قال فضيلة الإمام سلامة العزامي في كتابه فرقان القرآن (108 ، 109) : [إذا سمعت في عبارات بعض السلف : إنما نؤمن بأن له وجهاً لا كالوجوه ويداً لا كالأيدي ، فلا تظن أنهم أرادوا أن ذاته العلية منقسمة إلى أجزاء وأبعاض. فجزء منها يد وجزء منها وجه غير أنه لا يشابه الأيدي والوجوه التي للخلق حاشاهم من ذلك ، وما هذا إلا التشبيه بعينه.
وإنما أرادوا بذلك أن لفظ الوجه واليد قد استعمل في معنى من المعاني ، وصفة من الصفات التي تليق بالذات العلية كالعظمة والقدرة ، غير أنهم يتورعون عن تعيين تلك الصفة تهيباً من التهجم على ذلك المقام الأقدس.
وانتهز المجسمة والمشبهة مثل هذه العبارة فغرروا بها العوام ، وخدعوا بها الأغمار من الناس ، وحملوها على الأجزاء فوقعوا في حقيقة التجسيم والتشبيه ، وتبرءوا من اسمه ، وليس يخفى نقدهم المزيف على صيارفة العلماء ، وجهابذة الحكماء.
ويدلك على إرادة السلف ما قلناه ما نقله الذهبي نفسه في كتابه الذي سماه "العلو" عن الإمام مالك وشيخه ربيعة ونظرائهما أنهم قالوا حين سئلوا عن قوله تعالى : {الرحمن على العرش استوى} كيف استوى ؟ والكيف غير معقول.
وكذلك نقل الذهبي بالسند في هذا الكتاب عن أبي عبد الله الحاكم وأبي زرعة اتفاق جميع فقهاء الأمصار من أهل تلك الأمصار أنهم يؤمنون بهذه الصفات من غير كيف.
فانظر كيف نفوا الكيف مجمعين وهو صريح في أنها ليست أجزاء ولا جسمانية ، فإن الاستواء الجسماني والوجه الجسماني وما إليه لابد لها من الكيف قطعاً ، إذ هو لازم من لوازم ذاتها لذاتها.
ونفي لازم الماهية لذاتها يستلزم نفيها عند جميع المنصفين من العقلاء الذين لم يصابوا بالأهواء وانظر كيف سموها صفات ولم يسموها أبعاضاً وأجزاءً.
والخلاصة أنه يندفع عنك أيها الطالب لمعرفة مذهب السلف الصالح الوهم بأمرين :
أ – إجماعهم على نفي الكيف ، بل تصريحهم بأن الكيف غير معقول.
ب – والتسمية لها بالصفات.]اهـ