أسباب النزول:
يقصد بأسباب النزول المناسبات والحوادث أو الأحداث التى نزل من أجلها القرآن الكريم سواء كانت زمانية أم مكانية، شخصية أم عامة، اجتماعية أم أقتصادية، وبذلك يكون لها ارتباطها الوثيق بمسألة تنجيم الوحى، وتكون معرفتها جزاء لا يتجزأ لتفسير النص وبيان المواقف المختلفة التى ورد فيها.
وليس كل القرآن يشترط فيه المناسبة، وأوضح مثال على ذلك أول سورة العلق، فهى استهلال للوحى، ولا تتعلق بسبب من الأسباب.
ومع ما لأسباب النزول من أهمية لتفسير القرآن الكريم؛ فإن للعلماء قاعدة أصولية مفادها "أن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب"؛ بمعنى أنه إذا كان النص قد نزل فى مناسبة معينة فإن حكمه ينص على المواقف المشابهة لهذه المناسبة، ولنأخذ بعض الأمثلة على ذلك:
1- فى قوله تعالى فى سورة البقرة (وَلِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ وَاسِعٌ عَلِيمٌ (115))، لو أخذت هذه الآية على إطلاقها ما وجب استقبال القبلة فى الصلاة, ولكن أسباب النزول تعرفنا أنها مقصورة على السفر، أو على صلاة التطوع؛ أخرج مسلم, والترمذى والنسائى عن ابن عمر رضى الله عنهما قال: "كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم يصلي على راحلته تطوعاً أينما توجهت به، وهو جاء من مكة إلى المدينة"، ثم قرأ الآية ، وقال في هذا نزلت، وأخرج الحاكم عن ابن عمر أيضاً أنه قال: أنزلت "فأينما تولوا فثم وجه الله" أن تصلى حيثما توجهت بك راحلتك فى التطوع.
2- وفى قوله تعالى فى سورة البقرة: (إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا وَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْرًا فَإِنَّ اللَّهَ شَاكِرٌ عَلِيمٌ (158))
ظاهر هذه الآية يفيد أن السعى ليس من شعائر الحج ولكن السيدة عائشة رضى الله عنها ذكرت فى سبب نزول الآية أن بعض الصحابة تأثموا من السعى بين الصفا والمروة؛ لأنه كان يحدث فى الجاهلية فنزلت الآية؛ لتؤكد ضرورة السعى وأنه من أعمال الحج.
ومن الأمثلة التى تظهر فيها الدلالة على العموم واضحة جلية , وليست لخصوص السبب قوله تعالى فى سورة الليل: (وَسَيُجَنَّبُهَا الْأَتْقَى (17) الَّذِي يُؤْتِي مَالَهُ يَتَزَكَّى (18)) فقد نزلت فى سيدنا أبى بكر الصديق رضى الله عنه ومع ذلك فهى تدل على العموم لكل من يتصف بهاتين الصفتين، بدليل عموم قوله تعالى فى سورة الحجرات: (إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ (13)).
وقد يظل النص فى خصوصيته التى نزل من أجلها أول مرة دون تعميم, كما ورد فى آيات الحكم بغير ما أنزل الله فى سورة المائدة, وهى قوله تعالى: (وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ (44))، وقوله: ( وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (45))، وقوله: (وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ (47)).
فعن ابن عباس رضى الله عنهما أن الكافرين, والظالمين، والفاسقين هم أهل الكتاب؛ لأنها نزلت فيهم، فهى باقية على خصوصيتها, ويقول: نعم القوم أنتم، ما كان من حلو فلكم، وما كان من مر فهو لأهل الكتاب.