تنزيه ذات الله تعالى عن الحد والمقدار الذي تتصف به ذات المخلوق.
لا شك في أنّ أي شيء محدود له نهاية تحده ، والحد معناه التناهي ، والتناهي في ذات الله تعالى نقص لا يجوز وصف ذات الله تعالى به ، لأنّ الكمال أن لا يكون للشيء حد ونهاية ينتهي إليه ، وإلا جاز أن يكون فوقه ما هو أكبر منه ، والله تعالى أكبر من كل تصور ، وأكبر من كل حد ، وأكبر من كل مقدار ، وأكبر من كل نهاية ، وهو الكبير المتعال على الحدود ، القاهر لكل خلقه بما حدهم عليه من حدود ، فهو الذي حد الحدود على خلقه بقدرته ، وكتب النهايات على كل محدود ، ليدل بحده على أنّه مخلوق له خالق قهره بحد ونهاية لا يتجاوزها إلى غيرها ، وكل محدود مخلوق ، والخالق متعالي عن الحد والنهاية ، لأنّ صفات الله تعالى لا تتناهى ولا حد لها ، فلا حد لعلمه ، ولا حد لقدرته ، ولا حد لرحمته ، ولا حد لعزته ، ومن كانت تلك صفاته ، فلا حد لذاته ، ومن الأدلة على تنزيه الله تعالى عن الحد والنهاية والمقدار ما يلي :
(أ) الله تعالى هو { الواحد القهار } ، وقد تكرر ذكر { الواحد القهار } في القرآن الكريم في ستة مواضع ، هي قوله تعالى : { قُلِ اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ } [ الرعد : 16 ] ، وقوله تعالى : { وَبَرَزُوا لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ } [ إِبراهيم : 48 ] ، وقوله تعالى : { وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلَّا اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ } [ ص : 65 ] ، وقوله تعالى : {سُبْحَانَهُ هُوَ اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ } [ الزمر : 4 ] ، وقوله تعالى : { لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ } [ غافر : 16 ] ، وقوله تعالى : { أَأَرْبَابٌ مُتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمِ اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ } [ يوسف : 39 ] ، والله تعالى هو القاهر فوق عباده ، قال تعالى : { وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ } [ الأنعام 18 ].
فالله تعالى هو الواحد القهار ، وهو سبحانه القاهر فوق عباده ، قهر الخلق أجمعين بالحدود والمقادير ، فليس مخلوق إلا مقهور بقدر معلوم وحد مخصوص ، لا يستطيع أن يتجاوز تلك الحدود ، لأنّه مقهور عليها ، والقاهر له هو خالقه الواحد القهار ، أما الخالق الواحد القهار فقد جل عن أن يقهره حدٌ أو يحده مقدار ، لأنّه قاهر الخلق بتلك الحدود والمقادير ، تنزه عن الحد والمقدار.
(تنبيه) : كل مخلوق مهما كبر حجمه أو جل مقداره ، إلا أنّه محدود متناهي مقدر بمقدار ، مقهور للحدود والقيود الحاكمة عليه ، أما الله تعالى الواحد القهار فإنه لما كان قاهراً من كلّ الجهات لم تتحكّم فيه الحدود ، وإذا كان تعالى لا يقهره شيء وهو القاهر فوق كلّ شيء ، فليس بمحدود في شيء ، فهو الواحد القهار لا يشوبه نقص ، ولا يحده حد ، ولا يقدره مقدار ، كيف وهو الذي خلق الحدود والمقادير وهو الواحد القهار.