ابن حجر كتب:
بسم الله الرحمن الرحيم
حِكْمَة قصر أَعمار هَذِه الْأمة
عَن أبي هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عمر
أمتِي من سِتِّينَ سنة إِلَى سبعين
وَقَالَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم معترك المنايا مَا بَين السِّتين إِلَى السّبْعين
وَقَالَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أقل أمتِي أَبنَاء السّبْعين.
قَالَ أَبُو عبد الله من رَحْمَة الله على هَذِه الْأمة وَعطفه عَلَيْهِم أخرهم فِي الأصلاب
حَتَّى أخرجهم إِلَى الْأَرْحَام بعد أَن نفدت الدُّنْيَا ثمَّ قصر أعمارهم لِئَلَّا يتلبسوا بالدنيا
إِلَّا قَلِيلا وَلَا يتدنسوا فَإِن الْقُرُون الْمَاضِيَة كَانَت أعمارهم وأجسادهم وأرزاقهم على
الضعْف كَانَ أحدهم يعمر ألف سنة وجسمه ثَمَانُون باعا بالباع الأول والحبة من
الْقَمْح مثل كلوة الْبَقر والرمانة الْوَاحِدَة يجْتَمع عَلَيْهَا عشرَة نفر والعنقود مثله
فَكَانُوا مَا يتناولونه من هَذِه الدُّنْيَا بِهَذِهِ الصّفة على مثل تِلْكَ الأجساد فِي مثل تِلْكَ
الْأَعْمَار فَمِنْهَا أشروا وبطروا واستكبروا وأعرضوا عَن الله عز وَجل فصب الله
عَلَيْهِم سَوط عَذَاب على مَا نطق بِهِ كتاب الله الْعَزِيز ثمَّ لم يزل النَّاس ينقصُونَ فِي
الْخلق والخلق وَالْأَجَل والرزق إِلَى أَن صَارَت هَذِه الآمة آخر الْأُمَم حَتَّى يَأْخُذُوا من
الدُّنْيَا أرزاقا قَليلَة بأجساد ضَعِيفَة فِي مُدَّة قَصِيرَة حَتَّى لَا يأشروا وَلَا يبطروا فَهَذَا
تَدْبِير من الله عز وَجل رَحْمَة لهَذِهِ الْأمة ثمَّ ضوعف لَهُم الْحَسَنَات فَجعلت الْحَسَنَة
الْوَاحِدَة بِعشْرَة إِلَى سَبْعمِائة إِلَى مَا لَا يُعلمهُ من التَّضْعِيف إِلَّا الله تَعَالَى وأيدوا
بِالْيَقِينِ واعطوا لَيْلَة الْقدر فَجعلت حسناتهم على ثَلَاث منَازِل لأَنهم ثَلَاثَة أَصْنَاف
ظَالِمُونَ ومقتصدون وسابقون.
فالصنف الأول هم أهل تَخْلِيط قوم موحدون لَا يرعوون عَن الْحَرَام وَلَا يحفظون
حُدُود الله تَعَالَى {خلطوا عملا صَالحا وَآخر سَيِّئًا} فهم الظَّالِمُونَ فالحسنة مِنْهُم
بِعشر أَمْثَالهَا.
والصنف الثَّانِي قوم متقون قائمون على الْحُدُود وعَلى سَبِيل الاسْتقَامَة وهم
المقتصدون فالحسنة مِنْهُم بسبعمائة لِأَن جوارحهم صَارَت مسبلة لله تَعَالَى قد
استقامت على سَبِيل الله تَعَالَى فَإِذا أَنْفقُوا من جوارحهم عملا كَانَ بسبعمائة كَالَّذي
ينْفق مَاله فِي سَبِيل الله فَهُوَ بسبعمائة وَمِمَّا يُحَقّق ذَلِك قَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
إِذا حسن إِسْلَام العَبْد تمم الله لَهُ عمله بسبعمائة ضعف
فَقَوله حسن إِسْلَامه هُوَ أَن يَسْتَقِيم وَيكون مُسْتَقِيم الطَّرِيق إِلَى ربه لَا يعرج يَمِينا
وَشمَالًا أَي لَا يعْصى فَهَذَا ترفع أَعماله من جوارح طَاهِرَة وَالْأول من جوارح دنسة
والصنف الثَّالِث قوم أهل يَقِين انتبهوا وحييت قُلُوبهم بِاللَّه عز وَجل وَمَاتَتْ مِنْهَا
الشَّهَوَات وهم السَّابِقُونَ المقربون قَالَ الله تَعَالَى فِي السَّابِقين {وَمِنْهُم سَابق
بالخيرات بِإِذن الله ذَلِك هُوَ الْفضل الْكَبِير} فأعمالهم مضاعفة لَا يعلم تضعيفها إِلَّا
الله عز وَجل وَهُوَ قَول رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِن الرجل من أمتِي ليبلغ
وزن الْحَرْف الْوَاحِد من تسبيحه زنة أحد
وَمَا رُوِيَ عَن ابْن مَسْعُود رَضِي الله عَنهُ أَنه قَالَ إِن الرجل من هَذِه الْأمة يعدل
عمل يَوْمه سبع سموات وَسبع أَرضين
وَمَا رُوِيَ عَن كَعْب رَضِي الله عَنهُ أَن الرجل من هَذِه الْأمة ليخر سَاجِدا فَيغْفر لمن
خَلفه فَكَانَ كَعْب رَضِي الله عَنهُ يتوخى الصَّفّ الْأَخير من الْمَسْجِد رَجَاء ذَلِك وَيذكر
أَنه وجده كَذَلِك
ــــــــــ
نوادر الأصول في أحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم
اللهم رضى عنا سيدنا النبى صلى الله عليه وآله وسلم بمددك وفضلك ورحمتك يارب
شكرا للأخ الفاضل ابن حجر بارك الله فى حضرتك وجزاك الله كل خير