موقع د. محمود صبيح

منتدى موقع د. محمود صبيح

جميع الأوقات تستخدم GMT + ساعتين



إرسال موضوع جديد الرد على الموضوع  [ 7 مشاركة ] 
الكاتب رسالة
 عنوان المشاركة: من فتاوى الإمام تقي الدين السبكي في الطلاق
مشاركة غير مقروءةمرسل: الثلاثاء نوفمبر 27, 2018 12:40 pm 
غير متصل

اشترك في: الأحد سبتمبر 18, 2011 10:41 am
مشاركات: 2778
([كِتَابُ الطَّلَاقِ]
(كِتَابُ الطَّلَاقِ) (مَسْأَلَةٌ) قَالَ الشَّيْخُ الْإِمَامُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: إذَا قَالَ لِزَوْجَتِهِ: إنْ طَلَّقْتُك فَأَنْتِ طَالِقٌ قَبْلَهُ ثَلَاثًا، ثُمَّ قَالَ لَهَا: أَنْتِ طَالِقٌ. وَقَعَ عَلَيْهَا الطَّلْقَةُ الْمُنَجَّزَةُ وَطَلْقَتَانِ قَبْلَهَا مِنْ الْمُعَلَّقِ.
وَهَذَا اخْتِيَارُ بَعْضِ الْأَصْحَابِ وَهُوَ الْمَشْهُورُ عَنْ الْحَنَفِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ؛ لِأَنَّ التَّعْلِيقَ صَادِرٌ مِنْ أَهْلِهِ فِي مَحَلِّهِ فَوَجَبَ إعْمَالُهُ إلَّا فِي الْقَدْرِ الْمُسْتَحِيلِ وَهُوَ وُقُوعُ ثَلَاثٍ قَبْلَ طَلْقَةٍ أُخْرَى فَيَبْطُلُ مِنْهُ مَا اقْتَضَى الْمُحَالَ لِعَدَمِ إمْكَانِ تَصْحِيحِهِ شَرْعًا وَيَصِحُّ فِيمَا عَدَاهُ عَمَلًا بِالْمُقْتَضَى لِلصِّحَّةِ السَّالِمِ عَنْ الْمُعَارِضِ، وَعَلَى هَذَا الْوَجْهِ هَلْ نَقُولُ: إنَّ الطَّلْقَتَيْنِ مِنْ الْمُعَلَّقِ يَقَعَانِ قَبْلَ الْمُنْجَزِ بِأَدْنَى زَمَانٍ أَوْ يَتَبَيَّنُ وُقُوعُهُمَا عَقِيبَ التَّعْلِيقِ كَمَا فِي قَوْلِهِ: أَنْتِ طَالِقٌ قَبْلَ مَوْتِي، لَمْ أَرَ لِلْأَصْحَابِ تَصْرِيحًا فِي ذَلِكَ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَأْتِيَ فِيهِ وَجْهَانِ نَنْظُرُ فِي أَحَدِهِمَا إلَى مَوْضُوعِ اللَّفْظِ كَمَا فِي قَوْلِهِ قَبْلَ مَوْتِي وَفِي الْآخَرِ إلَى الْمُتَبَادَرِ إلَى الْفَهْمِ وَهُوَ الزَّمَانُ الْمُسْتَعْقَبُ بِالتَّنْجِيزِ وَلَعَلَّ سَبَبَهُ التَّرْتِيبُ الْمُسْتَفَادُ مِنْ الشَّرْطِ وَالْجَزَاءِ فَلَا يُصْرَفُ بِلَفْظِ الْقَبْلِيَّةِ إلَّا إلَى أَقْرَبِ مَا يُمْكِنُ.
وَإِذَا قِيلَ: بِالْإِسْنَادِ إلَى عَقِيبِ التَّعْلِيقِ فَقَدْ تَكُونُ الْعِدَّةُ انْقَضَتْ بَيْنَهُمَا فَيُؤَدِّي الْقَوْلُ بِإِيقَاعِهِمَا فِي ذَلِكَ إلَى الدَّوْرِ فَيَعْدِلُ إلَى زَمَانٍ بَعْدَهُ لِيَسْلَمَ مِنْ الدَّوْرِ. وَإِنَّمَا يُسْنَدُ بَابُ الطَّلَاقِ عَلَى قَوْلِ ابْنِ الْحَدَّادِ إذَا قِيلَ: بِإِسْنَادِ الْوُقُوعِ إلَى عَقِبِ التَّعْلِيقِ أَمَّا إذَا لَمْ يَقُلْ بِهِ بَلْ قَبْلَهُ بِأَدْنَى زَمَانٍ قَدْ يَنْسَدُّ بَابُ الطَّلَاقِ وَيَكُونُ لَهُ طَرِيقٌ آخَرُ إلَى وُقُوعِ الطَّلَاقِ كَمَا سَنُبَيِّنُهُ فِي هَذَا الْمُصَنَّفِ أَوْ فِي غَيْرِهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ.

(وَالْوَجْهُ الثَّانِي) فِي أَصْلِ الْمَسْأَلَةِ أَنَّهُ لَا يَقَعُ عَلَيْهَا طَلَاقٌ أَصْلًا وَهُوَ قَوْلُ الْجُمْهُورِ مِنْ أَصْحَابِنَا وَحُذَّاقِ الْمُحَقِّقِينَ مِنْهُمْ ابْنُ الْحَدَّادِ؛ لِأَنَّ التَّعْلِيقَ صَحِيحٌ لِصُدُورِهِ مِنْ أَهْلِهِ فِي مَحَلِّهِ وَالْوُقُوعُ يَسْتَلْزِمُ الدَّوْرَ الْمُحَالَ فَلَا يَقَعُ وَجَوَابُهُ يَمْنَعُ صِحَّةَ التَّعْلِيقِ جَمِيعِهِ، سَنَدُ هَذَا الْمَنْعِ أَنَّ صِحَّةَ جَمِيعِهِ تَقْتَضِي لُزُومَ ثَلَاثِ طَلْقَاتٍ لِطَلْقَةٍ بَعْدَهَا وَأَنَّهُ مُحَالٌ.
أَمَّا اقْتِضَاؤُهُ لُزُومَ ذَلِكَ فَهُوَ مَدْلُولُ الشَّرْطِيَّةِ؛ لِأَنَّهَا تَقْتَضِي لُزُومَ تَالِيهَا لِمُقَدَّمِهَا، وَالشَّرْطِيَّاتُ وَإِنْ كَانَ بَعْضُهَا اتِّفَاقِيًّا فَهَاهُنَا لَيْسَ كَذَلِكَ؛ لِأَنَّ التَّعْلِيقَ الصَّحِيحَ شَرْعًا هُوَ الَّذِي يَقْتَضِي شَرْطُهُ جَزَاءَهُ وَلِجَعْلِ الْجَزَاءَ فِيهِ مُسْتَحَقًّا بِالشَّرْطِ وَهَذَا مَعْنَى صِحَّةِ التَّعْلِيقِ. وَيَتَوَقَّفُ أَيْضًا الْجَزَاءُ فِيهِ عَلَى الشَّرْطِ مِنْ هَذِهِ الْحَيْثِيَّةِ أَعْنِي مِنْ حَيْثُ كَوْنُهُ جَعَلَهُ مُعَلَّقًا عَلَيْهِ وَإِنْ كَانَ قَدْ يُوجَدُ بِشَرْطٍ آخَرَ فَقَدْ تَبَيَّنَّ أَنَّ اللُّزُومَ حَاصِلٌ بَيْنَ الشَّرْطِ وَالْجَزَاءِ.
وَأَمَّا الِاسْتِحَالَةُ فَلِعَدَمِ مِلْكِ الزَّوْجِ أَرْبَعَ طَلْقَاتٍ؛ وَلِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ أَنْ تَقَعَ طَلْقَةٌ وَيَقَعَ قَبْلَهَا ثَلَاثٌ بِوَجْهٍ مِنْ الْوُجُوهِ فَإِنَّ الطَّلْقَةَ الْمُعَلَّقُ عَلَيْهَا إنْ وُجِدَتْ فِي هَذَا النِّكَاحِ لَمْ تُوجَدْ الثَّلَاثُ قَبْلَهَا وَإِلَّا كُنَّ أَرْبَعًا وَإِنْ وُجِدَ فِي نِكَاحٍ آخَرَ بِأَنْ فَسَخَ نِكَاحَهَا ثُمَّ تَزَوَّجَهَا وَطَلَّقَهَا لَمْ يُمْكِنْ الْقَوْلُ بِوُقُوعِ الثَّلَاثِ فِي النِّكَاحِ الْأَوَّلِ؛ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ تَبِينُ، وَيَتَبَيَّنُ بُطْلَانُ الْفَسْخِ، وَيَلْزَمُ مِنْ بُطْلَانِ الْفَسْخِ بُطْلَانُ النِّكَاحِ الثَّانِي وَبُطْلَانُ الطَّلَاقِ فِيهِ فَيَبْطُلُ وُقُوعُ الثَّلَاثِ فِي الْأَوَّلِ إلَى نَفْيِهِ، وَكُلَّمَا أَدَّى إثْبَاتُهُ إلَى نَفْيِهِ بَطَلَ مِنْ أَصْلِهِ.
فَإِنْ قُلْت لَا يَلْزَمُ مِنْ بُطْلَانِ الْفَسْخِ بُطْلَانِ النِّكَاحِ؛ لِأَنَّهُ خَلْفَهُ بَيْنُونَةٌ أُخْرَى بِالطَّلَاقِ الثَّلَاثِ عَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ؟ قُلْت لَمْ يَعْلَمْ بِهِ ذَلِكَ الْوَقْتَ، وَشَرْطُ صِحَّةِ النِّكَاحِ الْعِلْمُ بِالْبَيْنُونَةِ.
فَإِنْ قُلْت قَدْ يَفْسَخُ نِكَاحَهَا فَيَتَزَوَّجُهَا غَيْرُهُ وَنُوَكِّلُهُ فِي طَلَاقِهَا فَيُطَلِّقُهَا فَيَصْدُقُ أَنَّهُ طَلَّقَهَا؟ قُلْت كَذَلِكَ لَا يُمْكِنُ الْقَوْلُ بِوُقُوعِ الثَّلَاثِ عَلَيْهِ قَبْلَ ذَلِكَ؛ لِمَا يَلْزَمُ مِنْ بُطْلَانِ الْفَسْخِ الْمُقْتَضِي بُطْلَانَ نِكَاحِ غَيْرِهِ الْمُقْتَضِي بُطْلَانَ الْوَكَالَةِ وَالطَّلَاقَ الْمُقْتَضِي بُطْلَانَ وُقُوعِ الثَّلَاثِ قَبْلَهُ فَعُلِمَ أَنَّ لُزُومَ طَلْقَاتِ ثَلَاثٍ لِطَلْقَةٍ بَعْدَهَا مُحَالٌ فَالتَّعْلِيقُ الْمُقْتَضِي لَهُ بَاطِلٌ فِيهِ وَإِنْ كُنَّا لَا نَقُولُ بِبُطْلَانِهِ فِي غَيْرِهِ عَمَلًا بِالدَّلِيلِينَ الْمُصَحِّحِ وَالْمُبْطِلِ بِقَدْرٍ.

(وَالْوَجْهُ الثَّالِثُ) فِي أَصْلِ الْمَسْأَلَةِ أَنَّهُ يَقَعُ فِي الْمُنْجَزِ فَقَطْ هُوَ الَّذِي رَجَّحَهُ الرَّافِعِيُّ وَجَمَاعَةٌ وَلَهُ مَأْخَذَانِ: إحْدَاهُمَا إبْطَالُ التَّعْلِيقِ جُمْلَةً وَهُوَ ضَعِيفٌ؛ لِأَنَّهُ لَا ضَرُورَةَ إلَيْهِ وَالْأَصْلُ حَمْلُ الْكَلَامِ عَلَى الصِّحَّةِ مَا لَمْ يُعَارِضْهُ مُعَارِضٌ وَلَا مُعَارِضَ يَقْتَضِي الْإِبْطَالَ فِي الْجَمِيعِ.
الثَّانِي قَطْعُ الدَّوْرِ مِنْ وَسَطِهِ فَيَصِحُّ الْمُنْجَزُ وَيَبْطُلُ الْمُعَلَّقُ الَّذِي هُوَ فِي الْمَرْتَبَةِ الثَّانِيَةِ وَهَذَا ضَعِيفٌ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا يُفْضِي بُطْلَانَ مَجْمُوعِ الْمُعَلَّقِ وَهُوَ الثَّلَاثُ، أَمَّا بُطْلَانُ كُلِّ جُزْءٍ مِنْهُ فَلَا، وَلَا شَكَّ أَنَّ التَّعْلِيقَ يَقْتَضِي وُقُوعَ كُلِّ جُزْءٍ فَلِمَ لَا يَقَعُ مَا لَا يَقْتَضِي الْوُقُوعُ اسْتِحَالَتَهُ.
فَإِنْ قُلْت: التَّعْلِيقُ كُلُّهُ بَاطِلٌ؛ لِأَنَّ الشَّرْطَ مُتَقَدِّمٌ عَلَى الْمَشْرُوطِ وَهَذَا التَّعْلِيقُ اقْتَضَى تَأَخُّرَ الشَّرْطِ عَنْ الْمَشْرُوطِ فَكَانَ بَاطِلًا. قُلْت: الشَّرْطُ فِي اللَّفْظِ لَا يُشْتَرَطُ تَقَدُّمُهُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {إِنْ كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ قُبُلٍ فَصَدَقَتْ} [يوسف: 26] وَأَلْفُ مِثَالٍ لِذَلِكَ.
وَأَمَّا فِي الْحَقِيقَةِ وَالْحُكْمِ فَيَعُمُّ وَهُوَ هُنَا الزَّمَانُ الَّذِي قَبْلَ الطَّلَاقِ الْمُنْجَزِ لِمَا دَلَّ عَلَيْهِ الْكَلَامُ كَمَا فِي قَوْلِهِ: إنْ قَامَ زَيْدٌ فَأَنْتِ طَالِقٌ قَبْلَهُ بِشَهْرٍ. فَإِنْ قُلْت: الشَّرْطُ وَالْمَشْرُوطُ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَا مُتَغَايِرَيْنِ وَالطَّلَاقُ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ مَمْلُوكًا لِلزَّوْجِ وَالطَّلْقَةُ الْمُنْجَزَةُ وَالثَّلَاثُ إمَّا غَيْرُ مُتَغَايِرَةٍ وَإِمَّا غَيْرُ مَمْلُوكَةٍ؛ لِأَنَّ الزَّوْجَ لَا يَمْلِكُ أَرْبَعًا؟
قُلْت: مَتَى تَصَوَّرْتَ تَصَوُّرًا صَحِيحًا عَلِمْت التَّغَايُرَ بَيْنَ الطَّلْقَةِ الْمُعَلَّقِ عَلَيْهَا وَالثَّلَاثِ الْمُعَلَّقَةِ وَبَيْنَ الْمَمْلُوكِ وَالْمُعَلَّقِ وَالْمُعَلَّقِ عَلَيْهِ وَإِنَّ الطَّلْقَةَ الْمُعَلَّقَ عَلَيْهَا لَا يُشْتَرَطُ أَنْ تَكُونَ مَمْلُوكَةً، وَبَيَانُ ذَلِكَ إمَّا كَوْنُ الطَّلْقَةِ الْمُعَلَّقِ عَلَيْهَا لَا يُشْتَرَطُ أَنْ تَكُونَ مَمْلُوكَةً فَكَالضَّرْبِ وَالدُّخُولِ وَغَيْرِهِمَا مِنْ الشُّرُوطِ الَّتِي يُعَلَّقُ عَلَيْهَا الطَّلَاقُ.

وَقَدْ أَشَرْنَا فِيمَا تَقَدَّمَ إلَى أَنَّهُ يُمْكِنُ وُقُوعُهَا فِي نِكَاحٍ آخَرَ وَذَلِكَ يَتَبَيَّنُ أَنَّهَا لَا يُشْتَرَطُ أَنْ تَكُونَ مَمْلُوكَةً وَيُبَيِّنُ لَك ذَلِكَ لَوْ قَالَ: إنْ طَلَّقْتُك فَعَبْدِي حُرٌّ، ثُمَّ فَسَخَ نِكَاحَهَا، ثُمَّ تَزَوَّجَهَا وَطَلَّقَهَا فَإِنَّا نَحْكُمُ بِعِتْقِ عَبْدِنَا فِيمَا يَظْهَرُ لَنَا بِلَا خِلَافٍ وَأَمَّا كَوْنُ الطَّلَاقِ الْمُعَلَّقِ وَالْمُعَلَّقِ عَلَيْهِ مُغَايِرًا لِلْمَمْلُوكِ فَتَبْيِينُهُ أَنَّهُ يَقُولُ: إنْ دَخَلْت الدَّارَ فَأَنْتِ طَالِقٌ، وَإِنْ أَكَلْت فَأَنْتِ طَالِقٌ، وَإِنْ شَرِبْت فَأَنْتِ طَالِقٌ، وَإِنْ لَبِسْت فَأَنْتِ طَالِقٌ، وَمَا أَشْبَهَهُ، فَيَصِيرُ الطَّلَاقُ مُعَلَّقًا بِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ تِلْكَ الشُّرُوطِ وَقَدْ يَنْتَهِي إلَى الْأَلْفِ وَهُوَ لَا يَمْلِكُ إلَّا ثَلَاثًا، فَالطَّلَاقُ الْمَمْلُوكُ أَعَمُّ وَالطَّلَاقُ الْمُعَلَّقُ أَخَصُّ؛ لِأَنَّا نَأْخُذُهُ مُقَيَّدًا بِالْإِضَافَةِ إلَى شَرْطِهِ فَبَيْنَ الطَّلَاقِ الْمَمْلُوكِ وَالْمُعَلَّقِ عُمُومٌ وَخُصُوصٌ مُطْلَقٌ، وَهُوَ يَكْفِي فِي التَّغَايُرِ وَبَيْنَ الطَّلَاقِ الْمَمْلُوكِ وَالْمُعَلَّقِ عَلَيْهِ عُمُومٌ وَخُصُوصٌ مِنْ وَجْهٍ، وَهُوَ يَقْتَضِي التَّغَايُرَ أَيْضًا فَعُلِمَ بِهَذَا أَنَّ الشَّرْطَ وَالْجَزَاءَ مُتَغَايِرَانِ لَا مَانِعَ مِنْ تَصْحِيحِهِمَا فِيمَا عَدَا مَحَلِّ الدَّوْرِ.

(وَالْوَجْهُ الرَّابِعُ) فِي أَصْلِ الْمَسْأَلَةِ أَنَّهُ يَقَعُ الْمُنْجَزُ وَطَلْقَتَانِ مِنْ الْمُعَلَّقِ مَعَهُ أَوْ بَعْدَهُ عَلَى الْخِلَافِ فِي أَنَّ الْمَشْرُوطَ مَعَ الشَّرْطِ أَوْ بَعْدَهُ وَيَلْغُو قَوْلُهُ قَبْلَهُ وَهَذَا ضَعِيفٌ وَإِنْ شَارِكْ الْأَوَّلَ فِي إيقَاعِ الثَّلَاثِ، وَإِنَّمَا قُلْت بِضَعْفِهِ؛ لِأَنَّهُ قَصَدَ إلْغَاءَ الِاسْتِحَالَةِ بِإِلْغَاءِ قَوْلِهِ قَبْلَهُ.
وَلَا شَكَّ أَنَّ إلْغَاءَهَا بِطَلْقَةٍ مِنْ الثَّلَاثِ الْمُعَلَّقَةِ أَوْلَى؛ لِأَنَّ الطَّلْقَاتِ هِيَ الْمُتَصَرَّفُ فِيهَا الْقَابِلَةُ لِلتَّصْحِيحِ وَالْإِلْغَاءِ وَالْقَبْلِيَّةُ زَمَانُ ضِدَّيْنِ، الْمُرَادُ الْمُتَكَلِّمُ مِنْ الْوَقْتِ الَّذِي قَصَدَ إيقَاعَ الطَّلَاقِ فِيهِ فَهُوَ وَاقِعٌ ثَلَاثًا فِي الزَّمَانِ الْمُسْتَعْقِبِ لِزَمَانِ التَّنْجِيزِ فَالْقَوْلُ بِأَنَّهُ لَا يَقَعُ مِنْهَا ثِنْتَانِ إلْغَاءٌ لِمَا أَوْقَعَهُ بِغَيْرِ مُوجِبٍ وَإِيقَاعُ طَلْقَتَيْنِ مَعَ الْمُنْجَزِ إيقَاعٌ لِمَا لَمْ يُوقِعْهُ بِغَيْرِ مُوجِبٍ وَلَا إرَادَةٍ فَهَذَا الْقَائِلُ تَوَقَّعَ مَا لَمْ يَقْصِدْهُ الْمُتَكَلِّمُ وَيَمْنَعُ وُقُوعَ مَا قَصَدَهُ مَعَ عَدَمِ اسْتِحَالَتِهِ فَهُوَ قَوْلٌ بَاطِلٌ وَحَمَلَهُ عَلَيْهِ- اعْتِقَادُهُ أَنَّ إلْغَاءَ الْقَبْلِيَّةِ بِهَذَا، وَبِهَذَا فَهُمَا سَوَاءٌ وَلَمْ يَتَأَمَّلْ مَا قُلْنَاهُ.
وَهُوَ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ لَهُ مَأْخَذٌ آخَرُ وَهُوَ أَنْ يُقَدِّرَ الطَّلَاقَ الْمُعَلَّقَ كَأَنَّهُ تَكَلَّمَ بِهِ وَقْتَ وُجُودِ الصِّفَةِ وَكَأَنَّهُ قَالَ أَنْتِ طَالِقِ أَمْسِ ثَلَاثًا وَلَوْ قَالَ ذَلِكَ لَكَانَ يَقَعُ الطَّلَاقُ أَمْسِ لَكِنْ هَلْ يَلْغُو وَيَقَعُ الْآنَ قَوْلَانِ فَعَلَى الْوُقُوعِ الْآنَ يَصِحُّ هَذَا الْوَجْهُ وَإِنَّهُ يَقَعُ طَلْقَتَانِ مِنْ الْمُعَلَّقِ مَعَ الْمُنْجَزِ لَوْ فُعِلَ.
وَهَذَا الَّذِي يَلِيقُ بِأَصْلِ الْحَنَفِيَّةِ فَإِنَّ عِنْدَهُمْ الْمُعَلَّقَ يُقَدَّرُ إنْشَاؤُهُ وَقْتَ الصِّفَةِ وَعِبَارَتُهُمْ أَنَّهُ يَنْزِلُ ذَلِكَ الْوَقْتَ.

وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ لَنَا وَجْهٌ مِثْلُهُ مَأْخُوذٌ مِنْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَالْمَشْهُورُ عِنْدَنَا وَعِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ أَنَّ التَّعْلِيقَ هُوَ السَّبَبُ وَهُوَ الْحَقُّ، وَقَدْ اسْتَنْظَرَ لَهُ دَلِيلًا مِنْ الْبَدِيَّةِ الْمُجْمَعِ عَلَيْهِ وَهُوَ قَوْلُ الْوَصِيِّ إذَا مِتُّ فَأَنْتَ حُرٌّ فَلَوْ قَدَّرَ الْعِتْقَ مَعَ الْمَوْتِ أَوْ بَعْدَهُ لَزِمَ إلْغَاؤُهُ؛ لِأَنَّهُ تَصَرَّفَ بَعْدَ إزَالَةِ الْمِلْكِ وَإِنَّمَا يَقْتَضِي فِي حَالَةٍ فِي الْمِلْكِ الْمَوْجُودِ بِعِتْقٍ مُضَافٍ إلَى حَالَةِ الْمَوْتِ جَوَّزَهُ الشَّارِعُ تَوْسِعَةً لِلْمَالِكِ لِمَا يَحْصُلُ لَهُ مِنْ الثَّوَابِ وَكَذَلِكَ الْوَصِيَّةُ فَافْهَمْ ذَلِكَ فَإِنَّهُ دَقِيقٌ وَمَأْخَذٌ قَوِيٌّ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ.

(الْوَجْهُ الْخَامِسُ) فِي أَصْلِ الْمَسْأَلَةِ فِي قَوْلِهِ: إنْ طَلَّقْتُكِ خَاصَّةً أَنَّهُ يَقَعُ الْمُعَلَّقُ وَحْدَهُ وَهُوَ ضَعِيفٌ عِنْدَهُمْ. وَمَأْخَذُهُ أَنَّ أَلْفَاظَ الْعُقُودِ تُطْلَقُ عَلَى الصَّحِيحِ وَالْفَاسِدِ عِنْدَهُمْ وَهُوَ ضَعِيفٌ، وَعِنْدِي فِي ضَعْفِهِ نَظَرٌ فَإِنَّ الْأَلْفَاظَ الَّتِي لَمْ تُحَقَّقْ مِنْ الشَّرْعِ كَالْبَيْعِ وَالطَّلَاقِ وَنَحْوِهِمَا لَمْ يَقُمْ عِنْدِي دَلِيلٌ عَلَى قَصْرِ اللَّفْظِ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْهَا بَلْ الْأَلْفَاظُ الشَّرْعِيَّةُ الْمَنْقُولَةُ كَالصَّوْمِ وَالصَّلَاةِ لَهَا أَرْكَانٌ وَشُرُوطٌ وَبِدُونِ الْأَرْكَانِ يَظْهَرُ عَدَمُ إطْلَاقِ اللَّفْظِ الشَّرْعِيِّ عَلَيْهَا وَأَمَّا بِدُونِ الشَّرْطِ فَإِنَّا نَحْكُمُ عَلَيْهَا بِالْفَسَادِ وَإِذَا سَلَّمْنَا الِاسْمَ عَنْهَا فَقَدْ يُقَالُ: إنَّهُ بِالْمَجَازِ.
وَيُمْكِنُ لِهَذَا الْوَجْهِ مَأْخَذٌ آخَرُ وَهُوَ: أَنَّ الِاسْمَ وَإِنْ قَصُرَ عَلَى الصَّحِيحِ لَكِنَّ هُنَا قَرِينَةً تَقْتَضِي أَنَّ الْمُرَادَ التَّطْلِيقُ الَّذِي لَوْلَا الْمَانِعُ لَوَقَعَ وَالْمَانِعُ مَا جَعَلَهُ جُزْءًا مِنْ وُقُوعِ الثَّلَاثِ قَبْلَهُ، هَذَا مَا تَيَسَّرَ ذِكْرُهُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ سَرِيعًا فِي بَعْضِ مَا بَيْنَ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ مِنْ يَوْمِ الْخَمِيسِ سَابِعَ عَشَرَ شَوَّالٍ سَنَةَ ثَلَاثٍ وَأَرْبَعِينَ وَسَبْعِمِائَةِ، حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ.


(تَنْبِيهٌ) أَشَرْت إلَيْهِ فِيمَا تَقَدَّمَ فِي الْمُلْحَقِ إذَا قُلْنَا بِقَوْلِ ابْنِ الْحَدَّادِ وَأَنَّهُ لَا يَقَعُ طَلَاقٌ أَصْلًا فَيَجِبُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ وَإِنْ طَلَّقْتُك فَأَنْتِ طَالِقٌ قَبْلَهُ، قَبْلِيَّةٌ مُتَّسَعَةٌ ابْتِدَاؤُهَا مِنْ حِينِ التَّعْلِيقِ، أَمَّا إذَا قَالَ بِأَدْنَى زَمَانٍ أَوْ إنْ طَلَّقْتُك فِي الزَّمَانِ الْفُلَانِيِّ فَأَنْتِ طَالِقٌ قَبْلَهُ ثَلَاثًا فَفِي كُلِّ هَذِهِ الصِّيَغِ لَنَا طَرِيقٌ إذَا طَلَّقَهَا يَقَعُ قَبْلَهُ الطَّلَاقُ الثَّلَاثُ، وَلَا دَوْرَ وَلَا إشْكَالَ وَذَلِكَ بِأَنْ يَقُولَ: إذَا طَلَّقْتُك فَلَمْ يَقَعْ عَلَيْك طَلَاقِي فَأَنْتِ طَالِقٌ قَبْلَهُ وَلَا يَلْزَمُ مِنْ ذَلِكَ مَحْذُورٌ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ الطَّلَاقَ الَّذِي حَكَمْنَا بِوُقُوعِهِ لَا يَلْزَمُ مِنْ وُقُوعِهِ عَدَمُ شَرْطِهِ؛ لِأَنَّ شَرْطَهُ عَدَمُ الْوُقُوعِ بَعْدَهُ بِخِلَافِ مَا لَوْ حَكَمْنَا بِوُقُوعِهِ لِأَجْلِ وُقُوعِ الطَّلَاقِ بَعْدَهُ فَإِنَّهُ حِينَئِذٍ يَلْزَمُ مِنْ وُقُوعِ عَدَمِ وُقُوعِ شَرْطِهِ الْمُقْتَضَى لِعَدَمِ وُقُوعِهِ وَإِنَّمَا جَازَ ذَلِكَ مِنْ اتِّحَادِ الزَّمَانِ وَتَأَخُّرِهِ عَنْ زَمَانِ التَّعْلِيقِ مُتَرَاخِيًا عَنْهُ فَلَوْ لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ بِأَنْ جَعَلْنَا الْقَبْلِيَّةَ مُتَّسِعَةً: إمَّا بِالتَّنْصِيصِ وَإِمَّا بِالْحَمْلِ عَلَى ذَلِكَ يَلْزَمُ مِنْ وُقُوعِ الطَّلَاقِ فِي أَيِّ زَمَنٍ فُرِضَ مُتَرَاخِيًا وُقُوعَ طَلَاقٍ قَبْلَهُ بِمُقْتَضَى الْيَمِينِ الْأُولَى، وَيَلْزَمُ مِنْ وُقُوعِهِ قَبْلَهُ عَدَمُ وُقُوعِهِ فَيَدُورُ وَهَكَذَا حَتَّى يَسْتَنِدَ إلَى الزَّمَانِ الَّذِي عُقِبَ بِزَمَانِ التَّعْلِيقِ الْأَوَّلِ.
وَالْفَرْضُ أَنَّ التَّعْلِيقَ الثَّانِيَ بَعْدَ الْأَوَّلِ فَلَا يُمْكِنُ وُقُوعُ الطَّلَاقِ بَعْدَ التَّعْلِيقِ الثَّانِي أَصْلًا وَلَا مَعَهُ، نَعَمْ لَوْ فَرَضَ أَنَّهُ قَالَ أَوَّلًا: إنْ طَلَّقْتُك فَلَمْ يَقَعْ عَلَيْك طَلَاقِي فَأَنْتِ طَالِقٌ قَبْلَهُ، ثُمَّ قَالَ إنْ وَقَعَ عَلَيْك طَلَاقِي فَأَنْتِ طَالِقٌ قَبْلَهُ ثَلَاثًا، ثُمَّ قَالَ لَهَا أَنْتِ طَالِقٌ.
فَنَقُولُ: إنَّهُ يُحْكَمُ بِوُقُوعِ الطَّلَاقِ بِمُقْتَضَى الْيَمِينِ الْأُولَى مَعَ التَّعْلِيقِ الثَّانِي قَبْلَ انْعِقَادِهِ إذْ لَا مَانِعَ مِنْ وُقُوعِ الطَّلَاقِ حِينَئِذٍ وَإِنَّ الْيَمِينَ الدَّائِرَةَ الْمَانِعَةَ مِنْهُ إلَى الْآنَ مَا انْعَقَدَتْ، فَافْهَمْ ذَلِكَ فَلَمْ أَرَ أَحَدًا تَنَبَّهْ لَهُ وَإِنْ كَانَ تَنَبَّهَ لِبَعْضِهِ.


(تَنْبِيهٌ آخَرُ) قَدَّمْنَا أَنَّ الصِّفَةَ لَيْسَ مِنْ شَرْطِهَا أَنْ تَكُونَ مَمْلُوكَةً وَالطَّلَاقَ الْمُعَلَّقَ مِنْ شَرْطِهِ أَنْ يَكُونَ مَمْلُوكًا أَعْنِي عُمُومَ الْمَمْلُوكِ الصَّادِقِ عَلَيْهِ فَإِذَا قَالَ: إنْ دَخَلَتْ فَأَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا ثُمَّ خَالَعَهَا، ثُمَّ تَزَوَّجَهَا، ثُمَّ دَخَلَتْ قَالَ الْأَصْحَابُ يَتَخَلَّصُ عَلَى الْأَصَحِّ وَأَخَذُوهُ مِنْ أَنَّهُ يَصِيرُ تَعْلِيقًا قَبْلَ الْمِلْكِ، وَفِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّهَا تَعُودُ بِمَا بَقِيَ مِنْ عَدَدِ الطَّلَاقِ فَالطَّلَاقُ لَوْ قِيلَ: بِوُقُوعِهِ هُوَ الْمَمْلُوكُ الَّذِي كَانَ النِّكَاحُ الْأَوَّلُ فَلَيْسَ تَعْلِيقًا قَبْلَ الْمِلْكِ فَالْقَوْلُ بِعَدَمِ عَوْدِ الصِّيغَةِ فِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ التَّعْلِيقَ وَالصِّفَةَ كِلَاهُمَا حَالُ الْمِلْكِ وَإِنَّمَا تَخَلَّلَتْ حَالَةٌ بَيْنَهُمَا فَلْيُنْظَرْ إلَى أَنَّهَا هَلْ تَمْنَعُ الْوُقُوعَ أَوْ لَا – وَاَللَّهُ أَعْلَمُ-. أَلْحَقْت ذَلِكَ فِي دَرْسِ الْأَتَابِكِيَّةِ يَوْمَ الْأَرْبِعَاءِ سَادِسَ قِعْدَةٍ سَنَةَ ثَلَاثٍ وَأَرْبَعِينَ وَسَبْعِمِائَةِ.

وَهَذَا التَّنْبِيهُ الثَّانِي إنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ تَعَلُّقٌ بِمَسْأَلَةِ الدَّوْرِ إلَّا أَنَّهُ عَرَضَ عِنْدَ النَّظَرِ فِيهَا - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

كَتَبَ عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ الْكَافِي بْنِ عَلِيِّ بْنِ تَمَّامٍ السُّبْكِيُّ - غَفَرَ اللَّه لَهُ وَلِوَالِدِيهِ - انْتَهَى.

قَالَ وَلَدُهُ مَوْلَانَا قَاضِي الْقُضَاةِ تَاجُ الدِّينِ عَبْدُ الْوَهَّابِ: هَذَا هُوَ الَّذِي اسْتَقَرَّ عَلَيْهِ رَأْيُهُ وَأَمْلَى بَعْدَهُ عَلَيَّ فِيهِ مُصَنَّفًا آخَرَ أَبْسَطَ مِنْ هَذَا هُوَ عِنْدِي وَكَانَ صَنَّفَ قَبْلَهُمَا فِي مِصْرَ مُصَنَّفَيْنِ نَصَرَ فِيهِمَا قَوْلَ ابْنِ الْحَدَّادِ، ثُمَّ رَجَعَ عَنْهُ وَاسْتَقَرَّ رَأْيُهُ عَلَى هَذَا فَلْيُتَنَبَّهْ، ثُمَّ أَمْلَى عَلَيَّ مَا هُوَ مَعْنَاهُ إلَّا أَنَّهُ أَبْسَطُ، ثُمَّ كَتَبَ بِخَطِّهِ مَا هُوَ نَصُّهُ نُقِلَ مِنْ خَطِّهِ. ) اهـ.

فتاوى السبكي (2/ 297-303)

_________________
مددك يا سيدي يا رسول الله صلى الله عليك و على آلك و سلم

الغوث يا سيدي رسول الله صلى الله عليك و على آلك و سلم

الشفاعة يا سيدي يا رسول الله صلى الله عليك و على آلك و سلم


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة: Re: من فتاوى الإمام تقي الدين السبكي في الطلاق
مشاركة غير مقروءةمرسل: الثلاثاء ديسمبر 04, 2018 9:48 pm 
غير متصل

اشترك في: الأحد سبتمبر 18, 2011 10:41 am
مشاركات: 2778
( [فَصْلٌ الِاجْتِمَاع وَالِافْتِرَاق فِي مَسَائِلِ الْأَيْمَانِ وَالطَّلَاقِ]

(فَصْلٌ) قَالَ الشَّيْخُ الْإِمَامُ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: هَذِهِ مُؤَاخَذَاتٌ عَلَى التَّصْنِيفِ الصَّغِيرِ الَّذِي عَمِلَهُ ابْنُ تَيْمِيَّةَ فِي مَسْأَلَةِ الطَّلَاقِ وَسَمَّاهُ بِالِاجْتِمَاعِ وَالِافْتِرَاقِ فِي مَسَائِلِ الْأَيْمَانِ وَالطَّلَاقِ لَا أُطَوِّلُ فِيهَا؛ لِأَنِّي قَدْ تَكَلَّمْت عَلَى كَلَامِهِ قَبْلَ ذَلِكَ، وَلَكِنْ أُنَبِّهُ عَلَى الْمَوَاضِعِ الَّتِي فِي هَذَا التَّصْنِيفِ بِحَسْب الِاخْتِصَارِ وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ:

قَوْلُهُ: "إنَّ صِيغَةَ قَوْلِهِ: الطَّلَاقُ يَلْزَمُنِي لَأَفْعَلَنَّ كَذَا، يَمِينٌ بِاتِّفَاقِ أَهْلِ اللُّغَةِ فَإِنَّهَا صِيغَةُ قَسَمٍ".
قُلْت: كَيْفَ يَدَّعِي اتِّفَاقَ أَهْلِ اللُّغَةِ عَلَى ذَلِكَ وَلَا أَعْرِفُ هَذِهِ الصِّيغَةَ وَرَدَتْ فِي كَلَامِ أَهْلِ اللُّغَةِ وَلَا سَمِعْتُ مِنْ عَرَبِيٍّ لَا فِي نَظْمٍ وَلَا فِي نَثْرٍ.

وَقَوْلُهُ: "وَهُوَ أَيْضًا يَمِينٌ فِي عُرْفِ الْفُقَهَاءِ وَلَمْ يَتَنَازَعُوا فِي أَنَّهَا تُسَمَّى يَمِينًا".
قُلْت قَدْ تَكَلَّمْنَا عَلَيْهِ فِيمَا مَضَى مِنْ كَلَامِنَا وَبِتَقْدِيرِ صِحَّتِهِ لَا يَلْزَمُ حَمْلُ كَلَامِ الشَّارِعِ عَلَى عُرْفِ الْفُقَهَاءِ مَا لَمْ يُعْلَمْ وُجُودُهُ فِي زَمَنِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.

وَقَوْلُهُ: "إنَّ مِنْهُمْ مَنْ غَلَّبَ عَلَيْهَا جَانِبَ الْيَمِينِ فَلَمْ يُوقِعْ بِهِ بَلْ قَالَ: عَلَيْهِ كَفَّارَةُ يَمِينٍ".
قُلْت: هَذَا الْقَوْلُ لَا أَعْرِفُ أَحَدًا صَرَّحَ بِهِ مِنْ سَلَفٍ وَلَا خَلَفٍ. وَأَمَّا اقْتِضَاءُ كَلَامِ ابْنِ حَزْمٍ فِي كِتَابِهِ الْمُصَنَّفِ فِي الْإِجْمَاعِ لِنَقْلِهِ فَقَدْ تَكَلَّمْت عَلَيْهِ فِيمَا مَضَى مِنْ الْكَلَامِ الْمُسَمَّى بِالتَّحْقِيقِ فِي مَسْأَلَةِ التَّعْلِيقِ الَّتِي سَتُكْتَبُ بَعْدَ هَذَا. وَقَوْلُهُ إنَّ الْحَلِفَ بِالطَّلَاقِ إنَّمَا عُرِفَ عَنْ التَّابِعِينَ وَمَنْ بَعْدَهُمْ قَدْ تَكَلَّمْنَا عَلَيْهِ فِي التَّحْقِيقِ.

وَقَوْلُهُ: إنَّ التَّعْلِيقَ الَّذِي قَصَدَ صَاحِبُهُ الْحَلِفَ، حُكْمُهُ حُكْمُ الْحَلِفِ بِالطَّلَاقِ بِاتِّفَاقِ الْفُقَهَاءِ، إمَّا أَنْ يُرِيدَ فِي كَوْنِهِ يُسَمَّى حَلِفًا أَوْ فِي تَسَاوِي أَحْكَامِهِمَا، فَإِنْ أَرَادَ الْأَوَّلَ فَقَدْ تَكَلَّمْنَا عَلَيْهِ، وَإِنْ أَرَادَ الثَّانِيَ فَمَمْنُوعٌ. وَسَنَدُ الْمَنْعِ مِنْ وُجُوهٍ: مِنْهَا أَنَّهُمْ لَمْ يَخْتَلِفُوا أَنَّ التَّعْلِيقَ صَرِيحٌ وَاخْتَلَفُوا فِي الطَّلَاقِ يَلْزَمُنِي هَلْ هُوَ صَرِيحٌ أَوْ كِنَايَةٌ. وَمِنْهَا أَنَّهُ لَا نَجِدُ وَاحِدًا مِنْ الْفُقَهَاءِ يُسَوِّي بَيْنَ الصِّيغَتَيْنِ بِمَعْنَى أَنَّهُ يَقُولُ إمَّا أَنْ يَقَعَ الطَّلَاقُ فِيهِمَا أَوْ لَا يَقَعُ فِيهِمَا بَلْ أَكْثَرُهُمْ يُسَوِّي بَيْنَهُمَا فِي الْوُقُوعِ. وَمِنْهُمْ مَنْ يُفَرِّقُ وَالْحُكْمُ بِالْوُقُوعِ فِيهِمَا الَّذِي مِنْ لَازِمِهِ التَّسْوِيَةُ فِيهِ لَيْسَ حُكْمًا بِالتَّسْوِيَةِ بِالتَّفْسِيرِ الْمُتَقَدَّمِ حَتَّى يَسْتَنْتِجَ مِنْهُ عَدَمَ الْوُقُوعِ فِيهِمَا الَّذِي هُوَ خِلَافُ مَا اتَّفَقَ عَلَيْهِ الْفُقَهَاءُ، وَمَنْ أَرَادَ إشْبَاعَ الْقَوْلِ فِي ذَلِكَ فَعَلَيْهِ بِالتَّحْقِيقِ مَعَ اخْتِصَارِهِ.

قَوْلُهُ: إنَّ أَنْوَاعَ الْأَيْمَانِ ثَلَاثَةٌ:
1- بِاَللَّهِ
2- لِلَّهِ
3- أَنْ يَعْقِدَهَا بِغَيْرِ اللَّهِ أَوْ لِغَيْرِ اللَّهِ.
قُلْت: الْأَقْسَامُ أَرْبَعَةٌ:
الْأَوَّلُ بِاَللَّهِ كَقَوْلِهِ وَاَللَّهِ لَأَتَصَدَّقَنَّ.
الثَّانِي بِاَللَّهِ لِغَيْرِ اللَّهِ كَقَوْلِهِ وَاَللَّهِ لَأَسْرِقَنَّ.
الثَّالِثُ بِغَيْرِ اللَّهِ لِلَّهِ كَقَوْلِهِ: وَالْكَعْبَةِ لَأَتَصَدَّقَنَّ وَيَدْخُلُ فِي هَذَا إنْ فَعَلْت كَذَا لَأَتَصَدَّقَنَّ أَوْ فَعَلَيَّ الْحَجُّ.
وَالرَّابِعُ بِغَيْرِ اللَّهِ لِغَيْرِ اللَّهِ كَقَوْلِهِ: وَالْكَعْبَةِ لَأَسْرِقَنَّ. وَيَدْخُلُ فِي هَذَا الْقَسَمِ إنْ فَعَلْت كَذَا لَأَسْرِقَنَّ أَوْ فَهُوَ يَهُودِيٌّ أَوْ نَصْرَانِيٌّ.
فَالْقِسْمَانِ الْأَوَّلَانِ مُنْعَقِدَانِ تَجِبُ فِيهِمَا الْكَفَّارَةُ، وَالثَّالِثُ فِيهِ مِثَالَانِ:
أَحَدُهُمَا الْقَسَمُ الصَّرِيحُ كَقَوْلِهِ: وَالْكَعْبَةِ لَا يَنْعَقِدُ وَلَا يَلْزَمُ بِهِ شَيْءٌ.
وَالثَّانِي إنْ فَعَلْت كَذَا فَعَلَيَّ الْحَجُّ أَوْ الْحَجُّ يَلْزَمُنِي لَأَفْعَلَنَّ، كَانَ الْقِيَاسُ يَقْتَضِي أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ كَالْأَوَّلِ؛ لِأَنَّهُ إذَا كَانَ الْقَسَمُ الصَّرِيحُ لَا يَلْزَمُ بِهِ شَيْءٌ فَمَا هُوَ فِي حُكْمِهِ بِطَرِيقِ أَوْلَى.
وَلَعَلَّ هَذَا مُسْتَنِدُ مَنْ قَالَ إنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ بِهِ شَيْءٌ لَكِنَّهُ لَمَّا لَمْ يَكُنْ فِي الصِّيغَةِ الثَّانِيَةِ تَعْظِيمٌ لِغَيْرِ اللَّهِ بَلْ الْتِزَامٌ مُجَرَّدٌ فَارَقَ قَوْلَهُ، وَالْكَعْبَةِ وَمَا أَشْبَهُهُ فَإِنَّ فِيهَا تَعْظِيمَ غَيْرِ اللَّهِ فَلِذَلِكَ أَبْطَلَ أَثَرَهَا، وَأَمَّا الصِّيغَةُ الثَّانِيَةُ فَلَيْسَ فِيهَا إلَّا الْتِزَامٌ مُجَرَّدٌ، وَالشَّخْصُ مُتَمَكِّنٌ مِنْ إلْزَامِ نَفْسِهِ بِدَلِيلِ النَّذْرِ الْمُطْلَقِ وَنَذْرِ التَّبَرُّرِ وَالضَّمَانِ فَقَدْ الْتَزَمَ شَيْئًا لَيْسَ فِيهِ تَعْظِيمُ غَيْرِ اللَّهِ وَلَيْسَ مَنْهِيًّا عَنْهُ وَهَذَا الْمَأْخَذُ أَعَوْصُ وَأَقْرَبُ وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ السَّلَفِ أَعْنِي مِنْ اعْتِبَارِ ذَلِكَ وَأَنَّهُ يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ حُكْمٌ لَكِنَّهُمْ اخْتَلَفُوا فِي الْمُتَرَتِّبِ، فَمِنْ قَائِلٍ: وُجُوبُ الْوَفَاءِ بِمَا الْتَزَمَ لِمَا أَشَرْنَا إلَيْهِ مِنْ أَنَّهُ الْتَزَمَ شَيْئًا لَيْسَ فِيهِ تَعْظِيمٌ لِغَيْرِ اللَّهِ فَلَا مَانِعَ مِنْ اعْتِبَارِهِ كَنَذْرِ التَّبَرُّرِ وَمِنْهُمْ مَنْ رَأَى أَنَّ الْمُلْتَزِمَ لِذَلِكَ لَمْ يَقْصِدْ الْتِزَامَهُ تَقَرُّبًا إلَى اللَّهِ تَعَالَى بَلْ إنَّمَا قَصَدَ ذَلِكَ لِيَمْنَعَ نَفْسَهُ مِمَّا حَلَفَ عَلَيْهِ أَوْ يَحُثَّهَا، وَالنَّذْرُ الَّذِي حَكَمَ الشَّرْعُ بِوُجُوبِهِ إنَّمَا هُوَ فِيمَا يَقْصِدُ التَّقَرُّبَ فَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ هُنَا الْوَفَاءُ وَيَتَخَلَّصُ مِنْهُ بِكَفَّارَةِ يَمِينٍ؛ لِأَنَّهُ مُشْبِهٌ لِلْيَمِينِ مِنْ حَيْثُ كَوْنِهِ مَنَعَ نَفْسَهُ بِالْتِزَامِ شَيْءٍ لَيْسَ فِيهِ تَعْظِيمُ غَيْرِ اللَّهِ.

وَأَمَّا قَوْلُهُ فِي آخِرِهَا: إنَّهُ حَلَفَ حَقِيقَةً عَلَى الْحَجِّ مَثَلًا فَيَرُدُّهُ أَنَّ السَّلَفَ وَالْخَلَفَ يُطْلِقُونَ فِي مِثْلِ ذَلِكَ أَنَّهُ حَلَفَ بِالْحَجِّ وَحَلَفَ بِالْعَتَاقَةِ وَحَلَفَ بِالصَّدَقَةِ فِيمَنْ قَالَ: إنْ فَعَلْتُ كَذَا فَعَلَيَّ حَجٌّ أَوْ عَتَاقَةٌ أَوْ صَدَقَةٌ. وَلَوْ كَانَ الْأَمْرُ كَمَا يَقُولُ لَكَانُوا يَقُولُونَ حَلَفَ أَنْ يَحُجَّ أَوْ يَتَصَدَّقَ أَوْ يُعْتِقَ وَهُمْ لَا يَقُولُونَ إلَّا حَلَفَ عَلَى هَذَا الْفِعْلِ بِالْحَجِّ وَمَا أَشْبَهَهُ وَذَلِكَ هُوَ الَّذِي يَفْهَمُهُ الَّذِينَ يَحْلِفُونَ، فَالْفِعْلُ الْمَقْصُودُ الِامْتِنَاعُ مِنْهُ هُوَ الْمَحْلُوفُ عَلَيْهِ وَالْحَجُّ مَثَلًا هُوَ الْمَحْلُوفُ بِهِ وَيُسَمُّونَهُ إذَا فَعَلَ الْفِعْلَ حَانِثًا، وَلَوْ كَانَ كَمَا يَقُولُ لَمْ يَكُنْ حَانِثًا إلَّا بِتَرْكِ الْحَجِّ وَمَا أَشْبَهَهُ فَهُوَ نَادِرٌ حَقِيقَةً لَكِنَّهُ غَيْرُ دَاخِلٍ فِي قَوْلِهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- «مَنْ نَذَرَ أَنْ يُطِيعَ اللَّهَ فَلْيُطِعْهُ» ؛ لِأَنَّ عَلَى وَجْهِ الْحَلِفِ لَيْسَ قَصْدُهُ الطَّاعَةَ وَإِنْ كَانَ قَصْدُهُ الْمَشْيَ عَلَى تَقْدِيرِ الْمُخَالَفَةِ؛ لِأَنَّ قَصْدَ الْمَشْيِ لَهُ جِهَتَانِ:
إحْدَاهُمَا أَنْ يَكُونَ امْتِثَالًا لِلْأَمْرِ وَذَلِكَ هُوَ الطَّاعَةُ وَهُوَ مَفْقُودٌ هُنَا.
وَالثَّانِي أَنْ يَكُونَ لِغَرَضٍ آخَرَ كَمَا هَاهُنَا فَإِنَّهُ إنَّمَا قَصَدَهُ لِيَكُونَ مَانِعًا لَهُ مِنْ الْفِعْلِ فَإِذَا لَمْ يَدْخُلُ فِي قَوْلِهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- «مَنْ نَذَرَ أَنْ يُطِيعَ اللَّهَ فَلْيُطِعْهُ» فَلَا يَجِبُ وَإِنْ كَانَ مُقْتَضَى كَلَامِهِ أَنَّهُ أَوْجَبَهُ عَلَى نَفْسِهِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ كُلُّ مَا أَوْجَبَهُ الْإِنْسَانُ عَلَى نَفْسِهِ يَجِبُ عَلَيْهِ إلَّا بِإِيجَابِ اللَّهِ تَعَالَى فَفِيمَا إذَا كَانَ الْمَقْصُودُ الطَّاعَةَ أَوْجَبَهُ اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ فَوَجَبَ وَهَا هُنَا لَيْسَ الْمَقْصُودُ الطَّاعَةَ.
وَدَخَلَ فِي قَوْلِهِ: كَفَّارَةُ النَّذْرِ كَفَّارَةُ يَمِينٍ وَفِي قَوْله تَعَالَى {يُوفُونَ بِالنَّذْرِ} [الإنسان: 7] فَإِذَا فَعَلَ ذَلِكَ الْفِعْلَ فَقَدْ تَرَتَّبَ الْمَنْذُورُ فِي ذِمَّتِهِ وَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ وَفَاؤُهُ عَيْنًا بَلْ لَهُ أَنْ يُسْقِطَهُ بِالْكَفَّارَةِ. وَقَدْ بَسَطَ ذَلِكَ أَكْثَرَ مِنْ هَذَا فِي التَّحْقِيقِ.

قَوْلُهُ إنَّ مَنْ حَلَفَ بِغَيْرِ اللَّهِ، مِثْلُ أَنْ يَحْلِفَ بِالطَّوَاغِيتِ أَوْ بِأَبِيهِ أَوْ بِالْكَعْبَةِ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْمَخْلُوقَاتِ أَنَّهَا يَمِينٌ غَيْرُ مُحْتَرَمَةٍ فَلَا تَنْعَقِدُ وَلَا كَفَّارَةَ فِيهَا بِاتِّفَاقِ الْعُلَمَاءِ. يَرُدُّ عَلَيْهِ فِي إيجَابِهِ الْكَفَّارَةَ فِي الطَّلَاقِ وَالْعِتْقِ.
وَأَمَّا حُكْمُنَا نَحْنُ بِانْعِقَادِهَا؛ فَلِأَنَّهَا لَيْسَتْ فِي مَعْنَى مَا اتَّفَقُوا عَلَى عَدَمِ انْعِقَادِهَا؛ لِأَنَّهَا لَيْسَ فِيهَا تَعْظِيمُ غَيْرِ اللَّهِ بِخِلَافِ الْحَلِفِ بِالطَّوَاغِيتِ وَأَبِيهِ وَالْكَعْبَةِ. وَقَوْلُهُ فِي الْمَعْقُودَةِ لِلَّهِ فِيمَا إذَا كَانَ مَقْصُودُهُ التَّقَرُّبَ لَا الْحَلِفَ إلَى آخِرِهِ يَقْتَضِي وُجُوبَ الْكَفَّارَةِ فِي كُلِّ نَذْرٍ وَلَيْسَ كَذَلِكَ فَإِنَّ نَذْرَ التَّبَرُّرِ لَا خِلَافَ فِيهِ أَنَّهُ لَا تَجِبُ فِيهِ الْكَفَّارَةُ وَكَأَنَّ النُّسْخَةَ سَقِيمَةٌ فَلْيَنْظُرْ فِي أُخْرَى.
وَإِدْرَاجُهُ الْحَلِفَ بِالطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ فِي الْقِسْمِ الثَّانِي فِي الْيَمِينِ الْمَعْقُودَةِ لِلَّهِ يَقْتَضِي: أَنَّ الْحَلِفَ بِالطَّلَاقِ يَمِينٌ مَعْقُودَةٌ لِلَّهِ وَفِيهِ نَظَرٌ فَإِنَّ قَوْلَهُ: مَعْقُودٌ لِلَّهِ إنْ أُرِيدَ بِهَا التَّقَرُّبُ إلَى اللَّهِ فَالْيَمِينُ بِالطَّلَاقِ لَيْسَتْ كَذَلِكَ، وَإِنْ أُرِيدَ بِهِ أَنَّهُ الْتَزَمَ بِهَا شَيْئًا يَجِبُ لِلَّهِ تَعَالَى عَلَيْهِ كَالْحَجِّ وَالصَّدَقَةِ فَلَيْسَ كَذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْحَالِفَ بِالطَّلَاقِ لَيْسَ مَقْصُودُهُ أَنَّهُ إذَا حَصَلَ الْحِنْثُ يَجِبُ عَلَيْهِ الطَّلَاقُ وَلَا أَنْ يُنْشِئَ طَلَاقًا بَلْ مَقْصُودُهُ أَنَّهَا تَطْلُقُ بِمُجَرَّدِ وُجُودِ الشَّرْطِ.

قَوْلُهُ: وَمِنْ الْعُلَمَاءِ مَنْ فَرَّقَ بَيْنَ مَا عَقَدَهُ لِلَّهِ مِنْ الْوُجُوبِ وَهُوَ الْحَلِفُ بِالنَّذْرِ وَمَا عَقَدَهُ لِلَّهِ مِنْ تَحْرِيمٍ وَهُوَ الْحَلِفُ بِالطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ فَقَالُوا فِي الْأَوَّلِ: كَفَّارَةٌ وَفِي الثَّانِي مَا حَلَفَ، هَذَا وَإِنْ كَانَ قَوْلَ الْجُمْهُورِ وَلَكِنْ لَمْ يَقُولُوهُ بِهَذِهِ الْعِبَارَةِ وَلَيْسَ مَأْخَذُهُمْ كَوْنَ هَذَا تَحْرِيمًا وَإِيجَابًا، وَلَوْ كَانَ ذَلِكَ مَأْخَذُهُمْ لَزِمَهُمْ أَنْ يَقُولُوا بِهِ مِنْ كُلِّ تَحْرِيمٍ كَمَا قَالَ: إنْ فَعَلْت كَذَا فَامْرَأَتِي أَوْ أَمَتِي حَرَامٌ وَهَذَا الطَّعَامُ عَلَيَّ حَرَامٌ فَيَحْرُمُ إذَا وَجَدَ الشَّرْطَ، وَهَذَا لَمْ يَقُلْ بِهِ أَحَدٌ.
بَلْ مَأْخَذُهُمْ أَنَّ هَذَا وُقُوعٌ وَذَاكَ الْتِزَامٌ، وَالْأَوَّلُ مُفَوَّضٌ إلَى الْعَبْدِ يُصِيبُ بِسَبَبِهِ تَنْجِيزًا وَتَعْلِيقًا وَمَتَى وَجَدَ سَبَبَهُ لَا يَتَأَخَّرُ عَنْهُ.
(وَالثَّانِي) لَيْسَ مُفَوَّضًا إلَيْهِ مُطْلَقًا بَلْ عَلَى وَجْهٍ خَاصٍّ وَإِذَا وَجَبَ سَبَبُهُ وَتَرَتَّبَ فِي الذِّمَّةِ يُمْكِنُ سُقُوطُهُ بِخِلَافِ الْأَوَّلِ. وَاسْتِدْلَالُهُ بِالْآيَاتِ وَالْحَدِيثِ الدَّالِ عَلَى تَكْفِيرِ الْأَيْمَانِ، وَدَعْوَاهُ أَنَّهَا شَامِلَةٌ لِهَذِهِ الْيَمِينِ مَمْنُوعَةٌ.
وَقَوْلُهُ: إنَّ هَذِهِ دَاخِلَةٌ فِي أَيْمَانِ الْمُسْلِمِينَ وَأَيْمَانِ الْبَيْعَةِ، وَدَعْوَاهُ أَنَّهُ لَا يَعْلَمُ فِيهَا نِزَاعًا فَاعْلَمْ أَنَّ قَوْلَنَا أَيْمَانُ الْمُسْلِمِينَ وَأَيْمَانُ الْبَيْعَةِ إنَّمَا صَارَتْ يَدْخُلُ فِيهَا الطَّلَاقُ وَالْعِتْقُ مِنْ زَمَنِ الْحَجَّاجِ فَإِنَّهُ زَادَهَا فِي أَيْمَانِ الْبَيْعَةِ وَصَارَ يُحَلِّفُ الْمُسْلِمِينَ بِهَا وَاشْتَهَرَتْ مِنْ ذَلِكَ الْوَقْتِ، فَإِذَا نَوَاهَا الْحَالِفُ دَخَلَتْ وَإِنْ لَمْ يَنْوِهَا لَا تَدْخُلُ وَلَوْلَا ذَلِكَ دَخَلَتْ الْيَمِينُ بِالطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ فِيهَا نَوَى أَوْ لَمْ يَنْوِ، فَالْإِيهَامُ بِكَوْنِهَا مِنْ أَيْمَانِ الْمُسْلِمِينَ لَا يُفِيدُ.
وَمِمَّا يُبَيِّنُ أَنَّ ذَلِكَ أَنَّ قَوْلَ الْقَائِلِ: أَيْمَانُ الْمُسْلِمِينَ إمَّا أَنْ يُرَادَ بِهَا مَا شُرِعَ لِلْمُسْلِمِينَ الْحَلِفُ بِهَا أَوْ مَا يَتَعَارَفُ الْمُسْلِمُونَ الْحَلِفَ بِهِ وَجَرَتْ عَادَتْهُمْ بِهِ فَإِنْ أُرِيدَ الْأَوَّلُ فَالْيَمِينُ بِالطَّلَاقِ وَالْعَتَاق لَمْ يُشْرَعْ لِلْمُسْلِمِينَ الْحَلِفُ بِهَا بَلْ هِيَ مَنْهِيٌّ عَنْهَا لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ كَانَ حَالِفًا فَلْيَحْلِفْ بِاَللَّهِ أَوْ لِيَصْمُت» وَإِنْ أُرِيدَ بِهِ مَا يَتَعَارَفُهُ الْمُسْلِمُونَ وَجَرَتْ عَادَتُهُمْ بِالْحَلِفِ بِهِ فَالْيَمِينُ بِالطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ لَمْ تَجْرِ عَادَةُ الْمُسْلِمِينَ حِينَ الْأَوَّلِ وَلَا فِي زَمَنِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالْحَلِفِ بِهَا وَهُوَ قَدْ سَلَّمَ، فَكَيْفَ يَقُولُ إنَّهَا دَاخِلَةٌ فِي أَيْمَانِ الْمُسْلِمِينَ وَيَحْتَجُّ بِعُرْفٍ طَارِئٍ بَعْدَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِنَحْوٍ مِنْ سَبْعِينَ سَنَةً؟ ،، ثُمَّ إنَّ سِيَاقَ الْآيَاتِ الْكَرِيمَةِ فِي مَعْرِضِ إيجَابِ الْكَفَّارَةِ فِي الْأَيْمَانِ لَا فِي مَعْرِضِ تَبْيِينِ مَا تَجِبُ فِيهِ الْكَفَّارَةُ مِنْ الْأَيْمَانِ وَأَنَّهَا مِنْ أَيْمَانِ الْمُسْلِمِينَ دُونَ أَيْمَانِ غَيْرِهِمْ.
وَقَدْ قَالَ تَعَالَى {وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمُ الأَيْمَانَ} [المائدة: 89] وَهِيَ أَعَمُّ وَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ حَلَفَ عَلَى يَمِينٍ» وَالْخِطَابُ وَإِنْ سُلِّمَ أَنَّهُ لِلْمُؤْمِنِينَ خَاصَّةً فَيَدْخُلُ فِي حُكْمِهِ كُلُّ مُكَلَّفٍ لِعُمُومِ شَرِيعَةِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِكُلِّ أَحَدٍ بِكُلِّ مُكَلَّفٍ بَرٌّ أَوْ فَاجِرٌ يَدْخُلُ فِي حُكْمِ هَذَا الْخِطَابِ وَلَكِنْ تَبَيَّنَّ بِدَلِيلٍ آخَرَ: أَنَّ الْأَيْمَانَ الَّتِي لَا حُرْمَةَ لَهَا لَا يَجِبُ فِيهَا كَفَّارَةٌ فَعَلِمْنَا خُرُوجُهَا مِنْ الْآيَاتِ وَالْحَدِيثِ بِالْأَدِلَّةِ الْخَاصَّةِ، وَقَدْ كَانَ الْمُسْلِمُونَ يَحْلِفُونَ بِآبَائِهِمْ حَتَّى نُهُوا.
وَقَدْ قَالَ تَعَالَى (وَاللَّيْلِ) (وَالضُّحَى) (وَالشَّمْسِ) وَرُوِيَ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «أَفْلَحَ وَأَبِيهِ إنْ صَدَقَ وَهُوَ سَيِّدُ الْمُسْلِمِينَ» . قَوْلُهُ: وَأَمَّا مِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى فَهُوَ أَنَّ فَرْضَ الْكَفَّارَةِ لِئَلَّا تَكُونَ الْأَيْمَانُ مُوجِبَةً أَوْ مُحَرَّمَةً لَا مَخْرَجَ مِنْهَا فَلَوْ كَانَ مِنْ الْأَيْمَانِ مَا لَا كَفَّارَةَ فِيهِ كَانَتْ هَذِهِ الْمَفْسَدَةُ مَوْجُودَةً.
قُلْنَا: لَا نُسَلِّمُ وُجُودَهَا؛ لِأَنَّ تِلْكَ الْمَفْسَدَةَ عَلَى تَقْدِيرِ مُخَالَفَةِ الْيَمِينِ ارْتِكَابُ مَعْصِيَةِ اللَّهِ مِنْ فِعْلٍ مُحَرَّمٍ أَوْ تَرْكِ وَاجِبٍ. وَقَدْ تَدْعُو الضَّرُورَةُ إلَى مُخَالَفَةِ الْيَمِينِ فَشُرِعَتْ الْكَفَّارَةُ لِذَلِكَ، وَالْمَفْسَدَةُ هُنَا: وُقُوعُ الطَّلَاقِ فَلَيْسَ فِيهِ مَعْصِيَةٌ وَإِنْ كَانَ فِيهِ مَفْسَدَةٌ أُخْرَى لَكِنَّ الْمَعْصِيَةَ أَشَدُّ عِنْدَ الْمُسْلِمِ مِنْ كُلِّ مَفْسَدَةٍ دُنْيَوِيَّةٍ. وَالْمَفْسَدَةُ عَلَى تَقْدِيرِ الْمُحَافَظَةِ عَلَى الْيَمِينِ مُشْتَرَكَةٌ وَلَا نُسَلِّمُ أَنَّ هَذِهِ الْمَفْسَدَةَ وَحْدَهَا هِيَ الْمُلَاحَظَةُ بَلْ الْمَجْمُوعُ الَّذِي هُوَ مَوْجُودٌ فِي الْيَمِينِ بِالطَّلَاقِ وَالْعِتْقِ.
فَإِنْ قُلْتَ فَفِي نَذْرِ الْحَاجِّ لِمَ حَلَّتْ الْكَفَّارَةُ؟ . قُلْت؛ لِأَنَّهُ فِيهِ إيجَابٌ وَيَحْصُلُ بِتَرْكِهِ الْمَعْصِيَةُ فَلَوْ لَمْ تُشْرَعْ فِيهِ الْكَفَّارَةُ لَكَانَ بِمَنْزِلَةِ الْيَمِينِ قَبْلَ شَرْعِ الْكَفَّارَةِ لِحُصُولِ الْعِصْيَانِ عَلَى تَقْدِيرِ تَرْكِ مَا الْتَزَمَهُ فَهُوَ بِالْيَمِينِ مِنْ تَعْلِيقِ الطَّلَاقِ وَالْعِتْقِ الَّذِي لَا مَعْصِيَةَ فِيهِ أَلْبَتَّةَ. وَقَوْلُهُ: إنَّ اللَّهَ نَهَاكُمْ أَنْ تَجْعَلُوا الْحَلِفَ بِاَللَّهِ مَانِعًا لَهُمْ، إلَى آخِرِهِ. قُلْت الَّذِي فَهِمْته مِنْ كَلَامِ السَّلَفِ فِي قَوْلِهِ {وَلا تَجْعَلُوا اللَّهَ عُرْضَةً لأَيْمَانِكُمْ} [البقرة: 224] أَنَّ الْمَنْهِيَّ عَنْهُ الْحَلِفُ لِأَجْلِ هَذَا الْغَرَضِ، وَعَلَيْهِ يَنْبَغِي أَنْ يُحْمَلَ مَا وَرَدَ عَنْهُمْ مِمَّا ظَاهِرُهُ خِلَافُ ذَلِكَ وَإِلَّا فَكَيْفَ يُجْعَلُ بِالْبَقَاءِ عَلَى الْيَمِينِ جَاعِلًا اللَّهَ عُرْضَةً لِيَمِينِهِ. هَذَا مِمَّا يَنْبُو الْفَهْمُ عَنْهُ.
وَكَلَامُ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ الْمُعْتَمَدِ عَلَى تَفْسِيرِهِمْ لَيْسَ فِيهِ تَصْرِيحٌ بِهِ بَلْ يُفْهَمُ مِنْهُ مَا قُلْته أَوَّلًا - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ -.

وَقَوْلُهُ فِي الْإِيلَاءِ إلَى آخِرِهِ قُلْنَا لَا نُسَلِّمُ دُخُولَ الْحَالِفِ بِالطَّلَاقِ فِي لَفْظِ الْآيَةِ بَلْ فِي حُكْمِهَا بِالْقِيَاسِ وَلَوْ سَلَّمْنَا وقَوْله تَعَالَى {فَإِنْ فَاءُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [البقرة: 226]- وَاَللَّهُ أَعْلَمُ - فِيهِ مَقْصُودُهُ الْمُزَوَّجَةُ وَهِيَ مُتَعَدِّدَةٌ هُنَا وَلَيْسَ فِي الْآيَةِ أَنَّ كُلَّ مُولٍ يُمْكِنُ أَنْ يَفِيءَ هَذِهِ الْفَيْئَةَ الْخَاصَّةَ وَلَوْ سَلَّمْنَا ذَلِكَ فَالْمَرْأَةُ إذَا تَحَقَّقَتْ أَنَّهَا مَتَى وُطِئَتْ يَقَعُ الطَّلَاقُ عَلَيْهَا تَكْرَهُ صُحْبَتَهُ إنْ كَانَتْ رَاغِبَةً فِي الْوَطْءِ فَيَحْصُلُ مَقْصُودُهَا، وَأَمَّا إنْ كَانَتْ غَيْرَ رَاغِبَةٍ فِي الْوَطْءِ وَتَكْتَفِي بِمُجَرَّدِ الصُّحْبَةِ فَلَا تَطْلُبُهُ، وَالْفَيْئَةُ إنَّمَا تَكُونُ بَعْدَ الطَّلَبِ أَوْ التَّعَرُّضِ لَهُ.

وَقَوْلُهُ إنَّهُ عَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ فَلَا فَائِدَةَ فِي التَّأْجِيلِ بَلْ التَّعْجِيلُ إلَيْهَا قُلْنَا: التَّأْجِيلُ لَيْسَ لِأَجْلِهَا بَلْ لِأَجْلِهِ فَيُمْهَلُ هَذِهِ الْمُدَّةَ الَّتِي لَا تَضُرُّ بِالْمَرْأَةِ، ثُمَّ تُطَالِبُ بَعْدَ الْمُدَّةِ دَفْعًا لِضَرَرِهَا. وَأَمَّا أَنَّ التَّأْجِيلَ شُرِعَ لِنَفْعِ الْمَرْأَةِ فَلَا، وَمَا ذَكَرَهُ مِنْ فَتْوَى الصَّحَابَةِ فِيمَنْ قَالَ إنْ فَعَلَتْ كَذَا فَعَبِيدِي أَحْرَارٌ قَدْ حَصَلَ الْكَلَامُ عَلَيْهِ فِي التَّحْقِيقِ وَفِيهِ كَلَامٌ طَوِيلٌ لَا يُحْتَمَلُ ذِكْرُهُ هُنَا. وَالْإِمَام أَحْمَدُ لَمْ يُثْبِتْهُ وَتَقْرِيرُهُ؛ لِأَنَّ هَذِهِ أَيْمَانٌ مَحْضَةً قَدْ تَقَدَّمَ التَّنْبِيهُ عَلَى شَيْءِ مِنْهُ وَقَدْ ذَكَرْت - أَنَا - قَرِيبًا مِنْهُ فِي التَّحْقِيقِ قَبْلَ أَنْ أَقِفَ عَلَى كَلَامِهِ فِيهِ وَلَكِنْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ كَلَامِهِ بَعْضُ الْمُبَايَنَةِ وَهُوَ أَنَّنِي - أَنَا - أَجْعَلُهُ بِوُجُودِ الشَّرْطِ فِي نَذْرِ الْحَاجِّ صَارَ بِمَنْزِلَةِ الْحَالِفِ عَلَى الْحَجِّ مَثَلًا وَصَيْرُورَتُهُ كَذَلِكَ لَيْسَ مِنْ مُقْتَضَى كَلَامِهِ بَلْ الشَّرْعُ نَزَّلَهُ مَنْزِلَتَهُ وَأَمَّا مُقْتَضَى كَلَامِهِ فَالْتِزَامٌ الْتَزَمَهُ لَا غَيْرَ، وَأَمَّا ابْنُ تَيْمِيَّةَ فَظَاهِرُ كَلَامِهِ هَذَا أَنْ يَجْعَلَهُ مُقْتَضَى كَلَامِهِ الْحَلِفُ لَا النَّذْرُ.

وَأَمَّا احْتِجَاجُهُ بِقَوْلِهِ: إنْ فَعَلْت كَذَا فَهُوَ يَهُودِيٌّ وَمَا أَشْبَهَهُ فَقَدْ أَجَبْت عَنْهُ فِي التَّحْقِيقِ وَكَذَلِكَ قِيَاسُهُ عَلَى قَوْلِهِ إنْ فَعَلْت كَذَا فَعَلَيَّ أَنْ أُطَلِّقَ امْرَأَتِي. وَقَوْلُهُ: إنَّ الْمُعَلِّقَ لِلطَّلَاقِ مُلْتَزِمٌ لِوُقُوعِهِ، وَقَوْلُهُ بَعْدَ ذَلِكَ إنَّ مَنْ عَقَدَ الْيَمِينَ لِلَّهِ فَهُوَ أَبْلَغُ مِمَّنْ عَقَدَهَا بِاَللَّهِ وَلِهَذَا كَانَ النَّذْرُ أَبْلَغَ مِنْ الْيَمِينِ قَدْ بَيَّنَّا أَنَّ الْحَلِفَ بِالطَّلَاقِ لَيْسَ عَقْدَ يَمِينٍ لَا بِاَللَّهِ وَلَا لِلَّهِ بَلْ هُوَ عَقْدُ يَمِينٍ لِغَيْرِ اللَّهِ وَهُوَ الطَّلَاقُ عَلَى فِعْلٍ قَدْ يَكُونُ لِلَّهِ وَقَدْ يَكُونُ لِغَيْرِهِ وَسُلُوكُهُ بِهِ مَسْلَكَ النَّذْرِ هُوَ أَصْلُ مَا بَنَى عَلَيْهِ وَحَصَلَ لَهُ مِنْهُ الِاشْتِبَاهُ وَبَيْنَهُمَا مِنْ الِافْتِرَاقِ بَوْنٌ عَظِيمٌ وَلَمْ يُوجِبْ لَهُ هَذَا الشَّغَبُ الْكَثِيرُ إلَّا تَسْوِيَتُهُ بَيْنَهُمَا وَلَا يَسْتَوِيَانِ - وَاَللَّهُ تَعَالَى يُلْهِمُنَا رُشْدَنَا بِمُحَمَّدٍ وَآلِهِ -. كَتَبْت ذَلِكَ مُخْتَصِرًا جِدًّا بِحَسْبِ الرَّاغِبِ فِيهِ وَلِأَنَّهُ قَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ بِمَا يُغْنِي.
وَذَلِكَ بُكْرَةَ نَهَارِ الْأَرْبِعَاءِ عَشْرِ شَهْرِ رَمَضَانَ الْمُعَظَّمِ سَنَةَ ثَمَانِ عَشْرَةَ وَسَبْعِمِائَةٍ - نَفَعَنِي اللَّهُ بِهَا وَالنَّاظِرَ فِيهَا بِمُحَمَّدٍ وَآلِهِ -. كَتَبَ عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ الْكَافِي السُّبْكِيُّ انْتَهَى.
نَقَلَ مِنْ خَطِّ مَنْ نَقَلَ مِنْ خَطِّهِ وَسَمَّاهُ نَقْدُ الِاجْتِمَاعِ وَالِافْتِرَاقِ فِي مَسَائِلِ الْأَيْمَانِ وَالطَّلَاقِ.) اهـ.

فتاوى السبكي (2/ 303-309)

_________________
مددك يا سيدي يا رسول الله صلى الله عليك و على آلك و سلم

الغوث يا سيدي رسول الله صلى الله عليك و على آلك و سلم

الشفاعة يا سيدي يا رسول الله صلى الله عليك و على آلك و سلم


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة: Re: من فتاوى الإمام تقي الدين السبكي في الطلاق
مشاركة غير مقروءةمرسل: الأربعاء ديسمبر 19, 2018 10:50 pm 
غير متصل

اشترك في: الأحد سبتمبر 18, 2011 10:41 am
مشاركات: 2778
فتاوى السبكي (2/ 309-311)

(مَسْأَلَةٌ الْحَلِف بِالطَّلَاقِ الْمُعَلَّقِ:

(مَسْأَلَةٌ مُسَمَّاةٌ بِالنَّظَرِ الْمُحَقَّقِ فِي الْحَلِفِ بِالطَّلَاقِ الْمُعَلَّقِ) لِلشَّيْخِ الْإِمَامِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - كِتَابَانِ فِي الرَّدِّ عَلَى ابْنِ تَيْمِيَّةَ: أَحَدُهُمَا كِتَابُهُ الْكَبِيرُ الْمَشْهُورُ الْمُسَمَّى بِالتَّحْقِيقِ فِي مَسْأَلَةِ التَّعْلِيقِ، وَالثَّانِي كِتَابُ رَفْعِ الشِّقَاقِ عَنْ مَسْأَلَةِ الطَّلَاقِ.

وَهَذِهِ فُتْيَا مُخْتَصَرَةٌ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ:
مَسْأَلَةٌ: إذَا عَلَّقَ الرَّجُلُ طَلَاقَ زَوْجَتِهِ عَلَى شَرْطٍ قَاصِدًا الْيَمِينَ إمَّا لِحَثٍّ أَوْ مَنْعٍ أَوْ تَصْدِيقٍ، ثُمَّ وُجِدَ ذَلِكَ الشَّرْطُ وَقَعَ الطَّلَاقُ. وَبَيَانُ ذَلِكَ أَنَّ مُقْتَضَى الْقَضِيَّةِ الشَّرْطِيَّةِ الْحُكْمُ بِالْمَشْرُوطِ عَلَى تَقْدِيرِ الشَّرْطِ خَبَرِيَّةً كَانَتْ أَوْ إنْشَائِيَّةً، وَالْمُعَلَّقُ فِيهَا هُوَ نِسْبَةُ أَحَدِ الْخَبَرَيْنِ إلَى الْآخَرِ لَا الْحُكْمُ بِتِلْكَ النِّسْبَةِ الَّذِي هُوَ مُنْقَسِمٌ إلَى الْخَبَرِ وَالْإِنْشَاءِ؛ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا يَسْتَحِيلُ تَعْلِيقُهُ فَالْمُعَلَّقُ فِي مَسْأَلَتِنَا هُوَ الطَّلَاقِ وَأَمَّا التَّطْلِيقُ فَهُوَ فِعْلُ الزَّوْجِ يُوقِعُهُ مُنْجَزًا أَوْ مُعَلَّقًا وَيُوصَفُ التَّعْلِيقُ بِكَوْنِهِ تَطْلِيقًا عِنْدَ وُجُودِ الشَّرْطِ حَقِيقَةً فَإِنْ لَمْ يُجِزْ التَّعْلِيقَ يَخْرُجُ الَّذِي حَصَلَ مُقْتَضَاهُ عَنْ الشَّرْطِ، وَيَشْهَدُ لِذَلِكَ أَحْكَامُ الشَّرِيعَةِ كُلِّهَا الْمُعَلَّقَةِ بِالْمَشْرُوطِ، وَمَنْ مَنَعَ تَعْلِيقَ الطَّلَاقِ بِالصِّفَاتِ مُطْلَقًا فَقَدْ الْتَبَسَ عَلَيْهِ التَّعْلِيقُ بِتَعْلِيقِ الْإِنْشَاءِ فَظَنَّ أَنَّ تَعْلِيقَ الطَّلَاقِ مِنْ الثَّانِي وَإِنَّمَا هُوَ مِنْ الْأَوَّلِ وَقَدْ عَلَّقَ اللَّهُ إحْلَالَ امْرَأَةٍ لِنَبِيِّهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَلَى هِبَتِهَا نَفْسَهَا لَهُ وَإِرَادَتِهِ اسْتِنْكَاحَهَا وَإِنْ خَرَجَ الْيَمِينُ فَالْأَمْرُ كَذَلِكَ لِوُجُوهٍ:
أَحَدُهَا: أَنَّهُ تَعْلِيقٌ خَاصٌّ فَيَجِبُ ثُبُوتُ حُكْمِ التَّعْلِيقِ الْعَامِّ لَهُ.

الثَّانِي: {وَالْخَامِسَةُ أَنَّ لَعْنَتَ اللَّهِ عَلَيْهِ إِنْ كَانَ مِنَ الْكَاذِبِينَ} [النور: 7] وَجْهُ الِاسْتِدْلَالِ: أَنَّ الْمُلَاعِنَ يَقْصِدُ بِهَذَا الشَّرْطِ التَّصْدِيقَ فَهُوَ خَارِجٌ مَخْرَجَ الْيَمِينِ وَمَعَ ذَلِكَ فَهُوَ مُوجَبُ اللَّعْنَةِ وَالْغَضَبِ عَلَى تَقْدِيرِ الْكَذِبِ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ إنَّهَا مُوجِبَةٌ وَبِأَنَّهُ لَوْ كَانَ الْمُتَرَتِّبُ عَلَى ذَلِكَ الْكَفَّارَةَ لَكَانَ الْإِتْيَانُ بِالْقَسَمِ أَوْلَى.

(الثَّالِثُ): أَنَّ فِي الْقُرْآنِ وَالسُّنَّةِ وَأَشْعَارِ الْعَرَبِ وَكَلَامِ الْفُصَحَاءِ مِنْ التَّعْلِيقَاتِ الَّتِي الْحَثُّ أَوْ الْمَنْعُ أَوْ التَّصْدِيقُ مَا لَا يُحْصَى مَعَ الْقَطْعِ بِحُضُورِ الْمَشْرُوطِ فِيهَا عِنْدَ الشَّرْطِ.

(الرَّابِعُ): أَنَّ تَسْمِيَةَ التَّعْلِيقِ الْمَذْكُورِ يَمِينًا لَا يَعْرِفُهُ الْعَرَبُ وَلَمْ يَتَّفِقْ عَلَيْهِ الْفُقَهَاءُ وَلَمْ يَرِدْ بِهِ الشَّرْعُ وَإِنَّمَا يُسَمَّى بِذَلِكَ عَلَى وَجْهِ الْمَجَازِ فَلَا يَدْخُلُ تَحْتَ النُّصُوصِ الْوَارِدَةِ فِي حُكْمِ الْأَيْمَانِ وَأَنَّهَا قَابِلَةٌ لِلتَّكْفِيرِ.

(الْخَامِسُ): أَنَّ هَذَا التَّعْلِيقَ وَإِنْ قُصِدَ بِهِ الْمَنْعُ فَالطَّلَاقُ مَقْصُودٌ فِيهِ عَلَى ذَلِكَ التَّقْدِيرِ وَلِذَلِكَ نَصَبَهُ الزَّوْجُ مَانِعًا لَهُ مِنْ ذَلِكَ الْفِعْلِ وَلَوْلَا ذَلِكَ لَمَا امْتَنَعَ، وَلَا اسْتِحَالَةَ فِي كَوْنِ الطَّلَاقِ غَيْرَ مَقْصُودٍ لِلزَّوْجِ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ وَمَقْصُودًا لَهُ عَلَى تَقْدِيرٍ وَإِذَا كَانَ مَقْصُودًا وَوُجِدَ الشَّرْطُ وَقَعَ الطَّلَاقُ عَلَى مُقْتَضَى تَعْلِيقِهِ وَقَصْدِهِ.

(السَّادِسُ): أَنَّهُ عِنْدَ الشَّرْطِ يَصِحُّ اسْمُ التَّطْلِيقِ لِمَا تَقَدَّمَ فَيَنْدَرِجُ تَحْتَ قَوْله تَعَالَى {فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ} [البقرة: 230] .

وَالسَّابِعُ: أَنَّ التَّطْلِيقَ مُفَوَّضٌ إلَى الْعَبْدِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ} [الطلاق: 1] وَهُوَ أَعَمُّ مَنْ الْمُنَجَّزُ وَالْمُعَلَّقُ فَيَنْدَرِجُ الْمُعَلَّقُ تَحْتَ الْآيَةِ.

(الثَّامِنُ): الْإِجْمَاعُ نَقَلَهُ مُحَمَّدُ بْنُ نَصْرٍ الْمَرْوَزِيُّ وَأَبُو ثَوْرٍ وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَغَيْرُهُمْ.

فَإِنْ قُلْت: يَرِدُ عَلَيْك أَمْرَانِ: أَحَدُهُمَا طَلَبُ الْفَرْقِ بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ نَذْرِ الْحَاجِّ عِنْدَ مَنْ جَعَلَهُ يَتَخَلَّصُ مِنْهُ بِكَفَّارَةِ يَمِينٍ، وَالثَّانِي فِي دَعْوَاك الْإِجْمَاعَ. وَقَدْ نَقَلَ بَعْضُ النَّاسِ قَوْلَيْنِ آخَرَيْنِ: أَحَدُهُمَا أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ بِهِ شَيْءٌ. وَالثَّانِي أَنَّهُ يَلْزَمُهُ بِهِ كَفَّارَةٌ.

قُلْت: أَمَّا الْأَوَّلُ فَالْجَوَابُ عَنْهُ أَنَّ الطَّلَاقَ إسْقَاطُ حَقٍّ لَا يُشْتَرَطُ فِيهِ قَصْدُ الْقُرْبَةِ وَفِي اللَّجَاجِ لَمْ يُوجَدْ هَذَا الشَّرْطُ وَلَمْ يَأْذَنْ الشَّرْعُ فِيهِ وَلَيْسَ لِلْعَبْدِ إيجَابٌ وَلَا تَحْرِيمٌ إلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ، وَأَيْضًا فَإِنَّ الدَّلِيلَ قَدْ قَامَ عَلَى مَا قُلْنَاهُ وَهُوَ عَلَى وَفْقِ الْأَصْلِ فَإِنْ دَلَّ دَلِيلٌ عَلَى خُرُوجِ اللَّجَاجِ عَنْهُ بَقِيَ مَا عَدَاهُ عَلَى الْأَصْلِ، وَأَمَّا أَنْ نَجْعَلَ اللَّجَاجَ الْمُخْتَلَفَ فِيهِ الْخَارِجَ عَنْ الْأَصْلِ أَصْلًا وَنُلْحِقُ بِهِ الْجَارِي عَلَى وَفْقِ الْأَصْلِ فَغَيْرُ سَدِيدٍ، وَأَمَّا الثَّانِي فَإِنَّ الْقَوْلَ بِعَدَمِ الْوُقُوعِ مَا قَالَهُ أَحَدٌ مِنْ الصَّحَابَةِ وَلَا مِنْ التَّابِعِينَ - إلَّا أَنَّ طَاوُسًا نُقِلَ عَنْهُ لَفْظٌ مُحْتَمَلٌ لِذَلِكَ أَوَّلْنَاهُ - وَلَا مِمَّنْ بَعْدَهُمْ إلَّا الشِّيعَةُ وَمَنْ وَافَقَهُمْ مِمَّنْ لَا يُعْتَدُّ بِخِلَافِهِ. وَأَمَّا الْقَوْلُ بِالْكَفَّارَةِ فِي ذَلِكَ فَلَمْ يَثْبُتْ عَنْ أَحَدٍ مِنْ الْمُسْلِمِينَ قَبْلَ ابْنِ تَيْمِيَّةَ وَإِنْ كَانَ مُقْتَضَى كَلَامِ ابْنِ حَزْمٍ فِي مَرَاتِبِ الْإِجْمَاعِ نَقْلُ ذَلِكَ إلَّا أَنَّ ذَلِكَ مَعَ إبْهَامِهِ وَعَدَمِ تَعْيِينِ قَائِلِهِ لَيْسَ فِيهِ أَنَّهُ فِي مَسْأَلَةِ التَّعْلِيقِ فَيَجُوزُ أَنْ يُحْمَلَ عَلَى غَيْرِهَا مِنْ صُوَرِ الْحَلِفِ - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ انْتَهَى. كَتَبَهُ مُصَنِّفُهُ عَلِيٌّ السُّبْكِيُّ فِي لَيْلَةِ الْأَرْبِعَاءِ التَّاسِعِ وَالْعِشْرِينَ مِنْ الْمُحَرَّمِ سَنَةَ خَمْسٍ وَعِشْرِينَ وَسَبْعِمِائَةِ.

_________________
مددك يا سيدي يا رسول الله صلى الله عليك و على آلك و سلم

الغوث يا سيدي رسول الله صلى الله عليك و على آلك و سلم

الشفاعة يا سيدي يا رسول الله صلى الله عليك و على آلك و سلم


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة: Re: من فتاوى الإمام تقي الدين السبكي في الطلاق
مشاركة غير مقروءةمرسل: الأربعاء ديسمبر 19, 2018 10:55 pm 
غير متصل

اشترك في: الأحد سبتمبر 18, 2011 10:41 am
مشاركات: 2778
فتاوى السبكي (2/ 311-313)
([مَسْأَلَةٌ قَالَ الطَّلَاقُ يَلْزَمُنِي ثَلَاثًا مَا بَقِيَ بَيْنِي وَبَيْنَك مُعَامَلَةٌ]
(مَسْأَلَةٌ) قَالَ لِزَوْجَتِهِ: الطَّلَاقُ يَلْزَمُنِي ثَلَاثًا مَا بَقِيَ بَيْنِي وَبَيْنَك مُعَامَلَةٌ.
يَنْبَغِي أَنْ يُقَالَ: إنْ نَوَى مُعَامَلَةً خَاصَّةً. كَمُدَايَنَةٍ أَوْ غَيْرِهَا فَيَصِحُّ وَيُحْمَلُ عَلَيْهَا وَتَكُونُ يَمِينُهُ مُنْعَقِدَةً عَلَيْهَا، وَالزَّوْجِيَّةُ بَيْنَهُمَا مُسْتَمِرَّةٌ لَا تُؤَثِّرُ فِيهَا الْيَمِينُ الْمَذْكُورَةُ وَإِنْ أَطْلَقَ وَلَمْ يَنْوِ شَيْئًا فَالزَّوْجِيَّةُ مِنْ جُمْلَةِ الْمُعَامَلَاتِ فَإِنْ أَبَانَهَا عَلَى الْفَوْرِ بِمَا دُونَ الثَّلَاثِ انْحَلَّتْ يَمِينُهُ وَلَهُ رَدُّهَا بِنِكَاحٍ جَدِيدٍ وَإِلَّا فَيَقَعُ الطَّلَاقُ الثَّلَاثُ لِبَقَاءِ الْمُعَامَلَةِ بِدَوَامِ الزَّوْجِيَّةِ بَيْنَهُمَا وَلَوْ لَحْظَةً، وَلَوْ نَوَى مُعَاشَرَةً خَاصَّةً أَوْ نَحْوَهَا حُمِلَ عَلَيْهِ كَالْمُدَايَنَةِ وَكَانَتْ الْيَمِينُ مُنْعَقِدَةً عَلَيْهَا مَعَ بَقَاءِ الزَّوْجِيَّةِ - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ -. كَتَبَهُ عَلِيٌّ السُّبْكِيُّ لَيْلَةَ الْخَمِيسِ ثَالِثَ عَشْرَ ذِي الْقَعَدَةِ سَنَةِ اثْنَتَيْنِ وَخَمْسِينَ وَسَبْعِمِائَةِ.


[مَسْأَلَةٌ قَالَ لِزَوْجَتِهِ الطَّلَاقُ يَلْزَمُنِي مَا بَقِيَّتِي تَكُونِي لِي بِامْرَأَةٍ]
(مَسْأَلَةٌ) قَالَ لِزَوْجَتِهِ: الطَّلَاقُ يَلْزَمُنِي مَا بَقِيَّتِي تَكُونِي لِي بِامْرَأَةٍ.
(الْجَوَابُ) تَطْلُقُ بِذَلِكَ الطَّلَاقِ الَّذِي حَلَفَ إنْ كَانَ ثَلَاثًا فَثَلَاثٌ وَإِنْ كَانَ وَاحِدَةً فَوَاحِدَةٌ - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ - انْتَهَى.


[مَسْأَلَةٌ قَالَتْ لَهُ تَزَوَّجْت عَلَى بِنْتِي فَقَالَ كُلُّ امْرَأَةٍ لِي غَيْرَ بِنْتِك طَالِقٌ]
مَسْأَلَةٌ) قَالَتْ لَهُ حَمَاتُهُ تَزَوَّجْت عَلَى بِنْتِي فَقَالَ: كُلُّ امْرَأَةٍ لِي غَيْرَ بِنْتِك طَالِقٌ وَلَيْسَ لَهُ زَوْجَةٌ غَيْرَهَا هَلْ تَطْلُقُ لِكَوْنِهِ؛ لِأَنَّهُ اسْتَثْنَى مُسْتَغْرَقًا.
(الْجَوَابُ) لَا تَطْلُقُ وَلَيْسَ هَذَا اسْتِثْنَاءٌ بَلْ هُوَ صِفَةٌ وَلَوْ كَانَ اسْتِثْنَاءً فَنَحْنُ إنَّمَا نَقُولُ: الِاسْتِثْنَاءُ الْمُسْتَغْرِقُ بَاطِلٌ لِمَا فِيهِ مِنْ التَّنَاقُضِ؛ لِأَنَّ آخِرَهُ يَرْفَعُ أَوَّلَهُ وَلَفْظَهُ مُتَهَافِتٌ كَقَوْلِهِ لَهُ عَلَيَّ عَشْرَةٌ إلَّا عَشْرَةً أَوْ أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا إلَّا ثَلَاثًا، أَمَّا إذَا لَمْ يَحْصُلْ فِي اللَّفْظِ تَهَافُتٌ بَلْ كَانَ مُنْتَظِمًا فَقَدْ لَا نَقُولُ بِبُطْلَانِهِ، وَمِثَالُهُ أَنْتِ طَالِقٌ خَمْسًا إلَّا ثَلَاثًا إذَا جَعَلْنَا الِاسْتِثْنَاءَ مِنْ الْمَمْلُوكِ مُسْتَغْرِقًا فَيَبْطُلُ وَإِنْ جَعَلْنَاهُ مِنْ الْمَلْفُوظِ لَمْ يَكُنْ مُسْتَغْرِقًا فَلَا يَبْطُلُ فَإِذَا خَرَجَ ثَلَاثًا مِنْ خَمْسٍ بَقِيَ ثِنْتَانِ فَيَقَعُ وَيَبْقَى لَهُ عَلَيْهَا وَاحِدَةٌ وَمَسْأَلَتُنَا يُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ: إنَّهَا مِنْ هَذَا الْقَبِيلِ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ " كُلُّ امْرَأَةٍ لِي " لَفْظَةٌ مُجَرَّدَةٌ لَا تُنَاقِضُ قَوْلَهُ إلَّا أَنْتِ إذَا أَخَذْنَا أَنَّهُ لَا امْرَأَةَ لَهُ غَيْرُهَا. وَفِي كَوْنِ هَذَا مُسْتَغْرِقًا نَظَرٌ إذْ لَا تَهَافُتَ فِيهِ لَكِنْ مِنْ جِهَةٍ أُخْرَى غَيْرِ التَّهَافُتِ وَهُوَ أَنَّهُ مَتَى لَمْ يُوقِعْ يَلْزَمُ إلْغَاءُ اللَّفْظِ وَأَنَّهُ أَطْلَقَ الْمَرْأَةَ عَلَى غَيْرِ الْمَرْأَةِ فَمِنْ هَذَا الْوَجْهِ يُحْتَمَلُ أَنْ يُقَالَ: بِالْوُقُوعِ.
وَهَذَا الْمَأْخَذُ لَا فَرْقَ فِيهِ بَيْنَ أَنْ نَجْعَلَهُ صِفَةً أَوْ اسْتِثْنَاءً فَلْيُتَأَمَّلْ ذَلِكَ فَإِنَّنِي بَعْدَ أَنْ كُنْت جَازِمًا بِأَنَّ الطَّلَاقَ لَا يَقَعُ لِأَجْلِ كَوْنِهِ صِفَةً عَرَضَ لِي وَقْفَةٌ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ. وَحَاصِلُهُ أَنَّا هَلْ نُسَوِّغُ لَهُ ذَلِكَ أَوْ نُوجِبُ حَمْلَ الْمَرْأَةِ عَلَى مَنْ فِي عِصْمَتِهِ؟ ، وَالظَّاهِرُ الثَّانِي وَهُوَ مُقْتَضَى الْوُقُوعِ، وَلَا يُنْجِي مِنْ هَذَا إلَّا أَنْ يُقَالَ: إنَّ الْمَقْصُودَ بِهَا: الْكَلَامُ إنْ كَانَتْ لِي امْرَأَةٌ غَيْرُكِ فَهِيَ طَالِقٌ فَهِيَ قِصَّةٌ فِي مَعْنَى قِصَّةٍ أُخْرَى وَلَيْسَ الْمُرَادُ ظَاهِرَهَا مِنْ إيقَاعِ الطَّلَاقِ مُنْجَزًا عَلَى كُلِّ امْرَأَةٍ لَهُ غَيْرَ هَذِهِ؛ لِأَنَّ الَّذِي نَعْلَمُ أَنَّهُ لَا امْرَأَةَ لَهُ غَيْرُ هَذِهِ لَا يُقْصَدُ بِهَذَا الْكَلَامِ إلَّا التَّعْلِيقُ وَهِيَ أَنْ تَكُونَ لَهُ امْرَأَةٌ أُخْرَى فَلْيُتَأَمَّلْ ذَلِكَ انْتَهَى. ثُمَّ كَتَبَ الشَّيْخُ الْإِمَامُ عَلَى الْحَاشِيَةِ بِخَطِّهِ مَا نَصُّهُ: الَّذِي اسْتَقَرَّ عَلَيْهِ رَأْيِي فِي هَذَا أَنَّهُ لَا يَقَعُ الطَّلَاقُ سَوَاءً جَعَلْنَاهُ صِفَةً أَمْ اسْتِثْنَاءً إلَّا أَنْ يُؤَخَّرَ فَيَقُولُ كُلُّ امْرَأَةٍ لِي طَالِقٌ غَيْرَك أَوْ إلَّا أَنْتِ طَالِقٌ فَلَا يَقَعُ وَلَيْسَ مُسْتَغْرِقًا.
وَالْمُسْتَغْرِقُ إنَّمَا هُوَ أَنْ يَكُونَ الْمُسْتَثْنَى وَالْمُسْتَثْنَى مِنْهُ مَدْلُولَهُمَا مِنْ حَيْثُ اللَّفْظِ وَاحِدٌ وَأَنْ يَرْفَعَ حُكْمًا بَعْدَ ثُبُوتِهِ كَمَا إذَا تَأَخَّرَ. وَرَأَيْت بَعْدَ هَذَا فِي نُسْخَةٍ مِنْ فَتَاوَى الْقَاضِي حُسَيْنٍ غَيْرِ الْفَتَاوَى الْمَشْهُورَةِ: مَسْأَلَةٌ مَا نَصُّهُ إذَا قَالَ كُلُّ امْرَأَةٍ غَيْرَك طَالِقٌ وَلَا امْرَأَةَ لَهُ غَيْرُهَا قَالَ الشَّيْخُ إنْ كَانَ قَالَ هَذَا عَلَى سَبِيلِ الشَّرْطِ لَمْ يَقَعْ وَإِلَّا وَقَعَ؛ لِأَنَّهُ اسْتِثْنَاءٌ مِنْهَا فَيَصِيرُ كَأَنَّهُ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ إلَّا أَنْتِ قُلْت - أَنَا - كَيْفَ مَا كَانَ يَنْبَغِي أَنْ لَا يَقَعَ الطَّلَاقُ عَلَى امْرَأَةِ الْقَائِلِ. قُلْت لَا أَدْرِي مَنْ هُوَ وَلَعَلَّهُ الَّذِي جَمَعَ الْفَتَاوَى. قَالَ مَوْلَانَا قَاضِي الْقُضَاةِ تَاجُ الدِّينِ عَبْدُ الْوَهَّابِ فَسَحَ اللَّهُ فِي مُدَّتِهِ: ثُمَّ خَرَّجَ الشَّيْخُ الْإِمَامُ الْمَسْأَلَةَ فِي بَابِ الْإِقْرَارِ فِي شَرْحِ الْمِنْهَاجِ مُخْتَصَرَةً وَلَمْ يَحْكِ فِيهَا النَّقْلَ.


[مَسْأَلَةٌ قَالَ لِغَيْرِ الْمَدْخُول بِهَا إنْ انْقَضَتْ مُدَّةُ كَذَا وَلَمْ أَدْخُلْ بِهَا فَهِيَ طَالِقٌ]
(مَسْأَلَةٌ) مِنْ فَارَسْكُورَ فِي الْمُحَرَّمِ سَنَةِ أَرْبَعٍ وَثَلَاثِينَ: رَجُلُ قَالَ لِامْرَأَتِهِ الَّتِي لَمْ يَدْخُلْ بِهَا إنْ انْقَضَتْ مُدَّةُ كَذَا وَلَمْ أَدْخُلْ بِهَا فَهِيَ طَالِقٌ فَانْقَضَتْ الْمُدَّةُ وَهُوَ غَائِبٌ.
(أَجَابَ) إنْ شَهِدَ أَرْبَعٌ مِنْ الْقَوَابِلِ بِبَكَارَتِهَا حَلَفَتْ لِأَجْلِ غَيْبَتِهِ عَلَى عَدَمِ الدُّخُولِ وَحُكِمَ بِوُقُوعِ الطَّلَاقِ انْتَهَى.

[مَسْأَلَةٌ حَلَفَ بِالطَّلَاقِ أَنَّهُ يُعْطِي فُلَانًا كُلَّ يَوْمِ نِصْفَ دِرْهَمٍ]
(مَسْأَلَةٌ) حَلَفَ بِالطَّلَاقِ أَنَّهُ يُعْطِي فُلَانًا كُلَّ يَوْمِ نِصْفَ دِرْهَمٍ فَإِذَا مَضَى يَوْمٌ وَلَمْ يُعْطِهِ وَقَعَ عَلَيْهِ طَلْقَةٌ وَرَاجَعَ، ثُمَّ لَمْ يُعْطِهِ فِي الْيَوْمِ الثَّانِي هَلْ يَقَعُ عَلَيْهِ شَيْءٌ بَعْدَ ذَلِكَ.
(أَجَابَ) تَنْحَلُّ الْيَمِينُ بِعَدَمِ الْإِعْطَاءِ فِي الْيَوْمِ الْأَوَّلِ فَلَا يَقَعُ عَلَيْهِ بَعْدَ الْإِعْطَاءِ شَيْءٌ بَعْدَ ذَلِكَ - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.) اهـ.

_________________
مددك يا سيدي يا رسول الله صلى الله عليك و على آلك و سلم

الغوث يا سيدي رسول الله صلى الله عليك و على آلك و سلم

الشفاعة يا سيدي يا رسول الله صلى الله عليك و على آلك و سلم


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة: Re: من فتاوى الإمام تقي الدين السبكي في الطلاق
مشاركة غير مقروءةمرسل: الخميس ديسمبر 20, 2018 8:10 am 
غير متصل

اشترك في: الأحد سبتمبر 18, 2011 10:41 am
مشاركات: 2778
البخاري كتب:
فتاوى السبكي (2/ 309-311)

((الرَّابِعُ): أَنَّ تَسْمِيَةَ التَّعْلِيقِ الْمَذْكُورِ يَمِينًا لَا يَعْرِفُهُ الْعَرَبُ وَلَمْ يَتَّفِقْ عَلَيْهِ الْفُقَهَاءُ وَلَمْ يَرِدْ بِهِ الشَّرْعُ وَإِنَّمَا يُسَمَّى بِذَلِكَ عَلَى وَجْهِ الْمَجَازِ فَلَا يَدْخُلُ تَحْتَ النُّصُوصِ الْوَارِدَةِ فِي حُكْمِ الْأَيْمَانِ وَأَنَّهَا قَابِلَةٌ لِلتَّكْفِيرِ.

............................................
............................................
............................................
............................................
............................................
............................................
وَأَمَّا الْقَوْلُ بِالْكَفَّارَةِ فِي ذَلِكَ فَلَمْ يَثْبُتْ عَنْ أَحَدٍ مِنْ الْمُسْلِمِينَ قَبْلَ ابْنِ تَيْمِيَّةَ ..............................................................)اهـ

_________________
مددك يا سيدي يا رسول الله صلى الله عليك و على آلك و سلم

الغوث يا سيدي رسول الله صلى الله عليك و على آلك و سلم

الشفاعة يا سيدي يا رسول الله صلى الله عليك و على آلك و سلم


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة: Re: من فتاوى الإمام تقي الدين السبكي في الطلاق
مشاركة غير مقروءةمرسل: الجمعة ديسمبر 21, 2018 7:58 am 
غير متصل

اشترك في: الأحد سبتمبر 18, 2011 10:41 am
مشاركات: 2778
فتاوى السبكي (2/ 313-314)
(الطَّلَاقُ الْمُنَجِّز

(مَسْأَلَةٌ) قَالَ الشَّيْخُ الْإِمَامُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - اخْتِيَارِي فِي الْمَسْأَلَةِ الشَّرِيحِيَّةِ وُقُوعُ الْمُنْجَزِ وَكَذَا يَقَعُ مِنْ الْمُعَلَّقِ بِكَلِمَةِ الثَّلَاثِ إلَّا أَنْ يُفْضِيَ إلَى أَنْ تَكُونَ الْعِدَّةُ انْقَضَتْ بَيْنَهُمَا فَإِنَّهُ إذَا قَالَ: إنْ وَقَعَ عَلَيْك طَلَاقِي فَأَنْتِ طَالِقٌ قَبْلَهُ ثَلَاثًا. قَالَ بَعْضُهُمْ: التَّعْلِيقُ بَاطِلٌ لِمُنَافَاةِ الْجَزَاءِ لِلشَّرْطِ؛ لِأَنَّهُ إذَا فَسَخَ نِكَاحَهَا، ثُمَّ تَزَوَّجَهَا غَيْرُهُ وَدَخَلَ بِهَا، ثُمَّ رَجَعَتْ إلَى الْأَوَّلِ، ثُمَّ طَلَّقَهَا فِي النِّكَاحِ الثَّانِي فَإِنْ قُلْنَا: الْقَبْلِيَّةُ مُضَيَّقَةٌ تَخْرُجُ عَلَى عَوْدِ الْحِنْثِ إنْ عَادَ دَارَ وَإِلَّا فَلَا، وَوَقَعَ الْمُنْجَزُ، وَإِنْ قُلْنَا الْقَبْلِيَّةُ مُتَّسَعَةٌ بِأَنَّ وُقُوعَ الثَّلَاثِ فِي النِّكَاحِ الْأَوَّلِ وَبُطْلَانَ الْفَسْخِ وَنِكَاحِ الْأَجْنَبِي صَحِيحٌ؛ لِأَنَّهَا بَائِنٌ بِالثَّلَاثِ وَرُجُوعُهَا إلَى الْأَوَّلِ صَحِيحٌ لِحُصُولِ التَّحْلِيلِ وَوُقُوعِ الثَّلَاثِ فِي النِّكَاحِ الْأَوَّلِ؛ لِأَنَّ الْمُعَلَّقَ عَلَيْهِ تَطْلِيقٌ غَيْرُ مُعْتَدٍ بِهِ وَالْمُعَلَّقُ مُقَيَّدٌ بِالْقَبْلِيَّةِ فَقَدْ بَانَ بِهَذِهِ الْمَسْأَلَةِ أَنَّ التَّعْلِيقَ لَيْسَ مُحَالًا كَمَا ظَنَّهُ بَعْضُهُمْ فَإِذَا نُجِزَ وَاقْتَضَى الْحَالُ الدَّوْرَ تَعَارَضَ مَعَنَا مَا يَقْتَضِي إلْغَاءَ إمَّا الْمُنْجَزُ وَإِمَّا الْمُعَلَّقُ وَإِلْغَاءُ الْمُعَلَّقِ أَوْلَى؛ لِأَنَّهُ نَاشِئٌ عَنْ تَصْرِفْهُ وَوُقُوعِ الْمُنْجَزِ نَاشِئٌ عَنْ حُكْمِ الشَّرْعِ وَهُوَ فِي نَظَرِ الشَّرْعِ أَقْوَى مِنْ الْمُعَلَّقِ فَيُرَجَّحُ عِنْدَ التَّعَارُضِ وَإِنَّمَا قُلْت يَكْمُلُ الثَّلَاثُ عِنْدَ الْإِمْكَانِ لِصِحَّةِ التَّعْلِيقِ انْتَهَى.


قَالَ وَلَدُهُ قَاضِي الْقُضَاةِ تَاجُ الدِّينِ عَبْدُ الْوَهَّابِ - سَلَّمَهُ اللَّهُ -: هَذَا هُوَ الَّذِي اسْتَقَرَّ عَلَيْهِ رَأْيُ الشَّيْخِ الْإِمَامِ فِي الْمَسْأَلَةِ الشَّرِيحِيَّةِ وَعَلَيْهِ مَاتَ وَصَنَّفَ فِيهِ تَصْنِيفًا أَمْلَاهُ عَلَيَّ وَكَانَ صَنَّفَ قَبْلَ ذَلِكَ فِي الدِّيَارِ الْمِصْرِيَّةِ مُصَنَّفَيْنِ سَمَّى أَحَدَهُمَا قَطْفَ النُّورِ فِي مَسَائِلِ الدَّوْرِ وَسَمَّى الثَّانِيَ النُّورَ فِي الدَّوْرِ وَنَصَرَ فِيهِمَا قَوْلَ ابْنِ شُرَيْحٍ وَابْنِ الْحَدَّادِ، ثُمَّ رَجَعَ فِي الشَّامِ عَنْ ذَلِكَ وَاسْتَقَرَّ عِلْمُهُ عَلَى هَذَا انْتَهَى.) اهـ.

_________________
مددك يا سيدي يا رسول الله صلى الله عليك و على آلك و سلم

الغوث يا سيدي رسول الله صلى الله عليك و على آلك و سلم

الشفاعة يا سيدي يا رسول الله صلى الله عليك و على آلك و سلم


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة: Re: من فتاوى الإمام تقي الدين السبكي في الطلاق
مشاركة غير مقروءةمرسل: السبت ديسمبر 22, 2018 10:39 am 
غير متصل

اشترك في: الأحد سبتمبر 18, 2011 10:41 am
مشاركات: 2778
فتاوى السبكي (2/ 314-320)
(بَابُ الْعِدَّةِ
(بَابُ الْعِدَّةِ): (مَسْأَلَةٌ): الْمُطَلَّقَةُ الرَّجْعِيَّةُ هَلْ لِلزَّوْجِ أَنْ يَنْقُلَهَا إلَى مَنْزِلٍ آخَرَ؟

(أَجَابَ): لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ إلَّا أَنْ يُرَاجِعَ أَوْ يَحْصُلَ مِنْهَا بَذَاءَةٌ نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ صَرِيحًا.
وَقَالَ الشَّيْخُ فِي الْمُهَذَّبِ دَارُ سُكْنَاهَا حَيْثُ يَجْتَازُ الزَّوْجُ مِنْ الْمَوَاضِعِ الَّتِي تَصْلُحُ لِسُكْنَى مِثْلِهَا؛ لِأَنَّهَا تَجِبُ بِحَقِّ الزَّوْجِيَّةِ، وَظَاهِرُ هَذَا أَنَّ لَهُ أَنْ يَنْقُلَهَا. وَمَا قَالَهُ الشَّافِعِيُّ أَوْلَى لِقَوْلِهِ تَعَالَى {لا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ} [الطلاق: 1] وَلَا يُمْكِنُ حَمْلُهُ عَلَى الْبَوَائِنِ كَمَا لَا يَخْفَى مِنْ آخِرِ الْآيَةِ. وَهَذِهِ مَسْأَلَةٌ مَلِيحَةٌ قَلَّ مَنْ صَرَّحَ بِهَا فَيَنْبَغِي أَنْ تُحْفَظَ - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ - انْتَهَى.

(صُورَةُ فَتْوَى): مَا يَقُولُ السَّادَةُ الْعُلَمَاءُ أَئِمَّةُ الدِّينِ فِي حَدِيثِ جَابِرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - الَّذِي رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَغَيْرُهُ قَالَ: «وَالْغَوْرَى خَالَتِي فَأَرَادَتْ أَنْ تَجُدَّ نَخْلَهَا فَزَجَرَهَا رَجُلٌ أَنْ تَخْرُجَ فَأَتَتْ النَّبِيَّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: بَلَى فَجُدِّي نَخْلَكِ فَإِنَّك عَسَى أَنْ تَصَدَّقِي أَوْ تَفْعَلِي مَعْرُوفًا».
قَالَ فِي التَّتِمَّةِ: هَذَا فِي الْحَائِلِ أَمَّا الْحَامِلُ فَإِذَا قُلْنَا تُعَجَّلُ نَفَقَتُهَا فَهِيَ مَكْفِيَّةٌ بِهَا فَلَا تَخْرُجُ إلَّا لِضَرُورَةٍ فَهَلْ هَذَا الَّذِي قَالَهُ صَاحِبُ التَّتِمَّةِ وَسَكَتَ عَلَيْهِ الْإِمَامُ الرَّافِعِيُّ وَلَمْ يَعْقُبْهُ بِنَكِيرٍ هُوَ الْمُعْتَمَدُ عَلَيْهِ فِي مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ؟ أَمْ لَا؟ وَهَلْ لِمُسْتَدِلٍّ شَافِعِيٍّ أَنْ يَقُولَ: اسْتَدَلَّ بِهَذَا الْحَدِيثِ عَلَى خُرُوجِهَا مُطْلَقًا لِكَوْنِهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لَمْ يَسْتَفْصِلْهَا هَلْ تَجِدُ لَهَا كَافِيًا يَكْفِيهَا ذَلِكَ أَمْ لَا؟ وَإِذَا كَانَ لَهُ أَنْ يَسْتَدِلَّ بِهَذَا لِكَوْنِهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لَمْ يَسْتَفْصِلْهَا فَهَلْ لِمَانِعٍ أَنْ يَقُولَ: إنَّمَا لَمْ يَسْتَفْصِلْهَا لِكَوْنِهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَلِمَ أَنَّهَا لَمْ يَكُنْ لَهَا كَافِلٌ يَكْفِيهَا ذَلِكَ فَهَلْ هَذَا الْقَوْلُ مَقْبُولٌ أَمْ لَا؟ وَإِذَا قُلْنَا هَذَا مِنْ الْمَانِعِ فَهَذَا يَرُدُّ عَلَى كُلِّ حَدِيثٍ أَخَذَ الِاسْتِدْلَالَ مِنْهُ مَنْ تَرَكَ الِاسْتِفْصَالَ أَمْ لَا؟
وَإِذَا وَرَدَ هَذَا السُّؤَالُ عَلَى الِاسْتِدْلَالِ بِتَرْكِ الِاسْتِفْصَالَ فَهَلْ يَكُونُ جَوَابُهُ عَنْ هَذَا السُّؤَالِ وَهُوَ جَوَازُ كَوْنِهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَلِمَ الْوَاقِعَةَ مِنْ حَالِ السَّائِلِ؟ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ عِنْدَ النَّبِيِّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مَنْ سَمِعَ كَلَامَهُ وَلَمْ يَعْلَمْ أَنَّ النَّبِيَّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَلِمَ حَالَ السَّائِلِ فَلَمْ يَسْتَفْصِلْهُ لِكَوْنِهِ عَلِمَ وَالسَّامِعُ لَمْ يَعْلَمْ ذَلِكَ وَلَا بَيَّنَهُ لَهُ النَّبِيُّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَلَا لِغَيْرِهِ فَيُرْوَى عَنْ النَّبِيِّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَيَبْقَى ذَلِكَ شَرْعًا عَامًّا وَيُؤَدِّي ذَلِكَ إلَى وُقُوعِ النَّاسِ فِي الْمَحْذُورِ فَهَلْ يَكُونُ هَذَا جَوَابًا كَافِيًا أَمْ لَا؟ بَيِّنُوا لَنَا الْحُكْمَ فِي ذَلِكَ بَيَانًا شَافِيًا وَاضِحًا بِحَيْثُ يَزُولُ اللَّبْسُ عَنْ هَذَا كُلِّهِ وَعَنْ هَذِهِ الْقَاعِدَةِ أَثَابَكُمْ اللَّهُ.

(الْجَوَابُ):
الْحَدِيثُ الْمَذْكُورُ صَحِيحٌ رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ جُرَيْجٍ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ وَبَوَّبَ عَلَيْهِ أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ بَابٌ فِي الْمَبْتُوتَةِ تَخْرُجُ بِالنَّهَارِ.

وَقَالَ الشَّافِعِيُّ نَخْلُ الْأَنْصَارِ قَرِيبٌ وَالْجِدَادُ إنَّمَا يَكُونُ نَهَارًا، وَذَكَرَ أَصْحَابُنَا هَذَا الْحَدِيثَ فِي الْخِلَافِيَّاتِ فَإِنَّ الْمَسْأَلَةَ مِنْ الْخِلَافِيَّاتِ بَيْنَنَا وَبَيْنَ أَبِي حَنِيفَةَ لَيْسَ لِلْمُطَلَّقَةِ طَلَاقًا بَائِنًا أَنْ تَخْرُجُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلا يَخْرُجْنَ إِلا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ} [الطلاق: 1] وَهُوَ قَوْلٌ قَدِيمٌ لِلشَّافِعِيِّ.
وَمَأْخَذُ أَبِي حَنِيفَةَ فِيهِ أَنَّهُ يَقُولُ بِوُجُوبِ نَفَقَةِ الْبَائِنِ، وَالْجَدِيدُ أَنَّهَا كَالْمُعْتَدَّةِ عَنْ الْوَفَاةِ فَتَخْرُجُ لِحَاجَتِهَا نَهَارًا لِلْحَدِيثِ الْمَذْكُورِ وَهُوَ مَذْهَبُ مَالِكٍ وَأَحْمَدَ وَوَافَقَنَا أَبُو حَنِيفَةَ عَلَى أَنَّهَا تَخْرُجُ لِلْعُذْرِ الْمُلْجِئِ وَإِنَّمَا الْخِلَافُ فِي الْخُرُوجِ لِحَوَائِجِهَا الْمُعْتَادَةِ الَّتِي لَيْسَتْ بِمُلْجِئَةٍ، مِثْلُ شِرَاءِ الطَّعَامِ وَالْقُطْنِ وَبَيْعِ الْغَزْلِ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ وَجِدَادُ النَّخْلِ مِنْهُ وَلَا سِيَّمَا مَعَ قُرْبِهِ كَمَا أَشَارَ الشَّافِعِيُّ إلَيْهِ وَالْحَدِيثُ نَصٌّ فِيهِ، وَلَا فَرْقَ فِي هَذَا بَيْنَ أَنْ يَقُولَ: الْمُطَلَّقَةُ الْمَبْتُوتَةُ لَهَا السُّكْنَى كَمَا هُوَ مَذْهَبُ الْجُمْهُورِ حَمْلًا لِلْآيَةِ الْكَرِيمَةِ فِي قَوْلِهِ: {لا تُخْرِجُوهُنَّ} [الطلاق: 1] عَلَى جَمِيعِ الْمُطَلَّقَاتِ أَوْ يَقُولَ لَهَا كَمَا هُوَ إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ أَحْمَدَ حَمْلًا لِلْآيَةِ عَلَى الرَّجْعِيَّاتِ لِحَدِيثِ فَاطِمَةَ بِنْتِ قَيْسٍ فِي رِوَايَتِهَا فِي الْمَبْتُوتَةِ أَنَّهَا لَا سُكْنَى لَهَا، وَيَرُدُّهُ قَوْله تَعَالَى: {أَسْكِنُوهُنَّ} [الطلاق: 6] بَعْدَ قَوْله تَعَالَى: {وَأُولاتُ الأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ} [الطلاق: 4] وَاتَّفَقُوا عَلَى وُجُوبِ النَّفَقَةِ لِأُولَاتِ الْأَحْمَالِ وَإِنْ كَانَتْ مَبْتُوتَةً وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْأَوَّلَ مِثْلُهُ وَأَنَّ الْآيَاتِ كُلَّهَا فِي الْمُطَلَّقَاتِ كُلِّهِنَّ، وَلِهَذَا رَدَّ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ- رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- خَبَرَ فَاطِمَةَ بِنْتِ قَيْسٍ. وَالتَّمَسُّكُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {لا تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْرًا} [الطلاق: 1] وَبِقَوْلِهِ: {فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ} [البقرة: 234] عَلَى أَنَّ صَدْرَهَا خَاصٌّ بِالرَّجْعِيَّاتِ مَمْنُوعٌ، وَيَكْفِي عَوْدُ الْآيَتَيْنِ إلَى بَعْضِ مَا تَقَدَّمَ، وَهُنَّ الرَّجْعِيَّاتُ لِاشْتِمَالِ الْمُطَلَّقَاتِ اللَّوَاتِي فِي صَدْرِ الْآيَةِ عَلَيْهِنَّ أَوْ يَكُونُ الْمُرَادُ تَجْدِيدَ الْعَقْدِ وَالصَّحِيحُ فِي حَدِيثِ فَاطِمَةَ بِنْتِ قَيْسٍ لَيْسَ لَك عَلَيْهِ نَفَقَةٌ.

وَأَمَّا قَوْلُهَا وَلَا سُكْنَى فَهُوَ مَحَلُّ تَوَقُّفٍ. وَقَالَ ابْنُ حَزْمٍ: إنَّ السُّنَّةَ مَعَ فَاطِمَةَ لَا مَعَ عُمَرَ، وَهَذَا الْقَوْلُ مِنْ ابْنِ حَزْمٍ مَرْدُودٌ وَعُمَرُ أَفْهَمُ مِنْهُ لِكِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى وَسُنَّةِ رَسُولِهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَمِنْ أَلْفِ أَلْفٍ مِثْلَهُ. وَقِصَّةُ فَاطِمَةَ مَعْرُوفَةٌ وَكَانَتْ فِيهَا بَذَاءَةٌ وَبَيْنَهَا وَبَيْنَ أَهْلِهَا شَرٌّ فَلِذَلِكَ أَمَرَهَا النَّبِيُّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِالْخُرُوجِ وَلِذَلِكَ لَمْ يَقُلْ لَهَا "اعْتَدِّي حَيْثُ شِئْتِ" وَإِنَّمَا عَيَّنَ لَهَا مَنْزِلًا وَهِيَ كَتَمَتْ السَّبَبَ الَّذِي اقْتَضَى لَهَا الِانْتِقَالَ وَهُوَ الشَّرُّ وَإِنَّمَا صَرَّحْنَا بِهِ لِئَلَّا يُتَخَيَّلَ أَنَّهَا رِيبَةٌ، وَمَعَاذَ اللَّهِ فَهِيَ امْرَأَةٌ صَالِحَةٌ وَإِنَّمَا كَانَ بَيْنَهُمْ شَرٌّ وَكَانَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ يُنْكِرُ عَلَيْهَا كِتْمَانَهَا السَّبَبِ وَهُوَ الَّذِي كَانَ عُمَرُ وَعَائِشَةُ وَغَيْرُهُمَا مِنْ الصَّحَابَةِ- رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ- يُشِيرُونَ إلَيْهِ وَيَعْرِفُونَهُ فِي بَلَدِهِمْ وَحُضُورِهِمْ قَبْلَ أَنْ يُخْلَقَ ابْنُ حَزْمٍ بِبِلَادِ الْمَغْرِبِ بِنَحْوِ أَرْبَعِمِائَةِ سَنَةٍ وَكَانَ الَّذِي طَلَّقَ فَاطِمَةَ بِنْتَ قَيْسٍ غَائِبًا وَلِوَلِيِّ الْغَائِبِ مَا لَهُ مِنْ إخْرَاجِهَا بِالْعُذْرِ.

قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ: وَالسُّلْطَانُ وَلِيُّ الْغَائِبِ فَيَفْرِضُ لَهَا مَنْزِلًا فَيُحْصِنُهَا فِيهِ يَعْنِي فَأَمَرَ النَّبِيُّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لِفَاطِمَةَ بِالِاعْتِدَادِ عِنْدَ ابْنِ أُمِّ مَكْتُومٍ مِنْ هَذَا الْقَبِيلِ لِأَجْلِ اسْتِطَالَتِهَا عَلَى أَحْمَائِهَا فَإِنْ صَحَّتْ رِوَايَتُهَا وَلَا سُكْنَى فَمَعْنَاهُ وَلَا سُكْنَى فِي ذَلِكَ الْمَنْزِلِ الَّذِي جَعَلَتْ الِاسْتِطَالَةُ فِيهِ فَتَخْرُجُ إلَى مَسْكَنٍ آخَرَ مِنْ جِهَتِهِ.
وَهَذَا تَأْوِيلٌ أَوْلَى مِنْ دَفْعِ الرِّوَايَةِ وَهَذَا لَا يَتَعَلَّقُ بِنَا هُنَا؛ لِأَنَّ مُلَازَمَةَ الْمَسْكَنِ الَّذِي فِيهِ الْعِدَّةُ وَاجِبَةٌ سَوَاءٌ كَانَ مَنْزِلَ الْمُطَلَّقِ الْوَاجِبِ عَلَيْهِ أَمْ غَيْرِهِ، وَاَلَّذِي قَالَهُ صَاحِبُ التَّتِمَّةِ مِنْ أَنَّهَا إذَا كَانَتْ حَامِلًا وَقُلْنَا تُعَجَّلُ نَفَقَتُهَا لَا تَخْرُجُ إلَّا لِضَرُورَةٍ حَسَنٌ.
وَهُوَ مَفْرُوضٌ فِيمَا إذَا حَصَلَتْ لَهَا النَّفَقَةُ؛ لِأَنَّهَا حِينَئِذٍ مَكْفِيَّةٌ لَا حَاجَةَ لَهَا إلَى الْخُرُوجِ لَتُحَصِّلَ النَّفَقَةَ وَيَنْبَغِي قَصْرُ قَوْلِهِ عَلَى هَذَا، وَإِنَّهُ لَا يَمْنَعُهَا مِنْ الْخُرُوجِ لِبَقِيَّةِ حَوَائِجِهَا مِنْ شِرَاءِ الْقُطْنِ وَبَيْعِ الْغَزْلِ لِاحْتِيَاجِهَا إلَيْهِ فِي غَيْرِ النَّفَقَةِ وَكَذَلِكَ إذَا أُعْطِيت النَّفَقَةَ دَرَاهِمَ وَاحْتَاجَتْ إلَى الْخُرُوجِ؛ لَأَنْ تَشْتَرِيَ بِهَا خُبْزًا أَوْ أُدْمًا وَنَحْوَهُ لَا تُمْنَعُ مِنْ ذَلِكَ.

وَالضَّابِطُ أَنَّ الْخِلَافَ عِنْدَ الْحَاجَةِ، وَعِنْدَ عَدَمِ الْحَاجَةِ لَا يَجُوزُ قَطْعًا وَعِنْدَ الضَّرُورَةِ يَجُوزُ قَطْعًا وَلَمْ أَرَ أَحَدًا قَالَ إنَّهُ يَجُوزُ لَهَا الْخُرُوجُ بِلَا حَاجَةٍ إلَّا أَنَّ ابْنَ الْمُنْذِرِ قَالَ فِي الْإِشْرَافِ اخْتَلَفُوا فِي خُرُوجِ الْمَبْتُوتَةِ بِالطَّلَاقِ مِنْ بَيْتِهَا فِي عِدَّتِهَا فَمَنَعْت مِنْ ذَلِكَ طَائِفَةٌ، وَمِمَّنْ رَأَى أَنْ لَا تَخْرُجَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ وَابْنُ عُمَرَ وَعَائِشَةُ وَكَانَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ وَالْقَاسِمُ وَسَالِمٌ وَأَبُو بَكْرٍ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ وَخَارِجَةُ بْنُ زَيْدٍ وَسُلَيْمَانُ بْنُ يَسَارٍ يَرَوْنَ أَنْ تَقْعُدَ فِي بَيْتِ زَوْجِهَا حَيْثُ طَلُقَتْ.
وَذَكَرَ أَبُو غَسَّانَ أَنَّ هَذَا قَوْلُ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ وَمَالِكٍ وَأَصْحَابِ الرَّأْيِ وَبِهِ نَقُولُ، وَفِيهِ قَوْلٌ ثَانٍ: أَنَّهَا تَعْتَدُّ حَيْثُ شَاءَتْ كَذَلِكَ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَجَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ وَالْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ وَعَطَاءٌ وَطَاوُسٌ وَعِكْرِمَةُ.
وَقَالَ أَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ تَخْرُجُ الْمُطَلَّقَةُ ثَلَاثًا عَلَى حَدِيثِ فَاطِمَةَ قَالَ أَبُو بَكْرٍ وَإِنَّمَا اخْتَلَفَ النَّاسُ فِي خُرُوجِ الْمُطَلَّقَةِ ثَلَاثًا أَوْ طَلْقَةً لَا رَجْعِيَّةَ عَلَيْهَا أَمَّا الرَّجْعِيَّةُ فَإِنَّهَا فِي مَكَانِ الْأَزْوَاجِ فِي قَوْلِ كُلِّ مَنْ يُحْفَظُ عَنْهُ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {لا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ} [الطلاق: 1] قُلْت: وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ لَيْسَ فِيهِ بَيَانٌ وَهُمَا مَسْأَلَتَانِ كَمَا قُلْنَا: مَسْأَلَةُ الْخُرُوجِ غَيْرُ مَسْأَلَةِ الْإِسْكَانِ وَلَا لَازِمَةَ لَهَا، وَخِلَافُ ابْنِ عَبَّاسٍ وَغَيْرِهِ الظَّاهِرُ أَنَّهُ فِي مَسْأَلَةِ الْإِسْكَانِ فَقَطْ لَا فِي مَسْأَلَةِ الْخُرُوجِ الَّذِي نَحْنُ نَتَكَلَّمُ فِيهِ وَكَانَ ابْنُ الْمُنْذِرِ أَرَادَ بِالْخُرُوجِ الْخُرُوجَ مِنْ مَنْزِلِ الزَّوْجِ.

وَقَوْلُك هَلْ لِمُسْتَدِلٍّ شَافِعِيٍّ أَنْ يَسْتَدِلَّ بِالْحَدِيثِ عَلَى خُرُوجِهَا مُطْلَقًا فَذَلِكَ يَتَوَقَّفُ عَلَى أَنَّ فِيهِ خِلَافًا وَلَا نَعْرِفُ فِيهِ خِلَافًا.

وَأَمَّا التَّمَسُّكُ بِعَدَمِ الِاسْتِفْصَالِ فَإِنَّمَا يَكُونُ إذَا اسْتَوَتْ الِاحْتِمَالَاتُ أَوْ تَقَارَبَتْ وَهَا هُنَا الْقَرِينَةُ الظَّاهِرَةُ تَقْتَضِي حَاجَتَهَا إلَى الْخُرُوجِ لَكِنَّهَا لَيْسَتْ ضَرُورَةً فَلِذَلِكَ أَثْبَتْنَاهُ عَلَى الْقَوْلِ الْجَدِيدِ بِالْحَاجَةِ دُونَ الضَّرُورَةِ.

وَلَا حَاجَةَ بِنَا إلَى أَنْ نَقُولَ إنَّ النَّبِيَّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَدْ يَكُونُ عَلِمَ حَاجَتَهَا وَإِذَا وَرَدَ مِثْلُ ذَلِكَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ وَقَدْ يُقْبَلُ، وَكُلُّ حَدِيثٍ لَهُ بَحْثٌ يَخُصُّهُ فَلَا يَتَقَرَّرُ فِي ذَلِكَ قَاعِدَةٌ مُطَّرِدَةٌ، وَإِنَّمَا الْكَلَامُ فِي هَذَا الْحَدِيثِ عَلَى مَا بَيَّنَّاهُ، وَإِذَا رَفَعْنَا إلَى قَاعِدَةٍ عَامَّةٍ فَمَتَى تَسَاوَتْ الِاحْتِمَالَاتُ أَوْ تَقَارَبَتْ تَمَسَّكْنَا بِتَرْكِ الِاسْتِفْصَالِ، وَإِنْ أَمْكَنَ أَنْ يَكُونَ النَّبِيُّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَلِمَ مِنْ صُورَةِ الْحَالِ مَا يَقْتَضِي الْجَوَابَ فِي تِلْكَ الْوَاقِعَةِ؛ لِأَنَّ التَّمَسُّكَ بِلَفْظِهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَلَفْظُهُ مَعَ تَرْكِ الِاسْتِفْصَالِ يَنْزِلُ مَنْزِلَةَ الْعُمُومِ فِي الْمَقَالِ، وَالْعُمُومُ يُتَمَسَّكُ بِهِ مِنْ غَيْرِ نَظَرٍ إلَى احْتِمَالِ التَّخْصِيصِ وَإِنْكَارِ إرَادَتِهِ فَكَمَا لَا نَقُولُ بِالتَّخْصِيصِ هُنَا لِاحْتِمَالِ الْعِلْمِ بِمَا يَقْتَضِيهِ وَذَلِكَ إنَّمَا يَأْتِي فِي وَقَائِعِ الْأَحْوَالِ الَّتِي يَحْصُلُ فِيهَا الْإِجْمَالُ وَيَسْقُطُ بِهَا الِاسْتِدْلَال وَهِيَ غَيْرُ تَرْكِ الِاسْتِفْصَالِ وَهُمَا قَاعِدَتَانِ: تَرْكُ الِاسْتِفْصَالِ مَعَ لَفْظٍ مِنْ النَّبِيِّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَنْزِلُ مَنْزِلَةَ الْعَامِّ فَالتَّمَسُّكُ بِوَقَائِعِ الْأَحْوَالِ لَا لَفْظَ فِيهَا مِنْ النَّبِيِّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَلَا حُجَّةَ فِيهَا- وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

وَهَذَا الْكَلَامُ هُنَا رُبَّمَا لَا يُفْهَمُ مِنْهُ الْمَقْصُودُ، وَكَذَلِكَ السُّؤَالُ غَيْرُ مُفْصِحٍ فَنَقُولُ: إنْ كَانَ الْمَقْصُودُ الِاسْتِدْلَال عَلَى خُرُوجِهَا لِجِدَادِ النَّخْلِ نَهَارًا سَوَاءٌ كَانَ لَهَا مَنْ يَكْفِيهَا ذَلِكَ إلَّا أَنَّهَا تَقْصِدُ جِدَادَ نَخْلِهَا بِنَفْسِهَا أَوْ بِحُضُورِهَا- فَالِاسْتِدْلَالُ صَحِيحٌ وَالتَّمَسُّكُ لَهُ بِعَدَمِ الِاسْتِفْصَالِ صَحِيحٌ؛ لِأَنَّا نَجْعَلُ الْوَاقِعَةَ الْمَسْئُولَ عَنْهَا مَعَ قَوْلِ النَّبِيِّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كَالسُّؤَالِ وَالْجَوَابِ، مِثَالُهُ مَا نَحْنُ فِيهِ «امْرَأَةٌ مَبْتُوتَةٌ مُعْتَدَّةٌ أَرَادَتْ أَنْ تَخْرُجَ لِجِدَادِ نَخْلِهَا نَهَارًا فَقَالَ لَهَا النَّبِيُّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- جُدِّي نَخْلَكِ» وَلَمْ يَسْتَفْصِلْ فَيَصِيرُ كَقَوْلِهِ "كُلُّ امْرَأَةٍ بِهَذِهِ الصِّفَةِ لَهَا أَنْ تَجِدَّ نَخْلَهَا" فَيَعُمُّ كُلَّ مَنْ كَانَ لَهَا مَنْ يَكْفِيهَا ذَلِكَ وَغَيْرَهَا وَأَحْوَالَ كُلٍّ مِنْهُمَا وَلَا يُنَافِي ذَلِكَ قَوْلُنَا: إنَّهَا لَا تَخْرُجُ إلَّا لِحَاجَةٍ؛ لِأَنَّ هَذِهِ حَاجَةٌ وَإِنْ كَانَ الْمَقْصُودُ الِاسْتِدْلَالَ بِهِ عَلَى أَنَّهَا تَخْرُجُ لِذَلِكَ وَلِغَيْرِهِ مِنْ كُلِّ مَا تُرِيدُ لِحَاجَةٍ وَلِغَيْرِ حَاجَةٍ فَلَا يَجُوزُ وَلَا يَقْتَضِيهِ قَوْلُ الْأُصُولِيِّينَ؛ لِأَنَّ إفْرَادِ غَيْرِ تِلْكَ الْحَالَةِ لَمْ يَدْخُلْ فِي السُّؤَالِ وَلَا فِي الْجَوَابِ فَكَيْفَ يَكُونُ عَامًّا فِيهَا.

وَهَذَا الَّذِي قُلْنَاهُ هُوَ مِيزَانٌ كَقَوْلِنَا: تَرْكُ الِاسْتِفْصَالِ فِي وَقَائِعِ الْأَحْوَالِ يَنْزِلُ مَنْزِلَةَ الْعُمُومِ فِي الْمَقَالِ.
وَمَنْ تَأَمَّلَ مَا قُلْنَاهُ فِي هَذِهِ الْوَاقِعَةِ فَهِمَ تَنْزِيلَهُ عَلَى كُلِّ صُورَةٍ سِوَاهَا وَعَلِمَ أَنَّهُ لَا حَاجَةَ إلَى قَوْلِهِ هَلْ عَلِمَ أَوْ مَا عَلِمَ؛ لِأَنَّ مَا ذَكَرْنَاهُ لَا يَحْتَاجُ إلَى ذَلِكَ لَا نُنْزِلُهُ مَنْزِلَةَ النُّطْقِ بِالْعَامِّ فِي جَزَاءِ شَرْطٍ فَالْوَاقِعَةُ بِعُمُومِهَا كَالشَّرْطِ وَقَوْلُ النَّبِيِّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كَالْجَزَاءِ دَعْ يَحْصُلُ عَلِمَ أَوْ لَمْ يَحْصُلْ كَالنُّطْقِ بِالْعَامِّ ابْتِدَاءً.

وَأَمَّا وَقَائِعُ الْأَحْوَالِ فَلَيْسَ فِيهَا إلَّا وَاقِعَةٌ مُجَرَّدَةٌ عَنْ لَفْظِ الشَّارِعِ فَلَا حُجَّةً فِيهَا مَا قَالَهُ الْمَذْكُورُ مِنْ احْتِمَالِ الْعِلْمِ قَالَهُ الْإِمَامُ فَخْرُ الدِّينِ فِي الْمَحْصُولِ عَلَى جَلَالَتِهِ وَنَحْنُ نُخَالِفُهُ وَنَقْتَدِي بِمَنْ هُوَ أَجَلُّ مِنْهُ وَهُوَ الشَّافِعِيُّ- رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- فَاَلَّذِي قَالَهُ صَاحِبُ التَّتِمَّةِ تَقْيِيدٌ لِنَوْعِ حَاجَةِ الْخُرُوجِ لِأَجْلِ النَّفَقَةِ بِمَنْ تَحْتَاجُ إلَى ذَلِكَ وَلَيْسَ فِيهِ تَقْيِيدٌ لِغَيْرِ ذَلِكَ النَّوْعِ وَنَحْنُ قَدْ أَبَحْنَا لَهَا الْخُرُوجَ لِأَنْوَاعٍ:
مِنْهَا النَّفَقَةُ وَتَحْصِيلُهَا وَمِنْهُ الْحَدِيثُ لَيْلًا وَإِنْ لَمْ تَكُنْ حَاجَةً قَوِيَّةً، وَلَكِنَّهُ يَحْتَاجُ إلَيْهِ فِي طِبَاعِ الْبَشَرِ فَرُخِّصَ فِيهِ مِنْ غَيْرِ سَبَبٍ، وَمِنْهَا جِدَادُ النَّخْلِ وَشِبْهُهُ مِمَّا يُقَاسُ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ مَظِنَّةُ الْحَاجَةِ، بَقِيَ هُنَا نَظَرٌ آخَرُ لَا بُدَّ مِنْ التَّنْبِيهِ عَلَيْهِ وَهُوَ التَّفْصِيلُ بَيْنَ أَنْ يُسْأَلَ النَّبِيُّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَنْ امْرَأَةٍ صِفَتُهَا كَذَا فَيُجِيبُ فَهَذَا هُوَ الَّذِي نَقُولُ فِيهِ بِالْعُمُومِ لِكُلِّ مَنْ كَانَ بِتِلْكَ الصِّفَةِ وَبَيْنَ أَنْ يَكُونَ شَخْصًا مَخْصُوصًا بِهَذِهِ الصُّورَةِ وَهِيَ خَالَةُ جَابِرٍ.
وَالظَّاهِرُ مِنْ حَالِهَا أَنَّهَا مِمَّنْ لَيْسَ كَافٍ كَذَلِكَ وَأَنْكَرَ عَلَيْهَا وَجَاءَتْ تَسْأَلُ فَلَمْ تَكُنْ مِنْ الْمُخَدَّرَاتِ اللَّوَاتِي مِنْ عَادَتِهِنَّ عَدَمُ الْخُرُوجِ فَلَا نَرَى تَعْدِيَةَ جَوَازِ ذَلِكَ إلَى كُلِّ امْرَأَةٍ مِنْهُنَّ بَلْ تَعُمُّ خَالَةَ جَابِرٍ وَمَنْ كَانَتْ فِي مِثْلِ حَالِهَا وَإِنْ كَانَتْ قَدْ تُكَلَّفُ وَيَحْصُلُ لَهَا مَنْ يَكْفِيهَا فَهَذَا لَا يَجِبُ كَمَا أَنَّ الْمَرْأَةَ تُكَلَّفُ تَرْكَ الْحَدِيثِ بِاللَّيْلِ مَعَ صَوَاحِبَاتِهَا وَلَمْ يُوجِبْهُ الشَّرْعُ عَلَيْهَا وَهَذَا لَا يُنَافِي مَا قَدَّرْنَاهُ قَبْلَ ذَلِكَ لِأَنَّا نَقُولُ: التَّقْدِيرُ أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ خَالَةِ جَابِرٍ فَأَبَاحَ لَهَا فَنَقِيسُ عَلَيْهَا مَنْ هُوَ مِثْلُهَا وَيَعُمُّ الْأَحْوَالَ مِنْ وُجُودِ الْكَافِي وَعَدَمِهِ لَا يَنْضَبِطُ وَلَا نُعَدِّيهِ إلَى الْمُخَدَّرَةِ لِلِانْضِبَاطِ فَلِعَدَمِ دُخُولِهِ فِي الْعُمُومِ فَهِيَ مَرَاتِبُ الْخُرُوجِ لِلضَّرُورَةِ جَائِزٌ بِالْإِجْمَاعِ لِكُلِّ مُعْتَدَّةٍ، وَالْخُرُوجُ لِنُزْهَةٍ مِنْ غَيْرِ حَاجَةٍ لَا يَجُوزُ لِأَحَدٍ مِنْ الْمُعْتَدَّاتِ.
وَكَذَا الْمَبِيتُ فِي غَيْرِ الْمَسْكَنِ، وَالْخُرُوجُ لِحَاجَةٍ يَجُوزُ وَإِنْ كَانَتْ يَسِيرَةً وَهِيَ أَنْوَاعٌ فَمَا كَانَ مِنْهَا مَظِنَّةُ حَاجَةٍ جَازَ وَلَا تَنْضَبِطُ أَفْرَادُهُ فَيُنَاطُ بِالْمَظِنَّةِ وَمَا كَانَ مِنْهَا لَيْسَ مَظِنَّةَ حَاجَةٍ وَانْضَبَطَ فَصَاحِبُ التَّتِمَّةِ جَعَلَ خُرُوجَ الْحَامِلِ لِأَجْلِ النَّفَقَةِ الَّتِي هِيَ مُسْتَغْنِيَةٌ عَنْهَا مِنْ هَذَا الْقَبِيلِ فَمَنَعَهُ، وَسَكَتَ الرَّافِعِيُّ عَنْهُ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي كَلَامِ الْأَصْحَابِ مَا يَقْتَضِي مُخَالَفَتَهُ بَلْ مُوَافَقَتَهُ.
وَالْحَدِيثُ لَا يُعَارِضُهُ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ النَّوْعَ مَظِنَّةُ حَاجَةٍ، وَالْفَصْلُ فِيهِ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ لَهَا مَنْ يَكْفِيهَا أَمْ لَا لَا يَنْضَبِطُ، اللَّهُمَّ إلَّا بِمَا ذَكَرْنَاهُ مِمَّنْ تَكُونُ مُخَدَّرَةً لَمْ تَجْرِ لَهَا عَادَةٌ بِالْخُرُوجِ إلَى مِثْلِهِ فَهُوَ أَمْرٌ مُنْضَبِطٍ فَيُمْتَنَعُ عَلَى مِثْلِ هَذِهِ أَنْ تَخْرُجَ لِجِدَادِ نَخْلِهَا الَّذِي يُسْتَنْكَرُ مِنْ مِثْلِهَا الْخُرُوجُ إلَيْهِ وَهِيَ غَيْرُ مُعْتَدَّةٍ فَكَيْفَ تَخْرُجُ إلَيْهِ وَهِيَ مُعْتَدَّةٌ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ - انْتَهَى.) اهـ.

_________________
مددك يا سيدي يا رسول الله صلى الله عليك و على آلك و سلم

الغوث يا سيدي رسول الله صلى الله عليك و على آلك و سلم

الشفاعة يا سيدي يا رسول الله صلى الله عليك و على آلك و سلم


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
عرض مشاركات سابقة منذ:  مرتبة بواسطة  
إرسال موضوع جديد الرد على الموضوع  [ 7 مشاركة ] 

جميع الأوقات تستخدم GMT + ساعتين


الموجودون الآن

المستخدمون المتصفحون لهذا المنتدى: لا يوجد أعضاء مسجلين متصلين و 81 زائر/زوار


لا تستطيع كتابة مواضيع جديدة في هذا المنتدى
لا تستطيع كتابة ردود في هذا المنتدى
لا تستطيع تعديل مشاركاتك في هذا المنتدى
لا تستطيع حذف مشاركاتك في هذا المنتدى
لا تستطيع إرفاق ملف في هذا المنتدى

البحث عن:
الانتقال الى:  
© 2011 www.msobieh.com

جميع المواضيع والآراء والتعليقات والردود والصور المنشورة في المنتديات تعبر عن رأي أصحابها فقط