موقع د. محمود صبيح

وخص بأنه صلى الله عليه وآله وسلم سُمي من أسماء الله تعالى بنحو سبعين اسماً منها: الرؤوف، الرحيم، الهادي، الأكرم، الآمين، الأول، الآخر، البشير، الجبار، الحق، الخبير، ذو العزة، الشهيد، الشكور، الصادق، العظيم، العفو، العالم، العزيز، الفاتح، الكريم، المبين، المؤمن، المهيمن، القدوس، الولي، النور، طه، يس. ذكرها القاضي عياض، وزاد المؤلف: الأحد، الأصدق، الأحسن، الأجود، الأعلى، الآمر، الناهي، الباطن، البر، البرهان، الحاشر، الحافظ، الحفيظ، الحسيب، الحكيم، الحليم، الحي، الخليفة، الراعي، الرافع، الواضع، رفيع الدرجات، السلام، السيد، الشاكر، القاهر، الصاحب، الطيب، الطاهر، العدل، العلي، الغالب، الغفور، الغني، القائم، الماجد، المعطي، الناصح، القاسم، الوفي، حم، ن.

*وخُص بأنه صلى الله عليه وآله وسلم يُسمى أحمد: أي أحمد الحامدين لربه، فالأنبياء حامدون وهو أحمدهم أي أكثرهم حمد، والمحمد الذي حمد مرة بعد أخرى والذي استكمل الخصال الحميدة، وذهب بعضهم إلى أنه يجوز كون أحمد بمعنى فاعل كما يجوز كونه بمعنى مفعول؛ لأنه له المزيد على العالمين في الحامدية والمحمودية، وهو أجلّ من حمد وأفضل من حمد وأكثر الناس حمداً، فهو أحمد المحمودين وأحمد الحامدين ومعه لواء الحمد يوم الدين؛ ليتم له كمال الحمد ويشتهر في تلك العرصات بصفة الحمد ويبعثه ربه هناك محموداً، يحمد فيه الأولون والأخرون لشفاعته لهم، ولم يسم به أحد قبله منذ خلقت الدنيا؛ حماية من الله لئلا يدخل لبس على ضعيف القلب أو شك في كونه المنعوت بأحمد في الكتب السابقة. قال بعضهم: ولم يتسم به أحد في حياته وأن أول من تسمى به بعد وفاته والد الخليل بن أحمد إمام أهل العربية.

قال السهلي: كان أحمد قبل أن يكون الحمد كما وقع في الوجود؛ لأن تسميته أحمد وقعت في الكتب القديمة وتسميته محمداً وقعت في القرآن وذلك لأنه لما حمده ربه قبل أن يحمده الناس في الدنيا فكذا في الآخرة يحمده ربه فيُشفعه، فيحمده الناس.

وذكر الواحدي: أن النعمان البساني – وكان من أحبار اليهود باليمن- لما سمع بذكر المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم قدم عليه وقال: كان أبي يختم على سفر ويقول: لا تفتحه حتى تسمع نبي يخرج من يثرب، فإذا سمعت به فافتحه فلما سمعت بك فتحته فإذا صفتك كما أراك، وأنك خير الأنبياء، وأن أمتك خير الأمم، واسمك أحمد.

وقد عُدّت هذه منه أي اختصاصه صلى الله عليه وآله وسلم بتسميته أحمد من الخصائص، في مسلم والإمام أحمد عن علي مرفوعاً بلفظ: "أُعطيت ما لم يعط أحد من الأنبياء قبلي نصرت بالرعب وأعطيت مفاتيح خزائن لأرض وسُميت أحمد، وجُعل لي التراب طهوراً، وجعلت أمتي خير الأمم".

وأعلم أنه ذكر في الخبر خمسة، وفي رواية: "فضلت على الأنبياء بست"، وفي رواية: "بسبع"، وفي أخرى: أكثر ولا تعارض؛ لاحتمال أنه أطلع أولاً على بعض ما خص به، ثم على الباقي، أو أن البعض كان مرفوعاً للمخاطب على أن مفهوم العدد غير حجة على الأصح، فإن قيل: ذا إنما يتم لو ثبت تأخر الدال على الزيادة، قلنا: إن ثبت فذاك والأحمل على أنه إخبار عن زيادة عبر عنه بالماضي تحقيقاً لوقوعه.

*وخص بإظلال الملائكة له صلى الله عليه وآله وسلم بأجنحتها في سفره إلى الشام مع ميسرة: قال: كان إذا اشتد الحر يرى ملكين يظلانه من الشمس وهو على بعيره ثم لما رجعوا إلى مكة وكانوا بمر الظهران دخل المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم مكة في ساعة الظهيرة، والسيدة خديجة في علية لها مع نساء فيهن نفيسة، فرأته السيدة خديجة وهو راكب على بعيره وملكان يظلانه فأرته نسائها فعجبن، فلما جاء ميسرة أخبرته بما رأت فقال: قد رأيت هذا منذ خرجنا.

*وخص بأنه صلى الله عليه وآله وسلم أرجح الناس عقلاً: روى أبو نعيم عن وهب بن منبه: "قرأت في إحدى وسبعين كتاباً: إن الله لم يعط الناس من بدء الدنيا إلى انقضائها من العقل في جنب عقل محمد صلى الله عليه وآله وسلم إلا كحبة رمل بين جميع رمال الدنيا وأنه أرجح الناس عقلاً وأرجحهم رأياً".

قال بعضهم: قد أدّب الله روح رسوله صلى الله عليه وآله وسلم ورباها في محل القرب قبل اتصالها ببدنه الطاهر باللطف والهيئة فتكامل له الأنس بذلك، ثم اتصلت بالبدن؛ ليظهر باتصالها كمالات أخرى من القوة إلى الفعل وينال كل من الروح والبدن بواسطة الآخر من الكمال ما يليق بالحال ويصير قدوة لأهل الكمال.

وقال القرطبي: حفظ الله نبيه من صغره وتولى تأديبه بنفسه ولم يكله في شئ من ذلك لغيره ولم يزل يفعل ذلك به حتى كره أحوال الجاهلين وحماه عنها، فلم يجر عليه شئ منها، كل ذلك لطف به وعطف عليه وجمع للمحاسن لديه صلى الله عليه وآله وسلم.

قال السهروردي: والعقل مائة جزء اختص منها المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم بتسعة وتسعين جزءاً، وجزءاً في جميع المؤمنين، والجزء الذي فيهم أحد وعشرون سهماً، فسهم تساوى فيه الكل وهو كلمة التوحيد، وعشرون سهماً يتفاضلون فيها على قدر حقائق إيمانهم.

خُص أيضاً بأنه صلى الله عليه وآله وسلم أجود الآدميين على الإطلاق: لما أخرجه ابن حبان وأبو يعلي عن أنس مرفوعاً: "ألا أخبركم بأجود الأجودين؟ قالوا: بلى. قال: فإن الله تعالى أجود الأجودين، وأنا أجود ولد آدم وأجودهم بعدي رجل علم علماً فنشر علمه فيُبعث يوم القيامة أمة وحده كما يُبعث النبي أمة وحده، ورجل جاد بنفسه في سبيل الله حتى يُقتل".

قال ابن رجب: دل هذا الخبر على أن المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم أجود الآدميين على الإطلاق، كما أنه أفضلهم وأعلمهم وأشجعهم وأكملهم في جميع الأوصاف الحميدة، وكان جوده بجميع أنواع الجود من بذل العلم والمال وبذل نفسه لله في إظهار دينه وهدايته عباده، وإيصال النفع إليهم .أهـ

وقال بعضهم: إنما كان أجود ولد بني آدم؛ لأنه بث علوم الشريعة مع البيان والتعليم، وأرشد السالكين إلى الصراط المستقيم وما سُئل في شئ قط فقال لا، وكان يعطي عطاء من لا يخاف الفقر.أهـ

وخُص صلى الله عليه وآله وسلم بأنه أُوتي كل الحُسن الذي أوتيه كل الناس في الدنيا: ولم يؤت يوسف نبي الله عليهما الصلاة والسلام إلا شطره؛ لأنه ورد أنه كان أجمل الناس وأحسنهم.

روى أحمد وأبو يعلي والحاكم بسند صحيح عن أنس: "أعطي يوسف شطر الحسن"، فإن قلت هذا يخالفه ما في خبر الحاكم: "إن الله قسم له من الجمال ثلثين وقسم بين عباده الثلث وكان يشبه آدم يوم خلقه الله، فلما عصى آدم نزع منه النور والبهاء والحسن ووهب له الثلث من الجمال مع التوبة فأعطى الله يوسف ذلك الثلثين". قلنا: كلا لا منافاة؛ لأن الشطر قد يطلق ويراد به الجزء من الشيء لا النصف الحقيقي ولهذا شواهد كثيرة، وبتأمل حديث الحاكم هذا يعلم اندفاع قول ابن المنير.

والزركشي يتبادر من قوله: أعطي يوسف شطر الحسن أن الناس يشتركون في الشطر الثاني وليس كذلك؛ لأن المراد أن يوسف أعطي شطر الحسن الذي أعطيه محمد صلى الله عليه وآله وسلم، فمحمد بلغ النهاية فيه ويوسف بلغ الشطر، وفي حديث الحاكم: "أعطي يوسف ثلثي الحسن".

*وخُص صلى الله عليه وآله وسلم بغطه أي عمره ثلاثاً أي ثلاث مرات عند ابتداء الوحي: حين قال له جبريل: اقرأ فقال: ما أنا بقاريء، أي ما أحسن القراءة – وهذه النقطه قد وضحها فضيلة مولانا الدكتور محمود ووضح المقصود منها في كتاب على أعتاب الحضرة المحمدية فبرجاء مراجعتها- ، فغطه حتى بلغ من الجهد، أي بلغ الغط منه غاية الوسع، فاشتد بدنه وقوي على تحمل أثقال الوحي، فلما قال له ذلك ثلاث مرات، قال له: {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ }[العلق : 1]، أي لا تقرأه بقوتك ولا بمعرفتك، بل بحول الله وقوته وإعانته فهو يعلمك كما خلقك وكما نزع منك علقة الدم ومقر الشيطان في الصغر وعلم أمتك حتى صارت تكتب بالقلم بعد أن كانت أمية.

وقول بعضهم قوله تكتب قوله: "ما أنا بقاريء" يفيد الاختصاص، رده الطيبي بأنه يفيد التقوية ، والتأكيد التقدير لست بقارئ البته، قال أبو شامة: وحكمة تكرار قوله: "ما أنا بقارئ" بأن الأولى تُحمل على الامتناع، والثانية على الإخبار بالنفي المحض، والثالثة على الاستفهام، ويؤيده أن رواية أبي الأسود عن عروة أنه قال: كيف أقرأ؟ قيل: إنما كرره إشارة أن إحضار الإيمان الذي الوحي بسببه في ثلاث: القول والعمل والنية، وأن الوحي يشتمل على ثلاث: التوحيد والأحكام والقصص، ونكتة الغط شغله عن التفات لشئ آخر أو لإظهار الشدة والجد في الأمر إيذاناً بثقل القول الذي أُلقي عليه، فهو مقدمة لما يحصل له من الكرب قبل نزول القرآن، وذلك وإن كان علم الله حاصل، ولكن أراد إبرازه للظاهر بالنسبة للمصطفى صلى الله عليه وآله وسلم، وكرره مبالغة في التنبيه، ففيه أنه ينبغي للمعلم الاحتياط في تنبيه المتعلم وأمره بإحضار قلبه، وقيل: إشارة التشديدات الثلاثة التي حصلت له: الحصر في الشعب، وخروجه إلى الهجرة، وما جرى يوم أحد، وفي الإرسالات الثلاث إشارة إلى حصول الفرج عقب الثلاث، عد هذا من الخصائص الحافظ ابن حجر نقلاً عن بعضهم قال:لأنه لم ينقل عن أحد من الأنبياء أنه وقع له عند ابتداء الوحي مثله وفيه نظر الخصوصية لا تثبت قبل ذلك.

روى الكلبي من حديث ابن عباس: "إن خديجة صنعت طعاماً ثم أرسلت إلى المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم فلم تجده بحراء فأرسلت في طلبه، فبينما هي كذلك إذ أتاها، قالت: ما أراك؟ قال: أرأيتك هذا الذي كنت أُحدثك أني سمعته فقد والله بدا لي، فينا أنا قائم على جبل حراء إذ أتاني آت فقال: أبشر فأنا جبريل أُرسلت إليك وأنت رسول هذه الأمة، ثم أخرج لي قطعة نمط وقال: اقرأ، فقلت: ما قرأت شيئاً قط ولم أر شيئاً أقرؤه، فقال: {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ }... إلى {مَا لَمْ يَعْلَمْ}، ثم نزل عن الجبل فنزلت معه إلى قرار الأرض فأجلسني على درنوك وعليه ثوبان أخضران، فجلست عليه ثم ضرب برجله الأرض فنبعت عين ماء فتوضأ جبريل، ثم أمرني فتوضأت مثل وضوئه، ثم صلى ركعتين وصليت معه، وكان ذلك في يوم الإثنين نهار الثمان خلت من شهر ربيع الأول.

وخُص صلى الله عليه آله وسلم برؤية جبريل عليه السلام في صورته الأصلية التي خُلق عليها – قلت: ويا ليت شعري من الذي خُص برؤية من؟!-: ، وفيه لغات كسر الجيم والراء فمثناة تحتية ساكنة، والثانية كذلك لكن الجيم مفتوحة، والثالثة فتح الجيم والراء وبهمزة بعدها ياء اسم مركب من جبر وهو العبد، وإيل وهو الله، وقيل غير ذلك، وله ستمائة جناح يسد الخاقين، وأما البشر غير الرسل فلا يقدرون على رؤية الملك في صورته، روى الطبراني عن ابن عباس بلفظ: "رأيت له ستمائة جناح"، ورواه البخاري في تفسير النجم، ورواه مسلم في الإيمان من حديث ابن مسعود بلفظ: "إن النبي صلى الله عليه آله وسلم رأى جبريل له ستمائة جناح"، وبلفظ: "رأى جبريل في صورته له ستمائة جناح"، ورواه ابن حبان بأتم من الكل بلفظ: "رأيت جبريل عند سدرة المنتهى وله ستمائة جناح ينتثر من ريشه الدر والياقوت". أهـ

وفي الصحيحين: أنه لم يره في الصورة التي خُلق عليها إلا مرتين.

ومن رواية أبي الأسود عن عروة عن عائشة: "إن أول ما رأى المصطفى صلى الله عليه آله وسلم جبريل بأجياد صرخ جبريل يا محمد، فنظر يميناً وشمالاً فلم ير شيئاً، فرفع بصره فإذا هو على أفق السماء، فقال: يا محمد جبريل جبريل فهرب فدخل في الناس فلم ير شيئاً ثم خرج عنهم فناداه فهرب، ثم استعلن له جبريل من قبل حراء فذكر القصة". قال ابن حجر: وفي هذه الرواية ابن لهيعة وهو ضعيف.

وقد ثبت في مسلم عن عائشة مرفوعاً: "لم يره على صورته التي خُلق عليها إلا مرتين"، وروى أحمد وغيره عن ابن مسعود: أن المصطفى صلى الله عليه آله وسلم لم يره في صورته إلا مرتين، أما أحدهما فإنه سأله أن يريه نفسه ما رآه فسد الأفق، وأما الأخرى فليلة الإسراء عند السدرة، وأما في غير هاتين فكان يأتيه على هيئات كثيرة منها: أنه كان يأتيه بصورة دحية، وتصور له مرة بصورة فحل من الإبل فاتحاً فاه ليلتقم أبا جهل، وروى الدار قطني في كتاب الإفراد مرفوعاً: "أتاني جبريل في خضر تعلق به الدر يعني جاءني في لباس أخضر تعلق به اللؤلؤ العظام تمثل له بهذه الهيئة", وللترمذي عن عائشة: "لم ير محمد صلى الله عليه آله وسلم جبريل في صورته إلا مرتين، مرة عند سدرة المنتهى ومرة في أجياد"، قال ابن حجر: وهذا يقوي رواية ابن لهيعة وتكون هذه المرة غير المرتين ولم يضمها إليهما؛ لاحتمال ألا يكون رآه فيها على تمام صورته.أهـ

واختلف في هذه فقيل: إن الله يغني الزائد من خلقه، وقيل: مجرد تخييل للرائي، وقيل: بالتداخل.

واعلم أن الملك له صورتان: حقيقية ومثالية، فالحقيقية لم تقع إلا للمصطفى صلى الله عليه آله وسلم، والمثالية هي الواقعة لبقية الأنبياء، بل شاركهم في ذلك بعض الصحابة، عدّ هذه الخصوصية من الخصائص، البيهقي، وحجة الإسلام الغزالي.

تنبيه: قوله في الحديث: "له ستمائة جناح" قيل: يجوز أن يكون أخبر به عن عدد، أو عن خبر الله وملائكته، وقد جاء القرآن بأجنحة الملائكة، لكن يبقى الكلام في كيفيتها، قال السهلي: إنها صفات ملكية لا تدرك بالعين فإنه تعالى أخبرنا بها مثنى وثلاث ورباع ولم ير لطائر ثلاثة أو أربعة أجنحة، فكيف ستمائة؟ فدل أنها صفات لا تدرك بالفكر ولا ورد ببيانها خبر فيجب الإيمان بها إجمالاً، واعترض بأن لفظ الطبراني يرجح أنها كالطير وقد ورد نشر الجناح بحيث يسد الأفق وهذا نص صريح في أن جبريل يرى بالعيان ويدرك بالبصر، فمن زعم أنه خيال موجود في الأذهان لا العيان فقد كفر وخرج عن جميع الملل.

قال حجة الإسلام:الملك له صورتان: مثالية وحقيقية بل يُرى بصور مختلفة في وقت واحد في مكانين، لكن لا تدرك حقيقة صورته بالمشاهدة إلا بأنوار النبوة كما رأى النبي صلى الله عليه آله وسلم جبريل في صورته مرتين، وكان يريه نفسه في غيرها كصورة آدمي؛ وذلك لأن القلب له وجهان: وجه إلى عالم الغيب وهو مدخل الأوهام والوحي، ووجه إلى عالم الشهادة، فالذي يظهر منه في الوجه الذي يلي عالم الشهادة ولا يكون إلا صورة متخيلة؛ لأن عالم الشهادة كله متخيلات، إلا أن الخيال تارة يحصل من النظر إلى ظاهر عالم الشهادة بالحسن فيجوز أن لا تكون الصورة على وفق المعنى؛ لأن عالم الشهادة كثير التلبس، أما الصورة التي تحمل في الخيال من إشراف عالم الملكوت على باطن سر القلب فلا يكون إلا محاكياً للصفة وموافقاً لها؛ لأن الصورة في عالم الملكوت تابعة للصفة فلا جرم، ولا يرى المعنى الحسن إلا بصورة حسنة والقبيح إلا بصورة قبيحة فتكون تلك الصورة عنوان المعاني ومحالها بالصدق.

وخُص صلى الله عليه وآله وسلم بانقطاع الكهانة لمبعثه: والكهانة هي إخبار بعض أهل الكتاب ببعض المغيبات لما في حديث أبي نعيم عن ابن عباس: "إن المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم لما ولد لم تبق كهانة في قريش ولا في قبيلة من قبائل العرب إلا حُجبت عن صاحبها وانتُزع علم الكهانة منها"، وذلك كثير جداً يخرج عن نطاق الحصر.