|
[align=center]بسم الله الرحمن الرحيم[/align]
اللهم صلى وسلم وبارك على سيد الخلق ومولا الحق سيدنا ومولانا محمد المرسل رحمه للعالمين وعلى اله الطيبين الطاهرين المخلصين أما بعد...
لقد رأيت كثير من الناس من أصحاب العقول السقيمة ممن يسؤن الظن بسيدي محي الدين بن عربي فأردت أن أعرف هؤلاء الحمقى من هو محي الدين بن عربي .
فابن عربي أندلسى عاش في القرنين السادس والسابع الهجريين وقد كانت الفلسفة هي الطابع العام حيث كان معاصرا لابن رشد الفيلسوف المسلم والفقيه المالكي المجتهد والحالة آنذاك مضطربة في الأندلس ولم يكن ابن عربي بعيدا عن أحداث عصره وقد بلغت الثقافة الإسلامية قمتها في القرن السادس الهجري وبدت الفلسفة الإسلامية في أكمل صورها وساد المذهب الاشعرى وأصبح تقريبا عقيدة المسلمين عامة وكان للصوفية أدبهم وتعاليمهم وطرقهم وأتباعهم وكل هذا كان غذاء وفير ومتنوع أفاد منه ابن عربي ونهل في حياته وكان له شأن في موسوعته الكبرى المسماة"بالفتوحات الإسلامية"
ولا شك أن للأحداث السياسية أيضا شأنا آخر بها ولعلها وجهت إليه ودفعت صاحبها إلى تأليفها فقد كان العالم الاسلامى يحيا حياة سياسية لا تتعادل مع مجده الثقافي تهدده أخطار متلاحقة في المشرق والمغرب عاش فيها ابن عربي وأحس بها في أعماق كيانه معاصرا في المغرب ثلاثة من خلفاء الموحدين هم يوسف بن يعقوب "580هجريا" ويعقوب المنصور"595هجريا" ومحمد الناصر"610هجريا" وإذا كان الاولان قد فاز بنصر باهر فان دولة الموحدين بدأت تنهار على ايدى الثالث. تألب عليها ملوك أسبانيا و هزموا جيش الناصر هزيمة منكرة عام 609 هجريا ثم أخذت المدن الإسلامية الكبرى تسقط في يد الأعداء مدينة تلو الأخرى فسقطت قرطبى عام 634هجريا وبلنسيه عام 636 هجريا وكل ذلك في حياة ابن عربي فتلتها مدن أخرى بعد موته.
[align=center]"كتاب الفتوحات لابن عربي"[/align]
فكر المحب كالسائل الذي يغلى فما دامت من تحته نار فكله في الأعلى وكله في الأسفل ولا قرار له على وضع ووجود الحب أعمق من وجود العمر فهو وجود سحري ليس فيه معنى للكلمات اللغة فيه إحساس والمعنى في الإرادة وهو عالم وراء النفس كالبرزخ وراء هذه الحياة ومن لم يدرس طبائع القلوب المتوهجة فى أنفاس أهلها لا يعلم قلبه شيئا وان كان رأسه مكتبة من العلوم ولا ينقلب الحب عشقا ما لم يرتفع بالنفس عن ذاتها ولا تسمو النفس عن ذاتها ما لم يعلو نظرها إلى الأشياء والنظر الانسانى لا يعلو بشئ إلا إذا ألبسه معناه الالهى.
وكتاب "الفتوحات" فى قمة الإنتاج الصوفي العربي غزير المادة ودقيق العبارة عميق الفكر وهو من روائع الفكر الانسانى وأثر فريد في الدراسات الصوفية عامة والإسلامية خاصة ويكاد يشتمل على كل ما ورد من مؤلفات ابن عربي الأخرى قضى في وضعه وتمحيصه ثلاثين سنه او يزيد فأودعه ثمار درسه وبحثه وسجل فيه ما أطمأنت إليه نفسه وما أستقر عنده رأيه عرض فيه لآراء المتصوفة السابقين .
وما أشبه بموسوعة ثقافية روحية فيها علم وفلسفة وقصص وتاريخ وتفسير وحديث وأدب وسلوك وتأملات ومكاشفات وليس ثمة شك من أن "الفتوحات" من صنع ابن عربي وأنه بدأ فى تصنيفه بمكة عام 599هجريا وأتمه عام 629هجريا ثم أضاف تنقيحات وزيادات حتى استكمله عام 936هجريا قبل موته بعامين رحمه الله وجازاه بنيته.
ويعتقد أن كتاب الفتوحات صدى لعصره وثمرة من ثمار الأحداث التي سادت العالم الاسلامى وقت تأليفه وليس هذا الكتاب بالسهل قراءته ودراسته فمن قرأه وهو ليس له بأهل كان الضرر منه أكبر من الانتفاع به ومن لا يكون الشئ في طبعه لا يفهمه إلا فهم جدل لا فهم إقناع.
ومن الناس من يأكل الطين ويستطيبه لفساد في طبعه ومنهم من يلفظ الشهد لعلة في تكوينه ومن تصوف ولم يتفقه فقد تفسق .
وقال رحمه الله"إن حجاب العزة دون سبحانه مسدل وباب الوقوف على معرفة ذاته مقفل"
فابن عربى أضرب عن الخوض في الذات المقدسة مما يتمشى مع الأثر "لا تفكروا في ذاتي فتهلكوا ولكن فكروا في الائى"
ومما أخذ عليه قوله:
[poet font="Simplified Arabic,4,black,normal,normal" bkcolor="transparent" bkimage="backgrounds/17.gif" border="none,4,gray" type=0 line=200% align=center use=ex length=0 char="" num="0,black" filter=""]
الرب حق والعبد حق=يا ليت شعري من المكلف
إن قلت عبد فذاك ميت=أو قلت رب أنى يكلف
[/poet]
ما نظن أنه سؤال المتشكك في المكلف حيث فرق بين الرب والعبد والحيرة عند المتصوفة من مبادئ طريقهم إلى أن يهديهم الله والشك قنطرة اليقين كما يقولون وكل موجود غير الله محكوم عليه بالفناء.
وابن عربي يؤكد أن منزلته دون منزلة من هم أعلى منه عند الله فقال "وبسط لي على الدرجة التي أنا فيها كم قميص أبيض فوقفت عليه حتى لا أباشر الموضع الذي باشره صلى الله عليه وسلم بقدميه تنزيها له وتشريفا وتنبيها لنا وتعريفا"
وقال: "فمن فهم حقائق الإضافات عرف ما ذكرنا له من الإشارات"
قلت:والإشارات والتنبيهات أغلفه تحجب ما بداخلها من معنى إلا على مزود بوسائل من فطرة سليمة ودراية حكيمة تعينانه على التسلل إلى ما بداخلها ومن حدث الناس حديثا لا يحسنون فهمه كان حديثه لهم فتنه ولعل الكتاب لأصحاب الأذواق خاصة. فتفاسير الصوفية: مواجيد خاصة بهم موقوفة عليهم لا حجة فيها على غيرهم إذ الحجة في كتاب الله وسنة رسوله.
أما ما أنشده ابن عربي في كتابه من شعر فخاص بمشاعره وخيال الشعراء خصوصا الفلاسفة منهم جامع بين ما يراه الشاعر في ضحك الطبيعة ورقتها وما يراه الفيلسوف من عبوس المادة وجفائها.
قال"فأما الحقائق الذاتية فكل مشهد يقيمك الحق فيه من غير تشبيه ولا تكيف لا تسعه العبارة ولا تومى إليه الإشارة"
قلت: ولعلنا نحسن الظن بكثير من الناس فما ابتليت الانسانيه بشئ كما ابتليت بهذا الخلاف الذي يفتح من كل نفس على كل نفس أبواب التجني ويجعل النقرة وسوء الظن أقرب إلى الطبيعة البشرية من الألفة والثقة.
[poet font="Simplified Arabic,4,black,normal,normal" bkcolor="transparent" bkimage="backgrounds/17.gif" border="none,4,gray" type=0 line=200% align=center use=ex length=0 char="" num="0,black" filter=""]
كم من كلام قد تضمن حكمة=نال الكساد بسوق من لا يفهم
[/poet]
والجنان أوسع قدرا من اللسان.
قال:"فإذا كان الشخص مؤمنا بالقران أنه كلام الله قاطعا به فليأخذ عقيدته منه من غير تأويل ولا ميل .فنزه سبحانه نفسه أن يشبهه شئ من المخلوقات أو يشبه شيئا لقوله تعالى:
{ليس كمثله شئ وهو السميع البصير}..
قلت: وهذا هو قول السلف لامراء في ذلك.وهو ممن لم يسقط التكاليف الشرعية بل قال:"وإنما يسأل الله الناس عما أوجب عليهم من التكليف"
[align=center]"عقيدة ابن عربي"[/align]
وقد قال رضي الله عنه ما نصه" فيا إخواني ويا أحبائي رضي الله عنكم أشهدكم عبد ضعيف مسكين فقير إلى الله تعالى في كل لحظة وطرفة وهو مؤلف هذا الكتاب ومنشؤه أشهدكم على نفسه بعد أن اشهد الله تعالى وملائكتة ومن حضره من المؤمنين وسمعه أنه يشهد قولا وعقدا أن الله تعالى إله واحد لا ثاني له في ألوهيته منزه عن الصاحبة والولد مالك لا شريك له ملك لا وزير له صانع لا مدبر معه موجود بذاته من غير افتقار الى موجد يوجده بل كل موجود سواه مفتقر اليه تعالى فى وجوده فالعالم كله موجود به وهو وحده متصف بالوجود لنفسه لا افتتاح لوجوده ولا نهاية لبقائه بل وجود مطلق غير مقيد قائم بنفسه ليس بجوهر متحيز فيقدر له المكان ولا بعرض فيستحيل عليه البقاء ولا بجسم فتكون له الجهة و التلقاء مقدس عن الجهات والأقطار مرئي بالقلوب والابصار إذا شاء استوى على عرشه كما قاله وعلى المعنى الذي أراده كما أن العرش وما سواه به استوى وله الآخرة والأولى ليس له مثل معقول ولا دلت عليه العقول لا يحده زمان ولا يقله مكان بل كان ولا مكان وهو على ما عليه كان خلقه المتمكن والمكان وأنشأ الزمان ، وقال :أنا الواحد الحي لا يؤوده حفظ المخلوقات ،ولا ترجع إليه صفة لم يكن عليها من صنعة المصنوعات، تعالى أن تحله الحوادث أو يحلها أو تكون بعده أو يكون قبلها بل يقال كان ولا شئ معه فإن القبل والبعد من صيغ الزمان الذي أبدعه فهو القيوم لا ينام والقهار الذي لا يرام ليس كمثله شئ خلق العرش وجعله حد الاستواء ، وانشأ الكرسي وأوسعه الأرض و السموات العلى ، اخترع اللوح والقلم الأعلى واجراه كاتبا بعلمه في خلقه إلى يوم الفصل والقضاء .أبدع العالم كله على غير مثال سبق وخلق الخلق وأخلق الذي خلق ،أنزل الأرواح في الأشباح أمناء وجعل هذه الأشباح المنزلة إليها الأرواح في الأرض خلفاء وسخر لنا ما في السموات وما في الأرض جميعا منه فلا تتحرك ذرة إلا إليه وعنه ، خلق الكل من غير حاجه إليه ولا موجب أوجب ذلك عليه ، لكن علمه سبق بأن يخلق ما خلق فهو الأول والأخر والظاهر والباطن وهو على كل شئ قدير ، أحاط بكل شئ علما ، وأحصى كل شيء عددا يعلم السر وأخفى ، يعلم خائنة الأعين وما تخفى الصدور كيف لا يعلم شيء وهو خلقه:{ألا يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير} علم الأشياء منها قبل وجودها ثم أوجدها على حد ما علمها فلم يزل عالما بالأشياء ، لم يتجدد له علم عند تجدد الإنشاء بعلمه أتقن الأشياء واحكمها ، وبه حكم عليها من شاء وحكمها علم الكليات على الإطلاق ،كما علم الجزئيات بإجماع من أهل النظر الصحيح واتفاق فهو عالم الغيب والشهادة فتعالى الله عما يشركون ، فعّال لما يريد ،فهو المريد للكائنات في عالم الأرض والسموات لم تتعلق قدرته بشئ حتى أراده،كما أنه لم يرده حتى علمه ، إذ يستحيل في العقل أن يريد ما لا يعلم ، أو يفعل المختار المتمكن من ترك ذلك الفعل ما لا يريد، كما يستحيل أن توجد نسب هذه الحقائق في غير حيّ،كما يستحيل أن تقوم الصفات بغير ذات موصوفة بها ، فما في الوجود طاعة ولا عصيان ولا ربح ولا خسران، ولا عبد ولا حر،ولا برد ولا حر ولا حياة ولا موت ولا حصول ولا فوت ولا نهار ولا ليل ولا اعتدال ولا ميل ولا بر ولا بحر ولا شفع ولا وتر ولا جوهر ولا عرض ولا صحة ولا مرض ولا فرح ولا ترح ولا روح ولا شبح ولا ظلام ولا ضياء ولا أرض ولا سماء ولا تركيب ولا تحليل ولا كثير ولا قليل ولا غداة ولا أصيل ولا بياض ولا سواد ولا رقاد ولا مهاد ولا ظاهر ولا باطن ولا متحرك ولا ساكن ولا يابس ولا رطب ولا قشر ولا لب ولا شيء من هذه النسب المتضادات منها والمختلفات والمتماثلات إلا وهو مراد للحق تعالى، وكيف ولا راد لأمره ولا معقب لحكمه ،يؤتى الملك من يشاء ،وينزع الملك ممن يشاء ، ويضل من يشاء ويهدى من يشاء، كان وما لم يشأ أن يكون لم يكن".....الخ
قلت :لعل الذين حكموا عليه بالكفر لم يطلعوا على تلك العقيدة الصحيحة الصافية المبرأة من كل ما يكدرها . ولست أدرى لماذا لم نحمل ما هو قابل للتأويل وما هو رمز و أشارة على كلامه الواضح الجلى،الذي لا يتطرق إليه احتمال ، وما يكتبه الكاتب يعبر عن لحظات يقضيها في حياته فإن بدى فيه شيء من التناقض فهو من باب اختلاف هذه اللحظات.
وأخيرا أردد قوله سبحانه وتعالى بسم الله الرحمن الرحيم
{ {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ فَتَبَيَّنُواْ وَلاَ تَقُولُواْ لِمَنْ أَلْقَى إِلَيْكُمُ السَّلاَمَ لَسْتَ مُؤْمِناً تَبْتَغُونَ عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فَعِندَ اللّهِ مَغَانِمُ كَثِيرَةٌ كَذَلِكَ كُنتُم مِّن قَبْلُ فَمَنَّ اللّهُ عَلَيْكُمْ فَتَبَيَّنُواْ إِنَّ اللّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيراً }النساء94} صدق الله العظيم
[align=center]حسبنا الله ونعم الوكيل[/align]
_________________
ذكر المحبة يا مولاى اسكرنى
وهل رأيت محبا غير سكران
|
المنتدى
التسجيل
الأسئلة المتكررة
بحث
