وهناك آيات ظاهرها أنّ الله تعالى محيط بالعالم ، واعتقاد هذا الظاهر كفر ، لأنّ معناه أنّ العالم كله محاط بالرحمن وأنّ الكون بما فيه داخل الرحمن ، تعالى الله عن ذلك علواً كبيرا.
ومن هذه الآيات ، قوله تعالى : { وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ مُحِيطًا } [ النساء : 126 ] ، وقوله تعالى : { أَلَا إِنَّهُمْ فِي مِرْيَةٍ مِنْ لِقَاءِ رَبِّهِمْ أَلَا إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ مُحِيطٌ } [ فصلت : 54 ] ، وقد حمل العلماء المتخصصون في العقيدة الإحاطة على إحاطة العلم والسمع والبصر والقدرة ، وذلك للتنزيه وابعاد شبهة الحلول والاتحاد مع المخلوقات ، كما حملوا متشابه الآيات السابقة على المحكم من قوله تعالى : { وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا } [ الطلاق : 12 ] ، إذ جعلت الآية الإحاطة هي إحاطة العلم ، وسع ربي كل شيء علما.
وهناك آيات ظاهرها أنّ الله تعالى معنا بذاته ،واعتقاد هذا الظاهر كفر ، لأنّ الله تعالى منزه عن الاتحاد أو الحلول بخلقه ،ومنزه عن القرب الحسي بالذات.
ومن هذه الآيات قوله تعالى : {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ } [ البقرة : ] ، وقوله تعالى : { فَاسْتَغْفِرُوهُ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّي قَرِيبٌ مُجِيبٌ } [هود : 61 ].. وقوله تعالى : { قُلْ إِنْ ضَلَلْتُ فَإِنَّمَا أَضِلُّ عَلَى نَفْسِي وَإِنِ اهْتَدَيْتُ فَبِمَا يُوحِي إِلَيَّ رَبِّي إِنَّهُ سَمِيعٌ قَرِيبٌ } [ سبأ : 50 ].. وقوله تعالى : { وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ } [ ق : 16 ] ، وقوله تعالى : { وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْكُمْ وَلَكِنْ لَا تُبْصِرُونَ } [ الواقعة : 85 ] ، وظاهر هذه الادلة يدل على قرب الله تعالى بذاته من عباده ، وهذا الظاهر محال على الله تعالى ، إذ هو قرب منزه عن الاتحاد والحلول والاتصال والانفصال مع خلقه ليس كمثله شيء .
وقد حمل العلماء المتخصصون في العقيدة القرب على قرب العلم والسمع والبصر والقدرة ، وقرب الملائكة ، وذلك للتنزيه وابعاد شبهة الحلول والاتحاد مع المخلوقات ،وهناك آيات ظاهرها - لمن جهل قواعد التقديس - أنّ الله تعالى مستوٍ على عرشه بذاته ، يجلس على عرشه بذاته ويستقر عليه بذاته ، وأنّ العرش مكان الرحمن واعتقاد هذا الظاهر جهل وضلال ، لأنّ العرش خلق من خلق الله ، ولا يجوز في حق الله تعالى المماسة والاتصال مع شيء من خلقه ، كما لا يجوز في حق الله تعالى الحيز والحد والمقدار ، كما أنّ من لوازم هذا كون العرش أكبر من ذات الرحمن إذ لا يعقل حتى عند المجسمة أن يجلس الملك على عرش ضيق صغير لا يسعه .
وعقيدة كل المسلمين عدا المجسمة أنّ الله تعالى أكبر من كل شيء ، وأنه الواحد القهار ، وأنّه الكبير المتعال ، وأنّه مستغن عن خلقه بما فيهم عرشه وغيره ، وهو رب العالمين وهو رب العرش وغيره من خلق الله.
وقد ورد الاستواء في سبعة مواضع من القرآن الكريم كلها تدل لمن تدبرها بقرآئنها بأن الاستواء المقصود هو استواء ملك وقهر وتسخير وهيمنة وربوبية للعالم ،وبيان كمال قدرته التامة سبحانه في تدابير الملك والملكوت ، فهذا هو التمدح المقصود بالاستواء ، أما تفسير الاستواء بالجلوس والاستقرار فهذا ليس فيه من المدح شيء وليس فيه من الكمال شيء , وآيات الكتاب الكريم جاءت لبيان كمال عظمة الخالق وجليل قدرته .
أما ما يزعمون من أنه استواء مكان فالله خالق المكان ومالكه وهو منزه عن المكان والمكان محدود مهما كبر والله تعالى كما أنه لا حد لصفاته من العلم والقدرة وغيرها فلا حد لذاته.
وأما ما يزعمون من أنه استواء استقرار فهو باطل لأن الله عز وجل منزه عن التغير والحدوث ، والاستقرار يوحي بمعنى الحاجة وهل يحتاج الله لمخلوق حتى يستقر عليه وقبل الاستقرار أخبرونا ماذا كان حاله تعالى الله عما يقولون علوا كبيراً ، والتمدح لا يكون بالكون في المكان ولا بالاستقرار ولكن ببيان صفات القدرة والعظمة وهذا هو مقصود آيات القرآن.