موقع د. محمود صبيح

منتدى موقع د. محمود صبيح

جميع الأوقات تستخدم GMT + ساعتين



إرسال موضوع جديد الرد على الموضوع  [ مشاركة واحده ] 
الكاتب رسالة
 عنوان المشاركة: سر النورين في مواجهة الظلمات من ميزان العارفين
مشاركة غير مقروءةمرسل: الأربعاء نوفمبر 12, 2025 12:15 pm 
غير متصل

اشترك في: الأحد يوليو 31, 2022 2:30 am
مشاركات: 3190
مكان: اللهم صل على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم
المعوذتان: سور النورين في ميزان العارفين والمغاربة

الجزء الأول: المقدّمة
سرّ النورين في مواجهة الظلمات

في التراث المغاربي والعرفاني، لا تُقرأ المعوذتان كآيتين للحماية فحسب، بل كـ مفتاحين لفكّ أقفال الوجود المظلم في باطن الإنسان والكون.
هما عند أهل البصيرة سيفان من نور خرجا من فم النبي حين واجه أعتى صور السحر والعين والظلمة. فـ«قل أعوذ بربّ الفلق» و«قل أعوذ بربّ الناس» ليستا مجرد تلاوتين، بل طريقتان متكاملتان لتطهير الداخل والخارج، الجسم والروح، العقل والظلّ.

قال العارفون المغاربة:

> "من قرأ المعوذتين بعد كل صلاة، أطفأ الله عنه خمس نيران: نار العين، نار السحر، نار الحسد، نار النفس، ونار الغفلة."

وقال النبي ﷺ كما في الصحيح:

> «ما تعوّذ متعوّذ بمثلهما».

ومن هنا بدأ الطريق: فالمعوذتان عند أهل المغرب ليستا تعويذتين لفظيتين بل طاقيتين؛ فكل حرف منهما يحمل اهتزازًا نوريًا إذا وُضع في موضعه، ردّ السحر إلى باطن الأرض، وأغلق باب العارض والعاشق، ونقّى مجرى الدم من أثر العين والحسد.

العارفون بالمغرب – من أهل فاس وتلمسان وسوس وجبال الأطلس – كانوا يرون أن المعوذتين هما الدرعان الذهبيان اللذان بهما يحفظ السالك طريقه إلى الله من سموم الطريق: النفس والجنّ والبشر.
ولذلك كانوا يجعلونهما خاتمة لكل ورد، كما يُغلق الباب بالمفتاح بعد الدخول إلى الحضرة.

ويقول الشيخ عبد السلام بن مشيش في سرّهما:

> "من قرأهما بإخلاصٍ تامٍّ، أعاذ الله سره من سحر الأكوان، وفتح له باب الرؤية."

المغاربة فرّقوا بين نور الفلق ونور الناس:

نور الفلق يُستعمل للشقّ والقطع، أي لقطع السحر والعقد والظلمات.

ونور الناس يُستعمل للجمع والتحصين، أي لجمع الروح على ربّها وحمايتها من تشتت القوى.

وهكذا فهموا أن المعوذتين ليستا نهاية القرآن فقط، بل ذروة الحماية النبوية؛ إذ ختم الله بهما الوحي، وكأنه يختم الباب الأخير من النور لحماية الداخل إليه.

---

الجزء الثاني: كلام النبي في السحر والشفاء – ولادة النورين من فم النبوة

المعوذتان نزلتا في لحظةٍ فاصلة من السيرة، حين بلغ السحر ذروته وأصاب النبي ﷺ في بدنه الشريف.
لم يكن ذلك ضعفًا، بل تمكينًا للشفاء أن يتجلّى من ذات النور نفسه؛ ليُعلّم الأمة أن النور لا يهاب الظلمة، بل يدخلها ليبطلها من داخلها.

روى ابن عباس أن رسول الله ﷺ سُحر حتى كان يُخيّل إليه أنه يفعل الشيء وما يفعله، فأنزل الله عليه المعوذتين، فقام فقرأهما، فانحلّ السحر كأنه لم يكن.
وفي روايةٍ أخرى: «قرأهما رسول الله ﷺ، فكأنما نُشِطَ من عقال».
فكانت هاتان السورتان أول علاجٍ نازلٍ من السماء لمفهوم السحر؛ ليس بالعلاج الخارجي، بل بإرجاع القوة النورية إلى داخل الجسد والروح.

النبي ﷺ لم يقرأ المعوذتين كمن يتلو، بل كمن يُخرِج نورًا من ذاته.
لذلك قال العارفون:

> «المعوذتان خرجتا من فمٍ نُفِث فيه الروح، فكان لكل من يتلوهما نصيب من ذلك النفس النبوي.»

وقال الشيخ الأكبر محيي الدين بن عربي:

> «المعوذتان مقامان من مقامات النور المحمدي، إذ يعوذ بهما الحقّ خلقه من ظلمة النفس وظلمة السحر وظلمة الحسد، فمن تلاهما حقّ التلاوة دخل في دائرة النور المحمدي.»

ومن هنا أدرك المغاربة أن قراءة المعوذتين ليست تلاوة فحسب، بل استحضار لحالة النبي حين شُفي بهما؛ أي الدخول في حالته الطاقية.
فالنبي حين قرأ "قل أعوذ برب الفلق" كان في مواجهة الظلمة الخارجية،
وحين قرأ "قل أعوذ برب الناس" واجه الظلمة الداخلية.
الأولى تطهر الخارج، والثانية تغلق الداخل.

ولذلك قال الشيخ التيجاني في وردٍ معروف بين أهل المغرب:

> "من قرأ الفلق والناس سبعًا سبعًا عند الغروب، ثم نفث في كفيه ومسح جسده، صان الله بدنه وروحه من كل أثرٍ ظاهريٍّ وباطنيٍّ حتى مطلع الفجر."

المغاربة اعتبروا هذا الفعل ليس مجرد سنة نبوية، بل طقس نوراني يفعّل الحماية الكونية حول الجسد والبيت والنسل.
ولهذا كانوا يقولون: “من جعل الفلق والناس ختم نومه، لم يدخل عليه إلا النور.”

ففي زمنٍ كَثُر فيه السحر والعين والرياح السوداء، لا علاج أصدق من هاتين السورتين، لأنهما العلاج الذي اختاره الله لنبيّه.
والدواء الذي شفى قلب النور، يشفي كل قلبٍ متصل به.

---

---

الجزء الثالث: التدبّر الباطني في المعوذتين عند العرفاء والمغاربة

في علم العرفان، لا تُقرأ الألفاظ القرآنية ككلمات، بل كـ مفاتيح رمزية لطبقاتٍ من الوجود.
المعوذتان عندهم ليستا سورًا صغيرتين في العدد، بل أكبر السور أثرًا في التكوين النوري للإنسان.
ولهذا قال أحد مشايخ المغرب:

> "من عرف سرّ الفلق والناس، فقد عرف كيف ينقسم النور، وكيف يعود إلى أصله."

أولًا: قل أعوذ بربّ الفلق

كلمة "قل" هنا ليست أمرًا لفظيًا، بل أمر وجودي:
أن يتكلم النور فيك. أن تتكلم أنت، لا بلسانك، بل بـ"نورك".
ثم يأتي "أعوذ"؛ أي ألجأ بكليّتي، لا طلبًا للخلاص فحسب، بل عودة إلى المصدر.
أما "رب الفلق" ففسرها العرفاء بأنها رب النور الخارج من الظلمة.
فـ"الفلق" في لغتهم لا يعني فقط الصبح، بل الانشقاق الكوني الأول الذي خرج منه الوجود كله.

قال الشيخ عبد الكريم الجيلي:

> "الفلق هو شقّ الحجاب بين النور والظلمة، فمن تلاها بصدق، انشقّ له في نفسه حجاب النفس، وظهر له فجر الروح."

وفي المدارس المغاربية القديمة، كان يُقال إن "ربّ الفلق" هو الاسم الذي يهيمن على طاقة الانفراج.
فإذا اشتدّ الحزن، أو انغلقت الأبواب، تُتلى هذه السورة لفتح الطرقات الطاقية.
لذلك استعملها أهل فاس في علاجاتهم لما يسمونه "الاختناق الروحي" أو "انغلاق الرزق"، وكانوا يقرؤونها على الماء النقي عند الفجر، ثم يغتسل به السالك.
ويقولون: "يغتسل بفجر الفلق، فينفلق عنه كل بلاء."

ثم تأتي الآية:
"من شر ما خلق"، وهي عندهم إعلان الوعي بالثنائية: أن الوجود فيه الظل والنور، الخير والشر، ولكن العارف لا يرفض الشر، بل يحصنه بالنور.
ثم تتتابع مفاتيح السورة:

"ومن شر غاسق إذا وقب": الليل إذا تسلّل إلى القلب، أي وسوسة النفس.

"ومن شر النفاثات في العقد": الطاقات المظلمة التي تُرسل عقدًا في الجسد والروح.

"ومن شر حاسد إذا حسد": العين، وهي أخطر ما يخافه المغاربة، لأنهم يرونها "نارًا تدخل من عين المظلم إلى دم المضيء".

ولذا كانوا يجعلون تكرار هذه الآية سبع مرات في ورد الحماية، مع النفث في الماء أو الزيت،
لأن "الحسد" في المفهوم المغاربي طاقة معكوسة، لا تُردّ إلا بالاسم النوري "الفلق".

ثانيًا: قل أعوذ بربّ الناس

إذا كانت سورة الفلق علاجًا للظلمات الخارجية، فـسورة الناس علاجٌ للظلمة الداخلية.
هي السورة التي تعيد الروح إلى وحدتها، بعد أن تشتّتت في صراعها مع قوى الخارج.

كلمة "الناس" عند العرفاء تشير إلى الإنسان الظاهر، أما "رب الناس" فهي القوة التي تحكم هذا الظهور.
ثم تأتي "ملك الناس"، أي السيادة الإلهية على النفس البشرية.
ثم "إله الناس"، وهي ذروة التوحيد، حين لا يبقى في القلب سوى الله.

في المفهوم المغاربي، هذه المراتب الثلاث (رب – ملك – إله) تمثل رحلة العارف من الخلق إلى الحق:

"رب الناس": يراه في الرزق والتربية.

"ملك الناس": يراه في القضاء والقدر.

"إله الناس": يراه في التجلي والوجود.

ثم يأتي بيت السورة الأخير:
"من شر الوسواس الخناس"، وهي عند العرفاء قمة المعركة.
الوسواس ليس شيطانًا خارجيًا فقط، بل ظلّ النفس حين تتكلم باسمك.
و"الخناس" هو الذي يتوارى كلما ذكرت الله.
لذلك كانت سورة الناس وردًا مخصّصًا للذكر الطاقي عند المغاربة، يُتلى بعد كل ذكرٍ باسم الله أو عند حضور الخوف، حتى تخنس النفس في نور الذكر.

قال سيدي أحمد الزروق:

> "من جعل الناس ختام يومه، أغلق الله عليه باب النفس حتى الفجر."

وهكذا تكتمل الثنائية:

الفلق: الانشقاق النوري من الظلمة.

الناس: الرجوع إلى الوحدة بعد الانقسام.

إنها دورة الخلق كلها في سورتين قصيرتين.

--
---

الجزء الرابع: الورد المجرب عند المغاربة – العلاج بالمعوذتين في الطاقات والأنفاس

عند المغاربة، المعوذتان ليستا مجرد ختم يومي، بل نظام علاجيّ كامل يُمارَس في الطب الروحي، ويُعرف في كتبهم باسم ورد النورين.
وقد نُقل هذا الورد عن مشايخ كبار مثل سيدي عبد القادر الفاسي، وسيدي أحمد الدباغ، وسيدي بوشعيب السارية، وغيرهم من أهل الكشف والعرفان.

كانوا يقولون:

> "الفلق والناس، دواءُ الظاهر والباطن. من جمعهما على نية الشفاء، أطفأ الله عنه نار السحر والعين والعارض، وردّ النور إلى مجراه."

1. ورد النورين لقطع السحر والعين

يبدأ هذا الورد قبل الفجر، في وقت يسمونه ساعة انفلاق النور.
يُجلس المريد facing المشرق، ويتوضأ بماءٍ قُرئت عليه المعوذتان سبعًا سبعًا.
ثم يقرأ:

الفاتحة ثلاثًا

الإخلاص ثلاثًا

الفلق سبعًا

الناس سبعًا

ويُنفث في كفيه، ويمسح بهما الجسد من الرأس إلى القدم.
ويقول أثناء المسح:

> "اللهم اجعل لي من نورك درعًا، ومن فلقك سيفًا، ومن رب الناس حرزًا."

ثم يُتبعها بقولٍ مأثور عند أهل المغرب:

> "بالفلق شقّ الله ظلمة السحر، وبالناس أغلق باب الحسد، وبنور محمد تمت الحماية إلى الأبد."

هذا الورد كان يُستعمل في حالات الإصابة القديمة بالسحر أو العقد المتوارثة في الدم.
يُقرأ على الماء والزيت، ويُشرب منه سبعة أيام، ويُدهن الجسد ليلًا، خاصة مواضع النبض والعمود الفقري.
وقد وصفه العارفون بأنه أقوى ورد في استرداد الطاقة النورية للإنسان بعد صدمة روحانية أو نفسية.

2. ورد النورين لتسكين النفس وإغلاق الباب الداخلي

في المدارس العرفانية بفاس وتونس، كان للمريد وردٌ ليلي يسمونه التحصين الكبير.
يبدأ بعد صلاة العشاء، حين تخفت الأصوات وتظهر الوساوس.
يُجلس السالك على سجادة طاهرة، ويوجّه أنفاسه إلى القلب، ويقول:

> "قل أعوذ برب الناس"
"ملك الناس"
"إله الناس"

ثم يصمت قليلًا، ليتتبع أنفاسه وهي تدخل وتخرج، حتى يزول اضطراب الفكر.
كانوا يرون أن سورة الناس تعمل على تسكين ذبذبة النفس وإغلاق الباب الذي تدخل منه الطاقات السلبية.
وفي بعض الزوايا المغاربية، كان الشيخ يضع يده على صدر المريد، ويتلو المعوذتين سبع مرات وهو ينفث بخفة، فيحدث ما يسمونه "اهتزاز النور"، وهي رعشة روحية يصفها السالكون بأنها تحرّك العقد القديمة في الصدر وتفتح مسارات النور.

3. الورد الجامع

قال الشيخ أحمد بن إدريس الفاسي:

> "من قرأ الفلق والناس مع النية الخالصة لله، فتح الله له باب السرّ بين الروح والجسد، وأغلق عنه باب الشيطان."

ولذلك، كانوا يجعلون ورد النورين جزءًا من ختم الذكر اليومي، يُتلى بعد كل صلاة، مع النفث على الجسد، لتبقى الحماية فاعلة طول اليوم.
وفي بعض طرق العلاج الطاقي المغاربي، يُربط تكرار السورتين بمراكز الطاقة السبعة في الجسد؛
فيُقرأ "الفلق" على المراكز السفلية لتنقية الأرضية، و"الناس" على المراكز العلوية لربطها بالنور الأعلى.

هذا الفهم الروحاني العميق جعل من المعوذتين علاجًا شاملاً لكل طيفٍ من الطاقات:

من السحر والحسد والعين.

إلى وساوس النفس والتعب الروحي.

إلى انسداد الرزق وضيق الصدر.

كانوا يقولون:

> "ما بقيت عقدة إلا انفكت بنور الفلق، ولا بقيت وسوسة إلا خنست بنور الناس."

---

الجزء الخامس: وحدة النورين – المعوذتان كختم القرآن وشفاء الكون

قال العارفون:

> "القرآن ابتدأ بالنور وخُتم بالنور، وما بينهما رحمة."
فالفاتحة مفتاح الدخول، والمعوذتان ختم الحماية.
بين "الحمد لله رب العالمين" و"قل أعوذ برب الناس" يمتدّ طريق الإنسان كلّه: من المعرفة إلى النجاة.

المعوذتان خاتمة الوحي

عند أهل المغرب، كانت المعوذتان تُعدّان آخرَ ما نزل من القرآن في مقام الحماية النبوية.
فحين اكتمل النور في النبي ﷺ، أُمر أن يحمي به أمّته.
ولهذا كان الصحابة إذا ختموا القرآن، قرأوا الفاتحة ثم الإخلاص ثم المعوذتين، وكأنهم يقولون: لقد دخلنا من باب الحمد، وخرجنا من باب النور.

النبي ﷺ نفسه كان إذا أوى إلى فراشه، جمع كفّيه، وتلا الإخلاص والفلق والناس، ونفث فيهما، ومسح بهما جسده الشريف.
ففعل ذلك لم يكن عادة قبل النوم، بل إعلانًا يوميًا لإعادة ختم النور على الجسد.
فكما يُختَم الكتاب بخاتم الملك، كذلك يُختَم الجسد بخاتم النور.

قال الشيخ الأكبر ابن عربي:

> "الفاتحة هي الفتح، والمعوذتان هما الختم. ومن جمع بين الفتح والختم فقد أحاط بالنورين، فلا سلطان للظلمة عليه."

سرّ الثنائية النورية

يرى العرفاء المغاربة أن الله ختم كتابه بهاتين السورتين لأنهما تمثلان قطبي النور الكوني:

سورة الفلق: النور الصاعد من الأرض إلى السماء.

سورة الناس: النور النازل من السماء إلى الأرض.

الأولى حركة الانشقاق، والثانية حركة الالتئام.
فمن جمع بينهما في تلاوته، جعل الله حوله دائرة طاقية مغلقة، لا يدخلها الشرّ من الخارج ولا يخرج منها النور إلى الضياع.

في تعاليم الشيخ مولاي العربي الدرقاوي ورد قوله:

> "إذا اجتمعت الفلق والناس في لسان العارف، صار حوله حجاب من نورٍ أزرق، لا يقدر عليه شيطان ولا عارض، لأنهما من نورين متقابلين: النور الحامي والنور اللامع."

الشفاء الكوني

العرفاء لا يرون الشفاء بمعناه الجسدي فقط، بل كحركة استعادة للانسجام الكوني داخل الإنسان.
وفي هذا السياق، المعوذتان تعملان على إعادة توازن الحقل النوري حول الجسد.

فـ"قل أعوذ برب الفلق" تنظف الموجة النارية (المرتبطة بالغضب والعين).

و"قل أعوذ برب الناس" تنظف الموجة الهوائية (المرتبطة بالوسوسة والخوف).

ولهذا كان المعالجون المغاربة يقرأونهما على ماء المطر، أو على بخورٍ من الحرمل والورد، ليُعاد ترتيب الطاقات في المكان والجسد.
وكانوا يقولون:

> "بالفلق تُطهر الأرض، وبالناس تُطهر النفس."

ومن الناحية الرمزية، هاتان السورتان تمثلان رجوع النور إلى وحدته بعد مروره بالتجربة البشرية.
فالإنسان في جوهره نورٌ مختبر، والمعوذتان هما طريق العودة إلى النقاء الأول.

قال أحد العارفين من أهل فاس:

> "ما من روحٍ غلبها السواد إلا أعادها الله إلى صفائها بقراءة الفلق والناس على نية العودة لا على نية النجاة."

أي أن الغاية ليست فقط النجاة من الشرور، بل العودة إلى الأصل النوري للروح.

---

---

الجزء السادس: الخاتمة النورية – عودة الإنسان إلى الحماية الأولى

في نهاية الطريق، تتجلّى المعوذتان لا كسورتين فقط، بل كـ مقامٍ روحيّ كامل.
من قرأهما على الحقيقة لا على اللسان، عاد إلى الفطرة الأولى التي لا سلطان للظلمة عليها.
فالإنسان حين يقول: قل أعوذ برب الفلق، لا يستعيذ من الخارج فقط، بل يُعلن عودته إلى مركز النور داخله.
وحين يقول: قل أعوذ برب الناس، يعترف أن لا ربّ لنفسه سواه، وأن كل وسواسٍ لا سلطان له إلا بإذنه.

طريق العودة

في كتب المغاربة، يُقال إن من داوم على المعوذتين بوعيٍ ونيةٍ خالصةٍ أربعين يومًا، تغيّر مسار طاقته تمامًا.
تبدأ الظلمة بالانكماش، ويُفتح ما يسمونه "عين الفلق"؛ وهي البصيرة التي ترى النور في كل شيء.
ثم يهدأ الداخل، ويُغلق باب الوساوس تدريجيًا، حتى يبلغ السالك مرتبة السكينة الطاقية، وهي الدرجة التي لا يؤثر فيها حسد ولا سحر ولا خوف.

وفي التجربة العرفانية، تُصبح المعوذتان طريقًا لولادةٍ جديدةٍ للوعي:

الفلق يطهّرك من الخارج.

الناس يطهّرك من الداخل.
وحين يتوازنان، تُفتح فيك "دائرة النور"، وتُصبح ذاتك حرزًا قائمًا بذاته.

قال سيدي أحمد بن عجيبة الحسني:

> "من فهم أن الاستعاذة رجوعٌ، علم أن المعوذتين هما سفرُ العودة إلى الله."

وقال أحد العارفين المغاربة:

> "ما دمت تقرأ المعوذتين، فالنور يتذكّرك حتى لو نسيت."

رسالة النبي للأمة

النبي ﷺ لم يورّث الناس كنوزًا، بل كلماتٍ تنقذ الروح.
فالمعوذتان كانتا وصيته النورية الأخيرة: أن لا تترك الأمة ذكر الله في وجه الظلمة.
حين سُحر النبي، لم يطلب سيفًا ولا ماء زمزم، بل تلا كلمتين من ربه، فانفكّت كل العقد.
ففي ذلك سرّ باطنه: أن العلاج ليس في الهروب من الظلمة، بل في استحضار النور داخلها.

قال ﷺ:

> «اقرأوا المعوذتين حين تصبحون وحين تمسون، تكفيكم كل شيء.»
وفي روايةٍ:
«ما تعوّذ متعوّذ بمثلهما.»

أي أن الله لم يجعل في شيءٍ من القرآن ما يغني عن هاتين السورتين في باب الحماية.
فكلّ من قرأهما، صار تحت مظلة النور الذي حمى به الله نبيّه.

رسالة العارفين للناس

يقول العارفون المغاربة:

> "إنّ الفلق والناس ليستا لعلاج الجسد فقط، بل لعلاج الوعي من وهم الانفصال."
فمن ظنّ أن الشرّ قوةٌ مستقلة، ضاع في الخوف.
ومن علم أن الشرّ ظلّ النور، استعاذ بالنور نفسه، فعاد إلى أصله.

ولهذا كانت المعوذتان مدرسة في التوحيد العملي؛ تُعلّمك كيف تردّ كلّ ما يُخيفك إلى الله.
فالعارف حين يُصاب بعينٍ أو همٍّ أو سحرٍ، لا يلعن ولا يهرب، بل يتلو:

> "قل أعوذ بربّ الفلق..."
"قل أعوذ بربّ الناس..."
فيعود إلى مركزه النوري، ويغدو كلّ ما حوله في طاعة النور.

الخاتمة

في زمنٍ امتلأ بالظلال، حيث تتكاثر الطاقات المظلمة، ويختنق الوعي تحت الغبار،
يبقى في يد الإنسان سيفان من نور: الفلق والناس.
من رفعهما بإيمانٍ، حُمي جسده وروحه وبيته ودمه ونسله.
ومن داوم عليهما، دخل في دائرة النبي، وأصبح محفوظًا بحفظ الله.

أيها القارئ،
اقرأ المعوذتين كأنك النبي حين نزلتا،
كأنك تُولد من جديد من فم النور،
كأنك تقول لله: أعوذ بك مني، وبك أعود إليّ.

حينها فقط، ستفهم أن الحماية ليست في الكلمات،
بل في الرجوع إلى الله عبرها.

---

المراجع والإشارات

الأحاديث الصحيحة في البخاري ومسلم: «ما تعوذ متعوذ بمثلهما»، و*«كان يقرأ بهما عند النوم»*.

الشيخ محيي الدين بن عربي، الفتوحات المكية، باب أسرار السور.

الشيخ عبد الكريم الجيلي، الإنسان الكامل.

الشيخ أحمد زروق، قواعد التصوف.

الشيخ عبد السلام بن مشيش، دلائل النور.

السيد أحمد الدباغ، الإبريز.

مصادر مغربية شفوية من زوايا فاس ومراكش وسوس حول ورد المعوذتين.
https://www.facebook.com/share/16xeR3Brry/

_________________

يأتي على الناس زمان
تكون العافية فيه عشرة أجزاء
تسعة منها في إعتزال الناس
وواحدة في الصمت
باب مدينة العلم
سيدنا علي بن ابي طالب عليه السلام


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
عرض مشاركات سابقة منذ:  مرتبة بواسطة  
إرسال موضوع جديد الرد على الموضوع  [ مشاركة واحده ] 

جميع الأوقات تستخدم GMT + ساعتين


الموجودون الآن

المستخدمون المتصفحون لهذا المنتدى: لا يوجد أعضاء مسجلين متصلين و 9 زائر/زوار


لا تستطيع كتابة مواضيع جديدة في هذا المنتدى
لا تستطيع كتابة ردود في هذا المنتدى
لا تستطيع تعديل مشاركاتك في هذا المنتدى
لا تستطيع حذف مشاركاتك في هذا المنتدى
لا تستطيع إرفاق ملف في هذا المنتدى

البحث عن:
الانتقال الى:  
© 2011 www.msobieh.com

جميع المواضيع والآراء والتعليقات والردود والصور المنشورة في المنتديات تعبر عن رأي أصحابها فقط