلى صفحة 1, 2  التالي
الكاتب رسالة
 عنوان المشاركة: أسرار سجدات التلاوة عند ابن العربى الحاتمى
مشاركة غير مقروءةمرسل: الخميس سبتمبر 23, 2010 3:21 pm 
غير متصل

اشترك في: الخميس فبراير 26, 2004 3:38 pm
مشاركات: 1346
بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا ومولانا رسول الله وآله أجمعين

هذه مشاركة متواضعة .. موضوعها كلام سيدنا الولى الكبير محيى الدين بن العربى وفتوحاته فى معانى وأسرار سجدات التلاوة الواردة فى القرآن الكريم ... أنقلها لحضراتكم من كتابه المبارك المسمى بالفتوحات المكية ... والله المستعان ومنه القبول .

قال الشيخ الأكبر رحمه الله :

وصل فى ذكر سجود القرآن العزيز

اعلم أن سجدات القرآن العزيز من إحدى عشرة سجدة إلى خمس عشرة سجدة فمنها ما ورد بصيغة الخبر ومنها ما ورد بصيغة الأمر .

السجدة الأولى
فمن ذلك فى سورة الأعراف ، فى خاتمتها .


أما الأعراف فهو سور بين الجنة والنار ، باطنه فيه الرحمة - وهو ما يلى الجنة ، وظاهره من قبله
العذاب - وهو ما يلى النار منه .
وعليه رجال تساوت حسناتهم وسيئاتهم فلم ترجح فى الوزن كفة على كفة ، فلم تثقل موازينهم ولا خفت ، فإنه ما وضع الله لأحد منهم فى ميزانه تلفظه بلا إله إلا الله ، فإنه ما ثم سيئة تعادلها إلا الشرك .
وكما لا يجتمع الشرك والتوحيد فى قلب شخص واحد كذلك لا يدخل فى الميزان إلا لصاحب السجلات لسبب آخر نذكره فى هذا الكتاب أو قد ذكرناه فى باب القيامة فيما تقدم .

وأما خاتمة هذه السورة فقوله تعالى ( وإذا قرئ القرآن فاستمعوا له وأنصتوا )
وهذه الآية روينا أنها نزلت فى القراءة فى الصلاة ، والسجود ركن من أركان الصلاة .

وختم هذه السورة بذكر الملائكة وسجودهم لله فوصفهم فقال ( إن الذين عند ربك ) وهم المقربون من الملائكة ( لا يستكبرون عن عبادته ) يقول يذلون ويخضعون له ( ويسبحونه ) أى ينزهونه عن الصفات التى لا تليق بهم به وهى التى تقربوا بها إليه من الذلة والخضوع وصدقهم الله فى هذه الآية فى قولهم ( ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك ) فأخبر الله عنهم بما أخبروه عن نفوسهم ( وله يسجدون ) وصفهم بالسجود له عز وجل مع هذه الأحوال المذكورة .

وقال الله تعالى لما ذكر النبيين عليهم السلام لمحمد - صلى الله عليه وسلم - وذكر أنه تعالى آتاهم الكتاب والحكم والنبوة قال له ( أولئك الذين هدى الله فبهداهم اقتده ) وهم بشر مثله فما ظنك بالملائكة الذين لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون , وأى هدى أعظم مما هدى الله تعالى به الملائكة .

فسجد هذا التالى فى هذه السجدة اقتداء بسجود الملإ الأعلى وبهديهم .

فمن سجد فيها ولم يحصل له نفحة مما حصل للملائكة فى سجودها من حيث ملكيته الخاصة
به ، فما سجدها . وهكذا فى كل سجدة ترد .

ورأى أصحاب الأعراف أن موطن القيامة قد سجد فيه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عندما طلب من ربه فتح باب الشفاعة تعظيما لله وهيبة وجلالا ، وسمع الله تعالى يقول ( يوم يكشف عن ساق ) وهو الأمر العظيم الذى قيل فيه ( والتفت الساق بالساق ) أى التف أمر الدنيا بأمر الآخرة ، تقول العرب : كشفت الحرب عن ساقها وهو إذا حمى الوطيس واشتد الحرب وعظم الخطب ، فعلموا أنه موطن سجود .

فلما دعوا إلى السجود هنالك سجد أصحاب الأعراف امتثالا لأمر الله ، فرجحت كفة حسناتهم بهذه السجدة وثقلت فسعدوا لأنها سجدة تكليف مشروعة فى ذلك الموطن عن أمر إلهى فيدخلون الجنة .


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة:
مشاركة غير مقروءةمرسل: الخميس سبتمبر 30, 2010 4:17 pm 
غير متصل

اشترك في: الخميس فبراير 26, 2004 3:38 pm
مشاركات: 1346

وصل السجدة الثانية

وهى سجود الظلال بالغدو والآصال مع سجود عام

وهذه سجدة سورة الرعد وهى عند قوله تعالى ( ولله يسجد من فى السموات ومن فى والأرض طوعا وكرها وظلالهم بالغدو والآصال )

وظلال الأرواح أجسادها ، فأخبر الله تعالى أنه يسجد له ( من فى السموات ) وهم الأعلون ، ( ومن فى الأرض ) وهم الأسفلون ، عالم الأجسام الذين قاموا بالنشأة العنصرية ، ( طوعا ) للأرواح من حيث علمهم ومقامهم وللأجسام من حيث ذواتهم وأعيانهم ، ( وكرها ) فى الأرواح من حيث ذواتهم وفى الأجسام من حيث رئاستهم وتقدمهم على أبناء جنسهم .

وهذا سجود إخبار ، فتعين على العبد أن يصدق الله فى خبره عمن ذكر فإنه من أهل الأرض بجسده ومن أهل السموات بعقله ، فهو الملك البشرى والبشر الملكى .

فيسجد طائعا لربه وكرها من تقييده بجهة خاصة لا يقتضيها علمه - وإن كان ساجدا فى نفس الأمر سجودا ذاتيا وإن لم يشعر بذلك - فيوقعها عبادة فإن ذلك أنجى له .

وذكر الغدو والآصال لامتداد الظلال فى هذه الأوقات ، فجعل امتدادها سجودا ، فهى فى الغدو تتقلص رجوعا إلى أصلها الذى منه انبعثت وخوفا على نفسها من الاحتراق ، فكأنها تقتصر على ذاتها .
وفى الآصال تمتد وتطول بالزيادات من إظهار نعم الله التى أسبغها عليها .

والغدو والآصال من الأوقات المنهى عن الصلاة فيها ، فأخرج حكم السجود فى هذه الأوقات عن حكم النافلة وجعل حكمه حكم الفرائض أو المقضى من النوافل .

فتعين على التالى فى هذه الآية السجود ، فيجازى من باب من صدق ربه تعالى فى خبره .

فسجدة الأعراف سجدة اقتداء بهدى الملائكة ، وهذه سجدة تصديق بتحقيق .

انتهى كلام الولى المبارك سيدى محيى الدين بن العربى


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة:
مشاركة غير مقروءةمرسل: الخميس أكتوبر 14, 2010 12:21 pm 
غير متصل

اشترك في: الخميس فبراير 26, 2004 3:38 pm
مشاركات: 1346
وصل السجدة الثالثة

سجود العالم الأعلى والأدنى فى مقام الذلة والخوف

سجود هذه السجدة عند قوله ( ويفعلون ما يؤمرون ) فذكر الملائكة والظلال ، وسجدوا فى الأعراف سجود اختيار لما يقتضيه جلال الله ، وهنا أثنى الله عز وجل عليهم بأنهم يفعلون ما يؤمرون ، فسجدوا شكرا لله لما أثنى الله عز وجل عليهم بما وفقهم إليه من امتثال أوامره ، فسجدها العبد رغبة فى أن يكون ممن أثنى الله عليه بما أثنى على ملائكته .

فهى للعبد سجود ذلة وخضوع ، فإنه يقول ( تتفيأ ظلاله ) الضمير فى ظلاله يعود على الشىء المخلوق ، وقد قلنا إن الأجساد ظلال الأرواح فلا تتحرك إلا بتحريك الأرواح إياها تحريكا ذاتيا ، ثم قال ( عن اليمين والشمائل سجدا لله وهم داخرون ) أى أذلاء ، فهو سجود ذلة وخضوع .


فمن سجد هذه السجدة ولم يشاهد سجود ظله فى اليمين إذا وقع له التجلى فى الشمائل ، ولا شاهد سجود ظله فى الشمائل إذا وقع له التجلى فى اليمين ، ولم يحصل له التأثير فى عالم الكون خاصة فإن الآثار فى حضرة العين سهلة الوجود ، وما يظهر الرجال أصحاب القوة واليمين إلا فى تأثيرهم فى الكون .

فهذا من خصوص سجود هذه السجدة .

انتهى كلام الولى المبارك سيدى محيى الدين بن العربى


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة:
مشاركة غير مقروءةمرسل: الثلاثاء أكتوبر 19, 2010 6:15 pm 
غير متصل

اشترك في: الخميس فبراير 26, 2004 3:38 pm
مشاركات: 1346
وصل السجدة الرابعة

سجود العلماء بما أودع الله فى كلامه من علوم الأسرار والأذواق ، وهو سجود تسليم وبكاء وخشوع .

( وبالحق أنزلناه وبالحق نزل وما أرسلناك إلا مبشرا ونذيرا . وقرآنا فرقناه لتقرأه على الناس على مكث ونزلناه تنزيلا ) .

يقول ( وبالحق أنزلناه ) لتحكم به بين الناس فيما اختلفوا فيه من الحق
( وبالحق نزل ) لذاته
( وما أرسلناك ) خطابا لمن أنزل عليه تبيانا لكل شىء
( إلا مبشرا ) تبشر قوما برحمة منه ورضوان وجنات لهم فيها نعيم مقيم وتبشر قوما بعذاب أليم
( ونذيرا ) معلما بمن تبشره وبما تبشر
( وقرآنا ) وكلاما جامعا لأمور شتى
( فرقناه ) أى فصلناه آيات بينات فى سور منزلات
( لتقرأه ) أى تجمعه وتجمع عليه الناس
( على الناس على مكث ) تؤدة مرتلا
( ونزلناه ) عما يجب له من التعظيم إلى مخاطبة من لا يعرف قدره " وما قدروا الله حق قدره "
( قل ) يأيها النبى
( آمنوا به ) صدقوا به
( أو لا تؤمنوا ) أو تردوه ولا تصدقوا به
( إن الذين أوتوا العلم ) أعطوا العلامات التى تعطى اليقين والطمأنينة فى الأشياء
( من قبله ) ممن تقدمه من أمثاله
( إذا يتلى ) تتبع آياته بعضها بعضا بالمناسبة التى بين الآية والآية
( يخرون للأذقان سجدا ) يقعون على وجوههم مطأطئين أذلاء والسجود التطاطى . أسجد البعير إذا طأطأه ليركبه
( ويقولون سبحان ربنا ) أى وعده صدق وكلامه حق
( إن كان وعد ربنا لمفعولا ) واقعا كما وعد . والوعد يستعمل فى الخير والشر ، والوعيد فى الشر خاصة .
فالوعد فى الخير من الله لا بد منه ، والوعيد قد يعفو ويتجاوز فإنه من صفة الكريم عند العرب ومما تمدح به الأعراب ساداتها وكبراءها يقول شاعرهم :
وإنى إذا أوعدته أو وعدته ... لمخلف إيعادى ومنجز موعدى
( ويخرون للأذقان يبكون ) على ما فرط منهم مما لا يستدركونه ولو عفى عنه ، فالكتابة على المحو ما تقوم فى الصفاء كالكتابة على غير المحو
( ويزيدهم خشوعا ) أى ذلة . والخشوع لا يكون أبدا من الخاشع إلا عن تجل ولا بد ، إما على الظاهر وإما على الباطن أو عليهما معا .

فهذه السجدة سجدة زيادة فى الخشوع ، والخشوع كما قلنا لا يكون إلا عن تجل إلهى ، فزيادة الخشوع زيادة دليل على زيادة التجلى ، فهذا يسمى سجود التجلى . فافهم .


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة:
مشاركة غير مقروءةمرسل: الأربعاء نوفمبر 10, 2010 2:28 pm 
غير متصل

اشترك في: الخميس فبراير 26, 2004 3:38 pm
مشاركات: 1346
وصل السجدة الخامسة

وهى سجود الإنعام العام الرحمانى عن الدلالات


وهى فى سورة مريم عند قوله ( إذا تتلى عليهم آيات الرحمن خروا سجدا وبكيا ) وهى سجدة النبيئين المنعم عليهم .

هذا بكاء فرح وسرور وآيات قبول ورضا ، فإن الله قرن هذا السجود بآيات الرحمن ، والرحمة لا تقتضى القهر والعظمة وإنما تقتضى اللطف والعطف الإلهى ، فدمعت عيونهم فرحا بما بشرهم الله من هذه الآيات .

فالصورة صورة بكاء لجريان الدموع ، والدموع دموع فرح لا دموع ترح وكمد وحزن ، لأن مقام الاسم الرحمن لا يقتضيه .

وفى هذه السورة فى قوله ( يوم نحشر المتقين إلى الرحمن ) فرح أبو يزيد وطار الدم من عينيه حتى ضرب المنبر وقال : يا عجبا !! كيف يحشر إليه من هو جليسه ، فإن الله يقول " أنا جليس من ذكرنى " .

والمتقى ذاكر لله ذكر حذر ، فلما حشر إلى الرحمن - وهو مقام الأمان مما كان فيه من الحذر - فرح بذلك واستبشر ، وكان دمع أبى يزيد دمع فرح . كيف حشر منه إليه حين حشر غيره إلى الحجاب .

وأما قوله فى هذه السورة عن إبراهيم الخليل فى قوله ( إنى أخاف أن يمسك عذاب من الرحمن ) فقرن العذاب بالاسم الرحمن ولا يقتضيه هنا فى الظاهر ، فاعلم أنه أشار له إلى الاسم الذى هو أبوه معه فى الحال فإنه مع الرحمن بلا شك لحصول العافية والخير والرزق والصحة الذى هو فيه وعليه ، والمعنى الآخر فى مساق هذا الاسم مع العذاب ، مثل رحمة الطبيب بصاحب الآكلة فهو يعذبه فى الوقت بقطع العضو الذى فيه رحمة به حتى يحيا .

ومن رحمته نصب الحدود فى الدنيا لتكون لهم طهارة إلى الأخرى ، وهكذا فى كل دار إن نظرت بعين التحقيق ، فاعلم ذلك .

فمن سجد هذه السجدة ولم ير النعيم فى العذاب فما سجدها ، كما قال القائل :

أريدك لا أريدك للثواب ... ولكنى أريدك للعقاب
وكل مآربى قد نلت منها ... سوى ملذوذ وجدى بالعذاب

وأما رابعة العدوية فضرب رأسها ركن جدار فأدماه فقيل لها : ما تحسين بالألم ؟ فقالت : شغلى بموافقة مراده فيما جرى شغلنى عن الإحساس بما ترون من شاهدى الحال .

انتهى كلام الولى المبارك سيدى محيى الدين بن العربى


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة:
مشاركة غير مقروءةمرسل: الخميس ديسمبر 02, 2010 12:55 pm 
غير متصل

اشترك في: الخميس فبراير 26, 2004 3:38 pm
مشاركات: 1346
وصل السجدة السادسة

وهى سجود المعادن والنبات والحيوان وبعض البشر وعمار الأفلاك والأركان سجود مشاهدة واعتبار

قال الله تعالى (ألم تر أن الله يسجد له من فى السموات ومن فى الأرض والشمس والقمر والنجوم والجبال والشجر والدواب وكثير من الناس وكثير حق عليه العذاب ومن يهن الله فما له من مكرم إن الله يفعل ما يشاء )

فذكر سبحانه كل شىء فى هذه الآية ولم يبعض إلا الناس فإنه قال (وكثير من الناس) وجعل ذلك من مشيئته ، فبادر العبد بالسجود فى هذه الآية ليكون من الكثير الذى يسجد لله لا من الكثير الذى حق عليه العذاب .

فإذا رأى هذا العبد أن الله تعالى قد وفقه للسجود ولم يحل بينه وبين السجود علم أنه من أهل العناية الذين التحقوا بمن لم يبعض سجودهم ممن فى السموات ومن فى الأرض ..
والشمس فى غروبها .. والقمر فى محاقه .. والنجوم فى مواقعها .. والجبال فى إسكانها .. والشجر فى إقامتها على سوقها .. والدواب فى تسخيرها .. وبعض الناس ممن له الشهود .

فمن سجد هذه السجدة من أهل الله ولم يشهد كل عالم فيه ممن ذكر ويشهد سجود بعضه من كله ومن بقى منه ولم يسجد .. فما سجدها .


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة:
مشاركة غير مقروءةمرسل: الخميس ديسمبر 02, 2010 2:11 pm 
غير متصل

اشترك في: الأربعاء فبراير 03, 2010 12:20 am
مشاركات: 7603
في انتظار بقية السجدات ـ جزاك الله خيرا وصلى الله على سيدنا محمد وآله وسلم


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة:
مشاركة غير مقروءةمرسل: الاثنين ديسمبر 06, 2010 7:01 pm 
غير متصل

اشترك في: الخميس فبراير 26, 2004 3:38 pm
مشاركات: 1346

وجزاك الله خيرا أخى الفاضل ... وهذه هى السجدة السابعة

قال الولى المبارك العارف سيدى محيى الدين ابن العربى :

وصل السجدة السابعة وهى سجدة الفلاح والإيمان عن خضوع وذلة وافتقار .
وهى فى آخر الحج فى قوله ( يأيها الذين آمنوا اركعوا واسجدوا واعبدوا ربكم وافعلوا الخير لعلكم تفلحون )

فهذا سجود الفلاح وهو الفوز والبقاء والنجاة ، فكان فعل الخير مبادرته للسجود عندما سمع هذه الآية تتلى سببا لإيمانه إذ كان الله قد أيه بالمؤمنين فى هذه الآية وأمرهم بالركوع والسجود له فالتحق بالملائكة فى كونهم ( يفعلون ما يؤمرون ) فسجد العبد فأفلح .

وهى سجدة خلاف ، فمن سجد هذه السجدة ، ولم يعرف نسبة البقاء الإلهى والإبقاء ، ولم يفرق بين من هو باق ببقائه ومن هو باق بإبقائه ، وفاز فامتاز ، بعلامته ممن انحاز وجاز ، ونجا عندما التجا ، وقال بالتثبت فى بعض الأمور وفى بعضها بالنجا - فما سجد هذه السجدة .

انتهى كلام الولى المبارك سيدى محيى الدين بن العربى


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة:
مشاركة غير مقروءةمرسل: الخميس ديسمبر 09, 2010 1:52 pm 
غير متصل

اشترك في: الخميس فبراير 26, 2004 3:38 pm
مشاركات: 1346
وصل السجدة الثامنة
وهى سجدة النفور والإنكار عند أهل الاعتراف


قال تعالى ( وإذا قيل لهم اسجدوا للرحمن قالوا وما الرحمن أنسجد لما تأمرنا وزادهم نفورا )

لما قيل لهم اسجدوا للرحمن فسجدها المؤمن عندما يتلو ليمتاز بها عن الكافر المنكر لاسمه الرحمن فهذه تسمى سجدة الامتياز . والله يقول (وامتازوا اليوم أيها المجرمون ) .

فيقع الامتياز بين المنكرين الاسم الرحمن وبين العارفين به يوم القيامة بالسجود الذى كان منهم عند التلاوة .

وزادهم هذا الاسم نفورا لجهلهم به ، ولهذا قالوا ( وما الرحمن ) على طريق الاستفهام .

فهذا سجود إنعام لا سجود قهر ، فإن الكفار أخطئوا حيث رأوا أن الرحمن يناقض التكليف ورأوا أن الأمر بالسجود تكليف فلا ينبغى أن يكون السجود لمن هو هذا الاسم الرحمن لما فيه من المبالغة فى الرحمة ، فلو ذكره بالاسم الذى يقتضى القهر ربما سارع الكافر إلى السجود خوفا .

كما صدر من الجبار عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من رؤساء الجاهلية قال له :
يا محمد اتل على مما جئت به حتى أسمع .. فتلا عليه ( حم السجدة ) فلما وصل إلى قوله تعالى ( فإن أعرضوا فقل أنذرتكم صاعقة مثل صاعقة عاد وثمود ) وهم من العرب وحديثها مشهور عندهم بالحجاز .. فلما سمع هذه الآية ارتعدت فرائصه واصفر لونه وضرط من شدة ما سمع ومعرفته بذلك وقال : هذا كلام جبار .

فما زادهم نفورا إلا اقتران التكليف بالاسم الرحمن ، فإن الرحمن من عصاه عفا عنه وتجاوز فلا يكلفه ابتداء .

فلو علم هذا الجاهل أن أمره تعالى بالسجود للرحمن لا يناقض التكليف وإنما يناقض المؤاخذة ويزيد فى الجزاء بالحسنى لبادر إلى ذلك .. كما بادر المؤمن .

فمن سجد هذه السجدة ولم يفرق بين العلم والخبرة وهو علم الأذواق .. ومنه قوله تعالى ( ولنبلونكم حتى نعلم ) .

انتهى كلام الولى المبارك سيدى محيى الدين بن العربى .. ومفهوم الشرط فى الجملة الأخيرة .. يعنى : فكأنه لم يسجد . والله أعلم


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة:
مشاركة غير مقروءةمرسل: الثلاثاء ديسمبر 14, 2010 2:15 pm 
غير متصل

اشترك في: الخميس فبراير 26, 2004 3:38 pm
مشاركات: 1346
وصل السجدة التاسعة

وهى سجدة السر الخفى عن النبإ اليقين

وموضع السجود من هذه السورة مختلف فيه ، فقيل عند قوله ( يعلنون ) وقيل عند قوله ( رب العرش العظيم ) .

فهذا هو سجود توحيد العظمة إن سجد فى ( العظيم ) ، وإن سجد فى قوله ( ألا يسجدوا لله الذى يخرج الخبء فى السموات والأرض ويعلم ما تخفون وما تعلنون ) .


يقول إن الشمس التى يسجدون لها وإن اعتقدوا أنها تعلم ما يعلنون فالسجود لمن يعلم ما يخفون وما يعلنون أولى .

ثم إنهم يسجدون للشمس لكونها تخرج لهم بحرارتها ما خبأت الأرض من النبات ، فقال الله لهم ينبغى لكم أن تسجدوا للذى يخرج الخبء فى السموات - وهو إخراجه ما ظهر من الكواكب بعد أفولها وخبئها ثم يظهرها طالعة من ذلك الخبء - ، وفى الأرض ما يخرجه من نباتها .

فالشمس ليس لها ذلك بل بظهورها يكون خبء ما فى السموات من الكواكب ، فالله أولى بأن يسجد له من سجودكم للشمس فإن حكمها عند الله كحكم الكواكب فى الأفول والطلوع فطلوعها من الخبء الذى يخرجه الله فى السماء مثل سائر الكواكب .

فهذا سجود الرجحان ، فإن الدليل هنا فى جناب الله أرجح منه فى الدلالة على ألوهة الشمس حين اتخذتموها إلها لما ذكرناه .

فمن سجد هذه السجدة ولم يقف على لغات البهائم ولا علم منطق الطير ولم ينكح جميع الكواكب وحروف النطق بحيث يلتذ بها التذاذه بالكواعب .

انتهى كلام الولى المبارك سيدى محيى الدين بن العربى .. ومفهوم جواب الشرط فى الجملة الأخيرة .. يعنى : فكأنه لم يسجد . والله أعلم


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة:
مشاركة غير مقروءةمرسل: الثلاثاء ديسمبر 14, 2010 7:20 pm 
غير متصل

اشترك في: الأربعاء فبراير 03, 2010 12:20 am
مشاركات: 7603
رضوان الله على الشيخ الأكبر قدس الله سره .. وبارك الله فيك أخانا الفاضل على هذا النقل المنير من فتوحات سلطان العارفين ... وصلى الله على سيدنا محمد وآله وسلم


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة:
مشاركة غير مقروءةمرسل: الأربعاء ديسمبر 22, 2010 4:07 pm 
غير متصل

اشترك في: الخميس فبراير 26, 2004 3:38 pm
مشاركات: 1346

وجزاك الله خيرا أخى الفاضل ... قال الولى المبارك العارف سيدى محيى الدين ابن العربى :

وصل السجدة العاشرة
وهى سجدة التذكر والذكرى بتسبيح وتواضع عن دلالات منصوبة سجود عقل واستبصار


وهذه سجدة الم تنزيل التى إلى جانب سورة لقمان الحكيم ( إنما يؤمن بآياتنا الذين إذا ذكروا بها خروا سجدا وسبحوا بحمد ربهم وهم لا يستكبرون )

إن حرف تحقيق وتمكين ، يقول :
إن الذى يصدق بآياتنا أنها آيات نصبناها دلالات على وجودنا وصدق إرسالنا ما هى عن همم النفوس عند جمعيتها - هم الذين إذا ذكروا بها ، والتذكر لا يكون إلا عن علم غفل عنه أو نسيان من عاقل .. فإنما يتذكر أولو الألباب .

يقول : إنها مدركة بالنظر العقلى أنها دلالات على ما نصبناها عليه فإذا ذكروا بها وقعوا على وجوههم - أى حصلوا على معرفة ذواتهم - فنزهوا ربهم بما نزه به نفسه على ألسنة
رسله ولم يعطهم العلم الأنفة عن ذلك .

فمن سجد هذه السجدة ولم يقف على مدارك عقله ، ولم يفرق بين ما يعطيه نظره وبين ما يعطيه إيمانه ، فينزه ربه إيمانا لا عقلا .. ويأخذ العلم والحكمة حيث وجدها ... ولا ينظر إلى المحل الذى جاء بها .. وإن العاقل يعرف الرجال بالحق وغير العاقل يعرف الحق بالرجال .. وهذا من أكبر أغاليط النظر .

فإن المعنى الذى يندرج فى اللفظ الذى يقصد به المتكلم إيضاح أمر هو فى الحق المطلوب يقبله الجاهل من الرسول إذا جاءه به ويحيله ويرده من الوارث والولى إذا جاءه به ، فلو قبل العلم لذات العلم لكان ممن تذكر ، فإن الله تعالى يقول فى حق ما أنزل من القرآن أن رسول الله صلى الله عليه وسلم يخاطب به ثلاث طبقات من الناس .

فهو فى حق طائفة بلاغ ... يسمعون حروفه إيمانا بها أنها من عند الله لا يعرفون غير ذلك

وطائفة تلاه عليها ( ليدبروا آياته ) أى يتفكروا فيها حتى يعلموا أن الآتى بها لم يأت بها من نفسه بل هى من عند مرسله سبحانه .. وليتذكر أرباب العقول ما كانوا قد علموه قبل أى ما جاءوا بما تحيله الأدلة الغامض إدراكها فإنها لب الدلالات وهم أهل الكشف والجمع والوجود .

فمن لم يحصل ما ذكرناه فى سجوده هذه السجدة فما سجد .

انتهى كلام الولى المبارك سيدى محيى الدين بن العربى


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة:
مشاركة غير مقروءةمرسل: الأربعاء ديسمبر 22, 2010 9:46 pm 
غير متصل

اشترك في: الأربعاء فبراير 03, 2010 12:20 am
مشاركات: 7603
اللهم ارزقنا سجود القلب بين يديك ... جزاك الله خيرا أخانا الكريم ومتعك الله برؤية الحبيب المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة:
مشاركة غير مقروءةمرسل: الأربعاء يناير 05, 2011 5:57 pm 
غير متصل

اشترك في: الخميس فبراير 26, 2004 3:38 pm
مشاركات: 1346
آمين .. وجزاك الله خيرا أخى الفاضل .. قال الولى المبارك العارف سيدى محيى الدين ابن العربى :

وصل السجدة الحادية إحدى عشرة

وهى لنا سجدة شكر فى حضرة الأنوار ولصاحبها سجدة توبة لا من حوبة

وليست من عزائم السجود ، وهذه سجدة سورة (ص) فى قوله ( وظن داود أنما فتناه فاستغفر ربه وخر راكعا وأناب ) فسجدها توبة وشكرا معا .

والظن على بابه ، يقول ظن داود أنما اختبرناه ، فإن الفتنة فى اللسان الاختبار ، تقول العرب : فتنت الفضة على النار أى اختبرتها - فطلب طلبا مؤكدا الستر من ربه ، فإن الاستفعال يؤذن بالتأكيد ووقع خاضعا ورجع إلى الله فيما طلبه منه لا لحوله وقوته .. وهذا دليل على أنه كان عنده من القوة ما يستتر به فلم يفعل ورجع إلى الله فى ذلك .. ويؤيد هذا قول الله له ( ولا تتبع الهوى ) فلولم يكن فى قوته التحكم به فيما يريده ما نهى عنه .

فقضينا حاجته فيما رجع إلينا فيه .. وسترناه عن الأغيار فى حضرتنا ، فجهل قدره مع تصريحنا بخلافته عنا فى الحكم فى عبادى والتحكم والتصريف .

ثم قال ( وإن له عندنا لزلفى ) مما هو له منا لا يرجع من ذلك إلى الأكوان والأغيار شىء
( وحسن مآب ) وخاتمة حسنة أى مشهودة لأن الحسنة والحسن من الإحسان وهو مقام الشهود الذى يعطى الحقائق على ما هى عليه .

فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم فسر الإحسان لجبريل عليه السلام بما أشرنا إليه .

فمن سجد هذا السجود .. وهو سجود الإنابة - وفى السجود فيها خلاف - فإذا سجدها الإنسان ولم يجد فيها ما وجد داود عليه السلام من التقريب الإلهى .. وعلم خاتمة أمره .. وبماذا يختم له .. ونهاية مقامه ومنزلته عند ربه فى الدار الآخرة .

هذا إذا سجدها سجود داود .. وإذا سجدها سجود رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يجد الزيادة فى جميع أحواله فى كل حال بما يليق به من علم وعمل .. فى كل دار بما يليق بتلك الدار ، فإن الزيادات فى الدار بحسب ما وضعت لها .. فالدنيا دار تكليف وعمل .. والآخرة دار جزاء
والدنيا أيضا دار جزاء لمن عقل عن الله .

هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم لما غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر زاد فى عبادته ربه فقام حتى تورمت قدماه شكرا لله على ذلك ، وهذا جزاء العبد على المغفرة ، فهى دار جزاء .
فيوم الدين هو يوم الدنيا والآخرة .. فوضع الحدود فى الدنيا جزاء ، وجازى أهل الشقاء بما عملوه من مكارم الأخلاق فى الدنيا ما أنعم به عليهم من النعم حتى انقلبوا إلى الآخرة وقد جنوا ثمر خيرهم فى الدنيا .. فلو لم تكن الدنيا أيضا دار جزاء ما كان هذا .

فمن لم يدرك فى سجوده أمثال هذه العلوم فلم يسجد .

انتهى كلام الولى المبارك سيدى محيى الدين بن العربى


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة:
مشاركة غير مقروءةمرسل: الخميس يناير 06, 2011 2:09 am 
غير متصل

اشترك في: الثلاثاء مارس 14, 2006 6:34 pm
مشاركات: 40
ماشاء الله سلمت يداك يااخي فيما نقلت لنا من وريقات العلم اللدني

زادكم الله نورا وبسط لكم العلم تبسيطا

_________________
وامحمداه

وا ابتاه


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
عرض مشاركات سابقة منذ:  مرتبة بواسطة  
إرسال موضوع جديد الرد على الموضوع  [ 22 مشاركة ]  الانتقال إلى صفحة 1, 2  التالي

جميع الأوقات تستخدم GMT + ساعتين


الموجودون الآن

المستخدمون المتصفحون لهذا المنتدى: لا يوجد أعضاء مسجلين متصلين و 4 زائر/زوار


لا تستطيع كتابة مواضيع جديدة في هذا المنتدى
لا تستطيع كتابة ردود في هذا المنتدى
لا تستطيع تعديل مشاركاتك في هذا المنتدى
لا تستطيع حذف مشاركاتك في هذا المنتدى
لا تستطيع إرفاق ملف في هذا المنتدى

البحث عن:
الانتقال الى:  
© 2011 www.msobieh.com

جميع المواضيع والآراء والتعليقات والردود والصور المنشورة في المنتديات تعبر عن رأي أصحابها فقط