لأنّ الحشوية مصرون على اعتماد ظواهر تلك المتشابهات.
قال الإمام فخر الدين الرازي في كتابه القيم أساس التقديس : (جميع فرق الإسلام مقرون بأنه لابد من التأويل في بعض ظواهر القرآن والأخبار ،أما في القرآن : فبيانه من وجوه :
( الأول ) : هو انه ورد في القرآن ذكر الوجه ، وذكر العين ، وذكر الجنب الواحد ، وذكر الأيدي ، وذكر الساق الواحدة ، فلو أخذنا بالظاهر ، يلزمنا اثبات شخص له وجهه واحد ، وعلى ذلك الوجه أعين كثيره وله جنب واحد وعليه أيد كثيره وله ساق واحده ، ولا نرى في الدنيا شخصا اقبح صورة من هذه الصورة المتخيلة ، ولا اعتقد ان عاقلاً يرضى بأن يصف ربه بهذه الصفة.
( الثاني ) : انه ورد في القرآن : أنه تعالى نور السماوات والأرض وان كل عاقل يعلم بالبديهة : أن إله العالم ليس هو هذا الشيء المنبسط على الجدران والحيطان ، وليس هو هذا النور الفائض من جرم الشمس والقمر والنار فلابد لكل واحد منا ، من أن يفسر قوله تعالى : { الله نور السماوات والارض } بأنه منور السماوات والارض أو بأنه هاد لأهل السماوات والارض ، او بأنه مصلح السماوات والارض ، وكل ذلك تأويل.
( الثالث ) : قال الله تعال : { وأنزلنا الحديد فيه بأس شديد } ، ومعلوم ان الحديد ما نزل جرمة من السماء الى الارض ، وقال : { وأنزل لكم من الانعام ثمانية ازواج } ، ومعلوم : أن الأنعام ما نزلت من السماء الى الارض.
( الرابع ) : قوله تعالى : { وهو معكم أينما كنتم } ، وقوله تعالى : { ونحن أقرب إليه من حبل الوريد } ، وقوله تعالى : { ما يكون من نجوى ثلاثة إلا هو رابعهم } ، وكل عاقل يعلم : ان المراد منه القرب بالعلم والقدرة الإلهية.
( الخامس ) : قوله تعالى : { وأسجد وأقترب } ، فإن هذا القرب ليس إلا بالطاعة والعبودية فأما القرب بالجهة : فمعلوم بالضرورة أنه لا يحصل بسبب السجود.
( السادس ) : قوله تعالى : ( فأينما تولوا فثم وجه الله ) ، وقال تعالى : { ونحن أقرب إليه منكم ولكن لا تبصرون }.
( السابع ) : قال تعالى : { من ذا الذى يقرض الله قرضا حسنا } ؟ ولا شك أنه لا بد فيه من التأويل.
( الثامن ) : قوله تعالى : ( فأتى الله بنيانهم من القواعد ) ، ولا بد فيه من التـأويل.
( التاسع ) : قال تعالى لموسى وهارون : ( إنى معكما أسمع وأرى ) ، وهذه المعية ليست إلا بالحفظ والعلم والرحمة فهذه وأمثالها من الأمور التي لا بد لكل عاقل من الاعتراف بحملها على التأويل وبالله التوفيق.