قال بعض العلماء رضي الله عنه : من قرأ مولد النبي صلى الله عليه وسلم في منزل حفت الملائكة ذلك المنزل سنة كاملة إلى ذلك اليوم الذي قريء فيه مولد النبي صلى الله عليه وسلم ، وروي عن أبي الحسن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أنه قال : إن الدعاء لا يصعد إلى السماء ولا ينزل إلى الأرض حتى تصلي على نبيك محمد صلى الله عليه وسلم ، قالت آمنة : لما حملت بحبيبي محمد صلى الله عليه وسلم في أول شهر من حملي وهو شهر رجب الأصم بينما أنا ذات ليلة في لذة المنام ، إذ دخل علي رجل مليح الوجه طيب الرائحة وأنواره لائحة ، وهو يقول : مرحباً بك يا محمد ، قلت له : من أنت ؟ قال : أنا آدم أبو البشر ، قلت له : ما تريد ؟ قال : أبشري يا آمنة فقد حملت بسيد البشر وفخر ربيعة ومضر ، ولما كان الشهر الثاني دخل علي رجل وهو يقول : السلام عليك يا رسول الله ، قلت له : من أنت ؟ قال : أنا شيث ، قلت له : ما تريد ؟ قال : أبشري يا آمنة فقد حملت بصاحب التأويل والحديث ، ولما كان الشهر الثالث دخل علي رجل وهو يقول : السلام عليك يا نبي الله ، قلت له : من أنت ؟ قال : أنا إدريس ، قلت : ما تريد ؟ قال : أبشري يا آمنة فقد حملت بالنبي الرئيس ، ولما كان الشهر الرابع دخل علي رجل وهو يقول : السلام عليك يا حبيب الله ، قلت له : من أنت ؟ قال : أنا نوح ، قلت له : ما تريد ؟ قال : أبشري يا آمنة فقد حملت بصاحب النصر والفتوح ، ولما كان الشهر الخامس دخل علي رجل وهو يقول : السلام عليك يا صفوة الله ، قلت له : من أنت ؟ قال : أنا هود ، قلت : ما تريد ؟ قال : أبشري يا آمنة فقد حملت بصاحب الشفاعة العظمى في اليوم الموعود ، ولما كان الشهر السادس دخل علي رجل وهو يقول : السلام عليك يا رحمة الله ، قلت له : من أنت ؟ قال : أنا إبراهيم الخليل ، قلت له : ما تريد ؟ قال : أبشري يا آمنة فقد حملت بالنبي الجليل ، ولما كان الشهر السابع دخل علي رجل وهو يقول : السلام عليك يا من اختاره الله ، قلت له : من أنت ؟ قال : أنا إسماعيل الذبيح ، قلت له : ما تريد ؟ قال : أبشري يا آمنة فقد حملت بالنبي الرجيح المليح ، ولما كان الشهر الثامن دخل علي رجل وهو يقول : السلام عليك يا خيرة الله ، فقلت له : من أنت ؟ قال : أنا موسى بن عمران ، قلت له : ما تريد ؟ قال : أبشري يا آمنة فقد حملت بمن ينزل عليه القرآن ، ولما كان الشهر التاسع دخل علي رجل وهو يقول : السلام عليك يا خاتم رسل الله دنى القرب منك يا رسول الله ، قلت له : من أنت ؟ قال : أنا عيسى بن مريم ، قلت له : ما تريد ؟ قال : أبشري يا آمنة فقد حملت بالنبي المكرم والرسول المعظم ، صلى الله عليه وسلم ، وزال عنك البؤس والعنا والسقم والألم .
يا آمنة بشراك سبحان من أعطاك
بحملك بمحمداً رب السما هناك
بالمصطفى سعدك غلب لما حملت في رجب
ولم ترين منه تعب هذا نبي زاكي
شعبان شهر الثاني به النبي العدناني
الثالث رمضان وربك أعطاك
شوال جاكي مسعداً بحملكي محمدا
وما ترين منه ردا ضاءت لك دنياكي
ذو القعدة أتاكي بالوفا وشرفك بالمصطفى
وربك عنك عفا وخصك وحماكي
ذو الحجة سادس شهرك لما حملت بالزكي
يا آمنة يا بختكي وربك علاكي
جاء المحرم بالهنا والقرب منه قد دنا
وما ترين منه عنا هذا نبي زاكي
وفي صفر يأتي الخبر بذي النبي المفتخر
من أجله انشق القمر نور به يكفاكي
وفي ربيع الأول ولد النبي المرسل
يا آمنة تحملي لتحمدي مولاكي
في ليلة الإثنين ولد النبي الزين
أحمد كحيل العين من أصل نسل زاكي
ولد النبي مختوناً مكحلاً مدهوناً
وحاجب مقروناً وحسنه وافاكي
هذا نبي الأمة قد جاءنا بالرحمة
نسكن بفضله الجنة رغماً على أعداكي
يا رب يا غفار اغفر لذي الحضار
بالسادة الأبرار والهاشمي الزاكي
وقيل إن آمنة لما وضعت محمداً صلى الله عليه وسلم لم يبق حبر من أحبار اليهود إلا وعلم بمولده صلى الله عليه وسلم وذلك أنه كان عندهم جبة صوف مصبوغة بدم يحيى بن زكريا عليه السلام وكانوا يجدون عندهم مكتوباً في الكتب أنه إذا قطرت تلك الجبة دماً فإنه يكون قد ولد لعبد الله بن عبد المطلب المولود وأن يكون ذلك المولود سبباً لتعطيل أديانهم فلما قطرت الجبة دماً علموا بمولده صلى الله عليه وسلم فأجمعوا أمرهم على كيده وأرسلوا إلى البلدان ليعلم بعضهم بعضاً ولم يعلموا أن الله قد جعل كيدهم في تضليل ، وجعل دين الإسلام قائماً بهياً ودين أهل الكفر منكوساً ردياً ، قال الراوي : فلما هبت نسمات القبول والإيمان فأول من نشقه سلمان فهجر الأوطان وجاء من فارس لرؤية سيد الأكوان وأقر بالوحدانية للملك الرحمن ، فأدرك من الله ما تمنى وما خاب سعيه ولا تعنى لقوله صلى الله عليه وسلم سلمان منا ، ولما هب النسيم بأرض الروم نشقه المزكوم ورحم به المرحوم ، فأول من نشقه بلا شك ولا ريب سيد أهل الروم صهيب ، فجاء منقاد الزمام إلى الإسلام وفاز برؤية خير الأنام ونال بصحبته كل القصد والمرام ، ولما هب النسيم بأرض اليمن فأول من نشقه أويس القرني في السر والعلن فبذل نفسه للمصطفى وآمن به على بعد الوطن وأثنى عليه النبي المؤتمن بقوله صلى الله عليه وسلم : إني لأجد نفس الرحمن من قبل اليمن ، وما كفاه هذا الوصف الأزهر حتى خرج له المنشور ببلوغ الوطر بقول المصطفى وسيد البشر لثاني الخلفاء سيدنا عمر : إذا رأيت أويس القرني فسلم عليه يا عمر واطلب منه أن يستغفر لك فإنه يشفع في مثل ربيعة ومضر ، ولما هب النسيم على بلاد الحبشة فأول من نشقه بلال بن حمامة الحبشي فجذبته عناية التوفيق بالتصديق إلى الإيمان فأعلن بالآذان وصار شاويشاً لدين الإسلام ونشر للمصطفى الرايات والأعلام فخصه النبي التهامي السامي بأن قال له : يا بلال أنت تنشر للدين أعلامي وترفع بها قدري ومقامي فلأجل ذلك ما دخلت الجنة إلا وسمعت خشخشة نعليك قدامي ، ولما هب النسيم الغامر نشقه من أرض اليمن عامر فاهتدى إلى الإسلام بعد عبادة الأصنام وفاز بتقبيل أقدام سيد الأنام ومات على محبته موت الكرام وقصته تحير العقول والأفهام وذلك أنه لما كان لعامر صنماً من الأصنام وكان له بنت مبتلية بالقولنج والجذام وكانت مقعدة فلا تستطيع النهوض والقيام ، وكان عامر ينصب الصنم ويضع ابنته أمامه ويقول : هذه ابنتي سقيمة فداوها وإن كان عندك شفاء فاشفها من بلائها وعافها وأقام على ذلك سنين كثيرة وهو يطلب من الصنم حاجته فلم يقضها له فلما هبت نسمات العنايات بالتوفيق والهدايات قال عامر لزوجته : إلى متى نعبد هذا الحجر الأصم الأبكم الذي لا ينطق ولا يتكلم وما أظن أننا على دين أقوم ؟ قالت له زوجته : اسلك بنا سبيلاً عسى أن نرى إلى الحق دليلاً فلابد لهذه المشارق والمغارب من إله واحد خالق ، قال : فبينما هما على سطح دارهما إذ شاهدا نوراً قد طبق الآفاق وملأ الوجود بالضياء والإشراق ، ثم كشف الله عن أبصارهما من بعد ظلمتهما لينتبها من نوم غفلتهما فرأيا الملائكة قد اصطفت وبالبيت قد حفت ورأيا الجبال ساجدة والأرض هامدة والأشجار قد تمايلت والأفراح قد تكاملت وسمعا منادياً ينادي : قد ولد النبي الهادي ، ثم نظرا إلى الصنم بالنظر فرأياه منكوساً وقد علته الذلة ووافت عليه العكوسا ، قال عامر لزوجته : ما الخبر؟ قالت : انظر إلى الصنم بالنظر ، فسمعاه يقول : ألا وإن النبأ العظيم قد ظهر وولد من شرف الكون وافتخر وهو النبي المنتظر الذي يخاطبه الشجر والحجر وينشق له القمر وهو سيد ربيعة ومضر ، فقال لزوجته : أتسمعين ما يقول هذا الحجر ؟ فقالت : اسأله ما اسم هذا المولود الذي نور الله به الوجود وشرف به الآباء والجدود ؟ فقال : أيها الهاتف المورود المتكلم على لسان هذا الحجر الجلمود الذي نطق في هذا اليوم الموعود ما اسم هذا المولود ؟ فقال : اسمه محمد المصطفى ابن زمزم والصفا أرضه تهامة بين كتفيه علامة إذا مشى تظلله غمامة صلى الله عليه وسلم إلى يوم القيامة ، ثم قال عامر لزوجته : اخرجي بنا في طلبه لنهتدي إلى الحق بسببه ، وكانت ابنته السقيمة في أسفل الدار مطروحة مقيمة ، فلم يشعرا بها إلا وهي على السطح قائمة ، فقال لها أبوها : يا ابنتي أين ألمك الذي كنت تجديه وأين سهرك الذي كنت تواصليه ؟ فقالت : يا أبت بينما أنا نائمة في طيب أحلامي إذ رأيت نوراً أمامي وشخصاً قد أتاني فقلت ما هذا النور الذي أراه والشخص الذي أشرق علي نور سناه ؟ فقيل لها : هذا نور ولد عدنان الذي تعطرت به الأكوان ، فقلت : أخبرني عن اسمه الممجد ، فقال : اسمه أحمد ومحمد يرحم العاني ويعفو عن الجاني ، فقلت : وما دينه ؟ فقال : حنيفي رباني ، فقلت : ما اسم نسبه ؟ فقال : قريشي عدناني ، فقلت : لمن يعبد ؟ قال : للمهيمن الصمداني ، فقلت : ومن أنت ؟ فقال : أنا ملك من الملائكة الذين شرفوا بجماله النوراني ، فقلت : أما تنظر إلى ما أنا فيه من الألم وأنت تراني ؟ فقال : توسلي به فقد قال ربه القديم الداني قد أودعت فيه سري وبرهاني لأفرجن به عمن دعاني ولأشفعنه يوم القيامة فيمن عصاني ، فمددت يدي وبناتي ودعوت الله من خالص جناني ثم مررت بيدي على وجهي وأبداني فاستيقظت وأنا صحيحة قوية كما تراني ، قال عامر لزوجته : إن لهذا المولود سراً وبرهاناً ولقد رأينا من آياته عجباً فلأقطعن في محبته أودية وربا فساروا مجدين ولمكة قاصدين ، إلى أن وصلوا إليها وقدموا عليها فسألوا عن دار أمه آمنة وطرقوا عليها الباب فبادرت بالجواب ، فقالوا لها : أرينا جمال هذا المولود الذي نور الله به الوجود وشرف به الآباء والجدود ، فقالت : لن أخرجه لكم فإني أخاف عليه من اليهود ، فقالوا : نحن قد فارقنا في حبه أوطاننا وتركنا ديننا وأدياننا لنرى جمال هذا الحبيب الذي من قصده لا يخيب ، فقالت : إن كان ولابد لكم من رؤياه فأمهلوا واصبروا علي ساعة ولا تعجلوا ، ثم إنها غابت ساعة وقالت لهم : ادخلوا فدخلوا في البيت الذي فيه النبي المكرم والرسول المعظم صلى الله عليه وسلم ، فلما رأوا أنوار الحبيب ذهلوا وهللوا وكبروا ثم كشفوا عن وجهه الغطاء فاشرق نور ضيائه إلى السماء وطلع عمود من نور وجهه إلى السماء فصاحوا وشهقوا وكادوا أن يزهقوا ثم قبلوا أقدامه وانكبوا عليه وأسلموا على يديه صلى الله عليه وسلم ما ترضى مرض على صاحبيه وختنيه ، ثم قالت لهم آمنة : أسرعوا الخروج فإن جده عبد المطلب قلدني الأمانة أن أخفيه عن أعين الناس واكتم شأنه ، فخرجوا من عند الحبيب وفي قلوبهم نار ولهيب ، ثم وضع عامر يده على قلبه وقد غاب عن عقله ولبه ثم صاح وقال : ردوني إلى بيت آمنة واسألوها أن تريني جماله ثانياً ، فرجعوا إلى بيت آمنة فدخلوا فلما رآه بادر إليه وانكب على قدميه ثم شهق عامر شهقة ومات من وقته فعجل الله بروحه إلى الجنة ، فو الله هذه أحوال المحبين والعاشقين وهذه والله صفات الصادقين فيا أيها اللبيب اسمع صفات هذا الحبيب الذي ملأ الكون عزاً وجمالاً وأضحى نوره في الآفاق يتلألأ .
صلوا عليه وسلموا تسليما
حتى تنالوا جنة ونعيما
يا راحة الأرواح طابت بكم أفراحي
أنواركم لو لاحت تغني عن المصباح
الهاشمي التهامي مبعوث للأنام
صلي عليه مدامي تلق منه الفلاح
السيد المختار خلاصة الأخيار
بالليل والنهار صل عليه يا صاح
من بعده الشفيق أبي بكر الصديق
من فاز بالتصديق لصاحب الإنجاحي
الثاني الفاروق مجري الحقوق
قد طهر الطروق بعد السلاح
ثالثهم ذو النورين عثمان قرة العين
صهر التهامي الزين من فاق على المصباح
والرابع الولي يكنى بالرضي
سيدنا علي لباب خيبر داحي
أشباله السبطين الحسن والحسين
والزهرة عين العين كريمة النصاح
والطلحة والزبير من وصفا بالخير
فبهم يزول الضير وتكثر الأفراح
والسعد والسعيد وابن عوف المجيد
لا سيما الرشيد عبيدة الجراح
يا رب بالآيات بسيد السادات
أدخلنا في الجنات يا من هو المناح
يا رب بالقرآن بسيد الأكوان
أدخلنا في الجنان يا من هو الفتاح