مقدمة كتاب : حياة الخضر وإلياس والمجيء الثاني للسيد المسيح
بسم الله الرحمن الرحيم
المقدمة
{الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَى عَبْدِهِ الْكِتَابَ وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجًا} [الكهف: 1] نزَّله على قَلْب المصطفى صلى الله عليه و آله وسلم تنزيلاً، تكريماً وتشريفاً وتفضيلاً.
وأشهد أن لا إله إلا الله, الملك الحق المبين, وأشهد أن سيدنا ومولانا محمَّد الصادق الوعد الأمين صلى الله عليه و آله وسلم عبده ورسوله, وصفيه من خلقه وحبيبه. وأصلى وأسلم على سر الأسرار ونور الأنوار سيدنا ومولانا محمَّد صلى الله عليه و آله وسلم , فاللهم صل وسلم على هذا النبي الكريم وعلى آله الطيبين الطاهرين حقّ قَدره ومقداره العظيم، واجعلنا من خاصة خاصته المقربين لديه السعداء, وارض اللهم عن صحابته الكرام خاصة أبى بكر وعمر وعثمان وعلىّ, وسائر العشرة, وأهل بدر, وارض اللهم عن التابعين وتابعي التابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
وبعد ..
يوماً ما أصابت الحيرة أهل مكة فى كيفية إيقاف دعوة رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم .
أساليب ووسائل وتدابير تم التباحث فيها وقُدمت مقترحات. اقترح بعضهم إحراج رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم عن طريق طرح أسئلة من علماء يهود تكون هذه الأسئلة مُعجزة بزعمهم للنبي صلى الله عليه و آله وسلم . إحراج رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم أصبح هدفاً لقومه وعشيرته, كيف يكون ذلك والمفترض منهم أن ينصروه؟ كيف يكون ذلك وقد رفع الله عنه الحرج؟
أَمْر قريش غريب عجيب لم تؤمن بدِين هؤلاء إلا أنهم استعانوا بهم على ابن أخيهم الصادق الأمين, فالأنوار المحمدية في ازدياد, سيدنا محمد صلى الله عليه و آله وسلم فوق النجوم لا يطال, وشمس لا تغيب, قمر في ليلة التمام, شموخ وعظمة وهيبة... حدث بلا حرج, اسقِ واستقِ واشرب, إياك أن تُروى.
مع أن أهل المدينة من أوس وخزرج تهوي أفئدتهم إلى البيت العتيق, إلا أن قريشاً قررت الاستعانة بيهود المدينة, الذين هم أَحد أهم أسباب الحروب بين الأوس والخزرج, فقد كانت تعتبرهم دخلاء على المدينة, فقد سبقوا الأوس والخزرج في سكنى المدينة من قبل ؛ ترقباً وانتظاراً لحدث ما يخرج من جزيرة العرب, هم بانتظار نبيّ يخرج من مكة بين (الأخشبين), له مُقام في المدينة ومنها ينتشر نور جديد قديم لا دافع له, يعلمون أن هذا النبي صلى الله عليه و آله وسلم سوف يلاقي ربه بعد إتمام مهمته على غير مثال سبق, ويكون ما بين قبره ومنبره بهذه المدينة روضة من رياض الجنة، فبقعة حَوَت جسده الشريف هي أطهر بقعة على وجه الأرض, ومدينته هذه محفوظة ببركته صلى الله عليه و آله وسلم من الطاعون ومن الدجال.
أهل مكة يحبون أهل المدينة ؛ فهم قوم مسالمون لا يتأذى بهم أحد, أهل مكة يعلمون جيداً مَن هم اليهود, فهم أصحاب الحصون المشيدة, هم أصحاب الحيطة الشديدة والحذر والانغلاق, فإنه لا يحدث شيء ما في بقعة من جزيرة العرب وما حولها إلا وخَبَر ذلك عند أهل مكة فهي المركز الديني والريادي والإعلامي للعرب, كما أن طبيعة العرب حيث التفاخر بالشرف والحسب والنسب تجعل جميع علاقات النسب والمصاهرة بين القبائل والبطون وحركة السكان من حِل وترحال وهجرات معروفة وخاصة لمركز دائرتهم مكة. لسبب أو لآخر لم يعتقد أو يعتنق الغالبية العظمى من العرب اليهودية ولا النصرانية إلا أنهم سمحوا لمعتقدي هذه الأديان بالسكنى بينهم في ديارهم ولم يروعهم قوّتهم الاقتصادية والتنظيمية ولا الأبعاد الخفية للصادق منهم أو الكاذب, فقد رأى العرب وسيدهم عبد المطلب كيف حفظ الله بيته وكيف فعل ربك بأصحاب الفيل.
ومع كل ذلك بعثت قريش النضر بن الحارث وعُقْبَةَ بْنَ أَبِي مُعَيْطٍ إلى أحبار يهود بالمدينة وَقَالُوا لَهُمَا:«سَلَاهُمْ عَنْ مُحَمَّدٍ، وَصِفَا لَهُمْ صِفَتَهُ، وَأَخْبِرَاهُمْ بِقَوْلِهِ، فَإِنَّهُمْ أَهْلُ الْكِتَابِ الْأُوَلِ، وَعِنْدَهُمْ عِلْمٌ لَيْسَ عِنْدَنَا مِنْ عِلْمِ الْأَنْبِيَاءِ، فَخَرَجَا حَتَّى قَدِمَا الْمَدِينَةَ، فَسَأَلَا أَحْبَارَ يَهُودَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه و آله وسلم ، وَوَصَفَا لَهُمْ أَمْرَهُ، وَأَخْبَرَاهُمْ بِبَعْضِ قَوْلِهِ، وَقَالَا لَهُمْ: إنَّكُمْ أَهْلُ التَّوْرَاةِ، وَقَدْ جِئْنَاكُمْ لِتُخْبِرُونَا عَنْ صَاحِبِنَا هَذَا، فَقَالَتْ لَهُمَا أَحْبَارُ يَهُودَ: سَلُوهُ عَنْ ثَلَاثٍ نَأْمُرُكُمْ بِهِنَّ، فَإِنْ أَخْبَرَكُمْ بِهِنَّ فَهُوَ نَبِيٌّ مُرْسَلٌ، وَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ فَالرَّجُلُ مُتَقَوِّلٌ، فَرَوْا فِيهِ رَأْيَكُمْ.
سَلُوهُ عَنْ فِتْيَةٍ ذَهَبُوا فِي الدَّهْرِ الْأَوَّلِ مَا كَانَ أَمْرُهُمْ، فَإِنَّهُ قَدْ كَانَ لَهُمْ حَدِيثٌ عَجَبٌ، وَسَلُوهُ عَنْ رَجُلٍ طَوَّافٍ قَدْ بَلَغَ مَشَارِقَ الْأَرْضِ وَمَغَارِبَهَا مَا كَانَ نَبَؤُهُ، وَسَلُوهُ عَنْ الرُّوحِ مَا هِيَ؟ فَإِذَا أَخْبَرَكُمْ بِذَلِكَ فَاتَّبِعُوهُ، فَإِنَّهُ نَبِيٌّ، وَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ، فَهُوَ رَجُلٌ مُتَقَوَّلٌ، فَاصْنَعُوا فِي أَمْرِهِ مَا بَدَا لَكُمْ ...» إلى آخر الحديث.
وعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ:« قَالَتْ قُرَيْشٌ لِيَهُودَ: أَعْطُونَا شَيْئًا نَسْأَلُ هَذَا الرَّجُلَ، فَقَالَ: سَلُوهُ عَنِ الرُّوحِ، فَسَأَلُوهُ عَنِ الرُّوحِ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا } [الإسراء: 85]، قَالُوا: أُوتِينَا عِلْمًا كَثِيرًا أُوتِينَا التَّوْرَاةَ، وَمَنْ أُوتِيَ التَّوْرَاةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا، فَأُنْزِلَتْ{قُلْ لَوْ كَانَ الْبَحْرُ مِدَادًا لِكَلِمَاتِ رَبِّي لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَنْ تَنْفَدَ كَلِمَاتُ رَبِّي وَلَوْ جِئْنَا بِمِثْلِهِ مَدَدًا} [الكهف: 109] إِلَى آخِرِ الْآيَةَ».
أرادت قريش إدخال أطراف جديدة في النزاع, هذه الأطراف على الحقيقة تنتظر هذا التدخل منذ زمن طويل, بل وتخطط له, وذلك قبل أن تَعْلم قريش أن نبياً خاتماً سيخرج منها, أذكت قريش دون أن تدري صراعاً سيكون قريباً, صراعاً جديداً وإن كان له جذور ضاربة في القدم, هذا الصراع سيستمر حتى نزول سيدنا عيسى بن مريم, هذا الصراع هو صراع أولاد العم.
أولاد سيدنا إسماعيل وهم العرب, وأولاد سيدنا إسحاق وهم اليهود (من سيدنا يعقوب) والروم (من العيص ويسمى أيضا عيسو).
مازال الوقت مبكراً لتصعيد الأمور من قبلِ قُريش إلا أن المكر الإلهي تتوه فيه عقول أولى الأحلام والنهى !! .
كل فعل يُتخذ من قريش أو من بني إسرائيل سوف يصبّ لمصلحة هذا النبي صلى الله عليه و آله وسلم وهذا الدين, وإن ظنت قريش أن الأمور لا تخرج عن دائرتها.
كان ما يعلمه الأحباب من تأخر الوحي عن رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم ونزول سورة الضحى وفيها
{ مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَى} [الضحى: 3]
ونزول سورة الكهف وقولـه {وَلَا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَدًا (23) إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ } [الكهف: 23، 24] وآيات من سورة الإسراء.
حَوَت سورة الإسراء الإجابة عن سؤال الروح, وحوت سورة الكهف إجابة سؤالين عن فتية أهل الكهف الذين ذهبوا في الزمان الأول, وعن ذي القرنين.
والحكمة واضحة, فما كان فيه مناسبة وتعلق بحادثة الإسراء والمعراج أجيب عليه في سورة الإسراء, وما تعلق بأحكام آخر الزمان أجيب عليه في سورة الكهف, والتي من قرأ أول عشر آيات منها (أو آخرها) عُصم من فتنة الدجال, والحاوية لذِكْر العبد الصالح؛ سيدنا الخضر.
سبحانك ربي !!, سأل اليهود نبيهم عليه السلام من أعلم خلق الله, فقال: "أنا", فعاتبه الله, وأخرج عبداً من عباده أعلم منه, وسألوا نبينا صلى الله عليه و آله وسلم فأنـزل الله عليـه{وَلَلْآخِرَةُ خَيْرٌ لَكَ مِنَ الْأُولَى (4) وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى } [الضحى: 4، 5]
, فما أعظم قَدْرك يا حبيب الله صلى الله عليك وسلم يا فاتح لما أغلق وخاتم لما سبق يا ناصر الحق بالحق يا هادي إلى صراط الله المستقيم وعلى آلك حق قدرك ومقدارك العظيم.
دخول أطراف جديدة فى الصراع ليس له معنى إلا زيادة التأييد والمدد الرباني لنبيه صلى الله عليه و آله وسلم وإظهار دينه دين الإسلام وأنواره التى حيرت أهل مكة وأهل النُّهى، فهو منصور، منصور مَن نَصَره, مخذول من خذله. فلتظهر قوة هذا النبي صلى الله عليه و آله وسلم وليتوجه حيث شاء فإنه منصور والناصر هو الله وكفى به وكيلاً.
اليهود كانوا يستفتحون من قبل على الذين كفروا بنبي العرب نبي آخر الزمان.
{ فَلَمَّا جَاءَهُمْ مَا عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ} [البقرة: 89]
اليهود يعرفونه صلى الله عليه و آله وسلم كما يعرفون أبناءهم. مأزق شديد وضعتهم فيه قريش.
لو ظهر النبي صلى الله عليه و آله وسلم ودينه وقد قالت اليهود أنه غير نبي وأنه لن يظهر، لكان موقف اليهود مخزياً ولسقطت نظرة الخلق لهم والثقة فيهم.
ولو قالوا أنه نبي لزمهم الإيمان به. فهم فى خيارين أحلاهما مر بالنسبة إليهم.
كنوع من أنواع المناورات الدبلوماسية, وكترحيل لمأزقهم وفي الوقت نفسه معرفة ما عند هذا النبي، سأل اليهود أسئلة يرونها معجزة. إن لم يجب النبي صلى الله عليه و آله وسلم لحساسية الأسئلة لجعلوا ذلك عيباً ـ والعياذ بالله ـ في المسئول؛ وإن أجاب عليها النبي صلى الله عليه و آله وسلم إجابات معينة لاستفادوا منها استفادات عظيمة.
مناورات واسعة النطاق، كان وراء سؤالهم عن ذي القرنين سر دفين، وهو أن ذا القرنين قد بنى سداً بين يأجوج ومأجوج وبقية الخلق, وفي آخر الزمان ويوماً ما سينكسر هذا السد.
ما الذي يفيد اليهود ؟!
لعل هذا النبي يؤقت موعداً لانكسار السد !!
أو يعطي علامة !!
خرق هذا السد وكسره لن يكون إلا بعد نزول سيدنا عيسى عليه السلام وقتله للدجال بفترة وجيزة جداً.
إذاً سؤال من بعيد, من طرف خفي يأتيهم بطلب مُلِّح وهو: متى سيظهر ملكهم الموعود ـ وهو ما نسميه عندنا المسيح الدجال ـ الذي سيعلو على العالم ويخلصهم ويكون عرشه بأورشليم القدس ؟.
مفردات أخرى كثيرة فى موضوع ذي القرنين والسد ويأجوج ومأجوج مخفية, فقد أراد اليهود الإحاطة بمدى معلومية الأمة التي ستحاربها يوماً ما. ما هى علومهم، وما هي أسلحتهم الروحية والإنسانية وغير ذلك.
سكن اليهود المدينة قبل بعثة النبي صلى الله عليه و آله وسلم لتحضير الأوراق والملفات (الدوسيهات) وتحضير طويل ؛لإجهاض هذا الدين ومعرفة أفراده وكيفية اختراق هذا الدين، وكيف يكون المسلمين تحت أعينهم ـ حركتهم وأفرادهم ـ وإلا، قل لي بربك: هم ذهبوا إلى المدينة انتظاراً لظهور نبي فأين ذهب النبي الذي ذهبوا لانتظاره بالمدينة ؟ ألم يخرج حتى الآن ؟ ما الذي أتى بهم إلى المدينة ؟!
{وَمَكَرُوا وَمَكَرَ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ } [آل عمران: 54] , في سورة الإسراء والكهف ما لا يتخيله ابن آدم من علوم وأسرار وشفاء ورحمة وعزة ومجد. كل ذلك لسيد الخلق صلى الله عليه و آله وسلم وأمته أمة الإسلام الأمة المحمدية.
كلما اقتربت من نبيك صلى الله عليه و آله وسلم ، كلما أطلعك الله على بعض من هذه النفحات, على قدر قربك وصدقك وإخلاصك, وعلى قدر المقسوم, فاللهم اجعل لنا من ذاته وروحه وعقله ونفسه ونور ذاته الشريفة صلى الله عليه و آله وسلم أعظم نصيب, بلا مزاحمة ولا مناكفة, {زَيْتُونَةٍ لَا شَرْقِيَّةٍ وَلَا غَرْبِيَّةٍ يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ نُورٌ عَلَى نُورٍ} [النور: 35]
أنتم تسألون بطريقة غير مباشرة عن سد يأجوج ومأجوج، وبطريقة غير مباشرة عن ميعاد كسره، وبطريقة غير مباشرة عن نهايات العالم وظهور الدجال فى أحداث آخر الزمان, إذاً نقول لكم، وفي سورة الكهف: {وَتِلْكَ الْقُرَى أَهْلَكْنَاهُمْ لَمَّا ظَلَمُوا وَجَعَلْنَا لِمَهْلِكِهِمْ مَوْعِدًا } [الكهف: 59]
وفي خراب العالم وابتداء نقصانه تمهيداً للفتن الشداد آيات وأحاديث.
عجيب، عجيب، عجيب: {وَتِلْكَ الْقُرَى أَهْلَكْنَاهُمْ لَمَّا ظَلَمُوا وَجَعَلْنَا لِمَهْلِكِهِمْ مَوْعِدًا } [الكهف: 59] , هذه الآية هي التى تسبق مباشرة قصة سيدنا موسى مع العبد الصالح سيدنا الخضر. يبدو أن الأمور فيها مكر شديد لأهل المكر والغدر والخيانة.
والغريب أن الآيتين رقم (58) و(59) من سور الإسراء والكهف والقصص أو إحداهما تتحدث عن إهلاك القرى الظالمة فيما نسميه انقطاع الزمان !
{وَإِنْ مِنْ قَرْيَةٍ إِلَّا نَحْنُ مُهْلِكُوهَا قَبْلَ يَوْمِ الْقِيَامَةِ أَوْ مُعَذِّبُوهَا عَذَابًا شَدِيدًا كَانَ ذَلِكَ فِي الْكِتَابِ مَسْطُورًا وَمَا مَنَعَنَا أَنْ نُرْسِلَ بِالْآيَاتِ إِلَّا أَنْ كَذَّبَ بِهَا الْأَوَّلُونَ وَآتَيْنَا ثَمُودَ النَّاقَةَ مُبْصِرَةً فَظَلَمُوا بِهَا وَمَا نُرْسِلُ بِالْآيَاتِ إِلَّا تَخْوِيفًا} (الإسراء58-59)
{وَتِلْكَ الْقُرَى أَهْلَكْنَاهُمْ لَمَّا ظَلَمُوا وَجَعَلْنَا لِمَهْلِكِهِمْ مَوْعِدًا } [الكهف: 59]
{وَكَمْ أَهْلَكْنَا مِنْ قَرْيَةٍ بَطِرَتْ مَعِيشَتَهَا فَتِلْكَ مَسَاكِنُهُمْ لَمْ تُسْكَنْ مِنْ بَعْدِهِمْ إِلَّا قَلِيلًا وَكُنَّا نَحْنُ الْوَارِثِينَ (58) وَمَا كَانَ رَبُّكَ مُهْلِكَ الْقُرَى حَتَّى يَبْعَثَ فِي أُمِّهَا رَسُولًا يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِنَا وَمَا كُنَّا مُهْلِكِي الْقُرَى إِلَّا وَأَهْلُهَا ظَالِمُونَ} [القصص: 58، 59] , أنتم تسألون عن غيبيات مبهمات، إجابتها تحتاج لتحفظات كثيرة، سيُجاب عليكم بما تعجز عنه العقول وإن عَلِم بعضه علماء بني إسرائيل عِلم حدوث لا عِلم كينونة. أنتم عندكم علم كثير، نعم، لكنه كقطرة ماء في محيط, فاللهم صل على من قال: «لَأَنَا أَعْلَمُ بِمَا مَعَ الدَّجَّالِ مِنْهُ ...».
يا يهود أنتم عاقبتم أهل مكة ولبَّستم عليهم الأمور، ووضعتموهم في شرك خداعي ووضعتوهم في طريق من الأساس غير موجود. افترضتم أنه مادام النبي ـ أي نبي ـ نبياً فلا بد أن يطلعه الله على جميع غيبه وكأن ليس لله غيب لا يعلمه إلا هو عز وجل، فسألتم أسئلة ظاهرها أمور وباطنها آخر. سألتم بطريقة الإرغام، سألتم بطريقة {لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللَّهَ جَهْرَةً} [البقرة: 55]. إذا كان ذلك كذلك فلنذكر لكم ونقص عليكم قصة ستؤلمكم للغاية، ستعلمون من خلالها أن هناك من هو أعلم من كليم الله موسى ـ هذه واحدة؛ وأن كليم الله موسى كانت عنده أمور من الغيب لا يعلمها، فكيف تختبرون بالغيبيات من أُنزل عليه {وَمَا هُوَ عَلَى الْغَيْبِ بِضَنِينٍ } [التكوير: 24]؟ هذه ثانية؛ بل سنقص عليكم ما يُظهر أن هذا النبي صلى الله عليه و آله وسلم الذي حاولتم اختباره بسببه أخرج الله لكليمه موسى عبداً يثبت لسيدنا موسى أنه ليس صاحب مقام معين لا ينبغي إلا لمحمد صلى الله عليه و آله وسلم ـ هذه ثالثة, وأنكم وبسبب مكركم مع نبيكم موسى عليه السلام حدث ما حدث من نبأ سيدنا موسى والخضر عليهما السلام, هذه رابعة, وأن هذه القصة من أنباء الغيب لا تدرون عنها شيئاً فأين علمكم, وإلا قولوا لنا أين هي في توراتكم؟ هذه خامسة, وأن العبد الصالح المذكور في هذه القصة له علاقة ببعض أسئلتكم من ناحية الظاهر والباطن فهو وزير ذي القرنين وقد شرب العبد الصالح من عين الحياة وقد سألتم عن ذي القرنين وعن الروح والعلاقة واضحة, وقد سألتم عن أهل الكهف, ونومهم متعلق أيضاً بطول العمر وبعلوم الروح وأنتم يَوَدّ أحدكم أن يعمر ألف سنة, والخضر الذي شرب من ماء الحـياة أخذ حكم التعمير بإذن الله فهو معمر, وستكون له أحداث من ناحية الباطن هذه سادسة.
وأن لكم نبياً خالفتموه وعبدتم آلهة مدينة بعلبك, وخاصة الإله (مولوك) المسمى "بعل" هذا النبي من المعمرين وله دور عظيم في أحداث آخر الزمان حتى انكسار سد يأجوج ومأجوج, وله علاقة أيضاً بسيدنا الخضر, هذا النبي هو سيدنا إلياس, المسمى عند بعض الناس: "إيليا" أو "إيليا التشبي"؛ هذه سابعة
... وثامنة ، وتاسعة ... وهكذا تجد ذلك فى ثنايا هذا الكتاب.
سألتم تعجيزاً, فها هو صلى الله عليه و آله وسلم قادم إلى المدينة بعد قليل, فمن يستطيع منكم جواره؟
هذا الكتاب يتحدث عن حياة سيدنا الخضر وإلياس, ودورهما في الأمة المحمدية حتى نزول المسيح عيسى بن مريم الصادق, وقَتْله للمسيح الكاذب, فكما يسبق الفجر الكاذب ظهور الفجر الصادق سيجتاح المسيح الدجال الأرض ويمسحها مسحاً قبل أن ينزل المسيح الصادق, ويتحدث هذا الكتاب عن الدجال، فتنته ثم خروجه من غضبة يغضبها, وتخطيطه حتى ظهوره, وعن اتباعه, ويتحدث عن السيد المسيح عيسى بن مريم والفَرْق بين المجيء الأول والثاني له, وما علاقة كل ذلك بأمة النبي الخاتم صلى الله عليه و آله وسلم , وما علاقة كل ذلك بغيرة الله عز وجل على حبيبه المصطفى ونبيه المجتبى, أول خلق الله وآخر رسل الله صلى الله عليه و آله وسلم .
هذا الكتاب تأخر صدوره عدة مرات لما لا يعلمه إلا الله, فلنبحر في مواضيعه, فهو كالبحر المحيط بفضل الله؛ لذا لا أطيل في مقدمته, ولا الغرض من كتابته, ولا أذكر أبوابه في هذه المقدمة, فأبحر فيه بنفسك, وإن استطعت فأبحر فيه بربك, بِسِر: لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم. واعلم أن ما فاتنا أكثر مما كتبناه بسبب الرغبة في عدم التطويل, ومع ذلك أدعو وأسأل الله أن يكون هذا الكتاب هو أعلى وأقيم وأرقى وأنور وأعظم ما كُتِب في موضوعه, لا يسبقه سابق ولا يلحقه لاحق. اللهم آمين.
كتبه
أفقر خلق الله إليه
محمود السيد صبيح
مصر المحروسة
https://m.facebook.com/story.php?story_ ... 3966221616[/size]6573&id=888102964655833
[/size]