الحرية في الإسلام ليست التهجم على الدين
الحرية التي يلوكها الجهلاء والملحدون لها حد إذا تجاوزته كانت جريمة يعاقب عليها القانون.
فليس من الحرية التهجم على الدين بالطعن والتزييف وجرح شعور المسلمين لأن الدين وضع إلهي والطاعن فيه معترض على الله سبحانه وتعالى، ولا يعترض عليه إلا كافر ملعون. وسب النبي صلى الله عليه وآله وسلم طعن في الدين وهدم له من أساسه.
قال الله سبحانه وتعالى: {مِنَ الَّذِينَ هَادُوا يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ وَيَقُولُونَ سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا وَاسْمَعْ غَيْرَ مُسْمَعٍ وَرَاعِنَا لَيًّا بِأَلْسِنَتِهِمْ وَطَعْنًا فِي الدِّينِ} [النساء: 46]
قال ابن كثير في هذه الآية: ولهذا قال سبحانه وتعالى عن هؤلاء اليهود الذين يريدون بكلامهم خلاف ما يُظهرون: {لَيًّا بِأَلْسِنَتِهِمْ وَطَعْنًا فِي الدِّين} [النساء: 46] يعني بسبهم النبي صلى الله عليه وآله وسلم.أهـ
وكان الأنصار يقولون للنبي صلى الله عليه وآله وسلم: راعنا يا رسول الله، أي راعنا سمعك، وكانت هذه اللفظة سباً قبيحاً بلغة اليهود، معناها الرعونة وهي الحمق، فمعنى راعن أحمق، فلما سمع اليهود هذه اللفظة من المسلمين قالوا فيما بينهم: كنا نسب محمداً سراً فأعلنوا بها الآن، فكانوا يأتونه صلى الله عليه وآله وسلم ويقولون: راعنا يا محمد ويضحكون فيما بينهم، فسمعها سيدنا سعد بن معاذ ففطن لها وكان يعرف لغتهم فقال لهم: لئن سمعتها من أحد منكم يقولها لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لأضربن عنقه، فأنزل الله عز وجل: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقُولُوا رَاعِنَا} [البقرة: 104]، لكيلا يجد اليهود لذلك سبيلاً إلى شتم النبي صلى الله عليه وآله وسلم.
وتوعد الله عز وجل من يؤذي رسوله صلى الله عليه وآله وسلم بقوله: {وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ رَسُولَ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (61) } [التوبة: 61].
وقال عز وجل: { إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذَابًا مُهِينًا (57)} [الأحزاب: 57].
قال المفسرون: إيذاء الله بنسبة الولد والشريك له، وإيذاء رسوله بسبه أو نسبة عيب له صلى الله عليه وآله وسلم.
وليس من الحرية أيضاً اغتياب مسلم أو نسبته إلى الفاحشة لأن الغيبة محرمة بنص القرآن في قوله سبحانه وتعالى: {وَلَا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ} [الحجرات: 12].
والأحاديث كثيرة في تقبيحها وعظم إثمها.
وسئل النبي صلى الله عليه وآله وسلم ما هي الغيبة؟، فقال: ( ذكرك أخاك بما يكره).
قيل: أرأيت إن كان في أخي ما أقول؟، فقال: ( إن كان فيه ما تقول فقد اغتبته وإن لم يكن فيه فقد بهته).
وأوجب الإسلام على من نسب مسلماً إلى فعل الفاحشة أن يُجلد ثمانين جلدة مع الحكم بفسقه ورد شهادته إلى أن يتوب والحكمة في تحريم الغيبة والقذف حفظ كرامة المسلم وصون عرضه من أن يصيبه ما يخدشه أو يثلمه.أهـ
المصدر: السيف البتار لمن سب النبي المختار صلى الله عليه وآله وسلم، لأبي الفضل عبد الله بن محمد بن الصديق الغماري (ص:24-25).