موقع د. محمود صبيح

منتدى موقع د. محمود صبيح

جميع الأوقات تستخدم GMT + ساعتين



إرسال موضوع جديد الرد على الموضوع  [ 34 مشاركة ]  الانتقال إلى صفحة السابق  1, 2, 3  التالي
الكاتب رسالة
 عنوان المشاركة: Re: تاريخ القرآن ولغته ... انتظرونا في رمضان إن شاء الله.
مشاركة غير مقروءةمرسل: الخميس مايو 09, 2019 12:20 pm 
غير متصل

اشترك في: الأحد إبريل 15, 2012 12:39 pm
مشاركات: 7469
شكراً جزيلاً للفاضل عاشق أهل البيت على مروره الكريم الذي أسعدني وشرفني وجزاكم الله خيراً كثيراً.

_________________
أبا الزهراء قد جاوزت قدري *** بمدحك بيد أن لي انتسابا

سألت الله في أبناء ديني *** فإن تكن الوسيلة لي أجــابا


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة: Re: تاريخ القرآن ولغته ... انتظرونا في رمضان إن شاء الله.
مشاركة غير مقروءةمرسل: الخميس مايو 09, 2019 12:33 pm 
غير متصل

اشترك في: الأحد إبريل 15, 2012 12:39 pm
مشاركات: 7469

المكى والمدنى:

من القضايا التى كثر الجدل حولها قضية تقسيم القرآن الكريم إلى مكى ومدنى,وفى رأيى أنه سواء كانت السورة مكية أم مدنية فهى قرآن نزل على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم دون خلاف، ومع بساطة القضية إلا أنها ذات أثر كبير فى تاريخ القرآن.لمعرفة الناسخ والمنسوخ، والعام والخاص, ونحو ذلك من المسائل.

وخلاصة القول فى المسألة أن القرأن الكريم نزل فى أماكن مختلفة من أهمها مكة والمدينة وما بينهما، وقد كانت الهجرة الشريفة فيصلاً بين أحداث مختلفة، ومن أهمها معرفة المكى والمدنى من القرأن الكريم، وللعلماء ثلاثة مذاهب فى تحديد المكى والمدنى هي:

1- أن المكى ما نزل بمكة, أو بما يحيط بها من الأماكن، مثل: منى، وعرفات، والحديبية، سواء كان قبل الهجرة أم بعدها, والمدنى هو ما نزل بالمدينة أو فى مكان قريب منها؛ فالاعتبار للمكان.

2- أن المكى ما نزل فى شأن أهل مكة ومن على شاكلتهم من عبدة الأصنام، فى أى مكان كان، وفى أى زمان، والمدنى ما نزل فى غير المكيين، فالاعتبار للمخاطبين وليس للمكان أو الزمان.

3- أن المكى ما نزل قبل الهجرة فى أى مكان كان، ولو بالمدينة، والمدنى ما نزل بعد الهجرة، ولو كان بمكة، وهو أشهر الآراء[1].

وقد أحصى العلماء السور المدنية المتفق عليها فى تسع عشرة سورة من مجمل سور القرآن التى عددها مائة وأربع عشرة، هى: البقرة، وآل عمران، والنساء، والمائدة، والأنفال، وبراءة، والنور، والأحزاب، ومحمد، والفتح، والحجرات، والمجادلة، والحشر، والممتحنة، والجمعة، والمنافقون، والطلاق، والتحريم، والنصر.

وأحصوا المختلف بين مكى ومدنى فى ثلاث وعشرين سورة، وهى: الفاتحة، ويونس، والرعد، والحج، والفرقان، والرحمن، والحديد، والصف، والتغابن، والإنسان، والمطففين، والأعلى، والفجر، والقدر، والبينة، والزلزلة، والعاديات، والتكاثر، والماعون، والكوثر، والإخلاص، والمعوذتان[2].

وأما المكى المتفق عليه؛ ففى اثنتين وسبعين سورة هى باقى سور القرآن بعد ما ذكر من المدنى والمختلف فيه على خلاف فى بعض الآيات فقد تكون السورة فى مجملها مدنية وبعض آياتها مكية، أو العكس.

وقد وضع العلماء علامات يعرف بها المكى من المدنى، من أهمها:

1- كل سورة فيها لفظ(كلا), أو سجدة, أو بدأت بالأحرف المقطعة, أو فيها النداء "يا بنى آدم", أو "يأيها الناس"؛ فهى مكية, وكل سورة اشتملت على "يأيها الذين آمنوا" فهى مدنية, ويستثنى مما بدأ بالأحرف المقطعة سورة البقرة, وآل عمران فهما مدنيتان بالإجماع, وبدأتا بالأحرف المقطعة,وكذلك يستثنى مما جاء فيه "يأيها الناس" تسعة مواضع جاء فيها "يا أيها الناس" فى سورة مدنية, وهى:
أ- منها موضعان بالبقرة: "الآيتان: 21، 168".
ب- وأربعة بالنساء: "الآيات: 1، 133، 170، 174".
ج- وموضعان بالحج: "الآيتان: 49، 73".
د- وموضع بالحجرات: "الآية: 13".

2- كل سورة ذُكرت فيها قصة سيدنا آدم وإبليس أو قصص الرسل وأحوال أممهم فهي مكية، وكل سورة فيها ذكر المنافقين فهي مدنية، ويستثنى من ذلك سورة البقرة، فقد ذُكر فيها قصة سيدنا آدم وإبليس وهي مدنية.

3- يدل قصر الآيات على أن السورة مكية، ويدل طولها على أنها مدنية.

4- تدل عناية السورة بالدعوة إلى الإيمان وتوحيد الله والتحلي بالفضائل والتحذير من مثالب المشركين وعاداتهم على أنها مكية، أما إذا ذُكرت فيها الفرائض والسنن والحدود والأحكام ودعت إلى الجهاد فهي مدنية.

الهامش: [1]: المصحف الشريف، عبد الفتاح القاضي، القاهرة، المجلس الأعلى للشئون الإسلامية: 117، 118.
[2]: المرجع السابق: 128- 134.


_________________
أبا الزهراء قد جاوزت قدري *** بمدحك بيد أن لي انتسابا

سألت الله في أبناء ديني *** فإن تكن الوسيلة لي أجــابا


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة: Re: تاريخ القرآن ولغته ... انتظرونا في رمضان إن شاء الله.
مشاركة غير مقروءةمرسل: السبت مايو 11, 2019 3:41 pm 
غير متصل

اشترك في: الأحد إبريل 15, 2012 12:39 pm
مشاركات: 7469

النسخ في القرآن:

من القضايا التي شغلت العلماء والمفكرين المسلمين وغير المسلمين قضية النسخ في القرآن الكريم وفيها من الخلاف الكثير وخلط بعضهم بين النسخ والتخصيص[1]، والمحققون من العلماء يرون أنه لا يجوز لأحد أن يفسر كلام الله إلا بعد أن يقف على الناسخ والمنسوخ حتى لا يهلك ويُهلِك.

وسوف يكون الحديث عن هذه القضية من خلال أربع نقاط هي:

1- تعريف النسخ.
2- أنواعه.
3- أمثلة لما نسخ.
4- الرأي الراجح في نسخ آية بأخرى.

أولاً: تعريف النسخ:

للنسخ في اللغة بصفة عامة معنيان: النسخ بمعنى النقل والكتابة، يقال: نسخ الكتاب أي كتبه ونقله حرفاً بحرف، والنسخ بمعنى المحو والإزالة، يقال: نسخ الشيء أزاله بغيره، ونسخ الآيه أزال حكمها بآية أخرى، وهو المراد هنا، أي: تنزل آيه بحكم ثم تنزل أخرى بدلاً من هذه الآية لتغير حكمها بحكم جديد، وكلا المعنيين يدور حول إبطال شيء وإقامة آخر مقامه وقد وردت الإشارة إلى ذلك في قوله تعالى من سورة البقرة: (مَا نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْهَا أَوْ مِثْلِهَا أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (106))، وقوله تعالى في سورة النحل: (وَإِذَا بَدَّلْنَا آيَةً مَكَانَ آيَةٍ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا يُنَزِّلُ قَالُوا إِنَّمَا أَنْتَ مُفْتَرٍ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ (101)).

وقد فُسر النسخ في الآية السابقة بالإزالة والإبطال، أي: إلغاء آية بآية أخرى خير منها أو مثلها، ومن العلماء من فسر الآية بالمعجزة أو الدين فيكون معنى النسخ هنا إلغاء معجزة سابقة أو دين سابق بالإسلام.

ثانياً: أنواع النسخ في القرآن الكريم:

يرى كثير من العلماء أن للنسخ في القرآن الكريم ثلاثة أنواع هي:
1- نسخ الآية خطاً وحكماً بآية أخرى.
2- نسخ الخط وبقاء الحكم.
3- نسخ الحكم وبقاء الخط. وهو أكثر ما يرد وأكثر ما اختلف فيه العلماء[2].

ثالثاً: أمثلة للنسخ:

ذكر أبو القاسم هبة الله بن سلامة (ت: 410هـ) أمثلة لكل نوع من الأنواع الثلاثة كالآتي:

1- فأما ما نسخ خطاً وحكماً؛ فذكر له مثالين، هما:

أ- ما روي عن أنس بن مالك رضي الله عنه أنه قال: "كنا نقرأ على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم سورة تعدلها سورة التوبة، ما أحفظ منها غير آية واحدة: ولو أن لابن آدم واديين من ذهب لابتغى لهما ثالثاً ولو أن له ثالثاً لابتغى إليها رابعاً ولا يملأ جوف ابن آدم إلا التراب ويتوب الله على من تاب".

ب- وما روي عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أنه قال: "أقرأني رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم آية فحفظتها وكتبتها في مصحفي فلما كان الليل رجعت إلى مضجعي فلم أرجع منها بشيء وغدوت على مصحفي فإذا الورقة بيضاء فأخبرت النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقال يا ابن مسعود تلك رفعت البارحة".

2- وأما ما نسخ خطه وبقى حكمه:

فمثاله ما روي عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه من أنهم قرءوا على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم آية الرجم، وهي: "لا ترغبوا عن آبائكم فإن ذلك كفر بكم الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما البتة نكالاً من الله والله عزيز حكيم".، نسخ خطها فلا توجد في المصحف وبقى حكمها ثابت لدى الأمة.

3- وأما ما نسخ حكمه وبقى خطه:

فمثل الصيام في أول الأمر، كان يمكن لمن يطيقونه أن يفطروا ثم يقدموا فدية مقابل إفطارهم، عملاً بقوله تعالى: (وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ).، فنُسخ هذا الحكم بقوله تعالى في الآية التي تليها: (فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ).

وفي هذا النوع خلاف كبير، ففي آيات تحريم الخمر مثلاً ونحوها مما نزل للتدرج في الأحكام والتشريع، يرى بعضهم أن الآية الأخيرة تنسخ ما قبلها، ويرى آخرون أن حكم جميع الآيات باق، ولكل آية موقفها الذي تأتي فيه فهي تمثل مرحلة من المراحل.

وفي نحو آيات القتال التي وردت في سورة الأنفال، قال الله تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الْقِتَالِ إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ يَغْلِبُوا أَلْفًا مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَفْقَهُونَ (65))، ثم نزلت الآية التالية تقول: (الْآنَ خَفَّفَ اللَّهُ عَنْكُمْ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفًا فَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ صَابِرَةٌ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ أَلْفٌ يَغْلِبُوا أَلْفَيْنِ بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ (66)). وظاهر النص أن الآية التالية قد نسخت الأولى وهو رأي كثير من المفسرين[3].

رابعاً: الرأي الراجح في هذا النوع من النسخ:

إذا تأملنا المعنى في الآيتين السابقتين نجد أن كلاً منهما يمكن أن تدل على موقف مختلف، ففي الموقف الأول يمكن للفرد المسلم أن يثبت لعشرة من غير المسلمين، ويمكن للمائة أن تثبت لألف، كما حدث في بعض الغزوات كغزوة مؤتة، وتلك مواقف بطولية لها ظروفها، ويبقى حكم الآية الأخرى كنوع من التخفيف على جماعة المسلمين دون تعطيل لحكم الأولى، وقد يكون هذا الرأي بهذا التقريب هو الراجح؛ حتى لا يكون هناك تعطيل لبعض النصوص.

الهامش: [1]: التخصيص: قصر العام عل بعض أفراده، نحو قول حضرة النبي صلى الله عليه وآله وسلم: "لا قطع إلا في ربع دينار"، خصص قوله تعالى: (وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا)، فليس في التخصيص رفع للحكم كاملاً عن جميع الأفراد، وإنما هو تخصيص له ببعضهم.

[2]: الناسخ والمنسوخ لأبي القاسم هبة الله بن سلامة (ت: 410هـ)، القاهرة، مصطفى الحلبي:ط2، 1387ه – 1967م ، ص:5، والناسخ والمنسوخ لمحمد بن حزم ( ت: 456هـ) على هامش تفسير الجلالين القاهرة، دار التراث: 1/16.

[3]: الناسخ والمنسوخ لأبي القاسم بن سلامة: 49.


_________________
أبا الزهراء قد جاوزت قدري *** بمدحك بيد أن لي انتسابا

سألت الله في أبناء ديني *** فإن تكن الوسيلة لي أجــابا


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة: Re: تاريخ القرآن ولغته ... انتظرونا في رمضان إن شاء الله.
مشاركة غير مقروءةمرسل: الأحد مايو 12, 2019 11:02 am 
غير متصل

اشترك في: الأحد إبريل 15, 2012 12:39 pm
مشاركات: 7469

جمع القرآن:

يتحدث الكثيرون عن جمع القرآن، فيبدءون ببيان ما تم من الجمع في عهد الخليفة الأول سيدنا أبي بكر الصديق رضي الله عنه، ثم ما تم في عهد الخليفة الثالث سيدنا عثمان بن عفان رضي الله عنه وأرضاه، ولا شك أن هذين الجمعين من أعظم ما وقع في تاريخ الأمة على الإطلاق، ولكن أخطر منهما ما رواه البخاري عن ابن عباس قال: " كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يُعالج من التنزيل شدة وكان مما يحرك شفتيه،.... فأنزل الله تعالى في سورة القيامة: (لَا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ (16) إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ)، قال: جمعه لك في صدرك، وتقرأه، (فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ (18))، قال: فاستمع له وأنصت، (ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ (19)).، ثم إن علينا أن تقرأه، فكان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بعد ذلك إذا أتاه جبريل استمع، فإذا انطلق جبريل قرأه النبي صلى الله عليه وآله وسلم كما قرأه[1].

وعن ابن عباس أيضاً قال: " كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلى الله عَلَيهِ وسَلمَ أَجْوَدَ النَّاسِ، وَكَانَ أَجْوَدُ مَا يَكُونُ فِي رَمَضَانَ حِينَ يَلْقَاهُ جِبْرِيلُ، وَكَانَ يَلْقَاهُ فِي كُلِّ لَيْلَةٍ مِنْ رَمَضَانَ فَيُدَارِسُهُ القُرْآنَ، فَلَرَسُولُ اللهِ صَلى الله عَلَيهِ وسَلمَ أَجْوَدُ بِالخَيْرِ مِنَ الرِّيحِ المُرْسَلَةِ"[2].

وفي رواية السيدة فاطمة وسيدنا أبي هريرة رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم:" أَنَّ جِبْرِيلَ كَانَ يُعَارِضُهُ القُرْآنَ"[3].

وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: " كَانَ يَعْرِضُ عَلَى النَّبِيِّ صَلى الله عَلَيهِ وسَلمَ القُرْآنَ كُلَّ عَامٍ مَرَّةً، فَعَرَضَ عَلَيْهِ مَرَّتَيْنِ فِي العَامِ الَّذِي قُبِضَ فِيهِ، وَكَانَ يَعْتَكِفُ فِي كُلَّ عَامٍ عَشْرًا، فَاعْتَكَفَ عِشْرِينَ فِي العَامِ الَّذِي قُبِضَ فِيهِ"[4].

ويفهم من ذلك أن جبريل كان يعارضه صلى الله عليه وآله وسلم في رمضان بما ينزل به في طول السنة وما قبلها، فلما كانت السنة الأخيرة وقد قارب القرآن على التمام عارضه مرتين؛ وبذلك تكون هاتان العرضتان بمثابة الجمع الصوتي الأول والأهم للقرآن الكريم على الإطلاق.

فإذا علمنا أن حضرته صلى الله عليه وآله وسلم كان يُسمع أصحابه ما نزل إليه ليحفظوه وكان يملي على كتبة الوحي من الصحابة ما ينزل إليه ليكتبوه، ثم يأمرهم أن يضعوه في موصعه من السور .. يكون قد تأكد لدينا أنه لم ينتقل صلى الله عليه وآله وسلم إلى الرفيق الأعلى إلا والقرآن الكريم قد جُمع في صورته النهائية جمعاً صوتياً في صدر النبي صلى الله عليه وآله وسلم وبعض أصحابه، وأنه قد كتب كاملاً، لكن المكتوب ظل مفرقاً عند كتبة الوحي رضي الله عنهم وأرضاهم ولم يجمع في مصحف واحد أو في مكان واحد معلوم لهم جميعاً.

الهامش: [1]: صحيح البخاري، كتاب بدء الوحي: 1/5.

[2]: المرجع السابق: المكان نفسه، وروي هذا الحديث كذلك عن ابن عباس في كتاب بدء الخلق: 2/97.

[3]: المرجع السابق: كتاب بدء الخلق: 2/97، وفضائل القرآن: 6/123.

[4]: المرجع السابق: كتاب فضائل القرآن: 6/124.


_________________
أبا الزهراء قد جاوزت قدري *** بمدحك بيد أن لي انتسابا

سألت الله في أبناء ديني *** فإن تكن الوسيلة لي أجــابا


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة: Re: تاريخ القرآن ولغته ... انتظرونا في رمضان إن شاء الله.
مشاركة غير مقروءةمرسل: الاثنين مايو 13, 2019 10:40 am 
غير متصل

اشترك في: الأحد إبريل 15, 2012 12:39 pm
مشاركات: 7469

أثر انتقال سيدنا رسول صلى الله عليه وآله وسلم:

إن أشد الأحداث التي مرت على المسلمين وأصعبها انتقال سيدنا رسول صلى الله عليه وآله وسلم سواء في المدينة المنورة أو جزيرة العرب أو الدنيا بأسرها.

أما في المدينة المنورة فقد أحس الناس بالفراغ الكبير بعد انتقاله صلى الله عليه وآله وسلم، وبدت في الأفق بعض بوادر الانشقاق حول من يتولى خلافة المسلمين بعد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ولكن سرعان ما انتهى الأمر على يدي رجلين عظيمين هما: سيدنا عمر بن الخطاب وسيدنا أبي عبيدة بن الجراح في سقيفة بني ساعدة باختيار سيدنا أبي بكر خليفة للمسلمين، ثم بايعه الناس.

وأما في جزيرة العرب؛ فما إن انتهى أمر الخلافة، وبدأ الصديق رضي الله عنه يضطلع بمسئولياته حتى فوجيء المسلمون بانشقاقات كبيرة في أنحاء الجزيرة العربية، فمن الناس من ارتد عن الإسلام ومنهم من منع الزكاة وزعموا أنهم كانوا يؤدونها لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم والرسول قد انتقل، واشتد خطر مدعي النبوة من أمثال مسيلمة وسجاح التميمية.

واختلف المسلمون في أمر هؤلاء بين محاربتهم أو إرجاء الأمر لحين الانتهاء من المرتدين عن الإسلام أولاً ولكن الخليفة أبا بكر رضي الله عنه أصر على قتالهم جميعاً دون تفريق بين من ارتد عن الإسلام ومن منع الزكاة، وأقسم أنهم لو منعوه عقالاً كانوا يؤدونه لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لحاربهم عليه.

ولقد كان من أصعب هذه الحروب وأشدها على المسلمين حروب الردة مع مسيلمة الكذاب في أرض اليمامة؛ ففي تلك المعارك استشهد عدد كبير من المسلمين يقرب من الألف شهيد، بينهم أربعمائة وخمسون صحابياً، فاهتم سيدنا عمر بن الخطاب لهذا الأمر، وراح إلى سيدنا أبي بكر يطلب منه أن يأمر بجمع القرآن جمعاً كتابياً خشية أن يضيع منه شيء بموت الحفظة أو استشهادهم على النحو الذي حدث.

وبعد تردد سيدنا أبي بكر ومراجعات من سيدنا عمر رضي الله عنهما شرح الله صدر سيدنا أبي بكر لذلك، فأرسل إلى سيدنا زيد ين ثابت – أحد كتبة الوحي النابهين- وكلفه بأن يجمع القرآن الكريم جمعاً كتابياً فتردد أولاً ثم شرح الله صدره لما شرح له صدر الشيخين رضي الله عنهم أجمعين.

ولم يكن اختيار زيد بن ثابت لهذه المهمة إلا لتوافر أربع صفات جاءت على لسان سيدنا أبي بكر مقتضية خصوصيته بذلك، فهو من كتبة الوحي فيكون أكثر ممارسة له، ومن الأمناء عليه فتركن إليه النفس، ولأنه شاب جلد فيكون أنشط لما طلب منه، ولأنه عاقل فيكون أوعى لما يصنع, وهو ضابط حافظ وقد حضر العرضة الأخيرة التي تمت بين رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وجبريل، وعرف ما نسخ من القرآن وما بقى، وكتبها لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وقرأها عليه وكان يقريء الناس بها ومع ذلك لم يكن متعصباً لرأي أو لما هو مكتوب عنده فقط[1].

قام سيدنا زيد رضي الله عنه بعمله خير قيام، فراح يجمع القرآن من العسب واللخاف والأقتاب والأكتاف والرقاع وقطع الأديم ويستشهد لهذا المكتوب بشاهدين على الأقل مما في صدور الرجال، وبعد تمام الجمع وضع المصحف عند أبي بكر حتى توفاه الله، فكان عند عمر ثم عند أم المؤمنين السيدة حفصة بنت عمر رضي الله عنهم أجمعين[2].

ومن الطبيعي أن سيدنا زيد بن ثابت لم يقم وحده بعملية الجمع هذه، ولكن عاونته لجنة من رجال ثقاة وحفظة عدول من أمثال الخليفة عمر وأبي بن كعب ممن كانوا من كتبة الوحي، ومن الثقاة الذين لم يجرب عليهم كذب قط.

الهامش:[1]: تنظر قصة جمع القرآن كاملة في صحيح البخاري: كتاب فضائل القرآن:6/120، وينظر فتح الباري لابن حجر : 9/ 8-12، والإتقان للسيوطي:1/50.

[2]: العسب: جمع عسيب ويقصد به الطرف العريض من جريد النخل، واللخاف: جمع لُخفة بضم اللام وهي الحجارة الرقاق، والأقتاب: جمع قتب وهو الخشبة العريضة التي توضع في إكاف البعير الذي يوضع على ظهره مثل السرج للفرس، والأكتاف: جمع كتف وهو العظم العريض في كتف الحيوان، والرقاع: جمع رقعة وهي القطعة من القماش، والأديم: الجلد المعالج أي: المدبوغ.


_________________
أبا الزهراء قد جاوزت قدري *** بمدحك بيد أن لي انتسابا

سألت الله في أبناء ديني *** فإن تكن الوسيلة لي أجــابا


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة: Re: تاريخ القرآن ولغته ... انتظرونا في رمضان إن شاء الله.
مشاركة غير مقروءةمرسل: الثلاثاء مايو 14, 2019 11:48 am 
غير متصل

اشترك في: الأحد إبريل 15, 2012 12:39 pm
مشاركات: 7469

منهج سيدنا زيد بن ثابت في جمع القرآن:

قام سيدنا زيد ومن معه من أعضاء لجنته بمهمة الجمع وفق منهج دقيق واضح فأعلن في الناس بأمر من أبي بكر أن من كتب شيئاً من القرآن على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فليأت به إلى مقر اللجنة بمسجده صلى الله عليه وآله وسلم ثم بدأت عملية الجمع على النحو التالي:

1- مراعاة أن يكون ذلك مطابقاً لما كتب على عهده صلى الله عليه وآله وسلم وليس من المحفوظ فقط مع المبالغة في الإستظهار.

2- أن يكون المكتوب مما ثبت في العرضة الأخيرة مع جبريل دون ما كان مأذوناً به في القرآن من قبل.

3- الإتيان على كل آية تكتب بشاهدين على الأقل من الشهود الثقات ممن تلقاه سماعاً من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، ما عدا آخر سورة التوبة (لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ (128) فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَهُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ (129)). لم يوجد لها شاهد إلا أبا خزيمة الأنصاري وحده فأُخذت منه لأن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كان قد جعل شهادته بشهادة رجلين[1].

ويعد هذا العمل من أعظم الأعمال التي تمت في خلافة سيدنا أبي بكر، فقد تدارك في وقت مبكر جداً كل الأصول التي كتب فيها القرآن وأفاد منها قبل أن يتفرق منها شيء أو يضيع منها أصل وقد تلقت الأمة هذا العمل بالقبول الحسن، وغبطه عليه الصحابة بعد ذلك؛ فعن سيدنا علي بن أبي طالب كرم الله وجهه قال: " أعظم الناس في المصاحف أجراً أبو بكر؛ رحمة الله على أبي بكر هو أول من جمع بين اللوحين"[2].

وفي عهد الخليفة عثمان تفاقم الخطر من جديد بسبب انتشار المسلمين في الأقطار الإسلامية من أماكن مختلفة وكلهم يقرأ القرآن بالحرف الذي تعلمه من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فأدى ذلك إلى اختلافهم في القراءة، وبلغ أمر الخلاف ذروته بأن كفر بعضهم بعضا وسب الأخ أخاه.

وفي السنة الخامسة والعشرين من الهجرة؛ أمر الخليفة عثمان أن يجتمع أهل الشام وأهل العراق على فتح أرمينية، وكان أهل الشام يقرءون بقراءة أبي بن كعب وأهل العراق يقرءون بقراءة عبد الله بن مسعود، فتنازعوا فيما بينهم وكفر بعضهم بعضا وكان حذيفة بن اليمان معهم على رأس أهل المدائن من أعمال العراق فغضب لذلك وقام فيهم خطيباً يحذر من فتنة الاختلاف وجاء مفزعاً إلى المدينة ولم يدخل بيته حتى سار إلى الخليفة - سيدنا عثمان – قائلاً له: "أنا النذير العريان وطلب منه أن يدرك الأمة قبل أن تختلف في كتابها اختلاف غيرها من الأمم"، وكان قد حدث مثل هذا في أماكن متفرقة وكله بلغ سيدنا عثمان، فجمع الصحابة واستشارهم في أن يجمع القرآن في مصحف واحد فوافقوه على ذلك[3].

أرسل سيدنا عثمان إلى السيدة حفصة رضي الله عنهما لتبعث إليه بالصحف التي جمعت في عهد سيدنا أبي بكر ودعا زيد بن ثابت واختار له ثلاثة نفر قرشيين ليساعدوه وهم: عبد الله بن الزبير، وسعيد بن العاص، وعبد الرحمن بن الحارث، وأمرهم إذا اختلفوا في شيء من القرآن مع زيد كتبوه بلسان قريش؛ لأنه نزل بلسانهم.

وفي بعض الروايات أن سيدنا عثمان جمع في هذه اللجنة اثنى عشر رجلاً من قريش والأنصار وهم بالإضافة إلى النفر الأربعة: مالك بن أبي عامر جد مالك بن أنس وكثير بن أفلح وأبي بن كعب وأنس بن مالك وعبد الله بن العباس وعبد الله بن عمر وعبد الله بن عمرو وأبان بن سعيد[4].

وقامت اللجنة بعملها فنسخت من صحف أبي بكر نسخاً – اختلف في عددها- ووزعت على الأمصار وأمر الخليفة عثمان بإحراق ما سواها وبذلك جمع الأمة على كلمة سواء وحملها على مصحف واحد لا تقديم فيه ولا تأخير ولا منسوخ فيه ولا تفسير مما عسى أن يكون قد أثبته بعضهم على أنه من التنزيل.

وقد التزمت اللجنة بمنهج واضح المعلم دقيق المأخذ يمكن إنجازه على النحو التالي:

1- الاعتماد على عمل اللجنة الأولى التي جمعت القرآن في عهد أبي بكر رضي الله عنه؛ فيكون متصلاً بما كتب على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.

2- عند الخلاف يقتصر على لغة قريش.

3- لا يكتب ما نسخت تلاوته وما لم يكن في العرضة الأخيرة وما لم يثبت أنه قرآن وما كتب على سبيل الشرح والإيضاح.

4- يلتزم في ترتيب الآيات والسور بما جاء في العرضة الأخيرة وفي ترتيب أبي بكر ويعتبر هذا الترتيب توقيفياً من الله سبحانه وتعالى.

5- تكتب الكلمات التي تشتمل على أكثر من قراءة ولها رسم واحد خالية من أي علامات محددة؛ لتكون محتملة لكل الأوجه التي تقرأ بها، نحو: فتبينوا في سورة الحجرات قرئت فتثبتوا، وننشزها في سورة البقرة قرئت ننشرها.

6- تكتب الكلمات التي لها أكثر من قراءة رسمها مختلف بزيادة أو نقصان على هيئة في بعض المصاحف وعلى هيئة أخرى في بعضها الآخر نحو: (وَقَالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَدًا) و:( وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ).، قرئتا بالواو في بداية الآيتين وبغيرها، فكتبت بالواو في بعض المصاحف وبغيرها في بعضها الآخر.

7- بعد الفراغ من الكتابة؛ يراجعه سيدنا زيد بن ثابت عدداً من المرات، ثم يراجعه الخليفة نفسه تأكيداً لسلامة النص القرآني من أي تحريف [5].

وننتهي من ذلك إلى أن كتابة القرآن الكريم تمت ثلاث مرات أساسية هي:

1- على عهد النبي صلى الله عليه وآله وسلم وكان عبارة عن كتابة الآيات وترتيبها في سورها ولكن ظل المكتوب مفرقاً عند الكتبة وكان الغرض من هذه الكتابة تدوين ألفاظ الوحي وحفظ كلماته دون الاعتماد على المكتوب في تعلم القرآن وحفظه بل ظل الاعتماد على المحفوظ بالصدور.

2- على عهد سيدنا أبي بكر رضي الله عنه وهو عبارة عن كتابة المصحف مرتباً مما كتب على عهد النبي صلى الله عليه وآله وسلم بعد العرضة الأخيرة وجمعه في مكان واحد خشية ضياع شيء منه بموت الحفظة من الصحابة دون الاعتماد أيضاَ على المكتوب في تعلم القرآن وحفظه، بل ظل الاعتماد على المحفوظ بالصور كذلك.

3- على عهد سيدنا عثمان رضي الله عنه وهو عبارة عن كتابة عدد من المصاحف مما كتب في عهد سيدنا أبي بكر وإرسالها إلى الأمصار ليجتمع عليها المسلمون.

ولا شك أن الفرق واضح بين هذه الكتبات؛ فالكتبة في عهد النبي صلى الله عليه وآله وسلم كانت لتدوين ألفاظ الوحي، والجمع في عهد أبي بكر كان خشية على القرآن من الضياع، أما جمع عثمان فكان من أجل توحيد الأمة وجمعها على مصحف واحد.

وكما تلقى المسلمون عمل سيدنا أبي بكر بالقبول الحسن والثناء الجميل تلقوا عمل سيدنا عثمان بالتقدير والاستحسان ولكن ظل بعضهم محتفظاً بمصحفه لفترة ليست بالطويلة؛ كعبد الله بن مسعود وأبي بن كعب.

الهامش:[1]: ينظر فتح الباري :9/9-12 والإتقان:1/57.

[2]:كتاب المصاحف لأبي داود السجستاني:5.

[3]:كتاب فضائل القرآن: 9/13-15.

[4]:المرجع السابق: 9/15-16.

[5]:ينظر جامع البيان للطبري:1/61 وفتح الباري:9/32- 36 والإتقان: 1/59.


_________________
أبا الزهراء قد جاوزت قدري *** بمدحك بيد أن لي انتسابا

سألت الله في أبناء ديني *** فإن تكن الوسيلة لي أجــابا


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة: Re: تاريخ القرآن ولغته ... انتظرونا في رمضان إن شاء الله.
مشاركة غير مقروءةمرسل: الأربعاء مايو 15, 2019 11:00 am 
غير متصل

اشترك في: الأحد إبريل 15, 2012 12:39 pm
مشاركات: 7469

وكما تلقى المسلمون عمل سيدنا أبي بكر بالقبول الحسن والثناء الجميل تلقوا عمل سيدنا عثمان بالتقدير والاستحسان ولكن ظل بعضهم محتفظاً بمصحفه لفترة ليست بالطويلة؛ كعبد الله بن مسعود وأبي بن كعب.

وقد اختلفت هذه المصاحف عن المصحف الإمام الذي جمع عليه سيدنا عثمان الأمة بالنقص أو بالزيادة في الكلمة أو بتغيير بنية الكلمات من غير نقص أو زيادة وقد أرجع العلماء هذا الخلاف إلى عدة أسباب أو جوانب من أهمها:

1- خلافات لهجية.
2- خلافات تقوم على الترادف والتفسير.

فابن مسعود مثلاً ينتسب إلى قبيلة هذيل ولهذه القبيلة بعض الظواهر اللهجية التي تخالف فيها القبائل الأخرى، مثل ظاهرة "الفحفحة" وهي أن تجعل الحاء عيناً، مثل قوله تعالى في سورة المؤمنون: (فَذَرْهُمْ فِي غَمْرَتِهِمْ حَتَّى حِينٍ (54))، قرأها: عتى حين، وقوله في سورة الواقعة:( وَطَلْحٍ مَنْضُودٍ (29))، قرأها: وطلع منضود.

وأيضاً ظاهرة "الاستنطاء"، وهي أن تجعل العين إذا جاورت الطاء نونا، مثل قوله تعالى في سورة الكوثر:( إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ (1))، قرئت: إنا أنطيناك الكوثر.

ومن ذلك ظاهرة " إدغام غير المتجانسين" التي تعني إدخال صوت في آخر يختلف عنه بعد إبداله من جنسه، نحو قوله تعالى في سورة النساء: (وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءًا أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللَّهَ يَجِدِ اللَّهَ غَفُورًا رَحِيمًا (110))، أدغم لام "من يعمل" في السين من "سوءا" إدغاماً كاملاً ذابت فيه اللام وظهرت السين مشددة، وفي قوله سبحانه في سورة الرعد: (قُلْ أَفَاتَّخَذْتُمْ مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ لَا يَمْلِكُونَ لِأَنْفُسِهِمْ نَفْعًا وَلَا ضَرًّا)، قرئت:أفاتختم، وقوله في سورة غافر: (وَقَالَ مُوسَى إِنِّي عُذْتُ بِرَبِّي وَرَبِّكُمْ مِنْ كُلِّ مُتَكَبِّرٍ لَا يُؤْمِنُ بِيَوْمِ الْحِسَابِ (27))، قرأها: "عت" بدلاً من "عذت" وقد يأتي بالعكس فيفك الكلمة المدغمة، مثل (يَصَّعَّدُ) في الآية الخامسة والعشرين بعد المائة من سورة الأنعام؛ قرأها: (يتصعد) و(المزمل) في الآية الأولى من سورة المزمل قرأها: (المتزمل).

ومن أمثلة الترادف والتفسير في قراءة ابن مسعود ما يلي:

1- قرأ: أرشدنا، بدلاً من اهدنا في الآية السادسة من الفاتحة.
2- وقرأ: مضوا فيه، بدلاً من مشوا فيه في الآية العشرين من سورة البقرة.
3- وقرأ: فسل لنا ربك، بدلاً من فادع لنا ربك في الآية الحادية والستين من سورة البقرة.
4- وقرأ: نقضه فريق منهم، بدلاً من نبذه في الآية المائة من سورة البقرة.
5- وقرأ: فولوا وجوهكم قبله، بدلاً من شطره في الآية الرابعة والأربعين بعد المائة من سورة البقرة.


_________________
أبا الزهراء قد جاوزت قدري *** بمدحك بيد أن لي انتسابا

سألت الله في أبناء ديني *** فإن تكن الوسيلة لي أجــابا


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة: Re: تاريخ القرآن ولغته ... انتظرونا في رمضان إن شاء الله.
مشاركة غير مقروءةمرسل: الخميس مايو 16, 2019 1:11 pm 
غير متصل

اشترك في: الأحد إبريل 15, 2012 12:39 pm
مشاركات: 7469

الأحرف السبعة:

من أشد القضايا خطورة في تاريخ القرآن الكريم قضية الأحرف السبعة، وقد جاءت فيها أحاديث كثيرة وردت عن سيدنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم منها الحديث الذي أشهد عليه سيدنا عثمان الصحابة وشهد معهم:" أنزل القرآن على سبعة أحرف كلها شاف كاف" ومنها الحديث المتفق عليه عن سيدنا عمر بن الخطاب:" إن هذا القرآن أنزل على سبعة أحرف فاقرءوا ما تيسر منه".

وقد اتفق العلماء على أنها في مجملها تمثل أوجهاً من التيسير على الأمة في تلقيها لكتاب الله تبارك وتعالى ولكنهم اختلفوا اختلافاً بيناً حول المقصود بها، ويمكن أن نتبين ذلك في حديث سيدنا عمر بن الخطاب الذي رواه البخاري حين سمع هشام بن حكيم يقرأ سورة الفرقان بحرف يختلف عما قرأ به سيدنا عمر فجاء به إلى سيدنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فسمع منهم وأقر كلا منهما على قراءته.

ومعلوم أن هشاما أسلم يوم فتح مكة فتكون هذه الواقعة بعد الفتح.. بعد انتقال هشام إلى المدينة وتلقيه بعض سور القرآن وذلك تقريباً في أول السنة التاسعة للهجرة وهي السنة التي شهدت دخول العرب في دين الله أفواجا كما سجلت ذلك سورة النصر.

والحديث بهذه الصورة يدل على أن الأحرف السبعة لم تكن معروفة آنذاك، وقد استنتج من ذلك بعض الباحثين أن مدة الأحرف السبعة وانتشارها كان خلال السنتين التاسعة والعاشرة من الهجرة، ثم لحق حضرة النبي صلى الله عليه وآله وسلم بالرفيق الأعلى، وقد انتشرت الفكرة انتشاراً كبيراً وشاعت بسبب انتشار المسلمين ودخول الناس في دين الله أفواجا، فانتشر بذلك أمر الأحرف السبعة، ومما يدل على ذلك أن سيدنا عثمان رضي الله عنه وقف يوماً على المنبر وطلب ممن سمع حديث الأحرف السبعة أن يشهدوا بذلك فقام إليه عدد كبير وشهدوا، فقال:"وأنا أشهد معهم" وفي هذا دليل على الانتشار الكبير للمسألة بالرغم من قصر المدة.

وقد حصر ابن الجزري الاختلاف في أمر الأحرف السبعة في عشرة أوجه، هي:

1- سبب إنزال القرآن على سبعة أحرف.
2- معنى الحرف عند العرب.
3- المقصود بالسبعة هنا.
4- حقيقة العدد سبعة والحكمة منه.
5- ما يقوم عليه اختلاف الأحرف السبعة.
6- المعاني التي ترجع إليها الأحرف السبعة.
7- هل هي متفرقة في القرآن أم مجتمعة.
8- هل اشتملت عليها المصاحف العثمانية أم لم تشتمل.
9- علاقة الأحرف السبعة بالقراءات التي بين أيدي الناس اليوم.
10- حقيقة اختلافها وفائدته.[1]

وفيما يلي إيجاز لأهم ما ذهبوا إليه في تلك الأوجه من الآراء:[2]

أولاً: سبب نزول القرآن على سبعة أحرف:

من المعروف والمشهور – كما نقل ابن الجزري عن ابن قتيبة- أن نزول القرآن على سبعة أحرف كان بقصد التخفيف على الأمة والتيسير عليها والتوسعة لها في قراءة القرآن الكريم وتدبر آياته وحفظه والعمل به، وأنه كان إجابة لقصد نبيها صلى الله عليه وآله وسلم وتلبية لدعوته حينما طلب من ربه أن يخفف على أمته بأن تكون قراءة القرآن على سبعة أحرف؛ ليقرأ كل فريق بما يستطيع من لغته؛ لأنهم لو أكرهوا على ترك لغتهم وما اعتادوا عليه منذ طفولتهم لاشتد ذلك عليهم، فكانت إرادة الله أن يجعل لهم متسعاً ييسر عليهم في القراءة كما يسر عليهم في أمور الدين الأخرى.

ثانياً: معنى الحرف:

يقصد بالحرف من حيث اللغة أحد أمرين؛ فحرف كل شيء طرفه وحافته والقطعة منه، أو الوجه، والحرف أحد حروف التهجي؛ كأنه قطعة من الكلمة وأما في أحاديث الأحرف السبعة؛ فيتوجه أيضاً – كما نقل ابن الجزري عن الإمام أبي عمرو الداني – إلى وجهين؛ الحرف بمعنى الوجه، أو الحرف بمعنى القراءة، فيكون قد سمى القراءة وجهاً على سبيل السعة كعادة العرب في تسميتهم الشيء ببعضه أو بسببه أو بشيء تعلق به.

ثالثاً: المقصود بالسبعة والمعاني التي ترجع إليها:

قبل بيان المقصود بالسبعة أود أن أؤكد على أمرين أجمع العلماء عليهما:

1- ليس المقصود بالسبعة أن الكلمة الواحدة تقرأ على سبعة أوجه، إذ لا يوجد ذلك إلا في كلمات قليلة جداً مثل: أف، وجبريل، وهيت.

2- وأيضاً ليس المقصود بالسبعة القراء السبعة أو القراءات السبعة المشهورة كما يظن ذلك بعض الناس؛ لأن الأحرف السبعة منذ زمن النبوة وأول من سبَّع السبعة كان أبو بكر بن مجاهد في المائة الرابعة من الهجرة عندما ألف كتابه " السبعة في القراءات" وسأتي بيان ذلك إن شاء الله عند الحديث عن القراءات.

وأما المقصود بالسبعة؛ فقد اختلف العلماء فيه على آراء، من أهمها:

1- أنها لغات لقبائل العرب الفصيحة تفرقت في القرآن فبعضه بلغة قريش وبعضه بلغة هذيل وبعضه بلغة هوازن وبعضه بلغة اليمن، وهكذا؛ على خلاف في تعيين هذه القبائل ويستدرك على هذا الرأي أن سيدنا عمر بن الخطاب وهشام بن حكيم اختلفا في قراءة سورة الفرقان، وهما قرشيان من قبيلة واحدة.

2- أنها سبعة معان تتعلق بالأحكام والتفسير؛ كالحلال والحرام والمحكم والمتشابه والأمثال والإنشاء والإخبار، وقيل: الناسخ والمنسوخ والخاص والعام والمجمل والمبين والمفسر، وقيل: الأمر والنهي والطلب والدعاء والخبر والاستخبار والزجر، وقيل: الوعد والوعيد والمطلق والمقيد والتفسير والإعراب والتأويل ويستدرك على ذلك أن الصحابة لم يختلفوا في تفسير ولا أحكام وإنما اختلفوا في الحروف.

3- وذهب ابن الجزري إلى أنه تتبع القراءات وأمعن النظر في أحاديثها لمدة طويلة.

ووقف على رأي لابن قتيبة قريب مما يراه، وكذلك رأي للإمام الرازي، فوجد أن اختلاف الأحرف السبعة يرجع إلى سبعة أوجه لا يخرج عنها، وهي:

أ- اختلاف الحركات دون تغير في المعنى والصورة نحو: عليهم، بكسر الهاء وضمها في نحو قوله تعالى:( صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ)، والقدس بإسكان الدال وضمها في نحو قوله تعالى:( وَآتَيْنَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّنَاتِ وَأَيَّدْنَاهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ)، والمعنى واحد.

ب- اختلاف الحركات مع تغير في المعنى دون الصورة نحو قوله تعالى:( فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ (37))، قرئت: برفع آدم ونصب كلمات، وقرئت على العكس من ذلك وفي الحالين يكون المرفوع فاعلاً والمنصوب مفعولاً.

ج- اختلاف الحروف مع تغير في الصورة دون المعنى نحو: السراط والصراط بالسين وبالصاد والمعنى واحد في قوله تعالى:( اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ (6))، ومثلها بسطة وبصطة في قوله سبحانه:( قَالَ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاهُ عَلَيْكُمْ وَزَادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ).

د- اختلاف الحروف مع تغير في المعنى دون الصورة نحو: تتلوا قرئت: تبلوا في نحو قوله تعالى:( وَمَا تَكُونُ فِي شَأْنٍ وَمَا تَتْلُو مِنْهُ مِنْ قُرْآنٍ)، وتبينوا قرئت: فتثبتوا في قوله تعالى:( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ (6)).

هـ- اختلاف الحروف مع تغير في المعنى والصورة، نحو: فاسعوا قرئت: فامضوا في قوله تعالى:( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ).

و- اختلاف الحروف بالزيادة، نحو: ووصى قرئت: وأوصى في قوله تعالى:( وَوَصَّى بِهَا إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ يَا بَنِيَّ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى لَكُمُ الدِّينَ فَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ (132))، ونحو: ما خلق الذكر والأنثى قرئت: والذكر والأنثى بحذف "ما خلق" في قوله تعالى:( وَمَا خَلَقَ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى (3)).

ز- اختلاف الحروف بالنقصان كما في قراءة النقص من أمثلة الوجه السابق.

وقد أرجع ابن الجزري الاختلاف في المعاني السابقة إلى معنيين رئيسين، هما:

1- ما اختلف لفظه واتفق معناه، نحو: ارشدنا واهدنا والعهن والصوف.
2- ما اختلف لفظه ومعناه نحو: قال وقل ويخدعون ويخادعون.

رابعاً: حقيقة العدد سبعة:

أما حقيقة العدد سبعة؛ فقد ذهب بعضهم إلى أن العدد مقصود لذاته؛ لأن أصول قبائل العرب سبعة أو لأن اللغات الفصحى سبع، فيكون العدد بذلك مقصوداً لذاته، وقيل ليس المراد بالسبعة حقيقة العدد؛ لأن العرب يطلقون لفظ السبع، والسبعين، والسبعمائة ولا يريدون حقيقتها وإنما المراد التيسير بما يزيد وينقص فيكون العدد غير مقصود لذاته.

خامساً: ما يقوم عليه اختلاف الأحرف السبعة:

يقوم اختلاف الأحرف السبعة على أمرين مهمين هما:

1- السلامة من التضاد والتناقض فمهما كان الاختلاف فإنه لا يتضاد ولا يتناقض ولكنه اختلاف للتنوع والتكامل.

2- بيان حكم من الأحكام ولذلك صور مختلفة منها:

أ- بيان حكم مجمع عليه بين العلماء مثل القراءة بزيادة لفظ "أم" في قوله تعالى:( وَإِنْ كَانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلَالَةً أَوِ امْرَأَةٌ وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ)، فقد قريء: وله أخ أو أخت لأم، لبيان أن الأخوة هنا هم أخوة لأم وهو أمر محل إجماع.

ب- بيان حكم راجح مثل القراءة بزيادة لفظ "مؤمنة" في قوله تعالى:( وَالَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا)، قريء: رقبة مؤمنة؛ لبيان أن كون الرقبة مؤمنة هو الأولى.

ج- الجمع بين حكمين مختلفين مثل القراءة بتخفيف لفظ "يطهرن" وتشديده في قوله تعالى: (وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ وَلَا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ)، قريء بتخفيف الطاء والهاء للدلالة على انتهاء مدة الحيض وبتشديدهما للدلالة على أن الطهر لا يكون إلا بالغسل.

د- إيضاح ما يقتضي الظاهر خلافه مثل قراءة "فامضوا" بدلاً من "فاسعوا" في قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ)، فإن السعي يقتضي السرعة وليس الأمر كذلك.

هـ- إيضاح ما يمكن أن يكون حجة لأمر، مثل قراءة "الأرحام" بالجر في قوله تعالى: (وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ)؛ فهي حجة لأهل العربية على جواز العطف على الضمير المجرور.

سادساً: تفرق الأحرف السبعة في القرآن:

يرى ابن الجزري وغيره أن الأحرف السبعة متفرقة في كل روايات القرآن الكريم وليست منحصرة في رواية واحدة وكل رواية منها تشتمل على بعض هذه الأحرف؛ لأنه يستحيل على القاريء أن ينطق مثلاً بحرف ساكن ومتحرك في آن واحد أو يرفع وينصب أو يقدم ويؤخر مما تختلف فيه القراءات.

سابعاً: اشتمال المصاحف العثمانية على الأحرف السبعة:

اختلف الناس في اشتمال المصاحف العثمانية على الأحرف السبعة فذهبت جماعة من الفقهاء والقراء والمتكلمين إلى أن المصاحف العثمانية مشتملة على جميع الأحرف السبعة كما نزلت؛ لأنه لا يجوز للأمة أن تهمل شيئاً من كتابها أو تترك شيئاً من القرآن الكريم وذهبت جماهير العلماء من السلف والخلف إلى أن المصاحف العثمانية اشتملت في مجموعها على ما ثبت في العرضة الأخيرة التي تمت بين جبريل وسيدنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في آخر سنة من العمر الشريف وهو الذي أقرته لجنة الجمع برئاسة سيدنا زيد بن ثابت في زمن الخليفة سيدنا عثمان بن عفان وتركت ما سواه.

ثامناً: علاقة الأحرف السبعة بالقراءات:

تبعاً للخلاف السابق في اشتمال المصاحف العثمانية على الأحرف السبعة؛ اختلف الناس فريقين في المصحف الإمام الذي أجمع عليه أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم والتابعون لهم بإحسان؛ فذهب فريق إلى أن هذا المصحف حرف من الأحرف السبعة التي أنزل عليها القرآن الكريم وذهب فريق آخر إلى أنه يمثل الأحرف السبعة كلها؛ لأنه لا يجوز للأمة أن تفرط في شيء من كتابها وعلى ذلك تبنى علاقة القراءات بالأحرف السبعة فمن يرى الرأي الأول يذهب إلى أن القراءات لا تمثل الأحرف السبعة ومن يرى الرأي الثاني يذهب إلى أن القراءات تمثل الأحرف السبعة كاملة.

والذي أراه أن الأقرب إلى الصواب – رأي الكاتب - أن الرأيين ليسا على صواب وأن القراءات في مجموعها لا تستوعب الأحرف السبعة كاملة كما نزلت أول مرة ولا تفرط فيها كاملة كذلك وإنما هي تستغرق ما ثبت من الأحرف السبعة في العرضة الأخيرة.

تاسعاً: اختلاف الأحرف السبعة وفائدته:

من المحال أن يكون اختلاف الأحرف السبعة اختلاف تناقض وتضاد؛ لأنه كلام الله العليم الخبير لا يناقض بعضه بعضاً، قال سبحانه: (أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا)، وقد تدبره بعضهم فوجدوه اختلاف تنوع وتغاير ولا يخرج عن ثلاثة أحوال هي:

1- اختلاف اللفظ والمعنى واحد نحو: "الصراط" بالسين والصاد، و"عليهم" بضم الهاء وكسرها، و "يؤده" بالهمز والواو، و "القدس" بإسكان الدال وضمها و "يحسب" بكسر السين وفتحها.

2- اختلاف اللفظ والمعنى جميعاً مع جواز اجتماعهما في شيء واحد نحو: "مالك" و "ملك" في الفاتحة؛ لأن المراد باللفظين هو الله فهو المالك والملك ونحو: " يكذبون" و "يُكذِّبون؛ لأن المراد بهما في الحالين المنافقين.

3- اختلاف اللفظ والمعنى جميعاً مع عدم اجتماعهما في شيء واحد كما في لفظ "فتنوا" في قوله تعالى: (لَا جَرَمَ أَنَّهُمْ فِي الْآخِرَةِ هُمُ الْخَاسِرُونَ (109) ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ هَاجَرُوا مِنْ بَعْدِ مَا فُتِنُوا ثُمَّ جَاهَدُوا وَصَبَرُوا إِنَّ رَبَّكَ مِنْ بَعْدِهَا لَغَفُورٌ رَحِيمٌ (110))، قريء بالبناء للمجهول والمعلوم ففي حال البناء للمجهول يعود الفعل على الذين هاجروا، وفي حال البناء للمعلوم يعود على الخاسرين.

وأما فائدة اختلاف الأحرف السبعة وتنوعها؛ فمنها التخفيف على الأمة كما سبق ومنها سهولة حفظه ومنها تيسير نقله ومنها بيان شرف هذه الأمة وشرف نبيها صلى الله عليه وآله وسلم وإعظام شأنهما [3].

الهامش: [1]: ينظر: النشر في القراءات العشر لابن الجزري: 1/19-33.

[2]: المرجع السابق: 1/21-54.

[3]: النشر لابن الجزري: 1/ 49-53.


_________________
أبا الزهراء قد جاوزت قدري *** بمدحك بيد أن لي انتسابا

سألت الله في أبناء ديني *** فإن تكن الوسيلة لي أجــابا


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة: Re: تاريخ القرآن ولغته ... انتظرونا في رمضان إن شاء الله.
مشاركة غير مقروءةمرسل: السبت مايو 18, 2019 3:37 pm 
غير متصل

اشترك في: الأحد إبريل 15, 2012 12:39 pm
مشاركات: 7469

القراءات القرآنية:

يقصد بها "روايات تتصل بأداء الرسول صلى الله عليه وآله وسلم للقرآن الكريم، تختلف فيها ألفاظ الوحى المنزل للإعجاز"، وهى نوع من التيسير فى القراءة، أُذن للنبى صلى الله عليه وآله وسلم أن يلقن به أصحابه، توسعة عليهم فى نطاق الأحاديث الشريفة, التى تحدثت عن إنزال القرآن على سبعة أحرف.

ومن المعلوم أن الصحابة الذين أقاموا فى مكة كانوا يتلقون تلك الروايات من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مباشرة، وكان كل منهم يقرأ، ويُقرئ كما سمع منه صلى الله عليه وآله وسلم، أما الذين دخلوا الإسلام متأخرين فكانوا يعانون من أمرين:

1- أنهم لم يجلسوا أمام النبى صلى الله عليه وآله وسلم، ولم يسمعوا منه مباشرة، ومن هنا كانوا أولى الناس بالأخذ برخصة الأحرف السبعة حتى لا يعنتهم تلقى الوحى، سواء فيما يتعلق بالأصول العامة أم بفرش السور.

2- أنهم من قبائل شتى فى أنحاء الجزيرة، وليسوا جميعا يحسنون النطق بلهجة قريش، أو باللسان العربى المبين الذى نزل به القرآن الكريم، أو كُتب به.

واستمر الصحابة من المهاجرين والأنصار ومن بعدهم التابعون يتلون القرآن ويقرئونه سماعاً كما تلقوه عن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم، أو عن الحفظة المتقنين، ولما انتشرت الفتوحات، واتسعت رقعة الدولة الإسلامية تجرد لتلاوة القرآن وتعليمه فى كل من الأمصار الإسلامية قوم اشتهروا بالحفظ والضبط,وكان السماع والمشافهة هما أساس القراءة والتلقى.

ولم يمض القرن الثانى الهجرى حتى ظهرت مدارس للإقراء، اهتمت بالأصول العامة للقراءة كالإدغام، والإظهار، والإمالة، وتحقيق الهمز وتخفيفه أو إسقاطه، ما اهتمت بفرش السور، وقد هيأ ذلك لأن يتجرد نفر من العلماء ليقابلوا بين ما شاع من القراءات فى الأمصار المختلفة، ويختاروا روايات بعينها، شُهد لأصحابها بالحفظ والعدالة والضبط.

ثم تطور الزمان، وتبلورت الجهود لتتمخض عن مجموعة من القراءات، عددها اربع عشرة قراءة مختلفة، منها الصحيح المتفق على صحته، ومنها المختلف فيه، والأرجح كونه صحيحاً، ومنها الشاذ، وبيانها على النحو التالى:

1- القراءات المتفق على صحتها، وهى سبع قراءات، جمعها ابن مجاهد فى كتاب سماه السبعة فى القراءات، ويقصد القراء السبعة, وهم: نافع المدنى، وعبد الله بن كثير المكى، وأبو عمرو بن العلاء البصرى، وعبد الله بن عامر الشامى أو الدمشقى، والكوفيون الثلاثة:عاصم، وحمزة، والكسائى.

2- القراءات المختلف فيها والراجح صحتها، وهى الثلاث المكملة للعشر، وهى قراءة أبى جعفر المدنى، ويعقوب الحضرمى، وخلف العاشر.

3- القراءات الشاذة، وهى أربع قراءات فقدت شرطاً أو أكثر من شروط الصحة أو التواتر[1]، وهى قراءة: محمد بن عبد الرحمن المكى المعروف بابن محيص، وسليمان بن مهران الأعمش، ويحيى بن المبارك اليزيدى، والإمام الحسن البصرى[2].

وقد اختار العلماء لكل قارئ من هؤلاء القراء راويين مقدمين، ولكل راو طريقين ولكل طريق وجهين، ليصبح للقرآن الكريم ثمانون وجهاً متواتراً، وعلى هذا النحو استقر النص القرآنى عبر العصور، واستمر أهل كل مصر يقرءون بما اشتهر لديهم من الروايات، والطرق، والوجوه.

وفى العصر الحديث اشتهرت روايات بعينها لسبب أو لآخر، أولها: رواية حفص عن عاصم، وبها يطبع المصحف فى جميع أنحاء العالم اليوم، وعليها أكثر القراء والحفظة، تليها رواية ورش عن نافع فى الشمال الأفريقى ورواية قالون عن نافع بليبيا ورواية الدورى عن أبى عمرو بالسودان.

الهامش: [1]: حدد علماء القراءات لصحة القراءة ثلاثة شروط هي: التواتر عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وموافقة العربية ولو من وجه وموافقة مرسوم المصاحف العثمانية ولو احتمالاً.

[2]: ينظر في القراء الأربعة عشر ورواتهم وطرقهم ووجوه الطرق: اتحاف فضلاء البشر في القراءات الأربع عشر للبناء الدمياطي: 7-9.


_________________
أبا الزهراء قد جاوزت قدري *** بمدحك بيد أن لي انتسابا

سألت الله في أبناء ديني *** فإن تكن الوسيلة لي أجــابا


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة: Re: تاريخ القرآن ولغته ... انتظرونا في رمضان إن شاء الله.
مشاركة غير مقروءةمرسل: الأحد مايو 19, 2019 2:55 pm 
غير متصل

اشترك في: الأحد إبريل 15, 2012 12:39 pm
مشاركات: 7469

نقط المصحف:

كتبت المصاحف العثمانية خالية من الشكل والنقط؛ لتكون محتملة فى مجموعها لما ثبت من الأحرف السبعة فى العرضة الأخيرة مع جبريل عليه السلام، ولعل وجود الاختلاف فيما بينها خير دليل على ذلك، ولم يرد خبر واحد صحيح أو ضعيف يدل على أن الخليفة عثمان طلب من كُتاب المصاحف أن يقتصروا على حرف واحد، ويتركوا ما سواه.
وبقيت تلك المصاحف فترة من الزمن على هذا النحو، إلى أن انتشرت الفتوحات الإسلامية، وانتشر معها الحفظة فى الأمصار الجديدة, وكثر عدد الداخلين إلى الإسلام من الأعاجم، وبدأت بعض الظواهر اللغوية التى لم تكن معروفة فى البيئة العربية تفشو على الألسنة نتيجة الاختلاط، ومن أشدها وأخطرها ظاهرة اللحن، وبدأ الخوف على القرآن الكريم من جديد أمام انتشار تلك الظاهرة.

إن أكثر المحققين على أن نقط المصاحف وضبطها مر بثلاث مراحل أساسية، وهى:

1- نقط الإعراب، أو نقط الضبط أو الشكل.
2- نقط الإعجام، أو نقط الحروف.
3- تحوير نقط الضبط إلى علامات الضبط والشكل المعروفة الآن.

أولا:نقط الضبط أو الشكل أو الإعراب:

أكثر الروايات وأثبتها على أن أبا الأسود الدؤلى هو الذى قام بهذا النوع من النقط عندما رأى انتشار اللحن على ألسنة الكثيرين، وقد كان من أبشعها وأشدها اللحن فى كتاب الله تعالى، فخيف عليه، وبدأ النابهون والمهتمون أو المسئولون يفكرون فى وسيلة لحفظ كتاب الله تعالى من شيوع تلك الظاهرة.

رُوي أن أبا الأسود سمع رجلاً يقرأ قوله تعالى (وَأَذَانٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى النَّاسِ يَوْمَ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ أَنَّ اللَّهَ بَرِيءٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ وَرَسُولُهُ) بجر اللام من رسوله، فاستعظم الأمر، واختار رجلاً كاتباً من عبد القيس، وأمره أن يأخذ المصحف وصبغاً يخالف لون حروفه، وقال له إذا رأيتنى فتحت شفتى فانقط نقطة فوق الحرف، وإذا رأيتنى ضممتها فاجعل النقطة أمام الحرف، وإذا كسرت فاجعل النقطة أسفله، فإذا أتبعت ذلك بغنه فانقط نقطتين، فبدأ بأول المصحف حتى أتى على آخره.

وهذا النوع من النقط كان بهدف ضبط الكلمات وشكلها وبيان إعرابها، وكان سبباً فى نشأة علم النحو بعد ذلك.

ثانياً: نقط الإعجام:

عالج النقط السابق جانباً من ظاهرة اللحن فيما يتعلق بالإعراب، ولكن ظل التصحيف مستمراً، بسبب تشابه معظم الحروف العربية؛ كالباء،والتاء والثاء، والدال، والذال، والراء، والزاى، وهكذا، مما كان يؤدى إلى عدم التمييز بين الحروف وإلى حدوث ألوان من التصحيف عند الكتابة، فبدأ التفكير فى تمييز الحروف، وإزالة عجمتها.

وقد اضطلع بالأمر عالمان جليلان هما: نصر بن عاصم، ويحيى بن يعمر، وقاما بنقط الحروف لإزالة عجمتها والتفريق الدقيق بينهما وعلى سبيل المثال نقطت الباء واحدة من أسفل، والتاء اثنتين، والثاء ثلاثاً، والنون نقطة من أعلى، والياء نقطتين من أسفل، وهكذا إلى آخر المصحف أيضاً.

وحتى لا يتداخل النقطان؛ كان النساخ يضعون هذا النقط بلون الحروف، بينما كان النقط السابق يوضع بلون آخر؛ رفعاً للتداخل والتشابه.

ثالثاً: تحوير نقط الضبط إلى الشكل المعروف الآن:

أدت صعوبة استعمال الألوان فى الكتابة لتمييز نقط الحروف من نقط الإعراب، إلى وقوع نوع من الخلط أحياناً، فبدأ التفكير من جديد فى وسيلة ناجعة لصون القرآن من كل أسباب اللحن، فقام الخليل بن أحمد الفراهيدى (ت:170هـ) بتحوير نقط أبى الأسود الدؤلى، فجعل الفتحة ألفا منبطحة فوق الحرف، وجعل الكسرة ألفا منبطحة كذلك تحته، وجعل الضمة واوا صغيرة فوقه، ووضع علامة للشدة، وأخرى للسكون، وعلامة للمد، وعلامة للروم، وعلامة للإشمام، وهكذا، وقوبل هذا العمل بالارتياح التام فى أوساط النساخ، والتقدير الكبير من جميع الأمة.


_________________
أبا الزهراء قد جاوزت قدري *** بمدحك بيد أن لي انتسابا

سألت الله في أبناء ديني *** فإن تكن الوسيلة لي أجــابا


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة: Re: تاريخ القرآن ولغته ... انتظرونا في رمضان إن شاء الله.
مشاركة غير مقروءةمرسل: الثلاثاء مايو 21, 2019 11:09 am 
غير متصل

اشترك في: الأحد إبريل 15, 2012 12:39 pm
مشاركات: 7469

إعجاز القرآن:

قضية كبرى لا ترتبط بزمان أو مكان، وإنما لها امتدادها التاريخى فى الماضى، والحاضر، والمستقبل، ولها بعدها الدلالى بقدر ما يتضمن القرآن الكريم من عجائب وأسرار, ومعان إلهية، نقف على بعضها فيما هو محكم من الآيات، ويتوارى عنا بعضها الآخر إلى أن يأذن الله لمن يشاء ويرضى.

وهى مسألة مستمرة متجددة، ولكل جيل إدراكه الخاص لمفهومها, وإن كان مفهومها اللغوي واضحاً، فالإعجاز كما فى كتب اللغة؛ يقصد به نسبة العجز إلى الغير, يقال أعجز الرجل أخاه، أى: أثبت عجزه عن شئ،وأعجز القرآن الناس,أى:أثبت عجزهم عن أن يأتوا بمثله.

وقد اختلف العلماء حولها إلى ثلاثة آراء، وهى:

1- القول بالصرفة، ويقصد بها أن الله صرف الناس عن الإتيان بمثل كتابه، وهو رأى جماعة منهم: واصل بن عطاء البصرى (ت:131 ه)، وتلميذه إبراهيم بن سيار النظام.

2- نفى الإعجاز القرآنى مطلقاً، وهو رأى طائفة منهم ابن الراوندى, وعيسى بن صبيح؛ اللذان عاشا فى القرن الثالث الهجرى.

3- القول بالإعجاز، وذلك هو الذى عليه جمهور المسلمين ومفكروهم, وهو الميدان الفسيح الذى تتبارى فيه الفرق والجماعات؛ لإدراك بعض أسرار القرآن الكريم،وأهم ماذكروه من وجود الإعجاز ما يلى:

أ- الإعجاز اللغوى فى نظمه، وبلاغته, وسمو معانيه.

ب- الإخبار عن الماضيين من الأمم السابقة, بما لم يكن معروفاً.

ج- الإخبار عن أمور مستقبلية, ما وقع منها بعد ذلك كان كما أخبر.

د- الإعجاز التشريعى.

هـ- الإعجاز العددى.

و- الإعجاز العلمى[1].

وقد لاحظ العلماء أن فى هذه الوجوه جميعها مرونة, تجعلها تتسع لاحتمالات كثيرة على قدر اجتهاد المجتهدين فى كل زمان ومكان, سواء كان ذلك فى الحديث عن أخبار الماضيين من الأمم منذ خلق آدم عليه السلام, وعن أخبار أنبيائهم, والمصير الذى انتهوا إليه جميعاً، أم كان عن أحداث ستقع فى المستقبل، نحو الإخبار عن انتصار الروم وغلبتهم على الفرس، قال تعالى فى سورة الروم: (الم (1) غُلِبَتِ الرُّومُ (2) فِي أَدْنَى الْأَرْضِ وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ (3) فِي بِضْعِ سِنِينَ لِلَّهِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ (4) بِنَصْرِ اللَّهِ يَنْصُرُ مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ (5) ).

ومن ذلك أيضاً دخول النبى صلى الله عليه وآله وسلم وأصحابه مكة محلقين رءوسهم ومقصرين، لا يخافون، وما سبقه من فتح قريب، قال تعالى فى سورة الفتح:( لَقَدْ صَدَقَ اللَّهُ رَسُولَهُ الرُّؤْيَا بِالْحَقِّ لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ آمِنِينَ مُحَلِّقِينَ رُءُوسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ لَا تَخَافُونَ فَعَلِمَ مَا لَمْ تَعْلَمُوا فَجَعَلَ مِنْ دُونِ ذَلِكَ فَتْحًا قَرِيبًا (27))

ومنه هزيمة المشركين العرب كما جاء فى سورة آل عمران:( قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا سَتُغْلَبُونَ وَتُحْشَرُونَ إِلَى جَهَنَّمَ وَبِئْسَ الْمِهَادُ (12))، وكما جاء في سورة القمر: (أَمْ يَقُولُونَ نَحْنُ جَمِيعٌ مُنْتَصِرٌ (44) سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ (45)).

وأما عن الإعجاز التشريعى؛ فالمنصفون من الباحثين والعلماء يؤكدون يوماً بعد يوم أن تشريعات الإسلام من الأهمية بمكان لحل مشكلات العالم الاقتصادية والاجتماعية، وقد يرى بعضهم أنه لم يساو بين الرجل والمرأة فى الميراث, ويتخذ من ذلك مطعناً على الإسلام، وتلك دعوى غير صحيحة في أساسها؛ فالإسلام لم يجعل النوع – ذكر وأنثى- سبباً يقوم عليه توزيع الميراث, ولكنه جعل مرد ذلك إلى شيئين, هما: درجة القرابة,ومدى ما يتحمله الوارث من مئونة فى الأسرة بعد المورث.
ودليل ذلك أن هناك حالات يتساوى فيها الذكر والأنثى، وأخرى تزيد فيها الأنثى على الذكر، وذلك للاعتبارين السابقين، وليس لاختلاف النوع كما يبدو فى ظاهر الأمر من بعض الحالات.

أما الحالات التى يتساوى فيها الذكر والأنثى؛ فمنها:

1- الأب والأم إن كان للميت ولد, قال تعالى:( وَلِأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِنْ كَانَ لَهُ وَلَد)

2- الأخ والأخت فى مسألة الكلالة, أى: الميت الذى ليس له فرع يرثه, أو أصل, قال تعالى:( وَإِنْ كَانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلَالَةً أَوِ امْرَأَةٌ وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ)

3- الإخوة والأخوات حال الكلالة يتساوون ذكوراً وإناثاً,قال تعالى:( فَإِنْ كَانُوا أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ فَهُمْ شُرَكَاءُ فِي الثُّلُث)

وأما الحالات التى تزيد فيها الأنثى على الذكر؛ فهى كثيرة، ومنها:

1- إذا اجتمعت البنت أو البنات مع من هم أقل منهن فى درجة القرابة من الذكور, فللبنت النصف, والباقى يوزع على المستحقين بالتساوى فيكون نصيب الذكر أقل من البنت، وكذلك البنات لهن الثلثان, والباقى للذكور.

2- وإذا اجتمعت الأخت أو الأخوات مع من أقل منهن فى درجة القرابة من الذكور، فللأخت النصف، وكذلك الأخوات لهن الثلثان, والباقى للذكور.

3- وفى حالة الزوجة مع الأقارب من غير الأصول أو الفروع؛ للزوجة الربع، ويوزع الباقى على المستحقين, فيكون نصيب الواحد منهم أقل من نصيب الزوجة إذا كانوا ثلاثة فأكثر.

وهناك الإعجاز العددى، وكذلك الإعجاز العلمى الذى ذاع وانتشر هذه الأيام، وقد يتمثل الإعجاز فى تلك التعاليم السامية الرفيعة التى تنتظم بها الحياة، وتعمر بها دنيا الناس وآخرتهم، أو فى التأثير الروحى الذى شهد به الكثيرون من الأعداء قبل الأصدقاء، وغير ذلك مما أربكهم وجعلهم يحارون، فلا يدرون ما يقولون عنه، أشعر هو، أم سحر، أم كهانة، أم أنه فوق طاقة البشر، لا يأتون بمثله ولو كان بعضهم لبعض ظهيراً.

وسوف نقف على شئ مما يتعلق بالإعجاز اللغوى باعتبار أنه الوجه الذى تحدى به العرب، فهم يعرفون من لغتهم الديوان، والقصيدة، والبيت، والقافية، فإذا بهم يجدون ما لم يسمعوه من قبل: القرآن, والسورة, والآية, والفاصلة, ثم دعاهم إلى محاكاته، أو محاكاة شئ منه، فعجزوا، وهم أرباب الفصاحة، وفرسان البلاغة.

لقد فاجأهم بما أدركوا جماله, وعجزهم عن الإتيان بمثله، مما يرجع إلى استعمال كلمات ذات دلالة خاصة، تبدأ بمعنى معروف عند جميع الناس، ثم تصبح من خلال استعمال القرآن ذات دلالات لا نهائية، لا يدرى أحد عن نهايتها شيئاً، أو يرجع إلى تركيب بديع، أو أسلوب عجيب؛ جاء مخالفاً لأساليبهم فى كلامهم؛ فقد تُفتتح السور بالحروف المقطعة، أو يوجه الخطاب بقوله: "يأيها الذين آمنوا"، أو "يا عبادى الذين أسرفوا على أنفسهم"، مما لم يكن معروفا لديهم من قبل، أو تنتهى الآيات بالفواصل الموسيقية الرائعة، أو غير ذلك مما وقف علماء البلاغة أمامه طويلاً فى كل زمان ومكان.

وعلى سبيل المثال؛ إذا تأملنا كلمة (النار) فى نحو قوله تعالى فى سورة الواقعة: (أَفَرَأَيْتُمُ النَّارَ الَّتِي تُورُونَ (71))، نجد أن الحديث عن النار المعروفة المتولدة من الزناد، أو الكبريت، والمتغذية من الحطب ونحوه، أما إذا تأملنا كلمة النار فى قوله تعالى:( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَة)، فإن الخيال مهما حلق لا يستطيع أن يبلغ عمق دلالة هذه النار التى توقد من الناس والحجارة، والتى يحشر فيها الكافرون، وهى فى طبقات أو دركات، تتلون تارة، وتكاد تتميز من الغيظ أخرى.

وإذا تأملنا أنواعها زادت دهشتنا، فهى النار، وهى الجحيم، وهى الحطمة، وهى السعير، وهى سقر، وسوف نجد أن هذه الكلمة المعروفة لنا أصبحت ذات دلالة لا نهائية وأنها صارت كلمة مبهمة شديدة الإبهام، وهكذا ألفاظ القرآن، تبدأ من وضوح ظاهر، ثم يزحف هذا الوضوح إلى خفايا المجهول، وليس لأحد غير الله سبحانه وتعالى أن يصل إلى منتهاه أو يعلم حقيقة اللفظ كاملة.

وللتركيب القرآنى أيضا عجائبه التى لا يمكن إغفالها؛ ففى نحو قوله تعالى (أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْر)؛ تركيب بسيط معروف يتكون من مبتدأ وخبر، ولكنه يتضمن من الدلالات ما لا يعلمه إلا الله؛ فالخلق أزواج؛ لا يعرف حقيقتها سواه، قال تعالى فى بيان ذلك فى سورة يس:( سُبْحَانَ الَّذِي خَلَقَ الْأَزْوَاجَ كُلَّهَا مِمَّا تُنْبِتُ الْأَرْضُ وَمِنْ أَنْفُسِهِمْ وَمِمَّا لَا يَعْلَمُونَ (36))، وكذلك الأمر، يتجاوز قدرة البشر على تصوره، وفى التركيب حرف الاستفتاح (ألا) ، وفيه تقديم وتأخير يفيد القصر، لتتداخل هذه العناصر كلها ، ويقف العقل الإنسانى أمامها عاجزاً، لا يدرك إلا بعض ما ظهر منها.

ولذلك نجد أن اجتهادات المفسرين مهما بلغت تظل قاصرة عن إدراك حقيقة ما يريده الخالق سبحانه ، وهذا ما عبر عنه القرآن بقوله (وَلَوْ أَنَّمَا فِي الْأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلَامٌ وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِنْ بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ مَا نَفِدَتْ كَلِمَاتُ اللَّه)، أى أن كلمات الله ومنها ألفاظ القرآن قد وسعت كل حقائق الكون المنظور والمستور.. عالم الغيب والشهادة ، فهى لا تنتهى، ولا تنفد ، وقد يكون ذلك هو سر الإعجاز ، الذى لا يحيط به على وجه الحقيقة إلا الله سبحانه وتعالى.

الهامش: [1]: إعجاز القرآن للبقلاني:259، والإتقان للسيوطي: 2/119.


_________________
أبا الزهراء قد جاوزت قدري *** بمدحك بيد أن لي انتسابا

سألت الله في أبناء ديني *** فإن تكن الوسيلة لي أجــابا


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة: Re: تاريخ القرآن ولغته ... انتظرونا في رمضان إن شاء الله.
مشاركة غير مقروءةمرسل: الأحد مايو 26, 2019 1:28 pm 
غير متصل

اشترك في: الأحد إبريل 15, 2012 12:39 pm
مشاركات: 7469

وقد يحسن بنا أن نقف إجمالاً على بعض جهود علماء الإعجاز القرآنى؛ لنقف على شئ من دلائل هذا الإعجاز، وبخاصة فيما يتعلق بأسلوبه الفريد، وما يحويه من خصائص ومميزات، تهتز لها المشاعر، وتتحرك بها ومعها القلوب .

لقد تبلور هذا الأسلوب – كما أشار القاضى عبد الجبار – فى فكرة الضم، التى بسط القول فيها من بعده عبد القاهر الجرجانى تحت مصطلح النظم والتعليق، ويعنى بها ضم الكلام على طريقة مخصوصة، تجعل لكل كلمة صفة تختلف باختلاف ثلاث جهات مسئولة عن بناء الجملة، وهى: المواضعة، والإعراب، والموقع، وبهذه الثلاث تأخذ الجملة بناءها الخاص، وتركيبها النهائى، بعيداً عن الخطأ المعيارى, وتوافقاً مع المقام أو مقتضى الحال الذى يكتمل به وجه البلاغة كما يرى البلاغيون .

وتعتمد هذه الفكرة على أساس التكوين النحوى للجملة، ذلك الذى يتمثل فى تعلق الكلم بعضه ببعض من خلال علاقات ارتباط معينة، سبقت الإشارة إليها، ولهذا التعليق ثلاثة أشكال أساسية، هى:

1- تعلق الاسم بالاسم، نحو: الله ربنا.
2- وتعلق الفعل بالاسم، نحو: قال رسول الله.
3- وتعلق الحرف بالاسم أو الفعل، نحو: الحمد لله.

وعلى رأس العلاقات جميعها يأتى الإسناد، وما يتبعه من أحوال، يتناولها البلاغيون من خلال مجموعة مباحث، من أهمها:

أ- التقديم والتأخير.
ب- الحذف.
ج- القصر.
د- الفصل والوصل.
هـ- الفرق الأسلوبى بين الخبر والإنشاء.
و- التلاؤم أو مقتضى الحال.

وقد أفرط البلاغيون فى تفصيل هذه الأوجه؛ فذهبوا مثلاً إلى أن للتقديم والتأخير أسبابه أو أغراضاً يخرج بسببها الكلام عن نمطه المألوف، منها:

1- تخصيص المسند بالمسند إليه ، إذا قدم المسند كما فى قوله تعالى فى سورة الصافات (لَا فِيهَا غَوْلٌ وَلَا هُمْ عَنْهَا يُنْزَفُونَ (47)).

2- التشويق إلى ذكر المسند إليه ، ومثاله قول الشاعر:
ثلاثة تشرق الدنيا بطلعتها شمس الضحى وأبو إسحاق والقمر.

3- التنبيه إلى أن المسند المقدم خبراً، وليس نعتاً، ومثاله قول الآخر :
له همم لا منتهى لكبارها وهمته الصغرى أجل من الدهر.

4- التعظيم إذا قدم المسند إليه وهو نكرة على المسند، كما فى "أجل مسمى عنده" فى قوله سبحانه: (هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ طِينٍ ثُمَّ قَضَى أَجَلًا وَأَجَلٌ مُسَمًّى عِنْدَهُ)

5- الشك فى الفعل أو إنكاره؛ إذا وقع بعد الاستفهام الإنكارى، ومثاله قولهم: أفعلت هذا ؟!، أو أتفعل هذا ؟!.

6- الشك فى الفاعل أو إنكاره؛ إذاتقدم بعد الاستفهام الإنكارى على الفعل، ومثاله قولهم: أأنت فعلت هذا ؟!.

7- الإنكار أن يقع الفعل على المفعول به، وذلك بتقديم المفعول به بعد الاستفهام الإنكارى ، ومثاله: (قُلْ أَغَيْرَ اللَّهِ أَتَّخِذُ وَلِيًّا).

8- وقوع النفى على المفعول به إذا تقدم بعد النفى دون الفعل، مثل : ما رامي ضربت ، وعندئذ لا يجوز أن يعطف عليه نحو قولهم : ولا أحدا من الناس؛ لأن تقديم المفعول على الصورة السابقة يؤذن بأن الفعل قد وقع على أحد الناس ، ولكنه ليس رامي، والصواب أن نقول : ما ضربت رامي ولا أحد من الناس، دون تقديم أو تأخير؛ ليقع النفى عليهم جميعاً.

9- وقوع النفى على المسند إليه، كما فى قوله تعالى على لسان قوم سيدنا شعيب له فى سورة هود (وَلَوْلَا رَهْطُكَ لَرَجَمْنَاكَ وَمَا أَنْتَ عَلَيْنَا بِعَزِيزٍ (91))؛ فقد أفاد التقديم وقوع النفى على المسند إليه، لا على غيره؛ ولذلك أردفه فى الآية التالية بقوله سبحانه على لسان سيدنا شعيب عليه السلام : (قَالَ يَا قَوْمِ أَرَهْطِي أَعَزُّ عَلَيْكُمْ مِنَ اللَّه)؛ جوابا لقولهم السابق.

10- التقديم بسبب الضرورة الشعرية، كما فى تقديم الجار والمجرور فى قول الشاعر:
سريع إلى ابن العم يلطم خده وليس إلى داعى الندى بسريع

11- التقديم بسبب رعاية توافق الفواصل القرآنية، كما فى قوله سبحانه فى سورة الحاقة (خُذُوهُ فَغُلُّوهُ (30) ثُمَّ الْجَحِيمَ صَلُّوهُ (31))

ويرون أن للحذف أسباباً كذلك، منها:

1- أن تكون هناك قرينة تدل على المحذوف، مثل قول الشاعر :
قال لى كيف أنت! قلت عليل سهر دائم وحزن طويل.

2- أو يكون الحذف للمدح مثلاً، مثل :
سأشكر عمرا إن تراخت منيتى أيادى لم تمنن وإن هى جلت.
فتى غير محجوب الغنى عن صديقه ولا مظهر الشكوى إذا النعل زلت.

3- أو للذم، مثل:
سريع إلى ابن العم يلطم خده وليس إلى داعى الندى بسريع.

4- أو للرثاء، مثل:
فتى لا يعد المال ربا ولا ترى به جفوه وإن نال مالاً ولا كبر.

5- أو لضرب من الاختصار، مثل:
ومن يك أمسى فى المدينة رحله فإنى وقيار بها لغريب.

6- أو للاقتصار على إثبات المعانى، مثل قولهم: فلان يحل ويعقد، ويأمر وينهى، ويضر وينفع, ومنه قوله تعالى فى سورة القصص: (وَلَمَّا وَرَدَ مَاءَ مَدْيَنَ وَجَدَ عَلَيْهِ أُمَّةً مِنَ النَّاسِ يَسْقُونَ وَوَجَدَ مِنْ دُونِهِمُ امْرَأَتَيْنِ تَذُودَانِ قَالَ مَا خَطْبُكُمَا قَالَتَا لَا نَسْقِي حَتَّى يُصْدِرَ الرِّعَاءُ وَأَبُونَا شَيْخٌ كَبِيرٌ (23))؛ فقد حذف المفعول من يسقون وتذودان ونسقي، لأن الغرض هو الفعل لا المفعول.

7- أو يكون للإيجاز، الذى يقع فى المفردات كما يقع فى الجمل، وله مواضع كثيرة منها فى المفردات:

أ- حذف حرف، مثل قول امرئ القيس:
فقلت يمين الله أبرح قاعداً ولو قطعوا رأسى لديك وأوصالى
أى: لا أبرح، ومثله فى سورة يوسف(قَالُوا تَاللَّهِ تَفْتَأُ تَذْكُرُ يُوسُفَ حَتَّى تَكُونَ حَرَضًا أَوْ تَكُونَ مِنَ الْهَالِكِينَ (85))؛ أى: لا تفتأ.

ب- حذف المضاف مثل: (وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ الَّتِي كُنَّا فِيهَا وَالْعِيرَ الَّتِي أَقْبَلْنَا فِيهَا وَإِنَّا لَصَادِقُونَ (82))، أى: أهل القرية ، وأصحاب العير .

ج- حذف الموصوف، مثل قول الشاعر:
أنا ابن جلا وطلاع الثنايا متى أضع العمامة تعرفونى
أى: ابن رجل جلا.

د- حذف الصفة لفطنة السامع كما فى قوله تعالى فى سورة الكهف: (أَمَّا السَّفِينَةُ فَكَانَتْ لِمَسَاكِينَ يَعْمَلُونَ فِي الْبَحْرِ فَأَرَدْتُ أَنْ أَعِيبَهَا وَكَانَ وَرَاءَهُمْ مَلِكٌ يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْبًا (79))؛ أى: كل سفينة صالحة.

هـ- حذف فعل الشرط، مثل قولهم: الناس مجزيون بأعمالهم، إن خيراً فخير، وإن شراً فشر؛ أى: إن فعلوا خيراً فخير، وإن فعلوا شراً فشر .

و- حذف جواب الشرط، مثل قوله تعالى فى سورة الأنعام: (وَلَوْ تَرَى إِذْ وُقِفُوا عَلَى النَّارِ فَقَالُوا يَا لَيْتَنَا نُرَدُّ وَلَا نُكَذِّبَ بِآيَاتِ رَبِّنَا وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (27))، للدلالة على أنه شئ عظيم، لا يحيط به الوصف، والتقدير: ولو ترى إذ وقفوا لرأيت أمراً عظيماً.

ومنها فى حذف الجمل :

أ- حذف جملة السبب، كما فى قوله تعالى فى سورة الأنفال: (لِيُحِقَّ الْحَقَّ وَيُبْطِلَ الْبَاطِلَ وَلَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ (8))، والتقدير: فعل ما فعل؛ ليحق الحق ويبطل الباطل.

ب- حذف جملة الجواب، كما فى قوله تعالى فى سورة البقرة: (وَإِذِ اسْتَسْقَى مُوسَى لِقَوْمِهِ فَقُلْنَا اضْرِبْ بِعَصَاكَ الْحَجَرَ فَانْفَجَرَتْ مِنْهُ اثْنَتَا عَشْرَةَ عَيْنًا قَدْ عَلِمَ كُلُّ أُنَاسٍ مَشْرَبَهُمْ كُلُوا وَاشْرَبُوا مِنْ رِزْقِ اللَّهِ وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ (60))؛ أى: فضرب فانفجرت.

ج- حذف أكثر من جملة، كما فى قوله تعالى فى سورة يوسف: (وَقَالَ الَّذِي نَجَا مِنْهُمَا وَادَّكَرَ بَعْدَ أُمَّةٍ أَنَا أُنَبِّئُكُمْ بِتَأْوِيلِهِ فَأَرْسِلُونِ (45) يُوسُفُ أَيُّهَا الصِّدِّيقُ أَفْتِنَا)، والتقدير: فأرسلون إلى يوسف لأستعبره الرؤيا، فأرسلوه إليه، فأتاه، فقال: أيها الصديق، أو نحو ذلك .

وعلى هذا النحو عالجوا المباحث الأخرى بما هو مبسوط فى كتب البلاغة، كالقصر، والفصل، والوصل، والخبر والإنشاد، والتلاؤم أو مقتضى الحال، ونحو ذلك .

والأهم عندهم هو أن نستشف العطاء الفنى لنسق التركيب من داخل سياقه لنصل إلى ما وراء الخروج عن النسق المألوف، ويقول عبد القاهر الجرجانى وهو يتحدث عن بلاغة الحذف فى عبارة مشهورة عنه: "الحذف باب دقيق المسك، لطيف المأخذ، ترك الذكر فيه أبلغ من الذكر، والصمت عن الإفادة أزيد من الإفادة, وتجدك أنطق ما تكون إذا لم تنطق، وأتم ما تكون بياناً إذا لم تبن".

ويذهب السكاكي إلى أن سابق السياق ولاحقه فى القرآن يتآزران معاً فى الأبانة عن الدلالة المقصودة، وأن البلاغة قد بلغت فيه مبلغاً يبهت الواصف، فلا يسعه إلا أن يسكت ولا ينطق ببنت شفة.

ونخلص من ذلك كله إلى أن استعمالات أدوات اللغة تقع فى القرآن على وجه مخصوص لأداء معنى المخصوص، وأن السياق قد يستدعى نسقاً خاصاً أيضاً لإيصال معنى خاص كذلك، وعلى هذا النحو يركز العلماء فى مواضع متعددة على فكرة الاستعمال الخاص لأدوات اللغة فى القرآن، وتفاعلها مع السياق لتحقيق تصور معين من الإدراك، ليظل أسلوب القرآن متفوقاً ويتحدى كل الأساليب، ويعلو على كل تقنيات البلاغيين، فيأبى أن يحشر نفسه بداخلها؛ لأن أداءه الفنى أشمل وأعم وأثرى وأعمق.

وقد يختلف البلاغيون وهم يتحسسون جوانب الإعجاز فى القرآن؛ فمثلاً فى قوله تعالى من سورة البقرة: (وَإِذَا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قَالُوا آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا إِلَى شَيَاطِينِهِمْ قَالُوا إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ (14))، يرى بعضهم أن المنافقين قد خاطبوا المؤمنين بالجملة الفعلية – آمنا – لأن الإيمان غير راسخ فى نفوسهم، بينما خاطبوا إخوانهم بالجملة الاسمية المؤكدة –إنا معكم – لأن تلك المعية ثابتة راسخة فى نفوسهم .

ويرى بعضهم تبعاً لجو الإحساس العام فى موقف الفريقين أن السبب عكس ذلك، فالمؤمنون يشكون فلى إيمان المنافقين، فناسب أن يخبر عن هذا الإيمان بالفعل الماضى؛ لأن وقوعه متأكد، وإخوانهم لا يشكون فى معيتهم، فعبر عن تلك المعية بالجملة الأسمية التى تفيد إثبات المعنى دون تأكيد، وكلا التأويلين صواب.


_________________
أبا الزهراء قد جاوزت قدري *** بمدحك بيد أن لي انتسابا

سألت الله في أبناء ديني *** فإن تكن الوسيلة لي أجــابا


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة: Re: تاريخ القرآن ولغته ... انتظرونا في رمضان إن شاء الله.
مشاركة غير مقروءةمرسل: الاثنين مايو 27, 2019 4:27 am 
غير متصل
Site Admin

اشترك في: الاثنين فبراير 16, 2004 6:05 pm
مشاركات: 23599

تسجيل حضور ومتابعة (جزئية)

_________________
عَنْ عَلِيٍّ قَالَ كُنَّا إِذَا احْمَرَّ الْبَأْسُ وَلَقِيَ الْقَوْمُ الْقَوْمَ اتَّقَيْنَا بِرَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَمَا يَكُونُ مِنَّا أَحَدٌ أَدْنَى إِلَى الْعَدُوِّ مِنْهُ


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة: Re: تاريخ القرآن ولغته ... انتظرونا في رمضان إن شاء الله.
مشاركة غير مقروءةمرسل: الأربعاء مايو 29, 2019 3:08 pm 
غير متصل

اشترك في: الأحد إبريل 15, 2012 12:39 pm
مشاركات: 7469
مولانا السيد الشريف فضيلة الدكتور محمود صبيح حفظه الله كتب:

تسجيل حضور ومتابعة (جزئية)



جبر الله بخاطركم سيدي الشريف

وزادكم شرفاً وقدراً وعزاً ووصلاً وقرباً ونوراً ورضا وأعطاكم كل ألوان الخير ما نعلم وما لا نعلم بجاه الحبيب الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم.


_________________
أبا الزهراء قد جاوزت قدري *** بمدحك بيد أن لي انتسابا

سألت الله في أبناء ديني *** فإن تكن الوسيلة لي أجــابا


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة: Re: تاريخ القرآن ولغته ... انتظرونا في رمضان إن شاء الله.
مشاركة غير مقروءةمرسل: الأربعاء مايو 29, 2019 3:22 pm 
غير متصل

اشترك في: الأحد إبريل 15, 2012 12:39 pm
مشاركات: 7469

أمية حضرة النبي صلى الله عليه وآله وسلم


معنى الأميين والنبى الأمى صلى الله عليه وآله وسلم؟!

(الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلَالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ أُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (157) قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ يُحْيِي وَيُمِيتُ فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الْأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَكَلِمَاتِهِ وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ (158)) سورة الأعراف (157-158).

الأمى له عدة معان من حيث النسبة:

نسبة للأم، للعرب والعرب أمة لا تكتب ولا تقرأ، نسبة لأم القرى مكة، نسبة لأم الكتاب، نسبة لمن لم يكن لهم كتاب، نسبة لأمة من الأمم، والعرب تسمى كل ما يجرى مجرى الأصل للشئ أماً له ومنه أم الرأس للدماغ، فتقول ضربه على أم رأسه .

والأمى من عَلِمَ علوم الأسرار دون إعمال فكر، ولا نظر, ولا اجتهاد, وعلومه ليست من باب وفور ورجحان عقل أو صقل تجارب، علوم الأمى ليست عن مقارنة أدلة والترجيح بينها وإقرار الصحيح منها .

الأمى من يأخذ من ربه، من الأصل الروحانى، وكان عند العوام أيام الجدود حكمة بالعامية تقول: (مالم مربى ...من عند ربى).
هذه بعض معانى الأمى.

فما معنى النبي الأمي ونبي الأميين؟!

أما نسبة النبى الأمى فقالوا نسبة لمكة التى هى أم القرى، ونسبة للعرب الذين لم يكن لهم كتاب، وكانت علومهم فطرية، وقال السادة: النبى الأمى يعنى أنه أم الموجودات وأم الأرواح، فكما كان آدم أبا الأجسام فالنبى صلى الله عليه وآله وسلم أبو الأرواح.

قال العلامة إسماعيل حقى فى تفسيره: (ومعنى الأمى أنه أم الموجودات وأصل المكونات كما قال:" (أول ما خلق الله روحى )، وقال حكاية عن الله: (لولاك لما خلقت الكون )، فلما كان هو أول الموجودات وأصلها سمى أمياً، كما سميت مكة أم القرى لأنها كانت مبدأ القرى وأصلها، وكما سمى أم الكتاب لأنه مبدأ الكتب وأصلها)[1] .

أمية الرسول صلى الله عليه وآله وسلم:

هذه المواضيع من السهولة أن تجر الإنسان إلى مشاكل تجعل سيدنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قد يعرض عنه، مثل الكلام الباطل الذى حكاه بعض المتمسلفة وإمامهم ابن تيمية فى تفسير قول الله عز وجل: (وَوَجَدَكَ ضَالًّا فَهَدَى (7)) (الضحى 7)، ومثل قولهم أيضاً - والعياذ بالله – فى قوله تعالى: (وَإِنْ كُنْتَ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الْغَافِلِين) (يوسف3)، فقال أحدهم : بل كان من الغافلين. نعوذ بالله من الشطط والزيغ وتلاعب الشيطان بالإنسان فى اليقظة والمنام وفى خطراته وسكونه وكلامه وسائر تصرفاته، هؤلاء القوم ما عندهم توقير لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فى تناولهم للأمور ، غاية مأربهم إثبات بشرية للنبى صلى الله عليه وآله وسلم يجوز وقوعها فى الخطأ، من كان حاله هكذا لم يتذوق من الجمال قطرة (وَلَكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآيَاتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ) (الأنعام 23).

كلمة الأمى لها إشكالية فى الفهم عند بعض الناس .
فمن خطة الشيطان وخطة الدجال كما فعل ابن صياد تشويه معنى الكلمة، كخطوة أولى، على أن تكون الخطوة الثانية الدفاع عن الكلمة المشوهة بكلام أشد تشويهاً، ثم يزيد النقاش والجدال الذى يقسي القلب؛ ومن ثم يكون الكلام على سيدنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وكأنه مباح لأفراد الناس عوامهم أو خاصتهم، ومادة ثرية لقيل وقال، وهذا تعدى على مقام النبوة من الأساس.

"النبى الأمى" هى صفة مدح للنبى صلى الله عليه وآله وسلم؛ لأنه لم يتعلم بالطريقة التقليدية من معلم يعلم الخط والكتابة والقراءة، قال الله تعالى: (وَمَا كُنْتَ تَتْلُو مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتَابٍ وَلَا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذًا لَارْتَابَ الْمُبْطِلُون) (العنكبوت 48).

والقراءة ليس معناها محصوراً فى القراءة من ورقة، فمن الممكن أن يقرأ القرآن من حفظه، واسمها قراءة، أما من صرف قوله:( ما أنا بقارئ)[2] لما غطه جبريل فى الغار بكونه صلى الله عليه وآله وسلم أمياً لا يقرأ من كتاب!
فنقول له: أو كان جبريل عليه السلام ممسكاً بورقه!!
سبحان الله العلى العظيم !!
سيدنا محمد صلى الله عليه وآله وسلم يقول ما أنا بقارئ من وراء أى أحد.
ما أنا بقارئ من وراء أي روحانية مهما بلغت.
لن أقرأ إلا ما كان من الله.
فلما قال:( اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ) وجاءه بأول شئ معروف وهو الخلق، حيث كان صلى الله عليه وآله وسلم أول المخلوقين، قرأ صلى الله عليه وآله وسلم بقراءة جبريل، وفى ذلك أسرار باسم الله وأسرار اسم ربك[3] ووجود الألف ورفع الألف ونيابة الباء.

العرب أمة أمية كانت لا تكتب ولا تحسب، ومع ذلك كان الذكاء عندهم مفرطاً، سواء فى معاملات البيع والشراء أو المعاملات العامة.

ليس المقصود بالأمية عدم المعرفة ولكن يقصد بالأمية طريقة المعرفة.
فالعرب كانت تعرف النجوم ومنازلها ويمشون بالنجم (وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ) (النحل 16)، لكنهم لم يبنوا بنياناً على أساس قوانين رياضية ترصد حركة الشمس كما فى معبد أبى سمبل حيث تدخل الشمس كل يوم من نافذة فإذا دارت السنة أشرقت على وجه فرعون.

لم يكن العرب يفعلون ذلك وإن كان عندهم المقومات والعلم الفطرى، فقد ادخرهم الله وأبقاهم على الفطرة حتى لا تتصارع العلوم الموجودة فى زمنهم على فطرتهم، فالعلوم منها نظريات ومنها حقائق ومنها أوهام، ولا يوجد علم فى العالم مثل علم الطفل مع أمه.

فالأمى هو المرتبط بأمه وهو أحد معانى الأمة الأمية، أى على الفطرة التامة، ويكون الإنسان على الفطرة ولكن كثيراً منهم لوثوا فطرتهم بعبادة الأصنام، أصبحت مشكلة العرب هى كسر الأصنام داخلهم وخارجهم فيعودون كما كانوا على الفطرة التامة فتكون أسرع استجابة للحق حين يعرض الحق عليهم.

لو عرض الحق على أهل العلوم لقالوا نضع هذه الرسالة الجديدة المسماة بالإسلام فى ميزان علومنا ونقيمها ثم نرد عليها.
طالما فعلوا ذلك – على الأقل – لن يكون لهم السبق، أما العرب فسيكون لهم السبق بالإيمان بهذا النبى الأمى، الذى أدبه ربه فأحسن تأديبه.
ماذا فعل أهل العلوم؟
فهؤلاء اليهود والرومان واليونانيون ماذا فعلوا بعلومهم؟
وأصحاب حضارة عاد وثمود ماذا فعلوا بعلومهم؟
وماذا فعل الفراعنة بعلومهم؟
انقلب العلم عليهم وغيروه وبدلوه حتى أصبح أداة للقتل والتدمير واختفاء روح السلام فى الخلق، وكان ولا بد من أن تكون أمة أمية بمعنى "على الفطرة التامة" التى لا تستخدم علوماً وضعية لتقييم خالق العلوم.

النبى صلى الله عليه وآله وسلم لم يعلمه بشر
النبى صلى الله عليه وآله وسلم كان يتيماً
النبى صلى الله عليه وآله وسلم لم يكن له أحد إلا الله
قال تعالى: (فَقَدْ لَبِثْتُ فِيكُمْ عُمُرًا مِنْ قَبْلِه) (يونس 16).
ما خط ولا تعلم من كتاب، ولا خط في كتاب، ولكن علمه الله عز وجل ما لم يتعلمه أحد من خلقه فى كل العلوم، لا يعجزه شئ أن يكتب، ولا يمنعه شئ أن يكتب، ولا يمنعه شئ أن يقرأ، فهى صفة كمال لا صفة نقص.

يريد المستشرقون القول ببهتان يظنونه من المنطق فيقولون أمامكم شئ من اثنين:
إما أن نبيكم لا يقرأ ولا يكتب، فيكون الذى يقرأ ويكتب سواء كان طفلاً أو رجلاً أو امرأة عنده صفة ليست فى نبيكم.
وإما أن يكون قد قرأ وكتب، فيكون هذا مخالفاً لما عندكم من القرآن، ولو ثبت أنه كان يقرأ ويكتب فمعنى هذا أنه أتى بهذا القرآن من جلوسه مع ورقه بن نوفل أو بحيرا الراهب !!

خطط وراء خطط، وغيظ من بعد غيظ، وحقد على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، يجرون المسلمين لترهات وفى الأمة سماعون لهم، ممن يريدون انتشار الإلحاد، أو التمهيد له على خطوات طويلة جداً، فمبتغاهم الطعن في رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم والتشكيك في أحاديثه، ثم التشكيك فى ذاته الشريفة، ثم التشكيك فى القرآن.

ونقول: إن المعرفة شئ، والكتابة والقراءة شئ آخر.
القراءة والكتابة أحد أساليب المعرفة، المعرفة أعلى من العلم ، والعلم لا يكون فقط بالقراءة والكتابة ، وقد قال عز وجل عن سيدنا سليمان وسيدنا داود: (فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ وَكُلًّا آتَيْنَا حُكْمًا وَعِلْمًا) (الأنبياء 79).

كما قلنا إن عدم القراءة والكتابة كان لقطع ألسنة المشككين الذين سيقولون إن النبى صلى الله عليه وآله وسلم علمه بشر: (لِسَانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَهَذَا لِسَانٌ عَرَبِيٌّ مُبِينٌ (النحل:103) (وَقَالُوا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ اكْتَتَبَهَا فَهِيَ تُمْلَى عَلَيْهِ بُكْرَةً وَأَصِيلًا )) (الفرقان 5).
ومع ذلك فدائما ما يجهزون افتراءات على خير خلق الله صلى الله عليه وآله وسلم.

أمية النبى صلى الله عليه وآله وسلم عندنا:

1- أن النبى صلى الله عليه وآله وسلم أصل المخلوقات والخلية الأم، أم الموجودات.
2- أن النبى صلى الله عليه وآله وسلم ما علمه إلا ربه، وما استقى معرفة ولا علماً إلا منه، ولم يُظهر إلا ما يريد الله إظهاره.
3- أن النبى صلى الله عليه وآله وسلم يرى الأمور على ما هى عليه، فلو رأى حرف الألف مثلاً فإنه يرى من أى الأمم هو، ومما خلق، وَلِمَ خلق، وكيفية النطق به، وكيف يرسم، وأحوال وجوده، ويراه على ما هو عليه، وإذا نظر إلى قطعة من حديد قالت له: يا رسول الله أنا حديدة من نوع الزهر أو الفولاذ أو المطاوع أو كذا خلقت لكذا، وسرى كذا وكذا، كما جاء فى مكالمة ذراع الشاة النبى صلى الله عليه وآله وسلم، وإخباره أنها مسمومة، ورسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من الأساس لا يحتاج لهذه الحديدة أو للشاة أن تحدثه بأمرها، ولكن لا بد من ظهور ما يجب إظهاره مما سنوضحه بعد قليل، ولا بد لأصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أن يتعلموا، ولا بد أن تنقل إلينا عظمة النبى صلى الله عليه وآله وسلم.

النبى صلى الله عليه وآله وسلم هو النبى الأمى ما علمه غير ربه (وَمَا هُوَ عَلَى الْغَيْبِ بِضَنِينٍ) (التكوير 24).
وهو بقدرة الله قادر على ما يشاء الله أن يقدره عليه، والله عز وجل على ما يشاء قدير، فلنكن معظمين لهذا النبى العظيم صلى الله عليه وآله وسلم، ولنكن فى حيطة وحذر مما يقسي القلب ،ولنكن فى حيطة وحذر من كل ما يخالف قول الله تعالى : (إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا (8) لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ وَتُسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا (9)) (الفتح 8-9).

الهامش: [1]: روح البيان (3/255).

[2]: رواه البخاري(1/3 : 4) ومسلم(1/139).

[3]: يقول فضيلة الأستاذ الدكتور محمود السيد صبيح حفظه الله: نستفيض في شرح ذلك نوعاً بمشيئه الله في كتابنا: سيرة النبي صلى الله عليه وآله وسلم في الزمان والمكان.


_________________
أبا الزهراء قد جاوزت قدري *** بمدحك بيد أن لي انتسابا

سألت الله في أبناء ديني *** فإن تكن الوسيلة لي أجــابا


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
عرض مشاركات سابقة منذ:  مرتبة بواسطة  
إرسال موضوع جديد الرد على الموضوع  [ 34 مشاركة ]  الانتقال إلى صفحة السابق  1, 2, 3  التالي

جميع الأوقات تستخدم GMT + ساعتين


الموجودون الآن

المستخدمون المتصفحون لهذا المنتدى: طلحه و 28 زائر/زوار


لا تستطيع كتابة مواضيع جديدة في هذا المنتدى
لا تستطيع كتابة ردود في هذا المنتدى
لا تستطيع تعديل مشاركاتك في هذا المنتدى
لا تستطيع حذف مشاركاتك في هذا المنتدى
لا تستطيع إرفاق ملف في هذا المنتدى

البحث عن:
الانتقال الى:  
© 2011 www.msobieh.com

جميع المواضيع والآراء والتعليقات والردود والصور المنشورة في المنتديات تعبر عن رأي أصحابها فقط