أخبار التائبين من أصحاب رسول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ******************************************** توبة أبي سفيان بن الحارث رضي الله عنه ******* ************************** عن عبدالرحمن بن سابط وغيره قال كان أبو سفيان بن الحارث أخا رسول الله صلى الله عليه و سلم من الرضاعة أرضعته حليمة وكان يألف رسول الله صلى الله عليه و سلم وكان له تربا فلما بعث رسول الله صلى الله عليه و سلم عاداه عداوة لم يعاد أحد قط مثلها وهجا رسول الله صلى الله عليه و سلم وأصحابه فمكث عشرين سنة عدوا لرسول الله صلى الله عليه و سلم يهجو المسلمين ويهجونه ولا يتخلف عن موضع تسير فيه قريش لقتال رسول الله صلى الله عليه و سلم ثم إن الله ألقى في قلبه الإسلام
قال أبو سفيان فقلت من أصحب ومع من أكون قد ضرب الإسلام بجرانه فجئت زوجتي وولدي فقلت تهيئوا للخروج فقد أظل قدوم محمد قالوا قد آن لك أن تبصر أن العرب والعجم قد تبعت محمدا وأنت موضع في عداوته وكنت أولى الناس بنصره فقلت لغلامي مذكور عجل بأبعرة وفرس قال ثم سرنا حتى نزلنا الأبواء وقد نزلت مقدمة رسول الله صلى الله عليه و سلم الأبواء فتنكرت وخفت أن أقتل وكان رسول الله صلى الله عليه و سلم قد نذر دمي فخرجت على قدمي نحوا من ميل وأقبل الناس رسلا رسلا فتنحيت فرقا من أصحابه فلما طلع في موكبه تصديت له تلقاء وجهه فلما ملأ عينيه مني اعرض عني بوجهه إلى الناحية الأخرى فتحولت إلى ناحية وجهه الأخرى فأعرض عني مرارا فأخذني ما قرب وما بعد وقلت أنا مقتول قبل أن أصل إليه وأتذكر بره ورحمه فيمسك ذلك مني وقد كنت لا أشك أن رسول الله صلى الله عليه و سلم وأصحابه سيفرحون بإسلامي فرحا شديدا لقرابتي برسول الله صلى الله عليه و سلم فلما رأى المسلمون إعراض رسول الله صلى الله عليه و سلم عني أعرضوا عني جميعا
فلقيني ابن أبي قحافة معرضا عني ونظرت إلى عمر يغري بي رجلا من الأنصار فقال لي يا عدو الله أنت الذي كنت تؤذي رسول الله صلى الله عليه و سلم وتؤذي أصحابه قد بلغت مشارق الأرض ومغاربها في عداوته فرددت بعض الرد عن نفسي واستطال علي ورفع صوته حتى جعلني في مثل الحرجة من الناس يسرون بما يفعل بي قال فدخلت على عمي العباس فقلت يا عم قد كنت أرجو أن يفرح رسول الله صلى الله عليه و سلم بإسلامي لقرابتي وشرفي وقد كان منه ما رأيت فكلمه في ليرضى عني قال لا والله لا أكلمه كلمة أبدا بعد الذي رأيت إلا أن أرى وجها إني أجل رسول الله صلى الله عليه و سلم وأهابه فقلت يا عم إلى من تكلني قال هو ذاك قال فلقيت عليا فكلمته فقال لي مثل ذلك فرجعت إلى العباس فقلت يا عم فكف عني الرجل الذي يشتمني قال صفه لي فقلت هو رجل آدم شديد الأدمة قصير دحداح بين عينيه شحة قال ذاك نعيمان بن الحارث النجاري فأرسل إليه فقال يا نعيمان إن أبا سفيان ابن
عم رسول الله صلى الله عليه و سلم وابن أخي وإن يكن رسول الله صلى الله عليه و سلم ساخطا عليه فسيرضى عنه فكف عنه فبعد لأي ما كف وقال لا أعرض له قال أبو سفيان فخرجت فجلست على باب منزل رسول الله صلى الله عليه و سلم حتى راح إلى الجحفة وهو لا يكلمني ولا أحد من المسلمين وجعلت لا ينزل منزلا إلا أنا على بابه ومعي ابني جعفر قائم فلا يراني إلا أعرض عني فخرجت على هذه الحال حتى شهدت معه فتح مكة وأنا في خيله التي تلازمه حتى نزل الأبطح فدنوت من باب قبته فنظر إلي نظرا هو ألين من ذلك النظر الأول ورجوت أن يبتسم ودخل عليه نساء بني عبد المطلب ودخلت معهن زوجتي فرققته علي وخرج إلى المسجد وأنا بين يديه لا أفارقه على حال حتى خرج إلى هوازن فخرجت معه وقد جمعت العرب جمعا لم تجمع مثله قط وخرجوا بالنساء والذرية والماشية فلما لقيتهم قلت اليوم يرى أثري إن شاء الله فلما لقيناهم حملوا الحملة التي ذكر الله ثم وليتم مدبرين التوبة 26 وثبت رسول الله صلى الله عليه و سلم على بغلته الشهباء وجرد سيفه فاقتحمت عن
فرسي وبيدي السيف صلتا قد كسرت جفنه والله يعلم أني أريد الموت دونه وهو ينظر إلي وأخذ العباس بلجام البغلة فأخذت بالجانب الآخر فقال من هذا فقال العباس أخوك وابن عمك أبو سفيان بن الحارث فارض عنه أي رسول الله قال قد فعلت فغفر الله له كل عداوة عادانيها فأقبل رجله في الركاب ثم التفت إلي فقال أخي لعمري ثم أمر العباس فقال ناد يا أصحاب سورة البقرة يا أصحاب السمرة يا للمهاجرين يا للأنصار يا للخزرج فأجابوا لبيك داعي الله وكروا كرة رجل واحد قد حطموا الجفون وشرعوا الرماح وخفضوا عوالي الأسنة وأرقلوا إرقال الفحول فرأيتني وإني لأخاف على رسول الله صلى الله عليه و سلم شروع رماحهم حتى أحدقوا برسول الله صلى الله عليه و سلم وقال لي رسول الله صلى الله عليه و سلم تقدم فضارب القوم فحملت حملة أزلتهم عن موضعهم وتبعني رسول الله صلى الله عليه و سلم قدما في نحور القوم ما يألو ما تقدم فما قامت لهم قائمة حتى طردتهم قدر
فرسخ وتفرقوا في كل وجه وروي عن العباس بن عبد المطلب رضي الله عنه قال لقد رأيت النبي صلى الله عليه و سلم يؤمئذ وما معه إلا أبو سفيان بن الحارث فأتيته حتى أخذت بحكمة بغلته وكنت رجلا صيتا فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم يا عباس اصرخ يا معشر الأنصار يا أصحاب السمرة فناديت يا معشر الأنصار يا أصحاب السمرة قال فأقبلوا كأنهم الإبل إذا حنت إلى أولادها يقولون يا لبيك يا لبيك وروي أنهم عطفوا عطفة البقر على أولادها قد شرعوا الرماح حتى إني لأخاف على رسول الله صلى الله عليه و سلم رماحهم أشد من خوفي رماح المشركين يؤمون الصوت يقولون يا لبيك يا لبيك
قال والتفت رسول الله صلى الله عليه و سلم يومئذ إلى أبي سفيان بن الحارث وهو مقنع بالحديد وهو آخذ بثغر بغلة النبي صلى الله عليه و سلم قال من هذا قال ابن أمك يا رسول الله ويقال إنه قال أخوك فداك أبي وأمي أبو سفيان بن الحارث فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم نعم أخي ناولني حصى من الأرض فناوله فرمى بها في وجوه القوم وقال شاهت الوجوه فمرت كأنها عنانة فدخلت في أعينهم كلهم فانهزموا وذكر ابن عبد البر بإسناده عن عائشة رضي الله عنها قالت مر علينا أبو سفيان بن الحارث فقال لي رسول الله صلى الله عليه و سلم هلمي يا عائشة حتى أريك ابن عمي الشاعر الذي كان يهجوني أول من يدخل المسجد وآخر من يخرج منه لا يجاوز طرفه شراك نعله وروي أنه كان لا يرفع رأسه إلى النبي صلى الله عليه و سلم حياء منه وقال عند موته لا تبكوا علي فما تنطفت بخطيئة منذ أسلمت وبكى على النبي صلى الله عليه و سلم كثيرا ورثاه فقال ... أرقت وبات ليلي لا يزول ... وليل أخي المصيبة فيه طول ... وأسعدني البكاء وذاك فيما ... أصيب المسلمون به قليل
لقد عظمت مصيبتنا وجلت ... عشية قيل قد قبض الرسول ... فأضحت أرضنا مما عراها ... تكاد بنا جوانبها تميل ... فقدنا الوحي والتنزيل فينا ... يروح به ويغدو جبرئيل ... وذاك أحق ما سالت عليه ... نفوس الناس أو كادت تسيل ... نبي كان يجلو الشك عنا ... بما يوحى إليه وما يقول ... ويهدينا فلا يخشى علينا ... ضلالا والرسول لنا دليل ... أفاطم إن جزعت فذاك عذر ... وإن لم تجزعي فهو السبيل ... فقبر أبيك سيد كل قبر ... وفيه سيد الناس الرسول
يتبع
_________________
مولاي صل وسلم دائما أبداعلى حبيبك خير الخلق كلهم اللهم صل على هذا النبى الأمين وأجعلنا من خاصة المقربين لديه السعداء وعلى آله وسلم حق قدره ومقداره العظيم
|