موقع د. محمود صبيح

منتدى موقع د. محمود صبيح

جميع الأوقات تستخدم GMT + ساعتين



إرسال موضوع جديد الرد على الموضوع  [ 3 مشاركة ] 
الكاتب رسالة
 عنوان المشاركة: الهجرة إلى المدينة الشريفة .
مشاركة غير مقروءةمرسل: السبت أكتوبر 25, 2014 11:12 am 
غير متصل

اشترك في: السبت أكتوبر 08, 2011 9:22 pm
مشاركات: 2916
بسم الله الرحمن الرحيم


الهجرة إلى المدينة الشريفة

إذن النبي صلى الله عليه وسلم للمسلمين في الهجرة إلى المدينة

عن السيدة عائشة رضي الله عنهما قال: لما صدر السبعون من عند رسول الله صلى الله عليه وسلم طابت نفسه وقد جعل الله له منعة وقوما أهل الخروج فضيقوا على أصحابه وتعبثوا بهم، ونالوا منهم ما لم يكونوا ينالون من الشتم والاذى، فشكا ذلك أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم واستأذنوه في الهجرة، فقال: (قد أريت دار هجرتكم، أريت سبخة ذات نخل بين لابتين) - وهما الحرتان - (ولو كانت السراة أرض نخل وسباخ لقلت هي هي).

ثم مكث صلى الله عليه وسلم أياما ثم خرج إلى أصحابه مسرورا فقال: (قد أخبرت بدار هجرتكم وهي يثرب، فمن أراد الخروج فليخرج إليها).

فجعل القوم يتجهزون ويترافقون ويتواسون ويخرجون ويخفون ذلك.
فكان أول من قدم المدينة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أبو سلمة بن عبد الاسد - بسين ودال مهملتين قال ابن اسحاق: (هاجر إلى المدينة قبل بيعة العقبة بسنة.
وحبست عنه امرأته أم سلمة هند بنت أبي أمية بن المغيرة بمكة نحو سنة ثم أذن لها بنو المغيرة الذين حبسوها في اللحاق بزوجها فانطلقت وحدها مهاجرة حتى إذا كانت بالتنعيم لقيت عثمان بن طلحة (بن أبي طلحة) أخا بني عبد الدار وكان يومئذ مشركا وأسلم بعد ذلك، فشيعها حتى إذا أوفى على قرية بني عمرو بن عوف بقباء قال لها: هذا زوجك في هذه القرية.
ثم انصرف راجعا إلى مكة، فكانت تقول: ما رأيت صاحبا قط كان أكرم من عثمان بن طلحة، كان إذا بلغ المنزل أناخ بي ثم استأخر عني حتى إذا نزلت عنه استأخر ببعيري فحط عنه ثم قيده في الشجرة، ثم أتى إلى شجرة فاضطجع تحتها، فإذا دنا الرواح قام إلى بعيري فقدمه فرحله، ثم استأخر عني وقال: اركبي.
فإذا ركبت واستويت على بعيري أتى فأخذ بخطامه فقادني، (فلم يزل يصنع ذلك بي حتى أقدمني المدينة).


وقيل: أول المهاجرين مصعب بن عمير.

عن البراء بن عازب قال: (أول من قدم علينا المدينة من المهاجرين مصعب بن عمير).
وروى ابن اسحاق وابن سعد: (ثم كان أول من قدمها من المهاجرين بعد أبي سلمة: عامر بن ربيعة (حليف بني عدي بن كعب)، معه امرأته ليلى بنت أبي حثمة - بالحاء المهملة المفتوحة وسكون الثاء المثلثة - قالا: (وهي أول ظعينة قدمت المدينة).

قال ابن إسحاق: (ثم عبد الله بن جحش احتمل بأهله وبأخيه أبي أحمد عبد بن جحش - بإضافة عبد إلى ابن جحش - وكان أبو أحمد رجلا ضرير البصر، وكان يطوف مكة أعلاها وأسفلها بغير قائد، وكان شاعرا، وكانت عنده الفارعة ابنة أبي سفيان بن حرب، وهاجر جميع بني جحش بنسائهم فعدا أبو سفيان على دارهم فتملكها، قال بعضهم: إنه باعها من عمرو بن علقمة أخي بني عامر بن لؤي، فذكر ذلك عبد الله بن جحش لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ألا ترضى يا عبد الله أن يعطيك الله بها دارا في الجنة خيرا منها ؟) قال: بلى.
قال:
(فذلك لك).
ولما افتتح رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة كلمه أبو أحمد في دارهم، فأبطأ عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم.
فقال الناس لابي أحمد: يا أبا أحمد إن رسول الله يكره أن ترجعوا في شئ أصيب منكم في الله.
فأمسك الكلام عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
قال ابن إسحاق: وكان بنو غنم بن دودان أهل إسلام، قد أوعبوا إلى المدينة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم هجرة رجالهم ونساؤهم: (عبد الله بن جحش وأخو أبو أحمد بن جحش، وعكاشة بن محصن وشجاع وعقبة ا بنا وهب وأربد بن حمير).

وروى ابن السمان في (الموافقة) عن علي رضي الله عنه قال: ما علمت أن أحدا من المهاجرين هاجر إلا مختفيا إلا عمر بن الخطاب، فإنه لما هم بالهجرة تقلد سيفه وتنكب قوسه وانتضى في يده أسهما واختصر عنزته، ومضى قبل الكعبة، والملا من قريش بفنائها فطاف بالبيت سبعا (متمكنا)، ثم أتى المقام فصلى ركعتين، ثم وقف على الحلق واحدة واحدة وقال لهم: شاهت ا لوجوه، لا يرغم الله إلا هذه المعاطس، من أراد أن يثكل أمه أو يؤتم ولده أو يرمل زوجته فليلقني وراء هذا الوادي.
قال علي رضي الله عنه: فلم يتبعه أحد إلا قوم من المستضعفين علمهم ما أرشدهم إليه ثم مضى لوجهه.
وروى ابن إسحاق: عن نافع مولى عبد الله بن عمر عن عبد الله بن عمر عن أبيه عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: اتعدت لما أردنا الهجرة إلى المدينة أنا وعياش بن أبي ربيعة وهشام بن العاص (بن وائل) السهمي التناضب من أضاة بني غفار فوق سرف، وقلنا: أينا لم يصبح عندها فقد حبس فليمض صاحباه.
قال: فأصبحت أنا وعياش بن أبي ربيعة عند التناضب وفطن لهشام قومه
فحبسوه عن الهجرة وفتن فافتتن.
ثم إن أبا جهل والحارث بن هشام - وأسلم بعد ذلك - خرجا حتى قدما المدينة، ورسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة، فقالا لعياش بن أبي ربيعة وكان ابن عمهما وأخاهما لامهما: إن أمك قد نذرت ألا يمس رأسها مشط حتى تراك ولا تستظل من شمس حتى تراك، فرق لها.
فقلت له: يا عياش إنه والله إن يريدك القوم إلا ليفتنوك عن دينك فاحذرهم، فوالله لو قد آذى أمك القمل لامتشطت، ولو قد اشتد عليها حر مكة لاستظلت.
فقال: أبر قسم أمي ولي هنالك مال فاخذه.
فقلت: والله إنك لتعلم أني لمن أكثر قريشا مالا فلك نصف مالي ولا تذهب معهما.
فأبى علي إلا أن يخرج معهما.
فلما أبى إلا ذلك قلت: أما إذا قد فعلت ما فعلت فخذ ناقتي هذه فإنها ناقة نجيبة ذلول فالزم ظهرها، فإن رابك من القوم ريب فانج عليها، فخرج عليهما معهما، حتى إذا كانوا ببعض الطريق قال له أبو جهل: والله يا أخي لقد استغلظت بعيري هذا، أفلا تعقبني على ناقتك هذه ؟ قال: بلى.
قال: فأناخ وأناخ ليتحول عليها، فلما استووا بالارض عدوا عليه فأوثقاه رباطا وفتناه فافتتن ودخلا به مكة نهارا موثقا، ثم قالا: يا أهل مكة هكذا فافعوا بسفهائكم كما فعلنا بسفيهنا هذا.
قال عمر: فكنا نقول: ما الله تعالى بقابل ممن افتتن صرفا ولا عدلا ولا توبة، قوم عرفوا الله ثم رجعوا إلى الكفر لبلاء أصابهم.
قال: وكانوا يقولون ذلك لانفسهم.
فلما قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة أنزل الله تعالى فيهم وفي قولنا وقولهم لانفسهم (قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعا إنه هو الغفور الرحيم، وأنيبوا إلى ربكم وأسلموا له من قبل أن يأتيكم العذاب ثم لا تنصرون واتبعوا أحسن ما أنزل إليكم من ربكم من قبل أن يأتيكم العذاب بغتة وأنتم لا تشعرون) (الزمر: 53، 54، 55).
قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: فكتبتها بيدي في صحيفة وبعثت بها إلى هشام بن العاصي.
قال: فقال هشام: فلما أتتني جعلت أقرؤها بذي طوى أصعد بها فيه وأصوب ولا أفهمها حتى قلت: اللهم فهمنيها قال: فألقى الله تعالى في قلبي أنها إنما أنزلت
فينا وفيما كنا نقول في أنفسنا.
قال: فرجعت إلى بعيري فجلست عليه فلحقت برسول الله صلى الله عليه وسلم.
هذا ما ذكره ابن إسحاق في شأن هشام.
قال ابن هشام: فحدثني من أثق به أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال وهو بالمدينة: (من لي بعياش بن أبي ربيعة وهشام بن العاصي ؟) فقال الوليد بن الوليد بن المغيرة: أنا لك يا رسول الله بهما.

فخرج إلى مكة فقدمها مستخفيا، فلقي امرأة تحمل طعاما فقال لها: أين تريدين يا أمة الله ؟ قالت: أريد هذين المحبوسين.
تعنيهما، فتبعها حتى عرف موضعهما، وكانا محبوسين في بيت لا سقف له، فلما أمسى تسور عليهما ثم أخذ مروة فوضعها تحت قيديهما ثم ضربهما بسيفه فقطعهما، فكان يقال لسيفه: ذو المروة، لذلك ثم حملهما على بعيره وساق بهما فعثر فدميت إصبعه فقال: هل أنت إلا إصبع دميت ؟ * وفي سبيل الله ما لقيت ثم قدم بهما على رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم تتابع المهاجرون أرسالا فنزل طلحة بن عبيد الله وصهيب بن سنان على خبيب - بضم الخاء المعجمة وفتح الوحدة - ابن إساف - بكسر الهمزة - بالسنح ويقال: بل نزل طلحة بن عبيد الله على أسعد بن زرارة.


وروى ابن سعد عن سعيد بن المسيب أن صهيبا حين أراد الهجرة قال له كفار قريش: أتيتنا صعلوكا حقيرا فكثر مالك عندنا وبلغت ا لذي بلغت ثم تريد أن تخرج بمالك ونفسك والله لا يكون ذلك.
فقال لهم صهيب: أرأيتم إن جعلت لكم مالي أتخلون سبيلي ؟ قالوا: نعم.
قال: فإني جعلت لكم مالي.
قال: فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: (ربح صهيب ربح صهيب).


قال ابن سعد: لما قدم أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أرسالا فنزلوا في الانصار في دورهم وآووهم ونصروهم وآسوهم، وكان سالم مولى أبي حذيفة يؤم المهاجرين بقباء قبل أن يقدم النبي صلى الله عليه وسلم.


قال ابن إسحاق وأقام رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة بعد أصحابه من المهاجرين ينتظر أن
يؤذن له في الهجرة، ولم يتخلف معه بمكة أحد من المهاجرين إلا من حبس أو فتن، إلا علي بن أبي طالب وأبو بكر بن أبي قحافة رضي الله عنهما.
وكان أبو بكر كثيرا ما يستأذن رسول الله صلى الله عليه وسلم في الهجرة فيقول له: (لا تعجل لعل الله يجعل لك صاحبا).
فيطمع أبو بكر أن يكونه.


قال ابن سعد: وكان نفر من الانصار بايعوا رسول الله صلى الله عليه وسلم في العقبة الاخرة، ثم رجعوا إلى المدينة، فلما قدم أول من هاجر إلى قباء خرجوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة، حتى قدموا مع أصحابه في الهجرة، فهم مهاجرون أنصاريون وهم: ذكوان بن عبد قيس (بن خلدة الزرقي)، وعقبة بن وهب بن كلدة والعباس (ابن عبادة) بن نضلة وزياد بن لبيد (بن ثعلبة الخزرجي البياضي).

تنبيه : ذكر ابن إسحاق وابن سعد أن أول من هاجر من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أبو سلمة عبد الله بن عبد الاسد.
وروى ابن أبي شيبة والبخاري عن البراء بن عازب رضي الله عنه أنه قال: أول من قدم علينا المدينة من المهاجرين مصعب بن عمير.
قال الحافظ: (فيجمع بينهما بحمل الاولية في أحدها على صفة خاصة.
فقد جزم ابن عقبة بأن أول من قدم من المهاجرين مطلقا أبو سلمة بن عبد الاسد، وكان رجع من الحبشة إلى مكة، فأوذي بمكة، فبلغ ما وقع للاثني عشر من الانصار في العقبة الاولى، فتوجه إلى المدينة في أثناء السنة، فيجمع بين ذلك وبين ما وقع في حديث البراء بأن أبا سلمة خرج لا لقصد الاقامة بالمدينة بل فرارا من المشركين، بخلاف مصعب بن عمير فكان على نية الاقامة بالمدينة).


هجرة النبي صلى الله عليه وسلم بنفسه الكريمة وكفاية الله تعالى رسوله مكر المشركين حين أرادوا ما أرادوا :

روى ابن إسحاق أن قريشا لما رأت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد كانت له شيعة وأصحاب من غيرهم بغير بلدهم، ورأوا خروج أصحابه من المهاجرين إليهم، عرفوا أنهم قد نزلوا دارا وأصابوا جوارا ومنعة، فحذروا خروج رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعرفوا أنه قد أجمع لحربهم، فاجتمعوا له في دار الندوة - وهي دار قصي بن كلاب التي كانت قريش لا تقضى أمرا إلا فيها - يتشاورون فيها ما يصنعون في أمر النبي صلى الله عليه وسلم حين خافوه.
فاجتمعوا لذلك واتعدوا، وكان ذلك اليوم يسمى يوم الزحمة فاعترضهم إبليس لعنة الله في هيئة شيخ من أهل نجد عليه بت له، فوقف على باب الدار، فلما رأوه واقفا على بابها قالوا: من الشيخ ؟ قال: شيخ من أهل نجد سمع بالذي اتعدتم له فحضر معكم ليسمع ما تقولون وعسى ألا تعدموا منه رأيا ولا نصحا.


قالوا: أجل فادخل، فدخل معهم، وقد اجتمع فيها أشراف قريش: من بني عبد شمس: عتبة بن ربيعة وشيبة بن ربيعة وأبو سفيان بن حرب - وأسلم بعد ذلك - (ومن بني نوفل بن عبد مناف): طعيمة بن عدي، وجبير بن مطعم - وأسلم بعد ذلك - (والحرث بن عامر بن نوفل.


ومن بني عبد الدار بن قصى): النضر بن الحرث بن كلدة (ومن بني أسد بن عبد العزى): أبو البختري بن هشام، وزمعة بن الاسود - وأسلم بعد ذلك - وحكيم بن حزام - وأسلم بعد ذلك، (ومن بني مخزوم): أبو جهل بن هشام، (ومن بني سهم): نبيه ومنبه ابنا الحجاج، ومن بني جمح: أمية بن خلف، ومن كان معهم، وغيرهم ممن لا يعد من قريش.
فقال بعضهم لبعض: إن هذا الرجل قد كان من أمره ما قد رأيتم، وإنا والله ما نأمنه على الوثوب علينا بمن قد اتبعه من غيرنا فأجمعوا فيه رأيا.

قال: فتشاوروا ثم قال قائل منهم - نقل السهيلي عن ابن سلام أنه أبو البختري بن هشام - احبسوه في الحديد وأغلقوا عليه بابا، ثم تربصوا به ما أصاب أشباهه من الشعراء الذين كانوا قبله: زهيرا والنابغة ومن مضى منهم من هذا ا لموت حتى يصيبه ما أصابهم.

فقال الشيخ النجدي - لعنه الله -: لا والله ما هذا لكم برأي، والله لو حبستموه كما تقولون ليخرجن أمره من وراء ا لباب الذي أغلقتم دونه إلى أصحابه، فلاوشكوا أن يثبوا عليكم فينتزعوه من أيديكم، ثم يكاثروكم به حتى يغلبوكم على أمركن، ما هذا لكم برأي فانظروا في غيره.

فتشاوروا ثم قال قائل منهم - ذكر السهيلي أنه أبو الاسود ربيعة بن عمرو أحد بني عامر بن لؤي - نخرجه من بين أظهرنا فننفيه من بلادنا، فإذا خرج عنا فوالله ما نبالي أين ذهب ولا حيث وقع، إذا غاب عنا وفرغنا منه فأصلحنا أمرنا وألفتنا (كما كانت) فقال الشيخ النجدي: لا والله، ما هذا لكم برأي، ألم تروا حسن حديثه وحلاوة منطقه وغلبته قلوب الرجال بما يأتي به ؟ والله لو فعلتم ذلك ما أمنتم أن يحل على حي من العرب فيغلب عليهم بذلك من قوله وحديثه حتى يتابعوه عليه، ثم يسير بهم إليكم حتى يطأكم بهم في بلادكم، فيأخذ أمركم من أيديكم، ثم يفعل بكم ما أراد، دبروا فيه رأيا غير هذا.

فقال أبو جهل بن هشام: والله إن لي فيه لرأيا ما أراكم وقعتم عليه بعد.
قالوا: وما هو يا أبا الحكم ؟ قال: أرى أن تأخذوا من كل قبيلة فتى شابا جلدا نسيبا وسيطا، ثم نعطي كل فتى منهم سيفا صارما، ثم يعمدوا إليه بأجمعهم فيضربوه بها ضربة رجل واحد، فيقتلوه فنستريح منه، فإنهم إن فعلوا ذلك تفرق دمه في القبائل جميعا، فلم يقدر بنو عبد مناف على حرب قومهم جميعا، فرضوا منا بالعقل فعقلناه لهم.

فقال الشيخ النجدي أخزاه الله، القول ما قال الرجل، هذا الرأي لا أرى غيره.
وذكر ابن الكلبي أن إبليس لما حمد رأي أبي جهل لعنه الله قال:
الرأي رأيان: رأي ليس يعرفه * هاد ورأي كنصل السيف معروف يكون أوله عز ومكرمة * يوما وآخره جد وتشريف وتفرق القوم على ذلك وهم مجمعون له.
فأتى جبريل رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: لا تبت هذه الليلة على فراشك الذي كنت تبيت عليه، وأخبره بمكر القوم وإذن الله تعالى له بالخروج.

فلما كانت العتمة من الليل اجتمعوا على بابه يرصدونه متى ينام فيثبون عليه، فلما رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم مكانهم قال لعلي بن أبي طالب: (نم على فراشي وتسج ببردي هذا الحضرمي الا حضر فنم فيه فإنه لن يخلص إليك شئ تكرهه منهم)، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم ينام في برده ذلك إذا نام.

فلما اجتمعوا قال أبو جهل بن هشام: إن محمدا يزعم أنكم إن تابعتموه على أمره كنتم ملوك العرب والعجم ثم بعثتم من بعد موتكم، فجعلت لكم جنان كجنان الاردن وإن أنتم لم تفعلوا كان فيكم ذبح، ثم بعثتم من بعد موتكم فجعلت لكم نار تحرقون فيها.

فخرج عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخذ حفنة من تراب في يده ثم قال: (نعم أنا أقول ذلك وأنت أحدهم).

وأخذ الله عزوجل على أبصارهم عنه فلا يرونه فجعل يذري ذلك التراب على رؤوسهم وهو يتلو هذه الايات: (يس والقرآن الحكيم إنك لمن المرسلين على صراط مستقيم تنزيل العزيز الرحيم) إلى قوله تعالى: (فأغشيناهم فهم لا يبصرون) (يس: 1 - 9) فلم يبق منهم رجل الا وقد وضع رسول الله صلى الله عليه وسلم على رأسه ترابا، ثم انصرف إلى حيث أراد أن يذهب.


فأتاهم آت ممن لم يكن معهم فقال: (ما تنتظرون ههنا) ؟ قالوا: (محمدا).
قال: (خيبكم الله، قد والله خرج عليكم محمد ثم ما ترك منكم رجلا إلا وقد وضع على رأسه ترابا وانطلق لحاجته، أفما ترون ما بكم) ؟ قال: (فوضع كل رجل منهم يده على رأسه فإذا عليه تراب)، ثم جعلوا يتطلعون فيرون عليا على الفراش متسجيا ببرد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فيقولون: والله إن هذا لمحمد نائما عليه بردة.


فلم يزالوا كذلك حتى أصبحوا.
فقام علي رضي الله عنه من الفراش.
فقالوا: (والله لقد صدقنا الذي كان حدثناه).
وذهب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى غار ثور.


وروى الحاكم عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: (شرى علي نفسه ولبس ثوب النبي صلى الله عليه وسلم ثم نام مكانه).
وكان المشركون يرجون رسول الله صلى الله عليه وسلم فجعلوا يرمون عليا ويرونه النبي صلى الله عليه وسلم، وجعل علي يتوضأ فإذا هو علي، فقالوا: إنك للئيم، إنك لتتضور وكان صاحبك لا يتضور وقد استنكرناه منك.

وروى الحاكم عن علي بن الحسين رضي الله عنهما قال: إن أول من شرى نفسه ابتغاء رضوان الله علي، وقال في ذلك شعرا:

وقيت بنفسي خير من وطئ الحصى * ومن طاف بالبيت العتيق وبالحجر

رسول إله خاف أن يمكروا به * فنجاه ذو الطول الاله من المكر

وبات رسول الله في الغار آمنا * موقى وفي حفظ الاله وفي ستر

وبت أراعيهم وما يتهمونني * وقد وطنت نفسي على القتل والاسر

قال ابن اسحاق: وكان مما أنزل الله عز وجل من القرآن في ذلك اليوم وما كانوا أجمعوا له: (وإذ يمكر بك الذين كفروا ليثبتوك) بالوثاق والحبس والاثخان با لجرح (أو يقتلوك) بسيوفهم (أو يخرجوك) - من مكة - (ويمكرون) - يحتالون في أمرك - (ويمكر الله) - يجازيهم جزاء مكرهم فسمى الجزاء مكرا لانه في مقابلته، والمعنى أنهم احتالوا في إبطال أمر الرسول صلى الله عليه وسلم والله تعالى منعه منهم وأظهره وقواه ونصره فضاع فعلهم وظهر فعل الله عز وجل - (والله خير الماكرين) (الانفال: 30) - لان مكره حق، وإتيان هذا مما يحسن للمزاوجة ولا يجوز إطلاقه ابتداء لما فيه من إيهام الذم، وهذه السورة مدنية، وهذه الواقعة كانت بمكة قبل أن يهاجروا إلى المدينة.

روى ابن جرير وابن المنذر عن عبيد بن عمير، وابن جرير من طريق آخر عن المطلب بن أبي وداعة قال: لما ائتمروا بالنبي صلى الله عليه وسلم ليثبتوه أو يقتلوه أو يخرجوه قال عمه أبو طالب: هل تدري ما ائتمروا بك ؟ قال: يريدون أن يسجنوني أو يقتلوني أو يخرجوني.
قال: من حدثك بهذا ؟ قال: ربي.
قال: نعم الرب ربك إلى آخره.
قال السهيلي: إنما قال لهم إبليس إنه من أهل نجد لانهم قالوا: لا يدخلن معكم في المشاورة أحد من أهل تهامة لان هواهم مع النبي صلى الله عليه وسلم، فلذلك تمثل لهم في صورة شيخ نجدي وقد تقدم في بنيان قريش الكعبة أنه تمثل في صورة شيخ نجدي حين حكموا رسول الله صلى الله عليه وسلم في أمر الركن من يرفعه، فصاح الشيخ النجدي: يا معشر قريش، أقد رضيتم أن يليه هذا الغلام دون أشرافكم وذوي أسنانكم، فإن صح هذا الخبر فلمعنى آخر تمثل نجديا وذلك أن نجدا يطلع منها قرن الشيطان كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم حين قيل له: وفي نجدنا يا رسول الله ؟ قال: هنا لك الزلازل والفتن ومنها يطلع قرن الشيطان.

وقد خرج بالفعل وهو الملعون ابن عبد الوهاب


قدر إقامة النبي صلى الله عليه وسلم بمكة بعد البعثة ورؤياه الارض التي يهاجر إليها
روى البخاري وغيره عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: مكث رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة ثلاث عشرة سنة،

وعن أبي موسى الاشعري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (رأيت في المنام أني أهاجر من مكة إلى أرض بها نخل فذهب وهلي إلى أنها اليمامة أو هجر فإذا هي المدينة يثرب)،

وعن صهيب رضي الله عنه أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أريت دار هجرتكم سبخة بين ظهراني حرتين فإما أن تكون هجرا أو يثرب)،



عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وقف على الحزورة فقال: (والله إنك لخير أرض الله، وأحب أرض إلي ولولا أن أهلك أخرجوني منك ما خرجت منك).



هجرة رسول الله صلى الله عليه وسلم بنفسه الكريمة وما وقع في ذلك من الايات
قال الله تعالى: (وقل رب أدخلني مدخل صدق وأخرجني مخرج صدق واجعل لي من لدنك سلطانا نصيرا).

عن ابن عباس قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة فأمر بالهجرة من مكة وأنزل عليه (وقل رب أدخلني مدخل صدق وأخرجني مخرج صدق) (الاسراء 80) الهجرة إلى المدينة (واجعل لي من لدنك سلطانا نصيرا): كتاب الله عز وجل، وفرائضه وحدوده.

وروى الحاكم وصححه عن قتادة في الاية قال: (أدخلني مدخل صدق) يعني المدينة (وأخرجني مخرج صدق) يعني مكة.


وروى الزبير بن بكار عن زيد بن أسلم في الاية قال: جعل الله تعالى مدخل صدق المدينة ومخرج صدق مكة، وسلطانا نصيرا الانصار.


قال ابن سعد: (إن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما خرج من بيته أتى بيت أبي بكر بمكة فكان فيه إلى الليل، ثم خرج هو وأبو بكر فمضيا إلى غار ثور فدخلاه).


وروى موسى بن عقبة وابن إسحاق والامام أحمد والبخاري وابن حبان عن السيدةعائشة رضي الله عنها وابن إسحاق والطبراني عن أختها السيدة أسماء رضي الله عنها أن أبا بكر رضي الله عنه استأذن رسول الله صلى الله عليه وسلم في الخروج قبل المدينة، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: (على رسلك فإني أرجو أن يؤذن لي).

فقال أبو بكر: وهل ترجو ذلك بأبي وأمي أنت ؟ قال: (نعم).
فحبس أبو بكر نفسه على رسول الله صلى الله عليه وسلم ليصحبه وعلف راحلتين كانتا عند ورق السمر وهو الخبط أربعة أشهر.

(قال ابن شهاب: أخبرني عروة بن الزبير أن السيدةعائشة رضي الله عنها قالت:) (لم يمر علينا يوم إلا يأتينا فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم طرفي النهار بكرة وعشية).

قالت: (فبينما نحن يوما جلوس في بيت أبي بكر في نحر الظهيرة قال قائل لابي بكر: هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم متقنعا في ساعة لم يكن يأتينا فيها).

فقال أبو بكر: (فداء له أبي وأمي، والله ما جاء به في هذه الساعة إلا أمر).

قالت: فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم فاستأذن فأذن فه فدخل، فتأخر له أبو بكر عن سريره فجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم).

فقال أبو بكر: (يا رسول الله ما جاء بك إلا أمر حدث).

فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لابي بكر: (أخرج من عندك).

فقال أبو بكر: لا عين عليك إنما هي ابنتاي، وفي لفظ: أهلك.

قال: (إن الله قد أذن لي في الخروج والهجرة).

فقال أبو بكر: (الصحبة يا رسول الله).

قال: (نعم).

قالت السيدةعائشة : (فوالله ما أن أحدا يبكي من الفرح حتى رأيت أبا بكر يبكي يومئذ).


قال أبو بكر: (يا رسول الله خذ إحدى راحلتي هاتين).

فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (بالثمن، لا أركب بعيرا ليس هو لي).

قال: فهو لك.

قال: (لا ولكن بالثمن الذي ابتعتها به).

قال (أخذتها بكذا وكذا).

قال (أخذتها بذلك).

قال: هي لك.

وعند البخاري في غزوة الرجيع أنها الجدعاء، وأفاد الواقدي أن الثمن ثمانمائة.

واستأجر رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر رجلا من بني الديل وهو من بني عبد بن عدي هاديا خريتا - والخريت الماهر بالهداية - قد غمس حلفا في آل العاص بن وائل السهمي وهو على دين كفار قريش - وأسلم بعد ذلك - فأمناه فدفعا إليه راحلتيهما وواعداه غار ثور بعد ثلاث ليال براحلتيهما صبح ثلاث.

قالت عائشة: فجهزناهما أحث الجهاز وصنعنا لهما سفرة في جراب.

وأفاد الواقدي أنه كان في السفرة شاة مطبوخة.

قالت السيدةعائشة: فشقت أسماء بنت أبي بكر قطعة من نطاقها - وفي لفظ قطعت نطاقها قطعتين فأوكت بقطعة منه الجراب وشدت فم القربة بالباقي فسميت ذات النطاق وفي لفظ النطاقين.

وعند البلاذري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إن لها نطاقين في الجنة) فسميت ذات النطاقين.
قال ابن إسحاق: وأعلم رسول الله صلى الله عليه وسلم عليا بخروجه وأمره أن يتخلف بعده بمكة حتى يؤدي عنه الودائع التي كانت عنده للناس وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم ليس بمكة أحد عنده شئ يخشى عليه إلا وضعه عنده لما يعلم من صدقه وأمانته).

قالت السيدةعائشة: (ولحق رسول الله صلى الله عليه وسلم بغار في جبل ثور).

وفي حديث عمر عند البيهقي أنهما خرجا ليلا.
وذكر ابن
قالت أسماء: (وخرج أبو بكر بماله خمسة آلاف درهم).
قال البلاذري: (وكان مال أبي بكر يوم أسلم أربعين ألف درهم، فخرج إلى المدينة للهجرة وماله خمسة آلاف أو أربعة، فبعث ابنه عبد الله فحملها إلى الغار).
قالت: (فدخل علينا جدي أبو قحافة وقد ذهب بصره فقال: (والله إني لاراه قد فجعكم بماله مع نفسه).

قالت: (ققلت: كلا يا أبت إنه قد ترك لنا خيرا كثيرا).
قالت: (فأخذت أحجارا فوضعتها في كوة في البيت، كان أبي يضع ماله فيها، ثم وضعت عليها ثوبا، ثم أخذت بيده فقلت: يا أبت ضع يدك على هذا المال.
قالت: فوضع يده عليه.
فقال: لا بأس إن كان ترك لكم هذا فقد أحسن، وفي هذا بلاغ لكم.
ولا والله ما ترك لنا شيئا ولكن أردت أن أسكن الشيخ بذلك).

وفي حديث عند البيهقي أن أبا بكر رضي الله عنه لما خرج هو ورسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الغار، جعل أبو بكر يمشي مرة أمام النبي صلى الله عليه وسلم، ومرة خلفه ومرة عن يمينه ومرة عن شماله، فسأله رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك، فقال: (يا رسول الله أذكر الرصد فأكون أمامك وأذكر الطلب فأكون خلفك، ومرة عن يمينك، ومرة عن يسارك لامن عليك، فلما انتهينا إلى فم الغار قال أبو بكر: والذي بعثك بالحق لا تدخله حتى أدخله قبلك، فإن كان فيه شئ نزل بي قبلك).

فدخله فجعل يلتمس بيده، فجعل كلما دخل جحرا قام إلى ثوبه فشقه ثم ألقمه الجحر حتى فعل ذلك بثوبه أجمع: فبقي جحر) فوضع عقبيه عليه، ثم دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم فجعلت الحيات يلسعن أبا بكر رضي الله عنه وجعلت دموعه تنحدر.
وروى ابن أبي شيبة وابن المنذر عن أبي بكر أنهما لما انتهيا إلى الغار إذا جحر فألقمه
أبو بكر رجليه.
قال: (يا رسول الله إن كان لدغة أو لسعة كانت بي).

وروى ابن مردويه عن جندب بن سفيان قال: (لما انطلق أبو بكر مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الغار قال أبو بكر: يا رسول الله لا تدخل الغار حتى استبرئه.

فدخل أبو بكر الغار فأصاب يده شئ فجعل يمسح الدم عن إصبعه ويقول هل أنت ألا إصبع دميت * وفي سبيل الله ما لقيت وفي حديث أنس عند أبي نعيم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما أصبح قال لابي بكر (أين ثوبك) ؟ فأخبره بالذي صنع فرفع رسول الله صلى الله عليه وسلم يديه فقال: (اللهم اجعل أبا بكر معي في درجتي في الجنة).

فأوحى الله إليه: (قد استجاب الله تعالى لك).
وروى ابن سعد وأبو نعيم والبيهقي وابن عساكر عن أ بي مصعب المكي قال: (أدركت أنس بن مالك، وزيد بن أرقم، والمغيرة بن شعبة يتحدثون أن النبي صلى الله عليه وسلم ليلة الغار أمر شجرة - وفي رواية عند قاسم بن ثابت: أنبت الله شجرة الراءة، فنبتت في وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم، فسترته، وبعث الله العنكبوت فنسجت ما بينهما فسترت وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأمر الله حمامتين وحشيتين فوقفتا في فم الغار، وأقبل فتيان قريش من كل بطن بعصيهم وهراويهم وسيوفهم، حتى إذا كانوا من النبي صلى الله عليه وسلم على أربعين ذراعا، جعل بعضهم ينظر في الغار فلم ير إلا حمامتين وحشيتين بفم الغار، فرجع إلى أصحابه، فقالوا له: ما لك ؟ قال: رأيت حمامتين وحشيتين فعرفت أنه ليس فيه أحد، فسمع النبي صلى الله عليه وسلم ما قال، فعرف أن الله قد درأ عنه بهما فبارك عليهما النبي صلى الله عليه وسلم وفرض جزاءهن وانحدرتا في الحرم فأفرخ ذلك الزوج كل شئ في الحرم.

وروى الامام أحمد بسند حسن عن ابن عباس رضي الله عنهما، أن المشركين قصوا أثر رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما بلغوا الجبل اختلط عليهم، فصعدوا الجبل فمروا بالغار فرأوا على بابه نسيج العنكبوت، فمكث فيه ثلاثة أيام.
وروى الحافظ أبو بكر أحمد بن سعيد القاضي شيخ النسائي في مسند الصديق عن الحسن البصري قال: (جاءت قريش يطلبون النبي صلى الله عليه وسلم، وكانوا إذا رأوا على باب الغار نسج العنكبوت قالوا: لم يدخله أحد.
وكان النبي صلى الله عليه وسلم قائما يصلي وأبو بكر يرتقب.

فقال أبو بكر: يا رسول الله هؤلاء قومك يطلبونك، أما والله ما على نفسي أبكي ولكن مخافة أن أرى فيك ما أكره.

فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: (لا تخف إن الله معنا) وروى الامام أحمد والشيخان عن أبي بكر الصديق رضي الله عنه قال: (قلت للنبي صلى الله عليه وسلم ونحن في الغار: لو أن أحدهم نظر إلى قدمه لابصرنا تحت قدميه) فقال: (ما ظنك باثنين الله ثالثهما).

وروى أبو نعيم في الحلية عن عطاء بن ميسرة قال: (نسجت العنكبوت مرتين مرة على داود حين كان طالوت يطلبه ومرة على النبي صلى الله عليه وسلم في الغار).

وذكر البلاذري في تاريخه وأبو سعيد في الشرف أن المشركين استأجروا رجلا يقال له علقمة بن كرز بن هلال الخزاعي - وأسلم عام الفتح - فقفا لهم الاثر حتى انتهى إلى غار ثور وهو بأسفل مكة فقال: ههنا انقطع أثره ولا أدري أخذ يمينا أم شمالا أم صعد الجبل.


فلما انتهوا إلى فم الغار قال أمية بن خلف: ما أربكم في الغار ظ إن عليه لعنكبوتا كان قبل ميلاد محمد.
وروى البيهقي عن عروة أن المشركين لما فقدوا رسول الله صلى الله عليه وسلم ركبوا في كل وجه يطلبونه وبعثوا إلى أهل المياه يأمرونهم به ويجعلون لهم الجعل العظيم وأتوا على ثور الجبل الذي فيه الغار الذي فيه النبي صلى الله عليه وسلم حتى طلعوا فوقه، وسمع رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر أصواتهم، فأشفق أبو بكر وبكى وأقبل عليه الهم والحزن والخوف، فعند ذلك يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم (لا تحزن إن الله معنا) (التوبة - 40) ودعا رسول الله صلى الله عليه وسلم فنزلت السكينة من الله تعالى.
وروى ابن أبي حاتم وأبو الشيخ وابن مردويه والبيهقي وابن عساكر عن ابن عباس في قوله تعالى: (فأنزل الله سكينته عليه) قال: على أبي بكر لان النبي صلى الله عليه وسلم لم تزل السكينة معه) (1) (التوبة - 40).
وروى أبو نعيم عن أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما أن أبا بكر رأى رجلا مواجها الغار فقال: (يا رسول الله إنه يرانا).

قال: كلا إن الملائكة تستره الان بأجنحتها).
فلم ينشب أن قعد يبول مستقبلنا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (يا أبا بكر لو كان يراك ما فعل هذا).

ويرحم الله الشرف البوصيري حيث قال:
ويح قوم جفوا نبيا بأرض * ألفته ضبابها والظباء
وسلوه وحن جذع إليه * وقلوه ورده الغرباء
أخرجوه منها وآواه غار * وحمته حمامه ورقاء
وكفته بنسجها عنكبوت * ما كفته الحمامة الحصداء

وحيث قال: أقسمت بالقمر المنشق أن له * من قلبه نسبة مبرورة القسم وما حوى الغار من خير ومن كرم * وكل طرف من الكفار عنه عم فالصدق في الغار والصديق لم يردا * وهم يقولون ما بالغار من أرم ظنوا الحمام وظنوا العنكبوت على * خير البرية لم تنسج ولم تحم
وقاية الله أغنت عن مضاعفة * من الدروع وعن عال من الاطم

يتبع إن شاء الله
ـــــــــــــــــــــــــــــــــ

سبل الهدى والرشاد

_________________
يارب بالــمــصـطــفى بــلـغ مـقـاصــدنا --- واغفر لنا ما مضى يا واسع الكرم

واغفر إلهى لكل المسلمين بما --- يتلون فى المسجد الأقصى وفى الحرم

بجاه من بيته فى طيبة حرم --- واسمه قسم من أعظم القسم


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة: Re: الهجرة إلى المدينة الشريفة .
مشاركة غير مقروءةمرسل: الخميس أكتوبر 15, 2015 12:53 am 
غير متصل

اشترك في: الأحد سبتمبر 18, 2011 10:41 am
مشاركات: 2778
يرفع للفائدة

_________________
مددك يا سيدي يا رسول الله صلى الله عليك و على آلك و سلم

الغوث يا سيدي رسول الله صلى الله عليك و على آلك و سلم

الشفاعة يا سيدي يا رسول الله صلى الله عليك و على آلك و سلم


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة: Re: الهجرة إلى المدينة الشريفة .
مشاركة غير مقروءةمرسل: الخميس سبتمبر 21, 2017 12:43 am 
غير متصل

اشترك في: الأحد إبريل 15, 2012 12:39 pm
مشاركات: 7477
البخاري كتب:
يرفع للفائدة

_________________
أبا الزهراء قد جاوزت قدري *** بمدحك بيد أن لي انتسابا

سألت الله في أبناء ديني *** فإن تكن الوسيلة لي أجــابا


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
عرض مشاركات سابقة منذ:  مرتبة بواسطة  
إرسال موضوع جديد الرد على الموضوع  [ 3 مشاركة ] 

جميع الأوقات تستخدم GMT + ساعتين


الموجودون الآن

المستخدمون المتصفحون لهذا المنتدى: لا يوجد أعضاء مسجلين متصلين و 64 زائر/زوار


لا تستطيع كتابة مواضيع جديدة في هذا المنتدى
لا تستطيع كتابة ردود في هذا المنتدى
لا تستطيع تعديل مشاركاتك في هذا المنتدى
لا تستطيع حذف مشاركاتك في هذا المنتدى
لا تستطيع إرفاق ملف في هذا المنتدى

البحث عن:
الانتقال الى:  
© 2011 www.msobieh.com

جميع المواضيع والآراء والتعليقات والردود والصور المنشورة في المنتديات تعبر عن رأي أصحابها فقط