موقع د. محمود صبيح

منتدى موقع د. محمود صبيح

جميع الأوقات تستخدم GMT + ساعتين



إرسال موضوع جديد الرد على الموضوع  [ 74 مشاركة ]  الانتقال إلى صفحة السابق  1, 2, 3, 4, 5  التالي
الكاتب رسالة
 عنوان المشاركة: Re: كتاب منطق الطير لفريد الدين العطار
مشاركة غير مقروءةمرسل: الاثنين يوليو 14, 2014 4:45 pm 
غير متصل

اشترك في: الثلاثاء أكتوبر 30, 2007 4:26 pm
مشاركات: 3907
مكان: في حضن الكرام
يشرفني دائماً مروركم المبارك سيدي الشيخ فراج ونسألكم الدعاء ، ولنتابع معاً بمشيئة الله سبحانه ..
*************
وعندما لم يتحول الشيخ عن محلتها أدركت الفتاة ما حل بعاشقها ، ولكن الفتاة تظاهرت بالعجم وقالت : أيها الشيخ لم ألم بك الاضطراب ؟ ويا أيها الثمل بشراب الكفر متى كان الزهاد يقيمون بمحلة النصارى ؟ إذا كان الشيخ يلزم نفسه بغدائري فإنها تصيبه بالجنون كل لحظة .

فأجابها الشيخ : إن كنت ترين ضعفي فذلك لأنك سلبت قلبي فإما أن تردي علي قلبي وإما أن توافقيني حبي ، فحققي بغيتي وكفي عن التدلل وتخلي عن التكبر والدلال ، فأنا عاشق مسن غريب فاشمليني بالنظر ، ولما كان عشقي بعيداً عن الهزل يا معشوقتي فإما أن تقطعي رأسي وإما أن تكوني على وفاق معي ، إنني أبذل الروح فداء لك إذا أمرت بذلك ولكن إذا شئت رددت إلي روحي بكلمة من شفتك ، فيا من شفتك وغدائرك هنائي وشقوتي إن وجهك الجميل قصدي وبغيتي ، فلا تضرمي النار في جسدي من وهج غدائرك ولا تسكريني بالثملة عينيك .

بسببك اضطرم قلبي ناراً واشتعلت عيني حرقة ، وبسببك فقدت المعين والصبر والرفعة ، وقد بعت الروح والدنيا بدونك ، ولكن انظري فقد خطت الكيس بسبب عشقك ، إن الدمع ينهمر سيلاً من عيني ، وهذا ما انتظره من عيني إذا عدمتك ، فما أن رأت العين وجهك ، حتى ظل القلب في الغم ثم ضاع مني القلب وظلت العين في مأتم ، وما رأته عيني لم يره أحد قط ، وما قاساه قلبي من ذا الذي قاساه ؟ لقد فنى القلب وما بقي منه إلا الدم ، فإلى متى أظل أطعم دم القلب إذا كان القلب قد فني ؟ فلا تثقلي على روح هذا المسكين أكثر من هذا ، ولا تقضي على آمالي وتركلينني هكذا .

لقد مضى عمري في الانتظار فربما أجد الوصال في هذا النهار ، في كل ليلة كنت أقيد روحي ، ثم أضحي بها على باب محلتك فأسلم الروح ووجهي مستقر على أديم بابك ، بل أسلم الروح رخيصة كالتراب من أجلك ، وما أكثر ما بكيت على بابك فافتحي الباب وتلطفي معي لحظة واحدة ، أنت الشمس فكيف ابتعد عنك ؟ إنني ظلك فكيف أصبر عنك ؟ ومع أنني كالظل من الاضطراب فإنني سأقفز من كوتك وكأنني الشمس وسأطوي تحت جناحي الأفلاك السبعة إذا ما أشرقت برأسك على هذا المضطرب .

فقالت الفتاة : يا من هو خرف من الشيخوخة ، عليك بالتعطر والتكفن والخجل ، إن كانت أنفاسك قد بردت فلا تتغزل ، لقد أصبحت شيخاً فلا تقامر بالروح ، الأفضل لك الآن عقد العزم على الموت من أن تعزم على قصدي ، إن كنت في شيخوختك في حاجة إلى رغيف ، فلن تستطيع تحمل تباريح العشق ، فامض ، وكيف تستطيع أن تحظى بالملك وأنت لا تستطيع النضال من أجل ما يقيم أودك ؟

قال لها الشيخ : مهما تكثرين من القول ، فلن يكون لي سوى غم عشقك من عمل ، ما الفرق إذا كان العاشق كهلاً أو شاباً ؟ فللعشق تأثيره على كل قلب .

فقالت الفتاة : إن كنت صادقاً في هذا المرام فلتطهر يدك وتغسلها من الإسلام ، فمن يعتنق مذهباً غير مذهب المعشوقة يكن عشقه محصوراً في اللون والرائحة .

قال الشيخ : سأفعل كل ما تقولين وبروحي سأطيع كل ما تأمرين ، لقد أصبحت عبدك يا فضية القوام فألقي بحلقة من غدائرك في حلقومي ..
فقالت الفتاة : إن كنت رجلاً خليقاً بالأعمال ، فعليك أن تفعل بكل قبول أربعة من الأعمال : اسجد أمام الصنم ، وأحرق القرآن ، واشرب الخمر ، وأغلق عينيك عن الإيمان .

أجاب الشيخ : لقد قبلت الخمر ، أما الثلاثة الأخرى فلا حيلة لي بها ، إنني أستطيع احتساء الخمر على شرف جمالك ، ولكن ليس في مقدوري القيام بالأمور الثلاثة الأخرى .

فقالت الفتاة : انهض وتقدم واحتس الخمر ، فعندما تشرب الخمر ستتقدم نشوان فرحاً ..

_________________
( بسم الله الرحمن الرحيم ) قل هو الله أحد . الله الصمد . لم يلد ولم يولد . ولم يكن له كفوا أحد .
قل أعوذ برب الفلق . من شر ما خلق . ومن شر غاسق إذا وقب . ومن شر النفاثات في العقد . ومن شر حاسد إذا حسد .


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة: Re: كتاب منطق الطير لفريد الدين العطار
مشاركة غير مقروءةمرسل: الاثنين يوليو 14, 2014 5:19 pm 
غير متصل

اشترك في: الخميس مايو 30, 2013 5:51 am
مشاركات: 35060
السلام عليكم ورحمة الله و بركاته

رائعة و نعوذ بالله من السلب بعد العطاء اللهم يا مقلب القلوب ثبت قلبى على دينك

جزاك الله حضرتك كل خير


_________________



مولاي صل وسلم دائما أبداعلى حبيبك خير الخلق كلهم
اللهم صل على هذا النبى الأمين وأجعلنا من خاصة المقربين لديه السعداء وعلى آله وسلم حق قدره ومقداره العظيم




أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة: Re: كتاب منطق الطير لفريد الدين العطار
مشاركة غير مقروءةمرسل: الثلاثاء يوليو 15, 2014 5:49 pm 
غير متصل

اشترك في: الثلاثاء أكتوبر 30, 2007 4:26 pm
مشاركات: 3907
مكان: في حضن الكرام
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته
أؤمن على دعائكم سيدتي الفاضلة الملهمة خادمة السيرة النبوية المعظمة ، وأسأل الله سبحانه بجاه حبيبه ونجيه لي ولكم ألا يحرمنا من رؤيته صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم على الدوام ولا من زيارته كل عام ..
*************

وأخيراً أخذوا الشيخ إلى دير المجوس ، فزاد اضطراب المريدين وتملكهم الجنون ، أما الشيخ فقد رأى مجلساً غاية في النضارة ، ورأى النديم غاية في الحسن ، وسلبت نار العشق صفاء عمله كما سلبت غدائر الفتاة المسيحية عمره ولم تتبق له أي ذرة من عقله ولبه ومع ذلك لاذ بصمته ، وظل يأخذ الكأس من يد معشوقته ويشرب حتى قطع قلبه عن كل أمره ، وما أن اجتمع الشراب وعشق المحبوبة في بقعة واحدة حتى تضاعف عشقه لذلك البدر مائة ألف مرة ، فما أن رأى الشيخ ذات الثغر المليح ، ورأى الياقوت في حقها المتبسم حتى أضرم العشق النار في روحه وسالت دموعه كسيل دموي صوب أهدابه ، ثم طلب كأساً أخرى وشربها ووضع في أذنه حلقة من غدائرها ..

لقد كان الشيخ يحفظ أكثر من مائة مصنف في الدين ، كما كان أستاذاً في تحفيظ القرآن ، ولكن ما أن وصلت الخمر إلى أحشائه حتى تخلت عنه دعوته وغزاه التباهي بالباطل وكل ما أدركه ضاع من ذاكرته وما أن أقبلت الخمر حتى ولى كالريح عقله ، كما غسلت من لوح ضميره خمر المعاني التي كانت له من قبل ، وظل عشق الفتاة مشكلاً بالنسبة له مع أنه تطهر من كل ما عداه ، ثمل الشيخ وغلبه عشقه وأصبح كالبحر وقد غصت بالاضطراب روحه ، ثم رأى المعشوقة ثملة تمسك بالكأس في يدها فأسرع الشيخ صوبها ، وقد لعبت الخمر بقلبه وعقله فطلب من الفتاة أن تقبله ..

فقالت له الفتاة : يا من لست خليقاً بأعمال الرجال ، إنك مدع في العشق ولست خبيراً بالمعاني ، إن العافية لا تتفق مع العشق بل الكفر خليق بالعشق ، فإن تكن لك قدم راسخة في العشق فإنك تدين بمذهب هذه الضفيرة المتعددة الطيات .. فضع قدمك في الكفر كما فعلت ضفيرتي حتى لا يكون العشق أمراً ينم عن حماقة فإن تقتد بضفيرتي ، جاز لك أن تعانقني في تلك اللحظة ، أما إن كنت لا تقبل الاقتداء الآن ، فانهض وارحل فهذه عصاك وذاك رداؤك ..

تحير الشيخ العاشق حيث فقد زمام نفسه وأسلم قلبه من الغفلة إلى قضائه وقدره ، وقد كان قبل أن يغزو رأسه السكر لا يفرغ لحظة من إدراك سر الوجود ، والآن وقد أصبح الشيخ عاشقاً ثملاً فقد فقد السيطرة على نفسه وكل ما كان في حوزته وما عاد يفيق إلى نفسه وافتضح أمره ، وما عاد يخشى أحداً ودان بالمسيحية ، وأحدثت الخمر المعتقة عظيم أثرها فيه حيث أخالت الشيخ كالفرجار اضطراباً ، وقد توفر للشيخ العشق الفتي وما عتق من الخمر كما مثلت أمامه معشوقته فكيف يقدر على الصبر ؟

أخيراً أصبح الشيخ من العشق مفتوناً ثملاً وقد غاب عن وعيه حيث ملك العشق عليه روحه ، وقال : لقد عدمت القدرة يا قمرية الوجه فتكلمي ماذا تريدين مني أنا الوله ؟ إن كنت مفيقاً ما عبدت الصنم ولكنني وقد ثملت فبإمكاني تمزيق المصحف على أعتاب الصنم ..

قالت الفتاة : الآن أصبحت رجلي فاهنأ بالنوم لأنك على وفاق معي ، فقد كنت قبل الآن غير ناضج في مجال العشق فاهنأ نفساً حيث نضجت والسلام ..

_________________
( بسم الله الرحمن الرحيم ) قل هو الله أحد . الله الصمد . لم يلد ولم يولد . ولم يكن له كفوا أحد .
قل أعوذ برب الفلق . من شر ما خلق . ومن شر غاسق إذا وقب . ومن شر النفاثات في العقد . ومن شر حاسد إذا حسد .


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة: Re: كتاب منطق الطير لفريد الدين العطار
مشاركة غير مقروءةمرسل: الثلاثاء يوليو 15, 2014 9:16 pm 
غير متصل

اشترك في: الخميس مايو 30, 2013 5:51 am
مشاركات: 35060
السلام عليكم ورحمة الله و بركاته

الأستاذ الكريم الفاضل محب الدين الصوفى

الله يسعد حضرتك دنيا و دين و يكرم حضرتك دنيا و دين لا تعلم مقدار سعادتى بلقب خادمة السيرة النبوية والله لقد رأيتها سيدى الكريم فى رؤية الله ينعم على حضرتك بكل ما تحب و تتمنى و جزاك الله كل الخير

وفى أنتظار التكملة المشوقة لقصة الشيخ العاشق

_________________



مولاي صل وسلم دائما أبداعلى حبيبك خير الخلق كلهم
اللهم صل على هذا النبى الأمين وأجعلنا من خاصة المقربين لديه السعداء وعلى آله وسلم حق قدره ومقداره العظيم




أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة: Re: كتاب منطق الطير لفريد الدين العطار
مشاركة غير مقروءةمرسل: الأربعاء يوليو 16, 2014 8:26 pm 
غير متصل

اشترك في: الثلاثاء أكتوبر 30, 2007 4:26 pm
مشاركات: 3907
مكان: في حضن الكرام
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته سيدتي الملهمة خادمة السيرة النبوية المعظمة ..
أسعد الله قلبكم دائماً أبداً ، وأسأل الله أن يتقبل منكم الدعاء وصالح الأعمال ، بجاه من بيته في طيبة حرم واسمه قسم من أعظم القسم ..
وها هي جزء من تكملة قصة الشيخ العاشق ..
*************

ما أن وصل الخبر إلى النصارى بأن شيخاً لطريقهم قد اختار ، حتى سارعوا بحمل الشيخ ثملاً إلى الدير ، وأشاروا عليه بعقد الزنار ، وما أن أصبح الشيخ متحلقاً بالزنار حتى انهمك وأحرق الخرقة بالنار ، وتحرر قلبه من دينه ، ولم يعد يتذكر شيئاً عن الكعبة والمشيخة ، وبعد سنين عدة من الإيمان المتين إذا به ينفض يده مرة واحدة من الدين ، وقال : إن الخذلان قد استهدفني أنا المسكين ، وجعل كل همي عشق الفتاة المسيحية فكل ما تأمرني به أمتثل له ، وسأفعل أسوأ مما فعلت ، أيام الصحو ما عبدت الصنم ولكن ما أن ثملت حتى عبدت الصنم ، فما أكثر من باعوا دينهم بفعل الخمر ، وأم الخبائث تفعل هذا بلا شك ، ثم قال : أيتها المعشوقة ، ماذا بعد ؟ كل ما قلته فعلته فماذا بعد ؟ لقد شربت الخمر ، وعبدت الصنم بفعل عشقك ، وما رأى أحد قط ما رأيته بسبب عشقك ، من ذا أصبح مفتوناً بالعشق مثلي ؟ وأي شيخ افتضح أمره مثلي ؟ عدت أدراجي خمسين عاماً ، فكانت أمواج بحر الأسرار تتلاطم في قلبي ، ثم قفزت ذرة عشق من كمينها فجأة ، فرفعتنا على رأس اللوح الأول ، وقد فعل العشق أكثر من هذا وما زال يفعل ، وأحال الخرقة ناراً وما زال يعمل ، العقل الحصيف قارئ أبجد العشق ، أما العشق فهو مدرك أسرار الغيب ، لقد حدث كل ما حدث ، فتكلمي ولو قليلاً ، ومتى تتحدين معي ؟ إذا كان بناء عشقي راسخ الأساس فكل ما فعلته كان أملاً في الوصل ، والوصل واجب وكذا إدراك الصحبة ، فما أكثر ما أحترق عندما أجد نفسي في وحدة .

قالت الفتاة : أيها الشيخ الأسير ، إن صداقي كبير وأنت جد فقير ، يلزمني أيها الجاهل ذهب وفضة ، فكيف يستقيم أمرك وأنت عديم الفضة ؟ فإن كنت لا تملك ذهباً ، فالو رأسك ، وامض ، وخذ ما تنفقه مني أيها الشيخ ، وامض ، امض حثيثاً كالشمس وسر وحدك والتزم الصبر والشجاعة وكن رجلاً ..

قال الشيخ : يا سرورية القد وفضية الصدر ، إنك تحملين عهداً أكيداً على رأسك ، وليس لي سواك أيتها الجميلة الطلعة ، فكفي أخيراً عن الكلام بهذه الكيفية ، إنني في كل لحظة أتخلى عن شيء وألقي رأسي في أي معترك وتحملت كل شيء من أجلك وصنعت كل ما دار بفكرك ، وفي طريق عشقك كل ما كان اندثر كما ولى الكفر والإسلام وكذا النفع والضرر ، فإلام لا أستريح من الانتظار وأنت لم يقر لك معي أي قرار ؟ لقد تحول عني جميع الأصحاب وخاصموا روحي المفعمة بالاضطراب ، هكذا أنت وهكذا هم ، فماذا أصنع ؟ لقد فنى القلب وكذا الروح فماذا أصنع ؟ وإنني أفضل يا مسيحية المذهب أن أكون معك في النار على أن أكون بدونك في الجنة .

في النهاية ، ما أن أصبح الشيخ رجلها حتى احترق قلب ذلك البدر تأثراً بآلامه ، وقالت : إن صداقي أيها الهائم هو أن ترعى لي الخنازير عاماً بالتمام ، وما أن ينقضي العام ونحن معاً ، فإننا نقضي العمر حلوه ومره معاً .

لم يخالف الشيخ أمر الحبيب ، لأن من يعصى الأوامر عادة لا يعصى أمراً للحبيب ، فذهب شيخ الكعبة ومرشد الكبار إلى رعاية الخنازير ليقضي العام بكل اختيار .

في قرارة كل شخص مائة خنزير ، فإما أن يسفك دم الخنزير أو أن يعقد الزنار ، وهكذا تظن يا عديم المروءة ، بأن هذا الخطر قد أصاب الشيخ وحده ، إن هذا الخطر كامن في قرارة كل نفر ولكنه لا يظهر إلا إذا بدأ في السفر ، فإن لم تكن حذراً من نفسك الشبيهة بالخنزير ، فأنت جد معذور لأنك لست رجلاً لائقاً بالمسير ، فإن تضع قدمك في الطريق يا خليقاً بالأعمال فسترى العديد من الأصنام ومن الخنازير ، فلتقتل الخنزير ولتحرق الصنم في بيداء العشق ، وإلا فكن كهذا الشيخ ذليلاً في مضمار العشق .

في النهاية عندما اعتنق الشيخ المسيحية ، عمت بلاد الروم جميعها الفرحة ، أما جميع رفاقه فكانوا في ضيق وشدة وأصيبوا بالوهن وسوء الطالع والحيرة ، وما أن رأوا ذلك الأسر الذي أحاط به حتى تحولوا عن معاونته ، هربوا جميعاً لما ألم به من شؤم ووضعوا التراب على رؤوسهم لما أصابه من غم ، ثم أسرع رفيق من بين المريدين صوب الشيخ قائلاً له : يا من ألم بك الوهن ، سنرجع الليلة إلى الكعبة قافلين فبم تأمر ؟ أيجب إذاعة السر ؟ إما أن نتخذ المسيحية مثلك ديناً ونلحق المعرة بمذهبنا ، وإما أن نردك عن هذا الطريق مع أننا عدمنا الحيلة والوسيلة ، ولا يروق لنا أن تكون وحيداً هكذا ، لذا سنعقد الزنار مثلك هكذا ، ولكن إن نضعف عن رؤيتك على هذه الحال ، فسنسارع بالهرب بدونك من هذا المكان ، ثم نجلس معتكفين بالكعبة حتى لا نرى ما نراه في هذه اللحظة .

_________________
( بسم الله الرحمن الرحيم ) قل هو الله أحد . الله الصمد . لم يلد ولم يولد . ولم يكن له كفوا أحد .
قل أعوذ برب الفلق . من شر ما خلق . ومن شر غاسق إذا وقب . ومن شر النفاثات في العقد . ومن شر حاسد إذا حسد .


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة: Re: كتاب منطق الطير لفريد الدين العطار
مشاركة غير مقروءةمرسل: الجمعة يوليو 18, 2014 7:54 pm 
غير متصل

اشترك في: الثلاثاء أكتوبر 30, 2007 4:26 pm
مشاركات: 3907
مكان: في حضن الكرام
قال الشيخ : إن روحي غاصة بالآلام والعلل ، فسارعوا إلى أي مكان ترغبون في التو والحال ، وما دمت على قيد الحياة ، فحسبي أن يكون الدير مقري وكذا حسبي تلك الفتاة المسيحية التي تجدد روحي ، إنكم تدركون هل تحررتم أم لا ، وذلك لأنكم لم تسقطوا سقطتي ، فلو سقطت هذه السقطه لكنت رفيقي على الدوام في هذا الغم ، عودوا ثانية أيها الأعزاء فلا أعلم ماذا سيحدث أيضاً ، وأن تسألوا عني قولوا صدقاً ، فأين من دارت رأسه ممن زلت قدمه ؟

هكذا غصت عيناه بالدم وفمه بالسم ، وكأنه قد سقط في فم تنين القهر ، ولا يرضى أي كافر في العالم عما فعله ذلك الشيخ قضاء وقدراً ، فما أن أظهروا له وجه الفتاة المسيحية حتى لم يعد يطيق العقل والدين والمشيخة ، وما أن ألقت غدائرها كالحلقة في حلقه حتى لاكت ألسن الخلق جميعاً سيرته ، وأخيراً قال : " إن يقدم أحد على توبيخي ، فقل ، ما أكثر من سقطوا في الطريق سقطتي ، ففي مثل هذا الطريق الطويل لا أبقيت يا إلهي من يأمن الخوف والخطر " ، قال هذا وأشاح بوجهه عن الرفاق ، ثم أسرع لرعاية الخنازير .

كم بكاه الرفاق لما ألم به من هموم وأحزان وكانوا يبكونه في كل زمان ، وفي النهاية قفلوا عائدين إلى الكعبة وظلت أجسادهم في هزال وأرواحهم في حرقة ، وأما شيخهم فقد ظل وحيداً في بلاد الروم ، وأسلم دينه للريح ، وعكف على المسيحية ، ومن الخجل ظلوا جميعاً في حيرة واختفى كل فرد منهم في زاوية .

وكان للشيخ رفيق حصيف يقيم بالكعبة ، وقد تخلى بعظيم إرادته عن كل العلائق ، وكان غاية في رجاحة العقل ، كما كان للطريق هادياً ، وما كان لأي شيخ علم وبصيرة أفضل مما له ، وعندما سافر الشيخ من الكعبة لم يكن هذا المريد موجوداً بها ، وعندما عاد إلى المكان ، وجد سراي الخلوة تخلو من شيخه ، فسأل المريدين عن حال الشيخ ، فأعادوا عليه جميع أحوال الشيخ ، ثم قالوا : كل ما أصابه كان بفعل القضاء ، وما حدث له بتأثير القدر ، لقد ربط غديرة الفتاة المسيحية بشعرة منه ، وأغلق الطريق على الإيمان من مائة جهة ، إنه يهيم الآن عشقاً بما لها من طرة وحال ، وقد تمزقت الخرقة كما أصبح حاله محالاً في محال ، لقد تخلى عن كل شيء امتثالاً لأوامرها حتى أنه يعمل الآن في رعاية خنازيرها ، وفي هذا الأوان جعل السيد المهموم المسبحة ذات المائة حبة زناراً ، وهذا الشيخ مع أنه ضحى بروحه في طريق الدين إلا أنه لا يستطيع الآن إدراك كفره لتمكنه منه .

ما أن سمع المريد تلك الواقعة ، حتى اربد وجهه وانهمر في البكاء بحرقة ، وقال للمريدين : أيها الفسقة الفجرة يا من لا تشبهون في الوفاء الرجال أو النسوة ، إن الرفيق الحق واحد بين مائة ألف صديق وفي مثل هذا اليوم يظهر أثر هذا الرفيق ، فإن كنتم رفاق شيخكم فلم لم تبذلوا له عونكم ؟ فليصبكم الله بالخجل ، أهذا آخر الرفقة ؟ أهذا هو الإنصاف والمحبة ؟ عندما وضع ذلك الشيخ يده على الزنار كان يجب على الجميع عقد الزنار ، ولم يكن من الواجب الإفلات من جانبه عمداً ، بل كان واجب الجميع أن يكونوا نصارى ، فليست هذه هي الصحبة والوفاق بل ما فعلتموه كان عين النفاق ، فمن كان مخلصاً للصديق عليه أن يحافظ على صداقته حتى ولو أصبح كافراً ، ففي وقت الشدة يعرف الصديق ، أما في وقت السعادة فللإنسان ألف صديق ، ولكن عندما سقط الشيخ في فم التمساح ، هرب الجميع خوفاً من المعرة ، إن للعشق أساساً من سوء السمعة ، وعديم التجربة من ينكر هذا .

قال الجميع : لقد قلنا له كل ما قلته مرات ومرات بل قلنا أكثر منه ، وعزمنا على أن نظل جميعاً معه لنقضي العمر نشاركه فرحه وغمه ، ونبيع الزهد ونشتري الفضيحة كما نطرح ديننا جانباً ونختار المسيحية ، ولكن رأي شيخنا المجرب أن نبتعد عنه كلية فعندما لم يجد من صحبتنا أي نفع له سارع بإبعادنا عنه ، فرجعنا جميعاً امتثالاً لأمره ، وها قد ذكرنا القصة ولم نخف شيئاً من سره .

بعد ذلك قال للأصحاب ذلك المريد ، أما كان لعملكم من مزيد ؟ لا مكان لكم سوى أعتاب الحق ، فكان الواجب أن تكونوا في حضور دواماً ، كما كان الواجب أن يتسابق كل واحد منكم في التضرع إلى بارئكم ، فما أن يراكم الحق لا يقر لكم قرار فسرعان ما يرد عليكم شيخكم بلا انتظار ، فإن كنتم قد تحررتم من شيخكم فلم رجعتم عن باب خالقكم ؟

ما أن سمع الجميع القول ، حتى طأطأ الجميع الرؤوس من العجز ، فقال أحدهم : أي فائدة من الخجل الآن لقد وقعت الواقعة ، فهيا ننهض مسرعين علينا بأن نلزم أعتاب الحق ، وننثر التراب تضرعاً وعلينا أن نرفع ضراعتنا حتى نصل في النهاية إلى شيخنا .

_________________
( بسم الله الرحمن الرحيم ) قل هو الله أحد . الله الصمد . لم يلد ولم يولد . ولم يكن له كفوا أحد .
قل أعوذ برب الفلق . من شر ما خلق . ومن شر غاسق إذا وقب . ومن شر النفاثات في العقد . ومن شر حاسد إذا حسد .


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة: Re: كتاب منطق الطير لفريد الدين العطار
مشاركة غير مقروءةمرسل: الجمعة يوليو 18, 2014 11:59 pm 
غير متصل

اشترك في: الخميس مايو 30, 2013 5:51 am
مشاركات: 35060
[b]السلام عليكم ورحمة الله و بركاته

لاحول ولا قوة إلا بالله العلى العظيم

لا سلطان لنا على قلوبنا
فلا سلطان على القلوب فعَن ابنِ عَبَّاسٍ أَنَّ زَوجَ بَرِيرَةَ كَانَ عَبدًا يُقَالُ لَهُ مُغِيثٌ كَأَنِّي أَنظُرُ إِلَيهِ يَطُوفُ خَلفَهَا يَبكِي وَدُمُوعُهُ تَسِيلُ عَلَى لِحيَتِهِ فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم لِعبَّاسٍ: «يَا عَبَّاسُ! أَلَا تَعجَبُ مِن حُبِّ مُغِيثٍ بَرِيرَةَ وَمِن بُغضِ بَرِيرَةَ مُغِيثًا؟ فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: " لَوْ رَاجَعتِهِ " قَالَت: يَا رَسُولَ اللَّهِ تَأْمُرُنِي قَالَ:" إِنَّمَا أَنَا أَشْفَعُ " قَالَت لَا حَاجَةَ لِي فِيهِ (البخاري4875).



جزاك الله حضرتك الخير الوفير و كل عام و حضرتك بخير حال
[/b]

_________________



مولاي صل وسلم دائما أبداعلى حبيبك خير الخلق كلهم
اللهم صل على هذا النبى الأمين وأجعلنا من خاصة المقربين لديه السعداء وعلى آله وسلم حق قدره ومقداره العظيم




أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة: Re: كتاب منطق الطير لفريد الدين العطار
مشاركة غير مقروءةمرسل: السبت يوليو 19, 2014 8:45 pm 
غير متصل

اشترك في: الثلاثاء أكتوبر 30, 2007 4:26 pm
مشاركات: 3907
مكان: في حضن الكرام
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته

الفاضلة / ملهمة خادمة السيرة المعظمة ، نسأل الله سبحانه أن يعيد علينا الأيام بخير ونكون عند حضرة النبي صلوات الله وسلامه عليه في رمضان القادم ..

حقاً ما تقولين أيها الفاضلة ، فالقلب من التقلب ، لذلك يعلمنا حضرة النبي صلوات الله وسلامه عليه أن نقول : " يا مقلب القلب ثبت قلوبنا على دينك " أو كما قال حضرة النبي صلوات الله وسلامه الله وآله ..

وقد يكون التقلب اختبار لرفع الدرجات ، كما قد يكون عقوبة ، نسأل الله السلامة بجاه حضرة النبي صلوات الله وسلامه عليه ، وفي الحالتين نتشفع ونطلب المدد والعون والشفاعة والكرم والجود من حضرة النبي صلوات الله وسلامه عليه وآله ..

كما قالت سيدة بني هاشم حفيدة رسول الله أخت الحسنين العقيلة الكريمة المشيرة سيدتنا السيدة زينب :

توسل بالنبي فكل عبد

يغاث إذا ما توسل بالنبي



وهذا جزء من تكملة قصة الشيخ العاشق الذي أكرمه حضرة النبي صلوات الله وسلامه عليه وآله ..


رحل الجميع من بلاد العرب إلى الروم ، وظلوا معتكفين مختفين طوال الليل والنهار ، ولزم كل واحد أعتاب الحق يكثر من التضرع أحياناً ومن النحيب أحياناً ، وظلوا هكذا أربعين يوماً وليلة بالتمام ، ولم يشيحوا مطلقاً عن أول مقام ، وقضوا الأربعين ليلة دون نوم أو طعام ، وكذا الأربعين يوماً دون خبز أو ماء ، ومن تضرع هؤلاء القوم الأطهار ، أصيب الفلك بالهياج والغليان ، وارتدى الملائكة في هبوطهم وصعودهم لباس المأتم الأزرق .

وفي نهاية الأمر أصاب سهم دعاء ذلك المقدام هدفه ، فبعد أربعين ليلة كان ذلك المريد الطاهر يقيم في الخلوة ومن نفسه قد تطهر ، وفي الصباح هبت عليه ريح مسكية فانكشفت الدنيا أمام قلبه واضحة جلية ، ورأى المصطفى مقبلاً كالبدر ، وقد أسدل على صدره ذؤابتين سوداوين ، وكان ظل الحق بادياً في شمس وجهه كما كانت كل مائة روح دنيوية تساوي شعرة واحدة منه ، جاء متهادياً في مشيته مبتسماً ، فكان يفني نفسه فيه كل من رآه ، وعندما رآه ذلك المريد قفز من مكانه قائلاً : أعني يا رسول الله وخذ بيدي ، يا هادي الخلق بمشيئة الله ، لقد ضل شيخنا الطريق ، فاهده .

قال المصطفى : يا من يتصف بعلو همته ، تقدم ، قد خلصت شيخك من ربقته ، ولتجعل الهمة العالية شغلك ولا تنطق بحرف حتى تمثل أمام شيخك ، لقد كان يفصل الشيخ عن الحق من زمن مديد غبار ذو سواد شديد ، فرفعنا هذا الغبار من طريقه وما تركناه وسط ظلمته ، ومن أجل الشفاعة نثرت قطرات ندى كثيرة على كل زمانه ، والآن وقد تلاشى الغبار من طريقه وحلت التوبة وولت المعصية ، فاعلم يقيناً أن مائة عالم من المعصية تتلاشى من الطريق أمام زفرة توبة واحدة ، وإذا تحركت أمواج بحر الإحسان فإنها تمحو ذنوب الرجال والحسان .

قال المصطفى له هذه الكلمات القليلة عن شيخه ثم اختفى من أمام نظره .

ذهب الرجل لما ألم به من مسرة ، وصاح فامتلأت السماء جلبة ، وأخبر جميع الرفاق وبشرهم ، وعزم على قطع الطريق ، فسار بأصحابه منتحباً مهرولاً ، حتى أدركوا الشيخ لدى الخنازير ، فرأوا الشيخ مسروراً وسطها وكالنار لا يقر له قرار بينها ، وكان قد طرح الناقوس من فمه كما كان قد قطع الزنار من حول وسطه ، وألقى عمامة الشرك ، كما طهر قلبه من المسيحية .

ما أن رأى الشيخ رفاقه من بعيد ، حتى رأى نفسه يتوسط لجة من نور ، وخجلاً مزق الرداء الذي كان يرتديه ، وبيد العجز والذلة نشر التراب على رأسه ، وكان أحياناً يذرف دمعاً دامياً كالمطر ، وأحياناً ينفض يده من روحه الزكية ، وكانت حجب الفلك تحترق بآهاته كما كانت دماؤه تحترق حسرة على ما أصاب جسده ، وعادت إليه دفعة واحدة كل ما ضاع منه من حكمة وأسرار وقرآن ومعرفة ، عادت كلها إلى ذاكرته جملة ، وتحرر من الجهل والذلة ثانية ، وما أن اطلع على حاله ، حتى خر ساجداً منتحباً ، وتخضب كالوردة بدماء قلبه وتصبب عرقاً من شدة خجله .

لما رآه أصحابه على هذه الحال ، أخذوا بما أصابه من هموم وسرور ، فساروا صوبه حيارى ، ونثروا أرواحهم شكراً لله ، وقالوا للشيخ : يا من تكشفت الحجب أمامك لقد انقشع السحاب ثانية من أمام شمسك وولى الكفر من طريقك ، وحل الإيمان ، وانقضت عبادة أصنام الروم واستقرت عبادة الرحمن ، وتحركت أمواج بحر القبول حيث أصبح شفيعك الرسول ، فوجب شكر عالم العالم في هذا الزمان ، فاشكر الحق فما أقساه من موقف محزن والمنة لله ، إذ أوجد وسط بحر القار طريقاً واضحاً كالشمس ، ومن يعرف كيف يجعل الظلمة نوراً يعرف كيف يمنح التوبة للمكثرين الذنوب ، إذ عندما يشعل نار التوبة فإنها تحرق كل الذنوب ولا تذر .

وعند هذا الحد أختصر القصة ، فنهايتها العزم على قطع الطريق ، حيث اغتسل الشيخ وارتدى الخرقة مرة أخرى ، وتوجه مع رفاقه صوب الحجاز .

_________________
( بسم الله الرحمن الرحيم ) قل هو الله أحد . الله الصمد . لم يلد ولم يولد . ولم يكن له كفوا أحد .
قل أعوذ برب الفلق . من شر ما خلق . ومن شر غاسق إذا وقب . ومن شر النفاثات في العقد . ومن شر حاسد إذا حسد .


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة: Re: كتاب منطق الطير لفريد الدين العطار
مشاركة غير مقروءةمرسل: الأحد يوليو 20, 2014 4:47 pm 
غير متصل

اشترك في: الثلاثاء أكتوبر 30, 2007 4:26 pm
مشاركات: 3907
مكان: في حضن الكرام
بعد ذلك رأت الفتاة في منامها أن الشمس سقطت بجوارها ، وفتحت الشمس فمها في ذلك الوقت وقالت : عليك بالإسراع خلف شيخك واعتنقي مذهبه وكوني ترابه ، ويا من دنسته كوني على طهره ، فحينما جاءك كان يسير في طريقك من باب المجاز ، فعليك أن تسلكي أنت طريقه من باب الحقيقة ، لقد قطعت عليه طريقه فتقدمي أنت إلى طريقه ، وعندما جاء إلى الطريق كان يجب أن تكوني له خير رفيق ، لقد وليت عن طريقه فاسلكي الطريق إليه ، وما أكثر ما ترديت في الغفلة فلتفيقي منها .

ما أن استيقظت الفتاة المسيحية من نومها حتى انبثق النور كالشمس من قلبها ، وأفعم قلبها بالألم ويا للعجب ، وهكذا لم يعد يقر لها قرار ، وتلك الآلام من الطلب قد أضرمت النار في روحها الثملة ، فأصبحت واهنة حيث ضاع منها قلبها ، ولم تعد تعلم ماذا يمكن أن ينتج عن روحها المضطربة ، وقد رأت نفسها إحدى عجائب العالم ، حيث اضطرب أمرها كما عدمت الرفيق والعالم الذي يخلو من علامات الطريق ، الصمت فيه واجب وليس للسان أن ينطق .

ويا للعجب لقد كانت قبل الآن تظهر الكثير من التدلل والطرب ، ولكنها الآن أسرعت مولولة ممزقة الأردية ، أسرعت ناثرة التراب على رأسها مخضبة بالدماء ، وبقلب مفعم بالألم وجسد عاجز واهن ، أسرعت خلف الشيخ والمريدين ، وهرولت غارقة في العرق وكأنها السحاب وجرت في أثرهم وهي غاية في الاضطراب .

سارت بين الصحاري والقفار وهي لا تعرف أين المسار ، وأخذت تشكو شدة عجزها واضطرابها كما أخذت تمسح التراب بوجهها ، ثم صاحت قائلة : إلهي الكريم المسير للأمور ، إنني إمرأة عاجزة عن إتيان أي أمر ، ولقد قطعت الطريق على رجل خليق بك فلا تقطع علي الطريق ، فقد كان جهلاً مني ذلك ، ولتكف بحر غضبك عن الاضطراب ، لقد تصرفت بجهل وأخطأت فتجاوز عني ، وكل ما فعلته لا تؤاخذني به أنا المسكينة ، ولقد قبلت الدين فلا تقبلني مارقة بلا دين .

بالداخل أخبر الشيخ بحضور الفتاة المسيحية بالخارج وقيل له : لقد تعرفت على أعتابنا واستقر أمرها على سلوك طريقنا ، فعد وتقدم صوب معشوقتك وكن رفيقاً أنيساً لمحبوبتك .

عاد الشيخ في الحال من الطريق وكأنه الريح ، فدب الاضطراب مرة أخرى بين مريديه حتى قالوا جميعاً : ما هذا التهور ؟ وما هذه التوبة ثم العجلة والتسرع ؟ أتعود ثانية إلى العشق ؟ لعلك تبت توبة غير نصوح ، فشرح الشيخ لهم حال الفتاة حتى أقر كل من سمع ذلك بترك الروح ، بعد ذلك عاد الشيخ وأصحابه إلى حيث توجد الفاتنة ، فرأوا وجهها في صفرة الذهب كما فقدت غدائرها لكثرة ما بالطريق من تراب ، رأوها حاسرة الرأس حافية القدم ممزقة الثياب وقد رقدت كما يرقد الميت على التراب .

ما أن رأت الفتاة شيخها حتى أصاب الإغماء الجريحة قلبها فما أن استسلمت الفتاة في إغمائها حتى نثر الشيخ دموع عينيه على وجهها ، وحينما وقع نظر المعشوقة على الشيخ انهمرت دموعها كسحابة الربيع ، وألقت عينها على عهد وفائه وطرحت نفسها بين يديه وقدميه وقالت : لقد احترقت روحي لما ألم بك من اضطراب ، فلم أستطع تحمل الحرقة أكثر من هذا وراء تلك الحجب ، فاطرح هذه الحجب حتى أكون على بصيرة واعرض علي الإسلام حتى أسلك الطريق .

ما أن عرض الشيخ الإسلام على الفتاة حتى ثارت الضوضاء بين جميع الأصحاب ، وما أن أصبحت الفتاة من أهل العيان حتى ذرف الجميع بحاراً من الدمع ، وفي النهاية بعد أن أدركت المعشوقة طريقها سرعان ما وجدت المعرفة وسرى ذوق الإيمان في قلبها ، ومن حلاوة الإيمان لم يعد يقر لها قرار ، وأحاطت بها الهموم دون أن يكون لها مواس فقالت : أيها الشيخ لقد وهنت طاقتي وما عدت أحتمل الفراق ، سأودع هذه الدنيا المليئة بالصداع فالوداع يا شيخ صنعان الوداع ، فإذا نضب معين كلامي فاعف عني أنا العاجزة ولا تخاصمني .

قالت الفتاة هذا القول وأسلمت الروح ونثرت على الحبيب ما تبقى لها من روح ، واختفت شمسها تحت الغيوم .

وا أسفاه لقد تخلت عنها روحها ذات الهموم ، ولقد كانت في بحر المجاز مجرد قطرة ، فأسرعت بالعودة صوب بحر الحقيقة ، ونحن جميعاً سنرحل عن هذا العالم كالريح ، إنها قد ولت ونحن جميعاً سنرحل كذلك ، ما أكثر ما يحدث مثل هذا في طريق العشق ويعرف هذا كل شخص أدرك العشق ، وكل ما يقال في الطريق في حيز الإمكان ففيه الرحمة واليأس والكفر والإيمان ، ولن تستطيع النفس إدراك هذه الأسرار ، كما أن النجس لا يستطيع أن ينال سبقاً ، ويجب أن يسمع هذا بإذن الروح والقلب لا أن يسمع بما صنع من الماء والطين اللازب ، وفي كل لحظة تشتد المعركة بين القلب والنفس فأكثر من النواح فالحزن شديد وقاس .

***


_________________
( بسم الله الرحمن الرحيم ) قل هو الله أحد . الله الصمد . لم يلد ولم يولد . ولم يكن له كفوا أحد .
قل أعوذ برب الفلق . من شر ما خلق . ومن شر غاسق إذا وقب . ومن شر النفاثات في العقد . ومن شر حاسد إذا حسد .


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة: Re: كتاب منطق الطير لفريد الدين العطار
مشاركة غير مقروءةمرسل: الثلاثاء يوليو 22, 2014 4:45 am 
غير متصل

اشترك في: الخميس مايو 30, 2013 5:51 am
مشاركات: 35060
السلام عليكم ورحمة الله و بركاته
أشهد أن لا اله إلا الله وحده لا شريك له شهادة بها للقلب انشراح، وأشهد أن سيدنا محمد عبده ورسوله الذي أرسل بالهدى والصلاح، اللهم صلي وسلم على عبدك ورسولك محمد وعلى آله وأصحابه وسلم تسليما كثيرا

اللهم نسألك حسن الخاتمة إنك أنت السميع العليم
:-) نهاية رائعة و لكنها حزينة و الله إنها قصة بديعة

جزاك الله خيرا و رزقك و رزقنا حسن الخاتمة و شفاعة المصطفى صلى الله عليه و سلم

_________________



مولاي صل وسلم دائما أبداعلى حبيبك خير الخلق كلهم
اللهم صل على هذا النبى الأمين وأجعلنا من خاصة المقربين لديه السعداء وعلى آله وسلم حق قدره ومقداره العظيم




أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة: Re: كتاب منطق الطير لفريد الدين العطار
مشاركة غير مقروءةمرسل: الثلاثاء يوليو 22, 2014 8:22 pm 
غير متصل

اشترك في: الثلاثاء أكتوبر 30, 2007 4:26 pm
مشاركات: 3907
مكان: في حضن الكرام
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته

النهاية رائعة لأن فيها حضرة النبي صلوات الله وسلامه عليه ، والقصة قد حدثت كثيراً مع اختلاف المضمون وكتب تراجم الصوفية بها الكثير والكثير من ذلك ، أما بالنسبة أنها حزينة فالحزن كل الحزن لمن يترك دين الله سبحانه ، فاللهم احسن لنا الخاتمة جميعاً ..
ودائماً مروركم العاطر يزيدني من الخير والبركة ، جزانا الله وإياكم كل خير وجعلنا عند حسن الظن ..
ومعاً نكمل منطق الطير ..
*************

المقالة الخامسة عشرة

اتفاق الطير على السير إلى السيمرغ



ما أن سمع الجميع هذه القصة ، حتى قالوا جميعاً بترك الروح ، وانتزع السيمرغ السكينة من قلوبهم وتضاعف العشق في أرواحهم ، وعزموا عزماً أكيداً على قطع الطريق وتعجلوا السير في الطريق ، وقالوا جميعاً : يجب أن يكون لنا مرشد يكون له علينا الحل والعقد ، وليكون هادينا في الطريق ، حيث لا يمكن قطعه اعتماداً على الغرور ، ويلزم لهذا الطريق حاكم موفق ، علنا نستطيع اجتياز ذلك البحر العميق ، وبأرواحنا سننفذ أوامر حاكمنا ، ولن نسلك الطريق إلا بحكمه وأمره ، حتى يستطيع في النهاية أن يقودنا من ميدان الغرور إلى جبل قاف ، وما أن تعالت ذرة منه أمام أشعة الشمس ، حتى وقع ظل السيمرغ علينا .

في النهاية قالوا : لن يكون الحاكم شخصاً معيناً بل الحل إجراء القرعة فيما بيننا ، وإذا أصابت القرعة أي فرد فهو المقدم ويكون المعظم بين الجميع ، وما أن بدأوا القرعة حتى لزم الجميع السكينة ، وما أن قيل هذا الكلام حتى خفت الضوضاء واستسلم جميع الطير للصمت والهدوء ، واقترعوا فكان اقتراعاً موفقاً حيث اختاروا الهدهد العاشق ، فاتخذه الجميع مرشدهم فإذا أمرهم بذلوا أرواحهم وتعهد الجميع بأنه رئيسهم وأنه مرشدهم في الطريق وهاديهم ، وأصبح الحكم حكمه والأمر أمره ، ولا يبخل أحد بالروح ولا بالجسم عليه .

ما أن تقدم الهدهد الهادي كالبطل الشجاع حتى وضعوا التاج على مفرقه في ذلك الزمان ، وإلى الطريق أقبلت مئات الألوف من الطير فكانوا كمظلة تحجب نور الشمس والقمر ، ولكن ما أن بدا أول الطريق عياناً حتى علا صياحهم ووصل إلى القمر ، ووقعت هيبة الطريق في أرواحهم كما اضطرمت النار في أرواحهم ، وطاروا جميعاً كل في إثر الآخر ، وتدافعوا بالأجنحة والقوادم والأرجل والرؤوس ، ونفض الجميع أيديهم من أرواحهم فثقيل حملهم وطويل طريقهم .

الطريق خال من السير ويا للعجب وهو بعيد عن كل شر وعن كل خير ويا للعجب ، ويسيطر عليه الهدوء والسكون ولا زيادة فيه ولا نقصان ، فقال سالك له : لم يبدو الطريق هكذا خالياً ؟ قال الهدهد : ذلك من عز الباري .

حكاية



خرج با يزيد ذات ليلة خارج المدينة ، فرأى كل شيء خالياً من ضوضاء البشرية وكان ضوء القمر ينير العالم ، حتى أوشك أن يحيل الليل نهاراً من شدة ضيائه ، كما بدت السماء مزدانة بالنجوم ، وكان كل نجم منها في شأن مختلف ، وكم تجول الشيخ في الصحراء فما وجد شخصاً يتجول بالفيافي والصحراء ، فسيطر عليه الاضطراب بشدة ، فقال يا رب : لقد سيطر الاضطراب على قلبي بقوة ، إن أعتابك ذات مكانة رفيعة ، فكيف تبدو من المشتاقين خالية ؟!

جاءه هاتف قائلاً : أيها الحائر في الطريق إن الله لا يهب لكل شخص الطريق ، فقد اقتضت العزة الربانية ، أن يبتعد عن بابنا كل مسكين ، فما أن أضاء حريم عزنا حتى أبعد الغافلين عن بابنا ، وقد ظل الخلق منتظرين سنوات وسنوات حتى يسمح لواحد من ألف أن يحظى بالرفقة .

***


_________________
( بسم الله الرحمن الرحيم ) قل هو الله أحد . الله الصمد . لم يلد ولم يولد . ولم يكن له كفوا أحد .
قل أعوذ برب الفلق . من شر ما خلق . ومن شر غاسق إذا وقب . ومن شر النفاثات في العقد . ومن شر حاسد إذا حسد .


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة: Re: كتاب منطق الطير لفريد الدين العطار
مشاركة غير مقروءةمرسل: الأربعاء يوليو 23, 2014 5:04 pm 
غير متصل

اشترك في: الثلاثاء أكتوبر 30, 2007 4:26 pm
مشاركات: 3907
مكان: في حضن الكرام

المقالة السادسة عشرة

في قطع الطير للطريق



من هول الطريق ، تأوهت الطيور جميعها وسالت الدماء من أجنحتها وريشها ، فقد رأوا الطريق غير معلوم نهايته ، ورأوا الداء وما اتضح لهم دواؤه ، وعندما تهب ريح الاستغناء فيه فإنها تقصم ظهر السماء فيه ، وفي الصحراء يعد طاووس الفلك بلا قيمة بدون أدنى شك ، ومتى كان لطائر آخر في الدنيا طاقة لقطع هذا الطريق في أي عصر أو أوان ؟

ما أن تملك الخوف الطير من الطريق ، حتى اجتمعوا جميعاً في مكان واحد ، ومثلوا أمام الهدهد ناثرين أرواحهم ، جاءوا جميعاً راغبين في السير متخلين عن أرواحهم ، وقالوا : يا عالماً بالطريق ، لا يمكن التقدم إلى الأعتاب دون تأدب ، لقد مثلت أمام سليمان كثيراً كما كنت تعيش في بساط الملك طويلاً ، وعرفت رسوم الخدمة كلها كما خبرت مواطن الأمن والخطر فيها ، وقد رأيت الطريق كله من مرتفعه إلى منخفضه كما طوفت كثيراً حول العالم بأسره ، وإننا نرى أن تكون هذه الساعة للفحص والتأمل إذ أنك إمامنا في العقد والحل ، فلتصعد المنبر هنا حتى تهييء لقومك زاد طريقنا ، ولتشرح رسوم وآداب الملوك لأنه لا يمكن اعتماداً على الجهل السلوك ، ففي قلب كل منا إشكال ويلزم للطريق كل ذي قلب خال ، وعندما نسألك عن مشاكلنا فإننا نمحو بذلك الشبهات عن قلوبنا ، فأوجد أولاً الحل لمشاكل قلوبنا حتى يكون أكيداً عزمنا ، وذلك لأننا نعلم أن الطريق جد طويل ، كما لا يتضح النور وسط الشبهات ، فإذا فرغ القلب نبدأ السير ونضع رؤوسنا على الأعتاب متخلين عن الأجساد والقلوب .

بعد ذلك استعد الهدهد للكلام فاعتلى كرسياً وبدأ في الكلام ، وعندما ارتقى الهدهد العرش لبس التاج ، فكان سعيد الحظ كل من رأى وجهه ، واصطف أمام الهدهد مائة ألف أو يزيد من جماعة الطير في صفوف منتظمة ، وتقدم البلبل والقمرية معاً لينشدا بصوتيهما ، وما أن تقدم البلبل والقمرية حتى أنشدا كمطربين أعذب الألحان وما أن تغنيا بألحان عذبة في ذلك الزمان حتى ترددت أصداء غنائهما في جميع الأوطان ، وكلما وصل صوتهما إلى مسامع أي فرد ، تملكته الدهشة وتخلى عن سكونه واستقراره ، وسيطرت على كل فرد حاله ، فكان كل منهم بين صحو وسكر ، بعد ذلك بدأ الهدهد الكلام ، فرفع الحجب من على وجه المعاني .

_________________
( بسم الله الرحمن الرحيم ) قل هو الله أحد . الله الصمد . لم يلد ولم يولد . ولم يكن له كفوا أحد .
قل أعوذ برب الفلق . من شر ما خلق . ومن شر غاسق إذا وقب . ومن شر النفاثات في العقد . ومن شر حاسد إذا حسد .


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة: Re: كتاب منطق الطير لفريد الدين العطار
مشاركة غير مقروءةمرسل: الخميس يوليو 24, 2014 5:33 am 
غير متصل

اشترك في: الخميس مايو 30, 2013 5:51 am
مشاركات: 35060
[b]روي أن الهدهد أتى النبي سليمان يشتكي
من حرقة في صدره وألماً ، لا يداويه شرب ماء النيل العذب
و لا غير ذلك.

وكلما استمر الألم معه قتله وأحرقه .. وقد عرف النبي
أن ذلك بسبب (أكل الحرام) أعاذنا الله وإياكم منه، وأن
الهدهد بدلاً من أن يلتمس الرزق الحلال، هجم على بيت
نملة مكافحة ونهب حبة قمحٍ منها كانت تخزنها للشتاء
ولأيام البرد والجوع .. فكان الله له بالمرصاد ..
وقد صاغ أمير الشعراء أحمد شوقي هذه القصة شعراً ..
لاستلهام الحكم والعبر :

******الهدهد والنملة******

وقف الهدهد في=باب سليمان بذلة
قال يا مولاي كن لي=عيشتي صارت مملة
ضقت من حبة بُره=أحدثت في الصدر غلة
لا مياه النيل تُرويها=ولا أمواه دجله
وإذا دامت قليلا=قتلتني شرّ قتله
فأشار السيد العالي=إلى من كان حوله
قد جنا الهدهد ذنبا=وأتى في اللؤم فعله
تلك نار الإثم في الصدر=وذي الشكوى تعله
ما أرى الحبة إلا=سُرقت من بيت نملة
إن للظالم صدرا=يشتكي من غير علة




جزاك الله خيرا قرأت قصيدة للشاعر أحمد شوقى لما رأيتها تحكى عن الهدهد تذكرت هدهد منطق الطير مع الفارق الكبير كل عام و حضرتك بخير عيد سعيد إن شاء الله

[/b]

_________________



مولاي صل وسلم دائما أبداعلى حبيبك خير الخلق كلهم
اللهم صل على هذا النبى الأمين وأجعلنا من خاصة المقربين لديه السعداء وعلى آله وسلم حق قدره ومقداره العظيم




أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة: Re: كتاب منطق الطير لفريد الدين العطار
مشاركة غير مقروءةمرسل: الخميس يوليو 24, 2014 5:34 am 
غير متصل

اشترك في: الخميس مايو 30, 2013 5:51 am
مشاركات: 35060
[b]روي أن الهدهد أتى النبي سليمان يشتكي
من حرقة في صدره وألماً ، لا يداويه شرب ماء النيل العذب
و لا غير ذلك.

وكلما استمر الألم معه قتله وأحرقه .. وقد عرف النبي
أن ذلك بسبب (أكل الحرام) أعاذنا الله وإياكم منه، وأن
الهدهد بدلاً من أن يلتمس الرزق الحلال، هجم على بيت
نملة مكافحة ونهب حبة قمحٍ منها كانت تخزنها للشتاء
ولأيام البرد والجوع .. فكان الله له بالمرصاد ..
وقد صاغ أمير الشعراء أحمد شوقي هذه القصة شعراً ..
لاستلهام الحكم والعبر :

******الهدهد والنملة******

وقف الهدهد في=باب سليمان بذلة
قال يا مولاي كن لي=عيشتي صارت مملة
ضقت من حبة بُره=أحدثت في الصدر غلة
لا مياه النيل تُرويها=ولا أمواه دجله
وإذا دامت قليلا=قتلتني شرّ قتله
فأشار السيد العالي=إلى من كان حوله
قد جنا الهدهد ذنبا=وأتى في اللؤم فعله
تلك نار الإثم في الصدر=وذي الشكوى تعله
ما أرى الحبة إلا=سُرقت من بيت نملة
إن للظالم صدرا=يشتكي من غير علة




جزاك الله خيرا قرأت قصيدة للشاعر أحمد شوقى لما رأيتها تحكى عن الهدهد تذكرت هدهد منطق الطير مع الفارق الكبير كل عام و حضرتك بخير عيد سعيد إن شاء الله

[/b]

_________________



مولاي صل وسلم دائما أبداعلى حبيبك خير الخلق كلهم
اللهم صل على هذا النبى الأمين وأجعلنا من خاصة المقربين لديه السعداء وعلى آله وسلم حق قدره ومقداره العظيم




أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة: Re: كتاب منطق الطير لفريد الدين العطار
مشاركة غير مقروءةمرسل: السبت يوليو 26, 2014 5:17 pm 
غير متصل

اشترك في: الثلاثاء أكتوبر 30, 2007 4:26 pm
مشاركات: 3907
مكان: في حضن الكرام
مداخلة رائعة سيدتي الفاضلة الملهمة ، رزقنا الله وإياكم الحلال وأعاذنا من الحرام بجاه حضرة النبي صلى الله عليه وآله وسلم وأهل بيته ، وها هي تكملة المسيرة ولله الحمد ..

المقالة السابعة عشرة

اعتذار طائر



قال له طائر : يا من له السبق بأي حق كان لك علينا السبق ؟ أنت تشبهنا ونحن مثلك تماماً فلم نشأ هذا التفاوت بيننا ؟ أي ذنب اقترفته أرواحنا وأجسادنا حتى يكون الشراب المصفى من نصيبك والثمالة من نصيبنا ؟

قال الهدهد : أيها الطائر ، كان سليمان يديم النظر إلي في كل أوان ، وما حصلت على ذلك بذهب أو فضة ، وإنما تتأتى هذه المكانة من نظرة واحدة ، وإن تتحقق لشخص هذه الطاعة فكم يحاول إبليس عرقلة تلك الطاعة ، وإن يقل شخص إن الطاعة غير واجبة فستحل اللعنة عليه كل ساعة فلا تتخل عن الطاعة لحظة واحدة ، ولا تقم وزناً لما تأمرك به نفسك من طاعة فاقض العمر كله في طاعة ، حتى تحظى من سليمان بنظرة ، فإذا أصبحت مقبولاً لدى سليمان فقد تحظى بأكثر مما أقول .

حكاية



قيل إن السلطان محموداً انفصل ذات يوم عن جيشه قضاء وقدراً ، وكان يقود حصاناً له سرعة الريح ، فرأى طفلاً يجلس على شاطيء البحر وقد ألقى الطفل شباكه في قاع البحر ، فقرأه السلطان السلام وجلس إلى جواره ، وكان الغلام يجلس غاية في الهم والحزن إذ كان قلبه حزيناً وكانت روحه في وهن .

قال السلطان : أيها الغلام لم تبدو مهموماً ؟ إنني لم أر أحداً مثلك مغموماً .

فقال له الغلام : أيها الأمير ذو الفضل الوفير ، إننا سبعة أطفال بلا والد في هذا الزمان ، ولنا أم مقعدة ، ونحن غاية في الفقر دون عائل ، فمن أجل السمك ألقي شباكي ، وكل يوم أقيم هنا حتى المساء ، فإن أصد سمكة بكل مشقة فهي قوتنا أيها الأمير كل ليلة .

قال السلطان : أتقبل أيها الطفل المغموم أن أكون لك شريكاً ؟

قبل الطفل ، وشاركه السلطان حيث ألقى بالشبكة في البحر ، وما أن أمسك السلطان بشبكة الغلام ، لا جرم أن صاد مائة سمكة في ذلك اليوم ، فما أن رأى الطفل السمك وفيراً أمامه حتى قال : ما هذا الحظ ؟ إنني أعجب من نفسي فكم أنت سعيد الحظ أيها الغلام إذ وقع هذا السمك الوفير في شباكك اليوم .

فقال له السلطان : أيها الغلام ، لن تضل أبداً إن كنت على معرفة بكيفية صيد السمك ، وبي كان حظك في هذا الزمان حيث كان صائد سمكك هو السلطان .

قال هذا وامتطى صهوة جواده ، فقال الصغير : لتضع نصيبك على حدة ، فقال السلطان : حصاد اليوم لك وما يصطاد غداً يكون لي ، وصيدنا غداً ستقوم به وحدك ، حيث لا أعطي صيدي لأحد .

عندما عاد السلطان إلى البلاط في اليوم التالي كان يفكر في أمر الشريك ، فذهب القائد واستدعى الغلام ، وأجلسه السلطان على العرش لما له من حق المشاركة ، فقال صاحب الفضول : أيها السلطان إنه شحاذ مسكين ، فقال له السلطان : مهما يكن من أمر فهو شريكنا وما دمت قد قبلت فلا أستطيع رده ، قال هذا ونصبه سلطاناً ، فوجه سائل إلى الصغير سؤالاً : من أين تم لك هذا الكمال في النهاية ؟ قال : لقد أقبل الفرج وولى الحزن لأن صاحب الحظ قد مر بي .

حكاية



قتل أحد الملوك مجرماً عقاباً له ، وفي نفس الليلة رآه صوفي في المنام ، رآه يتجول باسماً في جنة عدن ، كان يتجول مسروراً أحياناً ومتبختراً أحياناً ، فقال له الصوفي : لقد كنت للدماء سفاكاً وكنت بيننا ذليلاً أفاقاً ، فمن أين أحرزت هذه المنزلة ؟ إن ما فعلته لا يمكن أن يصل بك إلى هذه المرتبة .

قال : عندما سال على الأديم دمي مر في تلك الآونة حبيب العجمي ، وفي الخفاء رمقني الشيخ بنظرة من طرف عينيه ، فأصبت هذا الشرف ومائة مثله بعزة تلك النظرة منه ، وكل من أصابته نظرة حظ ، وقفت روحه في لحظة واحدة على مائة سر ، وإن لم يشملك أحد بنظرة فكيف يتم لك معرفة خبر يقين عن وجودك ، وإن كنت تكثر من الجلوس وحيداً فلن تستطيع قطع الطريق بلا مرشد فالطريق يلزمه مرشد فلا تسلكه بمفردك ، ولا تسلك هذا البحر عن طريق التخبط والعمى ، بل لا بد لك من شيخ في المسير حتى يكون ملاذاً لك من كل أمر عسير ، وإن كنت لا تعرف الطريق من البئر فكيف يمكنك قطع الطريق بلا دليل ؟ وليست لك عين بصيرة كما أن الطريق ليست قصيرة ، والشيخ في طريقك هو هادي مسيرك ، وكل من يكون في ظل صاحب الحظ ، لا يمكن أن يصيبه مكروه في الطريق ، وكل من يسير على الدوام في ركاب الجد يصبح الشوك في يده طاقة ورد .

حكاية



خرج السلطان محمود إلى الصيد وفجأة انتحى جانباً عن الجند ، وكان هناك حطاب مسن يسوق حماره ، فسقط الحطب منه ووقف حزيناً يحك رأسه ، فرآه محمود على هذه الحال وقد سقط حطبه ووقف ذليلاً كالحمار ، فتوجه إليه محمود وقال : أتريد المساعدة أيها الكسير البال ؟ قال : أريدها أيها الفارس فإن تساعدني فأي شيء في ذلك ؟ أفيد أنا ولن تصاب أنت بضر ، إنني أرى التوفيق في وجهك المشرق وليس اللطف غريباً عن كل ذي وجه مشرق .

ترجل السلطان من كرمه ومد يداً كالورد نحو الحطب ووضع صاحب العظمة الكومة فوق الحمار ، وعاد بعد ذلك إلى جنده مرة أخرى ، وقال للجند : إن حطاباً مسناً موجود هنا ومعه حماره محملاً بالأحمال فاقطعوا الطريق عليه حتى يقع وجهه على وجهنا ، فقطع الجند الطريق على الشيخ حتى لم يعد أمامه من طريق سوى طريق السلطان ، فقال الشيخ لنفسه : كيف أقطع الطريق بحمار هزيل وأمامي جيش عظيم ؟ ومع أنه كان يخشى رؤية السلطان إلا أنه اضطر أن يسير صوب السلطان .

وأخيراً قاد حماره النحيل حتى قرب من السلطان ، وما أن رآه حتى اعتراه الخجل ، إذ رأى تحت الخيمة وجهاً يعرفه فوقف في ذلة وضراعة وقال : إلهي لمن سأشرح حالي وقد جعلت محموداً حمالي ؟

فقال له السلطان : أيها الشيخ المهموم ما قصتك ؟ اسردها أمامي .

قال : أنت تعلمها ، فدع هذه المواربة ولا تبد كأنك أعجمي وكف عن المداعبة ، إنني شيخ فقير أعمل حطاباً أقضي نهاري وليلي في الصحاري أجمع الأشواك والحطب ، فأبيع الحطب وأشتري الخبز القفار ، ألا تستطيع أن تكفل لي الرزق ؟

قال السلطان : أيها الشيخ الكسير ما ثمن حطبك لأنقدك إياه ذهباً ؟

فقال : أيها السلطان لا تشتر مني بثمن بخس ، فلن أبيعه رخيصاً فأعطني غرارة مليئة بالذهب .

فقال الجند : الصمت أيها الأحمق إن هذا يساوي حبتي شعير فبعه بأتفه ثمن .

فقال الشيخ : إنه يساوي حبتي شعير ولكن الثمن يختلف لعظم المشتري .

فحينما وضع السلطان يده على حطبي ، أحال أشواكي إلى مائة روضة ، فمن يرد شراء هذه الأشواك فليشتر أقل شوكة منها بدينار ، لقد شاكني اليوم بالعديد من أشواكه ، حتى جاه عظمته ووضع يده على شوكي ، ومع أن هذه الأشواك بخسة الثمن ، ولكن بفضل يده فهي تساوي مائة روح .

_________________
( بسم الله الرحمن الرحيم ) قل هو الله أحد . الله الصمد . لم يلد ولم يولد . ولم يكن له كفوا أحد .
قل أعوذ برب الفلق . من شر ما خلق . ومن شر غاسق إذا وقب . ومن شر النفاثات في العقد . ومن شر حاسد إذا حسد .


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
عرض مشاركات سابقة منذ:  مرتبة بواسطة  
إرسال موضوع جديد الرد على الموضوع  [ 74 مشاركة ]  الانتقال إلى صفحة السابق  1, 2, 3, 4, 5  التالي

جميع الأوقات تستخدم GMT + ساعتين


الموجودون الآن

المستخدمون المتصفحون لهذا المنتدى: لا يوجد أعضاء مسجلين متصلين و 28 زائر/زوار


لا تستطيع كتابة مواضيع جديدة في هذا المنتدى
لا تستطيع كتابة ردود في هذا المنتدى
لا تستطيع تعديل مشاركاتك في هذا المنتدى
لا تستطيع حذف مشاركاتك في هذا المنتدى
لا تستطيع إرفاق ملف في هذا المنتدى

البحث عن:
الانتقال الى:  
© 2011 www.msobieh.com

جميع المواضيع والآراء والتعليقات والردود والصور المنشورة في المنتديات تعبر عن رأي أصحابها فقط