موقع د. محمود صبيح

منتدى موقع د. محمود صبيح

جميع الأوقات تستخدم GMT + ساعتين



إرسال موضوع جديد الرد على الموضوع  [ 4 مشاركة ] 
الكاتب رسالة
 عنوان المشاركة: بالصور رحلة المحمل من مصر إلى أرض الحجاز
مشاركة غير مقروءةمرسل: الخميس أكتوبر 25, 2012 3:35 am 
غير متصل

اشترك في: الخميس مارس 29, 2012 9:53 pm
مشاركات: 45682
بالصور..حكاية كسوة الكعبة المشرفة وأفراح رحلة المحمل من مصر إلى أرض الحجاز

يعتقد البعض أن نبي الله إسماعيل نجل أبو الأنبياء إبراهيم "عليهما السلام" هو أول من كسا الكعبة ولكن هذه المعلومة تعوزها الدقة لأنه ليس من الثابت تاريخيا من الأساس ما إذا كان إسماعيل عليه السلام كساها جزئيا أم لم يتم كساؤها، على اعتبار أنه لم يؤمر بذلك.
ولكن من الثابت تاريخيا أن الملك اليمني أسعد تبع أبي كرب ملك حمير، هو أول من كسا الكعبة المشرفة بشكل كامل في العام 220 قبل هجرة النبي صلى الله عليه وسلم.
ولن نسهب هنا في سرد مكونات هذه الكسوة ولكننا سنجمل تفاصيلها ونورد بعض المعلومات، فارتفاعها يبلغ 14 مترا ويحليها في الثلث الأعلى منها حزام يعرف بحزام الكعبة المطرز بالأسلاك المصنوعة من الفضة المحلاة بالذهب ونقش عليها، "لا إله إلا الله محمد رسول الله"، "الله جل جلاله"، "سبحان الله وبحمده سبحان الله العظيم"، "يا حنان يا منان" وتحتها مباشرة سورة الإخلاص داخل مربعات مطرزة بالطريقة نفسها.

صورة
والكسوة مصنوعة من 658 كيلو جراما من الحرير الطبيعي وتتراوح تكلفة إنتاجهاالآن ما بين 17 و20 مليون ريال سعودي وتخرج من تحت أيدي أكثر من 240 عاملا يعملون على إنتاجها سنويًا.
و ملك حمير هو أول من كسا الكعبة، ثم أخذت قريش فيما بعد تتولى هذه المهمة وكانت تقسم أموال كسوة الكعبة على بطونها الكبرى باعتبار أن الكعبة كانت رمزا دينيا يجلب لهم الحجيج من جميع أنحاء الجزيرة وينشط كذلك حركة التجارة ويحفظ لقريش مكانةدينية دونها أي مكانة أخرى، وكان ذلك يتم في يوم عاشوراء
وبعد فتح مكة وفي أول عام يحج المسلمون في العام التاسع من الهجرة، أصبحت كسوة الكعبة مهمة بيت المال في المدينة المنورة.
صورة
ومن الخطأ الاعتقاد بأن دور مصر في كسوة الكعبة بدأ فقط مع الخلافة الفاطمية التي اتخذت القاهرة عاصمة لها، بل بدأ الدور المصري قبل ذلك بقرون وفي عهد ثاني خلفاء المسلمين الصحابي عمر بن الخطاب رضي الله عنه، حيث كان يوصي بكسوة الكعبة بالقماش المصري المعروف بالقباطي الذي اشتهرت بتصنيعه بالفيوم.
والقباطي نسبة إلى قبط مصر، وكان المصريون ماهرين في نسج أفضل وأفخر أنواع الثياب والأقمشة، لكن مع بداية الخلافة الأموية أصبح التركيز أكثر على أقمشة الشام التي كانت تكسو الكعبة مرتين في العام مرة في يوم عاشوراء، ومرة في شهر رمضان.

صورة
ولم يختلف الأمر كثيرا في عهد الدولة العباسية، فمصر دائما كان لها دورها المميز في صنع كسوة الكعبة وتحديدا مع بداية الخلافة الفاطمية وكانت الكسوة بيضاء اللون، أو هكذا أصر الخليفة الفاطمي العزيز بالله في عام 381 هجرية، فقد ارتبط إصرار الفاطميين والمماليك من بعدهم بكسوة الكعبة لأسباب سياسية تتعلق ببسط النفوذ والسيطرة الذي يضمنهما وقوع الحرمين تحت سلطتهم، وقد برز ذلك في مواصلة مصر على إرسال الكسوة طوال عهد المماليك.
كن هذا الشرف حاول كثيرون أن ينازعوا مصر فيه مثل "المجاهد" ملك اليمن الذي أرسل محمل حج لكسوة يمنية للكعبة فأخبر أمير مكة الذي يتم تعيينه من القاهرة السلطة التابع لها في مصر، فتم القبض على "المجاهد" وأوتي به مغلولا إلى القاهرة لاجترائه على هذه الفعلة التى هددت سلطة مصر.
ولكن تكررت المحاولات بعدها بعشرات السنين، لكن أمير مكة كان يمنع دخول المحمل على اعتبار أن هذا الشرف خاص بالمصريين فقط.
صورة
ولأن تكلفة كسوة الكعبة كانت مرتفعة للغاية، فقد أمر السلطان المملوكي الناصر محمد بن قلاوون حاكم مصر بوقف خراج قريتين بالقليوبية هم قرى باسوس وأبو الغيط، لهذا الشأن ولكن العائد لم يعد يكفي بعده بسنوات طويلة، لكن السلطان سليمان القانوني سلطان الدولة العثمانية التى انتزعت مصر من المماليك، أمر في أثناء زيارته لمصر بوقف خراج 7 قرى أخرى إلى جانب القريتين ومع ذلك لم يكف العائد فتم رفع الضرائب على أهالي تلك القرى، إلى أن آل الحكم في مصر للوالي محمد علي باشا الذي أمر بأن تخرج نفقة تصنيع كسوة الكعبة من خزينة الدولة التي آلت إليها كل الأوقاف وتأسست لهذا الشأن دار الخرنفش بحي باب الشعرية بالقاهرة لتصنيع الكسوة.
لكن بمجرد أن استتب الأمر للملك عبد العزيز آل سعود في الحجاز الذي أخضعه لسلطة آل سعود، بدأ التوتر بينه وبين مصر بسبب اختلاف مصر مع الدعوة الوهابية، خاصة إذا ما عرفنا أن موكب كسوة الكعبة المصري المعروف بمحمل الحج كان يصاحبه الطبل والزمر والاحتفالات الدينية، التي كان يقيمها أصحاب الطرق الصوفية وهو ما كان يثير حفيظة الوهابيين في السعودية والذين رأوا في ذلك بدعا وخروجا عن الدين، فتم العمل على إعاقة المحمل وقتها لدخول الأراضي السعودية إلى أن توقف دخوله تماما بعد بدأ مصنعا أم الجود وأجياد في إنتاج كسوة الكعبة لتتوقف مصر عن إنشائها عام 1962 في عهد جمال عبد الناصر، حيث ما زالت آخر كسوة للكعبة معروضة بدار الخرنفش بحي باب الشعرية لوقتنا هذا.
صورة
صورة
صورة
صورة
صورة
كل عام والجميع بخير وصحه وسعاده
http://www.klmty.net/2012/10/blog-post_2013.html

_________________
أستغفر الله العلى العظيم الذى لا اله الاّ هو الحى القيوم وأتوب اليه
أستغفر الله العلى العظيم الذى لا اله الاّ هو الحى القيوم وأتوب اليه
أستغفر الله العلى العظيم الذى لا اله الاّ هو الحى القيوم وأتوب اليه


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة: Re: بالصور رحلة المحمل من مصر إلى أرض الحجاز
مشاركة غير مقروءةمرسل: الأحد سبتمبر 14, 2014 6:59 pm 
غير متصل

اشترك في: الثلاثاء أكتوبر 30, 2007 4:26 pm
مشاركات: 3907
مكان: في حضن الكرام

بالصور.. "المحمل المصرى" قصة الرحلة التاريخية لكسوة الكعبة من القاهرة لمكة.. أوصى بها عمر بن الخطاب وبدأتها شجرة الدر.. الموكب يطوف العاصمة لمدة 3أيام تصحبه الطبول والرايات..واستقبال حافل له بالسعودية



الأحد، 14 سبتمبر 2014 - 10:10 ص

صورة
لوحة للرسام الروسى كونستنتين للمحمل المصرى

كتب لؤى على

منذ دخول الإسلام إلى مصر والمصريون يعظمون آل البيت عبر كل العصور، وكان لهم شرف استقبال بعضهم فى القاهرة، ويتبركون بمراقدهم المتواجدة حتى الآن، كما لم يفوت المصريون الفرصة فى خدمة بيت الله الحرام وظلوا يرسلون كسوة الكعبة حتى وقت قريب، وللمصريين عادات وتقاليع خاصة بهم فكان يوجد ما يسمى قديما بالمحمل المصرى وهو كان عبارة عن هودج توضع فيه كسوة الكعبة.

صورة
«المحمل» كان هيكلا خشبيا تحمله الجمال فى مصر العثمانية.

وكان سلاطين مصر المملوكية يلقبون بـخدام الحرمين الشريفين، فكان المحمل المصرى يخرج فى صورة قافلة تتجه نحو مكة من أجل كسوة الكعبة، وكان المحمل يطوف القاهرة يصاحبه الطبل والزمر، وكان يصاحب طوافه العديد من الاحتفاليات كتزيين المحلات التجارية والرقص بالخيول، وكان الوالى أو نائب عنه يحضر خروج المحمل بنفسه.

صورة
الجنود المصريون يتقدمون جمل المحمل

وكان المحمل يطوف فى القاهرة نحو ثلاثة أيام، وموكبه عبارة عن جمل يحمل كسوة الكعبة وخلفه الجمال التى تحمل المياه وأمتعة الحجاج وخلفه الجند الذين يحرسون الموكب حتى الحجاز ومن ورائهم رجال الطرق الصوفية الذين يدقون الطبل ويرفعون الرايات.

صورة
لوحة للرسام الروسى ماكفوسكى كونستنتين للمحمل المصرى

والمحمل نفسه هو عبارة عن هودج فارغ يقال إنه كان هودج شجرة الدر أما الكسوة فكانت توضع فى صناديق مغلقة وتحملها الجمال، ثم يتجه نحو أرض الحجاز، وانتقلت العادة لحكام مصر على مر العصور حتى العصر الحديث.

صورة
المحمل فى طريقه للحجاز

وبعد الحج يعود المحمل حاملا الكسوة القديمة للكعبة بعد إبدالها بالكسوة الجديدة وتقطع إلى قطع وتوزع على النبلاء والأمراء وما زالت هذه القطع موجودة فى متحف كسوة الكعبة، وبعضها فى قبور العائلة الملكية فى مصر حيث زينوا بها أضرحتهم كنوع من التبرك.

صورة
المحمل المصرى فى العشرينيات

وتعتبر شجرة الدر سلطانة مصر هى أول من أرسلت كسوة الكعبة من مصر عندما ذهبت للحج فصنع لها هودج مربع عليه قبة جلست بها ومعها الكسوة، وخلفها تسير قافلة الحجاج ومنها أطلق عليها مسمى المحمل.

صورة
استعراض المحمل بميدان القلعة

وكان يشرف على تصنيع وتطريز كسوة الكعبة مسئول يسمى " ناظر الكسوة"، ونقلها للحجاز كان يتم تحت إشراف أمير كبير يسمى " أمير الحج"، وعندما كان يقترب المحمل من مكة كان يخرج أميرها لاستقبال المحمل ويستقبل الجمل حامل الكسوة باحترام شديد، وتقول المصادر التاريخية أنه كان يقبل حافر الجمل احتراما لهيبة الكسوة ولتعظيم سلطان مصر.

وخروج المحمل المصرى من مصر للجزيرة العربية كان يتم فى احتفال كبير اسمه دوران المحمل، كانت توضع الكسوة على جمل متزين بالحرير الملون والفضة وكانت الشوارع والدكاكين تزين، ويخرج الناس خلف وحول المحمل وبصحبتهم مهرجين يسمون "عفاريت المحمل".

وكان أول احتفال دوران المحمل فى عهد السلطان الظاهر بيبرس، وكان دورانه من الاحتفالات التى حضرها ابن بطوطة فى مصر ووصفه بأنه كان يوم مشهود.

صورة
الكسوة التى أمر بصنعها الخديوى عباس حلمى وحولها الحرس الخاص بالمحمل

لم يكن المحمل ليخرج بالمصريين وحسب بل كان يصحبه سائر الحجيج من بلاد المغرب الإسلامى بما فيه الأندلس وبلاد أفريقيا أو القادمين عن طريق البحر من البلاد العثمانية وكذلك كان كثيراً ما يأتى أمراء وملوك تلك البلاد قاصدين الحج فكانوا جميعاً يجتمعون بالقاهرة ليتوقفوا بتلك المحطة الهامة التى كانت لها أثر كبير فى صورة وشخصية مصر بمخيلة زوارها، حتى أن التراث الإسلامى يحفل بالكثير من المؤلفات التى صنفها الرحالة والأدباء المارين بمصر، وكذلك فإن وفادتهم إلى القاهرة واختلاطهم بالمصريين كان له أثر فكرى وثقافى واجتماعى عميق على امتداد التاريخ المصرى.

صورة
المحمل المصرى فى العشرينيات

لم يكن المحمل المصرى هو الوحيد الذى يخرج للحج بالعالم الإسلامى بل كان هناك المحمل الشامى، وكذلك المحمل العراقى وكذا اليمنى، لكن ما كان يميز المحمل المصرى هو خروج الكسوة معه والتى حرص عليها سلاطين المماليك، حتى أن الشيخ المقريزى يذكر أن السلطان (شاه رخ) ابن تيمور لنك فى ثلاثينيات القرن التاسع الهجرى ألح على السلطان المملوكى الأشرف برسباى فى أن يكسو الكعبة فكان أن رفض السلطان بعض استشارة قضاة الشرع وقد أورد الشيخ المقريزى بكتابه السلوك لمعرفة دول الملوك رد السلطان فقال "وأُجيب شاه رخ عن طلبه كسوة الكعبة باًن العادة قد جرت ألا يكسوها إلا ملوك مصر، والعادة قد اعتبرت فى الشرع فى مواضع وجُهزت إليه هدية"، كذلك فإنه بعد زوال دولة المماليك فإن بنى عثمان قد عهدوا إلى ولاة مصر بأن يجهزوا الكسوة وهى على ذلك إلى انقطاعها عن مصر فى ستينيات القرن العشرين الميلادى.

ومن الخطأ الاعتقاد بأن دور مصر فى كسوة الكعبة بدأ فقط مع الخلافة الفاطمية التى اتخذت القاهرة عاصمة لها، بل بدأ الدور المصرى قبل ذلك بقرون وفى عهد ثانى خلفاء المسلمين الصحابى عمر بن الخطاب رضى الله عنه، حيث كان يوصى بكسوة الكعبة بالقماش المصرى المعروف بالقباطى الذى اشتهرت بتصنيعه بالفيوم، والقباطى نسبة إلى قبط مصر، حيث كان المصريون ماهرون فى نسج أفضل وأفخر أنواع الثياب والأقمشة.

صورة
قافلة المحمل المصرى بعد توديعها بميدان الغفير بالقاهرة عام 1315 هجريا


http://www.youm7.com/story/2014/9/14/%d ... 84/1863310

_________________
( بسم الله الرحمن الرحيم ) قل هو الله أحد . الله الصمد . لم يلد ولم يولد . ولم يكن له كفوا أحد .
قل أعوذ برب الفلق . من شر ما خلق . ومن شر غاسق إذا وقب . ومن شر النفاثات في العقد . ومن شر حاسد إذا حسد .


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة: Re: بالصور رحلة المحمل من مصر إلى أرض الحجاز
مشاركة غير مقروءةمرسل: الاثنين سبتمبر 15, 2014 12:48 pm 
غير متصل

اشترك في: الثلاثاء يناير 06, 2009 4:44 pm
مشاركات: 6112
صرح جميل فاللهم صلى سلم وبارك على سيدنا ومولانا محمد
صل الله عليه وسلم
بارك الله فيك وبارك لك وبارك عليك


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة: Re: بالصور رحلة المحمل من مصر إلى أرض الحجاز
مشاركة غير مقروءةمرسل: الخميس يوليو 14, 2016 4:59 pm 
غير متصل

اشترك في: الخميس مارس 29, 2012 9:53 pm
مشاركات: 45682

مَحْمَل كِسوة الكعبة ومزامير الدراويش بريشة الروسي ماكوفسكي (وجهه نظر روسيه)

صورة

لوحة (نقل الكِسوة المقدسة) كأهم عمل للرسام قسطنطين ماكوفسكي أثناء إقامته في مصر. هذه اللوحة كبيرة المقاس، اشتغل عليها قسطنطين ماكوفسكي عدة سنوات. وهنا لابُدَّ من شرح موضوع اللوحة ومشهدها.

عند المصريين تقليد سنوي هو؛ كل عام يتم إرسال (الكِسوة المقدسة) إلى الكعبة، برفقة قافلة الحجاج، ويرأس قافلة مَحْمَل هذه الكِسوة خديوي مصري، الأمر الذي يمنحه ميزة خاصة، يهبها له السلطان. يتم تجهيز الكِسوة في قلعة القاهرة، بعد ذلك ترسل إلى مسجد سيدنا الحسين، وفي هذا المكان الشريف تجري خياطتها وتذييل أطرافها، وبكلمة واحدة، تجهز تماماً للإرسال، هذا الحدث يُعد مناسبة لاحتفال كبير وسط المسلمين.

يصف جيورجي إيبيرس، في مؤلفه الشهير «مصر»، هذه المراسم الممتعة وكل تجهيزات الحجاج على النحو الآتي؛ في الوقت الذي يقومون في مسجد الحسين وبحماس في خياطة الكسوة، تتجمع، رويداً رويداً، في الميادين، أسفل القلعة، قافلة الحجاج. مع نهاية شهر شعبان الكل مستعد للرحيل؛ الكسوة رُزّمت، أسماء الحجاج أدرجت في قائمة قائد القافلة، تموين المعيشة والخيام جُهزت، كل الحقائب حزمت، والتقويم يشير إلى أن أوان الرحيل حان.

في يوم توجه القافلة إلى الحج، ومنذ الصباح، كل القاهرة واقفة على قدميها. الشوارع، من القلعة ذاتها وحتى باب النصر، مكتظة بالناس، الحوانيت مغلقة، وعلى امتداد الطرقات، حيث يسير الموكب، يمكن رؤية مئات رؤوس الناس وهي تتطلع من نوافذ الحمامات العامة والمساجد والبيوت السكنية. النساء وبأعداد كبيرة يتدافعن وسط حشود الفضوليين، من كل عُليَّة تلمع العيون السوداء. مزاج الاحتفال والبهجة يسود في كل مكان؛ ومن كل الجهات يسمع الترحيب (صحتك بالدنيا لتكن معافى أبداً)، والرد بسيط (وأنت أيضاً). من طبيعة سكان القاهرة الولع بالفرجة والفضول الشديد، والآن يكرس هذا للبواعث المباركة، حيث أنَّ المَحْمَل، ولو أنه لا يمثل قيمة سوى رمز للعزة الملكية، وليس له أصل ديني تماماً، ولكن الشيء المذهل أنه يحظى باحتفاء مميز في أوساط المسلمين. ومن نتيجة هذا أنّه قام برحلات كثيرة مع الحجاج، وأصبح في عيون الكل فرضا مقدسا، وليس مسه فقط يجلب البركة، وإنما حتى مجرد التأمل فيه. ويختتم، دائماً، موكبه باحتفال مهيب يجذب له اهتماما عاما. هذه المناسبة يفتتحها الجند، الطبالون، الراكبون على الجمال العالية الشامخة، وقطيع كامل من دواب الحمل مع أمتعة الحجاج، وقِرب جلدية، خيام وغيرها، وكذلك مع سجاد مقدس مغلف ومحزم بعناية.

يبدو النظر إلى هذا الموكب، وكأن الإبل تتصرف برزانة مميزه، وتفتخر بما علقوا عليها من نواقيس، صبغوها بلون برتقالي وزينوها بسعف النخيل، فتراها تتمايل برشاقة أثناء حركتها. على أحدها توجد، خزانة الحجاج، مغطاة بجوخ أحمر، أنشأتها الحكومة لتغطية نفقات القافلة العامة. الموكب يمتد أفواجاً، وأحياناً يضطر للانتظار لبضع دقائق، ليظهر فوج جديد. وفي كل الفترات الفاصلة يُطْفِئ سقاة الماء وبائعو الشراب الحلو عطش الظامئين، أما المصارعون والمبارزون بالسيف (لاعبو الشيش)، الذين يرتدون سراويل جلدية فقط، ويعدون معارك ومبارزات مسرحية لتسلية الناس. غير أَنّ هذه الألعاب تتوقف بعد حين، لأن الدراويش، المصطفون بإخوة، يقتربون مع الطبول والمزامير وهم منفعلون، وبصيحاتهم وحركاتهم الإيمائية يلهبون بخفة عصبية الحشود. وتدريجياً تصبح بهجة الناس عالية، أخيراً وعندما يظهر محمل يتمايل بين جملين يتلوهما آخران مع (قافلة الأمراء)، ومفوضي الحكومة المسؤولين عن إدارة شؤون بعثة الحج. ثم يظهر دليل الحجاج، الذي يسير في مقدمة الجميع في البادية ويدلهم على الطريق، ويتبعه حشد كامل مختلط من الضباط، الدراويش، وأهالي المدينة ومسلي الناس. ومثل الإبل، زينت أيضاً الخيول والحمير كما في العيد وبالرايات والسعف والأغصان الخضراء.

مع القافلة تسير أفواج مشاة وخيالة، في زيها الجميل (سترها الرسمية)، مع أسلحة جديدة براقة، تحظى بمشهد مؤثر، ومع هذا تخدم أيضاً كحرس أمين لأهم جزء من الموكب. ووراءها يسير قائد الشرطة المحاط بالقواسين على الخيول، وخلفه على فرس مزينة بتألق رئيس القافلة مع ثلاثة كتبة، وأخيراً الإمام المؤمن. ومع الأخير التحقت صفوف مديدة من الدراويش ينتمون إلى فرق متعددة، تتميز إحداها عن الأخرى بلون (الطربوش)؛ يسيرون رافعي الرايات، مثل العاملين في الورش لهم شعاراتهم وأعلامهم. الصف الطويل من المارة، الذين يتحد معهم مختلف الأوباش، ليس له نهاية.

كل حشد محدد يتقدمه عازفون ينعشون من ضعف اهتمامه من المشاهدين. وفجأة يتهادى من بعيد إلى مسامع المشاهد الذي نفذ صبره ويفكر في ترك المهرجان، ما يشبه هدير زمجرة اصطدام أمواج البحر بالصخور وتكسرها. هو يسمع ويقتنع أن الأصوات المتداخلة والصخب تتجه نحوه، وبالقدر الذي تقترب منه تصبح أكثر وضوحاً وقوةً. وأخيراً تراه يميز من بين ذاك الضجيج صيحات المعجبين (المحمل! المحمل!). ومن حينها تسمع من حوله ومن كل ثغر هذه الكلمة فقط. آلاف العيون تتوجه صوب نهاية الشارع، من هناك، وفي ظل صخب بهجة الشعب، يتمايل بخفة، المحمل على ظهر جمل يتحرك ببطء. وها هو يمر محاطاً من جميع الجهات بالناس، الظمأى للمسه، لأجل أن ينالوا البركة، من النوافذ يمد الناس السجاد لكي يمس المحمل أطرافها وعبر هذا التلامس يَجْنونَ البركات. وتلك الأفواه التي لا يمكن إحصاؤها تتلو الصلوات، ومع هذه الضجة الرتيبة، الشبيهة بدوي رعد بعيد، تختلط نغمات زغاريد النساء. كل هذا الانشغال لأجل هوادج بسيطة فارغة بأشكال قديمة، كل هذا لأجل صندوق مربع مع سطح منحدر، مغطى بسجاد مبرقش، تُرى أطرافة موشاة بآيات من القرآن. الانفعال الديني في هذا الوقت يبلغ حده الأقصى؛ غير أنه حتى لو كان المشاهد ميالاً إلى الانصياع، فإن منظر الهيئتين المقتربتين يُعيده وبسرعة إلى الصواب. فإلى اليمين من وراء المحمل وعلى ظهر الجمل يظهر، على مهل، رجل برجل واحدة حاسر الرأس أشعث، يلوح شعره في الهواء. هذا هو (شيخ الجمال)، الذي يظهر كل عام في مثل هذا الثوب (غير اللائق) في المجتمع، ويقوم برحلة مع الحجاج. يعقبه، أبو أو شيخ القطط بصحبة (رفقائه)، ذوات الأطراف الأربعة، ومعه يختتم الموكب. في مثل هذا المنظر الموصوف يتوجه الموكب إلى باب النصر،

وأخيراً، يخرج من المدينة. تبدأ القافلة الرحيل بعد أن ترتاح في الخيام يومين أو ثلاثة أيام، وتتوقف بعد مسيرة أربع ساعات في النهار للراحة عند (بحيرة الحجاج)، حيث يلتحق بها آخر الرحالين. ويتم ملء تلك القرب بالماء، وأخيراً يعطي القائد الأمر بالتوجه نحو الشرق- إلى حيث بحر رمال صحراء الجزيرة العربية. يقضي الحجاج سبعة وثلاثين يوماً في الطريق لكي يبلغوا في نهاية المطاف الأماكن المقدسة، وفي أقصى الأحوال يمكن بعد انقضاء ثلاثة شهور على مغادرتهم استقبالهم من جديد عائدين إلى القاهرة. في مكة يشارك الحجاج في تلك المراسيم المقدسة، التي تؤدى هناك مع وصول القافلة. وفي العاشر من شهر ذي الحجة يحتفل كل العالم الإسلامي بأعظم عيد له، عيد الأضحى، عندها يقدمون الخراف قرباناً على جبل عرفات، قرب مكة، ويجب على كل حاج أن يصلي ويدعو لجميع المؤمنين بالخير. في هذا اليوم تنحر خراف كثيرة، حتى الفقير يجمع آخر قرش يملكه ليشتري به خروفاً يذبحه، في مثل هذا اليوم، ويأكله على امتداد أيام العيد الأربعة. وخلال هذا ووفق الرحمة الإسلامية الخالصة الكل يهتم بالفقراء، وتنظم لهم موائد شعبية، وهكذا، لا يكاد أن يوجد ولو مسلم واحد، لم يحصل في هذا اليوم على قطعة لحم خروف مطبوخة.

http://www.alquds.co.uk/?p=564649
مجلة المصـــورات العالمية. ( 23 شباط1880)، عدد؛ 9- (581). السنة الثانية عشر، ج؛23. ص (179).


_________________
أستغفر الله العلى العظيم الذى لا اله الاّ هو الحى القيوم وأتوب اليه
أستغفر الله العلى العظيم الذى لا اله الاّ هو الحى القيوم وأتوب اليه
أستغفر الله العلى العظيم الذى لا اله الاّ هو الحى القيوم وأتوب اليه


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
عرض مشاركات سابقة منذ:  مرتبة بواسطة  
إرسال موضوع جديد الرد على الموضوع  [ 4 مشاركة ] 

جميع الأوقات تستخدم GMT + ساعتين


الموجودون الآن

المستخدمون المتصفحون لهذا المنتدى: لا يوجد أعضاء مسجلين متصلين و 9 زائر/زوار


لا تستطيع كتابة مواضيع جديدة في هذا المنتدى
لا تستطيع كتابة ردود في هذا المنتدى
لا تستطيع تعديل مشاركاتك في هذا المنتدى
لا تستطيع حذف مشاركاتك في هذا المنتدى
لا تستطيع إرفاق ملف في هذا المنتدى

البحث عن:
الانتقال الى:  
© 2011 www.msobieh.com

جميع المواضيع والآراء والتعليقات والردود والصور المنشورة في المنتديات تعبر عن رأي أصحابها فقط