ثالثاً : حكم التجسيم والمجسمة عند الشافعية.
للشافعية في حكم التجسيم والمجسمة ثلاثة أقول :
- الأول : أن التجسيم كفر بإطلاق.
- والثاني : أن التجسيم ليس بكفر بإطلاق.
- والثالث : التفصيل فالتجسيم الصريح كفر والتجسيم غير الصريح ليس بكفر والمراد بالتجسيم الصريح هو التصريح بأن الله جسم ذو أبعاد . وغير الصريح هو إثبات ما يلزم منه التجسيم , أو القول بأنه جسم لا كالأجسام.
وهذه بعض نصوص الشافعية في ذلك :
- قال سلطان العلماء العز بن عبد السلام في قواعده)1/202) :[قد رجع الأشعري رحمه الله عند موته عن تكفير أهل القبلة , لأن الجهل بالصفات ليس جهلا بالموصوفات وقال : اختلفنا في عبارات والمشار إليه واحد , وقد مثل ذلك بمن كتب إلى عبيده " فأمرهم ونهاهم " فاختلفوا في صفاته هل هو أبيض أو أسود أو أحمر أو أسمر ؟ فلا يجوز أن يقال : إن اختلافهم في " صفته " اختلاف في كونه سيدهم المستحق لطاعتهم وعبادتهم , فكذلك اختلاف المسلمين في صفات الإله " ليس اختلافا في كونه سبحانه وتعالى في جهة كونه خالقهم وسيدهم المستحق لطاعتهم فإن قيل : يلزم من الاختلاف في كونه سبحانه " وتعالى " في جهة كونه حادثا قلنا : لازم المذهب ليس بمذهب , لأن المجسمة جازمون بأنه في جهة وجازمون بأنه قديم أزلي ليس بمحدث.]اهـ
- وقال أيضاً : [وكل ذلك مما لا يمكن تصويب للمجتهدين فيه بل الحق مع واحد منهم ، والباقون مخطئون خطأ معفوا عنه لمشقة الخروج منه والانفكاك عنه ، ولا سيما قول معتقد الجهة فإن اعتقاد موجود ليس بمتحرك ولا ساكن ولا منفصل عن العالم ولا متصل به ، ولا داخل فيه ولا خارج عنه لا يهتدي إليه أحد بأصل الخلقة في العادة ، ولا يهتدي إليه أحد إلا بعد الوقوف على أدلة صعبة المدرك عسرة الفهم فلأجل هذه المشقة عفا الله عنها في حق العادي[كذا ولعله العامي]ولذلك كان صلى الله عليه وسلم لا يلزم أحدا ممن أسلم على البحث عن ذلك بل كان يقرهم على ما يعلم أنه لا انفكاك لهم عنه , وما زال الخلفاء الراشدون والعلماء المهتدون يقرون على ذلك مع علمهم بأن العامة لم يقفوا على الحق فيه ولم يهتدوا إليه ، وأجروا عليهم أحكام الإسلام من جواز المناكحات والتوارث والصلاة عليهم إذا ماتوا وتغسيلهم وتكفينهم وحملهم ودفنهم في مقابر المسلمين ، ولولا أن الله قد سامحهم بذلك وعفا عنه لعسر الانفصال منه ولما أجريت عليهم أحكام المسلمين بإجماع المسلمين ، ومن زعم أن الإله يحل في شيء من أجساد الناس أو غيرهم فهو كافر لأن الشرع إنما عفا عن المجسمة لغلبة التجسم على الناس فإنهم لا يفهمون موجودا في غير جهة بخلاف الحلول فإنه لا يعم الابتلاء به ولا يخطر على قلب عاقل ولا يعفى عنه.]اهـ
- وفي المجموع للنووي(4/150) :[قد ذكرنا أن من يكفر ببدعته لا تصح الصلاة وراءه ، ومن لا يكفر تصح ، فممن يكفر من يجسم تجسيما صريحا ، ومن ينكر العلم بالجزئيات.]اهـ
- وفي روضة الطالبين للنووي (10/64):[ويحصل ذلك [أي الردة] تارة بالقول الذي هو كفر وتارة بالفعل والأفعال الموجبة للكفر هي التي تصدر عن تعمد واستهزاء بالدين صريح كالسجود للصنم أو للشمس وإلقاء المصحف في القاذورات والسحر الذي فيه عبادة الشمس ونحوها قال الإمام في بعض التعاليق عن شيخي أن الفعل بمجرده لا يكون كفرا قال وهذا زلل عظيم من المعلق ذكرته للتنبيه على غلطه وتحصل الردة بالقول الذي هو كفر سواء صدر عن اعتقاد أو عناء أو استهزاء هذا قول جملي وأما التفصيل فقال المتولي من اعتقد قدم العالم أو حدوث الصانع أو نفى ما هو ثابت للقديم بالإجماع ككونه عالما قادرا أو أثبت ما هو منفي عنه بالإجماع كالألوان أو أثبت له الاتصال والانفصال كان كافرا.]اهـ
- وفي أسنى المطالب لشيخ الإسلام زكريا الأنصاري(4/117):[وأورد في المهمات على الأخير أن المجسمة ملتزمون بالألوان مع أنا لا نكفرهم على المشهور كما سيأتي في الشهادات قال لكن في شرح المهذب في صفة الأئمة الجزم بتكفيرهم.]اهـ
- وقال أيضاً :[قوله : (مع أنا لا نكفرهم على المشهور) ، وهو الراجح ( قوله : قال لكن في شرح المهذب في صفة الأئمة إلخ )، قال شيخنا الأصح الأول.]اهـ
- وقال أيضاً : [قوله : (وما في المجموع من تكفير من يصرح بالتجسيم ) أشار إلى تضعيفه وكتب أيضا كأنه احترز بالتصريح عمن يثبت الجهة فإنه لا يكفر كما قاله الغزالي في كتاب التفرقة بين الإسلام , والزندقة وقال ابن عبد السلام في القواعد : إنه الأصح بناء على أن لازم المذهب ليس بمذهب وكتب أيضا قال البلقيني الصحيح ، أو الصواب خلاف ما قال وقال ابن القشيري في المرشد من كان من أهل القبلة وانتحل شيئا من البدع كالمجسمة ، والقدرية وغيرهم هل يكفر؟ للأصحاب فيه طريقان وكلام الأشعري يشعر بهما وأظهر مذهبيه ترك الكفر وهو اختيار القاضي فمن قال قولا أجمع المسلمون على تكفير قائله كفرناه وإلا فلا.]اهـ
- وفي فتاوى الرملي (4/20) : [سئل (عمن قال إن الله في جهة هل هو مسلم ، وإن لزمه التجسيم ؛ لأن لازم المذهب ليس بمذهب أم لا ؟ (فأجاب) : بأن القائل المذكور مسلم ، وإن كان مبتدعا.]اهـ
- وفي تحفة المحتاج (9/86):[من ثم قيل أخذا من حديث الجارية يغتفر نحو التجسيم والجهة في حق العوام ؛ لأنهم مع ذلك على غاية من اعتقاد التنزيه والكمال المطلق.]اهـ
- وفي البحر المحيط للزركشي (8/280):[وأما المخطئ في الأصول والمجسمة : فلا شك في تأثيمه وتفسيقه وتضليله . واختلف في تكفيره. وللأشعري قولان.قال إمام الحرمين وابن القشيري وغيرهما : وأظهر مذهبيه ترك التكفير , وهو اختيار القاضي في كتاب" إكفار المتأولين" وقال ابن عبد السلام : رجع الأشعري عند موته عن تكفير أهل القبلة , لأن الجهل بالصفات ليس جهلا بالموصوفات . وقال :اختلفنا في العبارة والمشار إليه واحد. والخلاف فيه وجهان لأصحابنا كما قاله ابن القشيري , وكان الإمام أبو سهل الصعلوكي : لا يكفر , قيل له : ألا تكفر من يكفرك ؟ فعاد إلى القول بالتكفير.]اهـ
- وفي مغني المحتاج للشربيني(4/133) : (في الروضة : لو قال فلان في عيني كاليهودي والنصراني في عين الله أو بين يدي الله فمنهم من قال كفر ومنهم من قال إن أراد الجارحة كفر وإلا فلا قال الأذرعي : والظاهر أنه لا يكفر مطلقا لأنه ظهر منه ما يدل على التجسم والمشهور أنا لا نكفر المجسمة.]اهـ
- وفي كفاية الأخيار للحصني (صـ 647):(لكن هنا تنبيه هو أن المجسمة ملتزمون بالألوان والاتصال والانفصال وكلام الرافعي في كتاب الشهادات يقتضي أن المشهور أنا لا نكفرهم وتبعه النووي على ذلك إلا أن النووي جزم في صفة الصلاة من شرح المهذب بتكفير المجسمة قلت : وهو الصواب الذي لا محيد عنه إذ فيه مخالفة صريح القرآن قاتل الله المجسمة والمعطلة ما أجرأهم على مخالفة من { ليس كمثله شيء وهو السميع البصير } وفي هذه الآية رد على الفرقتين والله أعلم.]اهـ
-وفي الأشباه والنظائر للسيوطي (488):[قاعدة : قال الشافعي : لا يكفر أحد من أهل القبلة ، واستثني من ذلك : المجسم ، ومنكر علم الجزئيات. وقال بعضهم : المبتدعة أقسام :
الأول : ما نكفره قطعا , كقاذف عائشة رضي الله عنها ومنكر علم الجزئيات ، وحشر الأجساد ، والمجسمة ، والقائل بقدم العالم.
الثاني : ما لا نكفره قطعا , كالقائل بتفضيل الملائكة على الأنبياء , وعليّ على أبي بكر .
الثالث ، والرابع : ما فيه خلاف , والأصح : التكفير ، أو عدمه ، كالقائل بخلق القرآن صحح البلقيني التكفير ، والأكثرون : عدمه . وساب الشيخين , صحح المحاملي التكفير والأكثرون عدمه.]اهـ
- وقال ابن حجر الهيتمي في (المنهاج القويم صـ :224):[واعلم أن القَرَافي وغيره حكوا عن الشافعي ومالك وأحمد وأبي حنيفة رضي الله عنهم القول بكفر القائلين بالجهة والتجسيم، وهم حقيقون بذلك.]اهـ
- وفي حاشية الجمل (1/531):[(قوله لا نكفره) أي ببدعته خرج من نكفره ببدعته كالمجسمة ومنكري البعث وحشر الأجساد ، وعلم الله تعالى بالمعدوم أو بالجزئيات لإنكارهم ما علم مجيء الرسل به ضرورة فلا يجوز الاقتداء به لكفره ، والمعتمد في المجسم عدم التكفير ا هـ . ز ي أي ما لم يجسم صريحا , وإلا فيكفر اهـ . شيخنا.]اهـ
- وفي حاشية العبادي على الغرر البهية(1/450):[(قوله كالمجسمة(كذا في شرح المهذب وغيره ويتعين حمله على من يزعم أنه تعالى جسم كالأجسام ، أو يعتقد لزوم شيء من لوازم الجسمية للذات المقدس.]اهـ
- وفي مغني المحتاج للشربيني (5/429) : [تنبيه : اختلف في كفر المجسمة . قال في المهمات : المشهور عدم كفرهم , وجزم في شرح المهذب في صفة الأئمة بكفرهم . قال الزركشي : وعبارة شرح المهذب من جسم تجسيما صريحا , وكأنه احترز بقوله صريحا عمن يثبت الجهة فإنه لا يكفر كما قاله الغزالي , وقال الشيخ عز الدين : إنه الأصح , وقال في قواعده : إن الأشعري رجع عند موته عن تكفير أهل القبلة ؛ لأن الجهل بالصفات ليس جهلا بالموصوفات اهـ وأول نص الشافعي بتكفير القائل بخلق القرآن بأن المراد كفران النعمة لا الإخراج عن الملة ، قاله البيهقي وغيره من المحققين , لإجماع السلف والخلف على الصلاة خلف المعتزلة ومناكحتهم وموارثتهم.]اهـ
- وفي حاشية البجيرمي على الخطيب (2/132) :[ قوله : ( الذي لا يكفر ببدعته) كالمجسم والرافضي ومثله من يعتقد سنية بعض الأركان كالحنفي ق ل. وكالقائل بخلق القرآن أو عدم الرؤية . وأما ما نص الشافعي على تكفير نافي الرؤية والقائل بخلق القرآن فهو مؤول بكفر النعم ا هـ مناوي. وأما من يكفر ببدعته كالمجسم صريحا ومنكر العلم بالجزئيات فلا يصح أن يكون إماما بحال كما قاله في التحرير. قوله : كالمجسم هذا مرجوح وعدم تكفيره هو الراجح , والمراد به من يعتقد الجسمية فقط وإن كان يلازمها العرض كالبياض والسواد أو لزمها الجهة إذ لازم المذهب ليس بمذهب , ولا يكفر معتقد الجهة على الراجح فتأمل ق ل وكتب الشوبري قوله : كالمجسم صريحا , قال حج : وهو الذي يتجه ترجيحه من تناقض ما وقع في الروضة و المجموع لكن محله فيمن اعتقد أنه تعالى جسم كالأجسام ، وعليه يحمل إطلاق المجموع أنه يكفر . أما من اعتقد أنه جسم لا كالأجسام فلا يكفر ، وعليه يحمل إطلاق الروضة وغيرها بل المشهور عند أئمتنا أنه ليس بكفر.اهـ وجمع في الإيعاب بينهما بأن ما هنا محله إن صرح بشيء من لوازم الجسمية كالبياض والسواد وما هناك فيما إذا لم يصرح بشيء من ذلك لأن الأصح عند الأصوليين أن لازم المذهب ليس بمذهب . وقوله : ليس بمذهب وإن كان كفرا ما لم يلتزمه صاحبه ا هـ . وذكر حج في فتاويه الحديثية نقلا عن الأذرعي وغيره أن المشهور عدم تكفير المجسمة وإن قالوا له جسم كالأجسام لأنهم مع ذلك قد لا يعتقدون لوازم الأجسام ا هـ . وفي المسايرة وشرحها : ومن سماه جسما وقال لا كالأجسام يعني في نفي لوازم الجسمية كبعض الكرامية , فإنهم قالوا : هو جسم بمعنى موجود . وآخرون منهم قالوا : هو جسم بمعنى قائم بنفسه خطأ لكن خطؤه في إطلاق الاسم لا في المعنى ا هـ. وقوله صريحا بخلاف المجسم ضمنا كالقائل بالجهة أو بلون مثلا لأن ذلك من لوازم الأجسام , والمعتمد عدم تكفير المجسمة مطلقا وكذا الجهوية أي لغلبة التجسم على الناس وأنهم لا يفهمون موجودا في غير جهة. وعبارة العناني قوله : كالمجسم صريحا أي المعتقد كونه تعالى كالأجسام , بخلاف ما إذا اعتقد أنه جسم لا كالأجسام , والمعتمد أنه لا يكفر مطلقا سواء كان اعتقاده مطلق التجسم أو أنه كالأجسام فالمجسم من يثبت لله جسما , تعالى الله سبحانه وتعالى عن ذلك علوا كبيرا . واحترز بالتصريح عمن يقول بالجهة , يعني أنه تعالى في جهة ويلزم منه أنه جسم لكنه ليس صريحا فلا يكفر ا هـ بالحرف وأصله للزيادي. قلت : والقلب إلى التفصيل أميل , فقد قال حج في الأعلام :
والمشهور من المذهب كما قاله جمع متأخرون أن المجسمة لا يكفرون , لكن أطلق في المجموع تكفيرهم وينبغي حمل الأول على ما إذا قالوا جسم لا كالأجسام , والثاني ما إذا قالوا جسم كالأجسام لأن النقص اللازم على الأول قد لا يلتزمونه . ومر أن لازم المذهب غير مذهب بخلاف الثاني فإنه صريح في الحدوث والتركيب والألوان والاتصال , فيكون كفرا لأنه أثبت للقديم ما هو منفي عنه بالإجماع وما علم من الدين بالضرورة انتفاؤه عنه ولا ينبغي التوقف في ذلك ا هـ بالحرف. فتلخص في المجسمة ثلاثة أقوال : التكفير مطلقا ، وعدمه مطلقا ، والتفصيل . والله الهادي إلى سواء السبيل . وذكر حج في الكتاب المذكور أن القائلين بالجهة لا يكفرون على الصحيح . قال : نعم إن اعتقدوا لازم قولهم من الحدوث أو غيره كفروا إجماعا ا هـ فليحفظ. فإن قلت : ما المعتمد ؟ فإن الزيادي و ق ل والعناني أطبقوا على أن المعتمد عدم تكفير المجسمة مطلقا وابن حجر فصل . قلت : القلب إلى التفصيل أميل.]اهـ
- وفي التجريد حاشية البجيرمي على المنهج:(1/311):[قوله : (لا نكفره) أي ببدعته خرج من نكفره ببدعته كالمجسمة ومنكري البعث للأجسام وعلم الله تعالى بالمعدوم أو بالجزئيات لإنكارهم ما علم مجيء الرسول به ضرورة فلا يجوز الاقتداء به لكفره , والمعتمد في المجسمة عدم التكفير . ا هـ . ز ي أي ما لم يجسم صريحا وإلا بأن قال : إن الله جسم كالأجسام فيكفر كما قرره شيخنا , والجهوي القائل : إن الله في جهة لا يكفر وإن لزم من الجهة الجسمية ; لأن لازم المذهب ليس بمذهب.]اهـ
يتبع إن شاء الله.