[align=center][font=Tahoma]فهذه مباحث في إسناد هذا الحديث :
أولها : تحقيق كونه من رواية ( عبيد الله ) المصغر ، وترجيح ذلك على من رواه عن ( عبد الله ) المكبر.
وثانيها : القول بأنه عنهما جميعا .
وثالثهما : على تقدير التنزل وتسليم أنه عن ( عبد الله ) المكبر وحده ، فإنه داخل في قسم الحسن ، لما ذكرناه .
ورابعها : على تقدير أن يكون ضعيفا من هذا الطريق وحده - وحاشا لله - فإن اجتماع الأحاديث الضعيفة من هذا النوع يقويها ويوصلها إلى رتبة الحسن .
وبهذا - بل بأقل منه - يتبين افتراء من ادعى أن جميع الأحاديث الواردة في الزيارة موضوعة . فسبحان الله ! ، أما استحيا من الله ومن رسوله في هذه المقالة التي لم يسبقه إليها عالم ولا جاهل ، لا من أهل الحديث ، ولا من غيرهم ، ولا ذكر أحد موسى بن هلال ولا غيره من رواة حديثه هذا بالوضع ، ولا اتهمه به فيما علمنا .
فكيف يستجيز مسلم أن يطلق على كل الأحاديث التي هو واحد منها أنها موضوعة ؟! ، ولم يُنقل إليه ذلك عن عالم قبله ، ولا ظهر على هذا الحديث شيء من الأسباب المقتضية للمحدثين للحكم بالوضع ، ولا حُكْم متنه مما يخالف الشريعة .
فمن أي وجه يُحْكَمُ بالوضع عليه لو كان ضعيفا ، فكيف وهو حسنأو صحيح .
ولنقتصر على هذا القدر مما يتعلق بسند هذا الحديث الأول.
وأما متنه فقوله صلى الله عليه وسلم : ( وجبت ) معناه : حَقّت ، وثبتت ، ولزمت ، وأنه لا بد منها بوعده صلى الله عليه وآله وسلم تفضلا منه .
وقوله صلى الله عليه وسلم : ( له ) إما أن يكون المراد له بخصوصه ، بمعنى : أن الزائرين يخصون بشفاعة لا تحصل لغيرهم عموما ، ولا خصوصا .
وإما أن يكون المراد أنهم يفردون بشفاعة مما تحصل لغيرهم ، ويكون إفرادهم لذلك تشريفا وتنويها بهم بسبب الزيارة .
وإما أن يكون المراد أنه ببركة الزيارة ، يجب دخوله في عموم من تناله الشفاعة .
وفائدة ذلك : البشرى بأنه يموت مسلما ، وعلى هذا التقدير الثالث يجب إجراء اللفظ على عمومه، لأنّا لو أضمرنا فيه شرط الوفاة على الإسلام ، لم يكن لذكر الزيارة معنى ، لأن الإسلام وحده كاف في نيل هذه الشفاعة ، وعلى التقديرين الأولين يصح هذا الاضمار .
فالحاصل : أن أثر الزيارة إما الوفاة على الإسلام مطلقا لكل زائر ، وكفى بها نعمة ، وأما شفاعة خاصة بالزائر أخص من الشفاعة العامة للمسلمين .
وقوله : ( شفاعتي ) في الإضافة إليه تشريف لها ، فإن الملائكة والأنبياء والمؤمنين يشفعون ، والزائر لقبره صلى الله عليه وسلم له نسبة خاصة منه ، فيشفع فيه هو بنفسه ، والشفاعة تعظم بعظم الشافع ، فكما أن النبي صلى الله عليه وسلم أفضل من غيره، كذلك شفاعته أفضل من شفاعة غيره.
ويحتاج هنا إلى ذكر الشفاعة الأخروية ، ولكني أؤخر الكلام فيها ، لئلا يمل الناظر قبل كمال مقصوده من الزيارة. الحديث الثاني : ( من زار قبري حَلَّتْ له شفاعتي )
رواه الإمام أبو بكر أحمد بن عمرو بن عبد الخالق البزار في ( مسنده ) ، قال : حدثنا قتيبة ، ثنا عبد الله بن إبراهيم ، ثنا عبد الرحمن بن زيد ، عن أبيه ، عن ابن عمر رضي الله عنهما ، عن النبي صلى الله عليه وسلم : ( من زار قبري حلت له شفاعتي ) .
وهذا هو الحديث الأول بعينه ، ولذلك عزاه عبد الحق رحمه الله إلى الدارقطني والبزار جميعا ، إلا أن في الحديث الأول : ( وَجَبَتْ ) وفي هذا : ( حَلَّتْ ) فلذلك أفردته ، وقد نقلته من نسخة معتمدة سمعها الحافظ القاضي أبو علي الحسين بن محمد الصدفي على الشيخ الفقيه صاحب ( الأحكام ) أبي محمد عبد الله بن محمد بن إسماعيل ابن فُوْرتش في سنة ثمانين وأربعمائة بسرقسطة - وعليها خط أبي محمد عبد الله بن فورتش بسماع الصدفي عليه ، وأنه حدثه بها عن الشيخ أبي عمر أحمد بن محمد المقرئ الطلمنكي إجازة ، أنا أبو عبد الله محمد بن أحمد بن يحيى بن مُفرِّج ، ثنا أبو الحسين محمد بن أيوب بن حبيب بن يحيى الرَّقي الصموت ، ثنا أبو بكر أحمد بن عمرو بن عبد الخالق البزار .
وعلى هذه النسخة : أنها قوبلت بأصل القاضي أبي عبد الله بن معرج الذي فيه سماعه على الرقي محمد بن أيوب ، وأكثر أصل ابن معرج بخط الرقي ، وقد حدث القاضي أبو علي الصدفي بهذه النسخة مرات ، وعليها الطباق عليه .
وممن قرأها على الصدفي : محمد بن خلف بن سليمان بن فتحون في سنة ثلاث وخمسمائة . وقد حدث بهذه النسخة أيضا الفقيه العالم المتقن أبو محمد بن حوط الله ، قرأها عليه محمد بن محمد بن سماعة ، في سنة ست وست مئة بمرسية . و( فورتش ) بضم الفاء بعدها واو ساكنة ، ثم راء ساكنة ، ثم تاء من فوق ، ثم شين معجمة .
وقتيبة شيخ البزار هو ابن المَرزُبان، روى عنه أحاديث غير هذا . وعبد الله بن إبراهيم هو : الغفاري ، يقال : إنه من ولد أبي ذر رضي الله عنه روى له أبو داود والترمذي .
قال أبو داود : مُنكر الحديث ، وقال ابن عدي : عامة ما يرويه لا يتابعه عليه الثقات .
وقال البزار - عقب ذكره هذا الحديث - : عبد الله بن إبراهيم حَدّث بأحاديث لم يتابع عليها ، وإنما يكتب من حديثه ما لا يحفظ إلا عنه .
وعبد الرحمن بن زيد بن أسلم روى له الترمذي ، وابن ماجة ، وضَعّفَهُ جماعة . وقال ابن عدي : إنه له أحاديث حسان ، وإنه ممن احتمله الناس وصدّقه بعضهم ، وإنه ممن يكتب حديثه ، وصحح الحاكم رحمه الله تعالى حديثا من جهته ، سنذكره في ( التوسل بالنبي صلى الله عليه وسلم ) .
وإذ كان المقصود من هذا الحديث تقوية الأول به وشهادته له ؛ لم يضر ما قيل في هذين الرجلين ، إذ ليس راجعا إلى تهمة كذب ، ولا فسق ، ومثل هذا يُحْتَمَلُ في المتابعات والشواهد . الحديث الثالث : ( من جاءني زائرا لا يُعْمِلُه حاجة إلا زيارتي ، كان حقا عَلَيَّ أن أكون له شفيعا يوم القيامة ) .
رواه الطبراني في ( معجمه الكبير ) ، والدارقطني في ( أماليه ) ، وأبو بكر ابنالمقرئ في ( معجمه ) ، وصححه سعيد بن السكن .
وهو من رواية مَسلمة الجهني ، عن عبيد الله العُمري ، ففيه متابعة لموسى بن هلال في شيخه ، وبيان لأنه لم يتفرد بالحديث ، وكان ينبغي لأجل ذلك أن نذكره مع الأول ، لكن لما تضمن زيادة معنى أفردناه .
وقد ورد في بعض الروايات : ( لا يُعْمله ) وفي بعضها : ( لا ينزعه ) واخْتُلِفَ على مَسلمة في ( عبيد الله ) ، و ( عبد الله ) ، كما اخْتُلِفَ على موسى ابن هلال ، فرواه عبد الله بن محمد العُبادي ، عن مَسلمة ، عن عبيد الله ( مصغرا ) ، عن نافع .
والعُبَادي - بضم العين المهملة وفتح الباء المخففة المنقوطة بواحدة ، وفي آخره الدال - نسبة إلى عُباد بن ضُبَيعة بن قيس بن ثعلبة بن عُكابة بن صعب بن علي بن بكر .
قال أبو سعد ابن السمعاني : ( والمشهور بالنسبة إليهم : عبد الله بن محمد العُبَادي ، يروي عن الحسن بن حبيب بن ندبة ، حدث عنه عبدان وغيره ، وقاله الصوري بتشديد الباء ) .
قال ابن ماكولا : ( ما نعرفه إلا مخففا ) .
أخبرنا أبو الفضل إسحاق بن أبي بكر بن إبراهيم ابن النحاس الأسدي - بقراءتي عليه بجامع دمشق في عاشر صفر سنة ثمان وسبع مئة - ، قلت له : أخبرك الحافظ أبو الحجاج يوسف بن خليل بن عبد الله الدمشقي قراءة عليه وأنت تسمع ، أنا أبو عبد الله بن أبي زيد بن حميد بن نصر الكرَّاني ، أنا أبو منصور محمود بن إسماعيل بن محمد الصيرفي، أنا أبو الحسين أحمد بن محمد بن الحسين بن فاذشاه ، أنا أبو القاسم سليمان بن أحمد بن أيوب بن مطير اللخمي الطبراني ، ثنا عبدان بن أحمد ، ثنا عبد الله بن محمد العُبادي البصري ، ثنا مَسلمة بن سالم الجهني ، حدثني عبيد الله بن عمر ، عن نافع ، عن سالم ، عن ابن عمر رضي الله عنهما قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( من جاءني زائرا لا تعمله حاجة إلا زيارتي، كان حقا علي أن أكون له شفيعا يوم القيامة ) .
وأخبرنا به أيضا علي بن أحمد الغرَّافي في كتابه : أنا ابن عماد ، أنا ابن رفاعة ، أنا الخِلَعِي .
(ح) وكتب إلي عثمان بن محمد : أنه قرأ على الحافظ يحيى بن علي القرشي ، أنا عبد الله بن محمد ، وابن عماد قالا : أنا ابن رفاعة، أنا الخلعي ، أنا أبو النعمان تراب بن عمر بن عبيد بن محمد بن عباس العسقلاني ، ثنا أبو الحسن علي بن عمر بن أحمد ابن مهدي الدارقطني البغدادي - إملاءً بمصر - ، ثنا يحيى بن محمد بن صاعد ، ثنا أبو محمد عبد الله بن محمد العُبَادي - من بني عباد بن ربيعة في بني مُرّة بالبصرة سنةخمسين ومائتين - ، حدثنا مسلمة بن سالم الجهني - إمام مسجد بني حَرام ومؤذنهم - ، ثنا عبيد الله بن عمر ، عن نافع ، عن سالم ، عن أبيه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( من جاءني زائرا لم تَنزعَهُ حاجة إلا زيارتي ، كان حقا علي أن أكون له شفيعا يوم القيامة ) .
وأخبرنا أيضا : عبد المؤمن وغيره – إذنا - ، عن أبي نصر ، أنا ابن عساكر ، أنا خالي أبو المعالي محمد بن يحيى بن علي ، أنا علي بن الحسن بن الحسين الخلعي ، فذكره بإسناده ومتنه .
وفي هذين الطريقين - أعني طريق عبدان ، وطريق يحيى بن محمد بن صاعد - ، عن نافع ، عن سالم .
ورواه غيرهما فقال فيه : عن نافع وسالم .
كذلك قُرِئَ على أبي الفضل إسحاق بن أبي بكر بن إبراهيم بن هبة الله بن طارق بن سالم بن النحاس الأسدي الحنفي في ( معجم ابن المقرئ ) وأنا أسمع بدمشق ، أن الحافظ أبا الحجاج يوسف بن خليل أخبره قراءة عليه وهو يسمع بحلب ، أنا أبو مسلم المؤيد بن عبد الرحيم بن أحمد ابن الإخوة ، وزوجُهُ عين الشمس بنت أبي سعيد بن الحسين ، قالا : أنا أبو الفرج سعيد بن أبي الرجاء الصيرفي ، قال المؤيد : سماعا ، وقالت زوجته : إجازة ، قال : أنا الشيخان أبو طاهر أحمد بن محمود الثقفي ، وأبو الفتح منصور بن الحسين بن علي بن القاسم ، قالا : أنا أبو بكر محمد بن إبراهيم ابن علي بن عاصم بن المقرئ .
(ح) وأخبرنا عبد المؤمن بن خلف وغيره – إذنا - ، عن أبي نصر ، أنا علي بن الحسن بن هبة الله ، أخبرناه أبو الفرج سعيد بن أبي الرجاء الأصبهاني ، أنا منصوربن الحسين ، وأبو طاهر بن محمود قالا : أنا أبو بكر ابن المقرئ ، ثنا محمد بن أحمد ابن محمد الشطوي ببغداد ، ثنا عبد الله بن يزيد الخثعمي ، ثنا عبد الله بن محمد ، حدثني مَسلمة بن سالم الجهني - إمام مسجد بني حرام ومؤذنهم بالبصرة – قال : حدثني عبيد الله ابن عمر العمري ، عن نافع ، وسالم ، عن ابن عمر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( من جاءني زائرا لا تنزعه إلا زيارتي ؛ كان حقا عَلَيَّ أن أكون له شفيعا يوم القيامة ) .
وفي رواية ابن عساكر : ( حقٌّ ) بالرفع ، وهذه الطرق كلها متفقة عن عبد الله بن محمد العبادي ، عن مسلمة ، عن عبيد الله ( مصغرا ) .
ورواه مسلم بن حاتم الأنصاري ، عن مسلمة ، عن عبد الله ( مصغراً ) .
أخبرنا بذلك : ابن خلف وغيره - إذنا - ، عن ابن هبة الله ، أنا الدمشقي ، أنا أبو علي الحداد في كتابه ، ثم حدثني عبد الرحيم بن علي أبو مسعود عنه ، أنا أبو نُعيم الحافظ ، حدثنا أبو محمد بن حيان ، ثنا محمد بن أحمد بن سليمان الهروي، ثنا مسلم ابن حاتم الأنصاري ، ثنا مسلمة بن سالم الجهني ، حدثني عبد الله - يعني العمري - حدثني نافع ، عن سالم ، عن ابن عمر رضي الله عنهما قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( من جاءني زائرا لم تنزعه حاجة إلا زيارتي ، كان حقا عَلَيَّ أن أكون له شفيعا يوم القيامة ) .
هذه طُرُقُ هذا الحديث .
وقد ذكره الإمام الحافظ أبو علي سعيد بن عثمان بن سعيد بن السكن البغدادي المصري البزار في كتابه المسمى ب " السنن الصحاح المأثورة عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم " وهو كتاب محذوف الأسانيد، قال في خطبته : ( أما بعد : فإنك سألتني أن أجمع لك ما صح عندي من السنن المأثورة التي نقلها الأئمة من أهل البلدان ، الذين لا يَطعنُ عليهم طاعن فيما نقلوه ، فتدبرت ما سألتنيعنه ، فوجدت جماعة من الأئمة قد تكلفوا ما سألتني من ذلك ، وقد وعيت جميع ما ذكروه ، وحفظت عنهم أكثر ما نقلوه ، واقتديت بهم ، وأجبتك إلى ما سألتني من ذلك ، وجعلته أبوابا في جميع ما يُحتاجُ إليه من أحكام المسلمين ، فأول من نصب نفسه لطلب صحيح الآثار : البخاري ، وتابعه مسلم ، وأبو داود ، والنسائي .
وقد تصفحت ما ذكروه ، وتدبرت ما نقلوه ، فوجدتهم مجتهدين فيما طلبوه ، فما ذكرته في كتابي هذا مجملا ؛ فهو مما أجمعوا على صحته ، وما ذكرته بعد ذلك مما يختاره أحد من الأئمة الذين سميتهم ؛ فقد بينت حجته في قبول ما ذكره ، ونسبته إلى اختياره دون غيره، وما ذكرته مما يتفرد به أحد من أهل النقل للحديث ، فقد بينت علته ، ودللت على انفراده دون غيره ، وبالله التوفيق ) .
قال في هذا الكتاب في آخر ( كتاب الحج ) " باب ثواب من زار قبر النبي صلى الله عليه وسلم " ، عن ابن عمر رضي الله عنهما قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " من جاءني زائرا لم تنزعه حاجة إلا زيارتي ، كان حقا علي أن أكون له شفيعا يوم القيامة " ، صلى الله عليه وسلم .
ولم يذكر ابن السكن في هذا الباب غير هذا ، وذلك منه حكم بأنه مجمع على صحته، بمقتضى الشرط الذي شرطه في الخطبة .
وابن السكن هذا إمام حافظ ثقة ، كثير الحديث ، واسع الرحلة ، سمع بالعراق والشام ومصر وخراسان وما وراء النهر من خلائق ، وهو بغدادي سكن مصر ، ومات بها في النصف من المحرم سنة ثلاث وخمسين وثلاث مئة.
وتبويب ابن السكن يدل على أنه فهم منه أن المراد بعد الموت ، أو أن ما بعد الموت داخل في العموم ، وهو صحيح . [/font][/align]
_________________ بدأت ببسم الله روحى به اهتدت .. الى كشف أسرار بباطنه انطوت وصليت فى الثانى على خير خلقه .. محمد من زاح الضلالة والغلت
|