وفى ذكر ما جرى بخوارزم ،يروى ابن الأثير : وأما الطائفة التى سيرها جنكيز خان إلى خوارزم ،فإنها كانت أكثر السرايا جميعها ،لعظم البلد ،فساروا حتى وصلوا إلى خوارزم وفيها عسكر كبير وأهل البلد معروفون بالشجاعة والكثرة ،فقاتلوهم أشد قتال سمع به الناس ،ودام الحصر لهم خمسة أشهر ،فقتل من الفريقين خلق كثير إلا أن القتل من التتر كانوا أكثر ،لأن المسلمين كان يحميهم السور. فأرسل التتر إلى ملكهم جنكيز خان يطلبون المدد ،فأمدهم بخلق كثير ،فلما وصلوا إلى البلد زحفوا زحفا متتابعا ،فملكوا طرفا منه ،فاجتمع أهل البلد وقاتلوهم فى طرق الموضع الذى ملكوا ،فلم يقدروا على إخراجهم ،ولم يزالوا يقاتلونهم ،والتتر يملكون منهم محلة بعد محلة ،وكلما ملكوا محلة قاتلهم المسلمون فى المحلة التى تليها ،فكان الرجال والنساء والصبيان يقاتلون ،فلم يزالوا كذلك حتى ملكوا البلد جميعه وقتلوا كل من فيه ،ونهبوا كل ما فيه.ثم إنهم فتحوا السكر(السد)الذى يمنع ماء حيجون عن البلد ،فدخله الماء ،فغرق البلد جميعه وتهدمت الأبنية. ولم يسلم من أهله أحد البتة ،فإن غيره من البلاد قدكان يسلم بعض أهله ،منهم من يختفى ،ومنهم من يهرب ،ومنهم من يلقى نفسه بين القتلى فينجو. وأما أهل خوارزم ،فمن اختفى من التتر غرقه الماء ،أو قتله الهدم ،فأصبحت خرابا يبابا : كأن لم يكن بين الحجون إلى الصفا أنيس ولم يسمر بمكة سامر وهذا لم يسمع به فى قديم الزمان وحديثه تلك هى اللحظة التاريخية التى استشهد فيها نجم الدين،وهذه هى واقعة استشهاده كما رواها ابن العماد ،المؤرخ المعتمد.المؤرخ المعتمد. وقد زاد بعضهم فى هذه الواقعة أشياء ،منها قولهم إنه حين مات نجم الدين ،كان قابضا بيده على خصلة من شعر مقاتل مغولى ،ولم يتمكنوا من تخليص المغولى من يده إلا بقطع الخصلة ؛وإلى ذلك يشير جلال الدين الرومى -الذى انتسب والده للطريقة الكبروية-بقوله : نحن قوم نشرب خمر الإمام الصافية بإحدى اليدين ،ونمسك بضفيرة الكافر بثانية الكفين. ...كما جمع بعضهم ،بحساب الجمل مجموع كلمة "حقيقة "فكان 618،ومجموع كلمة "منصور كبرى"فكان أيضا 618 وهى سنة وفاة الشيخ. فإذا عدنا لواقعة استشهاد نجم الدين كما رواه المؤرخون المعتمدون ،وبعيدا عن تلك الإضافات التى وضعها الصوفية المتأخرون ،لوجدنا مجموعة من التساؤلات التى تثير لحظة الأستشهاد العارمة هذه : هل أراد الشيخ بموته على هذا النحو ،أن يحقق قدرا مكتوبا ؟أم تراه أراد أن يضرب للمسلمين مثلا فى عدم الخوف من الموت وفى الاقتحام الذى آخره الشهادة ؟....ولماذا كان الشيخ يرقص وهو يموت ؟هل هى نشوة الاقتراب من الله الذى سيشير إليه جلال الرومى من بعده ،حين قال : لا يفنى فى الله من لم يعرف قوة الرقص! وأيا ما كان ،فها هو نجم الدين يعلمنا. كيف نموت ميتة مجيدة. الفص الثانى شيوخه ومعاصروه
_________________ أيا ساقيا على غرة أتى يُحدثني وبالري يملؤني ، فهلا ترفقت بى ، فمازلت في دهشة الوصف ابحث عن وصف لما ذُقته ....
|