بعض المقتبس من كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب
وقال قتادة: كانت تنزل عليهم بكرة وعشية حيث كانوا كالمن والسلوى لبني إسرائيل. وقال يمان بن رئاب: كانوا يأكلون منها ما شاءوا. وروى عطاء بن أبي رباح عن سلمان الفارسي قال: لما سأل الحواريون عيسى ابن مريم أن ينزل عليهم المائدة لبس صوفا وبكى وقال: " اللهم ربنا أنزل علينا مائدة من السماء " الآية، وأرزقنا عليها طعاما نأكله، وارزقنا وأنت خير الرازقين. فنزلت سفرة حمراء بين غمامتين، غمامة من فوقها وغمامة من تحتها، وهم ينظرون إليها وهي تهوي منقضة حتى سقطت بين أيديهم. فبكى عيسى وقال: " اللهم اجعلني من الشاكرين، اللهم اجعلها رحمة ولا تجعلها عقوبة ومثلة " والشهود ينظرون إليها، ينظرون إلى شيء لم يروا مثله قط، ولم يجدوا ريحا أطيب من ريحه. فقال عيسى - عليه السلام - : ليقم أحسنكم عملا فيكشف عنها ويذكر اسم الله ويأكل منها. فقال شمعون الصفا رأس الحوايين: أنت أولى بذلك منا. فقام عيسى - عليه السلام - فتوضأ وصلى صلاة طويلة وبكى بكاء كثيرا وكشف المنديل عنها وقال: باسم الله خير الرازقين. فإذا هو بسمكة مشوية ليس عليها فلوسا ولا شوك تسيل سيلا من الدسم، وعند رأسها ملح، وعند ذنبها خل، وحولها من أنواع البقول ما خلا الكراث؛ وإذا خمسة أرغفة على واحد منها زيتون، وعلى الثاني عسل، وعلى الثالث بيض، وعلى الرابع جبن، وعلى الخامس قديد. قالوا: فلما استقرت بين يدي عيسى قال شمعون رأس الحواريين: أنت أولى يا روح الله، أمن طعام الدنيا هذا أم من طعام الآخرة؟ فقال عيسى - عليه السلام - : ليس شيء مما ترون، ولكنه شيء افتعله الله تعالى بالقدرة الغالبة، كلوا مما سألتم يمددكم ويزدكم من فضله. قال الحواريون: يا روح الله، لو أريتنا من هذه الآية اليوم آية أخرى! فقال عيسى: يا سمكة احيي بإذن الله. فاضطربت السمكة وعادت عليها فلوسها وشوكها ففزعوا منها. فقال عيسى: ما لكم تسألون أشياء إذا أعطيتموها كرهتموها، ما أخوفني عليكم أن تعذبوا! يا سمكة عودي كما كنت بإذن الله تعالى. فعادت السمكة مشوية كما كانت. فقالوا: يا روح الله، كن أول من يأكل منها ثم نأكل نحن. فقال عيسى: معاذ الله أن آكل منها، ولكن يأكل منها من سألها، فخافوا أن يأكلوا منها. فدعا عيسى - عليه السلام - أهل الزمانة والمرض وأهل البرص والجذام والمقعدين والمبتلين فقال: كلوا من رزق الله ولكم المهنأ ولغيركم البلاء. وفي رواية: كلوا من رزق ربكم ودعوة نبيكم واذكروا اسم الله. فأكلوا وصدروا عنها وهم ألف وثلاثمائة رجل وامرأة من فقير وزمن ومريض ومبتلى كلهم شبعان يتجشأ، ثم نظر عيسى - عليه السلام - إلى السمكة فإذا هي كهيئتها حين نزلت من السماء. ثم طارت المائة صعدا وهم ينظرون إليها حتى توارت عنهم. فلم يأكل منها يومئذ زمن إلا صح ولا مريض إلا برأ، ولا مبتلي إلا عوفين ولا فقير إلا استغنى ولم يزل غنيا حتى مات؛ وندم الحواريون ومن لم يأكل منها إذ لم يأكلوا منها. وكانت إذا نزلت اجتمع الفقراء والأغنياء والصغار والكبار والرجال والنساء فيزدحمون عليها. فلما رأى عيسى ذلك جعلها نوبة بينهم، فلبثت أربعين صباحا تنزل ضحى ولا تزال منصوبة يؤكل منها حتى إذا فاء الفيء طارت صعدا وهم ينظرون إلى ظلها حتى تتوارى عنهم. وكانت تنزل غبا، تنزل يوما ولا تنزل يوما كناقة صالح. وأوحى الله عز وجل إلى عيسى أن اجعل مائدتي ورزقي للفقراء دون الأغنياء، فعظم ذلك على الأغنياء حتى شكوا وشككوا الناس فيها وقالوا: أترون المائدة حقا نزلت من السماء! فقال عيسى: هلكتم تجهزوا لعذاب الله. فأوحى الله تعالى إلى عيسى - عليه السلام - : إني شرطت على المكذبين شرطا أن من كفر بعد نزولها عذبته عذابا لا أعذبه أحدا من العالمين. فقال عيسى: إن تعذبهم فإنهم عبادك وإن تغفر لهم فإنك أنت العزيز الحكيم " . فمسخ منهم ثلاثمائة وثلاثة وثلاثون رجلا. وقال الكسائي عن وهب: مسخ منهم خمسة آلاف وخمسمائة، فباتوا على فرشهم مع نسائهم في ديارهم، فأصبحوا خنازير يسعون في الطرقات والكناسات ويأكلون العذرة. فلما رأى الناس ذلك فزعوا إلى عيسى - عليه السلام - ، وبكى على الممسوخين أهلوهم. ولما أبصرت الخنازير عيسى - عليه السلام - بكت وجعلت تطيف به وجعل عيسى يدعوهم بأسمائهم واحدا واحدا فيبكون ويشيرون برءوسهم ولا يقدرون على الكلام، فعاشوا ثلاثة أيام ثم هلكوا.
يتبع
_________________
مولاي صل وسلم دائما أبداعلى حبيبك خير الخلق كلهم اللهم صل على هذا النبى الأمين وأجعلنا من خاصة المقربين لديه السعداء وعلى آله وسلم حق قدره ومقداره العظيم
|