موقع د. محمود صبيح

منتدى موقع د. محمود صبيح

جميع الأوقات تستخدم GMT + ساعتين



إرسال موضوع جديد الرد على الموضوع  [ 11 مشاركة ] 
الكاتب رسالة
 عنوان المشاركة: هؤلاء هم الصوفية
مشاركة غير مقروءةمرسل: الخميس نوفمبر 16, 2006 9:49 am 
غير متصل

اشترك في: الجمعة فبراير 27, 2004 11:21 pm
مشاركات: 2119
مكان: مصر
[align=center]بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله العلي العظيم حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه كما يحب ربنا و يرضى

و الصلاة و السلام على أشرف المرسلين سيدنا محمد المبعوث رحمة للعالمين و على آله الطيبين الطاهرين حق قدره و مقداره العظيم
[/align]


أما بعد،

يقول الإمام القشيري (رضي الله عنه) في "الرسالة القشيرية":

إعلموا، رحمكم اللّه تعلى، أن المسلمين بعد رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: لم يتسمّ أفاضلهم في عصرهم بتسمية علم، سوى صحبة رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، إذ لا فضيلة فوقها، فقيل لهم: الصحابة.

ولمَّا أدركهم أهل العصر الثاني سمى من صحب الصحابة: التابعين ورأوا في ذلك أشرف سِمة. ثم قيل لمن بعدهم: أتباع التابعين.

ثم اختلف الناس، وتباينت المراتب، فقيل لخواص الناس مِمَّن لهم شدة عناية بأمر الدين: الزّهاد والعُباد.

ثم ظهرت البدع، وحصل التداعي بين الفرق، فكل فريق ادَّعوا أن فيهم زهاداً.

فانفرد خواصُّ أهل السُّنة المراعون أنفسهم مع الله تعالى، الحافظون قلوبهم عن طوارق الفعلة باسم التصوف.

واشتهر هذا الاسم لهؤلاء الأكابر قبل المائتين من الهجرة. ا.هـ










[align=center]فبعون الله نذكر في هذا الباب بعضاً من هولاء الأكابر و سيرتهم

نفعنا الله بهم و بعلومهم

اللهم آمبن
[/align]






[align=center]
إبراهيم بن أدهم

(المتوفى سنة 162هـ)
[/align]




إبراهيم بن أدهم بن منصور ابن يزيد بن جابر أبو إسحاق التّميمي،

ويقال: العجلّي، الزّاهد.

مولده في حدود المائة

أصله من بلخ، وسكن الشام، ودخل دمشق.


سمع وأسمع.

حدث عن محمد بن زياد، عن أبي هريرة، قال: دخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يصلي جالساً، فقلت: يا رسول الله إنك تصلّي جالساً فما شأنك؟ قال: " الجوع يا أبا هريرة؛" قال: فبكيت، قال: فقال: " لا تبك فإن شدة يوم القيامة لا تصيب الجائع إذا احتسب في دار الدنيا."


وحدّث عن أبي إسحاق الهمداني عن عمارة بن غزية الأنصاري، عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إن الفتنة تجيء، فتنسف الجبال نسفاً، وينجو العالم منها بعلمه."


قال خالد بن يزيد بن سفيان: إن إبراهيم بن أدهم كان قاعداً في مشرقة بدمشق، إذ مر رجل على بغله، فقال له: يا أبا إسحاق إن لي إليك حاجة أحبّ أن تقضيها؛ فقال إبراهيم: إن أمكنني قضيتها، وإلا أخبرتك بعذري: فقال له: إن برد الشام شديد وأنا أريد أن أبدّل ثوبيك هذين بثوبين جديدين؛ فقال إبراهيم: إن كنت غنياً قبلنا منك، وإن كنت فقيراً لم أقبل منك؛ فقال الرجل: أنا والله كثير المال، كثير الضّياع؛ فقال له إبراهيم: أين أراك تغدو وتروح على بغلتك؟ قال: أعطي هذا وآخذ من هذا؛ فقال له إبراهيم: قم، فإنك فقير تبتغي الزيادة بجهدك!.

قال قتيبة بن رجاء: إبراهيم بن أدهم بلخي.
وقال يحيى بن معين: وسألت عن إبراهيم بن أدهم، فقالوا: رجل من العرب، من بني عجل، كان كبير الشأن في باب الورع، يحكى عنه أنه قال: أطب مطعمك، ولا عليك ألا تقوم بالليل، ولا تصوم بالنهار؛ وكان عامّة دعائه: اللهم انقلني من ذلّ معصيتك إلى عزّ طاعتك.


قال الفضل بن موسى: حجّ أدهم أبو إبراهيم بأم إبراهيم، وكانت به حبلى، فولدت إبراهيم بمكة، فجعلت تطوف بن على الحلق في المسجد، وتقول: ادعوا لابني أن يجعله الله رجلاً صالحاً.



قال إبراهيم بن بشار الطويل:
سألت إبراهيم بن أدهم، قلت: يا أبا إسحاق كيف كان أوائل أمرك حتى صرت إلى ما صرت إليه؟ قال: غير هذا أولى بك من هذا؛ قلت: هو كما تقول رحمك الله، لعل الله ينفعنا به يوماً؛ ثم سألته الثانية، قال: لا، ويحك اشتغل بالله؛ فقلت الثالثة: إن رأيت رحمك الله، لعل الله ينفعني به يوماً. قال: كان أبي من ملوك خراسان، وكان من المياسير، وكان قد حبّب إليّ الصيد، فبينا أنا راكب فرسي، وكلبي معي، فأثرت ثعلباً أو أرنباً شك إبراهيم فحّركت فرسي، فأسمع نداءً من ورائي: يا إبراهيم ليس لهذا خلقت، ولا بهذا أمرت! فوقفت أنظر يمنة ويسرة فلم أر أحداً، قلت: لعن الله إبليس، ثم حركت فرسي، فأسمع نداء أجهر من الأول: يا إبراهيم ليس لهذا خلقت، ولا بهذا أمرت! فوقفت مستمعاً أنظر يمنة ويسرة، فلم أجد أحداً، فقلت: لعن الله إبليس، ثم حركت فرسي، فأسمع من قربوس سرجه: يا إبراهيم بن أدهم، والله ما لهذا خلقت ولا بهذا أمرت، فوقفت، فقلت: هيهات هيهاتّ جاءني النّذير من رب العالمين، والله لا عصيت ربي بعد يومي هذا ما عصمني ربي؛ فوجهت إلى أهلي فجانبت فرسي، وجئت إلى بعض رعاة أبي، وأخذت منه جبّة وكساءً، وألقيت ثيابي إليه، فلم تزل أرض ترفعني وأرض تضعني حتى صرت إلى بلاد العراق، فعملت بها أياماً فلم يصف لي شيء من الحلال، فسألت بعض المشايخ عن الحلال، فقال: إن أردت الحلال فعليك ببلاد الشام، فصرت إلى مدينة يقال لها المنصورة وهي المصيصة فعلمت بها أيّاماً، فلم يصف لي شيء من الحلال، فسألت بعض المشايخ عن الحلال، فقال لي: إذا أردت الحلال فعليك بطرسوس، فإن بها المباحات والعمل الكثير؛ فبينما أنا كذلك قاعد على باب المر جاءني رجل فاكتراني أنظر إليه بستانه، فتوجهت معه، فمكثت في البستان أياّماً كثيرة، فإذا أنا بخادم قد أقبل ومعه أصحاب له ولو علمت أن البستان لخادم ما نظرته فقعد في مجلسه هو وأصحابه، فقال: يا ناطور يا ناطور؛ فأجبته، فقال: اذهب فأتنا بخير رمان تقدر عليه وأطيبه، فأتيته؛ فاخذ الخادم رمانّة وكسرها فوجدها حامضة، فقال: يا ناطور، أنت مذ كذا وكذا في بستاننا تأكل من فاكهتنا ورماننا ما تعرف الحلو من الحامض؟ قلت: والله ما أكلت من فاكهتكم شيئاً، ولا أعرف الحلو من الحامض! قال: فغمز الخادم أصحابه وقال: ما تعجبون من كلام هذا! وقال لي: تراك لو كنت إبراهيم بن أدهم زدت على هذا؟ فلما كان من الغد حدّث الناس في المسجد بالصّفة، وما كان، فجاء الناس عنقاً إلى البستان، فلّما رأيت كثرة الناس اختفيت والنّاس داخلون، وأنا هارب منهم! فهذا أوائل أمري.




قال عبد الله بن الفرج: حدثني إبراهيم بن أدهم بابتدائه كيف كان، قال: كنت يوماً في مجلس لي له منظرة إلى الطريق، فإذا أنا بشيخ عليه أطمار، وكان يوماً حاراً، فجلس في ظل القصر ليستريح، فقلت للخادم: اخرج إلى هذا الشيخ فأقره منّي السلام، وسله أن تدخله إلينا فقد أخذ بمجامع قلبي؛ فخرج إليه فقام معه ودخل عليّ وسلّم فرددت عليه السّلام، فاستبشرت بدخوله وأجلسته إلى جانبي، وعرضت عليه الطّعام، فأبى أن يأكل، فقلت له: من أين أقبلت؟ فقال: من وراء النهر؛ قلت: أين تريد؟ قال: أريد الحج إن شاء الله قال: وكان ذلك أول يوم من العشر أو الثاني فقلت: في هذا الوقت؟ فقال: بل يفعل الله ما يشاء، فقلت: فالصّحبة، فقال: إن أحببت ذلك. حتى إذا كان الليل، قال لي: قم، فلبست ما يصلح للسّفر، وأخذ بيدي، وخرجنا من بلخ، فمررنا بقرية بنا، فلقيني رجل من الفلاحين فأوصيته ببعض ما أحتاج إليه، فقدم إلينا خبزاً وبيضاً وسألنا أن نأكل، فأكلنا، وجاءنا بماء فشربنا، ثم قال لي: بسم الله قم، فأخذ بيدي، فجعلنا نسير وأنا أنظر إلى الأرض تجذب من تحتنا كأنها الموج، فمررنا بمدينة بعد مدينة، يقول: هذه مدينة كذا، هذه مدينة كذا، هذه الكوفة؛ ثم قال لي: الموعد هنا في مكانك هذا في هذا الوقت يعني من الليل حتى إذا كان الوقت إذا به قد أقبل، فأخذ بيدي وقال: بسم الله.

قال: فجعل يقول: هذا منزل كذا، هذا منزل كذا، وهذا منزل كذا، وهذه فيد، وهذه المدينة، وأنا أنظر إلى الأرض تجذب من تحتنا كأنها الموج، فصرنا إلى قبر رسول الله صلى الله عليه وسلم فزرناه ثم فارقني، وقال: الموعد في الوقت، في الليل، في المصلى.
حتى إذا كان الوقت خرجت فإذا به في المصلى، فاخذ بيدي ففعل كفعله في الأولى والثانية حتى أتينا مكة في الليل، ففارقني، فقبضت عليه فقلت: الصّحبة؛ فقال: إني أريد الشام، فقلت: أنا معك؛ فقال لي: إذا انقضى الحجّ فالموعد هنا عند زمزم.
حتى إذا انقضى الحجّ إذا به عند زمزم، فاخذ بيدي، فطفنا بالبيت، ثم خرجنا من مكة؛ ففعل كفعله الأول والثاني والثالث فإذا نحن ببيت المقدس؛ فلما دخل المسجد قال لي: عليك السّلام، أنا على المقام إن شاء الله ها هنا، ثم فارقني، فما رأيته بعد ذلك، ولا عرّفني اسمه.
قال إبراهيم: فرجعت إلي بلدي فجعلت أسير سير الضعفاء منزلاً بعد منزل حتى رجعت إلى بلخ، وكان ذلك أول أمري.




حدّث أحمد بن عبد الله صاحب لإبراهيم بن أدهم، قال: كان إبراهيم من أهل النعم بخراسان، فبينما هو مشرف ذات يوم من قصره إذ نظر إلى رجل بيده رغيف يأكل في فناء قصره، فاعتبر، وجعل ينظر إليه حتى أكل الرّغيف، ثم شرب ماءً، ثم نام في فناء القصر؛ فألهم الله عز وجل إبراهيم بن أدهم الفكر فيه، فوكل به بعض غلمانه، وقال له: إذا قام هذا من نومه جئني به؛ فلّما قام الرّجل من نومه قال له الغلام: صاحب هذا القصر يريد أن يكلمك، فدخل إليه مع الغلام، فلّما نظر إليه إبراهيم قال له: أيّها الرجل، أكلت الرّغيف وأنت جائع؟ قال: نعم، قال: فشبعت؟ قال: نعم؛ قال إبراهيم: وشربت الماء تلك الشربة ورويت؟ قال: نعم؛ قال إبراهيم: ونمت طيباً لا هم ولا شغل؟ قال: نعم؛ قال إبراهيم: فقلت في نفسي: فما أصنع أنا بالدنيا، والنفس تقنع بما رأيت؟!.
فخرج إبراهيم سائحاً إلى الله عز وجلّ على وجهه، فلقيه رجل حسن الوجه، حسن الثياب، طيب الرّيح، فقال له: يا غلام! من أين؟ وإلى أين؟ قال إبراهيم: من الدّنيا إلى الآخرة؛ فقال له: يا غلام أنت جائع؟ قال: نعم؛ فقام الشيخ فصلّى ركعتين وسلّم فإذا عن يمينه طعام وعن شماله ماء؛ فقال لي: كل، فأكلت بقدر شبعي، وشربت بقدر ريّي، فقال لي الشيخ: اعقل وافهم، لا تحزن ولا تستعجل، فإن العجلة من الشيطان، وإياك والتمرد على الله فإنّ العبد إذا تمرّد على الله أورث الله قلبه الظلمة والضلالة مع حرمان الرّزق، ولا يبالي الله تعالى في أي واد هلك؛ إن الله عزّ وجلّ إذا أراد بعبد خيراً جعل في قلبه سراجاً يفرق بين الحق والباطل، والناس فيهما متشابهون؛ يا غلام إنّي معلمك اسم الله الأكبر أو قال: الأعظم فإذا أنت جعت فادع الله عز وجلّ به حتى يشبعك، وإذا عطشت فادع الله عز وجل به حتى يرويك؛ وإذا جالست الأخيار فكن لهم أرضاً يطوؤك، فإن الله تعالى يغضب لغضبهم ويرضى لرضاهم؛ يا غلام خذ كذا حتى آخذ كذا، قال: لا أبرح؛ فقال الشيخ: اللهم احجبني عنه واحجبه عني؛ فلم أدر أين ذهب.
فأخذت في طريقي ذلك، وذكرت الاسم الذي علمني فلقيني رجل حسن الوجه، طيب الريح، حسن الثياب، فأخذ بحجزتي، وقال لي: ما حاجتك؟ ومن لقيت في سفرك هذا؟ قلت: شيخاً من صفته كذا وكذا، وعليه كذا وكذا، فبكى؛ فقلت: أقسمت عليك بالله من ذلك الشيخ؟ قال: ذاك إلياس عليه السلام، أرسله الله عزّ وجل إليك ليعلمك أمر دينك؛ فقلت: وأنت يرحمك الله، من أنت؟ قال: أنا الخضر؛ عليهما السلام.



قال سفيان الثوري: إن إبراهيم بن أدهم كان يشبه إبراهيم خليل الرحمن، ولو كان في أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم لكان رجلاً فاضلاً.



قال معاوية بن حفص: إنما سمع إبراهيم بن أدهم عن منصور حديثاً، فاخذ به فساد أهل زمانه؛ قال: سمعت إبراهيم بن أدهم يقول: حدّثنا منصور عن ربّعي بن خراش، قال: جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله دلّني على عمل يحببني الله عزّ وجل به ويحببني النّاس، قال: " إذا أردت أن يحبك الله فأبغض الدنيا، وإذا أردت أن يحبك الناس فما كان عندك من فضولها فانبذه إليهم." فساد أهل زمانه.


قيل لإبراهيم بن أدهم: ألّا تحدّث؟ فقد كان أصحابك يحدّثون، فقال: كان همي هدي العلماء وآدابهم.

قال محمد بن مكتوم: مرّ إبراهيم بن أدهم بسفيان الثوري، وهو قاعد مع أصحابه، فقال سفيان لإبراهيم: تعال حتى أقرأ عليك علمي، قال: إني مشغول بثلاث، ومضى.
قال سفيان لأصحابه: ألا سألتموه ما هذه الثلاث! ثم قام سفيان ومعه أصحابه حتى لحق إبراهيم، فقال له: إنك قلت: إني مشغول بثلاث عن طلب العلم، فما هذه الثلاث؟.
قال: إني مشغول بالشكر لما أنعم عليّ، والاستغفار لما سلف من ذنوبي، والاستعداد للموت؛ قال سفيان: ثلاث وأي ثلاث!.


قال أبو عثمان الأسود: كنت رفيق إبراهيم بن أدهم أربع عشرة سنةً، فحججت فلقيت عبد العزيز بن أبي داود بمكة، فقال لي: ما فعل أخوك وأخونا إبراهيم بن أدهم؟ قال: فقلت: بالشام في كوضع كذا وكذا، قال: فقال: أمّا إنّ عهدي به يركب بين يديه ثلاثون شاكريّاً، ولكنه أحب أن يتبحبح في الجنّة.

قال شقيق البلخي: لقيت إبراهيم بن أدهم في بلاد الشام، فقلت: يا إبراهيم، تركت خراسان؟ فقال: ما تهنيت بالعيش إلا في بلاد الشام، أفر بديني من شاهق إلى شاهق، ومن جبل إلى جبل، فمن رآني يقول: موسوس، ومن رآني يقول: حمّال.

ثم قال: يا شقيق، لم ينبل عندنا من نبل بالحجّ ولا بالجهاد، وإنما نبل عندنا من نبل من كان يعقل ما يدخل جوفه يعني الرّغيف من حله.

ثم قال: يا شقيق، ماذا أنعم الله على الفقراء! لا يسألهم يوم القيامة عن زكاة ولا عن حجّ ولا عن جهاد ولا عن صلة رحم، إنما يسأل عن هذا هؤلاء المساكين، يعني: الأغنياء.

حدث المتوكل بن حسين العابد قال: قال إبراهيم بن أدهم: الزهد ثلاثة أصناف؛ فزهد فرض، وزهد فضل، وزهد سلامة؛ فالزهد الفرض: الزهد في الحرام؛ والزهد الفضل: الزهد في الحلال؛ والزهد السّلامة: الزهد في الشبهات.

قال حذيفة المرعشي: قدم شقيق البلخي مكة، وإبراهيم بن أدهم بمكة، فاجتمع الناس فقالوا: نجمع بينها، فجمعوا بينهما في المسجد الحرام، فقال إبراهيم بن أدهم لشقيق: يا شقيق، علام أصلتم أصولكم؟ فقال شقيق: إنّا أصّلنا على أنّا إذا رزقنا أكلنا، وإذا منعنا صبرنا؛
فقال إبراهيم بن أدهم: هكذا كلاب بلخ، إذا رزقت أكلت، وإذا منعت صبرت. فقال شقيق: علام أصّلتم أصولكم يا أبا إسحاق؟ فقال: أصّلنا أصولنا على انّا إذا رزقنا آثرنا، وإذا منعنا حمدنا وشكرنا.
قال: فقام شقيق وجلس بين يديه، وقال: يا أبا إسحاق، أنت أستاذنا.

قال بقية بن الوليد: صحبت إبراهيم بن أدهم إلى المصيصة، فبينا أنا معه، إذا رجل يقول: من يدلني على إبراهيم بن ادهم، قال: فأشرت بإصبعي إليه، فتقدم إليه فقال: السلام عليك ورحمة الله، قال: وعليك السلام، من أنت؟ قال: أخبرك أن أباك توفي، وخلّف مالاً عظيماً، وأنا عبدك فلان، وهذه البغلة لك، ومعي عشرة آلاف درهم تنفقها على نفسك، وترحل إلى بلخ، والمال مستودع عند القاضي.
قال: فسكت ساعة ثم قال: إن كنت صادقاً فيما تقول، فأنت حر، والبغلة لك، والمال تنفقه على نفسك.
ثم التفت إليّ، فقال: هل لك في الصّحبة؟ قلت: نعم؛ فارتحلنا حتى بلغنا حلوان، فلا والله لا طعم ولا شرب، وكان في يوم مثلج، فقال: يا بقّية، لعلك جائع؟ قلت: نعم؛ ادخل هذه الغيضة، وخذ منها ما شئت؛ قال: فمضيت، فقلت في نفسي: يوم مثلج، من أين لي! قال: ودخلت فإذا أنا بشجرة خوخ، فملأت جرابي وجئت؛ فقال: ما الذي في جرابك؟ قلت: خوخ؛ فقال: يا قليل اليقين، هل يكون هذا! لعلك تفكرت في شيء آخر؟ ولو أزددت يقيناً لأكلت رطباً كما أكلت مريم بنت عمران في وسط الشتاء؛ ثم قال: هل لك في الصّحبة؟ قلت: بلى.
قال: فمشينا، ولا والله لا عليه حذاء ولا خفّ، حتى بلغنا إلى بلخ، فدخل إلى القاضي وسلّم عليه، وقال: بلغني أن أبي توفي، واستودع عندك مالاً: قال: أما أدهم فنعم، وأمّا أنّا فلا أعرفك؛ فأراد أن يقوم، قال: فقال القوم: هذا إبراهيم بن أدهم؛ فقال: مكانك، فقد صحّ لي انك ابنه. قال: فأخرج المال؛ قال: لا يمكن إخراجه؛ قال: دلّني على بعضه، قال: فدلّه على بعضه، فصلى ركعتين وتبسم، فقال القاضي: بلغني أنك زاهد، قال: وما الذي رأيت من رغبتي، قال: فرحك وتبسّمك، قال: أما فرحي وتبسّمي من صنع الله إياي، هذا كان حبيساً عن سبيل الله، وأعانني الله حتى جئت في إطلاقه، جعلتها كلّها في سبيل الله؛ ونفض ثوبه وخرج.
قال: فقلت له: يا أبا إسحاق لم نطعم مذ شهران! قال: هل لك في الطعام؟ قلت: نعم. فصلى ركعتين، فإذا حوله دنانير، فحملت ديناراً ومضينا.
حدث أبو شعيب قال:
سألت إبراهيم بن أدهم أن أصحبه إلى مكة، فقال لي: على شريطة، على أنك لا تنظر إلاّ لله وبالله، فشرطت له ذلك على نفسي، فخرجت معه.
فبينا نحن في الطواف فإذا أنا بغلام قد افتتن الناس به لحسنه وجماله، فجعل إبراهيم يديم النظر إليه، فلما أطال ذلك قلت: يا أبا إسحاق، أليس شرطت على ألاّ تنظر: إلاّ لله وبالله؟ قال: بلى، فإني أراك تديم النظّر إلى هذا الغلام! فقال: هذا ابني وولدي، وهؤلاء غلماني وخدمي الذين معه، ولولا شيء لقّبلته، ولكن انطلق فسلّم عليه منّي، وعانقه عنّي.
قال: فمضيت إليه وسلّمت عليه من والده وعانقته، فجاء إلى والده فسلّم عليه ثم صرفه مع الخدم، فقال: أرجع النّظر، أيش يراد بك، فأنشأ يقول: من الوافر

[poet font="Tahoma,5,indigo,bold,normal" bkcolor="transparent" bkimage="" border="none,4,gray" type=0 line=200% align=center use=ex length=0 char="" num="0,black" filter=""]
هجرت الخلق طرّاً في هواكا=وأيتمتها العيال لكـي أراكـا
ولو قطعتني في الحبّ إربـاً=لما حن الفؤاد إلى سـواكـا
[/poet]


قال أبو إسحاق الفزاري: كان إبراهيم بن أدهم يطيل السكوت، فإذا تكلّم ربّما انبسط، فأطال ذات يوم السكوت، فقلت له: لم؟ ألا تكلمت؟ فقال: الكلام على أربعة وجوه؛ فمن الكلام كلام ترجو منفعته وتخشى عاقبته، فالفضل في هذا السّلامة منه: ومن الكلام كلام لا ترجو منفعته ولا تخشى عاقبته، فأقل مالك في تركه خفّة المؤونة على يديك ولسانك؛ ومنه كلام لا ترجو منفعته وتخشى عاقبته، وهذا هو الدّاء العضال؛ ومن الكلام كلام ترجو منفعته وتأمن عاقبته، فهذا كلام يحب عليك نشره.
فإذا هو قد أسقط ثلاثة أرباع الكلام.

قال سليمان الموصلي: قلت لإبراهيم بن أدهم: لقد أسرع إليك الشيّب في رأسك! قال: ما شيّب رأسي إلاّ الرفقاء.


قال شقيق بن إبراهيم البلخي: أوصى إبراهيم بن أدهم، قال: عليك بالنّاس، وإياك من النّاس، ولا بدّ من النّاس، فإنّ النّاس هم النّاس، وليس الناس بالنّاس، ذهب النّاس وبقي النسناس، وما أراهم بالنّاس وإنّما غمسوا في ماء النّاس.
قال إبراهيم: أما قولي: عليك بالنّاس، مجالسة العلماء؛ وأمّا قولي: إياّك من النّاس، مجالسة السفهاء؛ وأمّا قولي: لا بدّ من النّاس، الصّلوات الخمس والجمعة والحج والجهاد اتباع الجنائز والشراء والبيع ونحوه: وأما قولي: النًاس هم الناس، الفقهاء والحكماء؛ وأمّا قولي: ليس النّاس بالنّاس، أهل الأهواء والبدع؛ وأما قولي: ذهب الناس؛ ذهب النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه؛ وأمّا قولي:بقي النسناس، يعني من يروي عنهم عن النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه: وأمّا قولي: وما أراهم بالنّاس إنّما هم غمسوا في ماء النّاس، نحن وأمثالنا.


قال حذيفة بن قتادة المرعشي: رأى الأوزاعيّ إبراهيم بن أدهم ببيروت، وعلى عنقه حزمة حطب، فقال له: يا أبا إسحاق، أيّ شيء هذا؟ إخوانك يكفونك، فقال: دعني من هذا يا أبا عمرو، فإنه بلغني أنه من وقف موقف مذلّة في طلب الحلال وجبت له الجنّة.
قال طالوت: قال إبراهيم بن أدهم: ما صدق الله عبد أحبّ الشهرة.
قال عبد الله بن الفرج القنطري العابد: اطلعت على إبراهيم بن أدهم في بستان بالشام، وهو مستلق، وإذا حيّة في فمها طاقة نرجس، فما زالت تذبّ عنه حتى انتبه!.
حدّث عبد الجبّار بن كثير، قال: قيل لإبراهيم بن أدهم: هذا السبّع قد ظهر لنا، قال: أرونيه، فلّما رآه قال: يا قسورة، إن كنت أمرت فينا بشيء فامض لما أمرت به، وإلاّ فعودك على بدئك؛ فولّى السبّع هارباً، قال: أحسبه يضرب بذنبه.
قال: فتعجبنا كيف فهم السبّع كلام إبراهيم بن أدهم، قال: فأقبل علينا إبراهيم، قال: قولوا: اللهم احرسنا بعينك التي لا تنام، واكنفنا بكنفك الذي لا يرام، وارحمنا بقدرتك علينا، ولا نهلك وأنت رجاؤنا.
قال خلف: فما زلت أقولها منذ سمعتها فما عرض لي لصّ ولا غيره.

عن أبي عبد الرحمن المقرئ، قال: كان عندنا إبراهيم بن أدهم على بعض جبال مكة يحدث أصحابه، فقال: لو أن وليّاً من أولياء الله قال للجبل: زل، لزال؛ قال: فتحرك الجبل من تحته؛ قال: فضرب برجله، ثم قال: اسكن، فإنما ضربتك مثلاً لأصحابي.

حدّث موسى بن ظريف، قال: ركب إبراهيم بن أدهم البحر، فأخذتهم ريح عاصف، وأشرفوا على الهلكة، فلفّ إبراهيم رأسه في عباءة ونام!، فقالوا له: ما ترى ما نحن فيه من الشدّة؟ فقال: ليس ذا شدّة!، فقالوا ما الشدةّ؟ قال: الحاجة إلى النّاس؛ ثم قال: اللهم أريتنا قدرتك فأرنا عفوك؛ فصار البحر كأنه قدح زيت.

قال شقيق البلخي: لقيت إبراهيم بن أدهم بمكة في سوق الليل عند مولد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو جالس ناحية من الطريق يبكي، فعدلت إليه، وجلست عنده، وقلت: أيش هذا البكاء يا أبا إسحاق؟ فقال: خير، فعاودته مرةً واثنتين وثلاثة، فلّما أكثرت عليه، قال لي: يا شقيق، إن أنا أخبرتك تحدّث به، ولا تستر عليّ! فقلت: يا أخي قل ما شئت، فقال: اشتهت نفسي منذ ثلاثين سنة سكباجاً، وأنا أمنعها جهدي، فلما كان البارحة كنت جالساً وقد غلبني النّعاس إذا أنا بفتىً شاب بيده قدح أخضر يعلو منه بخار، وروائحه سكباج، قال: فاجتمعت نهمتي فقرّب مني، ووضع القدح بين يدي، وقال: يا إبراهيم، كل: فقلت: ما آكل شيئاً قد تركته لله عزّ وجلّ؛ قال: ولا إن أطعمك الله تأكل؟ فما كان لي جواب إلاّ بكيت، فقال لي: كل، يرحمك الله، فقلت له: إنّا قد أمرنا أن لا نطرح في وعائنا إلاّ من حيث نعلم، فقال: كل، عافاك الله، فغنما أعطيت وقيل لي: يا خضر، اذهب بهذا وأطعم نفس إبراهيم بن أدهم، فقد رحمها الله من طول صبرها على ما يحمّلها من منعها، إعلم يا إبراهيم أني سمعت الملائكة يقولون: من أعطي فلم يأخذ طلب فلم يعط، فقلت: إن كان كذلك، فها أنا بين يديك لا أحلّ العقد مع الله عزّ وجلّ؛ ثم التفتّ فإذا بفتىًّ آخر ناوله شيئاً، وقال: يا خضر لقّمه أنت، فلم يزل يلقّمني حتى شبعت، فانتبهت وحلاوته في فمي.
قال شقيق: فقلت: أرني كفّك، فأخذت بكفّي كفّه وقبّلتها، وقلت: يا من يطعم الجياع الشهوات إذا صححوا المنع، يا من يقدح في الضمير اليقين، يا من يشفي قلوبهم من محبته، أقرى لشقيق عندك ذاك، ثم رفعت يدّ إبراهيم إلى السماء، وقلت: بقدر هذا الكفّ وبقدر صاحبه، وبالجود الذي وجد منك جد على عبدك الفقير إلى فضلك وإحسانك ورحمتك، وإن لم يستحقّ ذاك؛ فقال: وقام إبراهيم ومشى حتى دخلنا المسجد الحرام.

حدّث إبراهيم اليماني، قال: خرجت مع إبراهيم بن ادهم من صور يريد قيساريّة، فلّما كان بعض الطريق، مررنا بمواضع كثيرة الحطب، فقال: إن شئتم بتنافي هذا الموضع، فأوقدنا من هذا الحطب؛ فقلت: ذلك إليك يا أبا إسحاق، قال: فأخرجنا زنداً كان معنا فقد حنا وأوقدنا تلك النار، فوقع منها جمر كبار، قال: فقلنا: لو كان لنا لحم نشويه على هذه النّار، قال: فقال إبراهيم: ما أقدر الله أن يرزقكم، ثم قام فتمسّح للصلاة، فاستقبل القبلة، فبينا نحن كذلك إذ سمعنا جلبة شديدة مقبلة نحونا، فابتدرنا إلى البحر، فدخل كلّ إنسان منّا في الماء إلى حيث أمكنه؛ ثم خرج ثور وحش يكرّه أسد، فلّما صار عند النار طرحه فانصرف إبراهيم بن أدهم، فقال: يا أبا الحارث، تنح عنه، فلن يقدّر لك رزق، فتنحّى، ودعانا فأخرجنا سكيناً كان معنا فذبحناه واشتوينا منه بقيّة ليلتنا.

سئل حذيفة المرعشي وقد خدم إبراهيم بن أدهم وصحبه فقيل له: ما أعجب ما رأيت منه؟ فقال: بقينا في طريق مكة أيّاماً لم نجد طعاماً، ثم دخلنا الكوفة، فأوينا إلى مسجد خراب فنظر إلى إبراهيم وقال: يا حذيفة أرى بك الجوع فقلت: ما رأى الشّيخ؛ فقال: عليّ بداوة وقرطاس، فجئت به، فكتب: بسم الله الرحمن الرحيم؛ أنت المقصود إليه بكل حال، والمشار إليه بكل معنى: من الكامل
[poet font="Tahoma,5,indigo,bold,normal" bkcolor="transparent" bkimage="" border="none,4,gray" type=0 line=200% align=center use=ex length=0 char="" num="0,black" filter=""]
أنا حامد أنا شاكر أنـا ذاكـر= أنا جائع أنا نائع أنـا عـاري
هي ستّة فأنا الضّمين لنصفهـا= فكن الضّمين لنصفها يا باري
مدحي لغيرك وهج نار خضتها= فأجر فديتك من دخول النّـار
[/poet]

قال: ثم دفع الرّفعة إليّ وقال: اخرج ولا تعلّق قلبك بغير الله، وادفع الرّقعة إلى أوّل من بلقاك. قال: فخرجت، فأوّل من لقيني كان رجل على بغلة، فأخذها وبكى، وقال: ما فعل صاحب هذه الرقّعة؟ فقلت: هو في المسجد الفلانّي، فدفع إليّ صرة فيها ستمئة دينار؛ ثم لقيت رجلاً آخر فقلت: من صاحب هذه البغلة؟ فقال: نصرانيّ؛ فجئت إلى إبراهيم فأخبرته بالقصّة، فقال: لا تمسّها، فإنه يجيء السّاعة؛ فلما كان بعد ساعة وافى النصرانيّ، وأكب على رأس إبراهيم بن أدهم وأسلم.


قال إبراهيم اليماني: قلت لإبراهيم بن أدهم: يا أبا إسحاق إنّ لي مودة وحرمة، ولي حاجة، قال: وما هي؟ قلت: تعلّمني اسم الله المخزون، قال لي: هو في العشر الأوّل من الحديد، لست أزيدك على هذا.

قال إبراهيم بن بشار: سمعت إبراهيم بن أدهم يقول: ما لنا نشكو فقرنا إلى مثلنا، ولا نطلب كشفه من ربّنا عزّ وجلّ، ثكلت عبداً أمه أحبّ الدّنيا ونسي ما في خزائن مولاه.
قال أبو عتبة الخوّاص: سمعت إبراهيم بن أدهم قال لرجل: ما آن لك أن تتوب؟ قال: حتى يشاء الله عزّ وجلّ؛ فقال له إبراهيم: وأين حزن الممنوع؟.

قال محمد بن أبي الرّجاء القرشي: قال إبراهيم بن أدهم: إنك إذا أدمنت النّظر في مرآة التّوبة بان لك قبيح شين المعصية.

قال العبّاس بن الوليد: بلغني أن إبراهيم بن ادهم دخل على أبي جعفر، فقال: ما عملك؟ قال: من الطويل
[poet font="Tahoma,5,indigo,bold,normal" bkcolor="transparent" bkimage="" border="none,4,gray" type=0 line=200% align=center use=ex length=0 char="" num="0,black" filter=""]
نرقّع دنيانا بتمزيق دينـنـا= فلا ديننا يبقى ولا ما نرقّع
[/poet]
فقال: اخرج عني، فخرج وهو يقول: من مجزوء الخفيف

[poet font="Tahoma,5,indigo,bold,normal" bkcolor="transparent" bkimage="" border="none,4,gray" type=0 line=200% align=center use=ex length=0 char="" num="0,black" filter=""]
اتخذ الله صاحبا= ودع النّاس جانبا
[/poet]

حدّث إبراهيم بن بشّار الخراسانيّ، قال: كثيراً ما كنت أسمع إبراهيم بن أدهم يقول: من الطويل

[poet font="Tahoma,5,indigo,bold,normal" bkcolor="transparent" bkimage="" border="none,4,gray" type=0 line=200% align=center use=ex length=0 char="" num="0,black" filter=""]
لما توعد الدّنيا به من شرورهـا= يكون بكاء الطّفل ساعة يوضع
وإلاّ فما يبكيه منـهـا وإنّـهـا= لأروع مما كان فـيه وأوسـع
إذا أبصر الدّنيا استهل كأنّـمـا= يرى ما سيلقى من أذاها ويسمع
[/poet]

قال إبراهيم بن بشار: سئل إبراهيم بن أدهم: بم يتّم الورع؟ قال: بتسوية كلّ الخلق في قلبك، والاشتغال عن عيوبهم بذنبك، وعليك باللّفظ الجميل، في قلب ذليل، لربّ جليل، فكن في ذنبك، وتب إلى ربّك، يثبت الورع في قلبك، واقطع الطمع.

وعن شعيب بن حرب عن إبراهيم بن أدهم، قال: لا تجعل بينك وبين الله عليك منعماً، واعدد نعمةً عليك من غيره مغرماً.

وعن خلف بن تميم، قال: سمعت إبراهيم بن أدهم يقول: من البسيط

[poet font="Tahoma,5,indigo,bold,normal" bkcolor="transparent" bkimage="" border="none,4,gray" type=0 line=200% align=center use=ex length=0 char="" num="0,black" filter=""]
أرى أناساً بأدنى الدّين قد قنـعـوا= ولا أراهم رضوا في العيس بالدّون
فاستعن بالله عن دنيا الملوك كـمـا= استغنى الملوك بدنياهم عن الـدّين
[/poet]


كتب عمرو بن المنهال المقدسيّ إلى إبراهيم بن أدهم بالرّملة: أن عظني بموعظة أحفظها عنك، قال: فكتب إليه: أما بعد، فإن الحزن على الدّنيا طويل، والموت من الإنسان قريب، وللنقص في كل وقت نصيب، وللبلاء في جسمه دبيب، فبادر بالعمل قبل أن ينادي بالرحيل، واجتهد بالعمل في دار الممرّ قبل أن ترتحل إلى دار المقرّ.

حدّث أبو عبد الله الجوزجاني رفيق إبراهيم بن ادهم، قال: غزا إبراهيم بن أدهم في البحر مع أصحابه، فقدم أصحابنا فأخبروني عن إبراهيم بن أدهم، عن اللّيلة التي مات فيها، اختلف خمسةً أو ستةً وعشرين مرّةً إلى الخلاء، كل ذلك يجددّ الوضوء للصلاة، فلّما شعر بالموت قال: أو تروا لي قوسي، وقبض على قوسه، فقبض الله روحه والقوس في يده، قال: فدفنّاه في بعض الجزائر في بلاد الروم.
وقال الربيع بن نافع: مات إبراهيم بن أدهم سنة اثنتين وستّين بعد المائة ودفن على ساحل البحر.





[hr]


هذا ما ذكره ابن منظور في "كتابه مختصر تاريخ دمشق" و هو من أشمل التراجم لسيدي إبراهيم بن أدهم

و ترجم له أيضاُ ابن الجوزي في " صفة الصفوة " و ذكر بعضاً مما ذكر في مختصر ابن منظور

و كذلك ذكره الإمام القشيري في "الرسالة القشيرية" في باب أصول المشايخ

و ذكره الشعراني في "الطبقات الكبرى" في باب "ذكر أولياء الرجال رضي الله عنهم أجمعين"





[fot]يا مدد[/fot]

_________________

ما خاب بين الورى يوما ولا عثرت***في حالة السير بالبلوى مطيته
من كان لله رب العرش ملتجأ***ومن تكن برسول الله نصرته


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة:
مشاركة غير مقروءةمرسل: الجمعة نوفمبر 17, 2006 2:07 pm 
غير متصل

اشترك في: الأحد يونيو 19, 2005 3:33 pm
مشاركات: 2280
مكان: الحسين
[font=Tahoma]ما شاء الله يا طارق
انا عندى الرسالة القشيرية لكن كانى اول مرة اقراها
ماانت قلت يا مدد وهو فعلا مدد من الله عز وجل
جميلة قوى قوى يا طارق هذه المشاركة
ولا استطيع سوى ان اقول مدد[/font]
[poet font="Arial,6,white,normal,normal" bkcolor="transparent" bkimage="" border="none,4,gray" type=0 line=200% align=center use=ex length=0 char="" num="0,black" filter=" glow(color=red,strength=15)"]
هجرت الخلق طرّاً في هواكا وأيتمتهـا العيـال لـكي اراكا
ولو قطعتني في الحـبّ إربـاً لما حـن الفـؤاد إلـى سواكـا
[/poet]

_________________
انا فى جاه رسول الله


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة:
مشاركة غير مقروءةمرسل: الأربعاء نوفمبر 29, 2006 9:57 am 
غير متصل

اشترك في: الجمعة فبراير 27, 2004 11:21 pm
مشاركات: 2119
مكان: مصر
[twh][align=center]أحمد بن عيسى أبو سعيد الخراز[/align][/twh]

يقول ابن منظور في كتابه "مختصر تاريخ دمشق ":

أحمد بن عيسى أبو سعيد الخراز

الخراز خاء معجمة وراء وزاي


الصوفي

البغدادي

حدث عن عبد الله بن إبراهيم الغفاري بسنده عن عائشة قالت:

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: سوء الخلق شؤم وشراركم أسوؤكم خلقاً.


قال أبو عبد الرحمن السلمي: أحمد بن عيسى الخراز إمام القوم في كل فن من علومهم. بغدادي الأصل له في مبادىء أمره عجائب وكرامات مشهورة، ظهرت بركته عليه وعلى من صحبه، وهو أحسن القوم كلاماً خلا الجنيد فإنه الإمام. وقيل: إن أول من تكلم في علم الفناء والبقاء أبو سعيد الخراز.

قال أبو سعيد: كل باطن يخالفه ظاهر فهو باطل.

وقال: صحبت الصوفية ما صحبت، فما وقع بيني وبينهم خلف. قالوا: لم؟ قال: لأني كنت معهم على نفسي.



قال أبو بكر الطرسوسي:
أبو سعيد الخراز قمر الصوفية.




قال إبراهيم بن شيبان: قال الجنيد: لو طالبنا الله بحقيقة ما عليه أبو سعيد الخراز لهلكنا. قال علي بن عمر الدينوري: فقلت لإبراهيم: وإيش كان حاله؟ فقال: أقام كذا وكذا سنة يخرز. ما فاته الحق بين الخرزتين.

سئل أبو سعيد الخراز: هل يصير العارف إلى حال يجفو عليه البكاء؟ فقال: نعم، وإنما البكاء في أوقات سيرهم إلى الله، فإذا نزلوا بحقائق القرب وذاقوا طعم الوصول من بره زال عنهم ذلك.

قال المرتعش: الخلق كلهم عيالٌ على أبي سعيد الخراز إذا تكلم هو في شيء من الحقائق.
كان الجلاء بمكة يقول:
بلغني أن أبا سعيد الخراز كان مقيماً بمكة، وكان من أفقه الصوفية، وكان له ابنان مات أحدهما قبله فرآه في المنام فقال له: يا بني، أوصني فقال: يا أبه، لا تعامل الله على الحمق قال: يا بني، زدني. قال: لا تخالف الله فيما يريد. قال: يا بني، زدني. قال: لا تطيق. قال: قل. قال: لا تجعل بينك وبين الله قميصاً. قال: فما لبس القميص ثلاثين سنة، فقيل لإبراهيم الخواص ذلك فقال: أحجب ما كان من ربه في ذلك الوقت.


قال أبو سعيد الخراز: الاشتغال بوقت ماضٍ تضييع وقت ثانٍ.
قال أبو الفضل العباس: وذكر تلميذةً لأبي سعيد الخراز قالت: كنت أسأله مسألة والإزار بيني وبينه مشدود، فأستقري حلاوة كلامه، فنظرت في ثقب من الإزار فرأيت شفته. فلما وقعت عيني عليه سكت وقال: جري ها هنا حدث فأخبريني ما هو فعرفته أني نظرت إليه فقال: أما علمت أن نظرك إلي معصية، وهذا العلم لا يحتمل التخليط، فلذلك حرمت هذا العلم.


قال أبو سعيد الخراز: من ظن أنه ببذل المجهود يصل فمتعن، ومن ظن أنه بغير بذل المجهود يصل فمتمن.


حدث أبو القاسم بن مردان ببغداد قال: كان عندنا بنهاوند فتى يصحبني، وكنت أنا أصحب أبا سعيد الخراز، فكنت إذا رجعت حدثت ذلك الفتى ما أسمع من أبي سعيد، فقال لي ذات يوم: إن سهل الله لك الخروج خرجت معك حتى أرى هذا الشيخ الذي تحدثني عنه فخرجت، وخرج معي، ووصلنا إلى مكة، فقال لي: ليس نطوف حتى نلقى أبا سعيد، فقصدناه وسلمنا عليه فقال: للشاب مسألة ولم يحدثني أنه يريد أن يسأل عن شيء، فقال له الشيخ: سل فقال: ما حقيقة التوكل؟ فقال الشيخ: ألا تأخذ الحجة من حمولا، وكان الشاب قد أخذ حجة من حمولا وهو رئيس نهاوند وما علمت به أنا، فورد على الشاب أمر عظيم وخجل. فلما رأى الشيخ ما جاء به عطف عليه وقال: ارجع إلى سؤالك. ثم قال أبو سعيد: كنت أراعي شيئاً من هذا الأمر في حداثتي فسلكت بادية الموصل فبينا أنا سائر إذ سمعت حساً من ورائي فحفظت قلبي عن الالتفات فإذا الحس قد دنا مني، وإذا سبعان قد صعدا على كتفي فلحسا خدي، فلم أنظر إليهما حيث صعدا ولا حيث نزلا.


قال أبو سعدي الخراز: كنت في بعض أسفاري وكان يظهر لي كل ثلاثة أيام شيء، فكنت آكله وأشتغل، فمضى ثلاثة أيام وقتاً من الأوقات ولم يظهر شيء، فضعفت وجلست فهتف بي هاتف: أيما أحب إليك: سبب أو قوة؟ فقلت: القوة، فقمت من وقتي ومشيت اثني عشر يوماً لم أذق شيئاً ولم أضعف.


قال أبو سعيد الخراز: رأيت إبليس في النوم وهو يمر عني ناحية، فقلت: تعال، فقال إيش أعمل بكم، أنتم طرحتم عن نفوسكم ما أخادع به الناس. قلت: وما هي؟ قال: صحبة الأحداث.

وقال: رأيت إبليس في النوم ومعي عصا فرفعته حتى أضربه فقال لي قائل: هذا لا يفزع من العصا. قلت له: من أي شيء يفزع؟ قال: من نورٍ يكون في القلب.
كان أبو سعيد الخراز يقول: ليس في طبع المؤمن قول لا، وذلك أنه إذا نظر إلى ما بينه وبين ربه من أحكام الكرم استحيا أن يقول: لا.


جاء أبو سعيد الخراز إلى رجل من أبناء الدنيا فقال: جئتك من عنده وأنا أعرف به منك، وأنت تشهد لي بذلك، فلا تردني إليه.
كان أحمد بن عيسى يقول:

إذا صدق المريد في بدايته أيده الله بالتوفيق، وجعل له واعظاً من نفسه. كما روي في الحديث، وذلك أني أصبت ميراثاً فكنت آخذ منه القوت وأتقلل منه شيئاً موزوناً كل يوم معلوماً، ولزمت العزلة مع ذلك، فكأني خوطبت في سري ثم سمعت قائلاً يقول: إذا أنت أكلت الطعام في كل ليلة فبماذا تفضل على سائر الناس؟ ولكن اجعله في كل ليلتين أكلة، فلزمت ذلك وقتاً وصعب علي جداً لا من طريق نفسي وامتناعها علي، ولكن لعلمي بأن الطي منزلة عالية وهبة من الله جزيلة رفيعة لا يعطيها إلا من عرف قدرها، فرغبت إلى الله تعالى فيها فسألته إدامتها لي والتفضل بها علي، فوهبها لي بمنه وفضله. فكنت آكل ذلك القوت الذي كنت آكله في ليلةٍ واحدة أتناوله في ليلتين، وكنت الليلة التي أطويها يأتيني شخص جميل حسن البشرة نظيف الثياب بجامٍ أبيض فيه عسل فيقول لي: كل، فألعقه وأصبح شبعان- وهذا في المنام- ثم فني القوت الذي ادخرته فكنت أجيء بعض الطرقات إذا اختلط الظلام إلى موضع أصحاب البقل وأتقمم منه ما سقط منهم، وبقيت على ذلك أيضاً وقتاً كبيراً، ثم كنت أخيط القميص في القرية لقوم مساكين وأكتفي بأجرته أياماً، فبينا أنا يوماً مار أريد القرية في طلب الخياطة رأيت مسجداً في وسط مقبرة وفيه سدرة كبيرة وفيها نبق أخضر مباح، فقلت في نفسي: هذا المباح ها هنا وأنت تريد معاشرة الناس ومعاملتهم، فلزمت المقابر أتقلل من ذلك النبق وآخذ منه دوين البلغة حتى فني النبق ولم يبق منه شيء، ثم بقيت بعد ذلك سنين وقوتي العظام، ثم مكثت بعد العظام وقوتي الطين اليابس والرطب من الأنهار، فكنت أحياناً لا أفرق بين الطين الرطب إذا أخذته من النهر وبين الخبيص من طيبه عندي، وما وجدت لاختلاف هذه الأحوال ضيقاً من عقل ولا ضعفاً من بدن وكنت عند البقل أضعف إذا تناولته.



قال أبو بكر الكتاني: تكلم أبو سعيد أحمد بن عيسى بمكة في مسألة علم، فأنكروا عليه فوجه إليه الأمير: قم واخرج من مكة، فتناول نعله وقام ليخرج، فقلنا له: اجلس يا أبا سعيد حتى ندخل على الأمير ونخاطبه بما صلح، ونعرفه مكانك، فقال: معاذ الله، اسكتوا، فلو قال غير هذا اتهمت حالي فيما بيني وبين الله عز وجل هذا ضد، من أين يقبلني إلا لقلة في، وخرج.


قال أبو سعيد: أقل ما يلزم المسافر في سفره أربعة أشياء: يحتاج إلى علم يسوسه، وذكر يؤنسه، وورع يحجزه، ونفس تحمله. فغذا كان هكذا لم يبال أكان بين الأحياء أم بين الأموات.

وقال: الرضا قبل القضاء تفويض، والرضا مع القضاء تسليم.
وكان أبو سعيد الخراز يقول: هل جزاء الإحسان إلا الإحسان؟ هل جزاء من انقطع عن نفسه إلا التعلق بربه، وهل جزاء من انقطع عن أنس المخلوقين إلا الأنس برب العالمين، وهل جزاء من صبر علينا إلا الوصول إلينا، ومن وصل إلينا هل يجمل به أن يختار علينا، وهل جزاء التعب في الدنيا والنصب فيها إلا الراحة في الآخرة، وهل جزاء من صبر على البلوى إلا التقرب إلى المولى، وهل جزاء من سلم قلبه إلينا أن نجعل توليته إلى غيرنا، وهل جزاء من بعد عن الخلق إلا التقرب إلى الحق.


كان أبو سعيد الخراز يقول في معنى هذا الحديث جبلت القلوب على حب من أحسن إليها فقال: واعجباً ممن لم ير محسناً غير الله كيف لا يميل بكليته إليه.


قالت فاطمة بنت أحمد السامرية: سمعت أخي أبا سعيد الخراز وسئل عن قوله تعالى: "ولله خزائن السموات والأرض" قال: خزائنه في السماء العبر وفي الأرض القلوب، لأن الله تعالى جعل قلب المؤمن نبت خزائنه ثم أرسل رياحاً فهبت فكسته من الكفر والشرك والنفاق والغش والخيانة، ثم أنشأ سحابة فأمطرت ثم أنبتت فيه شجرة فأثمرت الرضا والمحبة والشكر والصفوة والإخلاص والطاعة فهو قوله تعالى: "أصلها ثابت".


قال سعيد بن أبي سعيد الخراز: طلبت من أبي دانق فضة فقال لي: يا بني، اصبر، فلو أراد أبوك يركب الملوك إلى بيته ما تأبوا عليه.


قال أحمد بن عيسى الخراز: كنت في البادية فنالني جوع شديد فغلبتني نفسي أن اسأل الله عز وجل طعاماً فقلت: ليس هذا من فعال المتوكلين، فطالبتني نفسي أن أسأل الله صبراً. فلما هممت بذلك سمعت هاتفاً يقول: من الوافر

[poet font="Tahoma,5,darkred,bold,normal" bkcolor="transparent" bkimage="" border="none,4,gray" type=0 line=350% align=center use=ex length=0 char="" num="0,black" filter=""]
ويزعم أنه منا قريبٌ = وأنا لا نضيع من أتانا
ويسألنا القرى جهداً وصبراً = كأنا لا نـراه ولا يرانـا
[/poet]

قال أبو سعيد: فأخذني الاستقلال من ساعتي وقمت ومشيت.

توفي أبو سعيد سنة سبع وسبعين ومئتين. وقيل: سنة سبع وأربعين ومئتين. وهو باطل. والأول أصح. وقيل: سنة ست وثمانين ومئتين.








[align=center]يقول ابن الجوزي في كتابه " المنتظم"
باب سنة سبع وسبعين ومائتين
ذكر من توفي في هذه السنة من الأكابر:
[/align]

أحمد بن عيسى أبو سعيد الخراز وكان من المذكورين بالمجاهدة والورع والمراقبة. حدث عن إبراهيم بن بشار صاحب أدهم وغيره. روى عنه علي بن محمد المصري.
أخبرنا أبو منصور القزاز، أخبرنا أبو بكر بن ثابت. أخبرنا أبو سعد الماليني قال: حدثنا ثقف بن عبد الله، حدثنا أحمد بن أحمد المقري، حدثنا أبو بكر الشقاق قال: قال أبو سعيد الخراز: إذا بكت أعين الخائفين فقد كاتبوا الله بدموعهم.

أخبرنا عمر بن خلف، أخبرنا جعفر بن أحمد، أخبرنا عبد العزيز بن علي، أخبرنا ابن جهضم قال: حدثني أحمد بن محمد الرمادي قال: سمعت أبا سعيد الخراز يقول: العافية سترت البر والفاجر، فإذا جاءت البلوى يتبين عندها الرجال.

توفي أبو سعيد في هذه السنة، وقيل: في سنة ست وثمانين، وقيل: فيما بين ذلك، ولا يصح.






[align=center]يقول الخطيب البغدادي في كتابه "تاريخ بغداد ":[/align]

أحمد بن عيسى أبو سعيد الخراز الصوفي

من كبار شيوخهم كان أحد المذكورين بالورع والمراقبة وحسن الرعاية والمجاهدة وحدث شيئاً يسيراً عن إبراهيم بن بشار صاحب إبراهيم بن أدهم وعن غيره روى عنه علي بن محمد المصري أخبرنا أبو نعيم الحافظ أخبرنا أبو الفتح يوسف بن عمر القواس حدثنا علي بن محمد المصري حدثنا أبو سعيد أحمد بن عيسى الخراز البغدادي الصوفي أخبرنا عبد الله بن إبراهيم الغفاري حدثنا جابر بن سليم عن يحيى بن سعيد عن محمد بن إبراهيم عن عائشة قالت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم سوء الخلق شؤم وشراركم أسوؤكم خلقاً.

وهكذا رواه أبو عبد الرحمن السلمي عن القواس أخبرنا علي بن محمد بن عبد الله المعدل أخبرنا أبو الحسن علي بن محمد بن أحمد المصري قال سمعت أبا سعيد أحمد بن عيسى الخراز يقول سمعت إبراهيم بن بشار يقول الآية التي مات فيها علي بن الفضيل في الأنعام: "ولو ترى إذ وقفوا على النار فقالوا يا ليتنا نرد" الأنعام 27، مع هذا الموضع مات وكنت فيمن صلى عليه.



أخبرنا إسماعيل بن أحمد الحيري أخبرنا محمد بن الحسين السلمي قال سمعت أبا بكر بن الطرسوسي يقول أبو سعيد الخراز قمر الصوفية



أنبأنا أبو سعد الماليني قال سمعت علي بن عمر الدينوري يقول سمعت إبراهيم بن شيبان يقول قال الجنيد لو طالبنا الله بحقيقة ما عليه أبو سعيد الخراز لهلكنا قال علي: فقلت
لإبراهيم وإيش كان حاله فقال أقام كذا وكذا سنة يخرز ما فاته ذكر الحق بين الخرزتين.

أخبرنا أبو حازم عمر بن أحمد بن إبراهيم العبدوي بنيسابور قال سمعت أبا بكر محمد بن عبد الله الرازي يقول سمعت أبا جعفر الصيدلاني يقول سمعت أبا سعيد الخراز يقول من ظن أنه ببذل الجهد يصل فمتمن ومن ظن أنه بغير بذل الجهد يصل فمتعن. حدثني أبو نصر إبراهيم بن هبة الله بن إبراهيم الجرباذقاني بها لفظاً حدثنا أبو منصور معمر بن أحمد الأصبهاني قال سمعت أبا الفتح الفضل بن جعفر يقول سمعت أبا الفضل العباس بن الشاعر يذكر عن تلميذة لأبي سعيد الخراز قالت كنت أسأله مسألة والإزار بيني وبينه مشدود فأستقري حلاوة كلامه فنظرت في ثقب من الإزار فرأيت شفته فلما وقعت عيني عليه سكت وقال جرى هاهنا حدث فأخبريني ما هو فعرفته أني نظرت إليه فقال أما علمت أن نظرك إلى معصية وهذا العلم لا يحتمل التخليط ولذلك حرمت هذا العلم. أخبرنا الحسن بن الحسين النعالي


أخبرنا أحمد بن نصر الذراع قال سمعت أبا محمد الحسن بن ياسين يقول سمعت علي بن حفص الرازي يقول سمعت أبا سعيد الخراز يقول ذنوب المقربين حسنات الأبرار أخبرني أحمد بن علي بن الحسين المحتسب أخبرنا محمد بن الحسين بن موسى الصوفي قال سمعت أبا الحسين الفارسي يقول سمعت أبا محمد الجريري يقول سمعت أبا سعيد الخراز يقول في معنى قول النبي صلى الله عليه وسلم جبلت القلوب على حب من أحسن إليها واعجباً ممن لم ير محسناً غير الله كيف لا يميل بكليته إليه. أخبرنا أبو حازم العبدوي حدثني علي بن عبد الله بن جهضم بمكة حدثني أبو بكر السنجاري حدثني أبو بكر الزقاق حدثني أبو سعيد الخراز قال كنت بمكة ومعي رفيق لي من الورعين فأقمنا ثلاثة أيام لم نأكل شيئاً وكان بحذائنا فقير معه كويزة وركوة مغطاة بقطعة خيش وربما كنت أراه يأكل خبز حواريا فقلت في نفسي والله لأقولن لهذا نحن الليلة في ضيافتك فقلت له فقال لي نعم وكرامة فلما جاء وقت العشاء جعلت أراعيه ولم أر معه شيئاً فمسح يده على سارية فوقع على يده شيء فناولني فإذا درهم ليس يشبه الدراهم فاشترينا خبزاً وإداماً فلما مضى لذلك مدة جئت إليه وسلمت عليه وقلت إني ما زلت أراعيك تلك الليلة وأنا أحب أن تعرفني بم وصلت إلى ذلك فإن كان يبلغ بعمل حدثتني فقال يا أبا سعيد ما هو إلا حرف واحد قلت ما هو قال تخرج قدر الخلق من قلبك تصل إلى حاجتك. أخبرنا إسماعيل بن أحمد الحيري أخبرنا أبو عبد الرحمن السلمي أخبرني أحمد بن محمد بن المفضل قال سألت أبا بكر بن أبي العجوز عن موت أبي سعيد الخراز فقال مات سنة سبع وأربعين ومائتين أو سنة سبع وسبعين ومائتين قال أبو عبد الرحمن وأظن أن هذا أصح.





[align=center]و ذكره الإمام القشيري في "الرسالة القشيرية" في باب أصول المشايخ فقال:[/align]

أبو سعيد أحمد بن عيسى الخراز من أهل بغداد.
صاحب ذا النون المصري، والنباجي، وأبا عبيد البسريَّ، والسري، وبشراً، وغيرهم.. مات سنة: سبع وسبعين ومائتين.
قال أبو سعيد الخرّاز: كل باطن يخالفه ظاهر فهو باطل.
سمعت محمد بن الحسين يقول: سمعت أبا عبد الله الرازي يقول: سمعت أبا العباس الصياد يقول: سمعت أبا سعيد الخرّاز يقول: رأيت إبليس في النوم، وهو يمرّ عني ناحية، فقلت له: تعال، مالك؟ فقال: إيش أعمل بكم، وأنتم طرحتم عن نفوسكم ما أخادع به الناس!! فقلت: وما هو؟ قال: الدنيا.
فلما ولى عني، التفت إليّ، وقال: غير أن لي فيكم لطيفة.
فقلت: وما هي؟ قال: صحبة الأحداث.
وقال أبو سعيد الخرَّاز: صحبت الصوفية ما صحبت، فما وقع بيني وبينهم خلاف.
قالوا: لِمَ؟

قال:

لأني كنت معهم على نفسي.






[hr]






[fot]يا مدد[/fot]

_________________

ما خاب بين الورى يوما ولا عثرت***في حالة السير بالبلوى مطيته
من كان لله رب العرش ملتجأ***ومن تكن برسول الله نصرته


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة:
مشاركة غير مقروءةمرسل: الأربعاء نوفمبر 29, 2006 12:03 pm 
غير متصل

اشترك في: السبت فبراير 21, 2004 4:33 am
مشاركات: 10723
[font=Traditional Arabic]الأخ الفاضل / البتار جزاكم الله خيرا على مشاركاتك الثرية

جعلك الله سيفا من سيوف سيدنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم

الأخت الفاضلة / سلافة

معذرة هذه المشاركة الشيقة خاصة بالبتار

ـــــــــــــــــــــ
الطارق

[/font]

_________________
إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً }الأحزاب33

صورة


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة:
مشاركة غير مقروءةمرسل: السبت ديسمبر 09, 2006 3:44 pm 
غير متصل

اشترك في: الجمعة فبراير 27, 2004 11:21 pm
مشاركات: 2119
مكان: مصر
[align=center]بارك الله فيكم [/align]

_________________

ما خاب بين الورى يوما ولا عثرت***في حالة السير بالبلوى مطيته
من كان لله رب العرش ملتجأ***ومن تكن برسول الله نصرته


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة:
مشاركة غير مقروءةمرسل: السبت ديسمبر 09, 2006 4:48 pm 
غير متصل

اشترك في: الجمعة فبراير 27, 2004 11:21 pm
مشاركات: 2119
مكان: مصر
هؤلاء هم الصوفية


[twh][align=center]يوسف بن الحسين
(المتوفى سنة 304 هــ)
[/align][/twh]



"شيخ الرَيِّ والجبال في وقته.
وكان نسيج وحَده في إسقاط التصنُّع.
وكان عالما أديباً، صحب ذا النون المصري، وأبا تراب النخشبي، ورافق أبا سعيد الخرَّاز مات سنة: أربع وثلاثمائة."


(باب" أصول المشايخ" من الرسالة القشيرية للإمام القشيري( رضي الله عنه) ))




و عنه يقول ابن منظور في كتابه "مختصر تاريخ دمشق ":

"يوسف بن الحسين بن علي أبو يعقوب


الرازي الصوفي،



صاحب ذي النون المصري زاهد معروف موصوف.



قال: قلت لأحمد بن حنبل: حدثني،



فقال: ما تصنع بالحديث يا صوفي؟



فقلت: لا بد حدثني،
فقال: حدثنا مروان الفزاري، عن هلال بن سويد أبي المعلى، عن أنس قال: أهدي إلى النبي صلى الله عليه وسلم طائران، فقدم إليه أحدهما، فلما أصبح قال: عندكم من غداء؟ فقدم إليه الآخر، فقال: من أين ذا؟ فقال بلال: خبأته لك يا رسول الله، فقال: يا بلال، لا تخف من ذي العرش إقلالاً، إن الله يأتي برزق كل غد.

وفي رواية: أهدي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم طوائر ثلاثة، فأكل منها طيراً، واستخبأ خادمه طيرين، فرده إليه من الغد، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: ألم أنهك أن ترفع شيئاً لغد؟ إن الله يأتي برزق كل غد.

قال أبو عبد الرحمن السلمي: يوسف بن الحسين، أبو يعقوب الرازي، إمام وقته، لم يكن من المشايخ على طريقته في تذليل النفس، وإسقاط الجاه. صحب ذا النون المصري، ورافق أبا سعيد الخراز في بعض أسفاره، وأبا تراب النخشبي.

قال أبو القاسم القشيري: كان نسيج وحده في إسقاط التصنع، وكان عالماً أديباً. مات سنة أربع وثلاثمائة.

قال يوسف بن الحسين: لأن ألقى الله بجميع المعاصي أحب علي من أن ألقاه بذرة من التصنع.

وقال: إذا رأيت المريد يشتغل بالرخص فاعلم أنه لا يجيء منه شيء.

وكتب إلى الجنيد: إذا أذاقك الله طعم نفسك، فإنك، إن ذقتها، لا تذوق بعدها خيراً أبداً.

وقال: رأيت آفات الصوفية في صحبة الأحداث، ومعاشرة الأضداد، ورفقة النسوان.

وقال: كنت أيام السياحة في أرض الشام أمسك بيدي عكازة مكتوباً عليها: من السريع

[poet font="Tahoma,5,green,bold,normal" bkcolor="transparent" bkimage="" border="none,4,gray" type=0 line=200% align=center use=ex length=0 char="" num="0,black" filter=""]
سر في بلاد اللّه سـياحـا= وابك على نسك نـوّاحـاً
وامس بنور اللّه في أرضه = كفى بنور اللّه مصباحـا
[/poet]

وكتب على مخلاته: من الهزج

[poet font="Tahoma,5,green,bold,normal" bkcolor="transparent" bkimage="" border="none,4,gray" type=0 line=200% align=center use=ex length=0 char="" num="0,black" filter=""]
فلا يومك ينـسـاك = ولا رزقك يعـدوك
ومن يطمع في الناس = يكن للناس مملوكـا
وكن سعـيك لـلّـه = فإن اللّـه يكـفـيك
[/poet]

وقال: قيل لي: إن ذا النون المصري يعرف اسم الله عز وجل الأعظم، فدخلت إلى مصر، فذهبت إليه، فبصرني وأنا طويل اللحية، ومعي ركوة طويلة، فاستبشع منظري، ولم يلتفت إلي.



قال أبو الحسين الرازي:
وكان يوسف بن الحسين يقال: إنه أعلم أهل زمانه بالكلام، وعلم الصوفية. فلما كان بعد أيام جاء إلى ذي النون رجل صاحب كلام، فناظر ذا النون، فلم يقم ذو النون بالحجج عليه، فاجتذبته إلي، وناظرته، فقطعته، فعرف ذو النون مكاني، فقام إلي وعانقني وجلس بين يدي، وهو شيخ وأنا شاب، وقال: اعذرني فلم أعرفك، فعذرته، وخدمته سنة واحدة، فلما كان على رأس السنة قلت له: يا أستاذ، إني قد خدمتك، وقد وجب حقي عليك، وقيل لي: إنك تعرف اسم الله الأعظم، وقد عرفتني، ولا تجد له موضعاً مثلي، فأحب أن تعلمني إياه. قال: فسكت عني ذو النون، ولم يجبني، وكأنه أومأ إلي أنه يخبرني، وتركني ستة أشهر بعد ذلك، ثم أخرج إلي من بيته طبقاً ومكبة مشدوداً في منديل وكان ذو النون يسكن في الجيزة فقال: تعرف فلاناً صديقنا من الفسطاط؟ قلت: نعم، قال: فأحب أن تؤدي هذا إليه. قال: فأخذت الطبق وهو مشدود، وجعلت أمشي طول الطريق وأنا متفكر فيه: مثل ذي النون يوجه إلى فلان بهدية ! ترى أيش هي؟ قال: فلم أصبر إلى أن بلغت الجسر، فحللت المنديل، وشلت المكبة، فإذا فأرة، قفزت من الطبق، ومرت. فاغتظت غيظاً شديداً، وقلت: ذو النون يسخر بي، ويوجه مع مثلي فأرة إلى فلان!؟ فرجعت على ذلك الغيظ، فلما رآني عرف ما في وجهي، وقال: يا أحمق، إنما جربناك، ائتمنتك على فأرة فخنتني، أفاأتمنك على اسم الله الأعظم؟! وقال: مر عني فلا أراك شيئاً آخر.

قال: وسمعت ذا النون يقول: من جهل قدره هتك ستره.

وقال: قلت لذي النون وقت مفارقتي له: من أجالس؟ فقال: عليك مجالسة من تذكرك الله رؤيته، وتقع هيبته على باطنك، ويزيد في عملك منطقه، ويزهدك في الدنيا عمله، ولا تعصي الله ما دمت في قربه، يعظك بلسان فعله، ولا يعظك بلسان قوله.

وقال: عليك بصحبة من تسلم منه في ظاهر أمرك، وتبعثك على الخير صحبته، وتذكرك الله رؤيته.

وقال يوسف: قيل لذي النون: ما بال الحكمة لها حلاوة من أفواه الحكماء؟ قال: لقرب عهدها بالرب عز وجل.

وقيل ليوسف بن الحسين: يا أبا يعقوب، هل لك هم غد؟ قال: يا سيدي، من كثرة همومنا اليوم لا نفرغ لهم. فأجابه الجنيد: من البسيط
[poet font="Tahoma,5,green,bold,normal" bkcolor="transparent" bkimage="" border="none,4,gray" type=0 line=200% align=center use=ex length=0 char="" num="0,black" filter=""]
يكفي الحكيم من التنـبـيه أيسـره= فيعرف الكيف والتكوين والسببـا
فكن بحيث مراد الحق مـنـك ولا= تزل مع القصد في التمكين منتصبا
إن السبيل إلى مرضاتـه نـظـر= فما عليك له يرضى كما غضبـا

[/poet]
ثم قال: من كان ظاهره عامراً فباطنه خراب، ومن كان ظاهره خراباً كان باطنه عامراً، والدليل عليه النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه.

قال أبو الحسين الدراج: قصدت يوسف بن الحسين الرازي من بغداد، فلما دخلت الري سألت عن منزله، فكل من أسأل يقول: أيش تفعل بذلك الزنديق؟ فضيقوا صدري، حتى عزمت على الانصراف، فبت تلك الليلة في مسجد، ثم قلتك جئت هذا البلد، فلا أقل من زيارة ! فلم أزل أسأل عنه حتى دفعت إلى مسجده وهو قاعد في المحراب، بين يديه مصحف يقرأ، وإذا هو شيخ بهي، حسن الوجه واللحية، فدنوت، فسلمت، فرد السلام، وقال: من أين أنت؟ فقلت: من بغداد، قصدت زيارة الشيخ.
فقال: لو أن في بعض البلدان قال لك إنسان: أقم عندي حتى أشتري لك داراً وجارية أكان يمنعك عن زيارتي؟ فقلت: يا سيدي، ما امتحنني الله بشيء من ذلك، ولو كان لا أدري كيف كنت أكون، فقال: تحسن أن تقول شيئاً؟ قلت: نعم، وقلت: من الطويل
[poet font="Tahoma,5,green,bold,normal" bkcolor="transparent" bkimage="" border="none,4,gray" type=0 line=200% align=center use=ex length=0 char="" num="0,black" filter=""]
رأيتك تبني دائماً في قطيعـتـي= ولو كنت ذا حزم لهدّمت ما تبني
[/poet]

فأطبق المصحف، ولم يزل يبكي حتى ابتل لحيته وثوبه، حتى رحمته من كثرة بكائه، ثم قال لي: يا بني، تلوم أهل الري في قولهم: يوسف بن الحسين زنديق؟ من وقت الصلاة هو ذا أقرأ القرآن، لم يقطر من عيني قطرة، وقد قامت علي القيامة بهذا البيت.


قال يوسف بن الحسين: أعز شيء في الدنيا الإخلاص، وكم أجتهد في إسقاط الرياء عن قلبي، فكأنه يلبث فيه على لون آخر.

وقال: ما صحبني متكبر قط إلا اعتراني داؤه، لأنه يتكبر، فإذا تكبر غضبت، فإذا غضبت أداني الغضب إلى الكبر، فإذا داؤه قد اعتراني.

وقال: في الدنيا طغيانان: طغيان العلم، وطغيان المال، والذي ينجيك من طغيان العلم العبادة، والذي ينجيك من طغيان المال الزهد فيه.

وقال يوسف:
بالأدب يفهم العلم، وبالعلم يصح لك العمل، وبالعمل تنال الحكمة، وبالحكمة يفهم الزهد، ويوفق له، وبالزهد تترك الدنيا، وبترك الدنيا ترغب في الآخرة، وبالرغبة في الآخرة تنال رضى الله عز وجل.

وقيل ليوسف بن الحسين: لو تجملت قليلاً، فقال: هو ذا يطاف على بابنا بالكيزان يتبرك بنا وبدعواتنا، وأنتم تدعوني إلى التجمل !

وكان كثيراً ما يقول: إلهي توبة أو مغفرة، فقد ضاقت بي أبواب المعذرة، إلهي، خطيئتي خطيئة صماء، وعاقبتي عاقبة وهماء، فلا الخطيئة أحسن الخروج منها، ولا العاقبة أهتدي للرجوع إليها، ومن شأن الكرماء الرفق بالأسراء، وأنا أسير تدبيرك. ثم يقول: من الطويل

[poet font="Tahoma,5,green,bold,normal" bkcolor="transparent" bkimage="" border="none,4,gray" type=0 line=200% align=center use=ex length=0 char="" num="0,black" filter=""]
وأذكركم في السّرّ والجهر دائماً= وإن كان قلبي في الوثاق أسير
لتعرف نفسي قدرة الخالق الذي= يدبّر أمر الخلق وهو شكـور
[/poet]

وقال: الأنس مع الله نور ساطع، والأنس مع الناس سم ناقع.

وسئل عن الكرم والجود، فقال: الجود أن تتفضل بما لا يجب عليك، والكرم أن تتفضل بما يجب لك.

وقيل له: ما بال المحبين يتلذذون بالذل في المحبة؟ فأنشأ يقول: من الكامل

[poet font="Tahoma,5,green,bold,normal" bkcolor="transparent" bkimage="" border="none,4,gray" type=0 line=200% align=center use=ex length=0 char="" num="0,black" filter=""]
ذلّ الفتى في الحبّ مكرمةٌ = وخضوعه لحبيبه شـرف
[/poet]

وقال: كنت عند ذي النون المصري يوماً، فجاءه رجل، فقال: ما بال المحزون إذا تكامل حزنه لا تجري دموعه؟ فقال: إذا رق سلا، وإذا انجمد سجا. ثم أطرق، ورفع رأسه يقول: من الطويل

[poet font="Tahoma,5,green,bold,normal" bkcolor="transparent" bkimage="" border="none,4,gray" type=0 line=200% align=center use=ex length=0 char="" num="0,black" filter=""]
إذا رقّ قـلـب درّت جـفـونـــه= دموعاً له فيها سلـوٌّ مـن الـكـمـد
وإن غصّ بالأشجان من طول حزنـه= علاه اصفرار اللّون في الوجه والجسد
وأحمد حال الخـائفـين مـقـامـهـم= على كمدٍ يضني النفوس مع الكـبـد
لعمرك ما لـذّ الـمـطـيعـون لـذةٌ= ألذّ وأحلى من منـاجـاة مـنـفـرد
[/poet]

قال أبو عبد الرحمن السلمي: واعتل يوسف بن الحسين الرازي، فدخل عليه بعض إخوانه، فقال له: مالك أيها الشيخ، وما الذي تجد؟ ألا ندعو لك بعض هؤلاء الأطباء؟ فأنشأ يقول: من الطويل
[poet font="Tahoma,5,green,bold,normal" bkcolor="transparent" bkimage="" border="none,4,gray" type=0 line=200% align=center use=ex length=0 char="" num="0,black" filter=""]

بقلبي سقامٌ ما يداوى مـريضـه=خفيّ على العوّاد باقٍ على الدهر
[/poet]

كان مرحوم الرازي يتكلم في يوسف بن الحسين، فانتبه ليلة وهو يبكي، فقيل له: مالك؟
قال: رأيت كتاباً نزل من السماء، فلما قرب من الخلق إذا فيه مكتوب بخط جليل: هذه براءة ليوسف بن الحسين مما قيل فيه. فجاء إليه، فاعتذر.

وكان يوسف بن الحسين يقول: اللهم إنك تعلم أني نصحت الناس قولاً، وخنت نفسي فعلاً، فهب لي خيانة نفسي بنصيحتي للناس.

وكان يتمثل كثيراً بهذا البيت: من الوافر

[poet font="Tahoma,5,green,bold,normal" bkcolor="transparent" bkimage="" border="none,4,gray" type=0 line=200% align=center use=ex length=0 char="" num="0,black" filter=""]
سأعطيك الرّضى وأموت غمّاً = وأسكت لا أغمّك بالعـتـاب
[/poet]

كان آخر كلام يوسف بن الحسين: إليه دعوت الخلق إليك بجهدي، وقصرت نفسي بالواجب لك علي مع معرفتي بك، وعلمي فيك، فهبني لمن شئت من خلقك. قال: فمات، فرئي في المنام، فقيل له: ما فعل الله بك؟ قال: أوقفني بين يديه، وقال لي: يا عبد السوء، فعلت وعصيت ! فقلت: يا سيدي، لم أبلغ هذا عنك، بلغت أنك كريم، والكريم إذا قدر عفا. فقال تعالى: تملقت لي بقولك: هبني لمن شئت من خلقك، اذهب فقد وهبتك لك.

قال الأستاذ أبو القاسم القشيري: ورئي يوسف بن الحسين في المنام، فقيل له: ما فعل الله بك؟ فقال: غفر لي، فقيل: بماذا؟ فقال: لأني ما خلطت جداً بهزل.
قال عبد الله بن عطاء: مات يوسف بن الحسين سنة أربع وثلاثمائة."








و عنه قال ابن أبي يعلى في "طبقات الحنابلة" في ذكر من اسمه يوسف


"يوسف بن الحسين بن علي أبو يعقوب الرازي

من مشايخ الصوفية


كان كثير الأسفار وصحب ذا النون المصري وأبا تراب النخشبي وأبا سعيد الخراز وحكى عن ذي النون وسمع إمامنا أحمد ورد بغداد وسمع منه بها أبو بكر النجاد.

أنبأنا الوالد السعيد عن أبي محمد الخلال حدثني عبد الواحد بن علي حدثنا أحمد بن سليمان قال:
سمعت يوسف بن الحسين قال: سمعت ذا النون المصري قال: من جهل قدره هتك ستره.

وذكر أبو صالح المؤذن النيسابوري حدثنا أحمد بن عبد الله الرازي بدمشق


حدثني يوسف بن الحسين الرازي الصوفي


حدثنا أبو عبد الله أحمد بن حنبل حدثنا مروان بن معاوية حدثني هلال بن سويد أبو المعلى عن أنس بن مالك قال "أهدي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم طوائر ثلاث فأكل طيراً واستخبأ خادمه طيرين فرده عليه من الغد فقال: النبي صلى الله عليه وسلم ألم أنهك أن ترفع شيئاً لغد إن الله يأتي برزق كل غد"

قال: يوسف كنت أتيت أحمد بن حنبل في أول أيام المتوكل فسألني عن بلدي فقال: لي ما حاجتك وفي أي شيء جئت إلي فقلت: لتحدثني فقال: أما بلغك أني قد أمسكت عن التحديث فقلت: بلى ولكن حدثني بشيء أذكرك به وأترحم عليك به فحدثني بهذا الحديث ثم قال:


هذا من بابتك يا صوفي


حدث به أبو أحمد العسال الأصبهاني عن يوسف عن أحمد بن حنبل ولم يذكر الكلام.

قرأت في كتاب ابن ثابت حدثنا أبو سعد الماليني أخبرنا أبو علي محمد بن الحسين بن حمزة الصوفي حدثنا أبو بكر محمد بن أحمد القرشي حدثنا يوسف ابن الحسين الزراي قال: قلت:
لأحمد بن حنبل حدثني



فقال: ما تصنع بالحديث يا صوفي


فقلت: لا بد حدثني فقال: حدثنا مروان الفزاري عن هلال أبى العلاء كذا قال: الماليني وإنما هو أبو المعلى عن أنس قال: "أهدى إلى النبي صلى الله عليه وسلم طائران فقدم إليه أحدهما فلما أصبح قال: هل عندكم من غداء فقدم إليه الآخرة فقال: من أين ذا فقال: بلال خبأته لك يا رسول الله فقال يا بلال: لا تخف من ذي العرش إقلالاً إن الله يأتي برزق كل غد".

وبإسناده قال: يوسف بن الحسين كنت في أيام السياحة في أرض الشام أمسك بيدي عكازة مكتوب عليها:
[poet font="Tahoma,5,green,bold,normal" bkcolor="transparent" bkimage="" border="none,4,gray" type=0 line=200% align=center use=ex length=0 char="" num="0,black" filter=""]
سر في بلاد الله سـياحـاً = وابك على نفسك نواحـاً
وامش بنور الله في أرضه = كفى بنور الله مصباحـاً
[/poet]

وبإسناده قال: كان ليوسف بن الحسين مخلاة مكتوب عليها:
[poet font="Tahoma,5,green,bold,normal" bkcolor="transparent" bkimage="" border="none,4,gray" type=0 line=200% align=center use=ex length=0 char="" num="0,black" filter=""]
لايومـك ينـســاك = ولا رزقك يعدوكـا
ومن يطمع في النـاس = يكن للناس مملوكا
فليكن سـعـيك لـله فإن الله يكفـيكـا

[/poet]

وبإسناده قال:
قال يوسف بن الحسين قيل لي إن ذا النون المصري يعرف اسم الله الأعظم فدخلت مصر فذهبت إليه فبصر بي وأنا طويل اللحية ومعي ركوة طويلة فاستشنع منظري ولم يلتفت إلي فلما كان بعد أيام جاء إلى ذي النون رجل صاحب كلام فناظر ذا النون فلم يقم ذو النون بالحجج عليه قال: فاجتذبته إلي وناظرته فقطعته فعرف ذو النون مكاني فقام إلي وعانقني وجلس بين يدي وهو شيخ وأنا شاب وقال اعذرني فلم أعرفك فعذرته وخدمته سنة واحدة فلما كان على رأس السنة قلت له يا أستاذ إني قد خدمتك وقد وجب حقي عليك وقيل لي إنك تعرف اسم الله الأعظم وقد عرفتني ولا تجد له موضعا مثلي فأحب أن تعلمني إياه قال: فسكت عني ذو النون ولم يجبني وكأنه أومأ إلى أنه يخبرني قال: فتركني بعد ذلك ستة أشهر ثم أخرج إلي من بيته طبقاً ومكبة مشدودة في منديل وكان ذو النون يسكن في الجيزة فقال: تعرف فلاناً صديقنا من الفسطاط قلت: نعم فقال: أحب أن تؤدي إليه هذا قال: فأخذت الطبق وأنا متفكر فيه مثل ذي النون يوجه إلى فلان بهدية ترى إيش هي فلم أصبر إلى أن بلغت الجسر فحللت المنديل وشلت المكبة فإذا فأرة نفرت من الطبق ومرت قال: فاغتظت غيظاً شديداً وقلت: ذو النون يسخر بي ويوجه مع مثلي فأرة إلى فلان فرجعت على ذلك الغيظ فلما رآني عرف ما في وجهي وقال يا أحمق إنما جربناك ائتمنتك على فأرة فخنتني أفأئتمنك على اسم الله الأعظم وقال مر عني فلا أراك شيئاً آخر.

ومات سنة أربع وثلاثمائة

ورؤي في المنام بعد موته فقيل له ماذا فعل الله بك قال: غفر لي ورحمني فقيل بماذا فقال: بكلمة أو بكلمات قلتها عند الموت

قلت:


اللهم إني نصحت قولا وخنت نفسي فعلا فهب خيانة فعلي لنصيحة قولي."










[fot]يا مدد[/fot]

_________________

ما خاب بين الورى يوما ولا عثرت***في حالة السير بالبلوى مطيته
من كان لله رب العرش ملتجأ***ومن تكن برسول الله نصرته


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة:
مشاركة غير مقروءةمرسل: الأربعاء ديسمبر 13, 2006 9:39 am 
غير متصل

اشترك في: الجمعة فبراير 27, 2004 11:21 pm
مشاركات: 2119
مكان: مصر
هؤلاء هم الصوفية ...

[twh][align=center]معروف بن فيروز الكرخي
(المتوفى سنة 200هــ)
[/align][/twh]

أبو محفوظ معروف بن فيروز الكرخي كان من المشايخ الكبار، مجاب الدعوة، يستشفي بقبره.
وهو من موالى عليٍّ بن موسى الرضا، رضي الله عنه، مات سنة مائتين: وقيل: سنة إحدى ومائتين. وكان أستاذ السري السقطى،


وقد قال له يوما: إذا كانت لك حاجه إلى الله فأقسم عليه بي.






جاء هذا في باب" أصول المشايخ" في الرسالة القشيرية للإمام القشيري( رضي الله عنه)

و يضيف الإمام القشيري (رضي الله عنه) قائلاً:




سمعت الأستاذ أبا علي الدَّقاق، رحمه الله تعالى، يقول: كان معروف الكرخى أبواه نصرانيان، فسلَّموا معروفاً إلى مؤدبهم، وهو صبي،فكان المؤدب يقول له :قل ثالث ثلاث . فيقول:بل هو واحد.فضربه المعلم يوماًضرباًمبرحا،فهرب معروف، فكان أبواه يقولان : ليته يرجع إلينا على أي دين يشاء،فنوافقه عليه .

ثم أنه اسلم على يدي علي بن موسى الرضا..ورجع إلى منزله..ودق الباب .فقيل: من بالباب؟فقال: معروف. فقالوا: على أي دين جئت؟ فقال: على الدين الحنيفي. فأسلم أبواه.
سمعت محمد بن الحسين يقول: سمعت أبا بكر الرازي يقول: سمعت أبا بكر الحربي يقول: سمعت سريا السقطي يقول: رأيت معروفا الكرخى في النوم كأنه تحت العرش، فيقول الله عز وجل لملائكته: من هذا؟ فيقولون: أنت أعلم يا رب.
فيقول: هذا معروف الكرخى، سكر من حبي، فلا يفيق إلا بلقائي.

وقال معروف: قال لي بعض أصحاب داود الطائي: إياك أن تترك العمل،فإن ذلك الذي يقرّبك إلى رضا مولاك.فقلت: وما ذلك العمل؟ فقال:دوام طاعة ربك،وخدمة المسلمين، والنصيحة لهم.

سمعت محمد بن الحسين يقول: سمعي محمد بن عبد الله الرازي يقول: سمعت على بن محمد الدلال يقول:سمعت محمد بن الحسين يقول: سمعت أبي يقول: رأيت معروفًا الكرجي في النوم،بعد موته،فقلت له:ماذا فعل الله بك؟ فقال: غفر لى.
فقلت بزهدك وورعك ؟ فقال:لا، بقبولي موعظة ابن السماك،ولزوم الفقر،ومحبتي للفقراء.
وموعظة ابن السماك:ما قاله معروف: كنت ماراً بالكوفة.فوقفت على رجل يقال له:ابن السماك وهو يعظ الناس.
فقال في خلال كلامه:من أعرض عنا لله بكلتيه أعرض الله عنه جملة..ومن أقبل على الله بقلبه أقبل الله برحمته إليه ، وأقبل بجميع وجوه الخلق إليه، ومن كان مرة و مرة فالله يرحمه وقتاً ما.فوقع كلامه في قلبي، فأقبلت على الله تعالى ، وتركت جميع ما كنت عليه، إلا خدمة مولاي على بن موسى الرضا.





وفي ترجمته لسيدي معروف الكرخي يقول ابن ابي يعلى في "طبقات الحنابلة" :



معروف بن الفيرزان أبو محفوظ العابد المعروف بالكرخي:
منسوب إلى كرخ بغداد وكان أحد المشهورين بالزهد والعزوف عن الدنيا يغشاه الصالحون ويتبرك بلقائه العارفون وكان يوصف بأنه مجاب الدعوات وحكى عنه كرامات وأسند أحاديث يسيرة عن بكر بن حبيش والربيع بن صبيح وغيرهما روى عنه خلف بن هشام البزاز وزكريا بن يحيى المروذي ويحيى بن أبي طالب في آخرين

وحكى عن إمامنا أحمد حكاية وهي: ما أنبأ الوالد السعيد عن محمد بن فارس المعروف بابن الغوري قال: حدثنا أحمد بن المنادي قال: حدثنا أبو بكر عمر بن إبراهيم قال: حدثنا يحيى بن أكثم القاضي قال: سمعت معروفاً وذكر عنده أحمد بن حنبل فقال: رأيت أحمد بن حنبل فتى عليه آثار النسك سمعته يقول كلاما جمع فيه الخير سمعته يقول من علم أنه إذا مات نسي أحسن ولم يسىء.

وروى هذا الحكاية عن معروف أيضاً أبو الفرج عبد الوهاب بن عبد العزيز التميمي قال: سمعت أبي يقول قيل لأبي محفوظ معروف الكرخي هل رأيت أبا عبد الله أحمد بن محمد بن حنبل قال: نعم رأيته وسمعت منه كلمتين أزعجتاني سمعته يقول من علم أنه إذا مات نسي أحسن ولم يسىء.


وذكر أبو سعيد بن الأعرابي أن أحمد بن حنبل كان يقول
معروف الكرخي من الأبدال وهو مجاب الدعوة وذكر في مجلس أحمد معروف الكرخي فقال: بعض من حضره هو قصير العلم قال: أحمد أمسك عافاك الله وهل يراد من العلم إلا ما وصل إليه معروف.




وقال المعافى بن زكريا الجريري حدثت عن عبد الله بن أحمد بن حنبل أنه قال: قلت: لأبي هل كان مع معروف شيء من العلم فقال: لي يا بني كان معه رأس العلم خشية الله تعالى.

وحكى إسماعيل بن شداد قال: قال لنا سفيان بن عيينة من أين أنتم قلنا من أهل بغداد قال: ما فعل ذلك الحبر الذي فيكم قلنا من هو قال: أبو محفوظ معروف قال: قلنا بخير قال: لا يزال أهل تلك المدينة بخير ما بقي فيهم.

وقال إمامنا أحمد للمروذي إذا أخبرت عن معروف بشيء من أخبار السماء فاقبله.
ومعروف كان أستاذ سري السقطي وصحب معروف داود الطائي، وقال إبراهيم الحربي قبر معروف الترياق المجرب.




وقال عبد الله بن العباس الطيالسي قال: لي ابن أخي معروف قال:
لي عمي معروف إذا كان لك إلى الله حاجة فتوسل إليه بي.





وقال عبد الوهاب الوراق ما رأيت أحداً أخوف لله عز وجل من معروف الكرخي وعن واضحة معرف كلام العبد فيما لا يغنيه خذلان من الله له.

وقال محمد بن منصور مضيت يوماً إلى معروف ثم عدت إليه من غد فرأيت في وجهه أثر شجة فهبت أن أسأله عنها وكان عنده رجل آخر أجرأ عليه مني فقال: يا أبا محفوظ كنا عندك البارحة ومعنا محمد بن منصور فلم نر في وجهك هذا الأثر فقال: له معروف خذ فيما نحن فيه وما تنتفع به فقال: له أسألك بالله فانتفض معروف وقال له ويحك وما حاجتك إلى هذا مضيت البارحة إلى البيت الحرام فصليت ثم عشاء الآخرة ثم صرت إلى زمزم فشربت منه فزلت قدمي فنطح وجهي الباب فهذا الذي تراه من ذلك.

وقال رجل لمعروف أوصني. فقال: توكل على الله، وأكثر ذكر الموت حتى لا يكون لك جليس غيره، واعلم أن الشفاء من البلاء إذا نزل بك: كتمانه، وأن الناس لا ينفعونك ولا يضرونك، ولا يعطونك ولا يمنعونك.

وقال معروف:
إذا كان يوم القيامة أنبت الله عز وجل لأقوام من المؤمنين أجنحة في قبورهم فإذا نفخ في الصور طاروا من قبورهم فصاروا إلى الجنة فتلقاهم الملائكة فيقولون لهم من أنتم فيقولون نحن المؤمنون نحن من أمة محمد نحن من أمة القرآن فيقولون لهم هل رأيتم الصراط فيقولون لا فيقولون هل رأيتم الجمع فيقولون لا فيقولون هل رأيتم الجليل عز وجل فيقولون قد رأينا نوره.
فيقولون لهم ما كانت أعمالكم في الدنيا قالوا عبدناه ولم نرد غيره ولم يعطنا من الدنيا شيئاً نحاسب عليه فيدخلون الجنة قبل الناس بسبعين عاماً.



وكان من دعاء معروف إلهي لا الذي أطاعك استغنى عنك ولا عن فضلك ولا الذي عصاك غلبك ولا استبدل بشيء دونك سيدي كيف لي بالنجاة ولا توجد إلا لديك وكيف لي بالحياة ولا توجد إلا عندك بك عرفتك لا إله إلا أنت جل ثناؤك وتقدست أسماؤك ولا إله غيرك اللهم إني أعوذ بك من طول أمل يمنع خير العمل.

وقال خلف بن هشام البزاز سمعت معروفا يقول كان يقال هذا الدعاء للفقراء وقال خلف للدين شك خلف يقول العبد في السحر خمسا وعشرين مرة لا إله إلا الله الله أكبر كبيراً سبحان الله والحمد لله كثيراً اللهم إني أسألك من فضلك ورحمتك فإنهما بيدك لا يملكهما أحد سواك.


قال وسمعت معروفاً يقول "جاء جبريل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: له النبي صلى الله عليه وسلم يا جبريل علمني دعاء أدعو به فقال: جبريل لأعلمنك دعاء لم أعلمه أحداً قبلك قل اللهم استرني بالعافية في الدنيا والآخرة قال: فعلمها النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه فقالوا يا رسول الله أفلا نقول أللهم أسترنا قال: فقال: النبي صلى الله عليه وسلم ذاك أفضل".


وقال معروف إني لأجد ألم الندم بعد الموت الساعة.

وقال معروف إذا أراد الله بعبد خيرا فتح له باب العمل وأغلق عنه باب الجدل وإذا أراد بعبد شرا فتح له باب الجدل وأغلق عنه باب العمل.

وقال معروف من أدام النظر في المصحف متعه الله ببصره وخفف عن والديه العذاب ولو كانا كافرين.

وقال خليل الصياد هرب ابني فمكث ثلاثة أيام أو أكثر فجعلت أمه تبكي عليه وتقول اخرج خلفه فقلت: ليس يدري أين هو أين أخرج خلفه فجئت إلى معروف فقلت: ابني قد فقدته وأمه تبكي عليه تقول اخرج في طلبه وليس أدري أين هو قال: فجعل يقول اللهم لك ما في السماء وما في الأرض وما بينهما لا يزيد على هذا فانصرفت من عنده فلما بلغت باب البصرة إذا أنا بابني قائم قال: فقلت: محمد فقال: أبتي أين أنا قال: قلت: ببغداد بباب البصرة فقال: الساعة كنت بالأنبار.


وقال معروف من سر أخاه المؤمن خلق الله من ذلك السرور يوم القيامة خلقا فيأخذ بيده حتى يدخله الجنة.

وقال معروف من قال: حين يستيقظ من النوم سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم قال: الله عز وجل لجبريل أقض حاجة عبدي وجبريل هو الموكل بحوائج بني آدم.

وقال أبو ثابت قعدت مرة خلف معروف في مسجد الجامع فلم يزل يقول واغوثاه يا الله فأظنه قالها عشرة آلاف مرة.

قال وكان يقول أوجب الدعاء الاستغاثة يقول الله عز وجل " إذ تستغيثون ربكم فاستجاب لكم " وقال عيسى أخو معروف دخل رجل على معروف في مرضه الذي مات فيه فقال: يا أبا محفوظ أخبرني عن صومك قال: كان عيسى صلى الله عليه وسلم يصوم كذا قال: أخبرني عن صومك قال: كان داود يصوم كذا قال: أخبرني عن صومك قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم يصوم كذا قال: أخبرني عن صومك قال: أما أنا فكنت أصبح دهري كله صائما فإن دعيت إلى طعام أكلت ولم أقل إني صائم.

وقال معروف من قال: الحمد لله رب العالمين خمس مرات نظر إليه الله ومن قال: الحمد لله كثيراً ضحك الله إليه وإذا قال: العبد الحمد لله أبداً قال: الله عز وجل اكتبوها أبداً.

وقال معروف ودع رجل البيت فقال: اللهم لك الحمد عدد عفوك عن خلقك ثم حج من قابل فقالها فسمع صوتاً ما أحصيناها منذ قلتها عام أول.

وقال معروف قال: بكر بن حبيش من قال: اللهم لك الحمد أضعاف ما سبحك جميع خلقك فقد سبح الله تسبيح أهل السماوات والأرض.

وقال معروف ثلاث تعدادهن شكر وتركهن كفر الحمد لله الذي خلقني ولم أك شيئاً والحمد لله الذي علمني ولم أعلم شيئاً والحمد لله الذي رزقني ولم أملك شيئاً.

وقال أسود بن سالم حدثنا معروف قال: بلغني أنه من لعن إماما حرم عدله.

وقال معروف من صلى ست ركعات بعد المغرب غفر له ذنوب أربعين سنة.

وقال معروف من قرأ قل هو الله أحد حين يدخل منزله قضى الله دينه ومن قرأها خمس مرات إذا دخل بيته أغناه الله.

وقال أسود بن سالم حدثني معروف قال:
حدثني أخي الخضر
قلت: له رأيته
قال: فقال: لقد أخبرني أنه أتاك

وقال أسود بن سالم قلت: لمعروف طلبت العلم قال: فقال: لي معروف كيف يخاف الله من لم يعلم كيف يخاف الله من لم يعلم.

وقال معروف من اشترى وباع لو برأس المال بورك فيه كما يبارك في الزرع بماء المطر.
وقال عبد الوهاب الوراق قال: لنا معروف مرة أعظكم بوقف عبد بين يدي الله عز وجل يوم القيامة فيقول له عبدي كيف تركت عيالك قال: أغنياء قال: أما إني قد أفقرتهم بعدك انطلقوا به إلى النار ثم قال: أعظكم يوقف عبد بين يدي الله عز وجل فيقول له كيف تركت عيالك قال: فقراء قال: أما إني قد أغنيتهم بعدك انطلقوا به إلى الجنة.

وقال بعض السادات رأيت فيما يرى النائم معروفا فقلت: يا أبا محفوظ إيش حالك قال: صرت إلى كل خير ولكن خرجت من الدنيا بحسرة خرجت منها وأنا أعزب.

وقال معروف من الإيمان كتمان المصائب.

وقال صدقة المقابري رأيت معروفا في النوم وكأن أهل القبور جلوس وهو يختلف بينهم بالريحان فقلت: يا أبا محفوظ أليس قدمت فقال:


[poet font="Tahoma,5,green,bold,normal" bkcolor="transparent" bkimage="" border="none,4,gray" type=0 line=200% align=center use=ex length=0 char="" num="0,black" filter=""]
موت التقي حياة لا نفـاد لـهـا = قد مات قوم وهم في الناس أحياء
[/poet]








وعن سيدي معروف الكرخي قال ابن الملقن في "طبقات الأولياء" :


معروف بن فيروز الكرخي، أبو محفوظ. أحد السادات، مجاب الدعوة، أستاذ سرى.




و قال أيضاً:




من كلامه: "إذا أراد الله بعبد خير فتح له باب العمل، وأغلق عليه باب الفترة والكسل".
وكان يعاتب نفسه، ويقول: "يا مسكين!، كم تبكى وتندم؟!. أخلص تخلص".
وقال له رجل: "أوصني!"، فقال: "توكل على الله، حتى يكون جليسك وأنيسك وموضع شكواك؛ وأكثر ذكر الموت، حتى لا يكون لك جليساً غيره؛ وأعلم أن الشفاء لما نزل بك كتمانه؛ وأن الناس لا ينفعونك ولا يضرونك، ولا يعطونك ولا يمنعونك".
وقال السرى: "سألت معروفاً عن الطائعين لله، بأي شئ قدروا على الطاعة لله، قال: "بخروج الدنيا من قلوبهم، ولو كانت في قلوبهم ما صحت لهم سجدة".
ومن إنشاداته:


[poet font="Tahoma,5,green,bold,normal" bkcolor="transparent" bkimage="" border="none,4,gray" type=0 line=200% align=center use=ex length=0 char="" num="0,black" filter=""]

الماء يغسل ما بالثوب من درن= وليس يغسل قلب المذنب الماء
[/poet]


ونزل يوماً إلى دجلة يتوضأ ووضع مصحفه وملحفة فجاءت امرأة فأخذهما، فتبعها، وقال: "أنا معروف!، لا بأس عليك!، ألك ولد يقرأ القرآن؟"، قال: "لا!"، قال: "فزوج؟"، قالت: "لا!"، قال: "فهات المصحف، وخذي الملحفة!".
وسمعه بعضهم ينوح عند السحر ويبكى وينشد:


[poet font="Tahoma,5,green,bold,normal" bkcolor="transparent" bkimage="" border="none,4,gray" type=0 line=200% align=center use=ex length=0 char="" num="0,black" filter=""]

أي شيء تريد مني الذنـوب؟!= شغفت بي، فليس عني تتـوب
ما يضر الذنوب لو أعتقتـنـي= رحمة لي، فقد علاني المشيب
[/poet]



وكان قاعداً على دجلة ببغداد إذ مر به أحداث في زورق، يضربون الملاهي ويشربون؛ فقال له أصحابه: ما ترى هؤلاء -في هذا الماء- يعصون! أدع الله عليهم!"، فرفع يديه إلى السماء وقال: "إلهي وسيدي!، كما فرحتهم في الدنيا أسألك أن تفرحهم في الآخرة!" فقال له أصحابه: "إنما قلنا لك: أدع عليهم!"، فقال: "إذا فرحهم في الآخرة تاب عليهم في الدنيا، ولم يضركم شئ".






وأورد اليافعي ذكر سيدي معروف الكرخي في (("مرآة الجنان وعبرة اليقظان في معرفة حوادث الزمان" في ذكر سنة مائتين )) فقال :




وفيها على القول الصحيح توفي الولى الكبير العارف بالله الشهير المجتبي المقرب الترياق المجرب مطلع الأنوار ومنبع الأسرار مظهر الآيات ومقر الكرامات العلية والأحوال السنيه أبو محفوظ معروف الكرخي،من موالي علي بن موسى الرضا
وكان أبواه نصرانيين فأسلماه إلى مؤدب وهو صبي وكان المؤدب يقول له:قل ثالث ثلاثة فيقول معروف:بل هو الله الواحد القهار،فضربه المعلم يوماً على ذلك ضرباً مبرحاً فهرب منه،وكان أبواه يقولان ليته يرجع إلينا على أي دين شاء فنوافقه عليه،ثم إنه أسلم على يدي علي بن موسى الرضا،ورجع إلى أبويه،فدق الباب فقيل له:من بالباب؟فقال:معروف،فقل:على أي دين؟فقال:على الإسلام،فأسلم أبواه،

وكان مشهوراً بإجابة الدعوة،وأهل بغداد يستسقون بقبره،ويقولون:قبر معروف ترياق مجرب.



وكان السري تلميذه،فقال له يوماً:



اذا كانت لك حاجة إلى الله تعالى فأقسم عليه بي.




وأتاه مرة بإنسان إلى دكانه وأمره أن يكسوه فكساه،فقال معروف بغض الله اليك الدنيا،فقام من مجلسه ذلك وقد بغضت إليه الدنيا.وأتت امرأةً إلى معروف في بغداد وهي حزينة على ولد لها صغير ضاع،وقد سألته أن يدعو لها بردة عليها،فقال:اللهم إن السماء سماؤك،والأرض أرضك،وما بينهما لك فاحفظه واردده على أمه،او كما قال في دعائه،فإذا به قد جاء،فقالت له أمه:اين كنت؟فقال:كنت الساعة في باب الأنبار.

وقال السري:رأيت معروفاً في النوم كأنه تحت العرش،والباري جلت قدرته يقول للملائكة:من هذا؟وهم يقولون:انت أعلم يا رب منا،فقال هذا معروف الكرخي،سكر من حبي،فلا يفيق إلا بلقائي.وقال محمد بن الحسين:سمعت أبي يقول:رأيت معروفاً الكرخي في النوم بعد موته،فقلت له:ما فعل الله بك؟فقال:غفر لي،فقلت:بزهدك وورعك؟قال:لا بل بقبول موعظة ابن السماك ولزومي الفقر ومحبتي للفقراء.وكانت موعظة ابن السماك قوله:من أعرض عن الله بكليته أعرض الله عنه جملته ومن أقبل على الله بقلبه أقبل الله برحمته عليه،وأقبل بوجوه الخلق إليه،ومن كان مرة ومرة فالله يرحمه وقتاً ما،قال فوقع كلامه في قلبي وأقبلت على الله تعالى وتركت جميع ما كنت عليه.









[align=center]قبرسيدي معروف الكرخي[/align]





يقول ابن الملقن في "طبقات الأولياء":




"قال أبو عبد الرحمن الزهري: "قبره معروف لقضاء الحوائج. يقال: أنه من قرأ عنده -مائة مرة-: (قل هو الله أحد)، وسأل الله ما يريد، قضى حاجته".
ومثل هذا يذكر عن قبر أشهب، وابن القاسم، صاحبي الأمام مالك. وهما مدفونان في مشهد واحد بقرافة مصر، يقال أن زائرهما، إذا وقف بين القبرين، مستقبلا القبلة، ودعا استجيب له، وقد جرب ذلك.

وقد زرتهما وقرأت عندهما مائة مرة (قل هو الله أحد) ودعوت الله لأمر نزل بي، أرجو زواله فزال.




و يقول أيضاً الخطيب البغدادي في " تاريخ بغداد":



"أخبرنا أبو عبد الرحمن إسماعيل بن أحمد الحيري الضرير قال أنبأنا أبو عبد الرحمن محمد بن الحسين السلمي بنيسابور قال سمعت أبا بكر الرازي يقول سمعت عبد الله بن موسى الطلحي يقول سمعت أحمد بن العباس يقول: خرجت من بغداد فاستقبلني رجل عليه أثر العبادة فقال لي: من أين خرجت؟ قلت: من بغداد هربت منها لما رأيت فيها من الفساد خفت أن يخسف بأهلها فقال: ارجع ولا تخف فإن فيها قبور أربعة من أولياء الله هم حصن لهم من جميع البلايا قلت: من هم؟ قال: ثم الإمام أحمد بن حنبل ومعروف الكرخي وبشر الحافي ومنصور بن عمار فرجعت وزرت القبور ولم أخرج تلك السنة.


أخبرنا إسماعيل بن أحمد الحيري قال أنبأنا محمد بن الحسين السلمي قال سمعت أبا الحسن بن مقسم يقول سمعت أبا علي الصفار يقول سمعت إبراهيم الحربي يقول: قبر معروف الترياق المجرب.

أخبرني أبو إسحاق إبراهيم بن عمر البرمكي قال نبأنا أبو الفضل عبيد الله بن عبد الرحمن بن محمد الزهري قال سمعت أبي يقول: قبر معروف الكرخي مجرب لقضاء الحوائج ويقال: إنه من قرأ عنده مائة مرة "قل هو الله أحد" وسأل الله تعالى ما يريد قضى الله له حاجته.

حدثنا أبو عبد الله محمد بن علي بن عبد الله الصوري قال سمعت أبا الحسين محمد بن أحمد بن جميع يقول سمعت أبا عبد الله بن المحاملي يقول: أعرف قبر معروف الكرخي منذ سبعين سنة ما قصده مهموم إلا فرج الله همه وبالجانب الشرقي مقبرة الخيزران فيها قبر محمد بن إسحاق بن يسار صاحب السيرة وقبر أبي حنيفة النعمان بن ثابت إمام أصحاب.
الرأي أخبرنا القاضي أبو عبد الله الحسين بن علي بن محمد الصيمري قال أنبأنا عمر بن إبراهيم قال نبأنا علي بن ميمون قال: سمعت الشافعي يقول: إني لأتبرك بأبي حنيفة وأجيء إلى قبره في كل يوم يعني زائراً فإذا عرضت لي حاجة صليت ركعتين وجئت إلى قبره وسألت الله تعالى الحاجة عنده فما تبعد عني حتى تقضى ومقبرة عبد الله بن مالك دفن بها خلق كثير من الفقهاء والمحدثين والزهاد والصالحين وتعرف بالمالكية ومقبرة باب البردان فيها أيضاً جماعة من أهل الفضل وعند المصلى المرسوم بصلاة العيد كان قبره يعرف بقبر النذور ويقال إن المدفون فيه رجل من ولد علي بن أبي طالب رضي الله عنه يتبرك الناس بزيارته ويقصده ذو الحاجة منهم لقضاء حاجته"





و عن فضل قبر سيدي معروف الكرخي يقول ابن ابي يعلى في "طبقات الحنابلة":




أنبأنا الوالد السعيد قدس الله روحه قال: أخبرنا على العكبري قال: قرأت على الحسن بن شهاب قال: أخبرنا يحيى الخصيب إجازة حدثنا أبو بكر العسكري أخبرنا الحسن بن خليل بن أحمد المصري حدثنا محمد بن علي البصري الصفار عن بعض الصالحين من أهل عبادان وحلفني أن لا أخبر باسمه أنه قدم إلى بغداد سنة أربعين وثلاثمائة شوقا منه إلى زيارة قبر أحمد بن حنبل وقبر معروف وأنه زار قبر معروف في يوم السبت قال: ففرحت فرحا شديدا لما رأيت من كثرة الناس وجمعهم وإظهار السنة فلما قضيت زيارتي ومضيت من وقتي إلى قبر أحمد لم أصادف عند قبره إلا الواحد بعد الواحد فاغتممت عند ذلك غماً شديداً ثم إني رأيت إنساناً وكأن قلبي أنس إليه دون الجماعة ممن حضر فأطلعته على ما في نفسي من جهة قبر معروف وقبر أحمد بن محمد بن حنبل فقال: إن زيارة هذا القبر يوم الاثنين قال: فرجعت إليه يوم الاثنين فلم أر عند قبره عشر الذي رأيته عند قبر معروف ولقيت ذلك الرجل بعينه فعاودته بسبب الزيارة فقال: إن قبر أحمد بعيد وليس ينشط إليه كل إنسان فكأن قلبي سكن إلى ذلك من كلامه ورجعت سنة إحدى وأربعين وثلاثمائة إلى عبادان فبينما أنا ذات ليلة قائم في وردي لأقضيه إذ حملتني عيناي فنمت وأنا جالس فرأيت رجلاً جميلاً عليه ثياب بيض وحوله جماعة من الشيوخ يعظمونه فقلت: من هذا فقالوا هذا أبو عبد الله أحمد بن حنبل فدنوت منه فسلمت عليه وأردت أن أسأله عن زيارة قبره وقبر معروف فقال: لي يا فلان كأني بك تريد أن تسألني عن زيارة قبري وقبر معروف فقلت: قد كان ذلك يا أبا عبد الله فقال: لي إن أخي معروفا رحمه الله كان أشد الناس بغضاً لليهود عليهم لعنة الله وكان قد ألزم نفسه أن يصلي في كل يوم سبت مائة ركعة يقرأ في كل ركعة عشر مرات " قل هو الله أحد " إلى أن يعلم أن اليهود قد انصرفوا من كنائسهم غيرة لله عز وجل وتعظيما وتنزيها قال: فلذلك نشر الله له هذا العلم الذي رأيت كل سبت ثم قال: يا فلان تعرفه فقلت: لا والله.
قال فالتفت عن يميني فإذا برجل أنضر الناس عليه ثياب بياض فقال: هذا معروف فسلم عليه فسلمت عليه وخلوت به فقال: يا فلان لا اكبر في عينيك لما رأيت من كثرة الزيارة عند قبري ولا يصغر أبو عبد الله في عينيك لما رأيت من قلة الناس عند قبره فإنه ما من يوم وليلة إلا ويدخل الله بركته الجنة مالا يحصى من الناس كثرة ثم سلمت مودعا فقال: لي أحمد قم يرحمك الله لا يفوتك وردك فانتبهت والحمد لله.
ومات معروف سنة مائتين وقيل سنة أربع ومائتين.



وجاء في وفيات الأعيان لابن خلكان في ترجمة "أبو المظفر الوزير عون الدين يحيى بن هبيرة":



وذكر الشيخ شمس الدين أبو المظفر يوسف بن قزغلي بن عبد الله سبط الشيخ جمال الدين أبي الفرج ابن الجوزي في تاريخه الذي سماه " مرآة الزمان " ورأيته في أربعين مجلداً وجميعه بخطه - وكان أبوه قزغلي مملوك عون الدين بن هبيرة المذكور، وزوجه بنت الشيخ جمال الدين أبي الفرج المذكور، فأولدها شمس الدين فولاؤه له - إنه سمع مشايخه ببغداد يحكون أن عون الدين قال: كان سبب ولايتي المخزن أنني ضاق ما بيدي حتى فقدت القوت أياماً، فأشار علي بعض أهلي أن أمضي إلى قبر معروف الكرخي رضي الله عنه، فأسأل الله تعالى عنده، فإن الدعاء عنده مستجاب، قال: فأتيت قبر معروف فصليت عنده ودعوت، ثم خرجت لأقصد البلد، يعني بغداد، فاجتزت بقطفتا - قلت: وهي محلة من محال بغداد - قال: فرأيت مسجداً مهجوراً فدخلت لأصلي فيه ركعتين، وإذا بمريض ملقى على بارية، فقعدت عند رأسه وقلت: ما تشتهي؟ فقال: سفرجلة، قال: فخرجت إلى بقال هناك فرهنت عنده مئزري على سفرجلتين وتفاحة وأتيته بذلك، فأكل من السفرجلة، ثم قال: أغلق باب المسجد، فأغلقته، فتنحى عن البارية وقال: احفر هاهنا، فحفرت وإذا بكوز، فقال خذ هذا فأنت أحق به، فقلت: أما لك وارث؟ فقال: لا، وإنما كان لي أخ وعهدي بعيد وبلغني أنه مات، ونحن من الرصافة، قال: وبينما هو يحدثني إذ قضى نحبه، فغسلته وكفنته ودفنته، ثم أخذت الكوز وفيه مقدار خمسمائة دينار وأتيت إلى دجلة لأعبرها، وإذا بملاح في سفينة عتيقة وعليه ثياب رثة، فقال: معي معي، فنزلت معه، وإذا به من أكثر الناس شبهاً بذلك الرجل، فقلت: من أين أنت؟ فقال: من الرصافة، ولي بنات، وأنا صعلوك، قلت: فما لك أحد؟ قال: لا، كان لي أخ ولي عنه زمان ما أدري ما فعل الله به، فقلت: ابسط حجرك، فبسطه فصببت المال فيه، فبهت، فحدثته الحديث، فسألني أن آخذ نصفه فقلت: لا والله ولا حبة، ثم صعدت إلى دار الخليفة وكتبت رقعة فخرج عليها إشراف المخزن، ثم تدرجت إلى الوزارة."






[align=center]و من الأقوال المأثورة عن سيدي معروف الكرخي(رضي الله عنه) :[/align]

[twh][align=center]"التصوف هو الأخذ بالحقائق، واليأس مما في أيدي الخلائق"[/align][/twh]
















[fot]يا مدد[/fot]

_________________

ما خاب بين الورى يوما ولا عثرت***في حالة السير بالبلوى مطيته
من كان لله رب العرش ملتجأ***ومن تكن برسول الله نصرته


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة:
مشاركة غير مقروءةمرسل: الاثنين ديسمبر 25, 2006 12:35 am 
غير متصل

اشترك في: الجمعة فبراير 27, 2004 11:21 pm
مشاركات: 2119
مكان: مصر
هؤلاء هم الصوفية....



[twh][align=center]سري بن المغلس السقطي
(المتوفى سنة 253هــ)
[/align][/twh]



سري بن المغلس السقطي، ابو الحسن:

من كبار المتصوفة.
بغدادي المولد والوفاة.
وهو من تكلم في بغداد بلسان التوحيد واحوال الصوفية،

وكان امام البغداديين وشيخهم في وقته. وهو خال الجنيد، واستاذه قال الجنيد: ما رأيت أعبد من السري، اتت عليه ثمان وتسعون سنة ما رؤى مضطجعاً الا في علة الموت. من كلامه: (من عجز عن ادب نفسه كان عن ادب غيره اعجز).
(( من كتاب "الأعلام" للزركلي))






وفي ترجمته لسيدي سري السقطي يقول ابن العديم في كتابه "بغية الطلب في تاريخ حلب" في ذكر من اسمه سري


السري بن المغلس السقطي

أبو الحسن البغدادي الصوفي،

كان أحد الأولياء المشهورين بالعبادة، والمعروفين بالورع والزهادة،

وكان أستاذ الجنيد وخاله،

صحب معروفاً الكرخي، وروى عنه، وعن هشيم بن بشير وسفيان بن عيينة، ومروان بن معاوية، وأبي بكر بن عياش، ويحيى بن اليمان، ويزيد بن هارون، ومحمد بن معن الغفاري، وعلي بن غراب، وأبي أسامة حماد بن أسامة، ومحمد بن فضيل الضبي وأحمد بن أبي الحواري، وحبى الجرجاني.

روى عنه ابن أخته الجنيد بن محمد، وابنه إبراهيم بن السري وأبو الحسن أحمد بن محمد النوري، وأبو الفضل العباس بن أحمد المذكّر، وأبو العباس بن مسروق الطوسي وأبو بكر محمد بن خالد بن يزيد الرازي، ومحمد بن ثور الصوفي، ومحمد بن الفضل بن جابر السقطي، وسعيد بن عثمان الحناط، وإبراهيم بن عبد الله بن أيوب المخرمي، وأحمد بن علي بن خلف، وأبو عبد الله محمد بن عبد الله البغدادي تلميذ بشر الحافي، والعباس بن يوسف الشكلي، والحسن بن علي بن شهريار ، وأحمد بن إسحاق، وأبو عثمان سعيد بن عبد العزيز، وعلي بن عبد الحميد الغضائري الحلبيان، وأحمد بن إبراهيم بن عنبر، وعلي بن الحسين بن حرب القاضي، وأبو بكر محمد بن عبد الله الأشناني.

وأقام بطرسوس، وغزا الروم غزوات متعددة، وجال في الثغور والعواصم.

أخبرنا أبو علي بن حسن بن أحمد بن يوسف الأوقي - بالمسجد الأقصى قراءة مني عليه - قال: أخبرنا أبو طاهر أحمد بن محمد السِّلفي الأصبهاني قال: أخبرني أبو بكر أحمد بن علي بن الحسين بن زكريا قال: أخبرنا والدي أبو الحسن علي بن الحسين بن زكريا الطَّريثيثي قال: حدثنا أبو سعد أحمد بن محمد بن عبد الله بن حفص الماليني قال: أخبرنا أبو بكر محمد بن خلف بن محمد بن حيان الفقيه قال: أخبرنا أبو بكر محمد بن عبد الله بن إبراهيم بن ثابت قال: حدثنا السري بن المغلس السقطي قال: حدثنا أبو أسامة عن مسعر عن إبراهيم السكسكي عن عبد الله بن أبي أوفى قال: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم متكئاً على عليٍّ، فإذا أبو بكر وعمر قد أقبلا، فقال: يا أبا الحسن حبَّهما فبحبهما تدخل الجنة


أخبرنا عمي أبو غانم محمد بن هبة الله بن أبي جرداة - قراءة مني عليه - قال: أخبرنا عمر بن علي بن محمد بن حمويه، وأنبأتنا الحرة زينب بنت عبد الرحمن بن الحسن قالا: أخبرنا أبو الفتوح عبد الوهاب بن شاه الشاذياخي، وأخبرنا أبو النجيب إسماعيل بن عثمان القارئ - في كتابه - قال: أخبرنا أبو الأسعد هبة الرحمن بن عبد الواحد بن عبد الكريم بن هوزان القشيري قالا: أخبرنا أبو القاسم عبد الكريم بن هوزان القشيري قال:



ومنهم: يعني من مشايخ الصوفية - أبو الحسن سري بن المغلس السقطي، خال الجنيد وأستاذه، وكان تلميذ معروف الكرخي وكان أوحد أهل زمانه في الورع والأحوال السنية وعلوم التوحيد.


أخبرنا أبو الحسن المؤيد بن علي الطوسي - في كتابه إلينا من نيسابور - قال: أخبرنا أبو الأسعد هبة الرحمن بن عبد الواحد بن عبد الكريم القشيري قال: أخبرنا أبو صالح أحمد بن عبد الملك المؤذن قال:


ومنهم - يعني من مشايخ الصوفية من القرن الأول، والطبقة العليا - سري بن المغلس السقطي،


إمام البغداديين، أبو الحسن صحب معروفاً الكرخي، وكان خال الجنيد وأستاذه، وهو أول من تكلم ببغداد على لسان التوحيد، مات سنة إحدى وخمسين وقيل ثلاث وخمسين.

أخبرنا أبو الفضل أحمد بن الحسن في كتابه قال أخبرنا عمي الحافظ أبو القاسم علي بن الحسن قال:
السري بن المغلس أبو الحسن السقطي البغدادي


الصوفي


أحد الزهاد الأتقياء العباد، قدم دمشق، وحدث عن مروان بن معاوية، ويحيى بن اليمان ومحمد بن معن الغفاري، ويزيد بن هارون وسفيان بن عيينة و وهشيم ومحمد بن فضيل الضبي وأبي أسامة حماد بن أسامة الكوفي.

حكى عنه ابنه إبراهيم بن السري، وأبو الفضل العباس بن أحمد القرشي المذكر، وأبو بكر محمد بن خالد بن يزيد الرازي، والجنيد بن محمد، ومحمد بن ثور الصوفي وسعيد بن عثمان الحناط، وأحمد بن إسحاق، ومحمد بن الفضل بن جابر السقطي والعباس بن يوسف الشكلي، وأحمد بن علي بن خلف، والحسن ابن علي بن شهريار، وأبو عبد الله محمد بن عبد الله البغدادي تلميذ بشر الحافي


أخبرنا أبو هاشم عبد المطلب بن الفضل - قراءة مني عليه - قال: أخبرنا أبو شجاع عمر بن أبي الحسن البسطامي قال أخبرنا أبو سعد بن أبي صادق قال: أخبرنا أبو عبد الله بن باكُوي قال: حدثنا أبو العباس محمد بن الحسن الخشاب قال: حدثنا جعفر الخلدي قال: حدثني ابن مذار الضراب قال:
قال سري:
اعتللت بطرسوس علة قيام، فعادني ناس من الفقراء، فجلسوا وأطالوا الجلوس، فقلت لهم: ابسطوا أيديكم حتى ندعو، فبسطوا وبسطت
فقلت: اللهم علمنا كيف نعود المرضى، ومسحت يدي على وجهي، فعلموا أنهم قد أطالوا الجلوس، فقاموا وانصرفوا.



أنبأنا أبو الحجاج يوسف خليل قال أخبرنا...
قال: أخبرنا أبو علي الحداد قال: أخبرنا أبو نعيم الحافظ قال: سمعت أبا علي الحسن البزاز يقول:
سألت أبا عبد الله أحمد بن حنبل عن السري بعد قدومه من الثغر
فقال أبو عبد الله: أليس الشيخ يعرف بطيب الغذاء؟

قلت: بلى

قال: هو على ستره عندنا قبل أن يخرج،

وكان السري يكثر من ذكر طيب الغذاء وتصفية القوت، وشدة الورع حتى انتشر ذلك عنه، وبلغ ذلك أحمد بن حنبل، فقال: الشيخ الذي يعرف بطيب الغذاء.







و يقول ابن خلكان في وفيات الأعيان:





سري السقطي
أبو الحسن سري بن المغلس السقطي


أحد رجال الطريقة وأرباب الحقيقة؛


كان أوحد زمانه في الورع وعلوم التوحيد، وهو خال أبي القاسم الجنيد وأستاذه، وكان تلميذ معروف الكرخي، يقال: إنه كان في دكانه، فجاءه معروف يوماً ومعه صبي يتيم، فقال له: اكس هذا اليتيم، قال سري: فكسوته، ففرح به معروف، وقال: بغض الله إليك الدنيا وأراحك مما أنت فيه؛ فقمت من الدكان وليس شيء أبغض إلي من الدنيا. وكل ما أنا فيه من بركات معروف.

ويحكى أنه قال: منذ ثلاثين سنة أنا في الاستغفار من قولي مرة "الحمد لله"! قيل له: وكيف ذلك؟ فقال: وقع ببغداد حريق فاستقبلني واحد وقال: نجا حانوتك، فقلت: الحمد لله، فأنا نادم من ذلك الوقت على ما قلت، حيث أردت لنفسي خيراً من الناس.
وحكى أبو القاسم الجندي قال: دخلت يوماً على خالي سري السقطي وهو يبكي، فقلت: ما يبكيك؟ قال: جاءتني البارحة الصبية فقالت: يا أبت، هذه ليلة حارة، وهذا الكوز أعلقه هاهنا، ثم إنه حملتني عيناي فنمت فرأيت جارية من أحسن خلق الله قد نزلت من السماء، فقلت: لمن أنت؟ قالت: لمن لا يشرب الماء المبرد في الكيزان، وتناولت الكوز فضربت به الأرض، قال الجنيد: فرأيت الخزف المكسور لم يرفعه، حتى عفى عليه التراب.
قال عبد الله بن شاكر، قال سري: صليت وردي ليلة، ومددت رجلي في المحراب فنوديت: يا سري، هكذا تجالس الملوك؟ قال: فضممت رجلي، ثم قلت: وعزتك لا مددت رجلي أبداً. قال الجنيد: أتت عليه ثمان وتسعون سنة ما رئي مضطجعاً إلا في علة الموت.

ويحكى عن الجنيد أنه قال: سألني السري يوماً عن المحبة، فقلت: قال قوم: هي الموافقة، وقال قوم: هي الإيثار، وقال قوم: كذا وكذا، فأخذ السري جلدة ذراعه ومدها فلم تمتد، ثم قال: وعزته لو قلت إن هذه الجلدة يبست على هذا العظم من محته لصدقت.

قال الجنيد: وسمعته يقول: أريد أن آكل أكلة ليس لله علي فيها تبعة ولا لمخلوق فيها منة فلم أجد، فأتاني حي الجرجاني فدق علي باب الغرفة فخرجت إليه فقال لي: يا سري، ملحك مدقوق؟ فقلت: نعم، قال: لا تفلح، ثم قال: لولا أن الله عز وجل عقم الآذان عن فهم القرآن ما زرع الزارع، ولا تجر التاجر، ولا تلاه الناس في الطرقات، ثم مضى فأتعبني وأبكاني.

وحكى الجنيد أيضاً عن سري قال: كنت في طلب صديق ثلاثين سنة، فلم أظفر به، فمررت في بعض الجبال بأقوام مرضى وزمنى وعمي وبكم، فسألتهم عن مقامهم في ذلك الموضع، فقالوا: في هذا الكهف رجل يمسح بيده عليهم فيبرءون بإذن الله تعالى وبركة دعائه، فوقفت أنتظر معهم، فخرج شيخ عليه جبة صوف، فلمسهم ودعا لهم، فكانوا يبرءون من عللهم بمشيئة الله عز وجل، قال: فأخذت بذيله، فقال: خل عني يا سري لا يراك تأنس بغيره فتسقط من عينه.




قال سري:

المتصوف اسم لثلاثة معان، وهو الذي لا يطفئ نور معرفته نور ورعه، ولا يتكلم بباطن في علم ينقضه عليه ظاهر الكتاب، ولا تحمله ا لكرامات على هتك محارم الله تعالى.







ومما ذكر في ترجمته لسيدي سري السقطي يقول ابن منظور في مختصر تاريخ دمشق :


السري بن المغلس أبو الحسن البغدادي

السقطي


الصوفي


أحد الزهاد. قدم دمشق.
حدث عن علي بن غراب عن هشام بن عروة عن أبيه قال: أخبرني أبي قال

لما اشتكى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: مروا أبا بكر فليصل بالناس. قال: فصلى بهم، فوجد رسول الله صلى الله عليه وسلم خفةً فخرج، فلما رآه أبو بكر ذهب يتأخر، فأشار إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم ذهب النبي صلى الله عليه وسلم، حتى جلس إلى جنب أبي بكر، فكان أبو بكر يصلي بصلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم والناس يصلون بصلاة أبي بكر، أبو بكر قائمٌ ورسول الله صلى الله عليه وسلم قاعدٌ.

وحدث السري عن مروان بن معاوية بسنده عن عبد الله بن أبي أوفى قال: كنا جلوساً عند النبي صلى الله عليه وسلم فقال:" لا يجالسني اليوم قاطع رحمٍ". فقام فتًى من الحلقة فأتى خالةً له قد كان بينهما بعض الشيء، فاستغفر لها واستغفرت له، ثم عاد إلى المجلس فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" إن الرحمة لا تنزل على قوم بينهم قاطع رحم".

وحدث سري بسنده عن الحسن أنه سمعه يقول: ابن آدم، إنك لو تجد حقيقة الإيمان ما كنت تعيب الناس بعيبٍ هو فيك حتى تبدأ بذلك العيب من نفسك فتصلحه، فلا تصلح عيباً إلا ترى عيباً آخر، فيكون شغلك في خاصة نفسك، وذلك أحب ما يكون إلى الله إذا كنت كذلك.
وعن سري السقطي: أنه مرت به جارية معها إناء فيه شيءٌ، فسقط من يدها فانكسر، فأخذ سريٌّ شيئاً من دكانه فدفعه إليها بدل ذلك الإناء، فنظر إليه معروف الكرخي فأعجبه ما صنع، فقال له معروف: بغض الله إليك الدنيا.


وكان سري خالد الجنيد وأستاذه، وكان تلميذ معروف الكرخي، وكان أوحد زمانه في الورع والأحوال السنية وعلوم التوحيد. وكان السري به أدمة.


قال سري السقطي: هذا الذي أنا فيه من بركات معروف: انصرفت من صلاة العيد فرأيت مع معروف صبياً شعثاً، فقلت: من هذا؟ فقال: رأيت الصبيان يلعبون وهذا واقف منكسرٌ، فسألته لم لا تلعب؟ قال: أنا يتيم. قال سري: فقلت له: ما ترى أنك تعمل به؟ فقال: لعلي أخلو فأجمع له نوىً يشتري به جوزاً يفرح به. فقلت له: أعطنيه أغير من حاله. فقال لي: أو تفعل؟ فقلت: نعم، فقال لي: خذه أغنى الله قلبك. فسويت الدنيا عندي أقل من كذا.
وفي حديث آخر بمعناه: فقال: اكس هذا اليتيم. قال سري: فكسوته، ففرح به معروف وقال: بغض الله إليك الدنيا وأراحك مما أنت فيه. فقمت من الحانوت وليس شيء أبغض إلي من الدنيا.


قال السري: التوبة على أربع دعائم: استغفار باللسان، وندم القلب، وترك بالجوارح، وإضمار أن لا يعود فيه.

قال الجنيد: سمعت الحسن البزاز يقول: كان أحمد بن حنبل ههنا، وكان بشر بن الحارث ههنا، وكنا نرجو أن يحفظنا الله بهما، ثم إنهما ماتا وبقي السري، وإني أرجو أن يحفظنا الله بالسري.

كان أبو حمدون المقرىء يقول: رجلٌ يعيد صلاةً أربعين سنة يتكلم فيه؟! يعني سري بن مغلس.
قال الجنيد: كان السري يقول لنا ونحن حوله: أنا لكم عبرة يا معشر الشباب، اعملوا، فإنما العمل في الشبيبة.
قال سري السقطي: لا يقوى على ترك الشهوات إلا بترك الشهوات.
قال الجنيد: سمعت السري يقول: إن نفسي تطالبني منذ ثلاثين أو أربعين سنة أو أغمس جزرة في دبس فما أطعمتها. وفي حديث بمعناه: وآكلها فما تصح لي.
وقال: أشتهي بقلاً منذ ثلاثين سنة ما أقدر عليه.
وقال: إني لاشتهي الحندقوق منذ ست عشرة سنة والهندباء بخلٍّ منذ ثمان عشرة سنة، وإني لأعجب ممن يتسع كيف يطلق له الاتساع، وهذا عبد الواحد بن زيد يقول: الملح بشبارجات، وإن بلية أبيكم آدم لقمةٌ، وهي أخرجته من الجنة، وهي بليتكم إلى أن تقوم الساعة.
قال سري السقطي: أتاني حسين الجرجاني إلى عبادان فدق علي باب الغرفة التي كنت فيها فخرجت إليه فقال لي: سري؟ فقلت: سري. فقال لي: ملحك مدقوقة؟ قلت: نعم، قال: لا تفلح. ثم قال: سري، لولا أن الله تعالى عقم الآذان عن فهم القرآن ما زرع الزارع، ولا تجر التاجر، ولا تلاقى الناس في الطرقات، ثم مضى فأتعبني وأبكاني.
قال الجنيد بن محمد: ذكر السري بن مغلس يوماً، وأنا أسمعه، السواد فكرهه يعني كره الأكل من السواد أو أن يملك فيها أحد وكان يشدد في ذلك ولا يأكل من بقل السواد، ولا من ثمره. ولا من شيء يعلم أنه منه، ما أمكنه، فرأيت رجلاً يوماً وقد أهدى إليه خرنوباً وقثاء برياً حمله له من أرض الجزيرة فقبله منه. ورأيته قد سر به، وكان يشدد في الورع


وكان سري يقول: أحب أن آكل أكلة ليس لله علي فيها تبعةٌ، ولا لمخلوق علي فيها منة، فما أجد إلى تلك سبيلاً.
قال ابن أبي الورد: دخلت علي سري السقطي وهو يبكي ودورقه مكسورٌ، فقلت له: ما بالك؟ قال: انكسر الدورق، فقلت: أنا أشتري لك بدله. فقال لي: تشتري بدله! وأنا أعرف من أين الدانق الذي اشتري به الدورق، ومن أين طينه، وإيش أكل عامله حتى فرغ من عمله؟ قال السري: رجعت مرة من بعض المغازي فرأيت في طريقي قفيزاً مملوءاً ماءً صافياً وحوله عشب من حشيش، فدنوت فقلت في نفسي: يا سري، إن كنت يوماً أكلت أكلة حلالٍ وشربت شربة حلالٍ فاليوم. فنزلت عن دابتي فأكلت من ذلك الحشيش، وشربت من ذلك الماء، فهتف بي هاتف، سمعت الصوت، ولم أر الشخص: يا سري بن المغلس، فالنفقة التي بلغتك إلى ههنا من أين هي!؟ وفي حديث آخر: فعلمت أني في لا شيء.
قال سري بن المغلس: اتصل من اتصل بالله أربعة، وانقطع من انقطع عن الله بخصلتين، فأما الأربع التي اتصل بها المتصلون فلزوم الباب، والتشمير في الخدمة، والنظر في الكسرة، وصيانات الكرامات إذا وهب لك شيئاً لا يحب أن يطلع عليه غيره. وأما الخصلتان اللتان انقطع بهما المنقطعون فتخط إلى نافلة بتضييع الفريضة، والثانية عمل بظاهر الجوارح ولم يعط عليه صدق القلوب.
قال سري بن مغلس: أربع من أعطيهن فقد أعطي خير الدنيا والآخرة: صدق الحديث، وحفظ الأمانة، وعفاف الطعمة، وحسن الخليقة.
قال سري: خمس من أخلاق الزهاد: الشكر على الحلال، والصبر عن الحرام، ولا يبالي متى مات، ولا يبالي من أكل الدنيا، ويكون الفقر والغنى عنده سواء.
قال السري: كل الدنيا فضول إلا خمس: خبز يشبعه وماء يرويه، وثوب يستره، وبيت يكنه، وعلم يستعمله.
قال أبو العباس السراج: سألت إبراهيم بن السري السقطي: كيف كان يأكل من مالكم؟ قال: كان يقول: آكل من مالكم بقدر ما يحل لي من الميتة.
قال السري: منذ ثلاثين سنة أنا في الاستغفار عن قولي: الحمد لله، مرة. قيل: وكيف ذلك؟ قال: وقع ببغداد حريق، فاستقبلني واحد فقال لي: نجا حانوتك. فقلت: الحمد لله. فمنذ ثلاثين سنة أنا نادم على ما قلت حيث أردت لنفسي خيراً مما للمسلمين.
قال الجنيد: سمعت السري يقول: أعرف طريقاً مختصراً قصداً إلى الجنة، فقلت له: ما هو؟ فقال: لا تسأل من أحد شيئاً. ولا تأخذ من أحد شيئاً، ولا يكون معك شيء تعطي أحداً.
قال: وسمعته يقول: إني لأعراف طريقاً يؤدي إلى الجنة قصداً. فقيل له: ما هو يا أبا الحسن؟ قال: أن تشتغل بالعبادة، وتقبل عليها وحدها فلا يكون فيك فضل.
قال الجنيد: سمعت بعض المؤمنين يقول يعني سرياً: ما بدت لي من الدنيا زهرةٌ إلا جددت لي من الدنيا عزوفاً.
قال سري السقطي لإبراهيم البنا: يا بنا، ليس من زهد في الدنيا تقذراً مثل من زهد في الدنيا تصبراً.
كان السري يقول: لولا الجمعة والجماعات لطينت علي الباب.
قال سري السقطي: إني أذكر مجيء الناس إلي فأقول: اللهم هب لهم من العلم ما يشغلهم عني، فإني لا أريد مجيئهم أن يدخلوا علي.
قال سري: من أراد أن يسلم دينه، ويستريح قلبه وبدنه، ويقل غمه فليعتزل الناس، لأن هذا زمان عزلة ووحدةٍ. وقال مرة أخرى: فإن هذا زمان وحشةٍ. والعاقل من اختار فيه الوحدة.
قال الجنيد: سمعت السري السقطي يقول: اجتهد في الخمول فإن أحوالك تشهرك بين أوليائه إذا صح مقامك فيها.
قال الجنيد: سمعت سري السقطي يقول، وسئل عن التصوف فقال: الإعراض عن الخلق، وترك الاعتراض على الحق.
قال الجنيد: ما رأيت أعبد لله من السري السقطي، أتت عليه ثمان وتسعون سنة ما رؤي مضطجعاً إلا في علة الموت.
قال سري: استأذن علي رجلٌ فأذنت له، فجاء فوقف بباب الغرفة قائماً ينظر، وفي زاوية الغرفة محبرة، قال: فقلت له: ادخل. قال: فقال: لا جزى الله من غرني فيك خيراً. قال: فقلت له: ويحك! ولم؟ قال: ما تلك الموضوع في تلك الزاوية؟ ثم انصرف وتركني.
وفي حديث آخر بمعناه: قال: محبرة!؟ إنما ذه في بيوت البطالين.
قال السري: اليقين أن لا تهتم لرزقك الذي قد كفيته وتغفل عن عملك الذي قد أمرت به، فإن اليقين يسوق إليك الرزق سوقاً.
قال الجنيد: سمعت السري يقول:

قال الجنيد: سألني السري يوماً عن المحبة فقلت: قال قومٌ: هي الموافقة. وقال قوم: الإيثار. وقال قوم: كذا وكذا. فأخذ السري جلدة ذراعه ومدها، فلم تمتد، ثم قال: وعزته لو قلت إن هذه الجلدة يبست على هذا العظم من محبته لصدقت، ثم غشي عليه، فدار وجهه كأنه قمر مشرق.

قال الجنيد: كنت يوماً عند السري، وكنا جالسين، وهو متزرٌ بمئزرٍ، فنظرت إلى جسده كأنه جسد سقيمٍ دنفٌ مضنى كأجهد ما يكون، فقال: انظر إلى جسدي هذا! لو شئت أن أقول: إن ما بي هذا من المحبة كان كما أقول. وكان وجهه أصفر، ثم أشرق حمرةً حتى تورد، ثم اعتل، فدخلت عليه أعوده، فقلت له: كيف تجدك؟ فقال: من الخفيف

[poet font="Tahoma,5,green,bold,normal" bkcolor="transparent" bkimage="" border="none,4,gray" type=0 line=350% align=center use=ex length=0 char="" num="0,black" filter=""]
كيف أشكو إلى طبيبي ما بي= والذي بي أصابني من طبيبي
[/poet]

فأخذت المروحة أروحه، فقال لي: كيف يجد روح المروحة من جوفه يحترق من داخل؟ ثم أنشأ يقول: من البسيط

[poet font="Tahoma,5,green,bold,normal" bkcolor="transparent" bkimage="" border="none,4,gray" type=0 line=350% align=center use=ex length=0 char="" num="0,black" filter=""]
القلب محترقٌ والدمع مستـبـق= والكرب مجتمعٌ والصبر مفترق
كيف القرار على من لا قرار له= مما جناه الهوى والعشق والقلق
يا رب إن كان شيءٌ فيه لي فرجٌ= فامنن علي به ما دام بي رمـق
[/poet]


قال الجنيد: قال لي ليلة السري بين المغرب وعشاء الآخرة: احفظ عني هذا الكلام. ثم قال: الشوق والوله يترفرفان على القلب، فإن وجدا فيه الحياء والأنس أوطنا، وإلا رحلا. احفظ هذا الكلام يا غلام لئلا يضيع.
وقال في حديث آخر: احفظ عني يا غلام، إن المعرفة ترفرف على القلب، فإن كان فيه الحياء، وإلا رحلت.
قال الجنيد: دخلت على سري السقطي رحمه الله في يوم صائف، فإذا الكوز الذي يشرب به في الشمس! فقلت: يا سيدي، الكوز في الشمس. قال: صدقت يا أبا القاسم، في الفيء كان، فجاءت الشمس إليه، فدعتني نفسي إلى أن أنقله إلى الفيء، فاستحييت من الحق تعالى أن أخطو خطوة يكون لنفسي فيها راحة.




و يقول أيضاُ ابن منظور :




قال سري: الشكر نعمةٌ، والشكر على النعمة نعمة إلى أن لا يتناهى الشكر.
وقال: الشكر على ثلاثة أوجه: شكر اللسان، وشكر البدن، وشكر القلب. فشكر القلب أن يعلم أن النعم كلها من الله عز وجل، وشكر البدن أن لا يستعمل جوارحه إلا في طاعته بعد أن عافاه الله، وشكر اللسان دوام الحمد عليه.
وقال سري: سمعت كلمة انتفعت بها منذ خمسين سنة، كنت أطوف بالبيت بمكة، فإذا رجل جالس تحت الميزاب وحوله جماعة، فسمعته يقول لهم: أيها الناس، من علم ما طلب هان عليه ما بذل.





سئل سري السقطي عن التصوف فقال: هو اسم لثلاثة معان، وهو الذي لا يطفىء نور معرفته نور ورعه، ولا يتكلم بباطن من علم ينقضه عليه ظاهر الكتاب، ولا تحمله الكرامات من الله على هتك أستار محارم الله.




وقال سري: احذر أن يكون لك ثناءٌ منشور وعيب مستور.
وقال: الخوف أفضل من الرجاء ما دام الرجل صحيحاً، فإذا نزل به الموت فالرجاء أفضل من الخوف. فقال له الرجل: كيف يا أبا الحسن؟ قال: لأنه إذا كان في صحته كيساً عظم رجاؤه عند الموت وحسن ظنه بربه، وإذا كان في صحته مسيئاً ساء ظنه عند الموت ولم يعظم رجاؤه.





وعن وفاته يقول ابن منظور :





مات سري سنة إحدى وخمسين ومئتين، وقيل: سنة ثلاث وخمسين، وقيل: سنة سبع وخمسين، ودفن في مقبرة الشونيزي. وقبره ظاهر معروف وإلى جنبه قبر الجنيد.


قال أبو عبيد بن حربويه: حضرت جنازة السري السقطي فسررت.
فحدثنا رجل عن آخر أنه حضر جنازة سري السقطي.
فلما كان في بعض الليالي رآه في النوم
فقال: ما فعل الله بك؟
قال: غفر لي ولمن حضر جنازتي وصلى علي.
فقلت: فإني في من حضر جنازتك وصلى عليك.
قال: فأخرج درجاً فنظر فيه فلم ير لي فيه اسماً،
فقلت: بلى قد حضرت.


قال: فنظر فإذا اسمي في الحاشية.





وعن وفاته (رضي الله عنه) يقول ابن خلكان في وفيات الأعيان:






وكانت وفاته سنة إحدى وخمسين، وقيل يوم الأربعاء لست خلون من شهر رمضان بعد الفجر سنة ست وخمسين، وقيل سبع وخمسين ومائتين ببغداد، ودفن بالشونيزية. وقال الخطيب في "تاريخ بغداد": مقبرة الشونيزي وراء المحلة المعروفة بالتوثة بالقرب من نهر عيسى بن علي الهاشمي، وسمعت بعض شيوخنا يقول: مقابر قريش كانت قديماً تعرف بمقبرة الشونيزي الصغير، والمقبرة التي وراء التوثة تعرف بمقبرة الشونيزي الكبير، وكانا أخوين يقال لكل واحد منهما "الشونيزي" ودفن كل واحد منهما في إحدى هاتين المقبرتين ونسبت المقبرة إليه، والله أعلم.
وقبره ظاهر معروف، وإلى جنبه قبر الجنيد، رضي الله عنهما.
والمغلس: بضم الميم وفتح الغين المعجمة وكسر اللام المشددة وبعدها سين مهملة.
وكان سري كثيراً ما ينشد:


[poet font="Tahoma,5,green,bold,normal" bkcolor="transparent" bkimage="" border="none,4,gray" type=0 line=350% align=center use=ex length=0 char="" num="0,black" filter=""]
إذا ما شكوت الحب قالت كذبتنـي= فما لي أرى الأعضاء منك كواسيا
فلا حب حتى يلصق الجلد بالحشا= وتذهل حتى لا تجيب المـنـاديا
[/poet]













[fot]يا مدد[/fot]

_________________

ما خاب بين الورى يوما ولا عثرت***في حالة السير بالبلوى مطيته
من كان لله رب العرش ملتجأ***ومن تكن برسول الله نصرته


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة:
مشاركة غير مقروءةمرسل: الاثنين يناير 08, 2007 4:10 pm 
غير متصل

اشترك في: الجمعة فبراير 27, 2004 11:21 pm
مشاركات: 2119
مكان: مصر
هؤلاء هم الصوفية...

[twh][align=center]
بشرالحافي
(المتوفى سنة 227 هــ)
[/align][/twh]



بشر بن الحرث بن عبد الرحمن بن عطاء ابن هلال بن ماهان الرازي أبو نصر

المعروف بالحافي


الصوفي

أحد رجال الطريقة


ولد سنة 150 وتوفي ببغداد سنة 227 سبع وعشرين ومائتين صنف كتاب الزهد.


((هدية العارفين " للباباني))







و يقول ابن خلكان في "وفيات الأعيان":


بشرالحافي

أبو نصر بشر بن الحارث بن عبد الرحمن بن عطاء بن هلال بن ماهان بن عبد الله، وكان اسم عبد الله بعبور،

وأسلم على يد علي أبي طالب رضي الله عنه،

المروزي المعروف بالحافي،


أحد رجال الطريقة رضي الله عنهم؛

كان من كبار الصالحين،

وأعيان الأتقياء المتورعين،

أصله من مرو من قرية من قراها يقال لها مابرسام، وسكن بغداد، وكان من أولاد الرؤساء والكتاب.


وإنما لقب بالحافي لأنه جاء إلى إسكاف يطلب منه شسعاً لإحدى نعليه، وكان قد انقطع، فقال الإسكاف: ما أكثر كلفتكم على الناس! فألقى النعل من يده والأخرى من رجله، وحلف لا يلبس نعلاً بعدها."





ومما جاء عنه في "الرسالة القشيرية " للإمام القشيري (( باب أصول المشايخ)):

بشر بن الحارث الحافي
أبو نصر بشر بن الحارث الحافي أصله من مرو وسكن بغداد، ومات به، وهو ابن أخت عليٍّ بن خشرم. مات سنة سبع وعشرين ومائتين. وكان كبير الشأن.

وكان سبب توبته: أنه أصاب في الطريق كاغدة مكتوباً فيها أسم الله رجلَ قد وطئتها الأقدامُ، فأخذها واشترى بدورهم كان معه غالية، فطيِّب بها الكاغدة، وجعلها في شق حائط فرأى فيها التأ كأن قائلاً يقول له: يا بشر، طيَّبت اسمى، لأطيبنَّ في الدنيا والآخرة.

سمعت الأستاذ أبا علي الدقاق، رحمه الله، يقول: مرَّ بشر ببعض الناس، فقالوا: هذا الرجل لا ينام الليل كلَّه، ولا يفطر إلا في كل ثلاثة أيام مرة؛ فبكى بشر، فقيل له في ذلك فقال: إني لا أذكر أني سهرت ليلة كاملة، ولا أني صمت يوماً لم أفطر من ليلته، ولكن الله سبحانه وتعالى يلقي في القلوب أكثرً مما يفعله العبد لطفاً منه، سبحانه، وكرماً.. ثم ذكر إبتداء أَمره: كيف كان علي ما ذكرناه.




سمعت الشيخ أبا عبد الرحمن السلمي، يقول: سمعت محمد بن عبد الله الرازي يقول: سمعت عبد الرحمن بن أبي حاتم يقول: بلغني أن بشر بن الحارث الحافي قال: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم في المنام، فقال لي: يا بشر، أتدري لم رفعك الله من بين أقرانك؟ قلت: لا، يا رسول الله.

قال: باتِّباعك لسنَّتي، وخدمتك للصالحين، ونصيحتك لا خوانك، ومحبتك لأصحابي، وأهل بيتي: وهو الذي بلَّغك منازل الأبرار.

سمعت محمد بن الحسين، رحمه الله، يقول: سمعت محمد بن عبد الله الرازي يقول: سمعت بلالا الخواص يقول: كنت في تيه بني إسرائيل، فإذا رجل يماشيني، فتعجبت منه، ثم أُلهمت أنه الخضر عليه السلام،فقلت له: بحقِّ الحقِّ من أنت؟ فقال: أخوك الخضر؛ فقلت له: أُريد أن أسألك، فقال: سل. فقلت: ما تقول في الشافعي رحمه الله؟ فقال: هو من الأوتاد.
فقلت: ما تقول في أحمد بن حنبل رضي الله عنه؟ قال رجل صدِّيق.
قال: فما تقول في بشر بن الحارث الحافي؟ قال: لم يخلق بعده مثله.




سمعت الأستاذ أبا علي الدقاق، رحمه الله تعالى، يقول: أتى بشر الحافي باب المعافي بن عمران، فدقَّ الحافي عليه الباب، فقيل: من؟ فقال: بشر الحافي.

فقالت لهُ بنيةٌ من داخل الدار: لو اشتريت لك نعلا بدانقين لذهب عنك اسم الحافي.


وسمعت محمد بن الحسين يقول: سمعت أبا الفضل العطَّار يقول: سمعت أحمد بن علي الدمشقي يقول: قال لي أبو عبد الله بن الجلاء: رأيت ذا النون، وكانت له العبارة، ورأيت سهلاً، وكانت له الإشارة، ورأيت بشر بن الحارث، وكان له الورع.
فقيل له: فإلى من كنت تميل؟ فقال: لبشر بن الحارث أستاذنا.


وقيل لبشر: بأيِّ شيء تأكل الخبز؟ فقال أَذكر العافية وأجعلها إداماً.

.



و مما جاء في كتاب "حلية الأولياء" لأبي نعيم الأصبهاني:



حدثنا أحمد بن محمد بن مقسم، حدثنا عثمان بن أحمد الدقاق، حدثنا الحسن بن عمرو السبيعي، قال:
سمعت بشر بن الحارث يقول: لا تكون كاملا حتى يأمنك عدوك، وكيف تكون خيرا وصديقك لا يأمنك،
قال:
وسمعت بشرا يقول: بي داء ما لم أعالج نفسي لا أتفرغ لغيري، فإذا عالجت نفسي تفرغت لغيري، بموضع الداء وموضع الدواء إن أعانني منه بمعونة، ثم قال: أنتم الداء، أرى وجوه قوم لا يخافون الله متهاونين بأمر الآخرة.

حدثنا أبو عبد الله محمد بن أحمد بن إبراهيم، حدثنا عثمان بن أحمد، حدثنا الحسن بن عمرو السبيعي،قال:
سمعت بشر بن الحارث يقول: لا يجد العبد حلاوة العبادة حتى يجعل بينه وبين الشهوات حائطا من حديد.
قال
وسمعت بشرا يقول: الدعاء كفارة الذنوب.

حدثنا محمد بن الحسين بن موسى في كتابه حدثنا محمد بن الحسن بن الحساب، حدثنا أحمد بن محمد بن صالح، حدثنا محمد بن عبدون، حدثنا حسن المسوحي، قال: رآني بشر بن الحارث يوما وأنا أرتعد من البرد فنظر إلي، فقال:

[poet font="Tahoma,5,green,bold,normal" bkcolor="transparent" bkimage="" border="none,4,gray" type=0 line=350% align=center use=ex length=0 char="" num="0,black" filter=""]

قطع الليالي مع الأيام في حـلـق= والنوم تحت رواق الهم والقـلـق
احرى واعذرني من أن يقال غـدا= إني التمست الغنى من كف مختلق
قالوا رضيت بذا قلت القنوع غنـى= ليس الغنى كثرة الأموال والـورق
رضيت بالله في عسرى وفى يسرى= فلست أسلك إلا واضح الـطـرق
[/poet]
حدثنا أحمد بن محمد بن مقسم، حدثنا ابن مخلد، حدثنا محمد بن المثنى، قال:
سمعت بشر بن الحارث يقول: قال جعفر بن برقان: قال ميمرن بن مهران: يا جعفر ما يصلح الرجل أخاه حتى يقول له في وجهه ما يكره.


حدثنا ابن مقسم، حدثنا ابن مخلد، حدثنا الحسين بن عبد الرحمن، حدثني الأنصارى، قال:
سمعت بشرا يقول: ابن آدم سبع، وذلك أن السبع يأكل اللحم وإنما يكفيك تحركه؟

اخبرني جعفر بن محمد بن نصير الخواص في كتابه حدثني عنه أبو الحسن بن مقسم، قال: سمعت البراثي، يقول:
سمعت بشر بن الحارث يقول: لو سقطت قلنسوة من السماء ما سقطت إلا على رأس من لا يريدها.

حدثنا أبو الحسن بن مقسم، حدثني عمر بن الحسن القاضي، حدثنا عبد الله بن محمد بن عبيد، حدثني الحسين بن عبد الرحمن، قال: سمعت بشر ابن الحارث يقول:


ما أعلم أحد أحب أن يعرف إلا ذهب دينه وافتضح، وسمعت أحمد بن محمد بن مقسم يقول: ، حدثني محمد بن يوسف الباقلاني، قال: سمعت أبي، يقول: سمعت رجلا يسأل أبا نصر بشر بن الحارث أن يحدثه فأبي عليه، فجعل يرغبه ويكلمه وهو يأبي عليه، قال: فلما أيس منه قال له: يا أبا نصر ما تقول لله غدا إذا لقيته وسألك لم لا تحدث؟ قال: فقال له بشر:

أقول يا رب كانت نفسي تشتهي أن تحدث فامتنعت من أن أحدث و لم أعطها شهوتها.


حدثنا أبو الحسن، حدثني أبو مقاتل، حدثنا القاسم بن منبه، قال:

سمعت بشر بن الحارث يقول: ما خلف رجل في بيته أفضل أو خيرا من ركعتين يصليهما.


حدثنا أبو الحسن بن مقسم، حدثنا ابن مخلد، حدثنا الحسين بن عبد الرحمن، حدثني الأنصاري، قال: سمعت بشرا يقول: كان سفيان الثوري إذا عاد رجلا، قال: عافاك الله من النار.

حدثنا أحمد بن جعفر بن حمدان، حدثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل، حدثني بيان بن الحكم، حدثنا محمد بن حاتم، حدثنا بشر بن الحارث، قال: سمعت المعافى بن عمران، عن الأوزاعي، قال: كان يقال يأتي على الناس زمان أقل شيء في ذلك الزمان أخ مؤنس، أو درهم من حلال، أو عمل في سنة.

حدثنا أبو بكر بن مالك، حدثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل، حدثني بيان بن الحكم، حدثنا محمد بن حاتم،حدثنا بشر بن الحارث، حدثنا عبد الله بن إدريس، عن حصين، عن بكر بن عبد الله المزني قال: لا يكون العبد تقيا حتى يكون تقى الغضب.


حدثنا أبو أحمد محمد بن أحمد الغطريفي، حدثنا عبد الرحمن بن محمد بن المغيرة، حدثنا أبي، حدثنا بشر بن الحارث، حدثنا يحيى بن اليمان، عن سفيان، عن حبيب بن أبي جمرة قال: إذا ختم الرجل القرآن قبله الملك بين عينيه.



أسند بشر عن أعلام، عن الرواة مع كراهيته للرواية ورغبته عنها.

حدثنا أبو أحمد محمد بن أحمد الغطريفي، حدثنا أبو إسحاق بن برية الهاشمي،إملاء، حدثنا محمد بن أبي الورد، قال: سمعت بشر بن الحارث يقول: رحلت إلى عيسى ماشياً على قدمي فأكرمتي وأدناني وقال لي: ما الذي أقدمك؟ قلت: أحببت لقاءك والنظر إليك، قال: يا أخي ومن أنا وأي شيء عندي؟ ما أحسن. ثم قال: معك شيء تسأل عنه؟ قلت: نعم، حديث عبد الله بن عراك بن مالك، عن أبيه، فقال عيسى: نعم.
حدثنا عبد الله بن عراك بن مالك، عن أبيه، عن أبي هريرة، قال:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" ليس على المسلم في عبده ولا في فرسه صدقة ". وروى إسحاق الحنظلي عن عيسى مثله ولم يسمه.


حدثنا محمد بن علي بن حبيش، حدثنا إسماعيل بن إسحاق السراج، حدثنا إسحاق الحنظلي أخبرنا عيسى بن يونس، حدثنا ابن عراك بن مالك، عن أبيه، عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله. ورواه حماد بن زيد في آخرين، عن خيثم، عن عراك، عن أبيه.


حدثنا عبد الله بن جعفر، حدثنا يونس بن حبيب، حدثنا أبو داود، حدثنا حماد بن زيد ووهيب بن خالد، عن خيثم، عن عراك بن مالك، عن أبيه، عن أبي هريرة، قال:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" ليس في فرس المؤمن ولا في غلامه صدقة ".


حدثنا إبراهيم بن عبد الله، حدثنا محمد بن إسحاق الثقفي، حدثنا محمد بن المثنى، حدثنا بشر بن الحارث، حدثنا عيسى بن يونس، حدثنا هشام بن عروة، عن أخيه عبد الله بن عروة، عن عروة، عن عائشة، قالت:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" كنت كأبي زرع لأم زرع، ثم أنشأ يحدث حديث أم زرع ". قال: اجتمع إحدى عشرة نسوة فذكر الحديث.

وحدثناه حبيب بن الحسن، حدثنا الفضل بن أحمد بن إسماعيل، حدثنا محمد بن المثنى، قال: قلت لبشر يا أبا نصر حديث أم زرع، فقال: حدثني به عيسى بن يونس القصة.


حدثنا أحمد بن إبراهيم بن جعفر العطار، حدثنا محمد بن هارون بن عيسى الهاشمي، حدثنا أبو حفص ابن أخت بشر بن الحارث، قال: كنت عند خالي فأخرج دفتراً من قراطيس فقرأ منه، فقال: حدثنا عيسى بن يونس، حدثنا أشعث بن عبد الملك، عن محمد بن سيرين، عن أبي هريرة،
قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" إذا قعد بين شعبها الأربع واجتهد فقد وجب الغسل ".


حدثنا أبو أحمد الغطريفي، حدثنا أبو إسحاق بن برية الهاشمي، حدثنا محمد بن أبي الورد، قال: سمعت بشر بن الحارث يقول: رحلت إلى عيسى ابن يونس ماشياً على قدمي فأكرمني وأدناني ثم قال: معك شيء تسأل عنه، قلت: نعم حديث الحسن عن عائشة، فقال: نعم.
حدثنا عمرو بن عبيد المحدث المذموم، عن الحسن، عن عائشة أنها قالت:
يا رسول الله هل على النساء قتال؟ قال:" نعم جهاد لا قتال فيه، الحج والعمرة ".



حدثنا أبو الحسين عبيد الله بن أحمد بن يعقوب المقري، حدثنا أبو الطب محمد بن القاسم بن جعفر الكوكبي، حدثنا إسحاق بن بشر المقدسي، حدثنا بشر بن الحارث، عن عبد الرحمن بن زيد بن أسلم، عن أبيه، عن عطاء بن يسار، عن أبي سعيد، قال:
قال النبي صلى الله عليه وسلم:" ثلاث لا يفطرن الصائم: الحجامة، والاحتلام، والقيء ". تفرد به عن زيد ابنه عبد الرحمن.


حدثنا إبراهيم بن عبد الله، حدثنا محمد بن إسحاق الثقفي، حدثنا قتيبة بن سعيد، حدثنا عبد الرحمن بن زيد بن أسلم، عن أبيه مثله.
حدثنا محمد بن عمر بن سلم، حدثنا محمد بن منصور بن محمد بن الفتح، حدثنا المعافى بن عمران، عن الثوري، عن الأعمش، عن إبراهيم التيمي، عن أبيه، عن أبي ذر، قال:
قال النبي صلى الله عليه وسلم:" إذا طبخت قدرا فأكثر المرق واغرف لجيرانك ".


حدثنا أبو أحمد محمد بن أحمد، حدثنا أبو إسحاق بن برية الهاشمي، حدثنا محمد بن محمد بن أبي الورد العابد، قال: سمعت بشر بن الحارث يقول: حدثنا المعافى بن عمران، عن إسرائيل، عن مسلم، عن جده العوفي، عن علي بن أبي طالب، قال:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" كل الثوم نيئاً فلولا أن الملك يأتيني لأكلته ". مسلم هو الملائي، تفرد به عن جده العوفي.



حدثناه فاروق الخطابي، حدثنا أبو مسلم الكشي، حدثنا عبد الله ابن رجاء، حدثنا إسرائيل، عن مسلم الأعور، عن جده العوفي، عن علي،
قال:" أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بأكل الثوم وقال:" لولا أن الملك ينزل على لأكلته ".



حدثنا سليمان بن أحمد، حدثنا أحمد بن علي الأبار، حدثنا أبو الفتح نصر بن منصور، عن بشر بن الحارث، حدثني زيد بن أبي الزرقاء، حدثنا الوليد بن مسلم، عن سعيد بن عبد العزيز، عن يونس بن ميسرة، عن عبد الرحمن ابن أبي عميرة المزني أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم وذكر معاوية فقال:" اللهم اجعله هادياً مهدياً وأهد به ".


حدثنا سليمان بن أحمد، حدثنا عبدان بن أحمد، حدثنا علي بن سهل، حدثنا أبو الوليد بن ؟؟مسلم، عن سعيد بن عبد العزيز، عن يونس بن ميسرة، عن حليس، عن عبد الرحمن بن أبي عميرة المزني أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم مثله.


حدثنا سليمان بن أحمد، حدثنا العباس بن الفضل الحلبي، حدثنا بشر بن الحارث الحافي، حدثنا يحيى بن يمان، عن سفيان الثوري، عن موسى بن عقبة، عن نافع، عن ابن عمر:" أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي على راحلته في السفر أينما توجهت به، يوميء إيماء ويجعل سجوده أخفض من ركوعه ". روى وهيب وعبد العزيز بن المختار، عن موسى نحوه.


حدثنا أبو علي عيسى بن محمد بن أحمد الجريجي الطورماردي، حدثنا أحمد بن علي الأبار ح. وحدثنا أبو الفتح نصر بن منصور، عن بشر بن الحارث، عن علي بن مسهر، عن المختار بن فلفل، عن أنس بن مالك، قال:" وجهني وفد المصطلق إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: سله إن جئنا في العام القابل فلم نجدك إلى من ندفع صدقاتنا؟ قال: فقلت له: فقال لهم:" ادفعوها إلى أبي بكر". قال: فقلت لهم، فقالوا: قل له فإن لم نجد أبا بكر؟ قال: فقلت له فقال:" قل لهم ادفعوها إلى عمر". قال: فقلت لهم، فقالوا قل له: فإن لم نجد عمر؟ فقلت له فقال:" ادفعوها إلى عثمان، وتبا لكم يوم يقتل عثمان".



حدثنا أبو الحسن أحمد بن محمد بن إسحاق الإيلي بها حدثنا بكر ابن أحمد بن مقبل، قال: قرأ علي بن جعفر بن أبي عثمان الطيالسي، حدثنا نصر ابن منصور المروزي، حدثنا بشر بن الحارث، حدثنا عيسى بن محمد الجريجي، حدثنا الحسن بن علي العمري وحدثنا مخلد بن جعفر، حدثنا أبو العباس البراثي، قالا: حدثنا نعيم بن الهيصم أخبرني بشر بن الحارث، عن عبد الله بن داود الخريي، عن سويد مولى عمرو بن حريث،
قال: سمعت علي بن أبي طالب يقول على المنبر:" إن أفضل الناس بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم أبو بكر وعمر وعثمان رضي الله تعالى عنهم".


حدثنا محمد بن حميد، حدثنا محمد بن هارون بن برية، حدثنا محمد ابن يوسف العطشي، حدثنا إبراهيم بن هاشم، حدثنا بشر بن الحارث، حدثنا عبد الله بن داود الخريي، عن منخل بن حكيم، عن ابن عون، عن ابن سيرين، عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال:" سباب المسلم فسوق وقتاله كفر".


حدثنا حبيب بن الحسن، حدثنا أحمد بن محمد بن مسروق الطوسي الصوفي، قال: سمعت محمد بن المثنى، يقول: سمعت بشر بن الحارث، يقول: سمعت الحجاج بن المنهال، يقول: سمعت حماد بن سلمة، يقول: سمعت عاصما، يقول: سمعت زرا، يقول: سمعت أبا جحيفة يقول: خطبنا علي بن أبي طالب على منبر الكوفة فقال:" ألا إن خير الناس بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم أبو بكر ثم عمر، ولو شئت أن أخبركم بالثالث لأخبرتكم، ثم نزل من على المنبر وهو يقول: عثمان عثمان". رواه حماد بن زيد عن عاصم نحوه.


حدثنا محمد بن أحمد بن الحسن، حدثنا إبراهيم بن الفضل الأسدي، حدثنا شهاب بن عباد، حدثنا حماد بن زيد، عن عاصم بن بهدلة نحوه.


حدثنا أبو بكر بن مالك، حدثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل، قال: حدثني بيان بن الحكم، حدثنا محمد بن حاتم، حدثني بشر بن الحارث، أخبرنا خالد الواسطي، عن محمد بن عمرو، عن يحيى بن عبد الرحمن، عن أبي واقد الليثي، قال:" تابعنا الأعمال فلم نجد عملاً أبلغ في طلب الآخرة من الزهادة في الدنيا ".


حدثنا أبي، حدثنا زكريا بن يحيى الساجي، حدثنا هدية، حدثنا حماد بن سلمة، عن محمد بن عمرو، عن يحيى، عن أبي واقد مثله.

حدثنا أبو بكر محمد بن الفضل بن قديد، حدثنا أحمد بن الصلت، قال: سمعت بشر بن الحارث، يقول: سمعت المعافى بن عمران، يقول: سمعت سفيان الثوري، يقول: سمعت منصورا، يقول: سمعت إبراهيم يقول: عليك بمجالسة القراء والتفقه في الدين، واحذر عصابة يأتونك في طلب الحديث فانهم إن صدقوك شغلوك عن النوافل، وإن كذبوك شغلوا قلبك، فاحتجت تتصنع لهم وتعيدهم لهواك حتى يتركوك فتذهب الفرائض."







وجاء في "مختصر تاريخ دمشق " لابن منظور:

بشر بن الحارث بن عبد الرحمن ابن عطاء بن هلال بن ماهان بن عبد الله، أبو نصر المروزي،

الزاهد،

المعروف بالحافي، أحد أولياء الله الصالحين، والعباد السائحين.

قدم الشام، واجتاز بجبل لبنان.


قال بشر بن الحارث: سمعت العوفي يذكر عن الزهري، عن أنسٍ قال: اتخذ النبي صلى الله عليه وسلم خاتماً فلبسه ثم ألقاه.

وحدث عن عبد الرحمن بن زيد بن أسلم بسنده، عن أبي سعيد، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" ثلاثٌ لا تفطر الصائم: الحجامة، والاحتلام، والقيء".

وكان بشرٌ ممن فاق أهل عصره في الورع والزهد.

وتفرد بوفور العقل، وأنواع الفضل، وحسن الطريقة، واستقامة المذهب، وعزوف النفس، وإسقاط الفضول.

وسمع جماعة، وكان كثير الحديث إلا أنه لم ينصب نفسه للرواية؛ وكان يكرهها، ودفن كتبه لأجل ذلك؛ وكل ما سمع منه فإنه على طريق المذاكرة.

قال أيوب العطار: كنت خارجاً من باب حرب فلقيني بشر بن الحارث
وقال: يا أيوب انظر إلى جميل ما ينشر وقبيح ما يستر، كنت اليوم خارجاً من باب حرب فلقيني رجلان، فقال أحدهما لصاحبه: هذا بشر الذي يصلي كل ليلة ألف ركعة، ويواصل في كل ثلاثة أيام والله يا أيوب ما صليت ألف ركعة مكاناً واحداً، ولا واصلت ثلاثاً قط، إلا أني أحدثك عن بدء أمري.

قلت: نعم، فقال: دعاني رجل من أهل الربض؛ فبينما أنا أمضي إليه رأيت قرطاساً على وجه الأرض، فيه اسم الله تعالى؛ فأخذته ونزلت إلى النهر، فغسلته وكنت لا أملك من الدنيا إلا درهماً فيه خمسة دوانيق، فاشتريت بأربعة دوانيق مسكاً وبدانقٍ ماء ورد؛ وجعلت أتتبع اسم الله تعالى فأطيبه.

ثم رجعت إلى منزلي فنمت؛ فأتاني آتٍ في منامي فقال لي: يا بشر، كما طيبت اسمي لأطيبن ذكرك، وكما طهرته لأطهرن قلبك.

قال أبو الحسن للحسن بن عمرو: سمعت بشراً وجاء إليه أصحاب الحديث يوماً وأنا حاضر، فقال لهم بشر: ما هذا الذي أرى معكم قد أظهرتموه؟ قالوا: يا أبا نصر، نطلب هذه العلوم، لعل الله ينفع بها يوماً.
قال: علمتم أنه يجب عليكم فيها زكاة كما يجب على أحدكم إذا ملك مائتي درهم: خمسة دراهم؛ فكذلك يجب على أحدكم إذا سمع مائتي حديث أن يعمل منها بخمسة أحاديث؛ وإلا فانظروا أيش يكون عليكم هذا غداً.

قال البيهقي: لعله أراد من الأحاديث التي وردت في الترغيب في النوافل؛ وأما في الواجبات فيجب العمل بجميعها.

حدث قاسم بن إسماعيل بن علي قال: كنا بباب بشر بن الحارث، فخرج إلينا فقلنا: يا أبا نصر، تحدثنا؟
فقال: أتؤدون زكاة الحديث؟
قال: قلنا: يا أبا نصر وللحديث زكاة؟
قال: نعم، إذا سمعتم عملاً أو صلاة أو تسبيحاً استعملوه.


قال محمد بن المثنى البزاز: قلت لبشر بن الحارث: تذكر بكورنا إلى فلان وفلان المحدث؟ شكره الله لك؛ قال: لا بل غفره الله لي.


قال بشر:
لو أن رجلاً كان عندي في مثال سفيان ومعافى، ثم جلس اليوم يحدث، ونصب نفسه لانتقص عندي نقصاناً شديداً.

قال بشر: إني وإن أدنيت الرجل وهو يحدث، فإنه عندي قبل أن يحدث أفضل كثيراً من كان من الناس؛ وإنما الحديث اليوم طرف من طلب الدنيا وكده؛ وما أدري كيف يسلم صاحبه، وكيف يسلم من يحفظه، لأي شيء يحفظه!

قال بشر: وإني لأدعو الله أن يذهب به من قلبي، ويذهب بحفظه من قلبي، وإن لي كتباً كثيرة قد ذهبت وأراها تطوى فيرمى بها فما آخذها، وإني لأهم بدفنها كلها، وأنا حيٌ صحيح، وما أكره ترك ذلك من خيرٍ عندي، وما هو من سلاح الآخرة ولا من عدد الموت.


قيل لبشر بن الحارث: يقولون إنك لا تحفظ الحديث!
فقال: أنا أحفظ حديثاً واحداً إذا عملت به فقد حفظت الحديث؛
قال النبي صلى الله عليه وسلم:" المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده".
حتى أفعل هذا وأحفظ الحديث.


قال أيوب العطار: سمعت بشر بن الحارث يقول: حدثنا حماد بن زيد، ثم قال: أستغفر الله أن أذكر الإسناد، في القلب خيلاء.





قال عمار: رأيت الخضر عليه السلام فسألته عن بشر بن الحارث؟

فقال: مات يوم مات، وليس على ظهر الأرض أتقى لله منه.


قال بلال الخواص: كنت في تيه بني إسرائيل، فإذا رجلٌ يماشيني، فتعجبت!

ثم ألهمت أنه الخضر،

فقلت له: بحق الحق من أنت؟

فقال: أخوك الخضر،

فقلت له: أريد أن أسألك،

فقال: سل،

فقلت: ما تقول في الشافعي رحمه الله؟

قال: هو من الأوتاد.

فقلت: ما تقول في أحمد بن حنبل؟

قال: رجل صديق

قلت: فما تقول في بشر بن الحارث؟

فقال: لم يخلف بعده مثله.

فقلت: بأي وسيلة رأيتك؟

فقال: ببرك بأمك.




سأل إنسانٌ أبا خيثمة عن الرجل إذا دخل المسجد الجامع يوم الجمعة، كم يصلي؟ قال: هذا بشر بن الحارث، بلغني أنه إذا دخل المسجد الجامع صلى ركعتين ثم لم يزد عليهما حتى يصلي الجمعة وينصرف.


قال إبراهيم الحربي: ما أخرجت بغداد أتم عقلاً ولا أحفظ للسانٍ من بشر بن الحارث، كان في كل شعرة عقل، ووطئ الناس عقبه خمسين سنةً ما عرف له عيبةٌ لمسلم؛ لو قسم عقله على أهل بغداد صاروا عقلاء، وما نقص من عقله شيء.




قال بشر الحافي: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم في المنام

فقال لي:" يا بشر، تدري لم رفعك الله من بين أقرانك؟"

قلت: لا يا رسول الله

قال:" باتباعك لسنتي وخدمتك للصالحين، ونصيحتك لإخوانك، ومحبتك لأصحابي وأهل بيتي، هو الذي بلغك منازل الأبرار".





قال بشر بن الحارث: ما أنا بشيءٍ من عملي أوثق مني بحب أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم.


وكان يقول: لو أن الروم سبت من المسلمين كذا وكذا ألفاً، ثم فداهم رجلٌ كان في قلبه سوءٌ لأصحاب النبي صلى الله عليه وسلم؛ لم ينفعه ذلك.


سئل أحمد بن حنبل عن مسألة في الورع؟
فقال: أنا، أستغفر الله، لا يحل لي أن أتكلم في الورع، أنا آكل من غلة بغداد، لو كان بشر بن الحارث، صلح أن يجيبك عنه، فإنه كان لا يأكل من غلة بغداد، ولا من طعام السواد، يصلح أن يتكلم في الورع.


كان بشر يقول: إن الجوع يصفي الفؤاد، ويميت الهوى، ويورث العلم الدقيق.

وكان يقول: طوبى لمن ترك شهوةً حاضرةً لموعد غائب لم يره.

قال بشر بن الحارث: ما تركت الشهوات منذ أربعين سنة إلا أنه لا يصفو لي درهمٌ حلال.



قال أبو حفص ابن أخت بشر بن الحارث: اشتهى بشر سفرجلة في علته، فقالت لي أمي: يا بني اطلب لي سفرجلة.

قال: فجئت بها، فأخذها، فجعل يشمها، قال: ثم وضعها بين يديه.

فقالت أمي: يا أبا نصر كلها، قال: ما أطيب ريحها! قال: فما زال يشمها حتى مات، وما ذاقها.

قال عبد الوهاب: ما رأيت أحداً أقدر على ترك شهوةٍ من بشر الحافي.



وقال عبد الله الرضواني: ما رأيت أحداً من الزهاد إلا وهو يذم الدنيا ويأخذ منها، غير بشر بن الحارث، فإنه كان يذمها ويفر منها.


قال أحمد بن المغلس: سمعت أبا نصر بشراً وقد قال له رجل: يا أبا نصر ما أشد حب الناس لك! فغلظ ذلك عليه،

ثم قال: ولك عافاك الله،

قال: وكيف؟

قال: دع لهم ما في أيديهم.

فذكرت لأبي نصر فقلت: حدثنا إسماعيل بن عبد الله بن أبي أويس، حدثنا مالك عن نافع، عن ابن عمر قال:
أتى رجل النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله، دلني على عملٍ إذا أنا عملته أحبني الله من السماء، وأحبني الناس من الأرض؟
قال: فقال له النبي صلى الله عليه وسلم:" ازهد في الدنيا يحبك الله، وازهد فيما في أيدي الناس يحبك الناس".

فرأيت أبا نصرٍ قد فرح به، إذ وافق قوله سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم.



كان بشر بن الحارث يقول: ينبغي لنا أن لا نحب هذه الدار، لأنها دارٌ يعصى الله فيها، ووالله لو لم يكن منا إلا أنا أحببنا شيئاً أبغضه الله عز وجل لكفانا.


وكان يقول: ما عرف الخلق أفضل من شيئين: الله والدنيا؛ فإنهم إذا عرفوا الله اجتهدوا في طاعته، وإذا عرفوا الدنيا اجتهدوا في تركها.


قال علي بن عثام: أقام بشر بن الحارث بعبادان عشر سنين يشرب من البحر، ولا يشرب من حياض السلاطين حتى أضر بجوفه؛ فرجع إلى أخته، وأخذه وجعٌ لا يقوم به إلا أخته.
وهو يتخذ المغازل فيبيعه، وذلك كسبه.


قال محمد بن يوسف الجوهري: كنت أمشي مع بشر بن الحارث في يومٍ صائف، منصرفاً من الجمعة، فاجتزنا بسور دار إسحاق بن إبراهيم، وله فيءٌ، فجعلت أزحم بشراً إلى الفيء وهو يمشي في الشمس، فقلت: لأسألنه، أيش الورع أن يمشي إنسانٌ في الشمس فيضر بنفسه، فقلت: يا أبا نصر أنا أضطرك إلى الفيء وأنت تمشي في الشمس!؟ فقال مجيباً لي: هذا فيء سوء.

كان بشر لا ينام الليل، تراه بالنهار كأنه مهوس.


فقيل له في ذلك، فقال: أكره أن يأتيني أمر الله وأنا نائم.

قال أبو علي الدقاق: مر بشرٌ ببعض الناس، فقالوا: هذا الرجل لا ينام الليل كله، ولا يفطر إلا في كل ثلاثة أيامٍ مرة.
فبكى بشر، فقيل له في ذلك فقال: لا أذكر أني سهرت ليلةً كاملة، ولا أني صمت يوماً ثم لم أفطر من ليلته، ولكن الله سبحانه يلقي في القلوب أكثر مما يفعله العبد، لطفاً منه سبحانه وكرماً.

ثم ذكر ابتداء أمره كيف كان، كما ذكرناه.


قالت زبدة أخت بشر: دخل علي بشرٌ ليلةً من الليالي، فوضع إحدى رجليه داخل الدار، والأخرى خارجها وبقي كذلك يتفكر حتى أصبح، فلما أصبح وتهيأ للطهارة سألته وقلت: أقسمت عليك فبماذا تفكرت طول ليلتك؟ قال: تفكرت في بشر النصراني، وبشر اليهودي، وبشر المجوسي، ونفسي واسمي بشر؛ فقلت: ما الذي سبق منك إليه حتى خصك؟ فتفكرت في تفضله علي، ومنته علي في أن جعلني من خاصته، وألبسني لباس أحبائه.

وقيل لبشر: لما لا تصلي في الصف الأول؟ فقال: أنا أعلم أيش يريد، يريد قرب القلوب لا قرب الأجسام.

قال بشر بن الحارث: أشتهي منذ أربعين، أن أضع يداً على يد في الصلاة ما يمنعني من ذلك إلا أن أكون قد أظهرت من الخشوع ما ليس في قلبي مثله.



قال محمد بن قدامة: لقي بشراً الحافي رجلٌ سكران، فجعل يقبله ويقول: يا سيدي يا أبا نصر، ولا يدفعه بشرٌ عن نفسه، فلما ولى تغرغرت عينا بشرٍ وقال: رجلٌ أحب رجلاً على خيرٍ توهمه، لعل المحب قد نجا والمحبوب لا يدري ما حاله.


وكان بشر يقول: إذا أحب الله عز وجل أن يتحف العبد، سلط عليه من يؤذيه.


وكان يقول: لا خير فيمن لا يؤذى.


وكان يقول: الصبر الجميل الذي لا يشكو فيه إلى الناس.


وكان يقول: من لم يحتمل الغم والأذى لم يدخل فيما يحب.


قال عبيد الله الوراق:

خرجت يوم جمعةٍ مع بشر بن الحارث إذ دخل المسجد وعليه فروٌ مقطع فرده العون، فذهبت لأكلمه، فمنعني، فجاء فجلس عند قبة الشعراء فقلت له: يا أبا نصر لمَ لم تدعني أكلمه؟ قال: اسكت، سمعت المعافى بن عمران يقول: سمعت سفيان الثوري يقول: لا يذوق العبد حلاوة الإيمان، حتى يأتيه البلاء من كل مكان.


قال محمد بن المثنى: انصرفت مع بشر بن الحارث في يوم أضحى من المصلى، فلقي خالد بن خداش المحدث، فسلم عليه، فقصر بشرٌ في السلام، فقال خالد: بيني وبينك مودة من أكثر من ستين سنة، ما تغيرت عليك، فما هذا التغير؟
فقال بشر: ما هاهنا تغيرٌ ولا تقصير، ولكن هذا يومٌ يستحب فيه الهدايا، وما عندي من عرض الدنيا شيءٌ أهدي لك، وقد روي في الحديث: أن المسلمين إذا التقيا كان أكثرهما ثواباً أبشهما بصاحبه.
فتركتك لتكون أفضل ثواباً.



كان ببغداد رجلٌ من التجار، وكان كثيراً ما يقع في الصوفية،

قال: فرئي بعد ذلك وقد صحبهم وأنفق عليهم جميع ما ملك.

فقيل له:أليس كنت تبغضهم؟!

فقال: ليس الأمر على ما توهمت، وإني صليت الجمعة يوماً وخرجت، فرأيت بشر بن الحارث خرج من المسجد مسرعاً،

فقلت في نفسي: انظر إلى هذا الرجل الموصوف بالزهد، ليس يستقر في المسجد!

قال: فتركت حاجتي فقلت: أنظر إلى أين يذهب؟ قال: فتبعته، فرأيته تقدم إلى الخباز واشترى بدرهمٍ خبز الماء.


قال: فقلت: انظر إلى الرجل يشتهي خبز الماء! ثم تقدم إلى الشواء فأعطاه درهماً وأخذ الشواء. قال: فزادني عليه غيظاً! ثم تقدم إلى الحلاوي فاشترى فالوذجاً بدرهم.

فقلت في نفسي: والله لأنغصن عليه حين يجلس ويأكل؛ ثم خرج إلى الصحراء، وأنا أقول: يريد الخضرة والماء.

قال: فما زال يمشي إلى العصر وأنا خلفه،

قال: فدخل قرية، وفي القرية مسجد، وفيه رجلٌ مريض،

قال: فجلس عند رأسه، وجعل يلقمه،

قال: فقمت لأنظر إلى القرية، فبقيت ساعةً ثم رجعت فقلت للعليل: أين بشر؟

قال: ذهب إلى بغداد،

قال:فقلت: وكم بيني وبين بغداد؟

فقال: أربعون فرسخاً،

فقلت: إنا لله وإنا إليه راجعون، أيش عملت بنفسي! وليس معي ما أكتري ولا أقدر على المشي،

قال: اجلس حتى يرجع،

قال: فجلست إلى الجمعة القابلة؛

قال: فجاء بشر في ذلك الوقت ومعه شيءٌ يأكل المريض، فلما فرغ قال له: يا أبا نصر هذا رجلٌ صحبك من بغداد وبقي عندي منذ الجمعة، فرده إلى موضعه.

قال: فنظر إلى كالمغضب وقال: لم صحبتني؟

قال: فقلت: أخطأت. قال: قم فامش.

قال: فمشيت إلى قرب المغرب.

قال: فلما قربنا قال لي: أين محلتك من بغداد؟ قلت: في موضع كذا، قال: اذهب ولا تعد.

قال: فتبت إلى الله وصحبتهم وأنا على ذلك.





وكان بشر يقول: من أحب العز في الدنيا والشرف في الآخرة، فليكن فيه ثلاث خصال: لا يسأل أحداً شيئاً، ولا يذكر أحداً بسوء، ولا يجيب أحداً إلى طعامه.


وكان بشرٌ يقول: لو لم يكن في القنوع إلا التمتع بالعز كفى صاحبه.


قال بشر: كلما اشتهى رجلٌ لقاء رجل ذهب إليه .
هذه فتنة، ولذةٌ يتلذذون بلقاء بعضهم بعضاً.
ينبغي للإنسان أن يقبل على نفسه وعلى القرآن.


وقال بشر: إذا عرفت في موضعٍ فاهرب منه، وإذا رأيت الرجل إذا اجتمعوا إليه في موضعٍ لزمه، واشتهى ذلك فهو يحب الشهرة.


قال محمد بن نعيم بن الهيصم: دخلت على بشر في علته فقلت: عظني، فقال: إن في هذه الدار نملةً تجمع الحب في الصيف لتأكله في الشتاء؛ فلما كان يومٌ أخذت حبةً في فمها، فجاء عصفورٌ فأخذها والحبة؛ فلا ما جمعت أكلت، ولا ما أملت نالت.

قلت له: زدني،

قال: ما تقول في من القبر مسكنه، والصراط جوازه، والقيامة موقفه، والله مسائله، فلا يعلم إلى جنةٍ يصير فيهنى، أو إلى نارٍ فيعزى، فوا طول حزناه! وواعظم مصيبتاه! زاد البكاء فلا عزاء، واشتد الخوف فلا أمن.

قال: وقال لي بشرٌ مراراً كثيرة: انظر خبزك من أين هو؟ وانظر إلى مسكنك الذي تتقلب فيه كيف هو؟ وأقل من معرفة الناس، ولا تحب أن تحمد، ولا تحب الثناء.


كان بشر يقول: لا تكاد تضع يدك إلا على مراءٍ؛ إما مراءٍ بدين، وإما مراءٍ بدنيا، وهما جميعاً شر شيء، فانظر أشد الناس توقياً، وأعفهم وأطيبهم مكسباً فجالسه، ولا تجالس من لا يعينك على آخرتك.

وقف بشر على أصحاب الفاكهة، فجعل ينظر إليها، فقيل له: يا أبا نصر لعلك تشتهي من هذا شيئاً؟ قال: لا ولكن نظرت في هذا إذا كان يطعم هذا من يعصيه، فكيف من يطيعه!.

قال بشر الحافي لرجل: احذر أن تمر في حاجتك، فيأخذك وأنت لا تدري.
كان بشر الحافي يقول: أما تستحي أن تطلب الدنيا ممن يطلب الدنيا، اطلبها ممن بيديه الدنيا.

قال الحسن الحناط: كنت عند بشر الحافي، فجاءه نفر فسلموا عليه فقال: من أنتم؟ قالوا: نحن من الشام جئنا نسلم عليك ونريد الحج، فقال: شكر الله لكم.

فقالوا: تخرج معنا؟ فقال: بثلاث شرائط: لا نحمل معنا شيئاً؛ ولا نسأل أحداً شيئاً؛ وإن أعطانا أحدٌ لا نقبل.

قالوا: أما أن لا نحمل فنعم؛ وأما أن لا نسأل فنعم؛ وأما أن لا نقبل إن أعطينا؛ فهذا لا نستطيع.
فقال: خرجتم متوكلين على زاد الحجيج!
ثم قال: يا حسن! الفقراء ثلاثة: فقيرٌ لا يسأل، وإن أعطي لا يأخذ، فذلك من جملة الروحانيين.
وفقيرٌ لا يسأل، وإن أعطي قبل، فذلك ممن يوضع له موائد في حظائر القدس.
وفقير يسأل، وإن أعطي قبل قدر الكفاية، فكفارته صدقه.

وكان بشر يقول: الحلال لا يحتمل السرف.

وكان يقول: الأخذ من الناس مذلة.

وكان يقول: ليس هذا زمان اتخاذ الإخوان، إنما هو زمان خمول، ولزوم البيوت.

وكان يقول: لا يجد من يحب الدنيا حلاوة العبادة.

وكان يقول: يأتي على الناس زمانٌ لا تقر فيه عين حكيم.
ويأتي على الناس زمانٌ تكون الدولة فيه للحمقى على الأكياس.

قال يحيى بن المختار: سمعت بشراً يقول: ما ظنكم بقومٍ وقفوا بين يدي الله عز وجل مقدار خمسين ألف عام لم يأكلوا ولم يشربوا حتى قحلت أجوافهم من الجوع وانقطعت أكبادهم من العطش، واندقت أعناقهم من التطاول، ورجوا الفرج، أمر بهم إلى النار!.

وقال بشر: سكون النفس إلى قبول المدح أشد عليها من المعاصي.

وكان بشر يقول: العداوة في القرابة، والحسد في الجيران، والمنفعة في الإخوان.
وقيل لبشر: العبادة لا تصلح إلا بالصيام، فقال: قد يصوم البر والفاجر، فإن كنت صائماً فاجتنب كثرة الكلام والغيبة، وأطب مطعمك لعله أن يسلم لك صومك، وإلا فاستخر الله وكل.


قال أحمد بن الفتح: قال لي بشر: يا أحمد، إن قوماً غرهم ستر الله عز وجل، وفتنهم حسن ثناء الناس عليهم، فلا يغلبنّ جهل غيرك بك على علمك بنفسك أعاذنا الله عز وجل وإياك من الاغترار بالستر، والاتكال على حسن الذكر.

كان بشر يقول: النظر إلى الأحمق سخنة عين، والنظر إلى البخيل يقسي القلب.

وكان يقول: صاحب زيغ سخي أخف على قلبي من عابدٍ بخيل.

وكان يقول: بقاء البخلاء كربٌ على قلوب المؤمنين.

وكان يقول: البخيل لا غيبة له، قال النبي صلى الله عليه وسلم:" إنك لبخيل".
ومدحت امرأةٌ عند النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا: صوامةٌ قوامة إلا أن فيها بخلاً.
قال:" فما خيرها إذاً".

قال بشر: أي ليس فيها خير.

قال العباس بن يوسف: أنشدني بشر بن الحارث: "من السريع"
[poet font="Tahoma,5,green,bold,normal" bkcolor="transparent" bkimage="" border="none,4,gray" type=0 line=350% align=center use=ex length=0 char="" num="0,black" filter=""]

برمت بالناس وأخلاقـهـم= فصرت أستأنس بالوحـده
هذا لعمري فعل أهل التقى= وفعل من يطلب ما عنـده
قد عرف الله فذاك الـذي= آنسه الـلـه بـه وحـده
[/poet]
وكان بشرٌ يقول: حسبك أن أقواماً موتى تحيا القلوب بذكرهم، وأن أقواماً أحياء تقسو القلوب برؤيتهم.


وكان يقول: ليس شيءٌ من أعمال البر أحب إلي من السخاء، ولا أبغض إلي من الضيق وسوء الخلق.

وأنشد بشر: "من السريع"
[poet font="Tahoma,5,green,bold,normal" bkcolor="transparent" bkimage="" border="none,4,gray" type=0 line=350% align=center use=ex length=0 char="" num="0,black" filter=""]

أقسم بالله لرضخ الـنـوى= وشرب ماء القلب المالحه
أعز للإنسان من فـقـره= ومن سؤال الأوجه الكالحه
فاستشعر اليأس تكن ذا غنى= وترجعن بالصفقة الرابحه
فاليأس عزٌ والتقى سـؤددٌ= وشهوة النفس لها فاضحه
من كانت الدنيا بـه بـرةً= فإنها يوماً لـه ذابـحـه
[/poet]
وأنشد بشر في القناعة: "من الوافر"
[poet font="Tahoma,5,green,bold,normal" bkcolor="transparent" bkimage="" border="none,4,gray" type=0 line=350% align=center use=ex length=0 char="" num="0,black" filter=""]

أفادتني الـقـنـاعة أي عـزٍ= ولا عزاً أعز من القنـاعـه
فخذ مـنـهـا لـنـف مـالٍ= وصير بعدها التقوى بضاعـه
تحز حالين: تغنى عن بـخـيلٍ= وتسعد في الجنان بصبر ساعه
[/poet]
قال أبو عاصم المتطبب: سمعت بشر بن الحارث يتمثل بهذين البيتين - وهما لمحمود الوراق - فعجبنا منه كيف بلغه هذان البيتان:" من مجزوء الرمل"
[poet font="Tahoma,5,green,bold,normal" bkcolor="transparent" bkimage="" border="none,4,gray" type=0 line=350% align=center use=ex length=0 char="" num="0,black" filter=""]

مكرم الدنيا مهـانٌ= مستذلٌ في القيامه
والذي هانت عليه= فله ثم كـرامـه
[/poet]
قال أبو عبد الرحمن الزاهد رفيق بشر بن الحارث: رأى صاحبٌ لنا رب العزة في النوم

قبل موت بشرٍ بقليل فقال:" قل لبشر بن الحارث: لو سجدت لي على الجمر ما كنت تكافئني بما نوهت اسمك في الناس".

قال عبد الله بن أحمد بن حنبل: مات بشر سنة سبع وعشرين ومائتين قبل المعتصم بستة أيام، وقد بلغ من السن خمساً وسبعين سنة، وحشر الناس بجنازته، ورئي أبو نصر التمار، وعلي بن المديني في جنازته، وهما يصيحان: هذا والله شرف الدنيا قبل شرف الآخرة.

وذلك أن بشراً خرجت جنازته بعد صلاة الصبح، وكان نهاراً صيفاً، والنهار فيه طول، ولم يستقر في القبر إلى العتمة.

وقال أبو حفص ابن أخت بشر: كنت أسمع الجن تنوح على خالي في البيت الذي كان فيه غير مرة، سمعت الجن تنوح عليه.

وقال خشنام ابن أخت بشر: رأيت خالي بشراً في النوم فقلت له: ما فعل الله بك؟ قال: غفر لي، وجعل يذكر ما فعل الله من الكرامة.
فقلت له: قال لك شيئاً؟
فقال: نعم

فقلت له: ما قال لك؟

قال: قال لي:" يا بشر ما استحييت مني، تخاف ذلك الخوف على نفسٍ هي لي!.



قال الحسين بن إسماعيل المحاملي رأيت القاساني في النوم فقلت: ما فعل الله بك؟ فأوحى إلي أنه نجا بعد مدة.
قلت: فما تقول في أحمد بن حنبل؟ قال: غفر الله له.
قلت: فبشر الحافي؟ قال ذاك تحيه الكرامة من الله في كل يوم مرتين.


قال عاصم: رأيت في المنام كأني قد دخلت درب هشام، فلقيني بشر بن الحارث، فقلت: من أين يا أبا نصر؟ قال: من عليين، قلت: ما فعل أحمد بن حنبل؟ قال: تركت الساعة أحمد بن حنبل وعبد الوهاب الوراق بين يدي الله عز وجل، يأكلان ويشربان ويتنعمان.
قلت: فأنت؟ قال: علم الله عز وجل قلت رغبتي في الطعام، فأباحني النظر إليه.


قال أحمد بن الفتح: رأيت أبا نصر بشر بن الحارث في منامي وهو قاعدٌ في بستان، وبين يديه مائدة وهو يأكل منها، فقلت له: يا أبا نصر ما فعل الله بك؟ قال: رحمني وغفر لي، وأباحني الجنة بأسرها وقال لي:" كل من جميع ثمارها واشرب من أنهارها، وتمتع بجميع ما فيها كما كنت تحرم نفسك الشهوات في دار الدنيا".


فقلت له: زادك يا أبا نصر، فأين أخوك أحمد بن حنبل؟ فقال: هو قائمٌ على باب الجنة، يشفع لأهل السنة ممن يقول القرآن كلام الله غير مخلوق، فقلت: ما فعل معروف الكرخي؟ فحرك رأسه ثم قال لي: هيهات هيهات، حالت بيننا وبينه الحجب، إن معروفاً لم يعبد الله شوقاً إلى جنته، ولا خوفاً من ناره، وإنما عبده شوقاً إليه، فرفعه الله إلى الرقيع الأعلى، ورفع الحجب بينه وبينه ذلك الترياق المقدسي المجرب.


فمن كانت له إلى الله حاجة، فليأت وليدع، فإنه يستجاب له إن شاء الله.



قال الحسين بن مروان: رأيت بشراً في النوم فقلت: يا أبا نصر، ما فعل الله بك؟ فقال: غفر الله لي، وغفر لمن تبع جنازتي، قال: فقلت: ففيم العمل؟ فأخرج كسرةً ثم قال: انظر في هذه الكسرة.


وقال القاسم بن منبه: رأيت بشراً في النوم فقلت: ما فعل الله بك؟ قال: غفر لي وقال لي:" يا بشر قد غفرت لك ولكل من تبع جنازتك"، فقلت: يا رب ولكل من أحبني؟ فقال:" ولكل من أحبك إلى يوم القيامة".


قال إسحاق بن محمد: لما مات بشر بن الحارث رآه بعض العلماء واقفاً بين يدي الله عز وجل،
فقال الله:" يا بشر قد غفرت لك ولجميع من حضر جنازتك، ولسبعين ألفاً ممن سمعوا بموتك".

قال أبو العباس القرشي:

أتيت أبا نصر التمار بعد موت بشر بن الحارث بأيامٍ نعزيه، فقال لنا أبو نصر: رأيته البارحة في النوم في أحسن هيئة، فقلت له: ما صنع بك ربك؟ قال: قد استحييت من ربي من كثرة ما أعطاني من الخير، وكان فيما أعطاني أن غفر لمن تبع جنازتي.


قال أحمد بن الدورقي: مات جارٌ لي، فرأيته في الليل وعليه حلتان قد كسي، فقلت: أيش قصتك ما هذا؟ قال: دفن في مقبرتنا بشر بن الحارث، فكسي أهل المقبرة حلتين حلتين.


قال مؤذن بشر بن الحارث: رأيت بشراً في المنام فقلت: ما فعل الله بك؟ قال: غفر لي،

قلت: ما فعل بأحمد بن حنبل؟ فقال: غفر له، فقلت: ما فعل بأبي نصر التمار؟ قال: هيهات،

ذلك في عليين، فقلت: فبماذا نال ما لم تنالاه؟ فقال: بفقرة وصبره على بنياته.


قال محمد بن خزيمة: لما مات أحمد بن حنبل اغتممت غماً شديداً، فبت في ليلتي، رأيته في المنام وهو يتبختر في مشيته، فقلت: يا أبا عبد الله، أي مشيةٍ هذه؟ فقال: مشية الخدام في دار السلام، فقلت له: ما فعل الله بك؟ فقال: غفر لي وتوجني، وألبسني نعلين من ذهب،
فقال:" يا أحمد، هذا بقولك: إن القرآن كلامي"، ثم قال لي:" يا أحمد، ادعني بتلك الدعوات التي بلغتك عن الثوري، كنت تدعو بها في دار الدنيا"، فقلت: يا رب كل شيء، فقيل: هيه، فقلت: بقدرتك على كل شيء، فقال لي:" صدقت"، فقلت: لا تسألني عن شيء، واغفر لي كل شيء قال:" قد فعلت".
ثم قال:" يا أحمد هذه الجنة قم فادخل إليها".
فدخلت فإذا بسفيان الثوري وله جناحان أخضران يطير بهما من نخلة إلى نخلة ويقول:" الحمد لله الذي صدقنا وعده وأورثنا الأرض نتبوأ من الجنة حيث نشاء، فنعم أجر العاملين" فقلت له: ما فعل عبد الوهاب الوراق؟ قال: تركته في بحرٍ من نور، في زلالٍ من نور يزار به إلى الملك الغفور، قال: قلت له: فما فعل بشر؟- يعني ابن الحارث- فقال لي: بخٍ بخٍ! ومن مثل بشر! تركته بين يدي الجليل وبين يديه مائدة من الطعام، والجليل مقبلٌ عليه وهو يقول:" كل يا من لم تأكل، واشرب يا من لم تشرب، وانعم يا من لم تتنعم في دار الدنيا".
قال: فأصبحت، فتصدقت بعشرة آلاف درهم.












وفي وفاته كتب الخطيب البغدادي في " تاريخ بغداد":


أخبرنا علي بن أحمد بن عمر المقرئ أخبرنا إسماعيل بن علي الخطمي حدثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل قال: قلت لأبي يوم مات بشر بن الحارث: مات بشر فقال: رحمه الله لقد كان في ذكره أنس أو فيه أنس ثم لبس رداءه وخرج وخرجت معه فشهد جنازته.
قال أبو عبد الرحمن عبد الله بن أحمد: مات بشر سنة سبع وعشرين قبل المعتصم بستة أيام.
أخبرنا محمد بن أحمد بن رزق حدثنا أحمد بن إسحاق بن وهب البندار حدثنا علي بن أحمد بن النضر قال: ومات بشر بن الحارث سنة سبع وعشرين.
أخبرنا محمد بن الحسين القطان أخبرنا جعفر بن محمد بن نصير الخالدي حدثنا محمد بن عبد الله بن سليمان الحضرمي قال: سنة سبع وعشرين ومائتين فيها مات بشر بن الحارث ببغداد في شهر ربيع الأول.
أخبرني الحسن بن أبي بكر أخبرنا محمد بن إبراهيم الجوري في كتابه إلينا أخبرنا أحمد بن حمدان بن الخضر حدثنا أحمد بن يونس الضبي قال: حدثني أبو حسان الزيادي قال: سنة سبع وعشرين ومائتين فيها مات بشر بن الحارث الزاهد ويكنى أبا نصر عشية الأربعاء لعشر بقين من شهر ربيع الأول وقد بلغ من السن خمساً وسبعين سنة وحشر الناس لجنازته.

أخبرنا القاضي أبو العلاء الواسطي حدثنا محمد بن يوسف حدثنا يعقوب الرقي حدثنا أبو الفتح محمد بن أحمد النحوي بالرملة قال: سمعت الحسين بن أحمد بن صدقة الفرائضي يقول: سمعت أحمد بن زهير يقول: سمعت يحيى بن عبد الحميد الحماني يقول: رأيت أبا نصر التمار وعلي بن المديني في جنازة بشر بن الحارث يصيحان في الجنازة هذا والله شرف الدنيا قبل شرف الآخرة وذلك أن بشر بن الحارث أخرجت جنازته بعد صلاة الصبح ولم يحصل في القبر إلا في الليل وكان نهاراً صائفاً والنهار فيه طول ولم يستقر في القبر إلى العتمة.

أخبرني الأزهري حدثنا أحمد بن منصور الوراق حدثنا محمد بن مخلد حدثني أبو حفص عمر بن سليمان المؤدب حدثني أبو حفص بن أخت بشر بن الحارث قال: كنت أسمع الجن تنوح على خالي في البيت الذي كان يكون فيه غير مرة سمعت الجن تنوح عليه.

أخبرني الحسن بن أبي طالب حدثنا يوسف بن عمر القواس حدثنا أحمد بن الحسين بن الجنيد قال: سمعت حجاج بن الشاعر يقول لسليمان اللؤلؤي: رؤي بشر بن الحارث في النوم فقيل له: ما فعل الله بك يا أبا نصر قال: غفر لي وقال: يا بشر ما عبدتني على قدر ما نوهت باسمك.

أخبرنا أبو حازم عمر بن أحمد بن إبراهيم العبدوي الحافظ بنيسابور أخبرني محمد بن عبد الله بن شاذان بهراة قال: سمعت حمزة بن محمد بن إبراهيم يقول سمعت الحسن بن مروان يقول: رأيت بشر بن الحارث في المنام فقلت: يا أبا نصر ما فعل الله بك قال: غفر لي وغفر لكل من تبع جنازتي قال: قلت: ففيم العمل قال: افتقد الكسرة.





[align=center]أخبرني الحسن بن علي التميمي أخبرنا أبو حفص عمر بن أحمد الواعظ حدثنا أبو شجاع المروذي أو غيره الشك من أبي حفص قال: حدثنا القاسم بن منبه قال:

رأيت بشر بن الحارث في النوم

فقلت: ما فعل الله بك يا بشر

قال: قد غفر لي وقال لي: يا بشر قد غفرت لك ولكل من تبع جنازتك

فقلت: يا رب ولكل من أحبني

قال:

ولكل من أحبك إلى يوم القيامة.
[/align]














[fot]يا مدد[/fot]

_________________

ما خاب بين الورى يوما ولا عثرت***في حالة السير بالبلوى مطيته
من كان لله رب العرش ملتجأ***ومن تكن برسول الله نصرته


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة:
مشاركة غير مقروءةمرسل: الأربعاء فبراير 21, 2007 10:42 am 
غير متصل

اشترك في: الجمعة فبراير 27, 2004 11:21 pm
مشاركات: 2119
مكان: مصر
هؤلاء هم الصوفية...

[twh][align=center]أبو عبد الله المحاسبي (المتوفي سنة 243 هــ)[/align][/twh]


{أبو عبد الله الحارث بن أسد المحاسبي البصري.
صوفي. متكلم. فقيه محدث. رحمه الله تعالى.}
(("طبقات النسابين "لبكر أبو زيد ))




{ومنهم المشاهد المراقبي، والمساعد المصاحبي، أبو عبد الله الحارث بن أسد المحاسبي.
كان لألوان الحق مشاهداً ومراقباً، ولآثار الرسول عليه السلام مساعداً ومصاحباً. تصانيفه مدونة مسطورة، وأقواله مبوبة مشهورة، وأحواله مصححة مذكورة، كان في علم الأصول راسخاً وراجحاً، وعن الخوض في الفضول جافياً وجانحاً، وللمخالفين الزائغين قامعاً وناطحاً، وللمريدين والمنيبين قابلاً وناصحاً.}


(("حلية الأولياء " لأبي نُعيم الأصبهاني))






{الحارث بن أسد المحاسبي "بضم الميم" البصري الأصل، ممن اجتمع له علم الظاهر والباطن، والفضائل الفاخرة، وجميل المحاسن. وله تصانيف في السلوك والمواعظ والأصول. ومن كتبه المشهورة النفيسة "كتاب الرعاية"،
ومن دقيق ورعه أنه ورث من أبيه سبعين ألف درهم، فلم يأخذ منها شيئاً لأن أبان كان يقول بالقدر. قال: وقد صحت الرواية عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: "لا يتوارث أهل ملتين شتى"، ومات وهو محتاج إلى درهم، خلف أبوه ضياعاً وعقاراً، فلم يأخذ منه شيئاً.

ومن المشهور أنه كان محفوظاً إذا مد يده إلى طعام فيه شبهة يتحرك في إصبعه عرق، فيمتنع من تناوله، وكان يقول: فقدنا ثلاثة أشياء: حسن الوجه مع صيانة، وحسن القبول مع الأمانة، وحسن الإخاء مع الوفاء. وهو أحد شيوخ الجنيد.
وقيل له المحاسبي: لكثرة محاسبة نفسه، وهو من الخمسة الشيوخ الجامعين بين علم الظاهر والباطن في عصر واحد، وهم: "هو" و "أبو القاسم الجنيد"، و "أبو محمد رويم"، و "أبو العباس عطاء"، و "عمرو بن عثمان المكي" رحمهم الله تعالى.}

(("لرسالة القشيرية" للإمام القشيري ))
(("مرآة الجنان وعبرة اليقظان في معرفة حوادث الزمان" لليافعي))





الحارث بن أسد المحاسبي، أبو عبد الله:
من أكابر الصوفية.
كان عالماً بالأصول والمعاملات، واعظاً مُبكياً،
وله تصانيف في الزهد والرد على المعتزلة وغيرهم.
ولد ونشأ بالبصرة، ومات ببغداد. وهو أستاذ أكثر البغدادين في عصره. من كتبه (آداب النفوس -خ) صغير، و (شرح المعرفة -خ) تصرف، و (المسائل في أعمال القلوب والجوارح -خ) رسالة، و (المسائل في الزهد وغيره -خ) رسالة، و (البعث والنشور -خ) رسالة، و (مائية العقل ومعناه واختلاف الناس فيه -خ) و (الرعاية لحقوق الله عز وجل -ط) ومن كلامه: خيار هذه الأمة الذين لا تشغلهم آخرتهم عن دنياهم ولا دنياهم عن آخرتهم}

(("الأعلام " للزركلي))





{الحارِثُ بنُ أسدٍ المحاسِبيُّ، و كُنْيتُه أبو عبد الله. من علماء مشايخ القَوْم بعلوم الظاهر، و علوم المُعامَلات و الإشارات. له التصانيف المشهورة؛ منها: " كتابُ الرِّعَايةِ لحقوق الله"، و غيره. و هو أستاذُ أكثرِ البغداديين؛ و هو من أَهْل البَصْرَة. مات ببغداد، سنة ثلاث و أربعين و مائتين.
و أسند الحديث:
1- حدثنا عليُّ بنُ عمر بنِ أحمدَ الحافظُ، قال: حدثنا أحمدُ بنُ القاسِم أخو أبي اللَّيْثِ؛ حدثنا الحارثُ بنُ أسَد العَنَزيُّ المُحَاسِبيُّ؛ حدثنا يزيدُ بنُ هرون؛ حدثنا شُعْبَة؛ عن القاسِم بنِ أبي بَزَّة؛ عن عَطاء الكيخَاراني؛ عن أُمِّ الدَّرْداء؛ عن أبي الدَّرْداء؛ قال: قال رسولُ الله صلّى الله عليه و سلم: " أثْقَلُ مَا يُوضَعُ فِي الْمِيزَانِ حُسْنُ الخُلُقِ ". }

(("طبقات الصوفية "لأبي عبد الرحمن السلمي"))



و من أقواله ذكر أبو عبد الرحمن السلمي في "طبقات الصوفية ":

سمعتُ أبا بكرٍ، مُحمدَ بنَ عبد الله، الرَّازيَّ، يقولُ: سمعتُ أبا عُمَرَ الأَنْماطي، يقول: سمعتُ الجُنَيْدَ، يقولُ: سمعتُ الحارثَ المحاسِبيَّ، يقول: " المحاسَبةُ و الموازَنَةُ في أربعةِ مَواطِن: فيما بين الأيمان و الكُفْر، و فيما بين الصِّدق و الكَذبِ، و بين التَّوْحيد و الشِّرْك، و بين الإخْلاصِ و الرِّياء ".

قال: و قال الحارثُ:
" من اجتهد في باطنه ورَّثَهُ اللهُ حُسْن مُعامَلَة ظاهره. و من حَسَّنَ مُعامَلَتَه في ظاهره، مع جُهْدِ باطنه، وَرّثَهُ اللهُ تعالَى الهِدَايةَ إليه، لقوله عزَّ و جَلَّ: (وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا).

سمعتُ عبدَ اللهِ بن عَلِيٍّ الطُّوسِيَّ، يقول: سمعتُ الخُلْدِيَّ، يقولُ: سمعتُ أبا عُثَمانَ البَلَدِيّ، يقولُ: بَلَغَني عن حارثٍ المُحَاسبيِّ، أنه قال: " العِلْمُ يُورِثُ المخافةَ، و الزُّهدُ يُورثُ الراحةَ، و المعرفةُ تورِثُ الإنابَةَ ".
قال: و قال الحارثُ: " خيارُ هذه الأُمَّةِ الذين لا تَشْغَلُهم آخِرَتُهم عن دُنْياهُم؛ و لا دُنْياهُم عن آخِرَتِهم ".
قال: و قال الحارثُ: " الذي يبعثُ العبدَ على التّوْبةِ تركُ الإصْرار. و الذي يبعثُه على تركِ الإصْرار ملازمةُ الخَوفِ ".
قال: و قال الحارثُ: " لا يَنْبَغِي أن يَطْلُبَ العبدُ الوَرَعَ بتضييعِ الواجِبِ ".
قال: و قال الحارثُ: " أكثَر شُغْلِ الحكيمِ فيما يوجِبهُ عليه الوقتُ؛ و الَّذي هو أَوْلَى به فيه ".
قال: و قال الحارثُ: " صِفَةُ العبودية ألاَّ ترى لِنَفْسك مِلْكًا، و تعلمَ أنّك لا تملكُ لنفسك ضَرًّا و لا نَفْعاً ".
قال: و قال الحارثُ: " التّسْلِيمُ هو الثُّبوتُ عند نُزُولِ البلاءِ،من غير تَغَيُر مِنْهُ في الظَّاهِرِ و الباطنِ ".
قال: و سُئِلَ الحارثُ عن الرَّجاء، فقال: " الطّمَعُ في فَضْلِ الله تعالى و رَحْمتِه، و صِدْقُ حُسْنِ الظن عند نُزول الموتِ ".
قال: و قال الحارثُ: " الحزْنُ على وجوه: حُزْنٌ على فَقْدِ أمرٍ يُحَبُّ وجودُه؛ و حزنٌ مخافةَ أمرٍ مُستقبلٍ؛ و حُزْنٌ لما أَحَبَّ من الظّفَرِ بأمرٍ، فَيَتَأخَّرُ عن مُرادِه؛ و حُزْنٌ، يَتَذَكَّرُ من نفسه مُخالَفَاتِ الحقِّ، فَيَحْزَنُ له ".
قال: و قال الحارثُ: " حُسْنُ الخُلُقِ احتمالُ الأذَى، و قِلّةُ الغَضَب، و بَسْطُ الوجه، و طِيبُ الكلام ".
قال: و قال الحارثُ: " لكلِّ شيءٍ جَوْهَرٌ، و جَوْهَرُ الإنسانِ العقلُ، و جَوْهَر العقل الصَّبْرُ ".
قال: و قال الحارثُ: " العملُ بحركاتِ القلوبِ، في مُطالعاتِ الغُيوب، أشرفُ من العملِ بحركاتِ الجوارِح ".
قال: و قال الحارثُ: " من طُبِعَ عَلَى البِدْعَةِ متى يَشِيعُ فيه الحقُّ؟ ".
قال: و قال الحارثُ: " إذا أنت لم تسمَع نداءَ اللهِ؛ فكيف تُجيبُ دَاعِيَ الله؟. و من استغنى بشيءٍ، دون الله، جَهلَ قَدْر الله ".
قال: و قال الحارثُ: " الظالمُ نادمٌ، و إن مَدَحَه النَّاسُ؛ و المظلومُ سالمٌ، و إن ذمَّهُ الناسُ. و القانعُ غَنِيٌّ، و إن جاعَ؛ و الحريصُ فقيرٌ، و غ، مَلَك ".
قال: و قال الحارثُ: " من صَحَّحَ باطِنَه بالمُراقَبةِ و الإخْلاصِ، زَيَّنَ اللهُ ظاهرَه بالمجاهَدَةِ و اتِّباعِ السُّنَّةِ ".

سمعت أبا بكرٍ، محمدَ بنَ عبدِ الله، الرازيَّ، يقولُ: سمعتُ أبا عثمان يقولُ: " أنشد قَوَّال، بين يدي حارثٍ المحاسبيِّ، هذه الأبيات: أنَا فِي الغُرْبَةِ أبْكِي ما بَكَتْ عَيْنُ غَرِيبِ لَمْ أَكُنْ يومَ خُروجِي مِن بِلادِي بِمُصِيبِ عَجباً لي، و لِتَرْكي وَطناً فيهِ حَبيبي! فقام يتواجَدُ و يَبْكي، حتى رحِمَه كلُّ من حَضَره ".
قال: و سُئِلَ الحارثُ: " من أَقْهَر الناسِ لِنَفْسِه؟ ". فقال: " الراضي بالمقدورِ ".
قال:وقال الحارثُ:"الخَلْقُ كلُّهم معذورون في العَقْل، مأخوذون في الحُكْم".
قال: وقال الحرثُ:"من لم يشكُرِ اللهَ على النَّعمةِ، فقد استدْعَى زوالَها"
قال: وقال الحارثُ:"أكملُ العاقِلينَ من أقَرَّ بالععجز أنَّه لا يبلغُ كُنْهَ مَعْرفته".






ويقول ابن خلكان في "وفيات الأعيان "

أبو عبد الله الحارث بن أسد المحاسبي البصري الأصل الزاهد المشهور؛ أحد رجال الحقيقة، وهو ممن اجتمع له علم الظاهر والباطن، وله كتب في الزهد والأصول وكتاب الرعاية له، وكان قد ورث من أبيه سبعين ألف درهم، فلم يأخذ منها شيئاً، قيل: لأن أباه كان يقول بالقدر، فرأى من الورع أن لا يأخذ ميراثه، وقال: صحت الرواية عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: (لا يتوارث أهل ملتين شتى)، ومات وهو محتاج إلى درهم.

ويحكى عنه أنه كان إذا مد يده إلى طعام فيه شبهة تحرك على إصبعه عرق، فكان يمتنع منه. وسئل عن العقل ما هو، فقال: نور الغريزة مع التجارب، يزيد ويقوى بالعلم والحلم.

وكان يقول: فقدنا ثلاثة أشياء: حسن الوجه مع الصيانة، وحسن القول مع الأمانة، وحسن الإخاء مع الوفاء.
وتوفي في سنة ثلاث وأربعين ومائتين، رحمه الله تعالى.

والمحاسبي: بضم الميم وفتح الحاء المهملة وبعد الألف سين مهملة مكسورة وبعدها باء موحدة.
قال السمعاني: وعرف بهذه النسبة، لأنه كان يحاسب نفسه، وقال: كان أحمد بن حنبل رضي الله عنه يكرهه لنظره في علم الكلام وتصنيفه فيه، وهجره فاستخفى من العامة، فلما مات لم يصل عليه إلا أربعة نفر. وله مع الجنيد بن محمد حكايات مشهورة.







و في تهذيب التهذيب يقول ابن حجر العسقلاني:

قال: الخطيب كان عالماً فهماً وله مصنفات في أصول الديانات وكتب في الزهد روى عن يزيد بن هارون وغيره وعنه أحمد بن الحسن بن عبد الجبار الصوفي وأحمد بن القاسم بن نصر الفرائضي وأبو القاسم الجنيد بن محمد الصوفي وأبو العباس بن مسروق وإسماعيل بن إسحاق الثقفي السراج وأبو علي بن خيران الفقيه.
قال: أبو نعيم أنا الخلدي في كتابه سمعت الجنيد يقول مات أبو حارث المحاسبي يوم مات وإن الحارث لمحتاج إلى دانق فضة وخلف مالاً كثيراً وما أخذ منه حبة واحدة وقال: أهل ملتين لا يتوارثان وكان أبوه واقفياً قال: الخطيب وللحارث كتب كثيرة في الزهد والرد على المخالفين من المعتزلة والرافضة وكتب كثيرة الفوائد ذكر أبو علي بن شاذان يوماً كتاب الحارث في الدماء فقال على هذا الكتاب عول أصحابنا في أمر الدماء التي جرت بين الصحابة قيل إنه مات سنة 243.
قلت: وقال: أبو القاسم النصراباذي بلغني أن الحارث تكلم في شيء من الكلام فهجره أحمد بن حنبل فاختفى فلما مات لم يصل عليه إلا أربعة نفر.
وقال: البردعي سئل أبو زرعة عن المحاسبي وكتبه فقال للسائل إياك وهذه الكتب بدع وضلالات عليك بالأثر فإنك تجد فيه ما يغنيك عن هذه الكتب.
قيل له في هذه الكتب عبرة فقال من لم يكن له في كتاب الله عبرة فليس له في هذه عبرة بلغكم أن مالكاً أو الثوري أو الأوزاعي أو الأئمة صنفوا كتباً في الخطرات والوساوس وهذه الأشياء!؟ هؤلاء قوم قد خالفوا أهل العلم يأتونا مرة بالمحاسبي ومرة بعبد الرحيم الديبلي ومرة بحاتم الأصم ثم قال: ما أسرع الناس إلى البدع وروى الخطيب بسند صحيح أن الإمام أحمد سمع كلام المحاسبي فقال لبعض أصحابه ما سمعت في الحقائق مثل كلام هذا الرجل ولا أرى لك صحبتهم.
قلت: إنما نهاه عن صحبتهم لعلمه بقصوره عن مقامهم فإنه في مقام ضيق لا يسلكه كل واحد ويخاف على من يسلكه أن لا يوفيه حقه وقال: الأستاذ أبو منصور البغدادي في الطبقة الأولى من أصحاب الشافعي كان إماماً في الفقه والتصوف والحديث والكلام وكتبه في هذه العلوم أصول من يصنف فيها وإليه ينسب أكثر متكلمي الصفاتية ثم قال: لو لم يكن في أصحاب الشافعي في العلوم إلا الحارث لكان مغبراً في وجوه مخالفيه قال: ابن الصلاح صحبته للشافعي لم أر من صرح بها غيره وليس هو من أهل الفن فيعتمد عليه في ذلك.






و يقول المزي في "تهذيب الكمال في أسماء الرجال" :


الحارث: بن أسد المحاسبي أبو عبد الله الزاهد البغدادي أحد الأئمة المشهورين:
قال: الحافظ أبو بكر الخطيب: كان عالماً فهماً وله مصنفات في أصول الديانات وكتب في الزهد.
وقال في موضع آخر: أحد من اجتمع له الزهد والمعرفة بعلم الظاهر والباطن.
روى عن: عبد العزيز بن عبد الله ومحمد بن كثير الكوفي ويزيد بن هارون.
روى عنه: أحمد بن الحسن بن عبد الجبار الصوفي وأحمد بن القاسم بن نصر الشاعر أخو أبي الليث الفرائضي وأبو العباس أحمد بن محمد بن مسروق الطوسي وإسماعيل بن إسحاق الثقفي السراج وأبو القاسم الجنيد بن محمد الصوفي وأبو علي الحسين بن صالح بن خيران الفقيه.
قال الحافظ أبو نعيم: أخبرنا الخلدي في كتابه قال: سمعت الجنيد يقول: مات أبو حارث المحاسبي يوم مات وإن الحارث لمحتاج إلى دانق فضة وخلف مالاً كثيراً وما أخذ منه حبة واحدة وقال أهل ملتين لا يتوارثان وكان أبوه واقفياً.
أخبرنا بذلك أبو العز الشيباني قال: أخبرنا أبو اليمن الكندي قال: أخبرنا أبو منصور القزاز قال: أخبرنا أبو بكر الخطيب قال: أخبرنا أبو نعيم فذكره.
وبه قال: أخبرنا أبو نعيم قال: سمعت أبا الحسن بن مقسم يقول: سمعت أبا علي بن خيران الفقيه يقول: رأيت أبا عبد الله الحارث بن أسد بباب الطاق في وسط الطريق متعلقاً بأبيه والناس قد اجتمعوا عليه يقول له: طلق أمي فإنك على دين وهي على غيره! قال الحافظ أبو بكر: وللحارث كتب كثيرة في الزهد وفي أصول الديانات والرد على المخالفين من المعتزلة والرافضة وغيرهما وكتب كثيرة الفوائد جمة المنافع ذكر أبو علي بن شاذان يوماً كتاب الحارث في الدماء فقال: على هذا الكتاب عول أصحابنا في أمر الدماء التي جرت بين الصحابة.

وبه قال: أخبرنا أبو نعيم الحافظ قال: أخبرني جعفر الخلدي في كتابه قال: سمعت الجنيد بن محمد يقول كان الحارث المحاسبي يجيء إلى منزلنا فيقول: اخرج معنا نصحر فأقول له: تخرجني من عزلتي وأمني على نفسي إلى الطرقات والآفات ورؤية الشهوات؟! فيقول: اخرج معي ولا خوف عليك فأخرج معه فكأن الطريق فارغ من كل شيء لا نرى شيئاً نكرهه فإذا حصلت معه في المكان الذي يجلس فيه قال: سلني فأقول له: ما عندي سؤال أسألك فيقول لي سلني عما يمنع في نفسك فتنثال علي السؤالات فأسأله عنها فيجيبني عنها للوقت ثم يمضي إلى منزله فيعملها كتباً.

قال: وسمعت الجنيد يقول: كنت كثيراً أقول للحارث: عزلتي أنسي تخرجني إلى وحشة رؤية الناس والطرقات فيقول لي: كم تقول أنسي وعزلتي لو أن نصف الخلق تقربوا مني ما وجدت بهم أنساً ولو أن النصف الآخر نأى عني ما استوحشت لبعدهم.

قال: وسمعت الجنيد يقول: كان الحارث كثير الضر فاجتاز بي يوماً وأنا جالس على بابنا فرأيت على وجهه زيادة الضر من الجوع فقلت له: يا عم لو دخلت إلينا نلت من شيء عندنا قال: وتفعل؟ قلت نعم وتسرني بذلك وتبرني فدخلت بين يديه ودخل معي وعمدت إلى بيت عمي وكان أوسع من بيتنا لا يخلو من أطعمة فاخرة لا تكون مثلها في بيتنا سريعاً فجئت بأنواع كثيرة من الطعام فوضعته بين يديه فمد يده وأخذ لقمة فرفعها إلى فيه فرأيته يلوكها ولا يزدردها فوثب وخرج وما كلمني فلما كان الغد لقيته فقلت: يا عم سررتني ثم نغصت علي قال: يا بني أما الفاقة فكانت شديدة وقد اجتهدت في أن أنال من الطعام الذي قدمته إلي ولكن بيني وبين الله عز وجل علامة إذا لم يكن الطعام مرضياً ارتفع إلى أنفي منه زفورة فلم تقبله نفسي فقد رميت بتلك اللقمة في دهليزكم وخرجت.


وبه قال: أخبرنا أحمد بن علي بن الحسين المحتسب قال: حدثنا الحسن بن الحسين الفقيه الهمذاني قال: سمعت محمد بن أحمد بن هارون الزنجاني بزنجان قال: حدثنا أحمد بن محمد بن مسروق قال: قال: حارث المحاسبي لكل شيء جوهر وجوهر الإنسان العقل وجوهر العقل التوفيق.
وبه قال: أخبرني أبو الحسن محمد بن عبد الواحد قال: أخبرنا محمد بن الحسين النيسابوري قال: سمعت محمد بن عبد الله بن شاذان يقول: سمعت أبا الحسن بن الزنجاني يقول: قال: حارث المحاسبي: ترك الدنيا مع ذكرها صفة الزاهدين وتركها مع نسيانها صفة العارفين.
وقال الحسن بن علي الجوهري: سمعت أبا عبد الله الحسين بن محمد بن عبيد العسكري يقول: سمعت أبا العباس أحمد بن محمد بن مسروق يقول: سمعت حارثاً المحاسبي يقول: ثلاثة أشياء عزيزة أو معدومة حسن الوجه مع الصيانة وحسن الخلق مع الديانة وحسن الإخاء مع الأمانة.
أخبرنا بذلك أبو الحسن بن البخاري وأحمد بن شيبان وزينب بنت مكي وزينب بنت أحمد بن كامل قالوا: أخبرنا أبو حفص بن طبرزد قال: أخبرنا القاضي أبو بكر الأنصاري قال: حدثنا الحسن بن علي الجوهري إملاءً فذكره.
قيل: إنه مات سنة ثلاث وأربعين ومئتين.







و يقول ابن الملقن في" طبقات الأولياء":


الحارث بن أسد المحاسبي البصري أبو عبد الله. أحد الآوتاد والجامع بين الظاهر والباطن. سمي المحاسبي لأنه كان يحاسب نفسه.
مات سنة ثلاث وأربعين ومائتين.

من كلامه: "من أراد أن يذوق لذة طعم معاشرة أهل الجنة فليحصب الفقراء الصادقين".
وقال: "المحبة ميلك إلي المحبوب بكليتك، ثم أيثار له علي نفسك وزوجك ومالك، ثم موافقتك له سراَ وجهراَ، ثم علمك بتقصيرك في حبه":

وروي أنه ورث عن أبيه سبعين ألف درهم، فلم يأخذ منها شيئا، أي لأن أباه كان قدرياً، فتركه وَرَعاً، لاختلاف العلماء في تفكيرهم، وقال: "صحت الرواية أنه لا يتوارث أهل ملتين شيئاً". ومات وهو محتاج إلى درهم.
وروي أن الله تعالى عن ذلك أنه كان إذا مد يده إلي الطعام فيه شبهة تحرك إصبعه عرق، فكان يمتنع منه.
وقال الجنيد: "مربي يوماً، فرأيت فيه أثر الجوع، فقلت: "يا عم، ندخل الدار وتتناول شيئاً؟"، فقال: "نعم" فدخلت الدار، وحملت إليه طعاماً، من عرس قوم؛ فأخذ لقمة وأدارها في فيه مراراً، ثم قام وألقاها في الدهليز وفرَ، فلما رأيته بعد أيام، قلن له في ذلك، فقال: "أني كنت جائعاً أن أسرك بأكلي وأحفظ قلبك، ولكن بينيوبين الله علامة: ألا يسوغني طعاما فيه شبهة، فلم يمكنني ابتلاعه، فمن أين كان ذلك الطعام؟". فقالت: "أنه حمل من دار قريب لي من العرس" ثم قلت له: "تدخل اليوم؟" فقال: "نعم" فقدمت اليه كسراً كانت لنا فأكل، وقال: "إذا قدمت إلي فقير شيئاً فقدم مثل هذا".
وقيل: أنشد قوال بين يديه هذه الأبيات:



[poet font="Tahoma,5,green,bold,normal" bkcolor="transparent" bkimage="" border="none,4,gray" type=0 line=350% align=center use=ex length=0 char="" num="0,black" filter=""]
أنا في الغربة أبكـي = ما بكت عين غريبِ
لم أكن يومي خروجي = من بلادي بمصيبِ
عجباً لي ولتـركـي = وطناً فيه حبـيبـي
أنا أن مت غـرامـاً = فأجعلوا حبي طبيبي
[/poet]

فقام وتواجد وبكي حتى رحمه كل من حضره".









وفي "الطبقات الكبرى" يقول الإمام الشعراني


ومنهم أبو عبد الله الحارث بن أسد المحاسبي رضي الله عنه
وهو من علماء مشايخ القوم بعلوم الظاهر وعلوم الأصول وعلوم المعاملات له التصانيف المشهورة عديم النظير في زمانه وهو أستاذ أكثر البغداديين بصري الأصل.
مات ببغداد سنة ثلاث وأربعين ومائتين رضي الله عنه،

ومن كلامه رضي الله عنه من صحح باطنه بالمراقبة والإخلاص زين الله تعالى ظاهره بالمجاهدة واتباع السنة

وكان رضي الله عنه يقول خيار هذه الأمة هم الذين لا تشغلهم آخرتهم عن دنياهم ولا دنياهم عن آخرتهم

وأنشدوا بين يديه مرة:


[poet font="Tahoma,5,green,bold,normal" bkcolor="transparent" bkimage="" border="none,4,gray" type=0 line=350% align=center use=ex length=0 char="" num="0,black" filter=""]
أنا في الغربة أبكي= ما بكت عين غريب
لم أكن يوم خروجي= عن مكاني بمصيب
عجباً لي ولتركـي= وطناً فيه حبـيبـي
[/poet]

فقام وتواجد حتى رق له كل من حضره

وسئل رضي الله عنه عن المتوكل هل يلحقه طمع من طريق الطباع فقال خطرات لا تضره شيئاً،

وكان رضي الله عنه يقول: عملت كتاباً في المعرفة وأعجبت فيه فبينما أنا ذات يوم أنظر فيه مستحسناً له إذ دخل علي شاب عليه ثياب رثة فسلم علي
وقال يا أبا عبد الله المعرفة حق للحق على الخلق أو حق للخلق على الحق
فقلت له: حق على الخلق للحق،
فقال هو أولى أن يكشفها لمستحقها،
فقلت بل حق للخلق على الحق
فقال: هو أعدل من أن يظلمهم ثم سلم علي وخرج
قال الحارث: فأخذت الكتاب وحرقته وقلت لا عدت أن أتكلم في المعرفة بعد ذلك


وكان رضي الله عنه يقول: أول بلية العبد تعطل القلب من ذكر الآخرة وحينئذ تحدث الغفلة في القلب



وقيل لأحمد بن حنبل رضي الله عنه إن الحارث المحاسبي يتكلم في علوم الصوفية ويحتج لها بالآي والحديث فهل لك أن تسمع كلامه من حيث لا يشعر
فقال: نعم
فحضر معه ليلة إلى الصباح ولم ينكر من أحواله ولا من أحوال أصحابه شيئاً
قال لأني رأيتهم لما أذن بالمغرب تقدم فصلى ثم حضر الطعام فجعل يحدث أصحابه وهو يأكل وهذا من السنة فلما فرغوا من الطعام وغسلوا أيديهم جلس وجلس أصحابه بين يديه وقال: من أراد منكم أن يسأل عن شيء فليسأل فسألوه عن الرياء والإخلاص وعن مسائل كثيرة فأجاب عنها واستشهد عليه بالآي والحديث فلما مر جانب من الليل أمر الحارث قارئاً يقرأ فقرأ فبكوا وصاحوا وانتحبوا ثم سكت القارئ فدعا الحارث بدعوات خفاف ثم قام إلى الصلاة فلما أصبحوا اعترف أحمد رضي الله عنه بفضله

وقال كنت أسمع من الصوفية خلاف هذا أستغفر الله العظيم رضي الله عنه.









و في ذكر أقوال الحارث المحاسبي (رضي الله عنه) يقول الإمام أبو نُعيم الأصبهاني في "حلية الأولياء :


سمعت أبا الحسن بن مقسم يقول: حدثني محمد بن إسحاق بن الإمام حدثني أبي، قال:
سألت الحارث بن أسد المحاسبي: ما تفسير خير الرزق ما يكفي؟
قال: هو قوت يوم بيوم ولا تهتم لرزق غد.


اخبرني جعفر بن محمد الخواص -في كتابه- وحدثني عنه أبو علي الحسين بن يحيى بن زكريا الفقيه، قال: سمعت أبا الحسن بن مسروق، والجنيد بن محمد يقولان: سمعنا الحارث المحاسبي يقول:
فقدنا ثلاثة أشياء لا نكاد نجدها إلى الممات:
حسن الصيانة، وحسن القول مع الديانة، وحسن الإخاء مع الأمانة.

اخبرني جعفر -في كتابه- وحدثني عنه أبو طاهر محمد بن إبراهيم بن أحمد، قال:
سمعت أبا عثمان البلدي يقول: بلغني عن الحارث المحاسبي أنه قال:
العلم يورث المخافة، والزهد يورث الراحة، والمعرفة تورث الإنابة.

قال: وقال الحارث:
من صحح باطنه بالمراقبة والإخلاص، زين ظاهره بالمجاهدة واتباع السنة
لقوله: "والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا". "العنكبوت 69".

اخبرني أبو جعفر -في كتابه- وحدثني عنه محمد بن إبراهيم، قال: سمعت الجنيد بن محمد يقول: قال الحارث:
لا ينبغي للعبد أن يطلب الورع بتضييع الواجب.

وقال: قال الحارث:
إذا أنت لم تسمع نداء الله فكيف تجيب داعي الله؟ ومن استغنى بشيء دون الله فقد جهل قدر الله.

وقال:
الظالم نادم وإن مدحه الناس، والمظلوم سالم وإن ذمه الناس، والقانع غني وإن جاع، والحريص فقير وإن ملك.


اخبرني جعفر بن محمد في كتابه، وحدثني عنه محمد بن إبراهيم، قال: سمعت الجنيد بن محمد يقول: قال الحارث بن أسد:
أصل الطاعة الورع، وأصل الورع التقوى، وأصل التقوى محاسبة النفس، وأصل محاسبة النفس الخوف والرجاء، وأصل الخوف والرجاء معرفة الوعد والوعيد، ومعرفة أصل الوعد والوعيد عظم
الجزاء، وأصل ذلك الفكرة والعبرة. وأصدق بيت قالته العرب قول حسان بن ثابت حيث يقول:


[poet font="Tahoma,5,firebrick,bold,normal" bkcolor="transparent" bkimage="" border="none,4,gray" type=0 line=350% align=center use=ex length=0 char="" num="0,black" filter=""]
وما حملت من ناقة فوق رحلها = أعف وأوفى ذمة من محمـد
[/poet]


اخبرني أبو بكر محمد بن أحمد -في كتابه قبل أن لقيته- وحدثني بهذا عنه عثمان بن محمد العثماني حدثني أبو عبد الله أحمد بن عبد الله بن ميمون، قال: سمعت الحارث بن أسد يقول:

إن أول المحبة الطاعة وهي منتزعة من حب السيد عز وجل إذ كان هو المبتدئ بها، وذلك أنه عرفهم نفسه ودلهم على طاعته وتحبب إليهم، على غناه عنهم، فجعل المحبة له ودائع في قلوب محبيه، ثم ألبسهم النور الساطع في ألفاظهم من شدة نور محبته في قلوبهم. فلما فعل ذلك بهم عرضهم سروراً بهم على ملائكته، حتى أحبهم الذين ارتضاهم لسكنى أطباق سمواته نشر لهم الذكر الرفيع عن خليقته،
قبل أن يخلقهم مدحهم،
وقبل أن يحمدوه شكرهم،
لعلمه السابق فيهم أنه يبلغهم ما كتب لهم،
وأخبر به عنهم،
ثم أخرجهم وقد استأثر بقلوبهم عليهم،
ثم رد أبدان العلماء إلى الخليقة، وقد أودع قلوبهم خزائن الغيوب فهي معلقة بمواصلة المحبوب، فلما أراد أن يحييهم ويحيي الخليقة بهم أسلم لهم هممهم ثم أجلسهم على كرسي أهل المعرفة فاستخرجوا من المعرفة المعرفة بالأدواء، ونظروا بنور معرفته إلى منابت الدواء،
ثم عرفهم من أين يهيج الداء، وبما يستعينون على علاج قلوبهم. ثم أمرهم بإصلاح الأوجاع، وأوعز إليهم في الرفق عند المطالبات وضمن لهم إجابة دعائهم عند طلب الحاجات،
نادى بخطرات التلبية من عقولهم في أسماع قلوبهم،

إنه تبارك وتعالى يقول: يا معشر الأدلاء من أتاكم عليلاً من فقدي فداووه، وفاراً من خدمتي فردوه، وناسياً لأيادي ونعمائي فذكروه، لكم خاطبت لأني حليم، والحليم لا يستخدم إلا الحلماء، ولا يبيح المحبة للبطالين ضناً بما استأثر منها، إذ كانت منه وبه تكون،

فالحب لله هو الحب المحكم الرصين، وهو دوام الذكر بالقلب واللسان لله وشدة الأنس بالله، وقطع كل شاغل شغل عن الله، وتذكار النعم والأيادي،

وذلك أن من عرف الله بالجود والكرم والإحسان اعتقد الحب له إذ عرفه بذلك أنه عرفه بنفسه هداه لدينه،
ولم يخلق في الأرض شيئاً إلا وهو مسخر له وهو أكرم عليه منه، فإذا عظمت المعرفة واستقرت هاج الخوف من الله وثبت الرجاء.

قلت: خوفاً لماذا؟ ورجاء لماذا؟

قال: خوفاً لما ضيعوا في سالف الأيام لازماً لقلوبهم، ثم خوفاً ثابتاً لا يفارق قلوب المحبين، خوفاً أن يسلبوا النعم إذا ضيعوا الشكر على ما أفادهم، فإذا تمكن الخوف من قلوبهم وأشرفت نفوسهم على حمل القنوط عنهم هاج الرجاء بذكر سعة الرحمة من الله، فرجاء المحبين تحقيق، وقربانهم الوسائل، فهم لا يسأمون من خدمته، ولا ينزلون في جميع أمورهم إلا عند أمره، لمعرفتهم به أنه قد تكفل لهم بحسن النظر،
ألم تسمع إلى قول الله: "الله لطيف بعباده". "الشورى 19".
فدخلت النعم كلها في اللطف، واللطف ظاهر على محبته خاصة دون الخليقة، وذلك أن الحب إذا ثبت في قلب عبد لم يكن فيه فضل لذكر إنس ولا جان، ولا جنة ولا نار، ولا شيء إلا ذكر الحبيب وذكر أياديه وكرمه، وذكر ما دفع عن المحبين له من شر المقادير، كما دفع عن إبراهيم الخليل عليه السلام وقد أججت النار وتوعده المعاند بلهب الحريق، فأراه جل وعز آثار القدرة في مقامه، ونصرته لمن قصده، ولا يريد به بدلا. وذكر ما وعد أولياءه من زيارتهم إياه وكشف الحجب لهم، وأنهم لا يحزنهم الفزع الأكبر في يوم فزعهم إلى معونته على شدائد الأخطار، والوقوف بين الجنة والنار.

قال الحارث: وقيل إن الحب لله هو شدة الشوق، وذلك أن الشوق في نفسه تذكار القلوب بمشاهدة المعشوق، وقد اختلف العلماء في صفة الشوق فقالت فرقة منهم: الشوق انتظار القلب دولة الاجتماع. وسألت رجلاً لقيته في مجلس الوليد بن شجاع يوماً من الشوق متى يصح لمن ادعاه؟ فقال: إذا كان لحالته صائناً مشفقاً عليها من آفات الأيام، وسوء دواعي النفس، وقد صدق العالم في قوله، وذلك أن المشتاقين لولا أنهم ألزموا أنفسهم التهم والمذلة لسلبوا عذوبات الفوائد التي ترد من الله على قلوب محبيه. قلت: فما الشوق عندك؟ قال: الشوق عندي سراج نور من نور المحبة غير أنه زائد على نور المحبة الأصلية. قلت: وما المحبة الأصلية؟ قال: حب الإيمان وذلك أن الله تعالى قد شهد للمؤمنين بالحب له
فقال: "والذين آمنوا أشد حباً لله". "البقرة 165".

فنور الشوق من نور الحب وزيادته من حب الوداد، وإنما يهيج الشوق في القلب من نور الوداد،
فإذا أسرج الليل ذلك السراج في قلب عبد من عباده لم يتوهج في فجاج القلب إلا استضاء به، وليس يطفئ ذلك السراج إلا النظر إلى الأعمال بعين الأمان، فإذا أمن على العمل من عدوه لم يجد لإظهاره وحشة السلب فيحل العجب وتشرد النفس مع الدعوى وتحل العقوبات من المولى. وحقيق على من أودعه الله وديعة من حبه فدفع عنان نفسه إلى سلطان الأمان يسرع به السلب إلى الافتقاد.
وقالت امرأة من العوابد: والله لو وهب الله لأهل الشوق إلى لقائه حالة لو فقدوها لسلبوا النعيم. قيل لها: وما تلك الحالة؟
قالت: استقلال الكثير من أنفسهم، ويعجبون منها كيف صارت مأوى لتلك الفوائد،
وقيل لبعض العباد: أخبرنا عن شوقك إلى ربك ما وزنه في قلبك؟
فقال العابد للسائل: لمثلي يقال هذا؟ لا يمكن أن يوزن في القلب شيء إلا بحضرة النفس وإن النفس إذا حضرت أمراً في القلب من ميراث القربة قذفت فيه أسباب الكدورات.
وقيل لمضر القارئ: الخوف أولى بالمحب أم الشوق؟ فقال: هذه مسألة لا أجيب فيها، ما اطلعت النفس على شيء قط إلا أفسدته.
وأنشدني عبد العزيز بن عبد الله في ذلك يقول:
[poet font="Tahoma,5,green,bold,normal" bkcolor="transparent" bkimage="" border="none,4,gray" type=0 line=350% align=center use=ex length=0 char="" num="0,black" filter=""]
الخوف أولى بالمسيء= إذا تأله والحـزن
والحب يحسن بالمطيع =وبالنقي من الـدرن
والشوق للنجباء والأبدال =عند ذوي الفطـن
[/poet]

فلذلك قيل: الحب هو الشوق لأنك لا تشتاق إلا إلى حبيب، فلا فرق بين الحب والشوق إذا كان الشوق فرعاً من فروع الحب الأصلي. وقيل: إن الحب يعرف بشواهده على أبدان المحبين وفي ألفاظهم، وكثرة الفوائد عندهم لدوام الاتصال بحبيبهم، فإذا واصلهم الله أفادهم فإذا ظهرت الفوائد عرفوا بالحب لله ليس لحب شبح ماثل ولا صورة فيعرف بجبلته وصورته، وإنما يعرف المحب بأخلاقه وكثرة الفوائد التي يجريها الله على لسانه بحسن الدلالة عليه، وما يوحى إلى قلبه، فكلما ثبتت أصول الفوائد في قلبه نطق اللسان بفروعها، فالفوائد من الله واصلة إلى قلوب محبيه فأبين شواهد المحبة لله شدة النحول بدوام الفكر وطول السهر بسخاء الأنفس على الأنفس بالطاعة وشدة المبادرة خوف المعالجة والنطق بالمحبة على قدر نور الفائدة،

فلذلك قيل: إن علامة الحب لله حلول الفوائد من الله بقلوب من اختصه الله بمحبته.

وأنشد بعض العلماء:
[poet font="Tahoma,5,green,bold,normal" bkcolor="transparent" bkimage="" border="none,4,gray" type=0 line=350% align=center use=ex length=0 char="" num="0,black" filter=""]
له خصائص يكلفون بحـبـه =اختارهم في سالف الأزمان
اختارهم من قبل فطرة خلقهم = بودائع وفـوائد وبـــيان
[/poet]

فالحب لله في نفسه استنارة القلب بالفرح لقربه من حبيبه، فإذا استنار القلب بالفرح استلذ الخلوة بذكر حبيبه، فالحب هائج غالب والخوف لقلبه لازم لا هائج إلا أنه قد ماتت منه شهوة كل معصية وهدى لأركان شدة الخوف وحل الأنس بقلبه لله فعلامة الأنس استثقال كل أحد سوى الله، فإذا ألف الخلوة بمناجاته حبيبه استغرقت حلاوة المناجاة العقل كله حتى لا يقدر أن يعقل الدنيا وما فيها،
ومن غير ذلك قول ضيغم العابد: عجباً للخليقة كيف استنارت قلوبهم بذكر غيرك؟
وحدثني أبو محمد قال: أوحى الله تعالى إلى داود عليه السلام:
يا داود إن محبتي في خلقي أن يكونوا روحانيين وللروحانية علم هو أن لا يغتموا وأنا مصباح قلوبهم.
يا داود لا تمزج الغم قلبك فينقص ميراث حلاوة الروحانيين.
يا داود هممت للخبز أن تأكله وأنت تريدني وتزعم أنك منقطع إلي، تدعي محبتي وأنك قد أحببتني وأنت تسيئ الظن بي أما كان لك علم فيما بيني وبينك أن كشفت لك الغطاء عن سبع أرضين حتى أريتك دودة في فيها برة تحت سبع أرضين، حتى تهتم بالرزق. يا داود أقر لي بالعبودية أبحك ثواب العبودية وهو محبتي.
يا داود تواضع لمن تعلمه ولا تطاول على المريدين، فلو يعلم أهل محبتي ما قدر المريدين عندي لكانوا للمريدين أرضاً يمشون عليها، وللحسوا أقدامهم.
يا داود، إذا رأيت لي طالباً فكن لي خادماً واصبر على المؤونة تأتك المعونة.
يا داود لأن يخرج على يديك عبد ممن أسكره حب الدنيا حتى تستنقذه من سكرة ما هو فيه سميتك عندي جهبذا، ومن كان جهبذا لم تكن به فاقة ولا وحشة إلى أحد من خلقي.
يا داود من لقيني وهو يحبني أدخلته جنتي.


اخبرني أبو بكر محمد بن أحمد -في كتابه قبل أن لقيته- وحدثني عنه عثمان بن محمد العثماني، حدثني أبو عبد الله أحمد بن عبد الله ابن ميمون، قال:
سمعت الحارث بن أسد المحاسبي يقول:
علامة أهل الصدق من المحبين غاية أملهم في الدنيا أن تصبر أبدانهم على الدون وأن تخلص لهم النيات من فسادها، ومنهم من يريد في الدنيا شواهد الكرامات عند سرعة الإجابة وغاية أملهم في الآخرة أن ينعمهم بنظره إليهم، فنعيمها الإسفار وكشف الحجاب حتى لا يمارون في رؤيته، والله ليفعلن ذلك بهم إذا استزارهم إليه.
حدثني بعض العلماء، قال: أوحى الله تعالى إلى نبي من الأنبياء عليهم السلام: بعيني ما يتحمل المتحملون من أجلي، وما يكابد المكابدون في طلب مرضاتي، فكيف إذا صاروا إلى جواري واستزرتهم للمقعد عندي، أسفرت لهم عن وجهي، فهناك فليبشر المصفون للرحمن أعمالهم بالنظر العجيب من الحبيب القريب أتراني أنسى لهم عملاً؟ كيف وأنا ذو الفضل العظيم، أجود على المولين عني فكيف بالمقبلين علي، وما غضبت على شيء كغضبي على من أخطأ خطيئة ثم استعظمها في جنب عفوي، ولو عاجلت أحداً بالعقوبة لعاجلت القانطين من رحمتي، ولو يراني عبادي كيف أستوهبهم ممن اعتدوا عليهم بالظلم في دار الدنيا ثم أوجبت لمن وهبهم النعيم المقيم لما اتهموا فضلي وكرمي،

ولو لم أشكر عبادي إلا على خوفهم من المقام بين يدي لشكرتهم على ذلك،

ولو يراني عبادي كيف أرفع قصوراً تحار فيها الأبصار فيقال لمن هذه فأقول لمن عصاني ولم يقطع رجاء مني

فأنا الديان الذي لا تحل معصيتي ولا حاجة بي إلى هوان من خاف مقامي.











[fot]يا مدد[/fot]

_________________

ما خاب بين الورى يوما ولا عثرت***في حالة السير بالبلوى مطيته
من كان لله رب العرش ملتجأ***ومن تكن برسول الله نصرته


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة:
مشاركة غير مقروءةمرسل: الاثنين يونيو 11, 2007 3:51 pm 
غير متصل

اشترك في: الجمعة فبراير 27, 2004 11:21 pm
مشاركات: 2119
مكان: مصر
هولاء هم الصوفية...

[twh][align=center]داود الطائي
(المتوفى سنة 165هــ)
[/align][/twh]

داود بن نصير الطائي، ابو سليمان:

من ائمة المتصوفين.

كان في ايام المهدي العباسي. اصله من خراسان، ومولده بالكوفة.

رحل الى بغداد، فأخذ عن ابي حنيفة وغيره، وعاد الى الكوفة، فأعتزل الناس، ولزم العبادة الى ان مات فيها.

قال احد معاصيريه: لو كان داود في الامم الماضية لقص الله تعالى شيئاً من خبره.


(("الأعلام " للزركلي ))




داود بن نصير الطائي أبو سليمان الكوفي الفقيه الزاهد روى عن عبد الملك بن عمير وإسماعيل بن أبي خالد وحميد الطويل وسعد بن سعيد الأنصاري وابن أبي ليلى والأعمش وغيرهم وعنه عبد الله بن إدريس وابن عيينة وابن علية ومصعب بن المقدام وإسحاق بن منصور السلولي ووكيع وأبو نعيم وغيرهم. قال بن المديني عن بن عيينة كان داود ممن علم وفقه ثم أقبل على العبادة وكان الثوري إذا ذكره قال أبصر الطائي أمره وقال عطاء بن مسلم كنا ندخل على داود الطائي فلم يكن في بيته الا بارية وابنه يضع رأسه عليها وإجانة فيها خبز ومطهرة يتوضأ منها ومنها يشرب وقال الآجري عن أبي داود دفن داود الطائي كتبه وقال بن معين ثقة وقال البخاري مات بعد الثوري قاله لي علي وقال أبو نعيم مات سنة 160، وقال بن نمير مات سنة 165،.


(("تهذيب التهذيب "ابن حجر العسقلاني ))



[align=center]*****[/align]




و في "طبقات الأولياء" قال ابن الملقن :


داود بن نصير الطائي أبو سليمان. كان كبير الشأن، سمع الحديث، واشتغل بالفقه مدة، ثم اختار العبادة والزهد، فبلغ منهما الغاية.
ورث عن ابيه عشرين ديناراً، فأكلها في عشرين سنة، كل سنة ديناراً، منه يصل، ومنه يتصدق.
وكان بدء توبته أنه دخل المقبرة، فسمع امرأة عند قبر تقول:

[poet font="Tahoma,4,green,bold,normal" bkcolor="transparent" bkimage="" border="none,4,gray" type=0 line=350% align=center use=ex length=0 char="" num="0,black" filter=""]
مقيم إلى أن يبعث الله خلقـه= لقاؤك لا يرجى وأنت قريب
نريد تلاقى كـل يوم ولـيلة= وتبلى كما تبلى وأنت حبيب
[/poet]

وقيل: سبب زهده أنه سمع نائحة تندب وتقول:
[poet font="Tahoma,4,green,bold,normal" bkcolor="transparent" bkimage="" border="none,4,gray" type=0 line=350% align=center use=ex length=0 char="" num="0,black" filter=""]
بأي خديك تبدى البلى= وأي عينيك إذا سالا؟
[/poet]

مات بالكوفة سنة خمس - وقيل: ست - وستين ومائة، فى خلافة المهدى.

من كلامه: "ما أخرج الله عبداً من ذل المعاصي إلى عز التقوى إلا أغناه بلا مال، وأعزه بلا عشيرة، واّنسه بلا بشر".

ودخل عليه رجل، فقال له: "ما حاجتك؟"،
قال: "زيارتك"
فقال: "أما أنت فقد فعلت خيراً حين زرت، ولكن انظر ما ينزل بي أنا، إذا قال لي: من أنت لتزار؟. من الزهاد؟لا والله. أنت من العباد؟ لا والله. أنت من الصالحين؟. لا والله".
ثم أقبل يوبخ نفسه "كنت في الشبيبة فاسقاً، ولما شبت صرت مرائياً".

وقال عبد الله بن ادريس، قلت لداود: "أوصني"
فقال: "أقلل من معرفة الناس".
قلت: "زدني"،
قال: "ارض باليسير من الدنيا، عن سلامة الدين، كما رضى أهل الدنيا بالدنيا، مع فساد الدين".
قلت: "زدني"،
قال: "اجعل الدنيا كيوم صمته، ثم أفطر على الموت".

وأحتجم داود، فأعطى الحجام ديناراً، فقيل له: "هذا أسراف"، فقال: "لا عبادة لمن لا مروءة له".

ودخل عليه بعض أصحابه، فرأى جرة ماء، قد انبسطت عليها الشمس، فقال له: "ألا تحملها إلى الظل؟" فقال: "حين وضعتها لم يكن شمس، وأنا أستحي من الله أن يراني أمشى لما فيه حظ نفسي".

وقيل له: "قد رضيت من الدنيا باليسير"،
فقال: "ألا أدلك على من رضى بأقل من ذلك؟. من رضى بالدنيا كلها عوضاً عن الآخرة".

ويروى أنه خرج يوماً إلى السوق، فرأى الرطب، فاشتهته نفسه، فجاء إلى البائع فقال: "أعطني بدرهم إلى الغد". فقال له: "اذهب إلى عملك" فرآه بعض من يعرفه، فأخرج له صرة فيها مائة درهم، وقال له: "اذهب فان أخذ منك بدرهم رطباً فالمائة لك". فلحقه البائع، وقال له: "ارجع خذ حاجتك" فقال: لا حاجة لي فيه. أنا جربت هذه النفس، فلم أرها تسوى فى هذه الدنيا درهماً، وهى تريد الجنة غداً".

ودخل عليه رجل، فوجده يأكل ملحاً جريشاً بخبز يابس، فقال له: "كيف يشتهى هذا؟" قال: "ادعه حتى أشتهيه".
واشتكى داود أياماً، وكان سبب علته أنه مر بآية فيها ذكر النار، فكررها مراراً في ليلته، فأصبح مريضاً، ووجدوه قد مات، ورأسه على لبنه.

ورآه بعض الصالحين في المنام، فقال له: "الساعة خلصت من السجن" فاستيقظ الرجل،
وإذا الصياح:
"قد مات داود".






و في "صفة الصفوة" قال عنه ابن الجوزي:



داود بن نصير الطائي
يكنى أبا سليمان، سمع الحديث وتفقه، ثم اشتغل بالتعبد.
أحمد بن أبي الحواري
قال: حدثني بعض أصحابنا قال:
كان داود الطائي يجالس أبا حنيفة فقال له أبو حنيفة: يا أبا سليمان أما الأداة فقد أحكمناها. قال داود: فأي شيء بقي؟ قال: بقي العمل به. قال: فنازعتني نفسي إلى العزلة والوحدة، فقلت لها: حتى تجلسي معهم فلا تجيبي في مسئلة. قال: فكان يجالسهم سنة قبل أن يعتزل. قال: فكانت المسئلة تجيء وأنا أشد شهوة للجواب فيها من العطشان إلى الماء فلا أجيب فيها. قال: فاعتزلتهم بعد.
أبو أسامة قال: جئت أنا وابن عيينة داود الطائي فقال: قد جئتماني مرة فلا تعودا إلي.
ابن عائشة قال: مر داود بمقبرة فسمع امرأة وهي تقول: يا حبي ليت شعري بأي خديك بدأ البلى؟ باليمنى أم باليسرى؟ قال: فصعق.

قال: وكان الثوري إذا ذكره قال: ابصر الطائي أمره.

محمد بن حاتم البغدادي قال: سمعت الجماني يقول: كان بدو توبة الطائي أنه دخل المقبرة فسمع امرأة عند قبر وهي تقول:
[poet font="Tahoma,4,green,bold,normal" bkcolor="transparent" bkimage="" border="none,4,gray" type=0 line=350% align=center use=ex length=0 char="" num="0,black" filter=""]

مقيم إلى أن يبعث الله خلقـه= لقاؤك لا يرجى وأنت قريب
تزيد بلى في كل يوم ولـيلة= وتسلى كما تبلى وأنت حبيب
[/poet]

أحمد بن أبي الحواري قال: حدثني محمد يحيى عن داود الطائي قال:
ما أخرج الله عبداً من ذل المعاصي إلى عز التقوى إلا أغناه بلا مال، وأعزه بلا عشيرة، وآنسه بلا بشر.

عن بكر بن محمد قال: قال لي داود الطائي: فر من الناس كما تفر من الأسد.

محمد بن عثمان الصيرفي قال: جاء أبو الربيع الأعرج إلى داود الطائي من واسط ليسمع منه شيئاً ويراه. فأقام على بابه ثلاثة أيام لا يصل اليد. قال: وكان إذا سمع الإقامة خرج فإذا سلم الإمام وثب فدخل منزله.
قال: فصليت في مسجد آخر ثم جئت فجلست على بابه فلما جاء ليدخل الدار قلت: ضيف رحمك الله. قال: إن كنت ضيفاً فادخل، فدخلت فأقمت عنده ثلاثة أيام لا يكلمني. فلما كان بعد ثلاث قلت: رحمك الله أتيتك من واسط وإني أحببت أن تزودني شيئاً. قال: صم الدنيا واجعل فطرك الموت. قلت: زدني رحمك الله. قال: فر من الناس فرارك من الأسد، غير طاعن عليهم، ولا تارك لجماعتهم. قال: فذهبت أستزيده فوثب إلى المحراب وقال: الله أكبر.

عن أبي الربيع الأعرج قال: أتيت داود الطائي، وكان لا يخرج من منزله حتى يقول: قد قامت الصلاة فيخرج فيصلي فإذا سلم الإمام أخذ نعله ودخل منزله. فلما طال ذلك علي أدركته يوماً فقلت: يا أبا سليمان على رسلك فوقف لي فقلت له أبا سليمان أوصني قال: اتق الله، وإن كان لك والدان فبرهما. ثم قال: ويحك صم الدنيا واجعل الفطر موتك، واجتنب الناس غير تارك لجماعتهم.

عبد الله بن إدريس قال: قلت لداود الطائي: أوصني. قال: أقلل من معرفة الناس. قلت: زدني. قال: إرض باليسير من الدنيا مع سلامة الدين كما رضي أهل الدنيا مع فساد الدين. قلت: زدني. قال: اجعل الدنيا كيوم صمته ثم أفطرت على الموت.

إسحاق بن منصور السلولي قال: دخلت أنا وصاحب لي على داود الطائي وهو على التراب، فقلت لصاحبي: هذا رجل زاهد. فقال داود: إنما الزاهد من قدر فترك.

الوليد بن عقبة قال: كان يخبز لداود الطائي ستون رغيفاً يعلقها بشريط، يفطر كل ليلة على رغيفين بملح وماء. فأخذ ليلة فطره فجعل ينظر إليه. قال: ومولاة له سوداء تنظر إليه، فقامت فجاءته بشيء من تمر على طبق فأفطر ثم أحيا ليلته وأصبح صائماً. فلما جاء وقت الإفطار أخذ رغيفيه وملحاً وماء.

قال الوليد بن عقبة: فحدثني جار له قال: جعلت أسمعه يعاتب نفسه ويقول: اشتهيت البارحة تمراً فأطعمتك، واشتهيت الليلة تمراً؟ لا ذاق داود تمراً ما دام في الدنيا.

عن حماد بن أبي حنيفة قال: قالت مولاة لداود الطائي: يا داود لو طبخت لك دسماً. قال: فافعلي. فطبخت له شحماً ثم جاءته به. فقال لها: ما فعل أيتام بني فلان؟ قالت: على حالهم. قال: اذهبي به إليهم فقالت له: فديتك إنما تأكل هذا الخبز بالماء؟ قال: إني إذا أكلته كان في الحش وإذا أكله هؤلاء الأيتام كان عند الله مذخوراً.

صدقة الزاهد قال: خرجنا مع داود الطائي في جنازة بالكوفة، فقعد داود ناحية وهي تدفن فجاء الناس فقعدوا قريباً منه فتكلم فقال: من خاف الوعيد قصر عليه البعيد، ومن طال أمله ضعف عمله، وكل ما هو آت قريب، واعلم يا أخي أن كل ما يشغلك عن ربك فهو عليك مشؤوم، واعلم أن أهل القبور إنما يفرحون بما يقدمون ويندمون على ما يخلفون. وأهل الدنيا يقتتلون ويتنافسون فيما عليه أهل القبور يندمون.

أبو حفص قال: سمعت ابن أبي عدي يقول: صام داود الطائي أربعين سنة ما علم به أهله، وكان خزازاً، وكان يحمل غذاءه معه ويتصدق به في الطريق ويرجع إلى أهله يفطر عشاء لا يعلمون أنه صائم.

قال الشيخ: وقد رويت لنا هذه الحكاية من طريق أبي حفص الفلاس أيضاً.

عن أبي عدي أن هذا جرى لداود بن أبي هند، وسنذكرها في أخبار البصريين، وهي بذاك أليق من داود الطائي. وكان متشاغلاً بالعلم ثم انقطع إلى التعبد، ولم ينقل عنه أنه تشاغل بالمعاش، لعل بعض الرواة قال الطائي. والله أعلم.

محمد بن بشر العبدي قال: قال داود يوماً لمولاة له في الدار: أشتهي لبناً فخذي رغيفاً، فائتي به البقال فاشتري به لبناً ولا تعلمي البقال لمن هو؟ فذهبت، فجاءت به فأكل وفطن البقال بعد أنها تريد اللبن لداود، فطيبه له. فقال لها: علم البقال لمن تريدين اللبن؟ فقالت: نعم. قال: ارفعيه. فما عاد فيه.

قال: وجاءه فضيل يوماً فلم يفتح له، فجلس فضيل خارج الباب وهو داخل فبكى داود من داخل وفضيل من خارج، ولم يفتح له. قلت لمحمد بن بشر: كيف لم يفتح له الباب؟ قال: قد كان يفتح لهم. وكثروا عليه فغموه فحجبهم كلهم، فمن جاءه كلمه من وراء الباب.

وقالت له أمه: لو اشتهيت شيئاً اتخذته لك. فقال: أجيدي يا أماه فإني أريد أن أدعو إخواناً لي. قال: فاتخذت وأجادت. قال: فقعد على الباب لا يمر سائل إلا أدخله. قال: فقدم إليهم فقالت له أمه: لو أكلت. قال: فمن أكله غيري.

قال: وإنما جد واجتهد حين ماتت أمه قسم كل شيء تركت حتى لزق بالأرض، وكانت موسرة.

إسحاق بن منصور قال: حدثني جنيد يعني الحجام قال: أتيت داود الطائي فإذا قرحة قد خرجت على لسانه فبططتها وأخرجت قليل داوء فوضعته في خرقة. فقلت: إذا كان الليل فضعه عليها. فقال: ارفع ذلك اللبد. فرفعته فإذا دينار فقال: خذه. قلت: يا أبا سليمان ليس هذا ثمن هذا، ثمن هذا دانق فوضعت الدواء في كوة وخرجت ثم غدوت بعد يومين فإذا الدواء على حاله. قلت: يا أبا سليمان سبحان الله، لم لم تعالج بهذا الدواء؟ فقال لي: إن أنت لم تأخذ الدينار لم أمسه.

إسماعيل بن زيان قال: حجم حجام داود الطائي أعطاه ديناراً لا يملك غيره.

حدثنا أبو سعيد السكري قال: احتجم داود الطائي فدفع ديناراً إلى الحجام فقيل له: هذا إسراف. فقال: لا عبادة لمن لا مروءة له.

عبادة بن كليب قال: قال رجل لداود الطائي: لو أمرت بما في سقف البيت من نسج العنكبوت فينظف. فقال: أما علمت أنه كان يكره فضول النظر.

الحسن بن عيسى قال: سمعت عبد الله بن المبارك يقول: وهل الأمر إلا ما كان عليه داود الطائي.

عبيد الله بن محمود بن سلمة بن معبد قال: لقي داود الطائي رجلاً فسأله عن حديث، فقال: دعني إني أبادر خروج نفسي.

وكان الثوري إذا ذكره قال: أبصر الطائي أمره.

أبو خالد الأحمر قال: مررت أنا وسفيان الثوري بمنزل داود الطائي فقال لي سفيان: ادخل بنا نسلم عليه. فدخلنا إليه فما احتفل بسفيان ولا انبسط إليه. فلما خرجنا قلت له: يا أبا عبد الله غاظني ما صنع بك. قال: وأي شيء صنع بي؟ قلت: لم يحفل بك ولم ينبسط إليك. قال: إن أبا سليمان لا يتهم في مودة، أما رأيت عينيه؟ هذا في شيء غير ما نحن فيه.

أبو عمران قال: حدثني أسود بن سالم أن داود الطائي كان يقول: سبقني العابدون وقطع بي، والهفاه.

محمد بن أشكاب قال: حدثني رجل من أهل داود الطائي قال: قلت له يوماً: ما أبا سليمان قد عرفت الرحم التي بيننا فأوصني قال: فدمعت عيناه. ثم قال يا أخي إنما الليل والنهار مراحل ينزلها الناس مرحلة مرحلة حتى ينتهي بهم ذلك إلى آخر سفرهم، فإن استطعت أن تقدم في كل مرحلة زاداً لما بين يديها فافعل، فإن انقطاع السفر عن قريب والأمر أعجل من ذلك، فتزود لسفرك واقض ما أنت قاض من أمرك، فكأنك بالأمر قد بغتك، إني لأقول لك هذا وما أعلم أحداً أشد تضييعاً مني لذلك. ثم قام وتركني.

أبو المهنا الطائي قال: خرج داود الطائي إلى السوق فرأى الرطب فاشتهته نفسه فجاء إلى البائع فقال له: أعطني بدرهم إلى غد. فقال له: اذهب إلى عملك. فرآه بعض من يعرفه فأخرج له صرة فيها مائة درهم وقال: اذهب فإن أخذ منك بدرهم فالمائة لك. فلحقه البائع وقال له: ارجع خذ حاجتك. فقال: لا حاجة لي فيه إنما جربت هذه النفس فلم أرها تساوي في هذه الدنيا درهماً وهي تريد الجنة غداً.

حفص بن عمر الجعفي قال: كان داود الطائي قد ورث عن أمه أربعمائة درهم، فمكت يتقوتها ثلاثين عاماً، فلما نفذت جعل ينقض سقوف الدويرة فيبيعها حتى باع الخشب والبواري واللبن، حتى بقي في نصف سقف. وجاء صديق له فقال: يا أبا سليمان لو أعطيتني هذه فأبضعتها لك لعلنا نستفضل لك فيها شيئاً ينتفع به. فما زال به حتى دفعها إليه، ثم فكر فيها فلقيه بعد العشاء الآخرة فقال: ارددها علي. فقال: ولم ذاك يا أخي؟ قال: أخاف أن يدخل فيها شيء غير طيب فأخذها.

عثمان بن زفر قال: أخبرني ابن عم لداود الطائي قال: ورث داود الطائي من أبيه عشرين ديناراً فأكلها في عشرين سنة، كل سنة ديناراً منه يصل ومنه يتصدق، وورث بيتاً فكان يكون فيه لا يعمره، كلما خربت ناحية تركها وتحول إلى ناحية أخرى فخرب كله إلا زاوية منه كان يكون فيها.

محمد بن إسحاق قال: سمعت محمد بن زكريا يقول: سمعت بعض أصحابنا قال: ورث داود الطائي من مولاة له عشرين ديناراً كفته عشرين سنة.

عن عبد الله بن صالح قال: قال داود الطائي: يا بن آدم فرحت ببلوغ أملك وإنما بلغته بانقضاء مدة أجلك ثم سوفت بعملك كأن منفعته لغيرك.


عن قبيصة قال: حدثني صاحب لنا أن امرأة من أهل داود الطائي صنعت ثريدة بسمن ثم بعثت بها إلى داود حين إفطاره مع جارية لها، قالت الجارية: فأتيته بالقصعة فوضعتها بين يديه فسعى ليأكل منها، فجاء سائل فقام إليه فدفعها إليه وجلس معه على الباب حتى أكلها. ثم دخل فغسل القصعة ثم عمد إلى تمر كان بين يديه، قالت الجارية ظننت أنه كان أعده لعشائه، ودفعه إلي وقال: أقرئيها السلام، قالت الجارية: دفع إلى السائل ما جئناه به ودفع إلينا ما أراد أن يفطر عليه. قالت: وأظنه ما بات إلا طاوياً. قال قبيصة: فكنت أراه قد نحل جداً.

ابن زبان قال: قالت داية الطائي: يا أبا سليمان أما تشتهي الخبز؟ قال: يا داية بين مضغ الخبز وشرب الفتيت قرائة خمسين آية.

عبد الله بن صالح بن مسلم العجلي قال: دخلت على داود الطائي في مرضه الذي مات فيه ليس في بيته إلا دن مقير يكون فيه خبز يابس ومطهرة ولبنة كبيرة على التراب يجعلها وسادة وهي مخدته ليس في بيته بوري ولا قليل ولا كثير.

محمد بن بشير قال: قال حماد لداود الطائي: يا أبا سليمان لقد رضيت من الدنيا باليسير. قال: أفلا أدلك على من رضي بأقل من ذلك؟ من رضي بالدنيا كلها عوضاً عن الآخرة.

أبو محمد العابد قال: دخل أبو يوسف على داود الطائي فقال له: ما رأيت أحداً رضي من الدنيا بمثل ما رضيت به فقال: يا يعقوب من رضي الدنيا كلها عوضاً عن الآخرة فذاك الذي رضي بأقل مما رضيت.

الحارث بن إدريس قال: قلت لداود الطائي: أوصني؟ فقال: عسكر الموتى ينتظرونك.
إسحاق بن منصور السلولي قال: حدثتني أم سعيد بن علقمة النخعي وكانت طائية.
قالت: كان بيننا وبين داود الطائي حائط قصير فكنت أسمع حسه عامة الليل لا يهدأ.
قالت: وربما سمعته في جوف الليل يقول: اللهم همك عطل علي الهموم، وحالف بين وبين السهاد، وشوقي إلى النظر إليك، أوثق مني وحال بيني وبين اللذات، فأنا في سجنك أيها الكريم مطلوب.
قالت: وربما ترنم بالآية فأرى أن جميع نعيم الدنيا جمع في ترنمه.

ابن السماك قال: أوصاني أخي داود الطائي بوصية: انظر لا يراك الله حيث نهاك وأن لا يفقدك من حيث أمرك، واستحيه في قربه منك وقدرته عليك.

محمد بن إشكاب قال: قال داود الطائي: اليأس سبيل أعمالنا هذه، لكن القلوب تجر إلى الرجاء.

عن الحماني قال: قلت لداود الطائي: ما ترى في الرمي فإني أحب أن أتعلمه؟ فقال: إن الرمي لحسن، ولكن إنما هي أيامك فانظر بما تقطعها.

أبو بكر محمد بن أبي داود قال: سمعت شيدويه يقول لداود الطائي: أرأيت رجلاً دخل على هؤلاء الأمراء فأمرهم بالمعروف ونهاهم عن المنكر؟ قال: أخاف عليه السوط قال: إنه يقوى قال: أخاف عليه السيف. قال: إنه يقوى، قال: أخاف عليه الداء الدفين العجب.

عن أبي نعيم قال: رأيت داود الطائي تدور في وجهه نملة عرضاً وطولاً لا يفطن بها. يعني من الهم.

أبو سعيد قال: حدثني سهل بن بكار قال: قالت أخت لداود الطائي: لو تنحيت من الشمس إلى الظل. فقال: هذه خطى لا أدري كيف تكتب.

عباس الترقفي قال: سمعت معاوية بن عمرو يقول: كنا عند داود الطائي يوماً، فدخلت الشمس من الكوة فقال له بعض من حضر: لو أذنت لي سددت هذه الكوة. فقال: كانوا يكرهون فضول النظر. وكنا عنده يوماً آخر فإذا بفروه قد تخرق وخرج خمله. فقال له بعض من حضر: لو أذنت لي خيطته فقال: كانوا يكرهون فضول الكلام.

أبو داود الطيالسي قال: حضرت داود عند الموت فما رأيت أشد نزعاً منه، أتيناه من العشي ونحن نسمع نزعه قبل أن ندخل، ثم غدونا إليه وهو في النزع فلم نبرح حتى مات.

حفص بن عمر الجعفي قال: اشتكى داود الطائي أياماً وكان سبب علته أنه مر بآية فيها ذكر النار فكررها مراراً في ليلته فأصبح مريضاً. فوجده قد مات ورأسه على لبنة.

قال ابن السماك، حين مات داود الطائي: يا أيها الناس إن أهل الدنيا تعجلوا غموم القلب وهموم النفس وتعب الأبدان مع شدة الحساب، فالرغبة متعبة لأهلها في الدنيا والآخرة، والزهادة راحة لأهلها في الدنيا والآخرة، وإن داود الطائي نظر بقلبه إلى ما بين يديه فأغشى بصر قلبه بصر العيون فكأنه لم يبصر ما إليه تنظرون، وكأنكم لا تبصرون ما إليه ينظر. فإنكم منه تعجبون وهو منكم يتعجب، فلما نظر إليكم راغبين مغرورين قد ذهبت على الدنيا عقولكم وماتت من حبها قلوبكم وعشقتها أنفسكم وامتدت إليها أبصاركم استوحش الزاهد منكم لأنه كان حياً وسط موتى، يا داود ما أعجب شأنك ألزمت نفسك الصمت حتى قومتها على العدل، أهنتها وإنما تريد كرامتها وأذللتها وإنما تريد إعزازها، ووضعتها وإنما تريد تشريفها وأتعبتها وإنما تريد راحتها، وأجعتها وإنما تريد شبعها، وأظمأتها وإنما تريد ريها، وخشنت الملبس وإنما تريد لينه وجشبت المطعم وإنما تريد طيبه، وأمت نفسك قبل أن تموت، وقبرتها قبل أن تقبر، وعذبتها قبل أن تعذب، وغيبتها عن الناس كي لا تذكر، وغبت بنفسك عن الدنيا إلى الآخرة، فما أظنك إلا قد ظفرت بما طلبت. كأن سيماك في عملك وسرك ولم يكن سيماك في وجهك فقهت في دينك ثم الناس يفتون، وسمعت الأحاديث ثم تركت الناس يحدثون ويروون، وخرست عن القول وتركت الناس ينطقون، لا تحسد الأخيار ولا تعيب الأشرار ولا تقبل من السلطان عطية ولا من الأخوان هدية. آنس ما تكون آنس ما تكون إذا كنت بالله خالياً، وأوحش ما تكون إذا كنت مع الناس جالساً فأوحش ما تكون آنس ما يكون الناس، وآنس ما تكون أوحش ما يكون الناس جاوزت حد المسافرين في أسفارهم، وجاوزت حد المسجونين في سجونهم، فأما المسافرون فيحملون من الطعام والحلاوة ما يأكلون، فأما أنت فإنما هي خبزتك أو خبزتان في شهرك، ترمي بها في دن عندك فإذا أفطرت أخذت منه حاجتك فجعلته في مطهرتك ثم صببت عليه من الماء ما يكفيك، ثم اصطنعت به ملحاً فهذا إدامك وحلواك، فمن سمع بمثلك صبر صبرك أو عزم عزمك، وما أظنك إلا قد لحقت بالماضين، وما أظنك إلا قد فضلت الآخرين ولا أحسبك إلا قد أتعبت العابدين، وأما المسجون فيكون مع الناس محبوساً فيأنس بهم وأما أنت فسجنت نفسك في بيتك وحدك فلا محدث وجليس معك، ولا أدري أي الأمور أشد عليك، الخلوة في بيتك تمر بك الشهور والسنون أم تركك المطاعم والمشارب، لا ستر على بابك، ولا فراش تحتك، ولا قلة يبرد فيها ماؤك، ولا قصعة يكون فيها غداؤك وعشاؤك؟ مطهرتك قلتك وقصعتك تورك وكل أمرك يا داود عجب. أما كنت تشتهي من الماء بارده ولا من الطعام طيبه ولا من اللباس لينه؟ بلى، ولكنك زهدت فيه لما بين يديك فما أصغر ما بذلت، وما أحقر ما تركت، وما أيسر ما فعلت في جنب ما أملت، أما أنت فقد ظفرت بروح العاجل وسعدت إن شاء الله في الآجل، عزلت الشهرة عنك في حياتك لكي لا يدخلك عجبها ولا يلحقك فتنتها فلما مت شهرك ربك بموتك وألبسك رداء عملك، فلو رأيت
اليوم كثرة تعبك عرفت أن ربك قد أكرمك.


إسحاق بن منصور قال: لما مات داود الطائي شيع الناس جنازته. فلما دفن قام ابن السماك على قبره فقال: يا داود كنت تسهر ليلك إذ الناس نائمون، قال: وكنت تسلم إذ الناس يخوضون، وكنت تربح إذ الناس يخسرون فقال الناس جميعاً: صدقت حتى عدد فضائله كلها.

فلما فرغ، قام أبو بكر النهشلي فحمد الله ثم قال: يا رب إن الناس قد قالوا ما عندهم ومبلغ ما علموا، اللهم اغفر له برحمتك ولا تكله إلى عمله.

قال المؤلف: أسند داود عن جماعة من التابعين منهم عبد الملك بن عمير، وحبيب بن أبي عمرة، والأعمش، وحميد الطويل، وإسماعيل بن أبي خالد. وتوفي في سنة خمس وستين ومائة في خلافة المهدي.





و في وفيات الأعيان أخبر عنه ابن خلكان فقال:



داود الطائي
أبو سليمان داود بن نصير الطائي الكوفي؛ سمع عبد الملك بن عمير وحبيب بن أبي عمرة وسليمان الأعمش ومحمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى؛ روى عنه إسماعيل بن عيينة ومصعب بن المقدام وأبو نعيم الفضل بن دكين وغيرهم؛

وكان داود ممن شغل نفسه بالعلم ودرس الفقه وغيره من العلوم ثم اختار بعد ذلك العزلة وآثر الانفراد والخلوة فلزم العبادة واجتهد فيها إلى آخر عمره، وقدم بغداد في أيام المهدي ثم عاد إلى الكوفة وفيها كانت وفاته؛

قال علي بن المديني: سمعت ابن عيينة يقول: داود الطائي ممن علم وفقه، قال: وكان يختلف إلى أبي حنيفة رضي الله عنه حتى تقدم في ذلك الكلام؛ قال: فأخذ يوماً حصاة فحذف بها إنساناً فقال له: يا أبا سليمان طال لسانك وطالت يدك، قال: فاختلف بعد ذلك سنة لا يسأل ولا يجيب، فلما علم أنه تصبر عمد إلى كتبه فغرقها في الفرات ثم أقبل على العبادة وتخلى.

وقال عبيد بن جناد سمعت عطاء يقول: كان لداود الطائي ثلثمائة درهم فعاش بها عشرين سنة ينفقها على نفسه؛ قال: وكنا ندخل على داود الطائي فلم يكن في بيته إلا بارية ولبنة يضع عليها رأسه واجانة فيها خبز ومطهرة يتوضأ منها ومنها يشرب.

وقال أبو سليمان الداراني: ورث داود الطائي من أمه داراً، فكان يتنقل في بيوت الدار كلما تخرب بيت من الدار انتقل منه إلى آخر ولم يعمره حتى أتى على عامة البيوت التي في الدار؛ قال وورث من أبيه دنانير فكان يتنفق بها حتى كفن بآخرها.

وقال اسماعيل بن حسان: جئت إلى باب داود الطائي فسمعته يخاطب نفسه فظننت أن عنده أحداً، فأطلت القيام على الباب ثم استأذنت فدخلت، فقال: ما بدا لك في الاستئذان؟ قلت: سمعتك تتكلم فظننت أن عندك أحداً، قال: لا ولكن كنت أخاصم نفسي؛ اشتهت البارحة تمراً فخرجت فاشتريت لها، فلما جئت اشتهت جزراً، فأعطيت الله عهداً ان لا آكل تمراً ولا جزراً حتى ألقاه.

وقدم محمد بن قحطبة الكوفة فقال: أحتاج إلى مؤدب يؤدب أولادي حافظ لكتاب الله تعالى عالم بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وبالآثار والفقه والنحو والشعر وأيام الناس؛ فقيل له: ما يجمع هذه إلا داود الطائي، فسير إليه بدرة عشرة آلاف درهم، وقال: استعن بها على دهرك، فردها فوجه إليه بدرتين مع غلامين مملوكين وقال لهما: إن قبل البدرتين فأنتما حران، فمضيا بهما إليه فأبى أن يقبلهما، فقال: إن في قبلوهما عتق رقبانا من الرق، فقال لهما: إني أخاف أن يكون في قبولهما وهق رقبتي في النار، رداهما إليه وقولا له: إن ردهما على أخذهما منه أولى من أن يعطيني أنا.

وكان حائطه قد تصدع فقيل له: لو أمرت به، فقال: كانوا يكرهون فضول النظر.

وقيل إنه صام أربعين سنة ما علم به أحد من أهله، فكان يحمل غذاءه معه ويتصدق به في الطريق ويرجع إلى أهله يفظر عشاء، ولا يعلمون أنه صائم.

وقال له رجل: ألا تسرح لحيتك؟ قال: إني عنها مشغول.

وقيل احتجم داود فدفع إلى الحجام عشرة دراهم فقيل له: هذا سرف، فقال: لا عبادة لمن لا مروءة عنده.
وقالت أخته: لو تنحيت عن الشمس، فقال: هذه خطي لا أدري كيف تكتب.

قال أبو الربيع الأعرج: دخلت على داود الطائي بيته بعد المغرب فقرب لي كسيرات يابسة، فعطشت فقمت إلى دن فيه ماء حار، فقلت: رحمك الله! لو اتخذت دفاً غير هذا يكون فيه الماء بارداً، فقال لي: إذا كنت لا أشرب إلا بارداً ولا آكل إلا طيباً ولا ألبس إلا ليناً، فما أبقيت لآخرتي؟ قال: قلت له: أوصني، قال: صم عن الدنيا، واجعل إفطارك فيها الموت، وفر من الناس فرارك من السبع، وصاحب أهل التقوى إن صحبت فإنهم أخف مؤونة وأحسن معونة، ولا تدع الجماعة، حسبك هذا إن عملت به.

وقال داود الطائي: ما حسدت أحداً على شيء إلا أن يكون رجلاً يقوم الليل؛ فإني أحب أن أرزق وقتاً من الليل. قال أبو خالد: وبلغني أنه كان لا ينام الليل، إذا غلبته عيناه احتبى قاعداً؛ ومكث عشرين سنة لا يرفع رأسه إلى السماء.

وقدم هارون الرشيد الكوفة فكتب قوماً من القراء فأمر لكل واحد منهم بألفي درهم فكان داود الطائي ممن كتب فيهم ودعي باسمه أين داود الطائي؟ فقالوا: داود يجيبكم؟ أرسلوا اليه، قال ابن السماك وحماد بن أبي حنيفة: نحن نذهب إليه، قال ابن السماك لحماد في الطريق: إذا نحن دخلنا عليه فانثرها بين يديه فإن للعين حظها، فقال حماد: رجل ليس عنده شيء يؤمر له بألفي درهم يردها!! فلما دخلوا عليه فنثروها بين يديه قال: سوءة، إنما يفعل هذا بالصبيان، وأبى أن يقبلها.

وقال حماد بن أبي حنيفة إن مولاة كانت لداود تخدمه قالت: لو طبخت لك دسماً تأكله، فقال: وددت، فطبخت له دسماً ثم أتته به، فقال لها: ما فعل أيتام بني فلان؟ قالت: على حالهم، قال: اذهبي بهذا إليهم، فقالت: أنت لم تأكل أدماً منذ كذا وكذا، فقال: إن هذا إذا أكلوه صار إلى العرش، وإذا أكلته صار إلى الحش، فقالت له: يا سيدي أما تشتهي الخبز؟ قال: يا داية، بين مضغ الخبز وشرب الفتيت قراءة خمسين آية.

وقال محارب بن دثار: لو كان داود في ا لأمم الماضية لقص الله تعالى شيئاً من خبره.
توفي داود سنة ستين، وقيل سنة خمس وستين ومائة، رحمه الله تعالى.

ولما مات جاء ابن السماك ووقف على قبره ثم قال:
أيها الناس إن أهل الزهد في الدنيا تعجلوا الراحة على أبدانهم مع يسير الحساب غداً عليهم، وإن أهل الرغبة فيها تعجلوا التعب على أبدانهم مع ثقل الحساب غداً عليهم، والزهادة راحة لصاحبها في الدنيا والآخرة، والرغبة تعب لصاحبها في الدنيا والآخرة؛ رحمك الله أبا سليمان ما كان أعجب شأنك، ألزمت نفسك الصبر حتى قومتها: أجعتها وإنما تريد شبعها، وأظمأتها وإنما تريد ريها، أخشنت المطعم وإنما تريد طيبه، أخشنت الملبس وإنما تريد لينه؛ أبا سليمان: أما كنت تشتهي من الطعام طيبه، ومن الماء بارده، ومن اللباس لينه؟ بلى ولكن أخرت ذلك لما بين يديك، فما أراك إلا قد ظفرت بما طلبت وما إليه رغبت، فما أيسر ما ضيعت، وأحقر ما فعلت في جنب ما أملت، فمن سعى مثلك عزم عزمك وصبر صبرك، آنس ما يكون إذا كنت بالله خالياً وأوحش ما يكون آنس ما يكون الناس. سمعت الحديث وتركت الناس يحدثون وتفهمت في دين الله وتركتهم يفتون. لا تقبل من السلطان عطية، ولا من الإخوان هدية، سجنت نفسك في بيتك فلا محدث لك، ولا ستر على بابك، فلو رأيت جنازتك وكثرة تابعك علمت أنه قد شرفك وأكرمك وألبسك رداء عملك، فلو لم يرغب عبد في الزهد في الدنيا إلا لمحبة هذا الستر الجميل والتابع الكثير لكان حقيقاً بالاجتهاد، فسبحان من لا يضيع مطيعاً ولا ينسى لأحد صنيعاً.

وقيل إن ابن السماك لما قام على قبر داود قال: رحمك الله يا داود! كنت تسهر ليلك والناس نائمون، وكنت تربح إذ الناس يخسرون، فقال الناس جميعاً: صدقت؛ وكنت تسلم إذ الناس يخوضون، فقال الناس جميعاً: صدقت؛ حتى عدد فضائله كلها. ولما فرغ قام أبو بكر النهشلي فحمد الله ثم قال: يا رب إن الناس قد قالوا ما عندهم مبلغ ما علموا، اللهم فاغفر له برحمتك ولا تكله إلى عمله، وفرغ من دفنه وقام الناس.

قال جعفر بن نفيل الرهبي: رأيت داود الطائي بعد موته

فقلت له: كيف رأيت خير الآخرة؟

قال: رأيت خيرها كثيراً،

قلت: فماذا صرت إليه؟

قال: صرت إلى خير الحمد لله،

قال فقلت له: هل لك من علم بسفيان بن سعيد؟

فقال: كان يحب الخير وأهله فرقاه الخير إلى درجة أهل الخير.








[fot] يا مدد [/fot]

_________________

ما خاب بين الورى يوما ولا عثرت***في حالة السير بالبلوى مطيته
من كان لله رب العرش ملتجأ***ومن تكن برسول الله نصرته


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
عرض مشاركات سابقة منذ:  مرتبة بواسطة  
إرسال موضوع جديد الرد على الموضوع  [ 11 مشاركة ] 

جميع الأوقات تستخدم GMT + ساعتين


الموجودون الآن

المستخدمون المتصفحون لهذا المنتدى: لا يوجد أعضاء مسجلين متصلين و 14 زائر/زوار


لا تستطيع كتابة مواضيع جديدة في هذا المنتدى
لا تستطيع كتابة ردود في هذا المنتدى
لا تستطيع تعديل مشاركاتك في هذا المنتدى
لا تستطيع حذف مشاركاتك في هذا المنتدى
لا تستطيع إرفاق ملف في هذا المنتدى

البحث عن:
الانتقال الى:  
© 2011 www.msobieh.com

جميع المواضيع والآراء والتعليقات والردود والصور المنشورة في المنتديات تعبر عن رأي أصحابها فقط