موقع د. محمود صبيح

منتدى موقع د. محمود صبيح

جميع الأوقات تستخدم GMT + ساعتين



إرسال موضوع جديد الرد على الموضوع  [ 74 مشاركة ]  الانتقال إلى صفحة السابق  1, 2, 3, 4, 5
الكاتب رسالة
 عنوان المشاركة: Re: كتاب منطق الطير لفريد الدين العطار
مشاركة غير مقروءةمرسل: الخميس يوليو 31, 2014 10:49 am 
غير متصل

اشترك في: الثلاثاء أكتوبر 30, 2007 4:26 pm
مشاركات: 3907
مكان: في حضن الكرام

المقالة الثامنة عشرة

عذر طائر آخر



قال له آخر : أيها المعين والرفيق إنني لا أستطيع قطع الطريق ، إنني عديم القوة شديد الوهن ، ولم يعرض هذا الطريق أمامي مطلقاً ، إنه واد بعيد وطريقه عظيم المشاق ، لذا فإنني أموت في أول مراحله وما أكثر الجبال المحرقة في الطريق ، إن هذا العمل ليس في مقدور كل مخلوق ، وفي هذا الطريق تصبح مئات الألوف من الرؤوس كرات ، وما أكثر أنهار الدم التي سالت فيه وفاضت ، وفيه عجزت آلاف العقول ، ومن ذا الذي لا يطأطيء الرأس أمام السر ؟ وفي مثل هذا الطريق الذي يسحب الرجال فيه بلا رياء وشاحاً على رؤوسهم من الخجل والحياء ، ماذا يتأتى مني أنا الضعيف غير الغبار ؟ فإن أعزم على المسير أمت من الألم والحسرة .

قال له الهدهد : يا من سيصيبك الهزال أكثر من هذا إلى متى سيبقى قلبك في الأسر أكثر من هذا ؟ إذا كان لك حظ عسر في تلك الحياة ، فسواء مت أم لا فكلا الأمرين واحد ، الدنيا من أولها إلى آخرها دار نجاسة يموت الناس فيها متعاقبين ومئات الألوف من الخلق يموتون متأوهين ، وذلك من الألم في الدنيا وكأنهم ديدان صفراء ، وإن كنا سنموت فيها متأوهين في النهاية ، فهذا أفضل من التألم في عين النجاسة ، وإذا كان هذا الطلب خطأ منك ومني فهذا أمر مقبول كذلك مني حتى ولو أموت من الغم ، وإذا كانت الأخطاء وفيرة في الدنيا فلتتخيل أن هذا خطأ آخر كذلك .

إذا كان العشق مبعث سوء لأحد فهو أفضل من حرفتي الكناس والحجام ، وكثيرون من الخلق قطاع طريق يجرون وراء هذه الجيفة الدنيوية ، ولتعتقد أن العشق أقل من السرقة حيث أنه أقل غماً بالنسبة لك من السرقة ، وكيف تجعل قلبك من هذا العشق بحراً إن كنت بالسرقة تعشق الكل ؟ وإن يقل شخص إن هذا العشق غرور فكيف تصل هناك ولم يدركه أحد قط ؟ وإن أقدم روحي في غرور هذا العشق يكن هذا أفضل من ربط القلب بالمنزل والمتجر .. ولقد رأينا كل هذا وبه سمعنا ولكن لم نتخل لحظة واحدة عن أنفسنا .

لقد صعب أمرنا بفعل البرية ، فما أكثر تاركي الصلاة الأذلاء منهم ، إن لا نمت عن أنفسنا ونتطهر عن الخلق فلن تخرج أرواحنا طاهرة من الحلق ، وكل من لا يقطع صلته بالخلق كلية ، موته أفضل حيث لا يكون محرماً لهذه الحجب ، ومحرم هذه الحجب هو الروح اليقظة ، ومن يحيا بالخلق لا يكون خليقاً بالطريقة ، فاخط فيه إن كنت خليقاً بأفعال الرجال وإلا فلتكن كالنساء ، وفي النهاية عن كل هذه المشاق تخل وتعلم العلم اليقين ، حتى ولو كان هذا الطلب من باب المحال فهو العمل الحق وليس شيئاً هيناً ، الثمار تعلو شجرة العشق فقل لمن توفر لديه العزم لترفع رأسك .

وإذا سكن العشق قلباً سارع القلب بالسيطرة على روح ذلك الشخص ، والرجل الذي تسيطر عليه هذه الآلام يخرج مضطرباً من بين الحجب ، ومن لا ينج لحظة من نفسه تقتله نفسه ثم تطالب بالدية ، وإن تعطه ماء فما أعطته إلا الأذى والعلة ، وإن تقدم إليه خبزاً فلن يكون إلا خبزاً معجوناً بالدم ، أما من كان في الضعف أكثر عجزاً من النملة أمده العشق كل لحظة بقوة هائلة ، وإن يسقط إنسان في بحر الخطر والهم فكيف يستطيع أن يأكل كسرة خبز دون غم ؟

حكاية



رحل الشيخ الخرقاني إلى نيسابور فأصابه ألم الطريق كما أصابه الإعياء ، فقضى أسبوعاً داخل زاوية مرتدياً خرقة وكان في غاية الجوع دون مئونة ، وما أن انقضى الأسبوع حتى قال : أيها الخالق لتمنحني رغيفاً ووفقني في قطع الطريق .

قال له هاتف : لتكنس ولتنظف في هذه اللحظة ميدان نيسابور عن آخره من الأتربة ، وعندما تكنس تراب الميدان عن آخره ستجد نصف دانق ذهباً فاشتر بعد ذلك الخبز واطعمه .

فقال : إن كنت أملك غربالاً ومكنسة ، فلم كانت مشقتي من أجل الخبز ؟ إن كبدي خاوية من كل رمق ، فامنحني يا إلهي القوت دون مشقة ولا تسفك دمي .

قال الهاتف : إذا كانت الراحة لازمة لك ، فاكنس التراب فإن الخبز ضرورة لك أيضاً .

ذهب الشيخ وتحمل الكثير من المشقة حتى استدان من شخص الغربال والمكنسة ثم كنس التراب بسرعة ، وفي النهاية وجد قطعة الذهب في آخر الغربال ، وعندما وجد الذهب سعدت نفسه وأسرع صوب الخباز واشترى الخبز ، وما أن أعطاه الخباز الخبز حتى نسي مكنسته وغرباله ، فاشتعلت النار في روح الشيخ وسارع بالعدو وتعالى صياحه ثم قال : لا وجود لمن يشبهني في حيرتي إنني لا أملك ذهباً فكيف أدفع عنها دية ؟

وأخيراً أصابه الجنون والوله واعتكف في الخرابة ، وما أن جلس بالخرابة مهموماً مغموماً حتى رأى غرباله ومكنسته معاً ، ففرح الشيخ وقال : إلهي لم جعلت الدنيا تظلم في وجهي ؟ لقد جعلت خبزي سماً لروحي ، فقل : لتعد روحي وليمض خبزي .

فقال له الهاتف : يا سييء الطوية لا يطيب الخبز من غير إدام ، فما أن وضعت أنت الخبز وحده حتى زدت أنا عليه الإدام فكن ممتناً .

حكاية



كان هناك عاشق جياش القلب يسير عارياً والناس في أبهى ثوب ، فقال : إلهي جد علي بجبة محكمة واجعلني سعيداً ككل البرية .

صاح به هاتف وقال : كن حذراً لقد أعطيت شمساً حامية فاجلس فيها .

قال : يا رب إلى متى تصليني بعذابك ؟ إن الجبة لا تفضل الشمس لديك .

قال الهاتف : امض واصبر عشرة أيام أخر حتى أهبك جبة دون أن تلفظ بحرف آخر .

وما أن انقضت الأيام العشرة حتى أحضر إليه رجل ولهان آلاف الرقاع مخيطة ، لقد أحضر إليه العديد من الرقاع لأن ذلك المحسن كان في فقر مدقع .

وأخيراً قال ذلك العاشق : أيها العالم بالسر لقد خطت هذه الأثمال فربما أفادتك ذات يوم ، فهل احترقت ملابسك في خزائنها حتى وجب عليك خياطة تلك الرقاع معاً ؟ وإن كنت قد خطت هذه الأثمال وقمت بوصلها فممن تعلمت فن الحياكة ؟

العمل ليس سهلاً في أعتابه ويلزمك أن تكون تراباً في طريقه ، وما أكثر الذين وفدوا إلى هذه الديار من بعيد ، فاحترقوا بناره وأضاءوا بنوره ، وما أن وصلوا إلى مقصودهم بعد عمر مديد حتى وقعوا في الحسرة دون أن يروا المقصود .

حكاية



سلكت رابعة الطريق إلى الكعبة في سبع سنوات ، سلكته زاحفة على جنبها ، فما أعظمها إنها تاج الرجال ، وما أن اقتربت من الحرم حتى قالت : لقد أتممت في النهاية حجتي ، وفي يوم الحج يممت وجهها شطر الكعبة وقالت : يا ذا الجلال لقد قطعت الطريق زحفاً سبع سنوات طوال ، لقد رأيت يوماً كله هموم حيث طرحت في طريقي أشواك وأشواك ، فإما أن تمنحني القرار في محرابك وإلا فدعني في داري .

ولعدم وجود عاشق لرابعة فكيف يمكن معرفة قدر صاحبة الواقعة ؟

طالما تداوم الطواف ببحر الفضول فإن الأمواج تتلاطم بين رد وقبول ، ويسمح لك أحياناً بالمثول إلى الكعبة وأحياناً يوجهونك نحو الدير ، فإن تخلص رأسك من هذه الدوامة تزد راحة بالك كل لحظة ، وإن تظل بهذه الدوامة فما أكثر ما تدور رأسك كالطاحونة ولن تجد لحظة تنعم فيها بالراحة إذ سيضطرب وقتك بسبب بعوضة واحدة .

حكاية



سكن أحد العاشقين المساكين ركناً ، فذهب صوبه ذلك العزيز ذو الشهرة وقال : إنني أرى فيك كفاءة وفي كفاءتك سعادة وهناءة .

قال : كيف أجد راحتي لدى أي فرد ، ولا خلاص لي من البراغيت والذباب ، كم يؤلمني الذباب طوال النهار كما لا يغمض لي جفن من البراغيث أثناء الليل ، لقد استقرت البعوضة في رأس النمرود فأصيب عقله بالحيرة وقلبه بالغم ، فلعلي نمرود زماني حتى يكون نصيبي من حبيبي عذاب الناموس والبعوض والذباب .

***


_________________
( بسم الله الرحمن الرحيم ) قل هو الله أحد . الله الصمد . لم يلد ولم يولد . ولم يكن له كفوا أحد .
قل أعوذ برب الفلق . من شر ما خلق . ومن شر غاسق إذا وقب . ومن شر النفاثات في العقد . ومن شر حاسد إذا حسد .


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة: Re: كتاب منطق الطير لفريد الدين العطار
مشاركة غير مقروءةمرسل: الجمعة يناير 23, 2015 3:35 pm 
غير متصل

اشترك في: الثلاثاء أكتوبر 30, 2007 4:26 pm
مشاركات: 3907
مكان: في حضن الكرام

المقالة التاسعة عشرة

عذر طائر آخر



قال له آخر : لقد ارتكبت العديد من الآثام فكيف يستطيع شخص السلوك بهذه الآثام ؟ وبما أن الذبابة ملوثة بلا ريب فكيف تليق بالسيمرج في جبل قاف ؟ وإذا أبعد إنسان عن الطريق عنوة فكيف يستطيع التقرب من السلطان ؟

قال الهدهد : لا تكن يائساً أيها الغافل بل اطلب اللطف منه فهو دائم النوال ، فإن تلق ترسك بسهولة وسرعة تزدد أمورك تعقيداً ، يا من تعيش في غفلة ، وإذا لم يحظ التائب بالقبول فكيف يغدق الله عليه نعمائه كل ليل ؟ فإن كنت قد أذنبت فباب التوبة مفتوح فاطلب التوبة فلن يغلق هذا الباب ، وإن تقبل في هذا الطريق صادقاً ولو للحظة تفتح أمامك مئات الفتوح على الدوام .

حكاية



لقد ارتكب ذلك الرجل العديد من الخطايا ثم تاب خجلاً وعاد إلى الطريق من جديد ، وعندما شعر بقوته مرة ثانية نقض توبته واتبع الشهوات ، وهكذا جنح عن الطريق السوي مرة أخرى ، ووقع في ارتكاب جميع الآثام ثم أصيب قلبه بالهم والكآبة ، وأصبح أمره من الخجل غاية في الصعوبة والشدة ، ولما لم يكن له نصيب إلا الضياع أراد أن يتوب ولكنه ما استطاع وأصبح آناء الليل والنهار كفحمة على المقلاة قلبه مفعم بالنار وتسيل منه الدماء وإذا كان الغبار قد كسا طريقه فبدمعة غسل طريقه .

وفي السحر ناداه هاتف وأصلح أموره وجعله موفقاً وقال له : يقول خالق البرية : عندما تبت يا فلان أول توبة عفوت عنك وقبلت منك التوبة وكنت قادراً ولكنني لم آخذك بالعقوبة وعندما نقضت توبتك النصوح مرة أخرى ، منحتك مهلة ولم أكن عنك غاضباً ومحض خيال أيها الجاهل أن ترغب الآن في العودة مرة أخرى ولكن عد ثانية فقد فتحنا الباب ، لقد أذنبت أنت ونحن قد عفونا .

حكاية



كان جبريل ذات ليلة في السدرة يسمع صوت عبد في الحضرة يقول لبيك فقال : إن عبداً يدعو الله الآن وأنا لا أعرف ذلك الشخص الذي يدعوه وكل ما أعلم أنه عبد له مكانته حيث ماتت نفسه وحيي قلبه .

وأخيراً طلب جبريل معرفته في هذه الآونة فلم يدركه في السبع سموات فطاف بالأرض وركب البحر ولم يدرك منه شيئاً في الجبال أو في الصحارى ، فأسرع بالعودة صوب الحضرة فسمع مرة أخرى من يقول لبيك ، فتملكته الحيرة من شدة الغيرة فطاف بالعالم مرة أخرى وما أدرك هذا العبد ، فقال : إلهي أرشدني إلى طريقه فقال الحق تعالى : توجه صوب الروم وامض إلى الدير حتى تعرفه .

ذهب جبريل فرآه هناك حيث كان يناجي الأصنام بذلة وانكسار فانطلق لسانه قائلاً : إلهي لتمزق تلك الحجب واكشف لي ذلك السر ، فهل تجيب بلطفك من يكون بالدير يناجي الأصنام ؟

قال الحق تعالى : إن له قلباً أسود لذا لا يعرف طريق الضلال الذي سلكه وإذا كان قد أخطأ ذلك الخسيس من الغفلة .. فلا أسلك طريق الخطأ معه وأنا في تمام المعرفة ، والآن أهبه الطريق إلى الحضرة وسيطلب لطفنا له المعذرة .

قال هذا وهدى روحه إلى الطريق فلهج لسانه بذكر ربه .

متى تدرك أن أصول تلك الملة هي السير إلى الأعتاب بلا عذر أو علة ، فإن لم تدرك الأعتاب مطلقاً فلن يكون أي متقاعس أقل منك اضطراباً ، إن الجميع لا يسلمون بالزهد كما لن يقبل الجميع نحو أعتابه .

حكاية



كان رجل يسرع في الذهاب إلى بغداد فسمع صوتاً في الطريق حيث كان شخص يقول : إنني أمتلك عسلاً وفيراً وأبيع غاية في الرخص فهل من مشتر ؟

فقال الصوفي : أيها الرجل الصبور أتعطي شيئاً بلا ثمن ؟ فقال : اغرب عني إنك أيها المجنون ربما مخبول إذ كيف يعطي إنسان لآخر أي شيء بلا مقابل ؟

قال هاتف : أيها الصوفي تقدم واخط خطوة واحدة من مكانك فقد منحناك كل شيء دون مقابل وإن تطلب أكثر نعطك أكثر ..

الرحمة شمس مشرقة ونورها يعم جميع الكائنات فانظر رحمة الله فقد عاتب نبياً من أجل كافر ..

حكاية



قال الحق تعالى : لقد استغاث قارون متلهفاً حيث قال : " إن لك يا موسى سبعين حملاً " ، فأجابه موسى : " لن تعطى حملاً واحداً إلا إذا خاطبتني لحظة بذلة " .

فاستأصلت شأفة الشرك من روحه وخلعت على صدره خلعة الدين ، أما أنت يا موسى فقد أهلكته بالعديد من الآلام وجعلته دليلاً ووضعت رأسه في التراب فلو كنت خالقه لاستمرأت تعذيبه .

إن من يرحم عديمي الرحمة يجعل أهل الرحمة أولياء نعمته فبحار فضله لا تنضب ، وهو من يصفح عن المسيء إذا أبدى الندم والتوبة ، وكل من يملك هذا العفو والصفح كيف يتغير من ارتكاب معصية ؟ وكل من يعيب مرتكبي الذنوب والمعصية يجعل نفسه في مقدمة خيل الجبابرة .

حكاية



عندما مات ذلك الرجل العاصي الأثيم قيل : احملوا تابوته إلى قارعة الطريق ، فما أن رأى زاهد تابوت هذا الفاسق احترز حتى لا يضطر إلى الصلاة على فاسق .

وفي الليل رآه الزاهد في المنام وقد احتل مكانه في الجنة كما بدا وجهه ساطعاً كالشمس ، فقال له الزاهد : أيها الغلام من أين لك في النهاية هذا المقام ؟ لقد غرقت ما حييت في آثامك وتلوثت بالخطايا من رأسك إلى قدمك .

قال : لقسوتك رحمني الله أنا المضطرب الوله ، فانظر إلى الحكمة التي تتولد من المحبة إنها تصنع الإنكار كما تصنع الرحمة .

وفي ليلة حالكة السواد كجناح غراب ترسل حكمته طفلاً ممسكاً بمصباح وهاج ثم ترسل بعد ذلك ريحاً عاتية وتقول لها : اطفئي مصباحه وامضي ثم تمسك بالطفل وسط الطريق قائلة له : لماذا أطفأت المصباح أيها الجاهل ؟

من ذا يمسك بالطفل يحاسبه فإنه يعاتبه بكل شفقة ومحبة وإن جاز أن يقتصر عمل الجميع على الصلاة لجاز أن تقتصر حكمته على المجاز وإذا كانت حكمته لا تتم إلا هكذا فلا جرم أنه بلغ هذه المنزلة هكذا .

في طريقه توجد مئات الألوف من مظاهر الحكمة وكل قطرة من تلك الحكمة بحر من الرحمة ، ودورة النهار والليل في هذه الأيام تتم من أجلك أيها الغلام وطاعة الملائكة من أجلك والجنة والنار صورة من لطفك وقهرك وقد سجد جميع الملائكة لك وغرق الكل والجزء في وجودك فلا تكثر من النظر بازدراء إلى نفسك إذ لا يمكن أن يوجد من هو أعظم شأناً منك .

جسمك جزء أما روحك فهي كل الكل فلا تجعل من نفسك عاجزاً في عين الذل ، فما أن رحل كلك حتى ظهر جزؤك وما أن ولت روحك حتى بدت أعضاؤك ، لا ينفصل الجسد عن الروح ويكون جزءاً مستقلاً ولا تنفصل الروح عن عالم الكليات وتكون عضواً مستقلاً ، ولما لم يسلك طريق الوحدانية كبير عدد فلا يمكن القول ببقاء الجزء والكل إلى الأبد ، ومئات القطرات من الرحمة تتساقط عليك حتى يزيد شوقه وعندما يأتي وقت رفعة الكل فمن أجلك كانت خلعة الكل وكل ما قد فعله الملائكة قد فعلوه من أجلك وهذا مجمل القول ، وسينشر الله سبحانه وتعالى عليك كل طاعتهم جميعاً .

حكاية



قالت العباسة : في يوم القيامة يفر الخلق من الهيبة وتسود وجوه العصاة وذوي الغفلة في ساعة واحدة من كثرة اقترافهم المعصية وسيبقى من لا رصيد لهم في حيرة وسيظل كل فرد منهم في اضطراب وحسرة .

والحق تعالى يطيعه كل الملائكة طوال مئات الألوف من السنين من الأرض حتى السماء التاسعة ، ثم يأخذ الطهر من هؤلاء الأطهار وينعم به على الآدميين فيرتفع صوت الملائكة صائحين : أيها الخالق لماذا يقطع هؤلاء الخلق علينا الطريق ؟

فيقول الحق تعالى : أيها الملائكة إن كان هذا لن يصيبكم بالمضرة أو المنفعة فمن الأفضل أن يفيد منه الآدميون كما يلزم الخبز دائماً للجائعين .

_________________
( بسم الله الرحمن الرحيم ) قل هو الله أحد . الله الصمد . لم يلد ولم يولد . ولم يكن له كفوا أحد .
قل أعوذ برب الفلق . من شر ما خلق . ومن شر غاسق إذا وقب . ومن شر النفاثات في العقد . ومن شر حاسد إذا حسد .


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة: Re: كتاب منطق الطير لفريد الدين العطار
مشاركة غير مقروءةمرسل: الأحد يناير 25, 2015 11:03 pm 
غير متصل

اشترك في: الثلاثاء أكتوبر 30, 2007 4:26 pm
مشاركات: 3907
مكان: في حضن الكرام

المقالة العشرون

عذر طائر آخر



قال له آخر : إنني مخنث الجوهر وفي كل زمان انتقل من غصن إلى آخر ، أحياناً أكون فاجراً وأحياناً زاهداً وأحياناً ثملاً وأحياناً أكون معدوماً وموجوداً ، وأحياناً ألقي بنفسي في الحانات وأحياناً أشغل روحي بالمناجاة ، وأحياناً يحيد بي الشيطان عن طريقي لأمتع نظري ، وأحياناً تعيدني الملائكة إلى الطريق بلا تأخير ، وهكذا بقيت حائراً وسط هذين الأمرين فماذا أفعل وقد بقيت أسير البئر والسجن ؟

قال له الهدهد : يا من تملكته الحيرة في الطريق هكذا صار حكم الله بالنسبة لجميع الخلق ، إن هذه الخصال موجودة لدى الجميع وقلما وجد إنسان على صفة واحدة ، وإذا كان جميع الخلق أطهاراً منذ البداية فلم كان بعث الأنبياء أمراً موفقاً ، وإن تكن ولوعاً بالطاعة فإنك تقبل إلى الإصلاح في يسر وسهولة وطالما لا تقوم نفسك الجامحة فلن يجد جسدك راحة وسعادة .

يا من مكانك تنور الغفلة لقد أحاطت بك رغباتك من كل زاوية ، إن الدمع القاني هو أسرار القلب أما الشبع فهو صدأ القلب وإن تكن دائم الاهتمام بنفسك الشبيهة بالكلب فإنها تكون أقل من المخنث الجوهر .

حكاية



اختفى الشبلي فترة من بغداد فسيطر الاضطراب على حال مريديه وبحثوا عنه كثيراً في كل مكان فرآه شخص في بيت فسق ومجون وقد جلس وسط أولئك الفجرة دامع العينين وبشفة صادية فقال له : أيها العظيم الباحث عن السر أهذا مكانك آخر الأمر ؟

قال : إن هؤلاء الفجرة الفسقة سائرون في طريق المعنى وليسوا رجالاً ولا نساء وأنا مثلهم ولكن في طريق الدين ولست إمرأة ولا رجلاً أكثر منهم ، لقد ترديت في لؤمي وخستي لذا فإنني أخجل من آدميتي .

كل من آثر روحه جعل لحيته مفرشاً لخوان حبيبه واختار ذل نفسه كالرجال ونثر العزة على المساكين ، لكن إن ترغب في أن تكون محط أنظار الخلق فأنت أسوأ من الصنم وإن يتفاوت مدحك وذمك لنفسك فأنت صانع صنم لأنها تقيم الصنم ، فإن تكن عبداً للحق فلا تكن صانع صنم وإن تكن جديراً بالله فلا تكن آزرياً وليس هناك بين الخاص والعام أفضل من مقام العبودية مقام فكن عبداً ولا تدع أكثر من هذا وكن رجل حق فالعزة من الله فلا تبحث عنها لدى غيره ، وإن كانت مائة صنم تختفي في داخلك تحت الدلق فكيف تدعي أنك صوفي أمام الخلق ؟! فيا أيها المخنث لا ترتد أردية الرجال ولا تجعل نفسك مضطرباً على هذه الحال .

حكاية



ذهب شيخان إلى دار القضاء إذ كانت بينهما خصومة وجفاء ، فانتحى بهما القاضي جانباً وقال : لا يحسن من الصوفيين أن يتحاربا إنكما ترتديان رداء التسليم فلماذا أضرمتما هذا الخصام ؟ فإن كنتما أهل حقد وخصومة فعليكما بالتجرد من هذه الأردية وإن كنتما أهلاً لهذه الأردية فخصومتكما دليل على ما أنتما فيه من جهالة ومع أنني قاض ولست رجل معنى إلا أنني أخجل تماماً من ارتدائكما هذا المرقع .

من الأفضل لهما وضع قناع على مفرقيهما من أن يرتديا هذه المرقعات ، فإن لم تكن رجلاً أو إمرأة في طريق العشق فكيف يمكنك أن تحل أسرار العشق ؟ وإن ابتليت بقطع طريق العشق فألق أسلحتك لما أنت فيه من بلاء ، وإن كنت تدعي العزم على خوض هذا الميدان فعليك أن تسلم رأسك للريح وأن تتخلى عن الروح ، والآن لا ترفع رأسك بالدعوى أكثر من هذا حتى لا تظل في عارك هكذا .

حكاية



كان في مصر حاكم شهير فأغرم بهذا الحاكم رجل فقير ، وما أن وصل خبر عشقه إلى الحاكم حتى استدعى العاشق الهائم وقال له : إذا كنت قد أصبحت عاشقاً للسلطان فعليك باختيار أحد هذين الأمرين ، إما أن تغادر هذه البلدة وهذا الإقليم وإما أن تتخلى عن رأسك فداء لعشقي ، لقد قلت لك الأمر مرة واحدة فإما قطع الرأس وإما الرحيل .

لم يكن هذا الرجل خليقاً بالأعمال لذا اختار الرحيل عن الديار ، وما أن هم ذلك الفقير بالذهاب متخلياً عن عشقه حتى قال السلطان : اقطعوا رأسه عن جسده .

فقال الحاجب : إنه لم يرتكب أي جريرة فلم أمر السلطان بقطع رأسه ؟

فقال له السلطان : إنه ليس بعاشق إذ لم يكن صادقاً معي في طريق العشق فإذا كان يتصرف كالرجال لاختار قطع الرأس في هذا المجال .

كل من كانت رأسه أعز لديه من الحبيب فإن مزاولة العشق بالنسبة له أكبر ذنب ، وإذا كان قد اختار قطع الرأس لأصبح أميراً في هذه المملكة ولصار ملك العالم تبعه ولبادرت أنت إلى خدمته ، ولكن لما كان مدعياً في عشقه فقطع الرأس علاجه ، وكل من يتشدق بعشقي فهو مدع وغاية في النفاق ، وقد أمرت بذلك حتى يقلل كل مدع في عشقنا من التفاخر كذباً بعشقنا .

_________________
( بسم الله الرحمن الرحيم ) قل هو الله أحد . الله الصمد . لم يلد ولم يولد . ولم يكن له كفوا أحد .
قل أعوذ برب الفلق . من شر ما خلق . ومن شر غاسق إذا وقب . ومن شر النفاثات في العقد . ومن شر حاسد إذا حسد .


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة: Re: كتاب منطق الطير لفريد الدين العطار
مشاركة غير مقروءةمرسل: الاثنين يناير 26, 2015 9:24 pm 
غير متصل

اشترك في: الثلاثاء أكتوبر 30, 2007 4:26 pm
مشاركات: 3907
مكان: في حضن الكرام

المقالة الحادية والعشرون

عذر طائر آخر



قال آخر له : إن نفسي لي خصيم فكيف أقطع الطريق ورفيقي لص زنيم ؟ النفس كالكلب لم تطع لي أمراً مطلقاً ولا أعلم متى أحرر روحي من ربقتها ، إن ذئب الصحراء معروف لدي ولكن لا علم لي بهذا الكلب المدلل لدي ، ولقد تملكني العجب من عديمة الوفاء والصحبة فإلى متى تظل جاثمة في طريق المعرفة ؟!

أجابه الهدهد خير جواب حيث قال : يا من استمرأت فلكك بالنوم ويا من خدعك الكلب أشد خداع حيث وطئك كالتراب تحت أقدامه ، نفسك حولاء وعوراء وهي كلب وكذلك عاجزة وكافرة ، فإذا مدحك إنسان وأطراك فهذا كذب ولكن نفسك تسر بهذا الكذب فلا داعي لأن تهتم بشبيهة الكلب إذ أنها تسمن هكذا بالكذب .

في البداية يكون الجميع بلا حاصل فهم إما طفل وإما عديم القلب وإما غافل ، وفي الوسط يكون الجميع عديمي المعرفة ففي الشباب شعبة الجنون ، وفي النهاية عندما يكون الرجل المسن خليقاً بالأعمال تكون روحه قد أصبحت خرفة وجسده أسير الهزال ، إن كنت تزين عمرك هكذا بالجهل فكيف تزدان هذه النفس الشبيهة بالكلب ؟ وإذا كانت الغفلة من البداية إلى النهاية فلا جرم أن تخرج منها بلا حاصل .

ما أكثر عبيد هذا الكلب في هذا العالم ولعل نهاية كل شخص أن يكون عبداً لهذا الكلب ، لقد ماتت آلاف القلوب من الغم دائماً وهذا الكلب الكافر لم يمت لحظة .

حكاية



عاش حفار قبور عمراً مديداً فسأله سائل : لتقل لنا أي نادرة لقد قضيت دهراً طويلاً في حفر القبور أما رأيت شيئاً من العجائب تحت الثرى ؟

قال : ما رأيته عجيب كل العجب وهو أن نفسي الشبيهة بالكلب عاشت سبعين عاماً ويا للعجب ترى حفر القبور ولم تمت ساعة كما لم تطع لي أمراً لحظة .

حكاية



ذات ليلة قالت العباسة : أيها الحاضرون إن الدنيا تغص بالكافرين ، كما أن جمعاً من الكافرين الفضوليين يدعون الإيمان عن طريق التصديق ، فإن كان حدوث هذا في حيز الإمكان فلم كان بعث الأنبياء العديدين ؟ فإما أن تتبع هذه النفس الكافرة الإسلام ذات لحظة وإما أن يصيبها الفناء ، وما استطاعوا فعل هذا وهذا جائز وإلا فلم نشأ هذا التفاوت بين الناس ؟ طالما نظل في حكم النفس الكافرة فإننا نربي هذه الكافرة في داخلنا .

هذه النفس الكافرة التي لا تطيع أمراً متى يمكن أن يكون قتلها ميسوراً ؟ وإذا كانت النفس تجد العون من كل جانب فلن يكون عجيباً أن تزيد من المفاسد ، القلب فارس هذه المملكة ولكن النفس الشبيهة بالكلب نديمته طوال الليل والنهار ، ومهما يسرع الفارس في الصيد فإن الكلب يسرع في إثره ، وكل ما استمده القلب من حضرة الأحباب قد استمدته النفس كذلك من القلب ، وكل من يوفق في قتل هذا الكلب فإنه يوقع الأسد في الشباك في كلا العالمين ، وكل من جعل هذا الكلب خاضعاً له لن يدرك أحد قط تراب حذائه ، وكل من استطاع أن يقيد هذا الكلب بقيد متين يكون ترابه أفضل بكثير من دماء الآخرين .

حكاية



صار صاحب الثياب المهلهلة شيخ طريقة فرآه ذلك السلطان فجأة فقال : أينا أفضل أنا أم أنت يا مرتدي المرقعة ؟ فقال الشيخ : صه أيها الجاهل إن نمدح أنفسنا انعدم الطريق فمن يمدح نفسه انعدمت بصيرته ، ولكن إن وجبت الإجابة فأي فرد مثلي أفضل من مائة ألف مثلك بلا ريب ، ذلك لأن روحك لم تذق طعم الدين كما جعلتك نفسك حماراً ثم سيطرت عليك أيها الأمير وأصبحت تحت وطأتها وكأنك أسير وألجمت رأسك آناء الليل والنهار ووقعت في الرغبة إطاعة لما تصدره إليك من أوامر ومهما أمرتك يا عديم المروءة فأنت تسارع بالقيام بأوامرها ونواهيها .

أما أنا فعندما أدركت ما للقلب من سر جعلت نفسي الشبيهة بالكلب حماري وعندما أصبحت نفسي حماري ركبتها فالنفس الشبيهة بالكلب تعلوك وأنا أعلوها ، وعندما يمتطيك حماري فمن على شاكلتي يفضل من على شاكلتك مائة ألف مرة .

يا من تطرب من نفسك الشبيهة بالكلب إنها ستلقي فيك نار الشهوة ونار تلك الشهوة تسلبك ماء وجهك كما تسلب نور قلبك وقوة بدنك ويصيبك العمى والصمم والشيخوخة وكذا نقصان العقل وضعف الذاكرة .

تسير مئات الجيوش والجند كعبيد خلف أمير الموت وطوال الليل والنهار يواصل الجيش المسير أي أنهم على الدوام في إثر هذا الأمير ، وإذا كان الجيش يتقدم من كل صوب فستسقط من الطريق وكذا نفسك الشبيهة بالكلب ، ولقد ربطت سعادتك بالنفس الشبيهة بالكلب وتقضي عمرك في عشرتها على الدوام فقيدت نفسك بهذه العشرة ووقعت كذلك تحت ربقتها ، وإن يلتف حولك سلطان وحشم فستنفصل عن الكلب وينفصل عنك هذا الكلب وإن تنفصلا عن بعضكما هنا فستبتلى بالفرقة ، ولكن لا تحزن إن لم تتصلا هنا سوياً وذلك لأنكما ستنعمان في النار سوياً .

حكاية



حين التقى هذان الثعلبان تزاوجا بعد طول عشرة ، ثم ذهب ملك إلى الصحراء مصطحباً فهداً وصقراً وألقى شباكه على هذين الثعلبين ، فكانت الأنثى تسأل الذكر : أيها الباحث عن الثقوب لتقل إلى أين نصل في النهاية ؟ قال : إن كنا لنا من العمر بقية ففي دكان الفراء بالمدينة .

_________________
( بسم الله الرحمن الرحيم ) قل هو الله أحد . الله الصمد . لم يلد ولم يولد . ولم يكن له كفوا أحد .
قل أعوذ برب الفلق . من شر ما خلق . ومن شر غاسق إذا وقب . ومن شر النفاثات في العقد . ومن شر حاسد إذا حسد .


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة: Re: كتاب منطق الطير لفريد الدين العطار
مشاركة غير مقروءةمرسل: الثلاثاء يناير 27, 2015 9:51 am 
غير متصل

اشترك في: الثلاثاء أكتوبر 30, 2007 4:26 pm
مشاركات: 3907
مكان: في حضن الكرام

المقالة الثانية والعشرون

عذر طائر آخر



وقال له آخر : لقد قطع علي إبليس الطريق أثناء الحضور بما ألقاه في قلبي من زهو وغرور ، ولأني لا أستطيع مغالبته فقد ثار الاضطراب في قلبي من غبنه فكيف أستطيع النجاة منه وتكون لي حياة من خمر المعنى ؟

قال الهدهد : ما دامت هذه النفس الشبيهة بالكلب أمامك فهل يفر إبليس مسرعاً من صدرك ؟ خداع إبليس قد ألبس عليك حتى أن نزواته قد تولدت فيك واحدة واحدة فإن تحقق لنفسك رغبة واحدة فإنها تولد بداخلك مائة إبليس والسلام ، وموقد حمام الدنيا الشبيه بالسجن قد أصبح كله من إقطاع الشيطان فكف يدك عن إقطاعه حتى لا يكون له أي صلة بك على الإطلاق .

حكاية



ذهب غافل صوب عابد في صومعة واشتكى كثيراً من إبليس حيث قال : لقد قطع إبليس علي الطريق بتلبيسه كما أفسد علي تديني بوقاحته .

فقال له الرجل : أيها الشاب العزيز لقد جاء إبليس قبلك أيضاً وكان يشتكي وهو مستاء منك كما وضع التراب على رأسه بسبب ظلمك وقال : إن الدنيا جميعها إقطاعي ومن يعاد الدنيا فليس خليقاً بي ، فقل له : امض في طريقك وكف يدك عن إقطاعي حتى لا يكون لإنسان قط أي صلة بك فكل من خرج من إقطاعي بالتمام لا يكون لي معه أي أمر والسلام .

حكاية



قال ذلك العزيز لمالك بن دينار : إنني لا أدرك حالي فهل أنت كذلك ؟ إنني أطعم الخبز على خوان الحق ثم أنفذ جميع أوامر الشيطان .

قال مالك بن دينار : أيها البر الكريم لقد صاد الشيطان الكثيرين مثلك كما انتزعك الشيطان من الطريق فعدمت الحول ولم يبق لك من الإسلام غير القول ، وقد أصبحت أسير الدنيا الدنية وعلا الغبار مفرقك وكأنك جيفة ، فإن كنت أقول لك : تخل عن الدنيا إلا أنني في هذا الزمان أقول لك احرص عليها ، لقد أسلمتها كل حظ كان لك فكيف تستطيع التخلي عنها بسهولة من يدك ؟!

يا من غرق في بحر الطمع مما به من غفلة إنك لا تعلم من أجل أي شيء ستعمر ، لقد لبس العالمان رداء المأتم ويذرفان الدمع وأنت ما زلت تتردى في معصيتك ، لقد سلب حب الدنيا ذوق إيمانك كما سلب الطمع في هذا وذاك روحك .

ما الدنيا إلا وكر للحرص والطمع وهي ما تبقى عن فرعون والنمرود ، أما قارون فقد مضى وولى كما أصيب شداد بالشدة والمحنة ، وقد قال الحق تعالى : إن اسمها الفانية إلا أنك ترديت في شباكها وطالما لحقك أذى هذه الدنيا الدنية فستكون جيفة في هذه الفانية ، وكل من يصيبه الضياع في ذرة من هذه الفانية متى يستطيع أن يكون خليقاً بالرجولة ؟ وستبقى طوال الليل والنهار حائراً ثملاً حتى تمدك الفانية بأي عون ولكن من يتحد لحظة مع الدنيا يصبه النقصان كثيراً في الدنيا ..

ما عمل الدنيا إلا بطالة وما البطالة إلا أسر للجميع وما الدنيا إلا نار موقدة إذ تحرق العديد من الخلق في كل لحظة ، وعندما يزداد لهيب هذه النار فمهما كان الرجل شجاعاً فهو يولي منها الفرار فكن شجاعاً أو اغمض عينك عن هذه النار وإلا فاحرق نفسك كالفراشة بهذه النار ، وكل من عبد النار كالفراشة فجدير بذلك المغرور الثمل أن يحرق ، وهذه النار تحيط بك من كل جهة وستحترق بها كل لحظة فانظر حتى تعرف أين مكانك وحتى لا تحرق مثل هذه النار روحك .

حكاية



قال أحد السادة وقت الصلاة : إلهي امنحني التوفيق والرحمة ، فسمع واله هذا القول منه وقال : إنك تأمل في الرحمة على عجل منه إن الدنيا لا تتسع لك من فرط دلالك كما أنك في كل زمان تتبختر بدفع من كبريائك ، لقد شيدت قصراً يناطح الفلك وزينت جدرانه الأربع بالذهب واتخذت عشرة غلمان وعشر جوار فكيف تكون الرحمة بين هذه الحجب الكثيفة ؟ فتنبه ، فعلى الرغم من كل هذه الأعمال فلك حق طلب الرحمة ! فليتملكك الخجل ، وإن كان نصيبك مثلي رغيفاً واحداً ففي تلك الآونة يكون لك حق في الرحمة وإن لم تحول وجهك عن الملك والمال فلن تتبقى لك زفرة واحدة بأي حال ، فأشح بوجهك في هذه الساعة عن الكل حتى تفرغ كالرجال من الكل ..

حكاية



قال رجل متدين : إن جماعة من السفلة قد حولوا وجه أحدهم أثناء احتضاره إلى القبلة ، قبل ذلك كان يجب أن يحول وجه ذلك الجاهل إلى القبلة على الدوام ، إذاً ما جدوى أن تزرع الغصن في الخريف ؟ وكذلك ما جدوى أن يحول الوجه الآن إلى القبلة ؟ لأن من يحول وجهه في تلك الآونة يمت جنباً فلا تبحث عن الطهر لديه .

_________________
( بسم الله الرحمن الرحيم ) قل هو الله أحد . الله الصمد . لم يلد ولم يولد . ولم يكن له كفوا أحد .
قل أعوذ برب الفلق . من شر ما خلق . ومن شر غاسق إذا وقب . ومن شر النفاثات في العقد . ومن شر حاسد إذا حسد .


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة: Re: كتاب منطق الطير لفريد الدين العطار
مشاركة غير مقروءةمرسل: الاثنين فبراير 02, 2015 10:49 am 
غير متصل

اشترك في: الثلاثاء أكتوبر 30, 2007 4:26 pm
مشاركات: 3907
مكان: في حضن الكرام

المقالة الثالثة والعشرون

عذر طائر آخر



قال آخر له : إنني أعشق الذهب حتى أصبح عشق الذهب في جسدي كاللهب ، وإن لم تكن في يدي وردة ذهبية فإنني لا أستطيع الاستقرار كوردة متفتحة ، فعشق الدنيا وذهبها بالنسبة لي جعلاني مفعماً بالدعوى خلياً من المعنى .

قال الهدهد : يا من تملكته الحيرة من الصورة لقد اختفى من قلبك صبح الصفا ، لقد بقيت في عمى ليلاً ونهاراً كما بقيت كالنملة للصورة أسيراً فكن رجل معنى ولا تتردد في عالم الصورة ، فالمعنى هو الأصل وعدمٌ تلك الصورة ، والذهب ما هو إلا حجر طلي بلون لذا فأنت طفل ابتلي باللون ، والذهب الذي يشغلك عن الرب ما هو إلا صنم فكن حذراً وألقه في التراب .

إذا كان الذهب لائقاً بمكان ما في النهاية ، فهو لائق بقفل فرج البغل ، إن الذهب لا يتيح لك فرصة مصادقة أحد كما يسلبك أي صبر ، وإن تعط مقدار حبة ذهباً إلى صوفي فإما أنك تقتله بذلك وإما أنك تقتل بذلك نفسك ، ويجب عليك ألا تتشبه بعمرو أو بزيد لأنك لو تعطى مقدار حبة للزمك مقام الجنيد .

بكومة ذهب تصادق الخلق ، وبهذه الكومة تكون لصاً موسوم الكتف ويلزمك أن تدفع إيجار متجرك كل شهر ولكن أي مخزن ذهب يلزمك ؟ لقد فنى عمرك الغالي وكذا روحك المعذبة حتى تكسب فلساً واحداً من دكانك ، فيا من يعطى كل شيء بلا مقابل هكذا أوقفت قلبك على الكل ولكن يلزمني الصبر فإن الزمان بلا شك سيسحب سلمك من أسفل المشنقة ، أنت غريق في الدنيا وكان يلزمك أن تكون غريق الدين ولن تلتقي أيها العزيز الدنيا مع الدين مطلقاً ، إنك تبحث عن الفراغ في دار المشغلة وعندما لا تجده ستصاب بالغمة والهموم ..

أنفق كل ما تملك وفي كل اتجاه فلن تنالوا البر حتى تنفقوا ، ويجب التخلي عن كل ما هو موجود بل يجب التخلي عن الروح كذلك فإن لم تستطع التخلي عن الروح فلن تستطيع التخلي عن المال والملك حتى ولو كان مخدعك من ثوب خلق فهو بالنسبة لك عقبة في الطريق ، فأحرق هذا الثوب أيها العارف بالحق وإلى متى تخادع الحق بارتداء الثوب الخلق ؟ فإن لا تحرق ذلك الثوب هنا خوفاً عليه فكيف تصل في الغد عارياً إلى ساعة الحشر العظيم ؟ فما أكثر ما تتعلق به في الدنيا وسيصبح كل منها خنجراً حاداً مصوباً إليك .

ويل لكل من أصبح أسير نفسه حيث يضيع في الحسرات من رأسه إلى قدمه ، أيها الغلام إن كلمة أو تتكون من حرفين هما الألف والواو وأنا أراهما في كلمتي خاك ( تراب ) وخون ( دم ) على الدوام ، فانظر الواو وقد استقرت وسط كلمة خون وانظر الألف وقد استقرت ذليلة وسط كلمة خاك .

حكاية



ملك أحد المريدين الجدد قليلاً من الذهب وكان يخفي عن شيخه هذا الذهب لكن الشيخ كان يعرفه ولم يقل شيئاً طالما ظل الذهب في الخفاء ، ثم ذهب المريد وشيخ الطريق معاً في سفر فبدا واديهما أمامهما جد مظلم ثم وضح في هذا الوادي طريقان ، فتملك الخوف من يملك الذهب حيث جعله الذهب يبدو كذليل مضطرب فسأل الشيخ : لم وضح أمامنا طريقان ؟ وأي طريق نسلك في هذا المكان ؟

فقال الشيخ : تخل عن كل معلوم لديك لأنه خطأ وأي طريق تسلكه فهو مقبول جائز ، فإذا كان لإنسان أن يعادي الفضة فسرعان ما يفر الشيطان خوفاً منه ولكي تتبين ما لخردلة من الذهب الحرام في يوم الحساب يلزمك أن تكون دقيقاً دقة من يقد الشعرة ، وقد عدت ثانية إلى الدين كحمار أعرج ووضعت يدك تحت الأحجار بلا جدوى وإن تقبل على السرقة فأنت شيطان وإن تقبل على الدين فأنت سلطان ، وكل من قطع الذهب الطريق عليه ضاع في الطريق وظل مقيداً أسير البئر ، فيا شبيهاً بيوسف تخلص من هذه البئر العميقة ولا تنطق بحرف فهذه البئر لها فوهة عجيبة .

حكاية



ذهب شيخ البصرة عند رابعة وقال : يا من أنت في العشق صاحبة الواقعة قولي طرفة لم تسمعيها من أحد ولم تقرئيها عن أحد ولم تشاهديها ، فلك بهاء أكثر منا أجمعين فهيا قولي فكم تشوقت روحي .

قالت رابعة : يا شيخ الزمان لقد نسجت حبلاً مرات ومرات وحملته وبعته فسر قلبي إذ كانت حصيلتي درهمين من فضة وما أمسكت بالإثنين معاً في قبضة واحدة بل أمسكت أحدهما في هذه اليد والآخر في تلك ذلك لأنني خشيت إذا اجتمعت قطعتا الفضة ألا أنام خوفاً من اللص .

عابد الدنيا قلبه وروحه مليئان بالهموم وتعترض طريقه مئات الألوف من العقبات الجسام ودواماً تبحث يده عن إحراز قطعة ذهب عن طريق الحرام وما أن تصل يده إلى إدراكها حتى يموت والسلام ثم يكون الذهب لوارثه حلالاً ، أما هو فقد يظل الذهب بالنسبة له وبالاً .

يا من بعت السيمرج بالذهب سيحترق القلب كالشمعة بعشق الذهب ، إذا كانت هذه الطريق لا تتسع لشعرة واحدة فكيف تتسع للصرة والذهب والفضة ؟ وإن تضع قدمك في الطريق يا شبيهاً بالنملة فمن العسير عليهم أن ينتزعوا شعرة واحدة من رأسك ، وإذا لم تكن هناك بادرة أمل في رؤية الأحبة فليس لشخص قدرة على البقاء بهذه المحلة .

حكاية



ذلك العابد الذي نال السعادة من الله قد ظل أربعمائة سنة في عبادة الله حيث اعتزل الخلق كما كان يحدث الله بالسر الخفي من وراء الحجب فكان الحق قرينه ولا قرين له غيره وكفاه أن الحق كان قرينه ..

وكان لهذا العبد بستان تتوسطه شجرة وقد اعتش طائر على هذه الشجرة وكان الطائر عذب الألحان جميل الصوت وكل لحن يحيط بمائة سر فوجد العابد في جمال صوته بعض الأنس في صحبته ..

أخيراً أوحى الحق لرسول ذلك الزمان بأن يقول لذلك الخليق بالأعمال : أفي النهاية ويا للعجب جعلت طاعتك هكذا أناء الليل والنهار ؟ كنت تحترق السنين شوقاً إلي حتى بعتني في النهاية بطائر ! إذا كان الطائر غاية في الفطنة والذكاء فقد خدعك في النهاية بصوته ، أما أنا فقد اشتريتك وعلمتك فإذا بك تبيعني نتيجة لخستك ، ولقد أحرقت بيدر الأنس والألفة فممن تعلمت هذا الوفاء ؟ إنك تبيع غاية في الرخص فلا تفعل وقد أصبحنا رفاقاً لك فلا تكن بلا رفيق .

_________________
( بسم الله الرحمن الرحيم ) قل هو الله أحد . الله الصمد . لم يلد ولم يولد . ولم يكن له كفوا أحد .
قل أعوذ برب الفلق . من شر ما خلق . ومن شر غاسق إذا وقب . ومن شر النفاثات في العقد . ومن شر حاسد إذا حسد .


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة: Re: كتاب منطق الطير لفريد الدين العطار
مشاركة غير مقروءةمرسل: الثلاثاء فبراير 03, 2015 10:31 am 
غير متصل

اشترك في: الثلاثاء أكتوبر 30, 2007 4:26 pm
مشاركات: 3907
مكان: في حضن الكرام

المقالة الرابعة والعشرون

عذر طائر آخر



قال له آخر : إن قلبي مفعم بالنار وذلك لأن مسقط رأسي مكان جميل ، إنه قصر مطلي بالذهب يبعث في القلب المسرة كما أن النظر إليه يكسب الخلق بهجة ، وما أتمتع به من سرور نابع كله منه فكيف أنتزع القلب منه ؟ لقد أصبحت ملك الطير في ذلك القصر الشاهق فكيف أتحمل في النهاية هذه المشاق ؟ فإن أتنازل عن كل هذه السلطنة فكيف أعيش بدون مثل هذا القصر ؟ وأي عاقل تخلى عن جنة إرم ليختار في السفر المشقة والألم ؟!

فقال الهدهد : يا عديم الهمة وعديم الشهامة ما أنت إلا كلب فوق موقد فماذا يتأتى منك ؟ وما الدنيا إلا هذا الموقد وما قصرك إلا جزء من هذا الموقد ، وإذا كان قصرك جنة الخلد فقد تحول مع الأجل إلى سجن المحنة وإن لم يكن الموت مسلطاً على الخلق لكان استقرارك في هذا القصر من اللائق ..

حكاية



شيد ملك قصراً مطلياً بالنضار وأنفق عليه الكثير من الدنانير وما أن أصبح ذلك القصر شبيهاً بالجنة تماماً حتى نظمه بالفرش والتحف وكل من قدموا إلى القصر من جميع الديار انهالت عليهم الخدمات من كل جانب ، ثم استدعى السلطان الحكماء والندماء وأجلسهم أمامه وجلس هو على العرش وقال : إن قصري على أي حال لا يوجد ما يشوبه في عالم الحسن والجمال ..

قالوا جميعاً : إنهم لم يروا ولن يرى أي فرد مثل هذا على وجه الأرض ولكن زاهداً نهض وقال : أيها السعيد الحظ لقد بقي به عيب وهو عيب جد خطير فإن لم يكن في هذا القصر ذلك العيب لكان كقصر من قصور الفردوس .

قال السلطان : ولكنني لم أر فيه أي عيب فلعلك تحرض أيها الجاهل على الفتنة .

فقال الزاهد : يا من يتعالى بالسلطنة عيبه أن عزرائيل سيعوده فماذا أنت فاعل مع هذا العيب الكبير ؟ وإلا فأية قيمة لقصرك وتاجك وعرشك ؟ إذا كان هذا القصر شبيهاً بالجنة حسناً فسيجعله الموت يزداد في نظرك قبحاً لن يخلد شيء قط وإذا كان هذا المكان موجوداً الآن فلن يخلد أبداً فهل لهذا الأمر من حيلة ؟ فلا تفاخر بقصرك كثيراً ولا تركض جواد كبريائك وهو جموح ، وإذا كان هناك شخص لا يقول لك عيبك وذلك هيبة من سلطانك ومكانتك فالويل لك ..

حكاية



شيد تاجر مفتون قصراً عجيباً وقد طلاه بالذهب وما أن انتهى من تشييده حتى دعا الجميع لمشاهدته فدعا خلقاً عديدين وعجب ليروا قصره الجميل ، وفي يوم الدعوة كان الرجل المفتون يسرع الخطى هنا وهناك فرآه مجذوب قضاء وقدراً فقال له : إنني أرغب في الإسراع لألقي نظرة على قصرك يا عديم النضج ولكني مشغول فالتمس لي عذراً قال هذا ثم قال : لا تتعب نفسك كثيراً ..

حكاية



أرأيت عنكبوتاً لا يقر لها قرار إذ تقضي الوقت سابحة في عالك الخيال ، إنها تصنع شبكة عجيبة من هوسها إذ ربما تسقط ذبابة في حبالتها ، وعندما تتردى ذبابة في هذه الحبالة فإنها تمتص دماء شرايين تلك الفريسة ثم تجففها في مكانها حيث تتخذها طوال فترة طعاماً لها ، وفجأة ينهض صاحب الدار وقد أمسك بعصا في يده فيقوض في لحظة دعائم بيت العنكبوت وكذا الذبابة ..

الدنيا ومن يرتزق فيها أشبه بذبابة داخل بيت العنكبوت فإن دانت لك الدنيا كلها فسرعان ما تضيع منك في غمضة عين وإن كنت بسلطنتك في كبر وتعال فما أنت إلا طفل في الطريق تتلهى بخيال الظل فلا تطلب الملك إن لم يكن لك عقل حمار إذ يعطى الملك للدواب أيها الجاهل ..

كل من يملك طبلاً وعلماً ليس درويشاً إذ ليس له من عمل غير الريح والصوت الريح في العلم والصوت في الطبل وتلك الريح وهذا الصوت لا يساويان أكثر من نصف دانق فلا تركض كالأبلق السخف هكذا ولا تتدلل في غرور سلطنتك هكذا وسيسلخ النمر في النهاية كما ستسلب من نفسك بلا توان ، وإذا صح المحال في محيط الرؤية فالضياع أفضل وإلا فالانتكاس رأساً على عقب ، ليس في إمكانك التعالي والغرور فاخفض رأسك فإلام المخاطرة ؟ فإما أن تطأطيء الرأس ولا تتظاهر بالسيادة مرة أخرى وإما أن تمتنع عن المقامرة ..

يا من قصرك وحديقتك هما سجنك إن ثروتك هي بلاء روحك تخل عن الدنيا الغرور وإلام تجوب الدنيا المليئة بالفجور ؟ فافتح عين الهمة وتمحص الطريق وانظر إلى الأعتاب وامض في الطريق وإذا ما أوصلت روحك إلى تلك الحضرة فلن تتسع الدنيا لك لما أنت فيه من العظمة ..

حكاية



كان رجل نحيل مهموم يحث الخطى قاصداً الصحراء حتى وصل إلى صوفي هناك فقال : كيف تملك أيها الصوفي زمام أمرك ؟ قال : عن أي شيء تسأل في النهاية ؟ لتلتزم الخجل لقد عشت في ضنك هذه الدنيا حتى ضاقت بي دنياي في هذا الزمان ..

قال الرجل : إن ما قلته يجافي الحقيقة فهل ضاقت بك الصحراء الشاسعة ؟

قال الصوفي : إن لم يكن هذا المكان ضيقاً لما وقفت علي هنا مطلقاً ، إن وعدت وعوداً عديدة براقة فهذه علامة على أنه سيلقي بك في النار المحرقة وما نارك إلا الدنيا فابتعد عن هذه النار وافعل كما فعل الأبطال وكن حذراً من هذه النار وإن تخليت عنها ملكت زمام قلبك بعد ذلك يكون قصر السرور في متناول يدك ، النار في المقدمة والطريق جد طويلة والجسد ضعيف والقلب أسير والروح نافرة ، أنت خالي الوفا من كل شيء فأقبل على العمل واجتهد فيه .

إذا كنت قد خبرت الدنيا فقدم روحك نثاراً فلن تجد من الدنيا اسماً أو أثراً وإن تركت الكثير فلن ترى شيئاً مطلقاً وماذا أقول بعد كل هذا ؟! فلا يتملكك الغضب مطلقاً .

حكاية



كان هناك أبله مات فلذة كبده فانعدم الصبر والراحة والاستقرار عنده وسار صاحب المأتم خلف النعش لا يقر له قرار ثم صاح متأوهاً : يا ولدي يا من مضيت ولم تر الدنيا كيف رحلت عن هذه الدنيا ؟

سمع مجذوب هذا القول ورأى هذا الفعل فقال : لقد رأى الدنيا مائة مرة وأنت إن ترغب في حمل الدنيا معك فستكون كمن لم يرها كذلك فإلام تظل تطمع في هذه الدنيا ؟ لقد انقضى العمر فمتى تصنع دواء لهذا الداء ؟ وإن لم تتخلص من نفسك الخسيسة فستفنى روحك الغالية في النجاسة ..

حكاية



كثيراً ما كان يحرق ذلك النافل الأعواد ثم يطلق في كل مرة زفرة طرب واستحسان فقال ذلك العزيز المشهور لذلك الرجل : إلام تطلق الزفرة والعود يحترق ألماً ؟!

_________________
( بسم الله الرحمن الرحيم ) قل هو الله أحد . الله الصمد . لم يلد ولم يولد . ولم يكن له كفوا أحد .
قل أعوذ برب الفلق . من شر ما خلق . ومن شر غاسق إذا وقب . ومن شر النفاثات في العقد . ومن شر حاسد إذا حسد .


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة: Re: كتاب منطق الطير لفريد الدين العطار
مشاركة غير مقروءةمرسل: الثلاثاء فبراير 03, 2015 1:27 pm 
غير متصل

اشترك في: الثلاثاء أكتوبر 07, 2014 5:10 pm
مشاركات: 483
السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته

ما الطف المعانى لو رقت الاوانى ،

ما احوج تلك الكتب للنشء فى هذا الزمان فضلا عن الكبار

هل يطول العمر ليرى المرء عودة التاديب و التعليم ؟

( الحمد لله وسلام على عباده الذين اصطفى )

جزاكم الله خيرا .

_________________
في كل رواق للحسين يوجد سيف و بطلين


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة: Re: كتاب منطق الطير لفريد الدين العطار
مشاركة غير مقروءةمرسل: الأربعاء فبراير 04, 2015 11:35 am 
غير متصل

اشترك في: الثلاثاء أكتوبر 30, 2007 4:26 pm
مشاركات: 3907
مكان: في حضن الكرام
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته أخي الفاضل / سبيل الرسول صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم ..

ذكرتني أخي بحديث صاحب العزة صلوات الله وسلامه عليه وآله : الخير في وفي أمتي إلى يوم القيامة ، أو كما قال صلوات الله وسلامه عليه وآله وصحبه ..

وإذا تلاحقت بنا الفتن وهذا أمر الله سبحانه ، تشبثنا بحضرة النبي وأهل بيته والصالحين عسى أن نتشبه بالرجال ..
وعسى أن نكرم بنظرة تشفي قلوبنا وأرواحنا وأبداننا وتربينا وترقينا ..

لذلك نستمتع بمنطق الطير وكيف كان أدب الصالحين في مقاماتهم وأحوالهم وكيف الطريق وما يعترضه ، جزى الله سيدي فريد الدين العطار وأمثاله وشيوخنا ومن أكرمونا وعلمونا عنا كل خير ..

نورت أخي بتعليقكم الجميل ، وتأكد أن الحق يغار على دينه وأن لله جنده وأهله ، والتربية موجودة وستزداد رغم أنف الحاقدين أعداء الإسلام ، جزاني الله وإياكم كل خير ، وجعلنا ممن يستفيد من هذه الدرر الصوفية القيمة ..

المقالة الخامسة والعشرون

عذر طائر آخر



قال آخر له : أيها الطائر العظيم القدر إن عشق المحبوب ألقاني في الأسر ، فقد اعترض عشقه طريقي فسلبني عقلي وفعل معي فعله وأصبح خيال وجهه قاطع طريقي وأضرم النار في كل بيادري وبدونه لا يمكن أن يقر لي قرار لحظة والصبر عن هذا المعشوق كفر عندي ، وإذا كان قلبي قد احترق بين الآلام والأحزان فكيف أستطيع سلوك الطريق أنا الولهان ؟!

إذا كان هناك واد يجب سلوكه فهناك مئات البلايا يجب تحملها ، وبدون وجه ذلك القمري الوجه كيف أستطيع سلوك الطريق ؟ إن دائي لا دواء له وأمري خارج عن نطاق الكفر والإيمان وكفري وإيمانه من نتاج عشقه كما أن النار في روحي مبعثها عشقه ، وإن أعدم المعين على هذا الغم فلا رفيق لي في العشق غير الغم وعشقه ألقاني وسط التراب والدم وأخرجتني زلفتاه من عالم الحجب وعندما عدمت القدرة معه فإنني لا أستطيع الصبر لحظة دون طلعته ، ولقد غرق تراب طريقي في الدم فماذا أصنع ؟ وهذا هو حال قلبي فالآن ماذا أصنع ؟

قال الهدهد : يا من بقيت أسير الصورة ويا من ظللت أسير الهم من الرأس إلى القدم ، إن عشق الصورة ليس عشق المعرفة بل هو اللعب بالشهوة يا حيواني الصفة ، إن الجمال الذي يؤول إلى النقصان يكون في عشقه للرجل كل خسران ، والصورة التي تزين بالأخلاط والدم تسمى بعد ذلك بقمر التم ، ولكن إذا بهتت ألوان تلك الصورة لما وجد أقبح منها في هذا العالم ، ومن يكن حسنه من الأخلاط والدماء فأنت تعلم كيف تكون نهاية هذا الحسن ..

ما أكثر ما طفت حول الصورة تبحث عن العيوب ، أما الحسن ففي عالم الغيب فابحث عن الحسن لدى الغيب ، وإذا سقط الحجاب من أمام العمل فلن تبقى الديار ولا الديار وتنمحي صورة الآفاق جميعها ويتبدل عز الجميع إلى ذل وعشق الصورة يا من يبحث عن المعنى يعادي بعضه بعضاً ، أما من يعشق عالم الغيب فهذا هو العشق الحق إذ يخلو من كل عيب فإن يقطع شيء غير هذا العشق الطريق عليك فلن يكون هناك إلا ندم كثير يصيبك ..

حكاية



كان أحد المهمومين يبكي أمام الشبلي فسأله الشبلي : لم هذا البكاء ؟ فقال : أيها الشيخ لقد كان لي حبيب سلبني الروح وبالأمس توفى فمت غماً وكمداً عليه وأصبحت الدنيا بموته مجللة بالسواد أمامي ..

قال الشيخ : إن كنت قد فقدت قلبك بسبب هذا فالنتيجة هذا الغم ولا يليق بك أكثر من هذا وما عليك إلا أن تتخذ حبيباً آخر حبيباً لا يموت حتى لا تموت كمداً عليه ، فالمحبة التي يصيبها النقصان بالموت صداقتها تجلب للروح الهموم والمشقة ..

كل من ابتلي بعشق الصورة تحدق به المصائب من هذه الصورة وسرعان ما تخرج تلك الصورة من يده فتتملكه الحيرة ويبقى أسير حزنه وكمده ..

حكاية



ملك أحد التجار الكثير من الأموال والعقار كما كان لديه جارية شفتها في حلاوة السكر ، وفجأة باعها فرحلت عن الديار فتملكه اليأس والقنوط والصغار فذهب إلى سيدها وهو لا يقر له قرار ذهب ليشتريها ثانية بثمن يزيد ألف دينار وقد أصيب بالحرقة أمام هذه الرغبة ولكن سيدها لم يبعها ثانية فكان التاجر يهيم في الطرق على الدوام وهو ينثر التراب على رأسه وأخذ ينوح قائلاً : إن غمي لجد عظيم ومن ذا الذي ابتلي بمثل هذا الغم إذ تملكته الحماقة وأغلق عينه وعقله وباع بدينار معشوقته ، كم زينتها بنفسك يوم السوق وطلبت لنفسك المضرة والمشاق !

كل نفس من أنفاس عمرك جوهر وكل ذرة منك لدى الحق بمثابة مرشد ، ونعماء الحبيب تشملك من أولك إلى آخرك فأحص بنفسك نعماء حبيبك حتى تعلم عمن بعدت وتعلم أنك صبرت كثيراً على الفراق ، لقد خلقك الله غاية في العز والدلال أما أنت فقد بقيت مع الغير مما بك من جهل ..

حكاية



ذهب أحد الملوك إلى الصحراء للصيد وقال لمدرب الكلاب : أحضر الكلب السلوقي .

كان للملك كلب مدرب له رداء مخيط من الحرير والأطلس وطوق مرصع بالجواهر تدلى من عنقه للزينة والفخر ووضعت في رجليه ويديه خلاخيل ذهبية كما وضع في رقبته خيط حريري ناعم الملمس ، وكان الملك يعامل كلبه برقة فأمسك بخيط الكلب وتقدم الملك فتبعه الكلب مسرعاً ثم اعترض طريق الكلب بعض العظم فما تخلى الكلب عن مكان العظم .

نظر الملك حيث توقف الكلب فاشتعلت نار الغيرة في رأس الملك اشتعلت نارها لأن الكلب قد ضل الطريق فقال : أفي النهاية مع ما لمثلي من سلطان يمكن النظر إلى غيري ؟ فقطع ذلك السلطان الخيط وقال : أطلقوا سراح هذا الجاهل في التو والحال ، لو طعم الكلب مائة ألف إبرة لكان هذا أفضل من هذا العمل الشائن .

قال مدرب الكلاب : إن الكلب مزدان بالجواهر وقد فكت جميع قيوده فإذا كان هذا الكلب قد أصبح بالصحراء والفيافي أليق فالحرير والذهب والجواهر بنا أليق ..

قال الملك : اتركه على ما هو عليه وامض وطهر قلبك من الذهب والفضة وامض ، حتى إذ عاد إلى رشده رأى نفسه مزداناً هكذا فيتذكر أن كان له صاحب وأنه قد انفصل عن ملك مثلي ..

يا من صادقت رفيقاً في البداية ثم عن طريق الغفلة انفصلت عنه في النهاية ، ضع قدمك في طريق العشق الحقيقي تماماً واشرب الكأس مع التنانين كالرجال ومهما مثلت التنانين بالطريق فعلى العشاق سفك دمائهم ، ومن يؤذ روح إنسان تكن التنانين مجرد نملة أمام إيذائه ، وإذا كان عاشقوه واحداً أو مائة فإنهم يظلون في طريقه متعطشين لدمائه ..

حكاية



عندما علق الحلاج على الأعواد في ذلك الزمان ما ردد لسانه غير قولة أنا الحق ، ولما لم يفهم الخلق قوله قطعوا أوصاله وما أن نزف الدم غزيراً حتى علا الاصفرار وجهه إذ كيف يظل احمرار وجه الإنسان في ذلك الموقف ؟! وذلك الذي له مسلك الشمس سرعان ما حك وجهه القمري بيده المقطوعة وقال :

إذا كانت الحمرة التي تزين وجه الرجال هي الدماء فقد جعلت الآن وجهي أشد حمرة بتلك الدماء ، وذلك حتى لا يبدو أصفر في عين أحد فما أكثر حاجتي لأن يكون وجهي مشرباً بالحمرة لأني لو بدوت لأحد أصفر الوجه فربما ظن أن الخوف هنا قد تملكني ، ولما لم يخامرني الخوف قيد شعرة فلا بد وأن يكتسي وجهي بالحمرة ، وحينما يوجه الجلاد رأسي نحو المشنقة فسيكون تجاه أسد في الشجاعة ، ولما كانت دنياي كحلقة حرف الميم فكيف يتملكني الخوف في هذا الموقف ؟ ومن استطاع أن يرقد ويطعم مع الحية ذات الرؤوس السبعة في شهر تموز قد صادف الكثير من هذه الترهات وأقل شيء أصابه هو الشنق ..

حكاية



تكلم الجنيد قدوة الدين وذلك البحر العميق ذات ليلة في بغداد فدفع سمو كلماته السماء للركوع على أعتابه صادية القلب ، وكان للجنيد ابن يماثل الشمس في الجمال والحسن فقطعت رأس ذلك الابن وألقيت بين الجمع في ذلة وانكسار ، وعندما رأى الجنيد تلك الرأس الطاهرة لم ينطق بحرف وأسلم قلبه للجمع مرة أخرى ثم قال : ذلك القدر العظيم الذي وضعته الليلة من الأسرار القديمة إذا كان في احتياج لنار تطهيه فلن يحتاج إلى أقل من هذه ولا أكثر .

_________________
( بسم الله الرحمن الرحيم ) قل هو الله أحد . الله الصمد . لم يلد ولم يولد . ولم يكن له كفوا أحد .
قل أعوذ برب الفلق . من شر ما خلق . ومن شر غاسق إذا وقب . ومن شر النفاثات في العقد . ومن شر حاسد إذا حسد .


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة: Re: كتاب منطق الطير لفريد الدين العطار
مشاركة غير مقروءةمرسل: الخميس فبراير 12, 2015 2:00 pm 
غير متصل

اشترك في: الثلاثاء أكتوبر 30, 2007 4:26 pm
مشاركات: 3907
مكان: في حضن الكرام

المقالة السادسة والعشرون

عذر طائر آخر



قال له آخر : إنني أخشى الموت فالطريق طويل وقد عدمت الزاد والقوت وهكذا يرهب قلبي الموت ، إن روحي ستزهق في أول مرحلة حتى وإن أكن الآن سيد الأجل وذا حول وطول وإن يحل الأجل أمت متألماً متأوهاً ، فكل من يغالب الأجل بقوة السيف تصبح يده قلماً ويتحطم ما بيده من سيف ، وا أسفاه لن يبقى في هذه الدنيا من اليد والسيف غير الأسى ، فوا حسرتاه .

قال له الهدهد : أيها الضعيف العاجز إلى متى ستبقى حفنة من عظام ؟ فيا من ستختلط ببعضها البعض ومن سيذوب عقله في عظامه أنت لا تعرف هل يطول عمرك أو يقصر وما الباقي من العمر إلا لحظات إلام نعيشها ؟ كما أنك لا تعرف أن كل فرد من بني البشر مآله التراب وكل ما بيده ستذروه الرياح فلقد ربيت لموتك وبعثت إلى الأرض من أجل حملك .

ما الفلك إلا طست مقلوب ويغص هذا الطست كل ليلة بالدم من الشفق ، فإذا مرت الشمس بسيوف أشعتها فإنها تلقي كل هذه الرؤوس المدببة في طستها ، وإذا كنت قد أقبلت ملوثاً أو طاهراً فما أنت إلا قطرة ماء وسط الثرى ، وإذا كانت قطرة الماء كلها آلام فكيف تستطيع منازلة البحر في عراك وخصام ؟ حتى ولو كنت ذا حول وطول طوال عمرك في الدنيا فستسلم روحك بكل حرقة وأسى .

حكاية



الققنس النادر طائر جذاب ومقر هذا الطائر بلاد الهند والبنجاب ، له منقار صلب طويل عجيب يشبه الناي وبه العديد من الثقوب ، ففيه ما يقرب من مائة ثقب وفتحة ، ولا زوج له إذ يعيش في عزلة ، ولكل ثقب نغمة متباينة ووراء كل نغمة أسرار مغايرة ، فإن ينح بكل الثقوب متأوهاً يفقد السمك والطير راحتها واستقرارها ويسيطر الصمت على جميع الطيور وتصبح إزاء صوته فاقدة الشعور ، وأمام مكانته هذه هام به فليسوف وتعلم الموسيقى من صوته العذب .

وكان عمر الققنس قد ناهز الألف أو اقترب لذا وضح أن موعد أجله قد قرب ، وعندما حان وقت انتزاع قلبه وموته إذا به يجمع حوله من الحطب مائة كومة ويظل لا يعرف الراحة والاستقرار وسط الحطب ويواصل النواح بحرقة واضطراب ، فكان كل ثقب يرسل بفعل روحه الطاهرة نواحاً متبايناً يحمل الأسى والحرقة وعندما ينوح بكل الثقوب يكون لكل ثقب لحن مختلف ، وفي وسط النواح كانت فرائصه ترتعد خشية الموت وكأنه ورقة شجر .

أمام هذا الصراخ وذلك الصوت كانت الطير جميعها وكذلك الحيوانات المفترسة تقبل صوبه لتنظره وقلوبهم قد تخلت عن الدنيا لشدة أحزانهم ، وفي ذلك اليوم وبسبب ما به من غم ما أكثر الحيوانات التي تسلم الروح أمامه ويصبح الكل حيارى من النواح ويصير البعض من العجز فاقدي الأرواح .

وأعجب الأيام يومه فهو ينزف دماً من آلام قلبه ، وعندما يصل عمره إلى آخر زفرة يرفرف بجناحيه إلى الأمام والخلف وتتطاير النار من جناحه ، بعد ذلك تصبح النار كل حاله وسرعان ما تسقط النار في الحطب فتحرق حطبه وهو في قمة السرور ، ويصبح الطائر والحطب كلاهما جمرة من نار ثم تتحول الجمرة بعد ذلك إلى رماد ، وما أن يختفي كل شيء حتى يبدو الققنس من بين الرماد ، إن النار تحيل الحطب رماداً فكيف يعاود الققنس الظهور من بين الرماد ؟!

ما حدث هذا لإنسان قط في الحياة ومن ذا الذي يلد أو يولد بعد الممات ؟! وإن تمنح عمراً مديداً كالققنس فإما أن تموت وإما أن تكلف بالمزيد من الأعمال ، كم ألم الاضطراب بالققنس خلال الألف سنة ، فكثيراً ما كان ينوح حزناً على نفسه ويطلق الآهات ، وقد قضى تلك السنوات حبيس الأحزان والغمة بلا ولد ولا زوجة حبيس الوحدة والعزلة ، كان عديم القربة في جميع الأرجاء وقد استراح من محنة الأولاد والنساء ، وعندما حل به الأجل في آخر حياته أصبحت ذرات رماده نثاراً في مهب الريح ..

لعلك تعلم أنه بسبب مخلب الأجل لن يستطيع فرد إنقاذ روحه ولو بشتى الحيل وفي جميع الآفاق ، لا وجود لإنسان لن يدركه الموت ، وانظر إلى هذه العجائب إذ لا حيلة لأي شخص حيالها أو قوة ، ومهما كان الأجل ظالماً قاسياً فعليك أن تطأطيء له الرأس راضياً ، وإذا كانت أمور كثيرة ألمت بنا فهذا الأمر أقسى منها وأشد بالنسبة لنا .

حكاية



كان أحد الأطفال يتوجه صوب قبر أبيه وهو يذرف الدمع ويقول : أبي إن هذا اليوم الذي أصاب روحي بالآلام ما أصابني مثله من قبل طوال أيامي .

فقال له صوفي : من كان لك أب ، ما مر عليه مثل هذا اليوم مطلقاً ، وليس أمراً ذا بال ما أصاب الابن ولكن الأمر غاية في الإشكال بالنسبة للأب .

فيا من أتيت إلى الدنيا فاقداً قدمك ورأسك ستظل الريح تنثر التراب على رأسك حتى ولو تجلس في صدر المملكة فسترحل وما في يدك غير قبض الريح ! .

حكاية



عندما أسرع الموت صوب عازف الناي سأله أحد الأشخاص : يا من هو في عين السر كيف حالك وقت الشدة ؟ قال : لا يمكن التعبير عن حالي مطلقاً فقد كنت طوال حياتي كالريح عاتياً وسرت في النهاية صوب التراب وليس لي من داء غير مواجهة الموت فقد نضبت نضارة وجهي من الحرقة .

لقد ولدنا جميعاً من أجل الموت ولن تخلد الروح لذا أسلمنا القلب ، ومن ملك العالم تحت إمرته صار في هذا الزمان رماداً تحت الثرى ، ومن وخذ الفلك برمحه سرعان ما أصبح كماً مهملاً في لحده ولقد رقد الجميع تحت التراب وهم غاية في الاضطراب .

انظر إلى الموت فما أصعبه من طريق وما القبر إلا أول مراحل هذا الطريق ولو تعلم شيئاً عن مرارة موتك لسيطر الاضطراب والهم على روحك .

حكاية



شرب عيسى ماء من نهر عذب فكان طعم الماء يفوق في عذوبته ماء الورد ، وملأ شخص آخر جرة من هذا النهر ومضى ، فجاءه عيسى وشرب من ماء الجرة فأصبح فمه غاية في المرارة من ماء الجرة ، فعاد وقد تملكته الدهشة والحيرة وقال : إلهي إن ماء الجرة وماء النهر كلاهما من ماء واحد فما السر ؟ ولم يبدو ماء الجرة غاية في المرارة ؟ ولم يبدو ماء النهر يفوق العسل المصفى حلاوة ؟!
جاءت تلك الجرة صوب عيسى تحادثه فقالت : يا عيسى إنني كرجل مسن أصابه الوهن فقد عشت عمراً مديداً تحت قبة الأفلاك التسعة فصرت كأساً وجرة وغرارة ، وإن تجعلوني جرة ألف عام فلن يكون لي إلا مرارة الموت والهم وسأظل أشهر بالمرارة من الموت على الدوام كما يظل مائي بسبب هذا الهم مراً على الدوام .

أيها الغافل لتبحث عن الأسرار في النهاية لدى الجرة ولا يتملكك العجب والدلال من الغفلة أكثر من هذا ، ولقد أفنيت نفسك يا من تبحث عن السر وقبل ذلك كانت لك روح باحثة عن السر ، وإن لا تجد حياتك مرة أخرى فكيف يكون في مقدورك عندما تموت معرفة سرك ؟ ولن تستطيع بفطنتك معرفة أي خبر عن نفسك كما لن يبقى لك أي أثر بعد موتك ، الحي مآله الفناء وراء أشياء تافهة ، فقد ولد خليقاً بالآدمية ولكنه حاد عنها بعد ذلك ، فمئات الألوف من الحجب تقف في طريق ذلك السالك فكيف يستطيع إدراك نفسه بعد ذلك ؟!

حكاية



عندما كان بقراط في النزع الأخير كان معه تلميذه فقال : أستاذي الكبير كيف نكفنك ونطهر جسدك ؟ وفي أي مكان من الأرض نضعك ؟

قال : إن كنت ترغب في العثور علي مرة أخرى فادفني في أي مكان ترغب ، ولكني عشت عمراً مديداً ولم أجد نفسي فكيف تجدني أنت بعد موتي ؟ فإذا ما رحلت فهذا وقت الفناء حيث لن تعرف شعرة واحدة من شعر رأسي أي خبر عني .

_________________
( بسم الله الرحمن الرحيم ) قل هو الله أحد . الله الصمد . لم يلد ولم يولد . ولم يكن له كفوا أحد .
قل أعوذ برب الفلق . من شر ما خلق . ومن شر غاسق إذا وقب . ومن شر النفاثات في العقد . ومن شر حاسد إذا حسد .


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة: Re: كتاب منطق الطير لفريد الدين العطار
مشاركة غير مقروءةمرسل: الأحد فبراير 15, 2015 12:34 pm 
غير متصل

اشترك في: الثلاثاء أكتوبر 30, 2007 4:26 pm
مشاركات: 3907
مكان: في حضن الكرام

المقالة السابعة والعشرون

عذر طائر آخر



قال له آخر : يا طاهر الاعتقاد لم تمر بي لحظة واحدة وفق المراد ، فقد قضيت عمري كله في غم دائم كما كنت بائساً في هذا العالم ، وكم أنا مهموم إذ غص قلبي بالأحزان وأعيش في مأتم دائم بسبب هذه الأحزان ، وعشت على الدوام في عجز وحيرة وأكون كافراً لو أني شعرت بالسرور لحظة وبسبب كل هذا عشت أسير المشقة ، وسيصيبني الفناء والضياع إن تقدمت في الطريق خطوة ، فإن لم تكن هذه الهموم قدري لكان القلب غاية في السرور بهذا السفر ، ولكن إذا كان قلبي مفعماً بالأحزان فماذا أفعل ؟ وقد قصصت عليك حالي فماذا أفعل ؟

قال الهدهد : أيها المغرور لقد أقبلت مفتوناً ولهاً وغرقت من أولك إلى آخرك في الهوى ، عليك بالتخلي لحظة عن كل ما هو مرغوب ومكروه في هذه الدنيا ، فكل من يتخلى عن هذه الأشياء لحظة فإنه يتخلى عن عمره بدون ذلك الجنون .
إن تتخل عنك الدنيا فتخل عنها أنت أيضاً واتركها دون أن تعيرها اهتمامك أبداً ، وكل من يربط قلبه بشيء غير باق فلن يظل قلبه حياً على الإطلاق ..

حكاية



كان أحد السالكين عالي الهمة لم يشرب قط من يد مخلوق أي شربة ، فسأله سائل : يا من ينتسب إلى الحضرة العلية لم لم تتولد لديك في الشرب أي رغبة ؟!

قال : إنني أرى الموت يقف متأهباً فإن أشرب فسرعان ما ينقض ، ومع هذا الموت الموكل بي يوجد سمي إن أشرب ، وكيف تكون شربتي عذبة مع هذا الموكل بي ؟ إنها ليست من ماء الورد بل من نار ..

كل شيء لا يبقى إلا لحظة لا يساوي نصف دانق حتى ولو كان هذا الشيء هو العالم ، لا يكون الوصال من أجل ساعة فكيف أقيم بنياناً بغير أساس ؟؟! إن كنت سيء الحال لعدم تحقيق المراد فإن البعيد عن النوال يكون في لحظة قريب المنال ، وإن يصبك مكروه أو ألم فهذا مجال فخر لك لا مجال حسرة وتألم ، وكل ما أصاب الأنبياء من بلاء لا وجه شبه بينه وبين ما حدث في كربلاء ، ما يبدو لك في صورة ألم يعد في نظر ذوي العقول كنز والعناية تحرسك في كل لحظة ، كما يملأ إحسانه عالمك كلية ولكن لا نستطيع تذكر إحسانه وإنما ترى القليل من إيلامه فأين دليل المحبة في هذه الحال ؟؟! فامض يا عديم اللب ويا من كلك قشور ، إن كانت المحبة تلزمك في طريق العشق فيلزم أيضاً الاضطراب والدوار لروحك ورأسك كذلك ..

حكاية



كان يوجد ملك حسن الطوية وقد أنعم ذات يوم على غلام بفاكهة فكان الغلام يأكل فاكهته بنهم وقال : لم آكل ما هو أفضل منها وأطعم ، ولحسن ما كان يأكل الغلام تولدت لدى الملك رغبة في الاقتسام فقال : أيها الغلام أعطني نصفها فما أطيب ما تأكله من طعام .

أعطى الغلام الفاكهة للملك وعندما تذوقها ذلك الملك وجدها مرة فقطب الجبين وقال : إن ما فعلته لا يمكن حدوثه مطلقاً إذ كيف يصبح هذا الشيء المر حلواً يؤكل ؟؟!

قال الغلام : يا ملك الملوك لقد أتحفتني بآلاف التحف من يدك ، فإذا كانت الفاكهة جاءتني من يدك مرة فلا أستسيغ إعادتها ثانية ، إن كنت تنعم علي بالكنوز في كل لحظة فكيف يصيبني شيء واحد مر بأي غصة ؟ وإن كنت أعيش في كنفك فكيف أشعر بالمرارة من يدك ؟

إن أصابتك مكاره كثيرة في طريقه فاعلم يقيناً بأن ذلك كنز وكفى ، وأمره نافذ من البداية إلى النهاية فماذا أنت صانع إذا نفذ أمره ؟! وما أن عزم المحنكون على المسير فما طعموا لقمة دون غصة أو ألم ، وكلما جلسوا ليطعموا خبزاً أو ملحاً فما كسروا كسرة خبز قفار بلا حزن أو ألم .

حكاية



قال أحد العظماء لصوفي : كيف تمضي أيامك يا أخي ؟ قال : كنت أقيم في موقد حمام وقد أقمت فيه صادي الشفة مضطرباً ، ولكنني ما قضمت رغيفاً واحداً بالموقد حتى لا تقطع رقبتي .

إن كنت باحثاً عن السعادة في هذا العالم أو مستسلماً للنوم فكلاهما سواء ، ولكن إن تبحث عن السعادة فعليك بالاحتياط حتى تصل كالرجال إلى هذا الصراط ، لا وجه للمسرة في هذا العالم كله إذ لا تساوي المسرة قيمة شعرة واحدة ، أي نفس موجودة شبيهة بالنار ومن ذا عاش سعيداً في كنفها ؟؟! فإن تطف بالدنيا كالفرجار تجد السعادة نقطة واحدة لم يلحظها أحد .

حكاية



قالت تلك العجوز لشيخ ميهنة : ادع لي بالسعادة لقد تحملت المكاره قبل هذا ولم تعد لي طاقة أكثر من هذا ، فإن تعلمني دعاء السعادة فسيكون بلا ريب ورداً لي كل يوم .

قال لها الشيخ : لقد انقضت فترة من الزمن وأنا راكع على هذا الحال ، وكثيراً ما أسرعت إلى ما تطلبين فلم أر ذرة واحدة ولم أجد ما تطلبين ، فإن لم يظهر دواء لهذا الداء فكيف تبدو السعادة للمرء ؟!

حكاية



جلس سائل أمام الجنيد وقال : يا من أصبح صيداً لله بلا أدنى قيد كيف يحصل الإنسان على السعادة ؟؟!

قال : في نفس الساعة التي يكون فيها واصلاً ، وطالما لم تمتد إليك يد السلطان بالوصل فجزاؤك عدم التوفيق .

إنني لا أرى ذرة هائمة تنعم بالاستقرار إذ لا طاقة لها بوصل الشمس ، وإن تغرق الذرة في بحار الدم فمتى تتحرر من هذا الهم ؟؟! الذرة ذرة مهما كان نوعها وكل من يقول بغير ذلك مغرور ، فإن يقلبوها لا تبق على حالها فهي ذرة وليست عيناً لامعة ، وكل من ينشأ من الذرة أولاً يكون أصله في الحقيقة الذرة نفسها ، وإن لم تفن كلية في شمسها فأي ذرة حظيت بخلودها ؟؟! إنها ذرة سواء أكانت غاية في الحسن أو غاية في القبح ولو تركت عمراً ما خرجت عن أصلها ، وأنت أيتها الذرة تسيرين كالثمل على أمل أن تصبحي في دورانك كالشمس ، ولكنني أتذرع بالصبر ، فيا من لا يقر لك قرار كالذرة متى ترى عجزك واضحاً جلياً ؟؟!

حكاية



قال الخفاش ذات ليلة : إن شعاع الشمس لا ينفذ إلي من أي منفذ وأعيش عمري مشوباً بالذلة وكأني أنهيه دفعة واحدة ، فهل أقضي السنين والشهور مطبق العينين حتى أصل في النهاية إلى ذلك المكان ؟؟! ( أي حيث توجد الشمس ) .

قال له من يتمتع بقوة الإبصار : أيها الثمل المفتون ، إن الطريق بينك وبينه يحتاج إلى آلاف السنين ، وكيف يكون الوصول في هذا الطريق أمراً هيناً بالنسبة لك ؟ وكيف تستطيع النملة القابعة في بئر الوصول ولو إلى القمر ؟؟!

فقال الخفاش : لا خوف يعتريني وسأواصل السير حتى تتضح لي نتيجة هذا العمل .

قضى الخفاش سنوات ثملاً فاقد الوعي وقد عدم القوة والجناح والريش حتى أصبح في النهاية ذابل الجسد محترق الروح وألم به الضعف والوهن ، ولما لم يصله أي خبر من الشمس قال : ربما أنني تجاوزت الشمس .

قال له أحد العقلاء : إنك في سبات عميق فكيف تخطو وأنت لا ترى الطريق ؟؟! والآن تقول : لقد تجاوزتها ، لذا أبدو ضعيفاً عاجزاً .
أشعر هذا الكلام الخفاش بالذلة وهذا كل ما تبقى منه ثم اتجه إلى الشمس معترفاً بعجزه ، وفي الحال بدأ يتكلم بلسان الروح حبث قال : لعلك أدركت طائراً بصره حديد فلا تبتعدي عنه قيد أنملة بعد هذا .

قال هذا الكلام مما به من حرقة وألم فجادت الشمس عليه بتحقيق الأمل وأصبح الضياء من نصيب الضرير وأقبل الحظ فأحال المسكين غنياً .

_________________
( بسم الله الرحمن الرحيم ) قل هو الله أحد . الله الصمد . لم يلد ولم يولد . ولم يكن له كفوا أحد .
قل أعوذ برب الفلق . من شر ما خلق . ومن شر غاسق إذا وقب . ومن شر النفاثات في العقد . ومن شر حاسد إذا حسد .


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة: Re: كتاب منطق الطير لفريد الدين العطار
مشاركة غير مقروءةمرسل: الأربعاء مايو 27, 2015 4:39 pm 
غير متصل

اشترك في: الثلاثاء أكتوبر 30, 2007 4:26 pm
مشاركات: 3907
مكان: في حضن الكرام

المقالة الثامنة والعشرون

سؤال طائر آخر



سأله آخر قائلاً : أيها المرشد ماذا يكون الحال إن انفذ الأوامر ؟ إنني لا يمكنني العمل مع تحمل الآلام لذا سأظل في انتظار أوامره على الدوام ومهما كان الأمر فسأنفذه بروحي وأن أعص الأمر فعلي الغرم .

قال الهدهد : لقد أحسنت صنيعاً أيها الطائر بسؤالك هذا ولن يبلغ إنسان مرتبة الكمال أكثر من هذا ، كيف تكون هناك صاحب روح وأنت تحتفظ بها فصاحب الروح هناك من يطيع الامر بروحه ، فمن يطع الأمر ينج من الخذلان ويتخلص بيسر من كل مشقة وساعة في طاعة الأمر بالنسبة لك أفضل من أن تقضي العمر كله في طاعة بلا أمر صادر إليك .

كل من يتحمل الكثير من الشدائد دون أمر مجرد كلب وليس من بني البشر فالكلب يتحمل الكثير من الشدائد ولكن أي نفع في ذلك ؟؟! لا شيء غير الضرر لأنه لا يطيع الأمر ومن يتحمل قليلاً من الشدائد طاعة للأمر فسيملأ ثوابه عالماً واسعاً .

العمل هو تصديق الأمر فامتثل للأمر وما أنت إلا عبد فلا تقدم بمفردك على التصرف .

حكاية



كان أحد الملوك عائداً إلى مدينته فازدان الخلق بأبهى زينة فقد استعد كل فرد بما يزدان به منذ أمد ، أما المساجين فلم يكن في حوزتهم غير السلاسل والقيود كما كانت لديهم بضعة رؤوس مقطوعة وأكباد ممزقة ثم تخلوا عن الأيدي والأرجل وتزينوا بهذا كله .

وعندما عاد الملك إلى المدينة وجدها كعروس مجلوة وفي أبهى زينة وما أن وصل إلى موقع السجن فسرعان ما ترجل الحصان وسمح للمساجين بالمثول وأنعم عليهم من الذهب والفضة بالشيء الكثير .

كان للملك جليس طلعة فقال : أيها السلطان لتقل لي هذا السر لقد رأيتم مئات الألوف من الزينات أو يزيد كما رأيتم المدينة مكسوة بالديباج والحرير وكانوا يلقون الجواهر والذهب على الأرض وينثرون المسك والعنبر في الهواء رأيتم كل هذا وتحرزتم ولم تعيروا أياً منها اهتمامكم ولكن لماذا طاب لكم التوقف بباب السجن ؟ ألرؤية الرؤوس المقطوعة ؟ ولم كان تصرفكم هذا ؟ فلا شيء هنا يفرح القلب ولا وجود إلا للرؤوس المقطوعة وكذلك الأيدي والأرجل ، إنهم جميعاً سفاكو الدماء وقد قطعت أيديهم فلماذا وجب التوقف في محيطهم ؟

قال الملك : إن زينة الآخرين ما هي إلا لعبة اللاعبين وإذا كان كل شخص قد عبر عن نفسه بأسلوبه فهم قد عرضوا ما لديهم ، ولقد أخطأ جميع الخلق عدا أهل السجن حيث أوفوني حقي وإن لم يكن أمري نافذاً هنا فأين إذن تفصل الرأس عن الجسد والجسد عن الرأس ؟ وقد وجدت أمري هنا نافذاً فلا جرم أن أثنيت عنان فرسي والقوم جميعاً قد ألهتهم نعمهم واستسلموا للراحة نتيجة غرورهم ، أما أهل السجن فقد اضطربوا وتملكتهم الحيرة من جراء قهري وبطشي وأحياناً يخاطرون برؤوسهم وأحياناً بأيديهم وأحياناً يكونون في شدة وأحياناً في لين وقد جلسوا منتظرين بلا عمل ولا مسئولية حتى يساقوا من السجن إلى المشنقة ، فلا جرم أن أصبح هذا السجن روضة لي لقد كانوا مخلصين في طاعتهم فلزم أن أنحاز إليهم ، وموفق أمر ذوي البصيرة بتنفيذهم الأمر فلا جرم أن يذهب السلطان إلى السجن .

حكاية



كان هناك أحد السادة من نسل الشيخ أكاف وكان قطب العالم وكذا طاهر الأوصاف وقد قال : لقد رأيت فجأة في المنام كلاً من بايزيد والترمذي في الطريق رأيتهما يبديان لي كل عظمة واحترام وقد اتخذتهما من قبل مرشدين لي ، بعد ذلك علمت تفسير ذلك ولماذا يكن هذان الشيخان لي المزيد من الاحترام .

وتفسير ذلك أنه في وقت السحر خرجت من كبدي آهة دون قصد فواصلت آهتي المسير حتى يفتحوا الباب لي وكانت تطرق الأبواب حتى يسمح لي بدخول الأعتاب وما أن بدا لي فتح الباب حتى جاءني الخطاب بلا لسان :

إن هؤلاء الشيوخ وأولئك المريدين طلبوا منا طلباً عدا بايزيد وبايزيد من زمرة الرجال الموفقين في الطريق فقد طلبنا نحن ولم يطلب منا أي شيء .

ما ان سمعت هذا الخطاب في تلك الليلة حتى قلت : إن هذا وذاك ليسا على صواب .

كيف أستبيح سؤالك الإحسان ولا أتقبل ألمك ؟ أو أن أبحث عنك ولا أكون رجلك ؟ كل ما تأمرني به هو عين المراد وموفق أمري بتنفيذ أمرك ولا يهمني الاعوجاج أو الاستقامة فمن أكون أنا حتى تكون لي رغبة ؟ وليس للعبد إلا السير وفق ما يؤمر به فيكفيني ما تأمرني به .

لا جرم أن هذين الشيخين اعترفا بالسبق لي عليهما بهذا القول .

وطالما كان العبد مطيعاً للأمر ففي استطاعته محادثة الله بالروح وليس عبداً من يتفاخر دواماً بالعبودية جزافاً فيا أيها العبد لقد أتى وقت الامتحان فتقدم حتى يظهر الدليل للعيان .

حكاية



قال الخرقاني ساعة خروج الروح إلى الشفة في نزعها الأخير : يا للعجب ليتهم شقوا روحي وفتحوا قلبي المشبوب ثم أطلعوا العالم عن قلبي وشرحوا لهم سبب اضطرابي حتى يعلموا أن عبادة الصنم لا تليق مع معرفة السر فلا تكن معوج السير .

هكذا تكون العبودية وغيرها جنون فالعبودية تعني التخلي عن الكل يا عديم المروءة وإن تنزع إلى الألوهية لا إلى العبودية فكيف تكون لله خاضعاً ؟ فتخل عن نفسك وكن عبداً بل كن عبداً متخلياً عن الكل وعش هكذا ، فإذا أصبحت عبداً فكن ذا حرمة بل وكن ذا همة في طريق الحرمة فإن يتقدم أي عبد لسلوك الطريق بلا حرمة فسرعان ما يبعده السلطان عن بساطه ، ولقد أصبح الحرم حراماً علي من لا حرمة له فإن تتصف بالحرمة فهذه هي النعمة التامة .

حكاية



أنعم أحد الملوك بخلعة على أحد غلمانه فخرج الغلام بالخلعة إلى الطريق واستقر غبار الطريق على وجهه فأسرع بإزالته بكم خلعته .

فقال أحد الوشاة للملك : أيها السلطان لقد نظف الغلام غبار الطريق بخلعتك .

استنكر الملك منه تلك القحة وفي الحال علق ذلك المضطرب على المقصلة .

ألا تعلم أن من لا حرمة له في بساط السلطان لا قيمة له .

_________________
( بسم الله الرحمن الرحيم ) قل هو الله أحد . الله الصمد . لم يلد ولم يولد . ولم يكن له كفوا أحد .
قل أعوذ برب الفلق . من شر ما خلق . ومن شر غاسق إذا وقب . ومن شر النفاثات في العقد . ومن شر حاسد إذا حسد .


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة: Re: كتاب منطق الطير لفريد الدين العطار
مشاركة غير مقروءةمرسل: الجمعة يونيو 19, 2015 5:01 pm 
غير متصل

اشترك في: الثلاثاء أكتوبر 30, 2007 4:26 pm
مشاركات: 3907
مكان: في حضن الكرام

المقالة التاسعة والعشرون

سؤال طائر آخر



قال طائر آخر : كيف يكون الطير في طريق الحق يا طاهر الرأي ؟

إن قلبي مشغول دائماً وهو علي حرام وكل ما أملكه أنثره على الدوام وكل ما يصل إلى يدي أضيعه وأصيره كالعقرب في اليد ولا أربط نفسي بربقة شيء مطلقاً وأنثر كل ما يقع في حوزتي وأتطهر في محرابه فمتى أرى وأنا في طهري هذا وجهه ؟

قال الهدهد : إذا تقدم إنسان في الطريق وجب أن يكون الزهد زاده وكل من تطهر من كل ما يملك مضى مستريحاً في طهره ، أيها الأخ لا تخط مرقعة بل أحرق كل ما تملك حتى شعر الرأس ، وعندما تحرق كل شيء بآهة محرقة ، فاجمع رماده واجلس عليه ، إذا فعلت ذلك تخلصت من الكل وإلا فتحمل الشدائد طالما تعلقت بالكل ، إن كنت لا تموت وتنفصل عن كل شيء فمتى تضع قدمك في هذا البهو ؟

إذا لم يكن في الإمكان البقاء طويلاً في هذا السجن فعليك بتخليص نفسك من الكل فما أن يقبل وقت الموت حتى يصبح جميع ما تملك سافكاً لدمائك قاتلاً لك ، فاقصر يدك عن نفسك أولاً ثم اعقد العزم على المسير ثانياً ، وإن لم يتم لك في البداية التطهر فلست أهلاً لهذا السفر .

حكاية



تحدث شيخ الترك عن نفسه فقال : إنني أوثر شيئين أحدهما حصان أبلق أما الثاني فهو ابني ، فإذا جاءني نعي ولدي أهب فرسي شكراً لهذا الخبر ، ذلك لأني أرى الاثنين كمعبودين أمام عين روحي .

وحتى لا تحترق وتصبح كالشمع فلا تتفوه بالطهر أمام الجمع ، وكل من يكثر القول عن التطهر يتسم أمره بالاضطراب حتى يتطهر ، والمتطهر الذي يأكل بنهم جزاؤه في تلك الساعة الضرب على القفا .

حكاية



الشيخ الخرقاني الذي كان العرش له مقراً تشوق ذات يوم للباذنجان فتبرمت أمه برغبته الملحة وأعطته نصف باذنجانة بعد جهد ومشقة ، وما أن أكل نصف الباذنجانة حتى قطعت رأس ابنه في التو والحال ، وعندما أقبل الليل وضع القاتل رأس ذلك الابن الطاهر على أعتابه ، فقال الشيخ : ألم أقل ألف مرة بأنني منحوس ، فما أن أكل هذا المسكين نصف باذنجانة حتى وجهت ضربة قاصمة لفلذة روحه وكم كانت الروح مشبوبة في كل أوقاتي وما كان أمره معي سهلاً ميسوراً وكل من يزامله في العمل لا يستطيع أن يحادثه لحظة .

أمر شاق ذلك الذي وقع على كواهلنا فقد وقع أشد قسوة من الحرب والنزال ولم يبق لدى متعلم علمه وراحته فقد سقط أمره مع كل هذا العلم ، وفي كل زمان يقبل أحد الضيوف وتصل قافلة لأداء الامتحان ، فإذا كانت مئات الهموم تصيب الروح العزيزة فماذا سيحدث بعد ذلك ؟

لقد ظهر كل ما كان في طي الكتمان وستسفك الدماء بكل شدة وعنفوان ، وقد تحمل آلاف العشاق الآلام من أجله ونثروا الأرواح إيثاراً لقطرة دم منه وتصاب الأرواح جميعها بهذا حيث تسفك أرواحها متألمة متأوهة .

حكاية



قال ذو النون : كنت أتجول في البادية أتجول متوكلاً بلا عصاة ولا راوية فرأيت في الطريق أربعين من لابسي الخرقة وقد أسلم الجميع أرواحهم في بقعة واحدة ، فثار الاضطراب في عقلي الولهان وثارت النار في روحي المضطربة فقلت : إلهي ما نهاية هذه الحال ؟ وما أكثر ما جندلت العظماء !

فقال هاتف : إننا ندرك هذا الأمر فنحن نقتلهم وندفع ما يستحقون من دية ، فقلت : وكم ستقتل في النهاية ؟ قال : ما دمت أملك دية فسأفعل هذا الأمر وطالما بقيت في خزانتي دية فسأقتل حتى تبقى لي التعزية ، ومن أقتله أسحبه مدرجاً وسط دمائه وأطوف به العالم منكسة رأسه وبعد أن تفنى جميع أوصاله وتفنى رأسه وجميع أجزائه أظهر شمس طلعته ومن جمالي أخلع عليه خلعته وأجعل من دمه حمرة تزين خده وأدفعه إلى الاعتكاف على تراب تلك المحلة فأجعله ظلاً في محلته بعد ذلك أظهر شمس وجهه وعندما تشرق شمس وجهه فكيف يبقى ظل في محلته ؟ وإذا انمحى الظل في الشمس فقد سار كلا والله أعلم بالصواب .

كل من فنى في الحق تخلص من نفسه لذا لا يستطيع أن يكون عابداً لنفسه ، فامض إلى الفناء دون الحديث عن الفناء كثيراً وتخل عن الروح ولا تبحث عن التخلي كثيراً ، ولا أعلم سعادة لأي إنسان أكثر من أن يفنى عن نفسه .

حكاية



لا أعرف إنساناً في الكون وجد حظ سحرة فرعون فقد أدركوا هذا الحظ في ذلك الزمان لإيمان الناس بهم أعظم إيمان وقد استطاعوا التخلي عن الروح لحظة وما أدرك إنسان قط مثل هذا الحظ فقد وضعوا قدماً في طريق الدين وأخرجوا الثانية من طريق الدنيا فلم ير شخص قط ما هو أفضل من هذا الغدو والرواح وما رأى أحد غصناً أعظم ثمرة من هذا ..

_________________
( بسم الله الرحمن الرحيم ) قل هو الله أحد . الله الصمد . لم يلد ولم يولد . ولم يكن له كفوا أحد .
قل أعوذ برب الفلق . من شر ما خلق . ومن شر غاسق إذا وقب . ومن شر النفاثات في العقد . ومن شر حاسد إذا حسد .


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة: Re: كتاب منطق الطير لفريد الدين العطار
مشاركة غير مقروءةمرسل: الأحد يونيو 28, 2015 4:17 pm 
غير متصل

اشترك في: الثلاثاء أكتوبر 30, 2007 4:26 pm
مشاركات: 3907
مكان: في حضن الكرام

المقالة الثلاثون

سؤال طائر آخر



قال له آخر : يا من يتصف ببعد النظر هل للهمة في هذا الطريق أي أثر ؟ فمع أنني أبدو في الصورة غاية في الضعف فإن لي في الحقيقة همة غاية في الشرف وإن لا أتسم بالطاعة الفائقة فإنني أتسم بالهمة الزائدة .

قال الهدهد : إن الهمة العالية هي مغناطيس أسرار ألست وهي التي تكشف سر كل موجود وكل من يتمتع بالهمة العالية سرعان ما يجد مفتاح كلا العالمين وكل من يتمتع بذرة همة يجعل الشمس ذليلة بهذه الذرة والهمة أساس ملك العوالم والهمة جناح الروح وريش طائرها .

حكاية



حينما كان يوسف يعرض للبيع كان المصريون يتحرقون شوقاً إليه وعندما تزايد عدد المشترين ارتفع ثمنه إلى عشرة أمثال وزنه من الذهب فاضطربت عجوز بسبب ذلك وجدلت خيوطاً وصنعت منها حبلاً ثم جاءت وسط الجمع صائحة وقالت : لتبعه لي أيها الدلال الكنعاني لقد تملكني الاضطراب شوقاً إلى هذا الغلام لذا جدلت عشرة حبال ثمناً له فخذ مني هذه وبعه لي وبلا مناقشة ضع يده في يدي .

ضحك الرجل وقال : أيتها البلهاء المعتوهة لا يليق بك أن تحوزي هذه الدرة اليتيمة إنه يفوق مائة كنز عند القوم فمن أنت ؟ وما هذا الحبل أيتها العجوز ؟!

قالت العجوز : إنني على يقين من أنه لن يتقدم أحد لشراء الغلام بمثل ما تقدمت به ولكن يكفيني أن يقول الصديق والعدو إن هذه المرأة كانت من مشترييه .

كل قلب خال من الهمة العالية لن يدرك السعادة اللانهائية ومن ارتفع بهمته إلى مصاف الملوك سرعان ما تشتعل النار في ملكه وإن كان أحد الملوك قد أصيب بالكثير من الخسران فما أكثر الملوك الذين أصابهم ذلك ؟ ومن تعمل همته في مجال الطهر فإنه لا يتأذى مطلقاً من هذا الملك النجس وإذا كانت عين الهمة متمتعة برؤية الشمس فكيف ترضى بمجالسة الذرة ؟

حكاية



كان هناك رجل غائب عن نفسه وكان دائم الشكوى من فقره فقال له إبراهيم بن أدهم : أي بني لعلك اشتريت فقرك بثمن بخس فقال الرجل : إن هذا لقول هزل فهل يشتري إنسان الفقر ؟ لتلزم حد الخجل .

قال إبراهيم بن أدهم : إنني أقبلت عليه ذات مرة بالروح ثم اشتريته بعد ذلك بملك العالم والآن اشتري منه لحظة واحدة بمائة عالم وبهذا الثمن أقيم أي لحظة منه الآن فما أن وجدت أمتعة الدنيا رخيصة حتى ودعت السلطنة كلية فلا جرم أنني أدركت قدره أما أنت فلا لذا ألهج في شكره أما أنت فلا .

جازف أهل الهمة بالروح والجسد وقضوا سنوات عديدة في حرقة ونكد وأصبح طائر همتهم للحضرة قريناً وطرحوا عنهم الدنيا والدين فإن لم تكن خليقاً بهذه الهمة فابتعد أيها الكسول فلست ولياً للنعمة .

حكاية



ذهب الشيخ الغوري الذي صار بالكل كلياً مع جمع من الوالهين تحت قنطرة وقضاء وقدراً مر بهم سنجر صاحب العظمة فقال : من هؤلاء القوم الذين تجمعوا تحت القنطرة ؟
فقال الشيخ : لقد فقد الجميع رؤوسهم وأقدامهم وحالنا لا يخرج عن أحد اثنين فإن تصادقنا دواماً فسرعان ما نخلصك من الدنيا تماماً وإن تعادنا ولا تصادقنا فسرعان ما نرفع هذا الأمر عن دينك فتفحص جيداً أمر مصادقتنا ومعاداتنا وتقدم خطوة لترى نفسك مفضوحاً فإن تتقدم لحظة تحت القنطرة فسرعان ما تتخلص من هذه العظمة وتلك الأبهة .

قال سنجر : إنني لست شبيهاً بكم كما أن حبي وبغضي لا يوافقكم لست صديقاً لكم ولا عدواً وإنما سرت هنا حتى لا يحترق بيدري ولن يلحقني فخر أو عار من جرائكم ولا صلة لي بحسنكم وقبحكم .

أقبلت الهمة كطائر سريع الطيران وهي في سيرها غاية في السرعة في كل زمان وإن تطر فلن يكون ذلك إلا عن بصيرة وإدراك وإلا فكيف توجد بين خلقه وسيرها يعلو آفاق الوجود لأنها أسمى من الصحو والسكر .

حكاية



بكى رجل واله في منتصف الليل بكاء مراً وقال : من أكون في هذا العالم ؟ إننا حقة مغلقة فيه ونقبل بجهلنا على العشق فيه فإن يرفع غطاء هذه الحقة بفعل الأجل فسيظل كل من يملك جناحاً يواصل الطير حتى الأزل أما من عدم الجناح فسيكون طعمة للبلاء وسيظل مبتلياً بالبقاء داخل الحقة .

لتمنح أيها السالك طائر الهمة جناحاً بالمعنى وأسلم القلب للعقل واجعل الحال للروح وقبل أن يرفع غطاء هذه الحقة كن طائر طريق وتزود بجناح وريش وإلا فاحرق جناحك وريشك وكذا نفسك حتى تكون في مقدمة الجميع كذلك .

_________________
( بسم الله الرحمن الرحيم ) قل هو الله أحد . الله الصمد . لم يلد ولم يولد . ولم يكن له كفوا أحد .
قل أعوذ برب الفلق . من شر ما خلق . ومن شر غاسق إذا وقب . ومن شر النفاثات في العقد . ومن شر حاسد إذا حسد .


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
عرض مشاركات سابقة منذ:  مرتبة بواسطة  
إرسال موضوع جديد الرد على الموضوع  [ 74 مشاركة ]  الانتقال إلى صفحة السابق  1, 2, 3, 4, 5

جميع الأوقات تستخدم GMT + ساعتين


الموجودون الآن

المستخدمون المتصفحون لهذا المنتدى: حتى لا أحرم و 19 زائر/زوار


لا تستطيع كتابة مواضيع جديدة في هذا المنتدى
لا تستطيع كتابة ردود في هذا المنتدى
لا تستطيع تعديل مشاركاتك في هذا المنتدى
لا تستطيع حذف مشاركاتك في هذا المنتدى
لا تستطيع إرفاق ملف في هذا المنتدى

البحث عن:
الانتقال الى:  
© 2011 www.msobieh.com

جميع المواضيع والآراء والتعليقات والردود والصور المنشورة في المنتديات تعبر عن رأي أصحابها فقط