يانور سيدنا النبى كتب:
الاستغفار لتكفير الذنوب والخطايا
الاستغفار يحرق الذنوب والمعاصي كما تحرق النار الحطب، والمقصود الاستغفار الذي بمعنى التوبة، فإنه أرجى أن تُكفَّر به الذنوب إن توافرت فيه شروط التوبة، يقول الله تعالى: (وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءًا أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللَّهَ يَجِدِ اللَّهَ غَفُورًا رَحِيمًا) " [النساء: 110].
وقال الله في الحديث القدسي: «يا عبادي، إنكم تخطئون بالليل والنهار، وأنا أغفر الذنوب جميعًا فاستغفروني أغفر لكم».
وعن أبي هريرة – رضي الله عنه – عن النبي صلى الله عليه واله وسلم فيما يحكيه عن ربه قال: «أذنب عبدٌ ذنبًا فقال: اللهم اغفر لي ذنبي، وقال تبارك وتعالى أذنب عبدي ذنبًا، فعلم أنَّ له ربـًّا يغفر الذنب، ويأخذ بالذنب، ثم عاد فأذنب فقال أي رب، اغفر لي ذنبي، فقال تبارك وتعالى عبدي أذنب ذنبًا، فعلم أن ربًا يغفر الذنب ويأخذ بالذنب، اعمل ما شئت فقد غفرت لك». أي: ما دمت تائبًا راجعًا منيبًا مستغفرًا.
وعن أبي بكر الصديق – رضي الله عنه – قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه واله وسلم يقول في حجة الوداع: «إنَّ الله عز وجل قد وهب لكم ذنوبكم عند الاستغفــار، فمن استغفر بنية صادقة غُفر له، ومن قال: لا لإله إلا الله رجح ميزانه» .
الاستغفار هو الأمــان من العذاب العام والخاص
بالاستغفار يرفع الله العذاب عن الأمَّة: أفرادها وجماعتها، الذي سببه الذنوب والمعاصي، فإذا استغفروا آمنوا بإذن الله جلَّ وعلا، يقول تعالى: (وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ) [الأنفال: 33]. قال أبو موسى – رضي الله عنه -: كان لنا أمانان وبقي الآخر " . يقصد بالأمان الأول: رسول الله صلى الله عليه وسلم في حياته، وبالثاني: الاستغفار.
المتاع الحسن
الله تعالى يوفق المستغفر إلى حياة طيبة نظيفة، ويشيع فيها الأمن والأمان، والطمأنينة والاستقرار، وراحة البال وسكون القلب والخير العميم، يقول تعالى: (وَأَنِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُمَتِّعْكُمْ مَتَاعًا حَسَنًا إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى وَيُؤْتِ كُلَّ ذِي فَضْلٍ فَضْلَهُ) [هود: 3]، خاصة وأنَّ في الاستغفار اعتراف من العبد للرب بوقوعه في الذنب أو التقصير، والاعتراف بالخطيئة والذنب، هو صفة الأنبياء والمرسلين، وقد مرَّ معنا شيء من هذا مما حكاه الله عنه في كتابه، وأيضًا هي صفة عباد الله المتقين، يقول تعالى: (وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ) [آل عمران: 135]، ويقول تعالى: (الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا إِنَّنَا آَمَنَّا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ * الصَّابِرِينَ وَالصَّادِقِينَ وَالْقَانِتِينَ وَالْمُنْفِقِينَ وَالْمُسْتَغْفِرِينَ بِالْأَسْحَارِ) [آل عمران: 16، 17].
وإنما كان سيد الاستغفار الذي مرَّ معنا سيدًا لتضمُّنه الإقرار بالذنب من العبد والاعتراف بالخطيئة مع علمه الجازم بأنه لا يغفر الذنوب إلا الله، وهي مرتبةٌ عظيمةٌ وخلَّةٌ سامية، وقد مرَّ معنا شيء من النصوص في هذا الأمر.
ولو ضربنا مثالاً بما يحسه الناس ويشاهدونه ويعايشونه، أن المخالف للقانون والنظام متى ما أخفى مخالفته، وإن كان يجزم بأن أحدًا لم يطِّلع عليها، فهو مهما عاش فإنه يبقى في شغلٍ شاغلٍ وقلقٍ ساهرٍ وحرجٍ في الصدر دائم، فإذا اعترف شعر بحملٍ ثقيل يُلقيه عن كاهله ويزيحه عن صدره، فكذلك العبد مع ربِّه سبحانه الغفار للذنوب، الذي يعلم السرَّ وأخفى، فاعترافه بذنبه عن طريق الاستغفار مع علمه بأنَّ الله وعد على الاستغفار محو الذنوب وتكفير السيئات، بل وتبديلها إلى حسنات يزيح عنه همًا طالما أسهره، وضيقًا طالما أثقله، وينقله إلى حياة الطمأنينة والراحة.
استغفر الله العظيم الذي لا اله الا هو الحي القيوم واتوب اليه