رقت قلوب الجميع لحاله واجتمعوا تلك الليلة على أثر نواحه ، وقال له أحد جلسائه : يا شيخ الشيوخ انهض واغتسل من هذا الوسواس .
قال الشيخ : أيها الجاهل ، لقد اغتسلت الليلة بدماء كبدي مائة مرة .
وقال له آخر : أين مسبحتك ؟ وكيف يستقيم بلا تسبيح أمرك ؟
فقال الشيخ : لقد طرحت المسبحة من يدي حتى أستطيع عقد الزنار حول وسطي .
وقال آخر : أيها الشيخ المسن لتسارع بالتوبة إن كان قد حدث خطأ .
فقال الشيخ : لقد تبت عن الناموس والحال حتى أتخلص من المشيخة ومن القيل والقال . وقال آخر : أيها العالم بالأسرار انهض واجمعنا في الصلاة . فقال الشيخ : أين محراب تلك الفاتنة حتى لا أشغل بغير الصلاة ؟
وقال آخر : إلى متى هذا الجدل انهض واسجد لله في الخلوة .
فقال الشيخ : إذا كانت حبيبتي هنا لطاب لي السجود أمامها .
وقال آخر : ألا تندم على هذه الفعلة ؟ ألم يؤلمك ضياع إسلامك في لحظة ؟
فقال الشيخ : لا يمكن أن يندم إنسان أكثر من ذلك إذ لم أكن عاشقاً قبل ذلك .
وقال آخر : لقد قطع الشيطان عليك طريقك وألقى فجأة بسهام الخذلان على قلبك .
فقال الشيخ : لتقل للشيطان الذي قطع الطريق علينا ، اقطع فما أجمله من قطع .
وقال له آخر : إن كل خبير يقول : كيف ضل هذا الشيخ القدير ؟
فقال الشيخ : لقد فرغت تماماً من الاسم والسمعة ، وحطمت قارورة النفاق بحجر .
وقال له آخر : إن الأصدقاء السابقين قد تألموا وانفطرت قلوبهم أجمعين .
فقال الشيخ : إن كانت الفتاة المسيحية مسرورة ، فالقلب غافل عن ألم هذا وذاك .
وقال له آخر : لتوافق الأصدقاء حتى نعود الليلة صوب الكعبة مرة أخرى .
فقال الشيخ : إذا لم توجد الكعبة فالدير موجود ، وقد كنت مفيقاً في الكعبة ولكني ثمل في الدير .
وقال له آخر : كن عزوماً على قطع الطريق في تلك الآونة ثم اجلس في الحرم واطلب الصفح والمعذرة . فقال الشيخ : لقد وضعت على أعتاب المعشوقة رأسي طالباً الصفح فكف يدك عني .
وقال له آخر : إن جهنم في الطريق مقيمة وليس رجل جهنم من يكون على علم وبصيرة .
فقال الشيخ : لو قدر وأصبحت جهنم في الطريق رفيقتي فإن سبعاً منها تحترق بزفرتي .
وقال له آخر : أملاً في الجنة عد وتب عن هذه الفعلة القبيحة وعد .
فقال الشيخ : إن لي حبيباً وجهه كالجنة ، فإن كان لابد لي من جنة فهذه جنتي .
وقال له آخر : لتخجل من الحق ولتعظم الله تعالى بصدق .
فقال الشيخ : إن كان الله حباني بتلك النار ، فلن أستطيع التخلي عنها بمحض إرادتي .
وقال له آخر : لتمض ولتلزم الصمت وعد للإيمان ثانية وبالإيمان تمسك .
فقال الشيخ : لا تطلب مني أنا الحائر غير الكفر ولا تطلب الإيمان ممن أصبح متردياً في الكفر .
عندما لم يجد القول معه أي نفع ، لزم الجميع الصمت وماجت قلوبهم وهاجت ، وغصت بالدماء ، حتى طفحت الدماء خارج هذه القلوب ، ولما حمل تركي النهار ترسه وقطع رأس زنجي الليل بسيفه ، وأصبحت الدنيا في اليوم التالي زاخرة بالغرور ، وشبيهة بالبحر الغريق في النور النابع من عين الشمس ، جعل الشيخ محلة الحبيب خلوته ، وأصبح شغله الشاغل مع كلاب محلتها واعتكف على تراب طريقها حتى أصبح كشعرة تنسدل على بدر وجهها ، وظل قرابة شهر صباح مساء في محلتها صابراً ليحظى برؤية شمس وجهها ، ولكن دهمه المرض في النهاية دون الظفر بالحبيب ، فما أطل أحد برأسه من تلك الأعتاب ، فكان مرقده تراب محلتها ووسادته عتبة بابها .
_________________ ( بسم الله الرحمن الرحيم ) قل هو الله أحد . الله الصمد . لم يلد ولم يولد . ولم يكن له كفوا أحد . قل أعوذ برب الفلق . من شر ما خلق . ومن شر غاسق إذا وقب . ومن شر النفاثات في العقد . ومن شر حاسد إذا حسد .
|