وبالطبع لا ننسى مقولة القائد طارق بن زياد الشهيرة قبل المعركة عندما قال لجنوده وهو يبث فيهم روح الجهاد والنصر قائلاً لهم : "العدو أمامنا والبحر خلفنا" أي ليس أمامنا سوى النصر والتغلب على العدو ففتح الله على أيديهم الأندلس في هذا الشهر العظيم المبارك.
تطور الفتح الإسلامي للأندلس
نجح طارق بعدئذ في افتتاح شذونة ومورور وقرمونة، قبل أن يواجه القوط مجددًا قرب إستجة ويهزمهم ويفتتح المدينة, وفي أستجة قسّم طارق جيشه بناءً على نصيحة من الكونت يوليان، فبعث مغيث الرومي مولى الوليد بن عبد الملك في سبعمائة فارس إلى قرطبة، وأرسل مجموعات أخرى إلى إلبيرة ورية، وتوجه هو بباقي الجيش إلى طليطلة.
كما نجحت مجموعات قرطبة وإلبيرة ورية في فتح تلك المناطق، كما دارت معركة صغيرة بين المسلمين والقوط في ثيودمير، نتج عنها معاهدة بين المسلمين وقائد القوط ، التي أعطت الحق للقوط الغربيين المسيحيين بممارسة شعائر دينهم، ما داموا يحافظون على عهدهم مع المسلمين، ويدفعون الجزية, مما شجع مناطق أخرى على أن تحذو حذو ثيودمير والدخول في معاهدات تحفظ لحاكم المناطق سيطرتهم على مناطقهم.
عبور موسى بن نصير
وبعد أن تمَّ له فتح طليطلة، أرسل طارق إلى موسى يُعلمه بالفتح. فأرسل موسى إلى الوليد بن عبد الملك يبشره، وإلى طارق يأمره بأن لا يستكمل الفتح ويبقى بقرطبة حتى يلحق به,ثم استخلف موسى ابنه عبد الله على القيروان، وعبر إلى الأندلس في رجب 93 هـ.
وهنا نقطة مهمة لابد من الإشارة إليها وهي أن نؤكد أن المحققين من المؤرخين أنكروا ما روجه البعض من حسد موسى بن نصير لطارق بن زياد، وضربه إياه وسجنه حسداً منه لطارق بن زياد، فهذا أمر لا يكون بين المجاهدين الذين فتح الله على أيديهم بلادا كثيرة ولكن قد يكون موسى غبط طارق على هذه النعمة التي أعطاه الله إياها، فرأى أن يكون له من هذا الفتح العظيم نصيب.
بعد نزوله الأندلس، سلك موسى طريقًا غير الذي سلكه طارق، وافتتح مدن إشبيلية وباجة وماردة، ثم ثار أهل إشبيلية على حاميتها من المسلمين وقتلوهم، فأرسل لهم موسى ولده عبد العزيز فأعاد فتحها، ومنها افتتح عبد العزيز لبلة وغيرها من المعاقل والحصون في منطقة الساحل الواقعة بين مالقة وبلنسية, ثم سار موسى يريد دخول طليطلة، فلقيه طارق في طلبيرة، وأنّبه على مخالفته له في بعض الأمور ثم سارا معًا إلى طليطلة، ثم أرسل من افتتح سرقسطة ومدنها.
وفي عام 714م، غزا موسى بن نصير منطقة أستورياس وسوريا وبالنثيا والطرق المؤدية إلى مدينة خيخون الساحلية، كما استسلمت بنبلونة للمسلمين. ولم يواجه المسلمون في تلك الحملات سوى مقاومة بسيطة.
نهاية الفتح الإسلامي للأندلس
وفي عام 95 هـ، جاءت رسل الخليفة الوليد تدعو موسى بالقدوم عليه، فخرج موسى ومعه طارق بن زياد ومغيث الرومي يريدون دمشق، واستخلف ولده عبد العزيز مكانه الذي اتخذ من إشبيلية قاعدة له, ووفد موسى ومعه طارق على الخليفة سليمان بن عبد الملك بعد وفاة الوليد عام 96 هـ استكمل عبد العزيز افتتاح باقي الأندلس، وضبط شئونه إداريًا، وحصّن ثغورها, إلا أنه اغتيل في رجب 97 هـ وهو يصلي بأحد مساجد إشبيلية, وخلفه على ولاية الأندلس ابن عمته أيوب بن حبيب اللخمي.
وفي عهد الوالي الحر بن عبد الرحمن الثقفي، غزا الأمويين عام 99 هـ/717م سبتمانيا، ولكن دون أن يحقق نجاحًا ملحوظًا, ثم استطاع المسلمين ضم أربونة وقرقشونة ومعظم قواعد سبتمانيا في عهد الوالي السمح بن مالك الخولاني، ثم توجّه صوب طولوشة قاعدة أقطانية في 9 ذي الحجة 102 هـ، واجه السمح جيشًا يفوق قواته عددًا بقيادة أودو دوق أقطانيا في معركة هائلة، انهزم فيها جيش المسلمين، وقتل فيها السمح نفسه، واستطاع عبد الرحمن بن عبد الله الغافقي أن ينسحب بعد المعركة بالجيش إلى سبتمانيا.
وهكذا تُوِّجت هذه الانتصارات التي تحققت في هذا الشهر المبارك ، وكان لها أعظم الأثر في بقاء سلطان المسلمين في الأندلس لمدة ثمانية قرون من الزمان، أقاموا فيها حضارةً لم تعرفها البشرية كلها.
ثم... يتبع غداً بمشيئة الله.