موقع د. محمود صبيح

منتدى موقع د. محمود صبيح

جميع الأوقات تستخدم GMT + ساعتين



إرسال موضوع جديد الرد على الموضوع  [ 167 مشاركة ]  الانتقال إلى صفحة السابق  1, 2, 3, 4, 5, 6 ... 12  التالي
الكاتب رسالة
 عنوان المشاركة:
مشاركة غير مقروءةمرسل: الأربعاء يوليو 06, 2005 3:44 pm 
غير متصل

اشترك في: السبت فبراير 21, 2004 10:56 pm
مشاركات: 1245
مكان: يا رب مع الحبيب و آله صلى الله عليه و آله وصحبه وسلم
[align=center]الفصل الثالث
في لوامع الأدلة للعقيدة
التي ترجمناها بالقدس فنقول
بسم الله الرحمن الرحيم [/align]

الحمد لله الذي ميز عصابة السنة بأنواراليقين وآثر رهط الحق بالهداية إلى دعائم الدين وجنبهم زيغ الزائغين وضلال الملحدين ووفقهم للاقتداء بسيد المرسلين وسددهم للتأسي بصحبة الأكرمين ويسر لهم اقتفاء آثار السلف الصالحين حتى اعتصموا من مقتضيات العقول بالحبل المتين ومن سير الأولين وعقائدهم بالمنهج المبين، فجمعوا بالقول بين نتائج العقول وقضايا الشرع المنقول، وتحققوا أن النطق بما تعبدوا به من قول "لا إله إلا الله محمد رسول الله" ليس له طائل ولا محصول إن لم تتحقق الإحاطة بما تدور عليه هذه الشهادة من الأقطاب والأصول، وعرفوا أن كلمتي الشهادة على إيجازها تتضمن إثبات ذات الإله وإثبات صفاته وإثبات أفعاله وإثبات صدق الرسول، وعلموا أن بناء الإيمان على هذه الأركان وهي أربعة ويدور كل ركن منها على عشرة أصول الركن الأول في معرفة ذات الله تعالى ومداره على عشرة أصول: وهي العلم بوجود الله تعالى وقدمه وبقائه وأنه ليس بجوهر ولا جسم ولا عرض وأنه سبحانه ليس مختصاً بجهة ولا مستقراً على مكان وأنه يرى وأنه واحد الركن الثاني في صفاته ويشتمل على عشرة أصول: وهو العلم بكونه حياً عالماً قادراً مريداً سميعاً بصيراً متكلماً منزهاً عن حلول الحوادث وأنه قديم الكلام والعلم والإرادة الركن الثالث في أفعاله تعالى ومداره على عشرة أصول: وهي أن أفعال العباد مخلوقة لله تعالى وأنها متكتسبة للعباد وأنه مرادة لله تعالى وأنه متفضل بالخلق والاختراع وأن له تعالى تكليف ما لا يطاق، وأن له إيلام البريء ولا يجب عليه رعاية الأصلح، وأنه لا واجب إلا بالشرع وأن بعثه الأنبياء جائز وأن نبوة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم ثابتة مؤيدة بالمعجزة الركن الرابع في السمعيات ومداره على عشرة أصول: وهي إثبات الحشر والنشر وسؤال منكر ونكير وعذاب القبر والميزان والصراط وخلق الجنة والنار وأحكام الإمامة وأن فضل الصحابة على حسب ترتيبهم وشروط الإمامة.

[align=center]فأما الركن الأول من أركان الإيمان
في معرفة ذات الله سبحانه وتعالى
وأن الله تعالى واحد ومداره على عشرة أصول
[/align]


الأصل الأول معرفة وجوده تعالى وأول ما يستضاء به من الأنوار ويسلك من طريق الاعتبار ما أرشد إليه القرآن فليس بعد بيان الله سبحانه بيان وقد قال تعالى "ألم نجعل الأرض مهاداً والجبال أوتاداً وخلقناكم أزواجاً وجعلنا نومكم سباتاً وجعلنا الليل لباساً وجعلنا النهار معاشاً وبنينا فوقكم سبعاً شداداً وجعلنا سراجاً وهاجاً وأنزلنا من المعصرات ماء ثجاجاً لنخرج به حباً ونباتاً وجنات ألفافاً" وقال تعالى "إن في خلق السموات والأرض واختلاف الليل والنهار والفلك التي تجري في البحر بما ينفع الناس وما أنزل الله من السماء من ماء فأحيا به الأرض بعد موتها وبث فيها من كل دابة وتصريف الرياح والسحاب المسخر بين السماء والأرض لآيات لقوم يعقلون" وقال تعالى "ألم تروا كيف خلق الله سبع سموات طباقاً وجعل القمر فيهن نوراً وجعل الشمس سراجاً والله أنبتكم من الأرض نباتاً ثم يعيدكم فيها ويخرجكم إخراجاً" وقال تعالى "أفرأيتم ما تمنون أفرأيتم ما تمنون ءأنمت تخلقونه أم نحن الخالقون" إلى قوله "للموقين" فليس يخفي على من معه أدنى مسكة من عقل إذا تأمل بأدنى فكرة مضمون هذه الآيات وأدار نظره على عجائب خلق الله في الأرض والسموات وبدائع فطرة الحيوان والنبات أن هذا الأمر العجيب والترتيب المحكم لا يستغني عن صانع يدبره وفاعل يحكمه ويقدره؛ بل تكاد فطرة النفوس تشهد بكونها مقهورة تحت تسخيره ومصرفة بمقتضى تدبيره. ولذلك قال الله تعالى "أفي الله شك فاطر السموات والأرض" ولهذا بعث الأنبياء صلوات الله عليهم لدعوة الخلق إلى التوحيد ليقولوا "لا إله إلا الله" وما أمروا أن يقولوا لنا إله وللعالم إله. فإن ذلك كان مجبولاً في فطرة عقولهم من مبدإ نشوهم وفي عنفوان شبابهم. ولذلك قال عز وجل "ولئن سألتهم من خلق السموات والأرض ليقولن الله" وقال تعالى "فأقم وجهك للدين حنيفاً فطرة الله التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله ذلك الدين القيم" فإذاً في فطرة الإنسان وشواهد القرآن ما يغني عن إقامة البرهان. ولكنا على سبيل الاستظهار والاقتداء بالعلماء النظار نقول: من بدائة العقول أن الحادث لا يستغني في حدوثه عن سبب يحدثه، والعالم حادث فإذاً لا يستغني في حدوثه عن سبب. أما قولنا "إن الحادث لا يستغني في حدوثه عن سبب" فجلي فإن كل حادث مختص بوقت يجوز في العقل تقدير تقديمه وتأخيره فاختصاصه بوقته دون ما قبله وما بعده يفتقر بالضرورة إلى المخصص وأما قولنا "العالم حادث" فبرهانه أن أجسام العالم لا تخلو عن الحركة والكون وهما حادثان وما لا يخلو عن الحوادث فهو حادث. ففي هذا البرهان ثلاث دعاوى؛ الأولى: قولنا إن الأجسام لا تخلو عن الحركة والسكون وهذه مدركة بالبديهة والاضطرار فلا يحتاج فيها إلى تأمل وافتكار فإن من عقل جسماً لا ساكناً ولا متحركاً كان لمتن الجهل راكباً وعن نهج العقل ناكباً. الثانية: قولنا إنهما حادثان ويدل على ذلك تعاقبهما ووجود البعض منهما بعد البعض وذلك مشاهدة في جميع الأجسام ما شوهد منها وما لم يشاهد فما من ساكن إلا والعقل قاض بجواز حركته وما من متحرك إلا والعقل قاض بجواز سكونه فالطارىء منهما حادث لطريانه والسابق حادث لعدمه؛ لأنه لو ثبت قدمه لاستحال عدمه - على ما سيأتي بيانه وبرهانه في إثبات بقاء الصانع تعالى وتقدس - الثالثة: قولنا ما لا يخلو عن الحوادث فهو حادث وبرهانه أنه لو لم يكن كذلك لكان قبل كل حادث حوادث لا أول لها ولو لم تنقض تلك الحوادث بجملتها لا تنتهي النوبة إلى وجود الحادث الحاضر في الحال وانقضاء ما لا نهاية له محال، ولأنه لو كان للفلك دورات لا نهاية لها لكان لا يخلو عددها عن أن تكون شفعاً أو وتراً أو شفعاً ووتراً جميعاً أو لا شفعاً ولا وتراً، ومحال أن يكون شفعاً ووتراً جميعاً أو لا شفعاً ولا وتراً. فإن ذلك جمع بين النفي والإثبات؛ إذ في إثبات أحدهما نفي الآخر وفي نفي أحدهما إثبات الآخر. ومحال أن يكون شفعاً لأن الشفع يصير وتراً بزيادة واحد. وكيف يعوز ما لا نهاية له: واحد؟ ومحال أن يكون وتراً إذ الوتر يصير شفعاً بواحد فكيف يعوزها واحد مع أنه لا نهاية لأعدادها. ومحال أن يكون لا شفعاً ولا وتراً إذ له نهاية. فتحصل من هذا أن العالم لا يخلو عن الحوادث. وما لا يخلو عن الحوادث فهو إذن حادث وإذا ثبت حدوثه كان افتقاره إلى المحدث من المدركات بالضرورة الأصل الثاني العلم بأن الله تعالى قديم لم يزل، أزلي ليس لوجوده أول بل هو أول كل شيء وقبل كل ميت وحي. وبرهانه أنه لو كان حادثاً ولم يكن قديماً لافتقر هو أيضاً إلى محدث وافتقر محدثه إلى محدث وتسلسل ذلك إلى ما لا نهاية، وما تسلسل لم يتحصل أو ينتهي إلى محدث قديم هو الأول وذلك هو المطلوب الذي سميناه صانع العالم ومبدئه وبارئه ومحدثه ومبدعه الأصل الثالث العلم بأنه تعالى مع كونه أزلياً أبدياً ليس لوجوده آخر فهو الأول والآخر والظاهر والباطن لأن ما ثبت قدمه استحال عدمه، وبرهانه أنه لو انعدم لكان لا يخلو إما أن ينعدم بنفسه أو بمعدم يضاده ولو جاز أن ينعدم شيء يتصور دوامه لجاز أن يوجد شيء يتصور عدمه بنفسه فكما يحتاج طريان الوجود إلى سبب فكذلك يحتاج طريان العدم إلى سبب. وباطل أن ينعدم بمعدم يضاده لأن ذلك المعدم لو كان قديماً لما تصور الوجود معه. وقد ظهر بالأصلين السابقين وجوده وقدمه فكيف كان وجوده في القدم ومعه ضده؟ فإن كان الضد المعدم حادثاً كان محالاً؛ إذ ليس الحادث في مضادته للقديم حتى يقطع وجوده بأولى من القديم في مضادته للحادث حتى يدفع وجوده، بل الدفع أهون من القطع والقديم أقوى وأولى من الحادث الأصل الرابع العلم بأنه تعالى ليس بجوهر يتحيز بل يتعالى ويتقدس عن مناسبة الحيز. وبرهانه أن كل جوهر متحيز فهو مختص بحيزه ولا يخلو من أن يكون ساكناً فيه أو متحركاً عنه، فلا يخلو عن الحركة أو السكون وهما حادثان، وما لا يخلو عن الحوادث فهو حادث. ولو تصور جوهر متحيز قديم لكان يعقل قدم جواهر العالم فإن سماه مسم جوهراً ولم يرد به المتحيز كان مخطئاً من حيث اللفظ لا من حيث المعنى الأصل الخامس العلم بأنه تعالى ليس بجسم مؤلف من جواهر. إذ الجسم عبارة عن المؤلف من الجواهر، وإذا بطل كونه جوهراً مخصوصاً بحيز بطل كونه جسماً لأن كل جسم مختص بحيز ومركب من جوهر فالجوهر يستحيل خلوه عن الافتراق والاجتماع والحركة والسكون والهيئة والمقدار وهذه سمات الحدوث. ولو جاز أن يعتقد أن صانع العالم جسم لجاز أن يعتقد الإلهية للشمس والقمر أو لشيء آخر من أقسام الأجسام. فإن تجاسر متجاسر على تسميته تعالى جسماً من غير إرادة التأليف من الجواهر كان ذلك غلطاً في الاسم مع الإصابة في نفي معنى الجسم الأصل السادس العلم بأنه تعالى ليس بعرض قائم بجسم أو حال في محل لأن العرض ما يحل في الجسم، فكل جسم حادث لا محالة ويكون محدثه موجوداً قبله. فكيف يكون حالاً في الجسم وقد كان موجوداً في الأزل وحده وما معه غيره، ثم أحدث الأجسام والأعراض بعده؟ ولأنه عالم قادر مريد خالق - كما سيأتي بيانه - وهذه الأوصاف تستحيل على الأعراض بل لا تعقل إلا لموجود قائم بنفسه مستقل بذاته. وقد تحصل من هذه الأصول أنه موجود قائم بنفسه ليس بجوهر ولا جسم ولا عرض. وأن العالم كله جواهر وأعراض وأجسام فإذا لايشبه شيئاً ولا يشبهه شيء بل هو الحي القيوم الذي ليس كمثله شيء وأنى يشبه المخلوق خالقه والمقدور مقدره والمصور مصوره. والأجسام والأعراض كلها من خلقه وصنعه فاستحال القضاء عليها بمماثلته ومشابهته الأصل السابع العلم بأن الله تعالى منزه الذات عن الاختصاص بالجهات فإن الجهة إما فوق وإما أسفل وإما يمين وإما شمال أو قدام أو خلف، وهذه الجهات هو الذي خلقها وأحدثها بواسطة خلق الإنسان إذ خلق له طرفين أحدهما يعتمد على الأرض ويسمى رجلاً، والآخر يقابله ويسمى رأساً. فحدث اسم الفوق لما يلي جهة الرأس واسم السفل لما يلي جهة الرجل حتى إن النملة التي تدب منكسة تحت السقف تنقلب جهة الفوق في حقها تحتاً وإن كان في حقنا فوقاً. وخلق للإنسان اليدين وإحداهما أقوى من الأخرى في الغالب فحدث اسم اليمين للأقوى واسم الشمال لما يقابله وتسمى الجهة التي تلي اليمين يميناً والأخرى شمالاً، وخلق له جانبين يبصر من أحدهما ويتحرك إليه فحدث اسم القدام للجهة التي يتقدم إليها بالحركة واسم الخلف لما يقابلها، فالجهات حادثة بحدوث الإنسان ولو لم يخلق الإنسان بهذه الخلقة بل خلق مستديراً كالكرة لم يكن لهذه الجهات وجود ألبتة. فكيف كان في الأزل مختصاً بجهة والجهة حادثة؟ وكيف صار مختصاً بجهة بعد أن لم يكن له؟ أبأن خلق العالم فوقه ويتعالى عن أن يكون له فوق إذ تعالى أن يكون له رأس والفوق عبارة عما يكون جهة الرأس أو خلق العالم تحته فتعالى عن أن يكون له تحت إذ تعالى عن أن يكون له رجل والتحت عبارة عما يلي جهة الرجل؛ وكل ذلك مما يستحيل في العقل ولأن المعقول من كونه مختصاً بجهة أنه مختص بحيز اختصاص الجواهر أو مختص بالجواهر اختصاص العرض وقد ظهر استحالة كونه جوهراً أو عرضاً فاستحال كونه مختصاً بالجهة؛ وإن أريد بالجهة غير هذين المعنيين كان غلطاً في الاسم مع المساعدة على المعنى ولأنه لو كان فوق العالم لكان محاذياً له، وكل محاذ لجسم فإما أن يكون مثله أو أصغر منه أو أكبر وكل ذلك تقدير محوج بالضرورة إلى مقدر ويتعالى عنه الخالق الواحد المدبر، فأما رفع الأيدي عند السؤال إلى جهة السماء فهو لأنها قبلة الدعاء. وفيه أيضاً إشارة إلى ما هو وصف للمدعو من الجلال والكبرياء تنبيهاً بقصد جهة العلو على صفة المجد والعلاء فإنه تعالى فوق كل موجود بالقهر والاستيلاء الأصل الثامن العلم بأنه تعالى مستو على عرشه بالمعنى الذي أراد الله تعالى بالاستواء وهو الذي لا ينافي وصف الكبرياء ولا يتطرق إليه سمات الحدوث والفناء وهو الذي أريد بالاستواء إلى السماء حيث قال في القرآن "ثم استوى إلى السماء وهي دخان" وليس ذلك إلا بطريق القهر والاستيلاء كما قال الشاعر:أن يكون له رأس والفوق عبارة عما يكون جهة الرأس أو خلق العالم تحته فتعالى عن أن يكون له تحت إذ تعالى عن أن يكون له رجل والتحت عبارة عما يلي جهة الرجل؛ وكل ذلك مما يستحيل في العقل ولأن المعقول من كونه مختصاً بجهة أنه مختص بحيز اختصاص الجواهر أو مختص بالجواهر اختصاص العرض وقد ظهر استحالة كونه جوهراً أو عرضاً فاستحال كونه مختصاً بالجهة؛ وإن أريد بالجهة غير هذين المعنيين كان غلطاً في الاسم مع المساعدة على المعنى ولأنه لو كان فوق العالم لكان محاذياً له، وكل محاذ لجسم فإما أن يكون مثله أو أصغر منه أو أكبر وكل ذلك تقدير محوج بالضرورة إلى مقدر ويتعالى عنه الخالق الواحد المدبر، فأما رفع الأيدي عند السؤال إلى جهة السماء فهو لأنها قبلة الدعاء. وفيه أيضاً إشارة إلى ما هو وصف للمدعو من الجلال والكبرياء تنبيهاً بقصد جهة العلو على صفة المجد والعلاء فإنه تعالى فوق كل موجود بالقهر والاستيلاء الأصل الثامن العلم بأنه تعالى مستو على عرشه بالمعنى الذي أراد الله تعالى بالاستواء وهو الذي لا ينافي وصف الكبرياء ولا يتطرق إليه سمات الحدوث والفناء وهو الذي أريد بالاستواء إلى السماء حيث قال في القرآن "ثم استوى إلى السماء وهي دخان" وليس ذلك إلا بطريق القهر والاستيلاء كما قال الشاعر:

[poet font="Tahoma,5,crimson,bold,normal" bkcolor="transparent" bkimage="backgrounds/12.gif" border="none,4,gray" type=0 line=200% align=center use=ex length=0 char="" num="0,black" filter=""]
قد استوى بشر على العراق من غير سيف ودم مهراق
[/poet]

واضطر أهل الحق إلى هذا التأويل كما التأويل كما اضطر أهل الباطن إلى تأويل قوله تعالى "وهو معكم أينما كنتم" إذ حمل ذلك بالاتفاق على الإحاطة والعلم، وحمل قوله صلى الله عليه وسلم "قلب المؤمن بين أصبعين من أصابع الرحمن" على القدرة والقوة، وحمل قوله صلى الله عليه وسلم "الحجر الأسود يمين الله في أرضه" على التشريف والإكرام لأنه لو ترك على ظاهره للزم منه المحال فكذا الاستواء لو ترك على الاستقرار والتمكن لزم منه كون المتمكن جسماً مماساً للعرش إما مثله أو أكبر منه أو أصغر وذلك محال، وما يؤدي إلى المحال فهو محال الأصل التاسع العلم بأنه تعالى مع كونه منزهاً عن الصورة والمقدار مقدساً عن الجهات والأقطار مرئي بالأعين والأبصار في الدار الآخرة دار القرار لقوله تعالى "وجوه يومئذ ناضرة إلى ربها ناظرة" ولا يرى في الدنيا تصديقاً لقوله عز وجل "لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار" ولقوله تعالى في خطاب موسى عليه السلام "لن تراني" وليت شعري كيف عرف المعتزل من صفات رب الأرباب ما جهله موسى عليه السلام؟ وكيف سأل موسى عليه السلام الرؤية مع كونها محالاً؟ ولعل الجهل بذوي البدع والأهواء من الجهلة الأغبياء أولى من الجهل بالأنبياء صلوات الله عليهم، وأما وجه إجراء آية الرؤية على الظاهر فهو أنه غير مؤد إلى المحال، فإن الرؤية نوع كشف وعلم إلا أنه أتم وأوضح من العلم فإذا جاز تعلق العلم به وليس في جهة جاز تعلق الرؤية به وليس بجهة، وكما يجوز أن يرى الله تعالى الخلق وليس في مقابلتهم جاز أن يراه الخلق من غير مقابلة، وكما جاز أن يعلم من غير كيفية وصورة جاز أن يرى كذلك الأصل العاشر العلم بأن الله عز وجل واحد لا شريك له فرد لا ند له انفرد بالخلق والإبداع واستند بالإيجاد والاختراع لا مثل له يساهمه ويساويه ولا ضد له فينازعه ويناويه: وبرهانه قوله تعالى "لو كان فيهما آلهة إلا الله لفسدتا" وبيانه أنه لو كان اثنين وأراد أحدهما أمراً فالثاني إن كان مضطراً إلى مساعدته كان هذا الثاني مقهوراً عاجزاً ولم يكن إلهاً قادراً، وإن كان قادراً على مخالفته ومدافعته كان الثاني قوياً قاهراً والأول ضعيفاً قاصراً ولم يكن إلهاً قادراً .

[saa]يتبع بإذن الرحمن[/saa]

_________________

يا خير من دفنت في التراب أعظمه فطاب من طيبهن القاع الأكم
نفسي الفداء لقبر أنت ساكنه فيه العفاف وفيه الجود والكرم
أنت الشفيع الذي ترجى شفاعته عند الصراط إذا ما زلّت القدم


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة:
مشاركة غير مقروءةمرسل: الأحد يوليو 17, 2005 12:34 pm 
غير متصل

اشترك في: السبت فبراير 21, 2004 10:56 pm
مشاركات: 1245
مكان: يا رب مع الحبيب و آله صلى الله عليه و آله وصحبه وسلم
[align=center]الركن الثاني
العلم بصفات الله تعالى
ومداره على عشرة أصول
[/align]

الأصل الأول العلم بأن صانع العالم قادر وأنه تعالى في قوله "وهو على كل شيء قدير" صادق لأن العالم محكم في صنعته مرتب في خلقته ومن رأى ثوباً من ديباج حسن النسج والتأليف متناسب التطريز والتطريف ثم توهم صدور نسجه عن ميت لا استطاعة له أو عن إنسان لا قدرة له كان منخلعاً عن غريزة العقل ومنخرطاً في سلك أهل الغباوة والجهل الأصل الثاني العلم بأنه تعالى عالم بجميع الموجودات ومحيط بكل المخلوقات "لا يعزب عن علمه مثقال ذرة في الأرض ولا في السماء" صادق في قوله "وهو بكل شيء عليم" ومرشد إلى صدقه بقوله تعالى "ألا يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير" أرشدك إلى الاستدلال بالخلق على العلم بأنك لا تستريب في دلالة الخلق اللطيف والصنع المزين بالترتيب ولو في الشيء الحقير الضعيف على علم الصانع بكيفية الترتيب والترصيف فما ذكره الله سبحانه هو المنتهى في الهداية والتعريف الأصل الثالث العلم بكونه عز وجل وحيا فإن من ثبت علمه وقدرته ثبت بالضرورة حياته ولو تصور قادر وعالم فاعل مدبر دون أن يكون حيا لجاز أن يشك في حياة الحيوانات عند ترددها في الحركات والسكنات بل في حياة أرباب الحرف والصناعات وذلك انغماس في غمرة الجهالات والضلالات الأصل الرابع العلم بكونه تعالى مريداً لأفعاله فلا موجود إلا وهو مستند إلى مشيئته وصادر عن إرادته فهو المبدىء المعيد والفعال لما يريد وكيف لا يكون مريداً وكل فعل صدر منه أمكن أن يصدر منه ضده؟ وما لا ضد له أمكن أن يصدر منه ذلك بعينه قبله أو بعده. والقدرة تناسب الضدين والوقتين مناسبة واحدة فلابد من إرادة صارفة للقدرة إلى أحد المقدورين. ولو أغنى العلم عن الإرادة في تخصيص المعلوم حتى يقال إنما وجد في الوقت الذي سبق بوجوده لجاز أن يغني عن القدرة حتى يقال وجد بغير قدرة لأنه سبق العلم بوجوده فيه الأصل الخامس العلم بأنه تعالى سميع بصير لا يعزب عن رؤيته هواجس الضمير وخفايا الوهم والتفكير ولا يشذ عن سمعه صوت دبيب النملة السوداء في الليلة الظلماء على الصخرة الصماء: وكيف لا يكون سميعاً بصيراً والسمع والبصر كمال لا محالة وليس بنقص؟ فكيف يكون المخلوق أكمل من الخالق والمصنوع أسنى وأتم من الصانع؟ وكيف تعتدل القسمة مهما وقع النقص في جهته والكمال في خلقه وصنعته أو كيف تستقيم حجة إبراهيم صلى الله عليه وسلم على أبيه إذ كان يعبد الأصنام جهلاً وغياً فقال له "لم تعبد ما لا يسمع ولا يبصر ولا يغني عنك شيئاً" ولو انقلب ذلك عليه في معبوده لأضحت حجته داحضة ودلالته ساقطة ولم يصدق قوله تعالى "وتلك حجتنا آتيناها إبراهيم على قومه" وكما عقل كونه فاعلاً بلا جارحة وعالماً بلا قلب ودماغ فليعقل كونه بصيراً بلا حدقة وسميعاً بلا اذن إذ لا فرق بينهما الأصل السادس أنه سبحانه وتعالى متكلم بكلام وهو وصف قائم بذاته ليس بصوت ولا حرف بل لا يشبه كلامه كلام غيره كما لا يشبه وجوده وجود غيره. والكلام بالحقيقة كلام النفس وإنما الأصوات قطعت حروفاً للدلالات كما يدل عليها تارة بالحركات والإشارات وكيف التبس هذا على طائفة من الأغبياء ولم يلتبس على جهلة الشعراء حيث قال قائلهم:

[align=center]إن الكلام لفي الفؤاد وإنـمـا جعل اللسان على الفؤاد دليلا [/align]

ومن لم يعقله عقله ولا نهاه نهاه عن أن يقول: لساني حادث ولكن ما يحدث فيه بقدرتي الحادثة قديم، فاقطع عن عقلة طمعك وكف عن خطابه لسانك. ومن لم يفهم أن القديم عبارة عما ليس قبله شيء. وأن الباء قبل السين في قولك بسم الله فلا يكون السين المتأخر عن الباء قديماً فنزه عن الالتفات إليه قلبك فلله سبحانه سر في إبعاد بعض العباد "ومن يضلل الله فما له من هاد" ومن استبعد أن يسمع موسى عليه السلام في الدنيا كلاماً ليس بصوت ولا حرف فليستنكر أن يرى في الآخرة موجوداً ليس بجسم ولا لون: وإن عقل أن يرى ما ليس بلون ولا جسم ولا قدر ولا كمية وهو إلى الآن لم ير غيره فليعقل في حاسة السمع ما عقله في حاسة البصر. وإن عقل أن يكون له علم واحد هو علم بجميع الموجودات فليعقل صفة واحدة للذات هو كلام بجميع ما دل عليه من العبارات. وإن عقل كون السموات السبع وكون الجنة والنار مكتوبة في ورقة صغيرة ومحفوظة في مقدار ذرة من القلب وأن كل ذلك مرئي في مقدار عدسة من الحدقة من غير أن تحل ذات السموات والأرض والجنة والنار في الحدقة والقلب والورقة فليعقل كون الكلام مقروءاً بالألسنة محفوظاً في القلوب مكتوباً في المصاحف من غير حلول ذات الكلام فيها إذ لو حلت بكتاب الله ذات الكلام في الورق لحل ذات الله تعالى بكتابة اسمه في الورق وحلت ذات النار بكتابه اسمها في الورق ولاحترق الأصل السابع أن الكلام القائم بنفسه قديم وكذا جميع صفاته إذ يستحيل أن يكون محلاً للحوادث داخلاً تحت التغير بل يجب للصفات من نعوت القدم ما يجب للذات فلا تعتريه التغيرات ولا تحله الحادثات بل لم يزل في قدمه موصوفاً بمحامد الصفات ولا يزال في أبده كذلك منزهاً عن تغير الحالات لأن ما كان محل الحوادث لا يخلو عنها وما لا يخلو عن الحوادث فهو حادث. وإنما ثبت نعت الحدوث للأجسام من حيث تعرضها للتغير وتقلب الأوصاف فكيف يكون خالقها مشاركاً لها في قبول التغير؟ وينبني على هذا أن كلامه قديم قائم بذاته وإنما الحادث هي الأصوات الدالة عليه، وكما عقل قيام طلب التعلم وإرادته بذات الوالد للولد قبل أن يخلق ولده حتى إذا خلق ولده وعقل وخلق الله علماً متعلقاً بما في قلب أبيه من الطلب صار مأموراً بذلك الطلب الذي قام بذات أبيه ودام وجوده إلى وقت معرفة ولده له فليعقل قيام الطلب الذي دل عليه قوله عز وجل "اخلع نعليك" بذات الله ومصير موسى عليه السلام مخاطباً به بعد وجوده إذ خلقت له معرفة بذلك الطلب وسمع لذلك الكلام القديم الأصل الثامن أن علمه قديم فلم يزل عالماً بذاته وصفاته وما يحدثه من مخلوقاته. ومهما حدثت المخلوقات لم يحدث له علم بها بل حصلت مكشوفة له بالعلم الأزلي إذ لو خلق لنا علم به بقدوم زيد عند طلوع الشمس ودام ذلك العلم تقديراً حتى طلعت الشمس لكان قدوم زيد عند طلوع الشمس معلوماً لنا بذلك العلم من غير تجدد علم آخر. فهكذا ينبغي أن يفهم قدم علم الله تعالى الأصل التاسع أن إرادته قديمة وهي في القدم تعلقت بإحداث الحوادث في أوقاتها اللائقة بها على وفق سبق العلم الأزلي إذ لو كانت حادثة لصار محل الحوادث، ولو حدثت في غير ذاته لم يكن هو مريداً لها كما لا تكون أنت متحركاً بحركة ليست في ذاتك وكيفما قدرت فيفتقر حدوثها إلى إرادة أخرى، وكذلك الإرادة الأخرى تفتقر إلى أخرى ويتسلسل الأمر إلى غير نهاية، ولو جاز أن يحدث إرادة بغير إرادة لجاز أن يحدث العالم بغير إرادة الأصل العاشر أن الله تعالى عالم بعلم، حي بحياة، قادر بقدرة، ومريد بإرادة، ومتكلم بكلام، وسميع بسمع، وبصير ببصر، وله هذه الأوصاف من هذه الصفات القديمة. وقول القائل: عالم بلا علم كقوله: غني بلا مال وعلم بلا عالم وعالم بلا معلوم، فإن العلم والمعلوم والعالم متلازمة كالقتل والمقتول والقاتل، وكما لا يتصور قاتل بلا قتل ولا قتيل ولا يتصور قتيل بلا قاتل ولا قتل كذلك لا يتصور عالم بلا علم ولا علم بلا معلوم ولا معلوم بلا عالم بل هذه الثلاثة متلازمة في العقل لا ينفك بعض منها عن البعض فمن جوز انفكاك العلام عن العلم فليجوز انفكاكه عن المعلوم وانفكاك العلم عن العالم إذ لا فرق بين هذه الأوصاف.

[saa]يتبع بإذن الرحمن[/saa]

_________________

يا خير من دفنت في التراب أعظمه فطاب من طيبهن القاع الأكم
نفسي الفداء لقبر أنت ساكنه فيه العفاف وفيه الجود والكرم
أنت الشفيع الذي ترجى شفاعته عند الصراط إذا ما زلّت القدم


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة:
مشاركة غير مقروءةمرسل: الاثنين يوليو 18, 2005 3:19 pm 
غير متصل

اشترك في: السبت فبراير 21, 2004 10:56 pm
مشاركات: 1245
مكان: يا رب مع الحبيب و آله صلى الله عليه و آله وصحبه وسلم
[align=center]الركن الثالث
العلم بأفعال الله تعالى
ومداره على عشرة أصول
[/align]


الأصل الأول العلم بأن كل حادث في العالم فهو فعله وخلقه واختراعه لا خالق له سواه ولا محدث له إلا إياه. خلق الخلق وصنعهم وأوجد قدرتهم وحركتهم فجميع أفعاله عبادة مخلوقة له ومتعلقة بقدرته تصديقاً له في قوله تعالى "الله خالق كل شيء" وفي قوله تعالى "والله خلقكم وما تعملون" وفي قوله تعالى "وأسروا قولكم أو اجهروا به إنه عليم بذات الصدور ألا يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير" أمر العباد بالحرز في أقوالهم وأفعالهم وإسرارهم وإضمارهم لعلمه بموارد أفعالهم. واستدل على العلم بالخلق، وكيف لا يكون خالقاً لفعل العبد وقدرته تامة لا قصور فيها وهي متعلقة بحركة أبدان العباد والحركات متماثلة وتعلق القدرة بها لذاتها فما الذي يقصر تعلقها عن بعض الحركات دون البعض مع تماثلها؟ أو كيف يكون الحيوان مستبداً بالاختراع ويصدر من العنكبوت والنحل وسائر الحيوانات من لطائف الصناعات ما يتحير فيه عقول ذوي الألباب فكيف انفردت هي باختراعها دون رب الأرباب وهي غير عالمة بتفصيل ما يصدر منها من الاكتساب؟ هيهات هيهات! ذلت المخلوقات وتفرد بالملك والملكوت جبار الأرض والسموات الأصل الثاني أن انفراد الله سبحانه باختراع حركات العباد لا يخرجها عن كونها مقدورة للعباد على سبيل الاكتساب بل الله تعالى خلق القدرة والمقدور جميعاً وخلق الاختيار والمختار جميعاً .
فأما القدرة فوصف للعبد وخلق للرب سبحانه وليست بكسب له. وأما الحركة فخلق للرب تعالى ووصف للعبد وكسب له فإنها خلقت مقدورة بقدرة هي وصفه وكانت للحركة نسبة إلى صفة أخرى تسمى قدرة فتسمى باعتبار تلك النسبة كسباً" وكيف تكون جبراً محضاً وهو بالضرورة يدرك التفرقة بين الحركة المقدورة والرعدة الضرورية؟ أو كيف يكون خلقاً للعبد وهو لا يحيط علماً بتفاصيل أجزاء الحركات المكتسبة وأعدادها وإذا يطل الطرفان لم يبق إلا الاقتصاد في الاعتقاد وهو أنها مقدورة بقدرة الله تعالى اختراعاً وبقدرة العبد على وجه آخر من التعليق يعبر عنه بالاكتساب. وليس من ضرورة تعلق القدرة بالمقدور أن يكون بالاختراع فقط؛ إذ قدرة الله تعالى في الأزل قد كانت متعلقة بالعالم ولم يكن الاختراع حاصلاً بها وهي عند الاختراع متعلقة به نوعاً آخر من التعلق فيه يظهر أن تعلق القدرة ليس مخصوصاً بحصول المقدور بها الأصل الثالث أن فعل العبد وإن كان كسباً للعبد فلا يخرج عن كونه مراداً لله سبحانه. فلا يجري في الملك والملكوت طرفة عين ولا لفتة خاطر ولا فلتة ناظر إلا بقضاء الله وقدرته وبإرادته ومشيئته. ومنه الشر والخير والنفع والضر والإسلام والكفر والعرفان والنكر والفوز والخسران والغواية والرشد والطاعة والعصيان والشرك والإيمان لا راد لقضائه ولا معقب لحكمه يضل من يشاء ويهدي من يشاء "لا يسئل عما يفعل وهم يسألون" ويدل عليه من النقل قول الأمة قاطبة "ما شاء كان وما لم يشأ لم يكن"وقول الله عز وجل "أن لو يشاء الله لهدى الناس جميعاً" وقوله تعالى "ولو شئنا لآتينا كل نفس هداها" ويدل عليه من جهة العقل أن المعاصي والجرئام إن كان الله يكرهها ولا يريدها وإنما هي جارية على وفق إرادة العدو إبليس لعنه الله مع أنه عدو لله سبحانه، والجاري على وفق إرادة العدو أكثر من الجاري على وفق إرادته تعالى فليت شعري كيفي يستجيز المسلم أن يرد ملك الجبار ذي الجلال والإكرام إلى رتبة لو ردت إليها رياسة زعيم ضيعة لاستنكف منها؛ إذ لو كان ما يستمر لعدو الزعيم في القرية أكثر مما يستقيم له لاستنكف من زعامته وتبرأ عن ولايته. والمعصية هي الغالبة على الخلق وكل ذلك جار عند المبتدعة على خلاف إرادة الحق تعالى وهذا غاية الضعف والعجز، تعالى رب الأرباب عن قول الظالمين علواً كبيراً. ثم مهما ظهر أن أفعال العباد مخلوقة لله صح أنها مرادة له. فإن قيل: فكيف ينهى عما يريد ويأمر بما لا يريد؟ قلنا: الأمر غير الإرادة. ولذلك إذا ضرب السيد عبده فعاتبه السلطان عليه فاعتذر بتمرد عبده عليه فكذبه السلطان - فأراد إظهار حجته بأن يأمر العبد بفعل ويخالفه بين يديه - فقال له: أسرج هذه الدابة بمشهد من السلطان، فهو يأمره بما لا يريد امتثاله، ولو لم يكن آمراً لما كان عذره عند السلطان ممهداً، ولو كان مريداً لامتثاله لكان مريداً لهلاك نفسه وهو محال الأصل الرابع أن الله تعالى متفضل بالخلق والاختراع ومتطول بتكليف العباد ولم يكن الخلق والتكليف واجباً عليه. وقالت المعتزلة وجب عليه ذلك لما فيه من مصلحة العباد وهو محال؛ إذ هو الموجب والآمر والناهي وكيف يتهدف لإيجاب أو يتعرض للزوم وخطاب؟ والمراد بالواجب أحد أمرين: إما الفعل الذي في تركه ضرر إما آجل؛ كما يقال يجب على العبد أن يطيع الله حتى لا يعذبه في الآخرة بالنار، أو ضرر عاجل: كما يقال يجب على العطشان أن يشرب حتى لا يموت. وإما أن يراد به الذي يؤدي عدمه إلى محال كما يقال وجود المعلوم واجب إذ عدمه يؤدي إلى محال وهو أن يصير العلم جهلاً، فإن أراد الخصم بأن الخلق واجب على الله بالمعنى الأول فقد عرضه للضرر وإن أراد به المعنى الثاني فهو مسلم؛ إذ بعد سبق العلم لابد من وجود المعلوم وإن أراد به معنى ثالثاً فهو غير مفهوم. وقوله "يجب لمصلحة عباده" كلام فاسد فإنه إذا لم يتضرر بترك مصلحة العباد لم يكن للوجوب في حقه معنى. ثم إن مصلحة العباد في أن يخلقهم في الجنة فأما أن يخلقهم في دار البلايا ويعرضهم للخطايا ثم يهدفهم لخطر العقاب وهول العرض والحساب فما في ذلك غبطة عند ذوي الألباب الأصل الخامس أنه يجوز على الله سبحانه أن يكلف الخلق ما لا يطيقونه - خلافاً للمعتزلة - ولو لم يجز ذلك لاستحال سؤال دفعه وقد سألوا ذلك فقالوا "ربنا ولا تحملنا ما لا طاقة لنا به " ولأن الله تعالى أخبر نبيه صلى الله عليه وسلم بأن أبا جهل لا يصدقه، ثم أمره بأن يأمره بأن يصدقه في جميع أقواله وكان من جملة أقواله أنه لا يصدقه، فكيف يصدقه في أنه لا يصدقه وهل هذا إلا محال وجوده؟ الأصل السادس أن لله عز وجل إيلام الخلق وتعذيبهم من غير جرم سابق ومن غير ثواب لا حق خلافاً للمعتزلة - لأنه متصرف في ملكه ولا يتصور أن يعدو تصرفه ملكه، والظلم هو عبارة عن التصرف في ملك الغير بغير إذنه وهو محال على الله تعالى فإنه لا يصادف لغيره ملكاً حتى يكون تصرفه فيه ظلماً: ويدل على جواز ذلك وجوده فإن ذبح البهائم إيلام لها وما صب عليها من أنواع العذاب من جهة الآدميين لم يتقدمها جريمة. فإن قيل: إن الله تعالى يحشرها ويجازيها على قدر ما قاسته من الآلام ويجب ذلك على الله سبحانه؟ فقول: من زعم أنه يجب على الله إحياء كل نملة وطئت وكل بقة عركت حتى يثيبها على آلامها فقد خرج عن الشرع والعقل؛ إذ يقال وصف الثواب والحشر بكونه واجباً عليه إن كان المراد به أن يتضرر بتركه فهو محال، وإن أريد به غيره فقد سبق أنه غير مفهوم إذ خرج عن المعاني المذكورة للواجب الأصل السابع أنه تعالى يفعل بعباده ما يشاء فلا يجب عليه رعاية الأصلح لعباده لما ذكرناه من أنه لا يجب عليه سبحانه شيء بل لا يعقل في حقه الوجوب فإنه "لا يسأل عما يفعل وهم يسألون" وليت شعري بما يجيب المعتزلي في قوله "إن الأصلح واجب عليه" في مسألة نعرضها عليه: وهو أن يفرض مناظرة في الآخرة بين صبي وبين بالغ ماتا مسلمين فإن الله سبحانه يزيد في درجات البالغ ويفضله على الصبي لأنه تعب بالإيمان والطاعات بعد البلوغ، ويجب عليه ذلك - عند المعتزلي - فلو قال الصبي: يا رب لم رفعت منزلته علي فيقول: لأنه بلغ واجتهد في الطاعات، ويقول الصبي: أنت أمتني في الصبا فكان يجب عليك أن تديم حياتي حتى أبلغ فأجتهد "فقد عدلت عن العدل في التفضل عليه بطول العمر له دوني فلم فضلته؟ فيقول الله تعالى: لأني علمت أنك لو بلغت لأشركت أو عصيت فكان الأصلح لك الموت في الصبا - هذا عذر المعتزلي عن الله عز وجل - وعند هذا ينادى الكفار من دركات لظى ويقولون: يا رب أما علمت أننا إذا بلغنا أشركنا فهلا أمتنا في الصبا فإنا رضينا بما دون منزلة الصبي المسلم؟ فبماذا يجاب عن ذلك وهل يجب عند هذا إلا القطع بأن الأمور الإلهية تتعالى بحكم الجلال عن أن توزن بميزان أهل الاعتزال؟. فإن قيل: مهما قدر على رعاية الأصلح للعباد ثم سلط عليهم أسباب العذاب كان ذلك قبحاً لا يليق بالحكمة؟ قلنا: القبح ما لا يوافق الغرض حتى إنه قد يكون الشيء قبيحاً عند شخص حسناً عند غيره إذا وافق غرض أحدهما دون الآخر حتى يستقبح قتل الشخص أولياؤه ويستحسنه أعداؤه. فإن أريد بالقبيح ما لا يوافق غرض الباري سبحانه فهو محال إذ لا غرض له فلا يتصور منه قبح كما لا يتصور منه ظلم إذ لا يتصور منه التصرف في ملك الغير. وإن أريد بالقبيح ما لا يوافق غرض الغير فلم قلتم إن ذلك عليه محال؟ وهل هذا إلا مجرد تشه يشهد بخلافه ما قد فرضناه من مخاصمة أهل النار؟ ثم الحكيم معناه العالم بحقائق الأشياء القادر على إحكام فعلها على وفق إرادته وهذا من أين يوجب رعاية الأصلح؟ وأما الحكيم منا يراعي الأصلح نظراً لنفسه ليستفيد به في الدنيا ثناه وفي الآخرة ثواباً أو يدفع به عن نفسه آفة. وكل ذلك محال على الله سبحانه وتعالى الأصل الثامن أن معرفة الله سبحانه وطاعته واجبة بإيجاب الله تعالى وشرعه لا بالعقل - خلافاً للمعتزلة - لأن العقل وإن أوجب الطاعة فلا يخلو إما أن يوجبها لغير فائدة وهو محال فإن العقل لا يوجب العبث، وإما أن يوجبها لفائدة وغرض وذلك لا يخلو إما أن يرجع إلى المعبود وذلك محل في حقه تعالى فإنه يتقدس عن الأغراض والفوائد بل الكفر، والإيمان والطاعة والعصيان في حقه تعالى سيان، وإما أن يرجع ذلك إلى غرض العبد وهو أيضاً محال لأنه لا غرض له في الحال بل يتعب به وينصرف عن الشهوات لسببه وليس في المآل إلا الثواب والعقاب. ومن أين يعلم أن الله تعالى يثيب على المعصية والطاعة ولا يعاقب عليهما مع أن الطاعة والمعصية في حقه يتساويان، إذ ليس له إلى أحدهما ميل ولا به لأحدهما اختصاص وإنما عرف تمييز ذلك بالشرع، ولقد زل من أخذ هذا من المقايسة بين الخالق والمخلوق حيث يفرق بين الشكر والكفران لما له من الارتياح والاهتزاز والتلذذ بأحدهما دون الآخر. فإن قيل: فإذا لم يجب النظر والمعرفة إلا بالشرع والشرع لا يستقر ما لم ينظر المكلف فيه؛ فإذا قال المكلف للنبي: إن العقل ليس يوجب على النظر والشرع لا يثبت عندي إلا بالنظر ولست أقدم على النظر، أدى ذلك إلى إفحام الرسول صلى الله عليه وسلم؟ قلنا: هذا يضاهي قول القائل للواقف في موضع من المواضع إن وراءك سبعاً ضارياً فإن لم تبرح عن المكان قتلك وإن التفت وراءك ونظرت عرفت صدقي، فيقول الواقف لا يثبت صدقك ما لم ألتفت ورائي ولا ألتفت ورائي، ولا أنظر ما لم يثبت صدقك؛ فيدل هذا على حماقة هذا القائل وتهدفه للهلاك ولا ضرر فيه على الهادي المرشد؛ فكذلك النبي صلى الله عليه وسلم يقول "إن وراءكم الموت ودونه السباع الضارية والنيران المحرقة إن لم تأخذوا منها حذركم وتعرفوا لي صدقي بالالتفات إلى معجزتي وإلا هلكتم، فمن التفت عرف واحترز ونجا ومن لم يلتفت وأصر هلك وتردى ولا ضرر على إن هلك الناس كلهم أجمعون، وإنما على البلاغ المبين" فالشرع يعرف وجود السباع الضارية بعد الموت. والعقل يفيد فهم كلامه والإحاطة بإمكان ما يقوله في المستقبل. والطبع يستحث على الحذر من الضرر، ومعنى كون الشيء واجباً أن في تركه ضرراً، ومعنى كون الشرع موجباً أنه معرف للضرر المتوقع فإن العقل لا يهدي إلى التهدف للضرر بعد الموت عند اتباع الشهوات، فهذا معنى الشرع والعقل وتأثيرهما في تقدير الواجب، ولولا خوف العقاب على ترك ما أمر به لم يكن الوجوب ثابتاً، إذ لا معنى للواجب إلا ما يرتبط بتركه ضرر في الآخرة الأصل التاسع أنه ليس يستحيل بعثه الأنبياء عليهم السلام - خلافاً للبراهمة - حيث قالوا: لا فائدة في بعثتهم إذ في العقل مندوحة عنهم لأن العقل لا يهدي إلى الأفعال المنجية في الآخرة كما لا يهدي إلى الأدوية المفيدة للصحة، فحاجة الخلق إلى الأنبياء كحاجتهم إلى الأطباء ولكن يعرف صدق الطبيب بالتجربة ويعرف صدق النبي بالمعجزة. الأصل العاشر أن الله سبحانه قد أرسل محمداً صلى الله عليه وسلم خاتماً للنبيين وناسخاً لما قبله من شرائع اليهود والنصارى والصابئين؟ وأيده بالمعجزات الظاهرة والآيات الباهرة كانشقاق القمر وتسبيح الحصى وإنطاق العجماء وما تفجر من بين أصابعه من الماء. ومن آياته الظاهرة التي تحدى بها - مع كافة العرب - القرآن العظيم فإنهم مع تمييزهم بالفصاحة والبلاغة تهدفوا لسبه ونهيه وقتله وإخراجه - كما أخبر الله عز وجل - عنهم ولم يقدروا على معارضته بمثل القرآن، إذ لم يكن في قدرة البشر الجمع بين جزالة القرآن ونظمه، هذا مع ما فيه من أخبار الأولين مع كونه أمياً غير ممارس للكتب والإنباء عن الغيب في أمور تحقق صدقه فيها في الاستقبال كقوله تعالى "لتدخلن المسجد الحرام إن شاء الله آمنين محلقين رءوسكم ومقصرين" وكقوله "ألم غلبت الروم في أدنى الأرض وهم من بعد غلبهم سيغلبون في بضع سنين" ووجه دلالة المعجزة على صدق الرسل أن كل ما عجز عنه البشر لم يكن إلا فعلاً لله تعالى. فمهما كان مقروناً بتحدي النبي صلى الله عليه وسلم ينزل منزلة قوله "صدقت" وذلك مثل القائل بين يدي الملك المدعي على رعيته أنه رسول الملك إليهم فإنه مهما قال لذلك إن كنت صادقاً فقم على سريرك ثلاثاً واقعد - على خلاف عادتك - ففعل الملك ذلك حصل للحاضرين علم ضروري بأن ذلك نازل منزلة قوله "صدقت"خلوق حيث يفرق بين الشكر والكفران لما له من الارتياح والاهتزاز والتلذذ بأحدهما دون الآخر. فإن قيل: فإذا لم يجب النظر والمعرفة إلا بالشرع والشرع لا يستقر ما لم ينظر المكلف فيه؛ فإذا قال المكلف للنبي: إن العقل ليس يوجب على النظر والشرع لا يثبت عندي إلا بالنظر ولست أقدم على النظر، أدى ذلك إلى إفحام الرسول صلى الله عليه وسلم؟ قلنا: هذا يضاهي قول القائل للواقف في موضع من المواضع إن وراءك سبعاً ضارياً فإن لم تبرح عن المكان قتلك وإن التفت وراءك ونظرت عرفت صدقي، فيقول الواقف لا يثبت صدقك ما لم ألتفت ورائي ولا ألتفت ورائي، ولا أنظر ما لم يثبت صدقك؛ فيدل هذا على حماقة هذا القائل وتهدفه للهلاك ولا ضرر فيه على الهادي المرشد؛ فكذلك النبي صلى الله عليه وسلم يقول "إن وراءكم الموت ودونه السباع الضارية والنيران المحرقة إن لم تأخذوا منها حذركم وتعرفوا لي صدقي بالالتفات إلى معجزتي وإلا هلكتم، فمن التفت عرف واحترز ونجا ومن لم يلتفت وأصر هلك وتردى ولا ضرر على إن هلك الناس كلهم أجمعون، وإنما على البلاغ المبين" فالشرع يعرف وجود السباع الضارية بعد الموت. والعقل يفيد فهم كلامه والإحاطة بإمكان ما يقوله في المستقبل. والطبع يستحث على الحذر من الضرر، ومعنى كون الشيء واجباً أن في تركه ضرراً، ومعنى كون الشرع موجباً أنه معرف للضرر المتوقع فإن العقل لا يهدي إلى التهدف للضرر بعد الموت عند اتباع الشهوات، فهذا معنى الشرع والعقل وتأثيرهما في تقدير الواجب، ولولا خوف العقاب على ترك ما أمر به لم يكن الوجوب ثابتاً، إذ لا معنى للواجب إلا ما يرتبط بتركه ضرر في الآخرة الأصل التاسع أنه ليس يستحيل بعثه الأنبياء عليهم السلام - خلافاً للبراهمة - حيث قالوا: لا فائدة في بعثتهم إذ في العقل مندوحة عنهم لأن العقل لا يهدي إلى الأفعال المنجية في الآخرة كما لا يهدي إلى الأدوية المفيدة للصحة، فحاجة الخلق إلى الأنبياء كحاجتهم إلى الأطباء ولكن يعرف صدق الطبيب بالتجربة ويعرف صدق النبي بالمعجزة. الأصل العاشر أن الله سبحانه قد أرسل محمداً صلى الله عليه وسلم خاتماً للنبيين وناسخاً لما قبله من شرائع اليهود والنصارى والصابئين؟ وأيده بالمعجزات الظاهرة والآيات الباهرة كانشقاق القمر وتسبيح الحصى وإنطاق العجماء وما تفجر من بين أصابعه من الماء. ومن آياته الظاهرة التي تحدى بها - مع كافة العرب - القرآن العظيم فإنهم مع تمييزهم بالفصاحة والبلاغة تهدفوا لسبه ونهيه وقتله وإخراجه - كما أخبر الله عز وجل - عنهم ولم يقدروا على معارضته بمثل القرآن، إذ لم يكن في قدرة البشر الجمع بين جزالة القرآن ونظمه، هذا مع ما فيه من أخبار الأولين مع كونه أمياً غير ممارس للكتب والإنباء عن الغيب في أمور تحقق صدقه فيها في الاستقبال كقوله تعالى "لتدخلن المسجد الحرام إن شاء الله آمنين محلقين رءوسكم ومقصرين" وكقوله "ألم غلبت الروم في أدنى الأرض وهم من بعد غلبهم سيغلبون في بضع سنين" ووجه دلالة المعجزة على صدق الرسل أن كل ما عجز عنه البشر لم يكن إلا فعلاً لله تعالى. فمهما كان مقروناً بتحدي النبي صلى الله عليه وسلم ينزل منزلة قوله "صدقت" وذلك مثل القائل بين يدي الملك المدعي على رعيته أنه رسول الملك إليهم فإنه مهما قال لذلك إن كنت صادقاً فقم على سريرك ثلاثاً واقعد - على خلاف عادتك - ففعل الملك ذلك حصل للحاضرين علم ضروري بأن ذلك نازل منزلة قوله "صدقت"


[saa]يتبع بإذن الرحمن[/saa]

_________________

يا خير من دفنت في التراب أعظمه فطاب من طيبهن القاع الأكم
نفسي الفداء لقبر أنت ساكنه فيه العفاف وفيه الجود والكرم
أنت الشفيع الذي ترجى شفاعته عند الصراط إذا ما زلّت القدم


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة:
مشاركة غير مقروءةمرسل: الثلاثاء يوليو 19, 2005 3:33 pm 
غير متصل

اشترك في: السبت فبراير 21, 2004 10:56 pm
مشاركات: 1245
مكان: يا رب مع الحبيب و آله صلى الله عليه و آله وصحبه وسلم
[align=center]الركن الرابع
في السمعيات وتصديقه صلى الله عليه وسلم
فيما أخبر عنه ومداره على عشرة أصول [/align]


الأصل الأول
الحشر والنشر وقد ورد بهما الشرع وهو حق والتصديق بهما واجب لأنه في العقل ممكن؛ ومعناه الإعادة بعد الإفناء وذلك مقدور لله تعالى كابتدا الإنشاء قال الله تعالى "قال من يحيي العظام وهي رميم قل يحييها الذي أنشأها أول مرة" فاستدل بالابتداء على الإعادة وقال عز وجل "ما خلقكم ولا بعثكم إلا كنفس واحدة" والإعادة ابتداء ثان فهو ممكن كالابتداء الأول

الأصل الثاني
سؤال منكر ونكير وقد وردت به الأخبار فيجب التصديق به لأنه ممكن إذ ليس يستدعي إلا إعادة الحياة إلى جزء من الأجزاء الذي به فهم الخطاب وذلك ممكن في نفسه ولا يدفع ذلك ما يشاهد من سكون أجزاء الميت وعدم سماعنا للسؤال له، فإن النائم ساكن بظاهره ويدرك بباطنه من الآلام واللذات ما يحس بتأثيره عند التنبه، وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يسمع كلام جبريل عليه السلام ويشاهده ومن حوله لا يسمعونه ولا يرونه ولا يحيطون بشيء من علمه إلا بما شاء فإذا لم يخلق لهم السمع والرؤية لم يدركوه

الأصل الثالث
عذاب القبر وقد ورد الشرع به قال الله تعالى "النار يعرضون عليها غدواً وعشياً ويوم تقوم الساعة أدخلوا آل فرعون أشد العذاب" واشتهر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم والسلف الصالح الاستعاذة من عذاب القبر وهو ممكن فيجب التصديق به ولا يمنع من التصديق به تفرق أجزاء الميت في بطون السباع وحواصل الطيور؛ فإن المدرك لألم العذاب من الحيوان أجزاء مخصوصة يقدر الله تعالى على إعادة الإدراك إليها

الأصل الرابع
الميزان وهو حق قال الله تعالى "ونضع الموازين القسط ليوم القيامة" وقال تعالى "فمن ثقلت موازينه فأولئك هم المفلحون، ومن خفت موازينه" الآية ووجهها أن الله تعالى يحدث في صحائف الأعمال وزناً بحسب درجات الأعمال عند الله تعالى فتصير مقادير أعمال العباد معلومة للعباد حتى يظهر لهم العدل في العقاب أو الفضل في العفو وتضعيف الثواب

الأصل الخامس
الصراط وهو جسر ممدود على متن جهنم أرق من الشعرة وأحد من السيف قال الله تعالى "فاهدوهم إلى صراط الجحيم وقفوهم إنهم مسئولون" وهذا ممكن فيجب التصديق به فإن القادر على أن يطير الطير في الهواء قادر على أن يسير الإنسان على الصراط

الأصل السادس
أن الجنة والنار مخلوقتان قال الله تعالى "وسارعوا إلى مغفرة من ربكم وجنة عرضها السموات والأرض أعدت للمتقين" فقوله تعالى "أعدت" دليل على أنها مخلوقة فيجب إجراؤه على الظاهر إذ لا استحالة فيه، ولا يقال لا فائدة في خلقهما قبل يوم الجزاء لأن الله تعالى "لا يسئل عما يفعل وهم يسئلون"

الأصل السابع
أن الإمام الحق بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم أبو بكر ثم عمر ثم عثمان ثم علي رضي الله عنهم ولم يكن نص رسول الله صلى الله عليه وسلم على إمام أصلاً؛ إذ لو كن لكان أولى بالظهور من نصبه آحاد الولاة والأمراء على الجنود في البلاد ولم يخف ذلك فكيف خفي هذا؟ وإن ظهر فكيف اندرس حتى لم ينقل إلينا؟ فلم يكن أبو بكر إماماً إلا بالاختيار والبيعة وأما تقدير النص على غيره فهو نسبة للصحابة كلهم إلى مخالفة رسول الله صلى الله عليه وسلم وخرق الإجماع، وذلك مما لا يستجرىء على اختراعه إلا الروافض، واعتاد أهل السنة تزكية جميع الصحابة والثناء عليهم كما أثنى الله سبحانه وتعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم. وما جرى بين معاوية وعلي رضي الله عنهما كان مبنياً على الاجتهاد لا منازعة من معاوية في الإمامة؛ إذ ظن علي رضي الله عنه أن تسليم قتلة عثمان مع كثرة عشائرهم واختلاطهم بالعسكر يؤدي إلى اضطراب أمر الإمامة في بدايتها فرأى التأخير أصوب، وظن معاوية أن تأخير أمرهم مع عظم جنايتهم يوجب الإغراء بالأئمة ويعرض الدماء للسفك. وقد قال أفاضل العلماء: كل مجتهد مصيب. وقال قائلون: المصيب واحد ولم يذهب إلى تخطئة على ذو تحصيل أصلاً

الأصل الثامن
أن فضل الصحابة رضي الله عنهم على تربيتهم في الخلافة إذ حقيقة الفضل ما هو فضل عند الله عز وجل وذلك لا يطلع عليه إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم. وقد ورد في الثناء على جميعهم آيات وأخبار كثيرة وإنما يدرك دقائق الفضل والترتيب فيه المشاهدون للوحي والتنزيل بقرائن الأحوال ودقائق التفصيل، فلولا فهمهم ذلك لما رتبوا الأمر كذلك إذ كانوا لا تأخذهم في الله لومة لائم ولا يصرفهم عن الحق صارف

الأصل التاسع
أن شرائط الإمامة بعد الإسلام والتكليف خمسة: الذكورة والورع والعلم والكفاية ونسبة قريش؛ لقوله صلى الله عليه وسلم "الأئمة من قريش" وإذا اجتمع عدد من الموصوفين بهذه الصفات فالإمام من انعقدت له البيعة من أكثر الخلق، والمخالف للأكثر باغ يجب رده إلى الانقياد إلى الحق

الأصل العاشر
أنه لو تعذر وجود الورع والعلم فيمن يتصدى للإمامة وكان في صرفه إثارة فتنة لا تطاق حكمنا بانعقاد إمامته، لأنا بين أن نحرك فتنة بالاستبدال، فما يلقى المسلمون فيه من الضرر يزيد على ما يفوتهم من نقصان هذه الشروط التي أثبتت لمزية المصلحة فلا يهدم أصل المصلحة شغفاً بمزاياها كالذي يبني قصراً ويهدم مصراً وبين أن نحكم بخلو البلاد عن الإمام وبفساد الأقضية وذلك محال.

ونحن نقضي بنفوذ قضاء أهل البغي في بلادهم لمسيس حاجتهم فكيف لا نقضي بصحة الإمامة عند الحاجة والضرورة؟ فهذه الأركان الأربعة الحاوية للأصول الأربعين هي قواعد العقائد فمن اعتقدها كان موافقاً لأهل السنة ومبايناً لرهط البدعة. فالله تعالى يسددنا بتوفيقه ويهدينا إلى الحق وتحقيقه بمنه وسعة جوده وفضله، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وكل عبد مصطفى.ف. الأصل التاسع أن شرائط الإمامة بعد الإسلام والتكليف خمسة: الذكورة والورع والعلم والكفاية ونسبة قريش؛ لقوله صلى الله عليه وسلم "الأئمة من قريش" وإذا اجتمع عدد من الموصوفين بهذه الصفات فالإمام من انعقدت له البيعة من أكثر الخلق، والمخالف للأكثر باغ يجب رده إلى الانقياد إلى الحق الأصل العاشر أنه لو تعذر وجود الورع والعلم فيمن يتصدى للإمامة وكان في صرفه إثارة فتنة لا تطاق حكمنا بانعقاد إمامته، لأنا بين أن نحرك فتنة بالاستبدال، فما يلقى المسلمون فيه من الضرر يزيد على ما يفوتهم من نقصان هذه الشروط التي أثبتت لمزية المصلحة فلا يهدم أصل المصلحة شغفاً بمزاياها كالذي يبني قصراً ويهدم مصراً وبين أن نحكم بخلو البلاد عن الإمام وبفساد الأقضية وذلك محال. ونحن نقضي بنفوذ قضاء أهل البغي في بلادهم لمسيس حاجتهم فكيف لا نقضي بصحة الإمامة عند الحاجة والضرورة؟ فهذه الأركان الأربعة الحاوية للأصول الأربعين هي قواعد العقائد فمن اعتقدها كان موافقاً لأهل السنة ومبايناً لرهط البدعة. فالله تعالى يسددنا بتوفيقه ويهدينا إلى الحق وتحقيقه بمنه وسعة جوده وفضله، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وكل عبد مصطفى.

[saa]يتبع بإذن الله تعالى[/saa]

_________________

يا خير من دفنت في التراب أعظمه فطاب من طيبهن القاع الأكم
نفسي الفداء لقبر أنت ساكنه فيه العفاف وفيه الجود والكرم
أنت الشفيع الذي ترجى شفاعته عند الصراط إذا ما زلّت القدم


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة:
مشاركة غير مقروءةمرسل: الأربعاء يوليو 20, 2005 3:31 pm 
غير متصل

اشترك في: السبت فبراير 21, 2004 10:56 pm
مشاركات: 1245
مكان: يا رب مع الحبيب و آله صلى الله عليه و آله وصحبه وسلم
[align=center]الفصل الرابع
من قواعد العقائد
في الإيمان والإسلام وما بينهما من الاتصال
وما يتطرق إليه من الزيادة والنقصان ووجه استثناء السلف فيه وفيه ثلاث مسائل
[/align]


مسألة

اختلفوا في أن الإسلام هو الإيمان أو غيره وإن كان غيره فهل هو منفصل عنه يوجد دونه أو مرتبط به يلازمه؟ فقيل إنهما شيء واحد وقيل إنهما شيئان لا يتواصلان وقيل إنهما شيئان ولكن يرتبط أحدهما بالآخر. وقد أورد أبو طالب المكي في هذا كلاماً شديد الاضطراب كثير التطويل فلنهجم الآن على التصريح بالحق من غير تعريج على نقل ما لا تحصيل له، فنقول في هذا ثلاثة مباحث: بحث عن موجب اللفظين في اللغة، وبحث عن المراد بهما في إطلاق الشعر، وبحث عن حكمهما في الدنيا والآخرة، والبحث الأول لغوي، والثاني تفسيري، والثالث فقهي شرعي.


البحث الأول:
في موجب اللغة؛ والحق فيه أن الإيمان عبارة عن التصديق؛ قال الله تعالى "وما أنت بمؤمن لنا" أي؛ بمصدق، والإسلام عبارة عن التسليم والاستسلام بالإذعان والانقياد وترك التمرد والإباء والعناد، وللتصديق محل خاص وهو القلب، واللسان ترجمان. وأما التسليم فإنه عام في القلب واللسان والجوارح فإن كل تصديق بالقلب فهو تسليم وترك الإباء والجحود وكذلك الاعتراف باللسان وكذلك الطاعة والانقياد بالجوارح. فموجب اللغة أن الإسلام أعم والإيمان أخص فكان الإيمان عبارة عن أشرف أجزاء الإسلام؛ فإذن كل تصديق تسليم وليس كل تسليم تصديقاً.

البحث الثاني:
عن إطلاق الشرع؛ والحق فيه أن الشرع قد ورد باستعمالهما على سبيل الترادف والتوارد وورد على سبيل الاختلاف وورد على سبيل التداخل، أما الترادف ففي قوله تعالى "فأخرجنا من كان فيها من المؤمنين، فما وجدنا فيها غير بيت من المسلمين" ولم يكن بالاتفاق إلا بيت واحد وقال تعالى "يا قوم إن كنتم آمنتم بالله فعليه توكلوا إن كنتم مسلمين" وقال صلى الله عليه وسلم "بني الإسلام على خمس" وسئل رسول الله صلى الله عليه وسلم مرة عن الإيمان فأجاب بهذه الخمس وأما الاختلاف فقوله تعالى "قالت الأعراب آمنا قل لم تؤمنوا ولكن قولوا أسلمنا" ومعناه استسلمنا في الظاهر، فأراد بالإيمان ههنا التصديق بالقلب فقط وبالإسلام الاستسلام ظاهراً باللسان والجوارح، وفي حديث جبرائيل عليه السلام لما سأله عن الإيمان فقال "أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر وبالبعث بعد الموت وبالحساب وبالقدر خيره وشره، فقال: فما الإسلام؟ فأجاب بذكر الخصال الخمس" فعبر بالإسلام عن تسليم الظاهر بالقول والعمل. وفي الحديث عن سعد أنه صلى الله عليه وسلم "أعطى رجلاً عطاء ولم يعط الآخر؛ فقال له سعد: يا رسول الله تركت فلاناً لم تعطه وهو مؤمن؟ فقال صلى الله عليه وسلم أو مسلم فأعاد عليه فأعاد رسول الله صلى الله عليه وسلم" وأما التداخل فما روى أيضاً أنه سئل "فقيل أي الأعمال أفضل؟ فقال صلى الله عليه وسلم: الإسلام، فقال: أي الإسلام أفضل، فقال صلى الله عليه وسلم: الإيمان" وهذا دليل على الاختلاف وعلى التداخل وهو أوفق الاستعمالات في اللغة لأن الإيمان عمل من الأعمال وهو أفضلها، والإسلام هو تسليم إما بالقلب وإما باللسان وإما بالجوارح وأفضلها الذي بالقلب وهو التصديق الذي يسمى إيماناً والاستعمال لهما على سبيل الاختلاف وعلى سبيل التداخل وعلى سبيل الترادف كله غير خارج عن طريق التجوز في اللغة ، أما الاختلاف فهو أن يجعل الإيمان عبارة عن التصديق بالقلب فقط وهو موافق للغة، والإسلام عبارة عن التسليم ظاهراً وهو أيضاً موافق للغة فإن التسليم ببعض محال التسليم ينطلق عليه اسم التسليم، فليس من شرط حصول الإسلام عموم المعنى لكل محل يمكن أن يوجد المعنى فيه فإن من لمس غيره ببعض بدنه يسمى لامساً وإن لم يستغرق جميع بدنه، فإطلاق اسم الإسلام على التسليم الظاهر عند عدم تسليم الباطن مطابق للسان وعلى هذا الوجه جرى قوله تعالى "قالت الأعراب آمنا قل لم تؤمنوا ولكن قولوا أسلمنا" وقوله صلى الله عليه وسلم في حديث سعد أو مسلم لأنه فضل أحدهما على الآخر، ويريد بالاختلاف تفاضل المسميين. وأما التداخل فموافق أيضاً للغة في خصوص الإيمان وهو أن يجعل الإسلام عبارة عن التسليم بالقلب والقول والعمل جميعاً، والإيمان عبارة عن بعض ما دخل في الإسلام وهو التصديق بالقلب وهو الذي عنيناه بالتداخل وهو موافق للغة في خصوص الإيمان وعموم الإسلام للكل، وعلى هذا خرج قوله الإيمان في جواب قول السائل أي الإسلام أفضل لأنه جعل الإيمان خصوصاً من الإسلام فأدخله فيه، وأما استعماله فيه على سبيل الترادف بأن يجعل الإسلام عبارة عن التسليم بالقلب والظاهر جميعاً فإن كل ذلك تسليم وكذا الإيمان ويكون التصرف في الإيمان على الخصوص بتعميمه وإدخال الظاهر في معناه وهو جائز لأن تسليم الظاهر بالقول والعمل ثمرة تصديق الباطن ونتيجته، وقد يطلق اسم الشجر ويراد به الشجر مع ثمره على سبيل التسامح فيصير بهذا القدر من التعيمم مرادفاً لاسم الإسلام ومطابقاً له فلا يزيد عليه ولا ينقص؛ وعليه خرج قوله "فما وجدنا فيها غير بيت من المسلمين"

البحث الثالث:
عن الحكم الشرعي. والإسلام والإيمان حكمان أخروي ودنيوي. أما الأخروي فهو الإخراج من النار ومنع التخليد إذ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "يخرج من النار من كان في قلبه مثقال ذرة من إيمان" وقد اختلفوا في أن هذا الحكم على ماذا يترتب؟ وعبروا عنه بأن الإيمان ماذا هو؟ فمن قائل إنه مجرد العقد ومن قائل يقول إنه عقد بالقلب وشهادة باللسان ومن قائل يزيد ثالثاً وهو العمل بالأركان، ونحن نكشف الغطاء عنه ونقول من جمع بين هذه الثلاثة فلا خلاف في أن مستقره الجنة وهذه درجة. الدرجة الثانية: أن يوجد اثنان وبعض الثالث - وهو القول والعقد وبعض الأعمال - ولكن ارتكب صاحبه كبيرة أو بعض الكبائر؛ فعند هذا قالت المعتزلة: خرج بهذا عن الإيمان ولم يدخل في الكفر بل اسمه فاسق وهو على منزلة بين المنزلتين وهو مخلد في النار؛ وهذا باطل كما سنذكره الدرجة الثالثة: أن يوجد التصديق بالقلب والشهادة باللسان دون الأعمال بالجوارح، وقد اختلفوا في حكمه، فقال أبو طالب المكي: العمل بالجوارح من الإيمان ولا يتم دونه وادعى الإجماع فيه واستدل بأدلة تشعر بنقيض غرضه كقوله تعالى "الذين آمنوا وعملوا الصالحات" إذ هذا يدل على أن العمل وراء الإيمان لا من نفس الإيمان وإلا فيكون العمل في حكم المعاد؟ والعجب أنه ادعى الإجماع في هذا وهو مع ذلك ينقل قوله صلى الله عليه وسلم "لا يكفر أحد إلا بعد جحوده لما أقر به" وينكر على المعتزلة قولهم بالتخليد في النار بسبب الكبائر؛ والقائل بهذا قائل بنفس مذهب المعتزلة؛ إذ يقال له من صدق بقلبه وشهد بلسانه ومات في الحال فهل هو في الجنة؟ فلابد أن يقول نعم، وفيه حكم بوجود الإيمان دون العمل، فنزيد ونقول لو بقي حياً حتى دخل عليه وقت صلاة واحدة فتركها ثم مات أو زنى ثم مات، فهل يخلد في النار؟ فإن قال نعم فهو مراد المعتزلة، وإن قال لا فهو تصريح بأن العمل ليس ركناً من نفس الإيمان ولا شرطاً في وجوده ولا في استحقاق الجنة به، وإن قال أردت به أن يعيش مدة طويلة ولا يصلي ولا يقدم على شيء من الأعمال الشرعية، فنقول فما ضبط تلك المدة وما عدد تلك الطاعات التي بتركها يبطل الإيمان وما عدد الكبائر التي بارتكابها يبطل الإيمان؟ وهذا لا يمكن التحكم بتقديره ولم يصر إليه صائر أصلاً. الدرجة الرابعة: أن يوجد التصديق بالقلب قبل أن ينطق باللسان أو يشتغل بالأعمال ومات فهل نقول مات مؤمناً بينه وبين الله تعالى: وهذا مما اختلف فيه ومن شرط القول لتمام الإيمان يقول هذا مات قبل الإيمان وهو فاسد إذ قال صلى الله عليه وسلم "يخرج من النار من كان في قلبه مثقال ذرة من الإيمان" وهذا قلبه طافح بالإيمان فكيف يخلد في النار؟ ولم يشترط في حديث جبريل عليه السلام للإيمان إلا التصديق بالله تعالى وملائكته وكتبه واليوم الآخر كما سبق. الدرجة الخامسة: أن يصدق بالقلب ويساعده من العمر مهلة النطق بكلمتي الشهادة وعلم وجوبها ولكنه لم ينطق بها فيحتمل أن يجعل امتناعه عن النطق كامتناعه عن الصلاة، ونقول هو مؤمن غير مخلد في النار، والإيمان هو التصديق المحض واللسان ترجمان الإيمان فلا بد أن يكون الإيمان موجوداً بتمامه قبل اللسان حتى يترجمه اللسان وهذا هو الأظهر؛ إذ لا مستند إلا اتباع موجب الألفاظ ووضع اللسان أن الإيمان هو عبارة عن التصديق بالقلب. وقد قال صلى الله عليه وسلم "يخرج من كان في قلبه مثقال ذرة" ولا ينعدم الإيمان من القلب بالسكوت عن النطق الواجب كما لا ينعدم بالسكوت عن الفعل الواجب، وقال قائلون: القول ركن إذ ليس كلمتا الشهادة إخباراً عن القلب بل هو إنشاء عقد آخر وابتداء شهادة والتزام والأول أظهر، وقد غلا في هذا طائفة المرجئة فقالوا هذا لا يدخل النار أصلاً وقالوا إن المؤمن وإن عصى فلا يدخل النار وسنبطل ذلك عليهم. الدرجة السادسة أن يقول بلسانه "لا إله إلا الله محمد رسول الله" ولكن لم يصدق بقلبه فلا نشك في أن هذا في حكم الآخرة من الكفار وأنه مخلد في النار، ولا نشك في أنه في حكم الدنيا للذي يتعلق بالأئمة والولاة من المسلمين لأن قلبه لا يطلع عليه، وعلينا أن نظن به أنه ما قاله بلسانه إلا وهو منطو عليه في قلبه وإنما نشك في أمر ثالث وهو الحكم الدنيوي فيما بينه وبين الله تعالى، وذلك بأن يموت له في الحال قريب مسلم ثم يصدق بعد ذلك بقلبه ثم يستفتي ويقول كنت غير مصدق بالقلب حالة الموت والميراث الآن في يدي فهل يحل لي بيني وبين الله تعالى؟ أو نكح مسلمة ثم صدق بقلبه هل تلزمه إعادة النكاح؟ هذا محل نظر فيحتمل أن يقال أحكام الدنيا منوطة بالقول الظاهر ظاهراً وباطناً ويحتمل أن يقال تناط بالظاهر في حق غيره لأن باطنه غير ظاهر لغيره وباطنه ظاهر له في نفسه بينه وبين الله تعالى، والأظهر والعلم عند الله تعالى أنه لا يحل له ذلك الميراث ويلزمه إعادة النكاح ولذلك كان حذيفة رضي الله عنه لا يحضر جنازة من يموت من المنافقين وعمر رضي الله عنه كان يراعي ذلك منه فلا يحضر إذا لم يحضر حذيفة رضي الله عنه،

[saa]يتبع بإذن الرحمن[/saa]

_________________

يا خير من دفنت في التراب أعظمه فطاب من طيبهن القاع الأكم
نفسي الفداء لقبر أنت ساكنه فيه العفاف وفيه الجود والكرم
أنت الشفيع الذي ترجى شفاعته عند الصراط إذا ما زلّت القدم


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة:
مشاركة غير مقروءةمرسل: الأربعاء يوليو 27, 2005 2:12 pm 
غير متصل

اشترك في: السبت فبراير 21, 2004 10:56 pm
مشاركات: 1245
مكان: يا رب مع الحبيب و آله صلى الله عليه و آله وصحبه وسلم
[align=center]تابع الفصل الرابع[/align]

والصلاة فعل ظاهر في الدنيا وإن كانت من العبادات. والتوقي عن الحرام أيضاً من جملة ما يجب لله كالصلاة لقوله صلى الله عليه وسلم "طلب الحلال فريضة بعد فريضة" وليس هذا مناقضاً لقولنا إن الإرث حكم الإسلام وهو الاستسلام بل الاستسلام التام هو ما يشمل الظاهر والباطن، وهذه مباحث فقهية ظنية تبنى على ظواهر الألفاظ والعمومات والأقيسة فلا ينبغي أن يظن القاصر في العلوم أن المطلوب فيه القطع من حيث جرت العادة بإيراده في فن الكلام الذي يطلب فيه القطع فما أفلح من نظر إلى العادات والمراسم في العلوم. فإن قلت: فما شبهة المعتزلة والمرجئة وما حجة بطلان قولهم؟ فأقول شبهتهم عمومات القرآن؛ أما المرجئة فقالوا لا يدخل المؤمن النار وإن أتى بكل المعاصي لقوله عز وجل "فمن يؤمن بربه فلا يخاف بخساً ولا رهقاً" ولقوله سبحانه وتعالى "والذين آمنوا بالله ورسوله أولئك هم الصديقون" الآية ولقوله تعالى "كلما ألقي فيها فوج سألهم خزنتها - إلى قوله - فكذبنا وقلنا ما نزل الله من شيء" فقوله "كلما ألقي فيها فوج" عام فينبغي أن يكون من ألقي في النار مكذباً ولقوله تعالى "لا يصلاها إلا الأشقى الذي كذب وتولى" وهذا حصر وإثبات ونفي ولقوله تعالى "من جاء بالحسنة فله خير منها وهم من فزع يومئذ آمنون" فالإيمان رأس الحسنات ولقوله تعالى "والله يحب المحسنين" وقال تعالى "إنا لا نضيع أجر من أحسن عملاً" ولا حجة لهم في ذلك فإنه حيث ذكر الإيمان في هذه الآيات أريد به الإيمان مع العمل إذ بينا أن الإيمان قد يطلق ويراد به الإسلام وهو الموافقة بالقلب والقول والعمل، ودليل هذا التأويل أخبار كثيرة في معاقبة العاصين ومقادير العقاب وقوله صلى الله عليه وسلم "يخرج من النار من كان في قلبه مثقال ذرة من إيمان" فكيف يخرج إذا لم يدخل؟ ومن القرآن قوله تعالى "إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء"
والاستثناء بالمشيئة يدل على الانقسام وقوله تعالى "ومن يعص الله ورسوله فإن له نار جهنم خالدين فيها" وتخصيصه بالكفر تحكم وقوله تعالى "ألا إن الظالمين في عذاب مقيم" وقال تعالى "ومن جاء بالسيئة فكبت وجوههم في النار" فهذه العمومات في معارضة عموماتهم ولابد من تسليط التخصص والتأويل على الجانبين لأن الأخبار مصرحة بأن العصاة يعذبون بل قوله تعالى "وإن منكم إلا واردها" كالصريح في أن ذلك لابد منه للكل إذ لا يخلو مؤمن عن ذنب يرتكبه وقوله تعالى "لا يصلاها إلا الأشقى الذي كذب وتولى" أراد به من جماعة مخصوصين أو أراد بالأشقى شخصاً معيناً أيضاً وقوله تعالى "كلما ألقي فيها فوج سألهم خزنتها" أي فوج من الكفار، وتخصيص العمومات قريب. ومن هذه الآية وقع للأشعري وطائفة من المتكلمين إنكار صيغ العموم وأن هذه الألفاظ يتوقف فيها إلى ظهور قرينة تدل على معناها. وأما المعتزلة فشبهتهم قوله تعالى "وإني لغفار لمن تاب وآمن وعمل صالحاً ثم اهتدى" وقوله تعالى "والعصر إن الإنسان لفي خسر إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات" وقوله تعالى "وإن منكم إلا واردها كان على ربك حتماً مقضياً" ثم قال "ثم ننجي الذين اتقوا" وقوله تعالى "ومن يعص الله ورسوله فإن له نار جهنم" وكل آية ذكر الله عز وجل العمل الصالح فيها مقروناً بالإيمان وقوله تعالى "ومن يقتل مؤمناً متعمداً فجزاءه جهنم خالداً فيها" وهذه العمومات أيضاً مخصوصة بدليل قوله تعالى "ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء" فينبغي فينبغي أن تبقى له مشيئة في مغفرة ما سوى الشرك. وكذلك قوله عليه السلام "يخرج من النار من كان في قلبه مثقال ذرة من إيمان" وقوله تعالى "إنا لا نضيع أجر من أحسن عملاً" وقوله تعالى "إن الله لا يضيع أجر المحسنين" فكيف يضيع أجر أصل الإيمان وجميع الطاعات بمعصية واحدة؟ وقوله تعالى "ومن يقتل مؤمناً متعمداً" أي لإيمانه وقد ورد على مثل هذا السبب. فإن قلت: فقد مال الاختيار إلى أن الإيمان حاصل دون العمل. وقد اشتهر عن السلف قولهم: الإيمان عقد وقول وعمل؛ فما معناه؟ قلنا. لا يبعد أن يعد العمل من الإيمان لأنه مكمل له ومتمم كما يقال الرأس واليدان من الإنسان ومعلوم أنه يخرج عن كونه إنساناً بعدم الرأس ولا يخرج عنه بكونه مقطوع اليد وكذلك يقال التسبيحات والتكبيرات من الصلاة وإن كانت لا تبطل بفقدهها فالتصديق بالقلب من الإيمان كالرأس من وجود الإنسان إذ ينعدم بعدمه وبقية الطاعات. كالأطراف بعضها أعلى من بعض وقد قال صلى الله عليه وسلم "لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن" والصحابة رضي الله عنهم ما اعتقدوا مذهب المعتزلة في الخروج عن الإيمان بالزنا ولكن معناه غير مؤمن حقاً إيماناً تاماً كاملاً كما يقال للعاجز المقطوع الأطراف هذا ليس بإنسان أي ليس له الكمال الذي هو وراء حقيقة الإنسانيةلاستثناء بالمشيئة يدل على الانقسام وقوله تعالى "ومن يعص الله ورسوله فإن له نار جهنم خالدين فيها" وتخصيصه بالكفر تحكم وقوله تعالى "ألا إن الظالمين في عذاب مقيم" وقال تعالى "ومن جاء بالسيئة فكبت وجوههم في النار" فهذه العمومات في معارضة عموماتهم ولابد من تسليط التخصص والتأويل على الجانبين لأن الأخبار مصرحة بأن العصاة يعذبون بل قوله تعالى "وإن منكم إلا واردها" كالصريح في أن ذلك لابد منه للكل إذ لا يخلو مؤمن عن ذنب يرتكبه وقوله تعالى "لا يصلاها إلا الأشقى الذي كذب وتولى" أراد به من جماعة مخصوصين أو أراد بالأشقى شخصاً معيناً أيضاً وقوله تعالى "كلما ألقي فيها فوج سألهم خزنتها" أي فوج من الكفار، وتخصيص العمومات قريب. ومن هذه الآية وقع للأشعري وطائفة من المتكلمين إنكار صيغ العموم وأن هذه الألفاظ يتوقف فيها إلى ظهور قرينة تدل على معناها. وأما المعتزلة فشبهتهم قوله تعالى "وإني لغفار لمن تاب وآمن وعمل صالحاً ثم اهتدى" وقوله تعالى "والعصر إن الإنسان لفي خسر إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات" وقوله تعالى "وإن منكم إلا واردها كان على ربك حتماً مقضياً" ثم قال "ثم ننجي الذين اتقوا" وقوله تعالى "ومن يعص الله ورسوله فإن له نار جهنم" وكل آية ذكر الله عز وجل العمل الصالح فيها مقروناً بالإيمان وقوله تعالى "ومن يقتل مؤمناً متعمداً فجزاءه جهنم خالداً فيها" وهذه العمومات أيضاً مخصوصة بدليل قوله تعالى "ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء" فينبغي فينبغي أن تبقى له مشيئة في مغفرة ما سوى الشرك. وكذلك قوله عليه السلام "يخرج من النار من كان في قلبه مثقال ذرة من إيمان" وقوله تعالى "إنا لا نضيع أجر من أحسن عملاً" وقوله تعالى "إن الله لا يضيع أجر المحسنين" فكيف يضيع أجر أصل الإيمان وجميع الطاعات بمعصية واحدة؟ وقوله تعالى "ومن يقتل مؤمناً متعمداً" أي لإيمانه وقد ورد على مثل هذا السبب. فإن قلت: فقد مال الاختيار إلى أن الإيمان حاصل دون العمل. وقد اشتهر عن السلف قولهم: الإيمان عقد وقول وعمل؛ فما معناه؟ قلنا. لا يبعد أن يعد العمل من الإيمان لأنه مكمل له ومتمم كما يقال الرأس واليدان من الإنسان ومعلوم أنه يخرج عن كونه إنساناً بعدم الرأس ولا يخرج عنه بكونه مقطوع اليد وكذلك يقال التسبيحات والتكبيرات من الصلاة وإن كانت لا تبطل بفقدهها فالتصديق بالقلب من الإيمان كالرأس من وجود الإنسان إذ ينعدم بعدمه وبقية الطاعات. كالأطراف بعضها أعلى من بعض وقد قال صلى الله عليه وسلم "لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن" والصحابة رضي الله عنهم ما اعتقدوا مذهب المعتزلة في الخروج عن الإيمان بالزنا ولكن معناه غير مؤمن حقاً إيماناً تاماً كاملاً كما يقال للعاجز المقطوع الأطراف هذا ليس بإنسان أي ليس له الكمال الذي هو وراء حقيقة الإنسانية .


مسألة

فإن قلت: فقد اتفق السلف على أن الإيمان يزيد وينقص - يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية - فإذا كان التصديق هو الإيمان فلا يتصور فيه زيادة ولا نقصان؟ فأقول: السلف هم الشهود العدول وما لأحد عن قولهم عدول فما ذكروه حق وإنما الشأن في فهمه، وفيه دليل على أن العمل ليس من أجزاء الإيمان وأركان وجوده بل هو مزيد عليه يزيد به والزائد موجود والناقص موجود والشيء لا يزيد بذاته، فلا يجوز أن يقال الإنسان يزيد برأسه بل يقال يزيد بلحيته وسمنه، ولا يجوز أن يقال الصلاة تزيد بالركوع والسجود بل تزيد بالآداب والسنن فهذا تصريح بأن الإيمان له وجود ثم بعد الوجود يختلف حاله بالزيادة والنقصان. فإن قلت: فالإشكال قائم في أن التصديق كيف يزيد وينقص وهو خصلة واحدة؟ فأقول: إذا تركنا المداهنة ولم نكترث بتشغيب من تشغب وكشفنا الغطاء ارتفع الإشكال فنقول: الإيمان اسم مشترك يطلق من ثلاثة أوجه الأول: أنه يطلق للتصديق بالقلب على سبيل الاعتقاد والتقليد من غير كشف وانشراح صدور وهو إيمان العوام بل إيمان الخلق كلهم إلا الخواص، وهذا الاعتقاد عقدة عن القلب تارة تشتد وتقوى وتارة تضعف وتسترخي كالعقدة على الخيط مثلاً. ولا تستبعد هذا واعتبره باليهودي وصلابته في عقيدته التي لا يمكن نزوعه عنها بتخويف وتحذير ولا بتخييل ووعظ ولا تحقيق وبرهان وكذلك النصراني والمبتدعة وفيهم من يمكن تشكيكه بأدنى كلام ويمكن استنزاله عن اعتقاده بأدنى استمالة أو تخويف مع أنه غير شاك في عقده كالأول ولكنهما متفاوتان في شدة التصميم. وهذا موجود في الاعتقاد الحق أيضاً والعمل يؤثر في نماء هذا التصميم وزيادته كما يؤثر سقي الماء في نماء الأشجار ولذلك قال الله تعالى "فزادتهم إيماناً" وقال تعالى "ليزدادوا إيماناً مع إيمانهم" وقال صلى الله عليه وسلم فيما يروى في بعض الأخبار "الإيمان يزيد وينقص" وذلك بتأثير الطاعات في القلب وهذا لا يدركه إلا من راقب أحوال نفسه في أوقات المواظبة على العبادة والتجرد لها بحضور القلب مع أوقات الفتور وإدراك التفاوت في السكون إلى عقائد الإيمان في هذه الأحوال حتى يزيد عقده استعصاء على من يريد حله بالتشكيك بل من يعتقد في اليتيم معنى الرحمة إذا عمل بموجب اعتقاده فمسح رأسه وتلطف به أدرك من باطنه تأكيد الرحمة وتضاعفها بسبب العمل: وكذلك معتقد التواضع إذا عمل بموجبه عملاً مقبلاً أو ساجداً لغيره أحس من قلبه بالتواضع عند إقدامه على الخدمة. وهكذا جميع صفات القلب تصدر منها أعمال الجوارح ثم يعود أثر الأعمال عليها فيؤكدها ويزيدها، وسيأتي هذا في ربع المنجيات والمهلكات عند بيان وجه تعلق الباطن بالظاهر والأعمال بالعقائد والقلوب فإن ذلك من جنس تعلق الملك بالملكوت وأعني بالملك عالم الشهادة المدرك بالحواس وبالملكوت عالم الغيب المدرك بنور البصيرة والقلب من عالم الملكوت والأعضاء وأعمالها من عالم الملك. ولطف الارتباط ودقته بين العالمين انتهى إلى حد ظن بعض الناس اتحاد أحدهما بالآخر وظن آخرون أنه لا عالم إلا عالم الشهادة وهو هذه الأجسام المحسوسة. ومن أدرك الأمرين وأدرك تعددهما ثم ارتباطهما عبر عنه فقال:

[poet font="Tahoma,4,firebrick,bold,normal" bkcolor="transparent" bkimage="backgrounds/6.gif" border="none,4,gray" type=0 line=200% align=center use=ex length=0 char="" num="0,black" filter=""]
رق الزجاج ورقت الخمر وتشابها فتشاكـل الأمـر
فكأنما خـمـر ولا قـدح وكأنما قدح ولا خـمـر

[/poet]

ولنرجع إلى المقصود فإن هذا العلم خارج عن علم المعاملة ولكن بين العلمين أيضاً اتصال وارتباط فلذلك ترى علوم المكاشفة تتسلق كل ساعة على علوم المعاملة إلى أن تنكشف عنها بالتكليف فهذا وجه زيادة الإيمان بالطاعة بموجب هذا الإطلاق، ولهذا قال علي كرم الله وجهه: إن الإيمان ليبدو لمعة بيضاء فإذا عمل العبد الصالحات نمت فزادت حتى يبيض القلب كله وإن النفاق ليبدو نكتة سوداء فإذا انتهك الحرمات نمت وزادت حتى يسود القلب كله فيطبع عليه فذلك هو الختم وتلا قوله تعالى "كلا بل ران على قلوبهم" الآية. الإطلاق الثاني: أن يراد به التصديق والعمل جميعاً كما قال صلى الله عليه وسلم "الإيمان بضع وسبعون باباً" وقال صلى الله عليه وسلم "لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن" وإذا دخل العمل في مقتضى لفظ الإيمان لم تخف زيادته ونقصانه وهل يؤثر ذلك في زيادة الإيمان الذي هو مجرد التصديق؟ هذا فيه نظر وقد أشرنا إلى أنه يؤثر فيه. الإطلاق الثالث: أن يراد به التصديق اليقيني على سبيل الكشف وانشراح الصدر والمشاهدة بنور البصيرة وهذا أبعد الأقسام عن قبول الزيادة ولكني أقول الأمر اليقيني الذي لا شك فيه تختلف طمأنينة النفس إليه فليس طمأنينة النفس إلى أن الاثنين أكثر من الواحد كطمأنينتها إلى أن العالم مصنوع حادث وإن كان شك في واحد منهما فإن اليقينيات تختلف في درجات الإيضاح ودرجات طمأنينة النفس إليها، وقد تعرضنا لهذا في فصل اليقين من كتاب العلم في باب علامات علماء الآخرة فلا حاجة إلى الإعادة. وقد ظهر في جميع الإطلاقات على ما قالوه من زيادة الإيمان ونقصانه حق وكيف وفي الأخبار "أنه يخرج من النار من كان في قلبه مثقال ذرة من إيمان" وفي بعض المواضع في خبر آخر "مثقال دينار" فأي معنى لاختلاف مقاديره إن كان ما في القلب لا يتفاوت؟

[saa]يتبع بإذن الله تعالى[/saa]

_________________

يا خير من دفنت في التراب أعظمه فطاب من طيبهن القاع الأكم
نفسي الفداء لقبر أنت ساكنه فيه العفاف وفيه الجود والكرم
أنت الشفيع الذي ترجى شفاعته عند الصراط إذا ما زلّت القدم


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة:
مشاركة غير مقروءةمرسل: الاثنين أغسطس 01, 2005 3:39 pm 
غير متصل

اشترك في: السبت فبراير 21, 2004 10:56 pm
مشاركات: 1245
مكان: يا رب مع الحبيب و آله صلى الله عليه و آله وصحبه وسلم
[align=center]تابع الفصل الرابع[/align]

مسألة
فإن قلت: ما وجه السلف "أنا مؤمن إن شاء الله" والاستثناء شك والشك في الإيمان كفر وقد كانوا كلهم يمتنعون عن جزم الجواب بالإيمان ويحترزون عنه. فقال سفيان الثوري رحمه الله، من قال أنا مؤمن عند الله فهو من الكذابين ومن قال أنا مؤمن حقاً فهو بدعة، فكيف يكون كاذباً وهو يعلم أنه مؤمن في نفسه ومن كان مؤمناً في نفسه كان مؤمناً عند الله؟ كما أن من كان طويلاً وسخياً في نفسه وعلم ذلك كان كذلك عند الله وكذا من كان مسروراً أو حزيناً أو سميعاً أو بصيراً، ولو قيل للإنسان هل أنت حيوان: لم يحسن أن يقول أنا حيوان إن شاء الله. ولما قال سفيان ذلك قيل له فماذا تقول؟ قال: قولوا آمنا بالله وما أنزل إلينا وأي فرق بين أن يقول آمنا بالله وما أنزل إلينا وبين أن يقول أنا مؤمن؟ وقيل للحسن: أمؤمن أنت؟ فقال إن شاء الله، فقيل له: لم تستثني يا أبا سعيد في الإيمان؟ فقال أخاف أن أقول نعم فيقول الله سبحانه كذبت يا حسن فتحق علي الكلمة. وكان يقول: ما يؤمنني أن يكون الله سبحانه قد اطلع علي في بعض ما يكره فمقتني وقال اذهب لا قبلت لك عملاً؛ فأنا أعمل في غير معمل. وقال إبراهيم بن أدهم: إذا قيل لك أمؤمن أنت؟ فقل لا إله إلا الله وقال مرة: قل أنا لا أشك في الإيمان وسؤالك إياي بدعة. وقيل لعلقمة: أمؤمن أنت؟ قال: أرجو إن شاء الله. وقال الثوري: نحن مؤمنون بالله وملائكته وكتبه ورسله وما ندري ما نحن عند الله تعالى؟ فما معنى هذه الاستثناءات؟ فالجواب: أن هذا الاستثناء صحيح وله أربعة أوجه؛ وجهان مستندان إلى الشك لا في أصل الإيمان ولكن في خاتمته أو كماله، ووجهان لا يستندان إلى الشك لا في أصل الإيمان ولكن في خاتمته أو كماله، ووجهان لا يستندان إلى الشك. الوجه الأول - الذي لا يستند إلى معارضة الشك: الاحتراز من الجزم خيفة ما فيه من تزكية النفس قال الله تعالى "فلا تزكوا أنفسكم" وقال "ألم تر إلى الذين يزكون أنفسهم" وقال تعالى "انظر كيف يفترون على الله الكذب" وقيل لحكيم: ما الصدق القبيح: فقال: ثناء المرء على نفسه. والإيمان من أعلى صفات المجد والجزم تزكية مطلقة وصغية الاستثناء كأنها ثقل من عرف التزكية، كما يقال للإنسان أنت طبيب أو فقيه أو مفسر؟ فيقول: نعم إن شاء الله، لا في معرض التشكيك ولكن لإخراج نفسه عن تزكية نفسه فالصيغة صيغة الترديد والتضعيف لنفس الخبر ومعناه التضعيف لللازم من لوازم الخبر وهو التزكية. وبهذا التأويل لو سئل عن وصف ذم لم يحسن الاستثناء. الوجه الثاني: التأدب بذكر الله تعالى في كل حال وإحالة الأمور كلها إلى مشيئة الله سبحانه فقد أدب الله سبحانه نبيه صلى الله عليه وسلم فقال تعالى "ولا تقولن لشيء إني فاعل ذلك غداً إلا أن يشاء الله" ثم لم يقتصر على ذلك فيما لا يشك فيه بل قال تعالى "لتدخلن المسجد الحرام إن شاء الله آمنين محلقين رءوسكم ومقصرين" وكان الله سبحانه عالماً بأنهم يدخلون لا محالة وأنه شاءه ولكن المقصود تعليمه ذلك فتأدب رسول الله صلى الله عليه وسلم في ما كان يخبر عنه معلوماً كان أو مشكوكاً حتى قال صلى الله عليه وسلم لما دخل المقابر "السلام عليكم دار قوم مؤمنين وإنا إن شاء الله بكم لاحقون" واللحوق بهم غير مشكوك فيه ولكن مقتضى الأدب ذكر الله تعالى وربط الأمور به. وهذه الصيغة دالة عليه حتى صار بعرف الاستعمال عبارة عن إظهار الرغبة والتمني، فإذا قيل لك إن فلاناً يموت سريعاً فتقول إن شاء الله فيفهم منه رغبتك لا تشكك، وإذا قيل لك فلان سيزول مرضه ويصح فتقول إن شاء الله بمعنى الرغبة فقد صارت الكلمة معدولة عن معنى التشكيك إلى معنى الرغبة وكذلك العدول إلى معنى التأدب لذكر الله تعالى كيف كان الأمر: الوجه الثالث: مستنده الشك ومعناه أنا مؤمن حقاً إن شاء الله، إذ قال الله تعالى لقوم مخصوصين بأعيانهم "أولئك هم المؤمنون حقاً" فانقسموا إلى قسمين ويرجع هذا إلى الشك في كمال الإيمان لا في أصله، وكل إنسان شاك في كمال إيمانه وذلك ليس بكفر، والشك في كمال الإيمان حق من وجهين؛ أحدهما: من حيث إن النفاق يزيل كمال الإيمان وهو خفي لا تتحقق البراءة منه. والثاني: أنه يكمل بأعمال الطاعات ولا يدري وجودها على الكمال: أما العمل فقد قال الله تعالى "إنما المؤمنون الذين آمنوا بالله ورسوله ثم لم يرتابوا وجاهدوا بأموالهم وأنفسهم في سبيل الله أولئك هم الصادقون" فيكون الشك في هذا الصدق وكذلك قال الله تعالى "ولكن البر من آمن بالله واليوم الآخر والملائكة والكتاب والنبيين" فشرط عشرين وصفاً كالوفاء بالعهد والصبر على الشدائد. ثم قال تعالى "أولئك الذين صدقوا" وقد قال تعالى "يرفع الله الذين آمنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات" وقال تعالى "لا يستوي منكم من أنفق من قبل الفتح وقاتل" الآية وقد قال تعالى "هم درجات عند الله" وقال صلى الله عليه وسلم "الإيمان عريان ولباسه التقوى" الحديث وقال صلى الله عليه وسلم "الإيمان بضع وسبعون باباً أدناها إماطة الأذى عن الطريق" فهذا ما يدل على ارتباط كمال الإيمان بالأعمال وأما ارتباطه بالبراءة عن النفاق والشرك الخفي فقوله صلى الله عليه وسلم "أربع من كن فيه فهو منافق خالص وإن صام وصلى وزعم أنه مؤمن: من إذا حدث كذب وإذا وعد أخلف وإذا ائتمن خان وإذا خاصم فجر" وفي بعض الروايات "وإذا عاهد غدر" وفي حديث أبي سعيد الخدري "القلوب أربعة: قلب أجرد وفيه سراج يزهر فذلك قلب المؤمن وقلب مصفح فيه إيمان ونفاق فمثل الإيمان فيه كمثل البقلة يمدها الماء العذب ومثل النفاق فيه كمثل القرحة يمدها القيح والصديد فأي المادتين غلب عليه حكم له بها" وفي لفظ آخر "غلبت عليه ذهبت به" وقال عليه السلام "أكثر منافقي هذه الأمة قراؤها" وفي حديث "الشرك أخفى في أمتى من دبيب النمل على الصفا" وقال حذيفة رضي الله عنه "كان الرجل يتكلم بالكلمة على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم يصير بها منافقاً إلى أن يموت وإني لأسمعها من أحدكم في اليوم عشر مرات" وقال بعض العلماء: أقرب الناس من النفاق من يرى أنه بريء من النفاق. وقال حذيفة: المنافقون اليوم أكثر منهم على عهد النبي صلى الله عليه وسلم فكانوا إذ ذاك يخفونه وهم اليوم يظهرونه وهذا النفاق يضاد صدق الإيمان وكماله وهو خفي وأبعد الناس منه من يتخوفه وأقربهم منه من يرى أنه بريء منه. فقد قيل للحسن البصري: يقولون أن لا نفاق اليوم فقال يا أخي لو هلك المنافقون لاستوحشتم في الطريق. وقال هو أو غيره: لو نبتت للمنافقين أذناب ما قدرنا أن نطأ على الأرض بأقدامنها وسمع ابن عمر رضي الله عنه رجلاً يتعرض للحجاج فقال: أرأيت لو كان حاضراً يسمع أكنت تتكلم فيه؟ فقال: لا، فقال: كنا نعد هذا نفاقاً على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم" وقال صلى الله عليه وسلم "من كان ذا لسانين في الدنيا جعله الله ذا لسانين في الآخرة" وقال أيضاً صلى الله عليه وسلم "شر الناس ذا الوجهين الذي يأتي هؤلاء بوجه ويأتي هؤلاء بوجه" وقيل للحسن: إن قوماً ما يقولون إنا لا نخاف النفاق، فقال: والله لأن أكون أعلم أني بريء من النفاق أحب إلي من تلاع الأرض ذهباً. وقال الحسن: إن من النفاق اختلاف اللسان والقلب، والسر والعلانية، والمدخل والمخرج. وقال رجل لحذيفة رضي الله عنه: إني أخاف أن أكون منافقاً، فقال: لو كنت منافقاً ما خفت النفاق إن المنافق من أمن النفاق. وقال ابن أبي مليكة: أدركت ثلاثن ومائة - وفي رواية خمسين ومائة - من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم كلهم يخافون النفاق. وروي "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان جالساً في جماعة من أصحابه فذكروا رجلاً وأكثروا الثناء عليه فبينا هم كذلك إذ طلع عليهم الرجل ووجهه يقطر ماء من أثر الوضوء وقد علق نعله بيده وبين عينيه أثر السجود فقالوا: يا رسول الله هو هذا الرجل الذي وصفناه، فقال صلى الله عليه وسلم: أرى على وجهه سفعة من الشيطان، فجاء الرجل حتى سلم وجلس مع القوم فقال النبي صلى الله عليه وسلم: نشدتك الله هل حدثت نفسك حين أشرفت على القوم أنه ليس فيهم خير منك؟ فقال: اللهم نعم" فقال صلى الله عليه وسلم في دعائه "اللهم إني أستغفرك لما علمت ولما لم أعلم، فقيل له: أتخاف يا رسول الله؟ فقال: وما يؤمنني والقلوب بين أصبعين من أصابع الرحمن يقلبها كيف يشاء! وقد قال سبحانه "وبدا لهم من الله ما لم يكونوا يحتسبون"، قيل في التفسير: عملوا أعمالاً ظنوا أنها حسنات فكانت في كفة السيئات. وقال سري السقطي: لو أن إنساناً دخل بستاناً فيه من جميع الأشجار عليها من جميع الطيور فخاطبه كل طير منها بلغة؛ فقال: السلام عليك يا ولي الله، فسكنت نفسه إلى ذلك كان أسيراً في يديها فهذه الأخبار والآثار تعرفك خطر الأمر بسبب دقائق النفاق والشرك الخفي وأنه لا يؤمن منه حتى كان عمر بن الخطاب رضي الله عنه يسأل حذيفة عن نفسه وأنه هل ذكر في المنافقين؟ وقال أبو سليمان الداراني: سمعت من بعض الأمراء شيئاً فأردت أن أنكره فخفت أن يأمر بقتلي ولم أخف من الموت ولكن خشيت أن يعرض لقلبي التزين للخلق عند خروج روحي فكففت. وهذا من النفاق الذي يضاد حقيقة الإيمان وصدقه وكماله وصفاءه لا أصله. فالنفاق نفاقان، أحدهما: يخرج من الدين ويلحق بالكافرين ويسلك في زمرة المخلدين في النار. والثاني: يفضي بصاحبه إلى النار مدة أو ينقص من درجات عليين ويحط من رتبة الصديقين وذلك مشكوك فيه ولذلك حسن الاستثناء فيه. وأصل هذا النفاق تفاوت بين السر والعلانية، والأمن من مكر الله، والعجب، وأمور أخر لا يخلو عنها إلا الصديقون. الوجه الرابع: وهو أيضاً مستند إلى الشك وذلك من خوف الخاتمة فإنه لا يدري أيسلم له الإيمان عند الموت أم لا؟ فإن ختم له بالكفر حبط عمله السابق لأنه موقوف على سلامة الآخر، ولو سئل الصائم ضحوة النهار عن صحة صومه فقال: أنا صائم قطعاً، فلو أفطر في أثناء نهاره بعد ذلك لتبين كذبه إذ كانت الصحة موقوفة على التمام إلى غروب الشمس من آخر النهار. وكما أن النهار ميقات تمام الصوم فالعمر ميقات تمام صحة الإيمان ووصفه بالصحة قبل آخره بناء على الاستصحاب وهو مشكوك فيه، والعاقبة مخوفة ولأجلها كان بكاء أكثر الخائفين لأجل أنها ثمرة القضية السابقة والمشيئة الأزلية التي لا تظهر إلا بظهور المقضي به ولا مطلع عليه لأحد من البشر، فخوف الخاتمة كخوف السابقة وربما يظهر في الحال ما سبقت الكلمة بنقيضه، فمن الذي يدري أنه من الذين سبقت لهم من الله الحسنى؟ وقيل في معنى قوله تعالى "وجاءت سكرة الموت بالحق" أي بالسابقة يعني أظهرتها. وقال بعض السلف: إنما يوزن من الأعمال خواتيمها. وكان أبو الدرداء رضي الله عنه يحلف بالله ما من أحد يأمن أن يسلب إيمانه إلا سلبه. وقيل من الذنوب ذنوب عقوبتها سوء الخاتمة نعوذ بالله من ذلك. وقيل هي عقوبات دعوى الولاية والكرامة بالافتراء. وقال بعض العارفين: لو عرضت علي الشهادة عند باب الدار والموت على التوحيد عند باب الحجرة لاخترت الموت على التوحيد عند باب الحجرة لأني لا أدري ما يعرض لقلبي من التغيير عن التوحيد إلى باب الدار؟ وقال بعضهم: لو عرفت واحداً بالتوحيد خمسين سنة ثم حال بيني وبينه سارية ومات لم أحكم أنه مات على التوحيد. وفي الحديث "من قال أنا مؤمن فهو كافر ومن قال أنا عالم فهو جاهل" وقيل في قوله تعالى "وتمت كلمات ربك صدقاً وعدلاً" صدقاً لمن مات على الإيمان وعدلاً لمن مات على الشرك وقد قال تعالى "ولله عاقبة الأمور" فمهما كان الشك بهذه المثابة كان الاستثناء واجباً لأن الإيمان عبارة عما يفيد الجنة كما أن الصوم عبارة عما يبرىء الذمة. وما فسد قبل الغروب لا يبرىء الذمة فيخرج عن كونه صوماً فكذلك الإيمان بل لا يبعد أن يسأل عن الصوم الماضي الذي لا يشك فيه بعد الفراغ منه فيقال أصمت بالأمس؟ فيقول نعم إن شاء الله تعالى إذ الصوم الحقيقي هو المقبول والمقبول غائب عنه لا يطلع عليه إلا الله تعالى فمن هذا حسن الاستثناء في جميع أعمال البر ويكون ذلك شكا في القبول، إذ يمنع منا لقبول بعد جريان ظاهر شروط الصحة أسباب خفيفة لا يطلع عليها إلا رب الأرباب جل جلاله فيحسن الشك فيه. فهذه وجوه حسن الاستثناء في الجواب عن الإيمان وهي آخر ما نختم به "كتاب قواعد العقائد" تم الكتاب بحمد الله تعالى وصلى الله على سيدنا محمد وعلى كل عبد مصطفىفهذه الأخبار والآثار تعرفك خطر الأمر بسبب دقائق النفاق والشرك الخفي وأنه لا يؤمن منه حتى كان عمر بن الخطاب رضي الله عنه يسأل حذيفة عن نفسه وأنه هل ذكر في المنافقين؟ وقال أبو سليمان الداراني: سمعت من بعض الأمراء شيئاً فأردت أن أنكره فخفت أن يأمر بقتلي ولم أخف من الموت ولكن خشيت أن يعرض لقلبي التزين للخلق عند خروج روحي فكففت. وهذا من النفاق الذي يضاد حقيقة الإيمان وصدقه وكماله وصفاءه لا أصله. فالنفاق نفاقان، أحدهما: يخرج من الدين ويلحق بالكافرين ويسلك في زمرة المخلدين في النار. والثاني: يفضي بصاحبه إلى النار مدة أو ينقص من درجات عليين ويحط من رتبة الصديقين وذلك مشكوك فيه ولذلك حسن الاستثناء فيه. وأصل هذا النفاق تفاوت بين السر والعلانية، والأمن من مكر الله، والعجب، وأمور أخر لا يخلو عنها إلا الصديقون. الوجه الرابع: وهو أيضاً مستند إلى الشك وذلك من خوف الخاتمة فإنه لا يدري أيسلم له الإيمان عند الموت أم لا؟ فإن ختم له بالكفر حبط عمله السابق لأنه موقوف على سلامة الآخر، ولو سئل الصائم ضحوة النهار عن صحة صومه فقال: أنا صائم قطعاً، فلو أفطر في أثناء نهاره بعد ذلك لتبين كذبه إذ كانت الصحة موقوفة على التمام إلى غروب الشمس من آخر النهار. وكما أن النهار ميقات تمام الصوم فالعمر ميقات تمام صحة الإيمان ووصفه بالصحة قبل آخره بناء على الاستصحاب وهو مشكوك فيه، والعاقبة مخوفة ولأجلها كان بكاء أكثر الخائفين لأجل أنها ثمرة القضية السابقة والمشيئة الأزلية التي لا تظهر إلا بظهور المقضي به ولا مطلع عليه لأحد من البشر، فخوف الخاتمة كخوف السابقة وربما يظهر في الحال ما سبقت الكلمة بنقيضه، فمن الذي يدري أنه من الذين سبقت لهم من الله الحسنى؟ وقيل في معنى قوله تعالى "وجاءت سكرة الموت بالحق" أي بالسابقة يعني أظهرتها. وقال بعض السلف: إنما يوزن من الأعمال خواتيمها. وكان أبو الدرداء رضي الله عنه يحلف بالله ما من أحد يأمن أن يسلب إيمانه إلا سلبه. وقيل من الذنوب ذنوب عقوبتها سوء الخاتمة نعوذ بالله من ذلك. وقيل هي عقوبات دعوى الولاية والكرامة بالافتراء. وقال بعض العارفين: لو عرضت علي الشهادة عند باب الدار والموت على التوحيد عند باب الحجرة لاخترت الموت على التوحيد عند باب الحجرة لأني لا أدري ما يعرض لقلبي من التغيير عن التوحيد إلى باب الدار؟ وقال بعضهم: لو عرفت واحداً بالتوحيد خمسين سنة ثم حال بيني وبينه سارية ومات لم أحكم أنه مات على التوحيد. وفي الحديث "من قال أنا مؤمن فهو كافر ومن قال أنا عالم فهو جاهل" وقيل في قوله تعالى "وتمت كلمات ربك صدقاً وعدلاً" صدقاً لمن مات على الإيمان وعدلاً لمن مات على الشرك وقد قال تعالى "ولله عاقبة الأمور" فمهما كان الشك بهذه المثابة كان الاستثناء واجباً لأن الإيمان عبارة عما يفيد الجنة كما أن الصوم عبارة عما يبرىء الذمة. وما فسد قبل الغروب لا يبرىء الذمة فيخرج عن كونه صوماً فكذلك الإيمان بل لا يبعد أن يسأل عن الصوم الماضي الذي لا يشك فيه بعد الفراغ منه فيقال أصمت بالأمس؟ فيقول نعم إن شاء الله تعالى إذ الصوم الحقيقي هو المقبول والمقبول غائب عنه لا يطلع عليه إلا الله تعالى فمن هذا حسن الاستثناء في جميع أعمال البر ويكون ذلك شكا في القبول، إذ يمنع منا لقبول بعد جريان ظاهر شروط الصحة أسباب خفيفة لا يطلع عليها إلا رب الأرباب جل جلاله فيحسن الشك فيه. فهذه وجوه حسن الاستثناء في الجواب عن الإيمان وهي آخر ما نختم به "كتاب قواعد العقائد" تم الكتاب بحمد الله تعالى وصلى الله على سيدنا محمد وعلى كل عبد مصطفى

[saa]يتبع بإذن الله تعالى[/saa]

_________________

يا خير من دفنت في التراب أعظمه فطاب من طيبهن القاع الأكم
نفسي الفداء لقبر أنت ساكنه فيه العفاف وفيه الجود والكرم
أنت الشفيع الذي ترجى شفاعته عند الصراط إذا ما زلّت القدم


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة:
مشاركة غير مقروءةمرسل: الأربعاء أغسطس 03, 2005 3:51 pm 
غير متصل

اشترك في: السبت فبراير 21, 2004 10:56 pm
مشاركات: 1245
مكان: يا رب مع الحبيب و آله صلى الله عليه و آله وصحبه وسلم
[align=center]بسم الله الرحمن الرحيم

كتاب أسرار الطهارة
وهو الكتاب الثالث من ربع العبادات
[/align]


الحمد لله الذي تلطف بعباده فتعبدهم بالنظافة، وأفاض على قلوبهم تزكية لسرائرهم أنواره وألطافه، وأعد لظواهرهم تطهيراً لها الماء المخصوص بالرقة واللطافة، وصلى الله على النبي محمد المستغرق بنور الهدى أطراف العالم وأكنافه، وعلى آله الطيبين الطاهرين صلاة تنجينا بركاتها يوم المخافة، وتنتصب جنة بيننا وبين كل آفة. أما بعد. فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم "بني الدين على النظافة" وقال صلى الله عليه وسلم "مفتاح الصلاة الطهور" وقال الله تعالى "فيه رجال يحبون أن يتطهروا والله يحب المطهرين" وقال النبي صلى الله عليه وسلم "الطهور نصف الإيمان" وقال الله تعالى "ما يريد الله ليجعل عليكم من حرج ولكن يريد ليطهركم" فتفطن ذوو البصائر بهذه الظواهر أن أهم الأمور تطهير السرائر إذ يبعد أن يكون المراد بقوله صلى الله عليه وسلم "الطهور نصف الإيمان" عمارة الظاهر بالتنظيف بإفاضة الماء وإلقائه وتخريب الباطن وإبقائه مشحوناً بالأخباث والأقذار هيهات هيهات! والطهارة لها أربع مراتب المرتبة الأولى تطهير الظاهر عن الأحداث وعن الأخباث والفضلات المرتبة الثانية تطهير الجوارح عن الجرائم والآثام المرتبة الثالثة تطهير القلب عن الأخلاق المذمومة والرذائل الممقوتة المرتبة الرابعة تطهير السر عما سوى الله تعالى وهي طهارة الأنبياء صلوات الله عليهم والصديقين، والطهارة في كل رتبة نصف العمل الذي فيها فإن الغاية القصوى في عمل السر أن ينكشف له جلال الله تعالى وعظمته ولن تحل معرفة الله تعالى بالحقيقة في السر ما لم يرتحل ما سوى الله تعالى عنه. ولذلك قال الله عز وجل "قل الله ثم ذرهم في خوضهم يلعبون" لأنهما لا يجتمعان في قلب "وما جعل الله لرجل من قلبين في جوفه" وأما عمل القلب فالعناية القصوى عمارته بالأخلاق المحمودة والعقائد المشروعة ولن يتصف بها ما لم ينظف عن نقائضها من العقائد الفاسدة والرذائل الممقوتة، فتطهيره أحد الشطرين وهو الشطر الأول الذي هو شرط في الثاني فكان الطهور شطر الإيمان بهذا المعنى، وكذلك تطهير الجوارح عن المناهي أحد الشطرين وهو الشطر الأول الذي هو شرط في الثاني، فتطهيره أحد الشطرين وهو الشرط الأول وعمارتها بالطاعات الشطر الثاني فهذه مقامات الإيمان ولكل مقام طبقة ولن ينال العبد الطبقة العالية إلا أن يجاوز الطبقة السافلة، فلا يصل إلى طهارة السر عن الصفات المذمومة وعمارته بالمحمودة ما لم يفرغ من طهارة القلب عن الخلق المذموم وعمارته بالخلق المحمود، ولن يصل إلى ذلك من لم يفرغ عن طهارة الجوارح عن المناهي وعمارتها بالطاعات، وكلما عز المطلوب وشرف صعب مسلكه وطال طريقه وكثرت عقباته فلا تظن أن هذا الأمر يدرك وينال بالهوينى، نعم من عميت بصيرته عن تفاوت هذه الطبقات لم يفهم من مراتب الطهارة إلا الدرجة الأخيرة التي هي كالقشرة الأخيرة الظاهرة بالإضافة إلى اللب المطلوب، فصار يمعن فيها ويستقصى في مجاريها ويستوعب جميع أوقاته في الاستنجاء وغسل الثياب وتنظيف الظاهر وطلب المياه الجارية الكثيرة ظناً منه بحكم الوسوسة وتخيل العقل أن الطهارة المطلوبة الشريفة هي هذه فقط وجهالة بسيرة الأولين واستغراقهم جميع الهم والفكر في تطهير القلب وتساهلهم في أمر الظاهر، حتى إن عمر رضي الله عنه مع علو منصبه توضأ من ماء في جرة نصرانية، وحتى إنهم ما كانوا يغسلون اليد من الدسومات والأطعمة بل كانوا يمسحون أصابعهم بأخمص أقدامهم وعدوا الأشنان من البدع المحدثة، ولقد كانوا يصلون على الأرض في المساجد ويمشون حفاة في الطرقات، ومن كان لا يجعل بينه وبين الأرض حاجزاً في مضجعه كان من أكابرهم، وكانوا يقتصرون على الجارة في الاستنجاء. وقال أبو هريرة وغيره من أهل الصفة: "كنا نأكل الشواء فتقام الصلاة فندخل أصابعنا في الحصى ثم نفركها بالتراب ونكبر" وقال عمر رضي الله عنه: "ما كنا نعرف الأشنان في عرص رسول الله صلى الله عليه وسلم وإنما كانت مناديلنا بطون أرجلنا كنا إذا أكلنا الغمر مسحنا بها" ويقال أول ما ظهر من البدع بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم أربع: المناخل والأشنان والموائد والشبع. فكانت عنايتهم كلها بنظافة الباطن حتى قال بعضهم: الصلاة في النعلين أفضل "لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما نزع نعليه في صلاته بإخبار جبريل عليه السلام له أن بهما نجاسة وخلع الناس نعالهم قال صلى الله عليه وسلم لم خلعتم نعالكم"؟ وقال النخعي في الذين يخلعون نعالهم "وددت لو أن محتاجاً جاء إليها فأخذها" منكراً لخلع النعال. فهكذا كان تساهلهم في هذه الأمور بل كانوا يمشون في طين الشوارع حفاة ويجلسون عليها ويصلون في المساجد على الأرض، ويأكلون من دقيق البر والشعير وهو يداس بالدواب وتبول عليه، ولا يحترزون من عرق الإبل والخيل مع كثرة تمرغها في النجاسات، ولم ينقل قط عن أحد منهم سؤال في دقائق النجاسات فهكذا كان تساهلهم فيها. وقد انتهت النوبة الآن إلى طائفة يسمون الرعونة نظافة فيقولون هو مبنى الدين فأكثر أوقاتهم في تزيينهم الظواهر، كفعل الماشطة بعروسها والباطن خراب مشحون بخبائث الكبر والعجب والجهل والرياء والنفاق ولا يستنكرون ذلك ولا يتعجبون منه! ولو اقتصر مقتصر على الاستنجاء بالحجر أو مشى على الأرض حافياً أو صلى على الأرض أو على بواري المسجد من غير سجادة مفروشة أو مشى على الفرش من غير غلاف للقدم من أدم أو توضأ من آنية عجوز أو رجل غير متقشف أقاموا عليه القيامة وشدوا عليه النكير ولقيوه بالقذر وأخرجوه من زمرتهم واستنكفوا عن مؤاكلته ومخالطته. فسموا البذاذة التي هي من الإيمان قذارة والرعونة نظافة فانظر كيف صار المنكر معروفاً والمعروف منكراً! وكيف اندرس من الدين رسمه كما اندرس حقيقته وعلمه. فإن قلت: أفتقول إن هذه العادات التي أحدثها الصوفية في هيئاتهم ونظافتهم من المحظورات أو المنكرات؟ فأقول حاش لله أن أطلق القول فيه من غير تفصيل ولكني أقول إن هذا التنظيف والتكلف وإعداد الأواني والآلات واستعمال غلاف القدم والإزار المقنع به لدفع الغبار وغير ذلك من هذه الأسباب إن وقع النظر إلى ذاتها على سبيل التجرد فهي من المباحات وقد يقترن بها أحوال ونيات تلحقها تارة بالمعروفات وتارة بالمنكرات، فأما كونها مباحة في نفسها فلا يخفى أن صاحبها متصرف بها في ماله وبدنه وثيابه فيفعل بها ما يريد إذا لم يكن فيه إضاعة وإسراف، وأما مصيرها منكراً فبأن يجعل ذلك أصل الدين ويفسر به قوله صلى الله عليه وسلم "بني الدين على النظافة" حتى ينكر به على من يتساهل فيه الأولين أو يكون القصد به تزيين الظاهر للخلق وتحسين موقع نظرهم، فإن ذلك هو الرياء المحظور فيصير منكراً بهذين الاعتبارين، أما كونه معروفاً فبأن يكون القصد منه الخير دون التزين وأن لا ينكر على من ترك ذلك ولا يؤخر بسببه الصلاة عن أوائل الأوقات ولا يشتغل به عن عمل هو أفضل منه أو عن علم أو غيره، فإذا لم يقترن به شيء من ذلك فهو مباح يمكن أن يجعل قربة بالنية ولكن لا يتيسر ذلك إلا للبطالين الذين لم يشتغلوا بصرف الأوقات فيه لاشتغلوا بنوم أو حديث فيما لا يعني فيصير شغلهم به أولى لأن الاشتغال بالطهارات يجدد ذكر الله تعالى وذكر العبادات فلا بأس به إذا لم يخرج إلى منكر أو إسراف. وأما أهل العلم والعمل فلا ينبغي أن يصرفوا من أوقاتهم إليه إلا قدر الحاجة فالزيادة عليه منكر في حقهم وتضييع العمر الذي هو أنفس الجواهر وأعزها في حق من قدر على الانتفاع به. ولا يتعجب من ذلك فإن حسنات الأبرار سيئات المقربين. ولا ينبغي للبطال أن يترك النظافة وينكر على المتصوفة ويزعم أنه يتشبه بالصحابة إذ التشبه بهم في أن لا يتفرغ إلا لما هو أهم منه، كما قيل لداود الطائي لم لا تسرح لحيتك؟ قال: إنذ إذن لفارغ. فلهذا لا أرى للعالم ولا للمتعلم ولا للعامل أن يضيع وقته في غسل الثياب إحترازاً من أن يلبس الثياب المقصورة وتوهماً بالقصار تقصيراً في الغسل؛ فقد كانوا في العصر الأول يصلون في الفراء المدبوغة ولم يعلم منهم من فرق بين المقصورة والمدبوغة في الطهارة والنجاسة، بل كانوا يجتنبون النجاسة إذا شاهدوها ولا يدققون نظرهم في استنباط الاحتمالات الدقيقة، بل كانوا يتأملون في دقائق الرياء والظلم حتى قال سفيان الثوري لرفيق كان يمشي معه فنظر إلى باب دار مرفوع معمور: لا تفعل ذلك فإن الناس لو لم ينظروا إليه لكان صاحبه لا يتعاطى هذا الإسراف. فالناظر إليه معين له على الإسراف. فكانوا يعدون جمام الذهن لاستنابط مثل هذه الدقائق لا في احتمالات النجاسة. فلو وجد العالم عامياً يتعاطى له غسل الثياب محتاطاً فهو أفضل فإنه بالإضافة إلى التساهل خير.
وذلك العامي ينتفع بتعاطيه إذ يشغل نفسه الأمارة بالسوء بعمل المباح في نفسه فيمتنع عليه المعاصي في تلك الحال. والنفس إن لم تشغل بشيء شغلت صاحبها وإذا قصد به التقرب إلى العالم صار ذلك عنده من أفضل القربات. فوقت العالم أشرف من أن يصرفه إلى مثله فيبقى محفوظاً عليه، وأشرف وقت العامي أن يشتغل بمثله فيتوفر الخير عليه من الجوانب كلها. وليتفطن بهذا المثل لنظائره من الأعمال وترتيب فضائلها ووجه تقديم البعض منها على بعض، فتدقيق الحساب في حفظ لحظات العمر بصرفها إلى الأفضل أهم من التدقيق في أمور الدنيا بحذافيرها. وإذا عرفت هذه المقدمة واستبنت أن الطهارة لها أربع مراتب. فاعلم أنا في هذا الكتاب لسنا نتكلم إلا في المرتبة الرابعة وهي نظافة الظاهر لأنا في الشطر الأول من الكتاب لا نتعرض قصداً إلا للظواهر. فنقول طهارة الظاهر ثلاثة أقسام: طهارة عن الخبث وطهارة عن الحدث وطهارة عن فضلات البدن، وهي التي تحصل بالقلم والاستحداد واستعمال النورة والختان وغيره.نتفع بتعاطيه إذ يشغل نفسه الأمارة بالسوء بعمل المباح في نفسه فيمتنع عليه المعاصي في تلك الحال. والنفس إن لم تشغل بشيء شغلت صاحبها وإذا قصد به التقرب إلى العالم صار ذلك عنده من أفضل القربات. فوقت العالم أشرف من أن يصرفه إلى مثله فيبقى محفوظاً عليه، وأشرف وقت العامي أن يشتغل بمثله فيتوفر الخير عليه من الجوانب كلها. وليتفطن بهذا المثل لنظائره من الأعمال وترتيب فضائلها ووجه تقديم البعض منها على بعض، فتدقيق الحساب في حفظ لحظات العمر بصرفها إلى الأفضل أهم من التدقيق في أمور الدنيا بحذافيرها. وإذا عرفت هذه المقدمة واستبنت أن الطهارة لها أربع مراتب. فاعلم أنا في هذا الكتاب لسنا نتكلم إلا في المرتبة الرابعة وهي نظافة الظاهر لأنا في الشطر الأول من الكتاب لا نتعرض قصداً إلا للظواهر. فنقول طهارة الظاهر ثلاثة أقسام: طهارة عن الخبث وطهارة عن الحدث وطهارة عن فضلات البدن، وهي التي تحصل بالقلم والاستحداد واستعمال النورة والختان وغيره.

[saa]يتبع بإذن المولى عز وجل[/saa]

_________________

يا خير من دفنت في التراب أعظمه فطاب من طيبهن القاع الأكم
نفسي الفداء لقبر أنت ساكنه فيه العفاف وفيه الجود والكرم
أنت الشفيع الذي ترجى شفاعته عند الصراط إذا ما زلّت القدم


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة:
مشاركة غير مقروءةمرسل: الأحد أغسطس 07, 2005 3:58 pm 
غير متصل

اشترك في: السبت فبراير 21, 2004 10:56 pm
مشاركات: 1245
مكان: يا رب مع الحبيب و آله صلى الله عليه و آله وصحبه وسلم
[align=center]القسم الأول
في طهارة الخبث
والنظر فيه يتعلق بالمزال والمزال به والإزالة
الطرف الأول
في المزال[/align]


وهي النجاسة. والأعيان ثلاثة: جمادات وحيوانات وأجزاء حيوانات. أما الجمادات فطاهرة كلها إلا الخمر وكل منتبذ مسكر، والحيوانات طاهرة كلها إلا الكلب والخنزير وما تولد منهما أو من أحدهما. فإذا ماتت فكلها نجسة إلا خمسة: الآدمي والسمك والجراد ودود التفاح - وفي معناه كل ما يستحل من الأطعمة - وكل ما ليس له نفس سائلة كالذباب والخنفساء وغيرهما فلا ينجس الماء بوقوع شيء منها فيه. وأما أجزاء الحيوانات فقسمان، أحدهما: ما يقطع منه وحكمه حكم الميت. والشعر لا ينجس بالجز، والموت والعظم ينجس. الثاني: الرطوبات الخارجة من باطنه فكل ما ليس مستحيلاً ولا له مقر فهو طاهر كالدمع والعرق واللعاب والمخاط، وما له مقر وهو مستحي فنجس، إلا ما هو مادة الحيوان كالمني والبيض. والقيح والدم والروث والبول نجس من الحيوانات كلها. ولا يعفى عن شيء م هذه النجاسات قليلها وكثيرها إلا عن خمسة، الأول: أثر النجو بعد الاستجمار بالأحجار يعفى عنه ما لم يعد المخرج والثاني: طين الشوارع وغبار الروث في الطريق يعفى عنه مع تيقن النجاسة بقدر ما يتعذر الاحتراز عنه، وهو الذي لا ينسب المتلطلخ به إلى تفريط أو سقطة. الثالث: ما على أسفل الخف من نجاسة لا يخلو الطريق عنها فيعفى عنه بعد الدلك للحاجة: الرابع: دم البراغيث ما قل منه أو كثر إلا إذا جاوز حد العادة سواء كان في ثوبك أو في ثوب غيرك فلبسته. الخامس: دم البثرات وما ينفصل منها من قيح وصديد. ودلك ابن عمر رضي الله عنه بثرة على وجهه فخرج منها الدم وصلى ولم يغتسل. وفي معناه ما يترشح من لطخات الدماميل التي تدوم غالباً وكذلك أثر الفصد إلا ما يقع نادراً من خراج أو غيره فيلحق بدم الاستحاضة، ولا يكون في معنى البثرات التي لا يخلو الإنسان عنها في أحواله. ومسامحة الشرع في هذه النجاسات الخمس تعرفك أن أمر الطهارة على التساهل وما ابتدع فيها وسوسة لا أصل لها.

[align=center]الطرف الثاني
في المزال به
[/align]
وهو إما جامد وإما مائع؛ فحجر الاستنجاء وهو مطهر تطهير تخفيف بشرط أن يكون صلباً طاهراً منشفاً غير محترم، وأما المائعات فلا تزال النجاسات بشيء منها إلا الماء؛ ولا كل ماء بل الطاهر الذي لم يتفاحش تغيره بمخالطة ما يستغنى عنه. ويخرج الماء عن الطهارة بأن يتغير بملاقاة النجاسة طعمه أو لونه أو ريحه. فإن لم يتغير وكان قريباً من مائتين وخمسين منا - وهو خمسمائة رطل برطل العراق - لم ينجس لقوله صلى الله عليه وسلم "إذا بلغ الماء قلتين لم يحمل خبثاً" وإن كان دونه صار نجساً عند الشافعي رضي الله عنه هذا في الماء الراكد. وأما الماء الجاري إذا تغير بالنجاسة فالجرية المتغيرة نجسة دون ما فوقها وما تحتها لأن جريات الماء متفاصلات. وكذا النجاسة الجارية إذا جرت بمجرى الماء فالنجس موقعها من الماء وما عن يمينها وشمالها إذا تقاصر عن قلتين. وإن كان جري الماء أقوى من جري النجاسة فما فوق النجاسة طاهر وما سفل عنها فنجس وإن تباعد وكثر إلا إذا اجتمع في حوض قدر قلتين. وإذا اجتمع قلتان من ماء نجس طهر ولا يعود نجساً بالتفريق. هذا هو مذهب الشافعي رضي الله عنه. وكنت أود أن يكون مذهبه كمذهب مالك رضي الله عنه في أن الماء وإن قل لا ينجس إلا بالتغير إذ الحاجة ماسة إليه ومثار الوسواس اشترط القلتين. ولأجله شق على الناس ذلك: وهو لعمري سبب المشقة ويعرفه من يجربه ويتأمله. ومما لا أشك فيه أن ذلك لو كان مشروطاً لكان أولى المواضع بتعسر الطهارة: مكة والمدينة؛ إذ لا يكثر فيهما المياه الجارية ولا الراكدة الكثيرة. ومن أول عصر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى آخر عصر أصحابه لم تنقل واقعة في الطهارة ولا سؤال عن كيفية حفظ الماء عن النجاسات. وكانت أواني مياههم يتعاطاها الصبيان والإماء الذين لا يحترزون عن النجاسات. وقد توضأ عمر رضي الله عنه بماء في جرة نصرانية، وهذا كالصريح في أنه لم يعول إلا على عدم تغير الماء وإلا فنجاسة النصرانية وإنائها غالبة تعلم بظن قريب، فإذا عسر القيام بهذا المذهب. وعدم وقوع السؤال في تلك الأعصار؛ دليل أول. وفعل عمر رضي الله عنه: دليل ثان. والدليل الثالث: إصغاء رسول الله صلى الله عليه وسلم الإناء للهرة وعدم تغطية الأواني منها: بعد أن يرى أنها تأكل الفأرة ولم يكن في بلادهم حياض تلغ السنانير فيها وكانت لا تنزل الآبار والرابع: أن الشافعي رضي الله عنه نص على أن غسالة النجاسة طاهرة إذا لم تتغير ونجسة إن تغيرت، وأي فرق بين أن يلاقي الماء النجاسة بالورد عليها أو بورودها عليه؟ وأي معنى لقول القائل إن قوة الورود تدفع النجاسة مع ان الورود لم يمنع مخالطة النجاسة؟ وإن أحيل ذلك على الحاجة فالحاجة أيضاً ماسة إلى هذا فلا فرق بين طرح الماء في إجانة فيها ثوب نجس أو طرح الثوب النجس في الإجانة وفيها ماء؟ وكل ذلك معتاد في غسل الثياب والأواني، والخامس: أنهم كانوا يستنجون على أطراف المياه الجارية القليلة، ولا خلاف في مذهب الشافعي رضي الله عنه إذا وقع بول في ماء جار ولم يتغير أنه يجوز التوضؤ به وإن كان قليلاً. وأي فرق بين الجاري والراكد؟ وليت شعري هل الحوالة على عدم التغير أولى أو على قوة الماء بسبب الجريان؟ ثم ما حد تلك القوة أتجري في المياه من الأواني على الأبدان وهي أيضاً جارية؟ ثم البول أشد اختلاطاً بالماء الجاري من نجاسة جامدة ثابتة إذا قضى بأن ما يجري عليها وإن لم يتغير نجس أن يجتمع في مستنقع قلتان، فأي فرق بين الجامد والمائع والماء واحد والاختلاط أشد من المجاورة؟ والسادس: أنه إذا وقع رطل من البول في قلتين ثم فرقتا فكل كوز يغترف منه طاهر، ومعلوم أن البول منتشر فيه وهو قليل وليت شعري هل تعليل طهارته بعدم التغير أولى أو بقوة الماء بعد انقطاع الكثرة وزوالها مع تحقق بقاء أجزاء النجاسة فيها؟ والسابع: أن الحمامات لم تزل في الأعصار الخالية يتوضأ فيها المتقشفون ويغمسون الأيدي والأواني في تلك الحياض مع قلة الماء ومع العلم بأن الأيدي النجسة والطاهرة كانت تتوارد عليها. فهذه الأمور مع الحاجة الشديدة تقوى في النفس أنهم كانوا ينظرون إلى عدم التغير معولين على قوله صلى الله عليه وسلم خلق الماء طهوراً لا ينجسه شيء إلا ما غير طعمه أو لونه أو ريحه وهذا فيه تحقيق، وهو أن طبع كل مائع أن يقلب إلى صفة نفسه
كل ما يقع فيه وكان مغلوباً من جهته؛ فكما ترى الكلب يقع في المملحة فيستحيل ملحاً ويحكم بطهارته بصيرورته ملحاً وزوال صفة الكلبية عنه، فكذلك الخل يقع في الماء وكذا اللبن يقع فيه وهو قليل فتبطل صفته ويتصور بصفة الماء وينطبع بطبعه إلا إذا كثر وغلب وتعرف غلبته بغلبة طعمه أو لونه أو ريحه فهذا المعيار. وقد أشار الشرع إليه في الماء القوي على إزالة النجاسة وهو جدير بأن يعول عليه فيندفع به الحرج ويظهر به معنى كونه طهوراً إذ يغلب عليه فيطهره، كما صار كذلك فيما بعد القلتين وفي الغسالة وفي الماء الجاري وفي إصغاء الإناء للهرة ولا تظن ذلك عفواً إذ لو كان كذلك لكان كأثر الاستنجاء ودم البراغيث حتى يصير الماء الملاقي له نجساً ولا ينجس بالغسالة ولا بولوغ السنور في الماء القليل. وأما قوله صلى الله عليه وسلم "لا يحمل خبثاً" فهو في نفسه مبهم فإنه يحمل إذا تغير. فإن قيل. أراد به إذا لم يتغير فيمكن أن يقال إنه أراد به أنه في الغالب لا يتغير بالنجاسات المعتادة؟ ثم هو تمسك بالمفهوم فيما إذا يبلغ قلتين، وترك المفهوم بأقل من ألأدلة التي ذكرناها ممكن وقوله "لا يحمل خبثاً" ظاهره نفي الحمل أي يقلبه إلى صفة نفسه، كما يقال للملحة لا تحمل كلباً ولا غيره أي ينقلب، وذلك لأن الناس قد يستنجون في المياه القليلة وفي الغدران ويغمسون الأواني النجسة فيها ثم يترددون في أنها تغيرت تغيراً مؤثراً أم لا؟ فتبين أنه إذا كان قلتين لا يتغير بهذه النجاسة المعتادة. فإن قلت: فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم "لا يحمل خبثاً" ومهما كثرت حملها فهذا ينقلب عليك فإنها مهما كثرة حملها حكماً كما حملها حساً. فلابد من التخصيص بالنجاسات المعتادة على المذهبين جميعاً. وعلى الجملة فميلي في أمور النجاسات المعتادة إلى التساهل فهما من سيرة الأولين وحسماً لمادة الوسواس وبذلك أفتيت بالطهارة فيما وقع الخلاف فيه في مثل هذه المسائل.كل ما يقع فيه وكان مغلوباً من جهته؛ فكما ترى الكلب يقع في المملحة فيستحيل ملحاً ويحكم بطهارته بصيرورته ملحاً وزوال صفة الكلبية عنه، فكذلك الخل يقع في الماء وكذا اللبن يقع فيه وهو قليل فتبطل صفته ويتصور بصفة الماء وينطبع بطبعه إلا إذا كثر وغلب وتعرف غلبته بغلبة طعمه أو لونه أو ريحه فهذا المعيار. وقد أشار الشرع إليه في الماء القوي على إزالة النجاسة وهو جدير بأن يعول عليه فيندفع به الحرج ويظهر به معنى كونه طهوراً إذ يغلب عليه فيطهره، كما صار كذلك فيما بعد القلتين وفي الغسالة وفي الماء الجاري وفي إصغاء الإناء للهرة ولا تظن ذلك عفواً إذ لو كان كذلك لكان كأثر الاستنجاء ودم البراغيث حتى يصير الماء الملاقي له نجساً ولا ينجس بالغسالة ولا بولوغ السنور في الماء القليل. وأما قوله صلى الله عليه وسلم "لا يحمل خبثاً" فهو في نفسه مبهم فإنه يحمل إذا تغير. فإن قيل. أراد به إذا لم يتغير فيمكن أن يقال إنه أراد به أنه في الغالب لا يتغير بالنجاسات المعتادة؟ ثم هو تمسك بالمفهوم فيما إذا يبلغ قلتين، وترك المفهوم بأقل من ألأدلة التي ذكرناها ممكن وقوله "لا يحمل خبثاً" ظاهره نفي الحمل أي يقلبه إلى صفة نفسه، كما يقال للملحة لا تحمل كلباً ولا غيره أي ينقلب، وذلك لأن الناس قد يستنجون في المياه القليلة وفي الغدران ويغمسون الأواني النجسة فيها ثم يترددون في أنها تغيرت تغيراً مؤثراً أم لا؟ فتبين أنه إذا كان قلتين لا يتغير بهذه النجاسة المعتادة. فإن قلت: فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم "لا يحمل خبثاً" ومهما كثرت حملها فهذا ينقلب عليك فإنها مهما كثرة حملها حكماً كما حملها حساً. فلابد من التخصيص بالنجاسات المعتادة على المذهبين جميعاً. وعلى الجملة فميلي في أمور النجاسات المعتادة إلى التساهل فهما من سيرة الأولين وحسماً لمادة الوسواس وبذلك أفتيت بالطهارة فيما وقع الخلاف فيه في مثل هذه المسائل.

[align=center]الطرف الثالث
في كيفية الإزالة[/align]


والنجاسة إن كانت حكمية وهي التي لها جرم محسوس فيكفي إجراء الماء على جميع مواردها، وإن كانت عينية فلابد من إزالة العين، وبقاء الطعم يدل على بقاء العين وكذا بقاء اللون إلا فيما يلتصق به فهو معفو عنه بعد الحت والقرص. أما الرائحة فبقاؤها يدل على بقاء العين ولا يعفى عنها إلا إذا كان الشيء له رائحة فائحة بعسر إزالتها فالدلك والعصر مرات متواليات يقوم مقام الحت والقرص في اللون، والمزيل للوسواس أن يعلم أن الأشياء خلقت طاهرة بيقين فما لا يشاهد عليه نجاسة ولا يعلمها يقيناً يصلي معه، ولا ينبغي أن يتوصل بالاستنباط إلى تقدير النجاسات.

[saa]يتبع بإذن المولى عز وجل[/saa]

_________________

يا خير من دفنت في التراب أعظمه فطاب من طيبهن القاع الأكم
نفسي الفداء لقبر أنت ساكنه فيه العفاف وفيه الجود والكرم
أنت الشفيع الذي ترجى شفاعته عند الصراط إذا ما زلّت القدم


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة:
مشاركة غير مقروءةمرسل: الاثنين أغسطس 08, 2005 4:26 pm 
غير متصل

اشترك في: السبت فبراير 21, 2004 10:56 pm
مشاركات: 1245
مكان: يا رب مع الحبيب و آله صلى الله عليه و آله وصحبه وسلم
[align=center]القسم الثاني
طهارة الأحداث ومنها الوضوء والغسل
والتيمم ويتقدمها الاستنجاء
[/align]

[align=center]فلنورد كيفيتها على الترتيب مع آدابها وسننها مبتدئين بسبب الوضوء وآداب قضاء الحاجة إن شاء الله تعالى.[/align]

[align=center]باب آداب قضاء الحاجة[/align]

ينبغي أن يبعد عن أعين الناظرين في الصحراء وأن يستتر بشيء إن وجده وأن لا يكشف عورته قبل الانتهاء إلى موضع الجلوس وأن لا يستقبل الشمس والقمر وأن لا يستقبل القبلة ولا يستدبرها إلى إذا كن في بناء، والعدول أيضاً عنها في البناء أحب وإن استتر في الصحراء براحلته جاز وكذلك بذيله، وأن يتقي الجلوي في متحدث الناس وأن لا يبول في الماء الراكد ولا تحت الشجرة المثمرة ولا في الجحر، وأن يتقي الموضع الصلب ومهاب الرياح في البول استنزاهاً من رشاشه وأن يتكىء في جلوسه على الرجل اليسرى وإن كان في بنيان يقدم الرجل اليسرى في الدخول واليمنى في الخروج ولا يبول قائماً. قالت عائشة رضي الله عنها "من حدثكم أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يبول قائماً فلا تصدقوه" وقال عمر رضي الله عنه "رآني رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا أبول قائماً فقال: يا عمر لا تبل قائماً" قال عمر: فما بلت قائماً بعد، وفيه رخصة إذ روى حذيفة رضي الله عنه "أنه عليه الصلاة والسلام بال قائماً فأتيته بوضوء فتوضأ ومسح على خفيه" ولا يبول في المغتسل قال صلى الله عليه وسلم "عامة الوسواس منه" وقال ابن المبارك: قد وسع في البول في المغتس إذا جرى الماء عليه ذكره الترمذي وقال عليه الصلاة والسلام "لا يبولن أحدكم في مستجمه ثم يتوضأ فيه فإن عامة الوسواس منه" وقال ابن المبارك: إن كان الماء جارياً فلا باس به ولا يستصحب شيئاً عليه اسم الله تعالى أو رسوله صلى الله عليه وسلم، ولا يدخل بيت الماء حاسر الرأس. وأن يقول عند الدخول "بسم الله من الرجس النجس الخبيث المخبث الشيطان الرجيم" وعند الخروج "الحمد لله الذي أذهب عني ما يؤذيني وأبقى علي ما ينفعني" ويكون ذلك خارجاً عن بيت الماء وأن يعد النبل قبل الجلوس وأن لا يستنجي بالماء في موضع الحاجة وأن يستبرىء من البول بالتنحنح والنثر - ثلاثاً - وإمرار اليد على أسفل القضيب ولا يكثر التفكير في الاستبراء فيتوسوس ويشق عليه الأمر وما يحس به من بلل فليقدر أنه بقية الماء. فإن كان يؤذيه ذلك فليرش عليه الماء حتى يقوى في نفسه ذلك ولا يتسلط عليه الشيطان بالوسواس. وفي الخبر أنه صلى الله عليه وسلم فعله أعني رش الماء وقد كان أخفهم استبراء أفقههم فتدل الوسوسة فيه على قلة الفقه. وفي حديث سلمان رضي الله عنه "علمان رسول الله صلى الله عليه وسلم كل شيء حتى الخراءة فأمرنا أن لا تستنجى بعظم ولا روث ونهانا أن نستقبل القبلة بغائط أو بول" وقال رجل لبعض الصحابة من الأعراب وقد خاصمه: لا أحسبك تحسن الخراء قال: بلى وأبيك إني لأحسنها وإني بها لحاذق أبعد الأثر وأعد المدر وأستقبل الشيح وأستدبر الريح وأقعي إقعاء الظبي وأجفل إجفال النعام - الشيح نبت طيب الرائحة بالبادية، والإقعاء ههنا أن يستوفز على صدور قدميه، والإجفال أن يرفع عجزه. ومن الرخصة أن يبول الإنسان قريباً من صاحبه مستتراً عنه فعل ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم مع شدة حيائه ليبين للناس ذلك.

[align=center]كيفية الاستنجاء[/align]

ثم يستنجي لمقعدته بثلاثة أحجار، فإن أنقى وإلا استعمل رابعاً، فإن أنقى وإلا استعمل خامساً لأن الإنقاء واجب والإيتار مستحب. قال عليه السلام "من استجمر فليوتر" ويأخذ الحجر بيساره ويضعه على مقدم المقعدة قبل موضع النجاسة ويمره بالمسح والإدارة إلى المؤخر، ويأخذ الثاني ويضعه على المؤخر كذك ويمره إلى المقدمة، ويأخذ الثالث فيديره حو المسربة إدارة فإن عسرت الإدارة ومسح من المقدمة إلى المؤخر أجزأه، ثم يأخذ حجراً كبيراً بيمينه والقضيب بيساره ويمسح الحجر بقضيبه ويحرك اليسار فيمسح ثلاثاً في ثلاثة مواضع أوفى ثلاثة أحجار أو في ثلاثة مواضع من جدار إلى أن لا يرى الرطوبة في محل المسح، فإن حصل ذلك بمرتين أتى بالثالثة، ووجب ذلك إن أراد الاقتصار على الحجر، وإن حصل بالرابعة استحب الخامسة للإيتار. ثم ينتقل من ذلك الموضع إلى موضع آخر ويستنجي بالماء بأن يفيضه باليمنى على محل النجو ويدلك باليسرى حتى لا يبقى أثر يدركه الكف بحس اللمس، ويدرك الاستقصاء فيه بالتعرض للباطن فإن ذلك منبع الوسواس، وليعلم أن كل ما لا يصل إليه الماء فهو باطن ولا يثبت حكم النجاسة للفضلات الباطنة ما لم تظهر، وكل ما هو ظاهر وثبت له حكم النجاسة فحد ظهوره أن يصل الماء إليه فيزيله ولا معنى للوسواس. ويقول عند الفراغ من الاستنجاء "اللهم طهر قلبي من النفاق وحصن فرجي من الفواحش" ويدلك يده بحائط أو بالأرض إزالة للرائحة إن بقيت. والجمع بين الماء والحجر مستحب فقد روى "أنه لما نزل قوله تعالى "فيه رجال يحبون أن يتطهروا والله يحب المطهرين" قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأهل قباء: ما هذه الطهارة التي أثنى الله بها عليكم، قالوا. كنا نجمع بين الماء والحجر".

[align=center]كيفية الوضوء[/align]

إذا فرغ من الاستنجاء اشتغل بالوضوء فلم ير رسول الله صلى الله عليه وسلم قط خارجاً من الغائط إلا توضأ ويبتدىء بالسواك فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "إن أفواهكم طرق القرآن فطيبوها بالسواك" فينبغي أن ينوي عند السواك تطهير فمه لقراءة القرآن وذكر الله تعالى في الصلاة وقال صلى الله عليه وسلم "صلاة على أثر سؤالاً أفضل من خمس وسبعين صلاة بغير سواك" وقال صلى الله عليه وسلم "لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك عند كل صلاة" وقال صلى الله عليه وسلم "مالي أراكم تدخلون علي قلحاً استاكوا" أي صفر الأسنان وكان عليه الصلاة والسلام يستاك في الليلة مراراً" وعن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: "لم يزل صلى الله عليه وسلم يأمرنا بالسواك حتى ظننا أنه سينزل عليه فيه شيء" وقال عليه السلام "عليكم بالسواك فإنه مطهرة للفم ومرضاة للرب" وقال علي بن أبي طالب كرم الله وجهه: السواك يزيد في الحفظ ويذهب البلغم وكان أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم يروحون والسواك على آذانهم. وكيفيته: أن يستاك بخشب الأراك أو غيره من قضبان الأشجار مما يخشن ويزيل القلح ويستاك عرضاً وطولاً وإن اقتصر فعرضاً. ويستحب السواك عند كل صلاة وعند كل وضوء وإن لم يصل عقيبه وعند تغير النكهة بالنوم أو طول الأزم أو كل ما تكره رائحته، ثم عند الفراغ من السواك يجلس للوضوء مستقبل القبلة ويقول "بسم الله الرحمن الرحيم" قال صلى الله عليه وسلم "لا وضوء لمن لم يسم الله تعالى" أي لا وضوء كامل. ويقول عند ذلك "أعوذ بك من همزات الشياطين وأعوذ بك من الشؤم والهلكة" ثم ينوي رفع الحدث أو استباحة الصلاة ويستديم النية إلى غسل الوجه فإن نسيها عند الوجه لم يجزه، ثم يأخذ غرفة لفيه بيمينه فيتمضمض بها ثلاثاً ويغرغر بأن يرد الماء إلى الغلصمة إلا أن يكون صائماً فيرفق ويقول "اللهم أعني على تلاوة كتابك وكثرة الذكر لك" ثم يأخذ غرفة لأنفه ويستنشق ثلاثاً ويصعد الماء بالنفس إلى خياشيمه ويستنثر ما فيها ويقول في الاستنشاق "اللهم أوجد لي رائحة الجنة وأنت عني راض" وفي الاستنثار "اللهم إني أعوذ بك من روائح النار ومن سوء الدار" لأن الاستنشاق إيصال الاستنثار إزالة، ثم يغرف غرفة لوجهه فيغسله من مبدإ سطح الجبهة إلى منتهى ما يقبل من الذقن في الطول، ومن الأذن إلى الأذن في العرض، ولا يدخل في حد الوجه النزعتان اللتان على طرفي الجبينين فهما من الرأس، ويوصل الماء إلى موضع التحذيف وهو ما يعتاد النساء تنحية الشعر عنه وهو القدر الذي يقع في جانب الوجه، مهما وضع طرف الخيط على رأس الأذن والطرف الثاني على زاوية الجبين، ويوصل الماء إلى منابت الشعور الأربعة: الحاجبان والشاربان والعذاران والأهداب: لأنها خفيفة في الغالب. والعذاران هما ما يوازيان الأذنين من مبدإ اللحية. ويجب إيصال الماء إلى منابت اللحية الخفيفة أعني ما يقبل من الوجه وأما الكثيفة فلا، وحكم العنفقة حكم اللحية في الكثافة والخفة، ثم يفعل ذلك ثلاثاً ويفيض الماء على ظاهر ما استرسل من اللحية ويدخل الأصابع في محاجر العينين وموضع الرمص ومجتمع الكحل وينقيهما. فقد روي أنه عليه السلام فعل ذلك ويأمل عند ذلك خروج الخطايا من عينيه وكذلك عند كل عضو ويقول عنده "اللهم بيض وجهي بنورك يوم تبيض وجوه أوليائك ولا تسود وجهي بظلماتك يوم تسود وجوه أعدائك" ويخلل اللحية الكثيفة عند غسل الوجه فإنه مستحب، ثم يغسل يديه إلى مرفقيه ثلاثاً ويحرك الخاتم ويطيل الغرة ويرفع الماء إلى أعلى العضد فإنهم يحشرون يوم القيامة غراً محجلين من آثار الوضوء، كذلك ورد الخبر. قال عليه السلام "من استطاع أن يطيل غرته فليفعل" وروي أن الحلية تبلغ مواضع الوضوء ويبدأ باليمنى ويقول "اللهم أعطني كتابي بيميني وحاسبني حساباً يسيراً" ويقول عند غسل الشمال "اللهم إني أعوذ بك أن تعطيني كتابي بشمالي أو من وراء ظهري" ثم يستوعب رأسه بالمسح بأن يبل يديه ويلصق رءوس أصابع يديه اليمنى باليسرى ويضعهما على مقدمة الرأس ويمدهما إلى القفا ثم يردهما إلى المقدمة، وهذه مسحة واحدة، يفعل ذلك ثلاثاً ويقول "اللهم غثني برحمتك وأنزل علي من بركاتك وأظلني تحت ظل عرشك يوم لا ظل إلا ظلك" ثم يمسح أذنيه ظاهرهما وباطنهما بماء جديد بأن يدخل مسبحتيه في صماخي أذنيه ويدير إبهاميه على ظاهر أذنيه ثم يضع الكف على الأذنين استظهاراً، ويكرره ثلاثاً ويقول "اللهم اجعلني من الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه اللهم اسمعني منادي الجنة مع الأبرار" ثم يمسح رقبته بماء جديد لقوله صلى الله عليه وسلم "مسح الرقبة أمان من الغل يوم القيامة" ويقول "اللهم فك رقبتي من النار وأعوذ بك من السلاسل والأغلال" ثم يغسل رجله اليمنى ثلاثاً ويخلل باليد اليسرى من أسفل أصابع الرجل اليمنى ويبدأ بالخنصر من الرجل اليمنى ويختم بالخنصر من الرجل اليسرى ويقول "اللهم ثبت قدمي على الصراط المستقيم يوم تزل الأقدام في النار" ويقول عند غسل اليسرى "أعوذ بك أن تزل قدمي عن الصراط يوم تزل فيه أقدام المنافقين" ويرفع الماء إلى أنصاف الساقين. فإذا فرغ رفع رأسه إلى السماء وقال "أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله سبحانك اللهم وبحمدك لا إله إلا أنت عملت سوءاً وظلمت نفسي أستغفرك اللهم وأتوب إليك فاغفر لي وتب علي إنك أنت التواب الرحيم اللهم اجعلني من التوابين واجعلني من المتطهرين واجعلني من عبادك الصالحين واجعلني عبداً صبوراً شكوراً واجعلني أذكرك كثيراً وأسبحك بكرة وأصيلاً" يقال: إن من قال هذا بعد الوضوء ختم على وضوئه بخاتم ورفع له تحت العرش فلم يزل يسبح الله تعالى ويقدسه ويكتب له ثواب ذلك إلى يوم القيامة. ويكره في الوضوء أمور: منها أن يزيد على الثلاث فمن زاد فقد ظلم، وأن يسرف في الماء "توضأ عليه السلام ثلاثاً وقال من زاد فقد ظلم وأساء" وقال "سيكون قوم من هذه الأمة يعتدون في الدعاء والطهور" ويقال: من وهن علم الرجل ولوعه بالماء في الطهور وقال إبراهيم بن أدهم: يقال إن أول ما يبتدىء الوسواس من قبل الطهور، وقال الحسن: إن شيطاناً يضحك بالناس في الوضوء يقال له الولهان. ويكره أن ينفض اليد فيرش الماء وأن يتكلم في أثناء الوضوء وأن يلطم وجهه بالماء لطماً. وكره قوم التنشيف وقالوا: الوضوء يوزن، قاله سعيد بن المسيب والزهري، لكن روى معاذ رضي الله عنه "أنه عليه السلام مسح وجهه بطرف ثوبه" وروت عائشة رضي الله عنها "أنه صلى الله عليه وسلم كانت له منشفة" ولكن طعن في هذه الرواية عن عائشة. ويكره أن يتوضأ من إناء صفر وأن يتوضأ بالماء المشمس وذلك من جهة الطب. وقد روي عن ابن عمر وأبي هريرة رضي الله عنهما كراهية إناء الصفر: وقال بعضهم: أخرجت لشعبة ماء في إناء صفر فأبى أن يتوضأ منه. ونقل كراهية ذلك عن ابن عمر وأبي هريرة رضي الله عنهما. ومهما فرغ من وضوئه وأقبل على الصلاة فينبغي أن يخطر بباله أنه طهر ظاهره وهو موضع نظر الخلق أن يستحي من مناجاة الله تعالى من غير تطهير قلبه وهو موضع نظر الرب سبحانه. وليحقق طهارة القلب بالتوبة. والخلو عن الأخلاق المذمومة والتخلق بالأخلاق الحميدة أولى. وأن من يقتصر على طهارة الظاهر كمن يدعو ملكاً إلى بيته فتركه مشحوناً بالقاذورات واشتغل بتحصيص ظاهر الباب البراني من الدار. وما أجدر مثل هذا الرجل بالتعرض للمقت والبوار! والله سبحانه وتعالى أعلم.هر أذنيه ثم يضع الكف على الأذنين استظهاراً، ويكرره ثلاثاً ويقول "اللهم اجعلني من الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه اللهم اسمعني منادي الجنة مع الأبرار" ثم يمسح رقبته بماء جديد لقوله صلى الله عليه وسلم "مسح الرقبة أمان من الغل يوم القيامة" ويقول "اللهم فك رقبتي من النار وأعوذ بك من السلاسل والأغلال" ثم يغسل رجله اليمنى ثلاثاً ويخلل باليد اليسرى من أسفل أصابع الرجل اليمنى ويبدأ بالخنصر من الرجل اليمنى ويختم بالخنصر من الرجل اليسرى ويقول "اللهم ثبت قدمي على الصراط المستقيم يوم تزل الأقدام في النار" ويقول عند غسل اليسرى "أعوذ بك أن تزل قدمي عن الصراط يوم تزل فيه أقدام المنافقين" ويرفع الماء إلى أنصاف الساقين. فإذا فرغ رفع رأسه إلى السماء وقال "أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله سبحانك اللهم وبحمدك لا إله إلا أنت عملت سوءاً وظلمت نفسي أستغفرك اللهم وأتوب إليك فاغفر لي وتب علي إنك أنت التواب الرحيم اللهم اجعلني من التوابين واجعلني من المتطهرين واجعلني من عبادك الصالحين واجعلني عبداً صبوراً شكوراً واجعلني أذكرك كثيراً وأسبحك بكرة وأصيلاً" يقال: إن من قال هذا بعد الوضوء ختم على وضوئه بخاتم ورفع له تحت العرش فلم يزل يسبح الله تعالى ويقدسه ويكتب له ثواب ذلك إلى يوم القيامة. ويكره في الوضوء أمور: منها أن يزيد على الثلاث فمن زاد فقد ظلم، وأن يسرف في الماء "توضأ عليه السلام ثلاثاً وقال من زاد فقد ظلم وأساء" وقال "سيكون قوم من هذه الأمة يعتدون في الدعاء والطهور" ويقال: من وهن علم الرجل ولوعه بالماء في الطهور وقال إبراهيم بن أدهم: يقال إن أول ما يبتدىء الوسواس من قبل الطهور، وقال الحسن: إن شيطاناً يضحك بالناس في الوضوء يقال له الولهان. ويكره أن ينفض اليد فيرش الماء وأن يتكلم في أثناء الوضوء وأن يلطم وجهه بالماء لطماً. وكره قوم التنشيف وقالوا: الوضوء يوزن، قاله سعيد بن المسيب والزهري، لكن روى معاذ رضي الله عنه "أنه عليه السلام مسح وجهه بطرف ثوبه" وروت عائشة رضي الله عنها "أنه صلى الله عليه وسلم كانت له منشفة" ولكن طعن في هذه الرواية عن عائشة. ويكره أن يتوضأ من إناء صفر وأن يتوضأ بالماء المشمس وذلك من جهة الطب. وقد روي عن ابن عمر وأبي هريرة رضي الله عنهما كراهية إناء الصفر: وقال بعضهم: أخرجت لشعبة ماء في إناء صفر فأبى أن يتوضأ منه. ونقل كراهية ذلك عن ابن عمر وأبي هريرة رضي الله عنهما. ومهما فرغ من وضوئه وأقبل على الصلاة فينبغي أن يخطر بباله أنه طهر ظاهره وهو موضع نظر الخلق أن يستحي من مناجاة الله تعالى من غير تطهير قلبه وهو موضع نظر الرب سبحانه. وليحقق طهارة القلب بالتوبة. والخلو عن الأخلاق المذمومة والتخلق بالأخلاق الحميدة أولى. وأن من يقتصر على طهارة الظاهر كمن يدعو ملكاً إلى بيته فتركه مشحوناً بالقاذورات واشتغل بتحصيص ظاهر الباب البراني من الدار. وما أجدر مثل هذا الرجل بالتعرض للمقت والبوار! والله سبحانه وتعالى أعلم.

[align=center]فضيلة الوضوء[/align]

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "من توضأ فأحسن الوضوء وصلى ركعتين لم يحدث نفسه فيهما بشيء من الدنيا خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه" وفي لفظ آخر "ولم يسه فيهما غفر له ما تقدم من ذنبه" وقال صلى الله عليه وسلم أيضاً "ألا أنبئكم بما يكفر الله به الخطايا ويرفع به الدرجات؟ إسباغ الوضوء على المكاره ونقل الأقدام إلى المساجد وانتظار الصلاة بعد الصلاة فذلك الرباط - ثلاث مرات - " "وتوضأ صلى الله عليه وسلم مرة مرة وقال: هذا وضوء لا يقبل الله الصلاة إلا به، وتوضأ مرتين مرتين وقال: من توضأ مرتين مرتين أتاه الله أجره مرتين، وتوضأ ثلاثاً ثلاثاً وقال: هذا وضوئي ووضوء الأنبياء من قبلي ووضوء خليل الرحمن إبراهيم عليه السلام" وقال صلى الله عليه وسلم "من ذكر الله عند وضوئه طهر الله جسده كله ومن لم يذكر الله لم يطهر منه إلا ما أصاب الماء" وقال صلى الله عليه وسلم "من توضأ على طهر كتب الله له به عشر حسنات" وقال صلى الله عليه وسلم "الوضوء على الوضوء نور على نور" وهذا كله حث على تجديد الوضوء وقال عليه السلام "إذا توضأ العبد المسلم فتمضمض خرجت الخطايا من فيه فإذا استنثر خرجت الخطايا من أنفه فإذا غسل وجهه خرجت الخطايا من وجهه حتى تخرج من تحت أشفار عينيه فإذا غسل يديه خرجت الخطايا من يديه حتى تخرج من تحت أظفاره فإذا مسح برأسه خرجت الخطايا من رأسه حتى تخرج من تحت أذنيه وإذا غسل رجليه خرجت الخطايا من رجليه حتى تخرج من تحت أظفار رجليه ثم كان مشيه إلى المسجد وصلاته نافلة له" ويروى "إن الطاهر كالصائم" قال عليه الصلاة والسلام "من توضأ فأحسن الوضوء ثم رفع طرفه إلى السماء فقال أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله فتحت له أبواب الجنة الثمانية يدخل من أيها شاء" وقال عمر رضي الله عنه: إن الوضوء الصالح يطرح عنك الشيطان. وقال مجاهد: من استطاع أن لا يبيت إلا طاهراً ذاكراً مستغفراً فليفعل فإن الأرواح تبعث على ما قبضت عليه.

[align=center]كيفية الغسل[/align]

وهو أن يضع الإناء عن يمينه ثم يسمي الله تعالى ويغسل يديه ثلاثاً، ثم يستنجي كما وصفت لك ويزيل ما على بدنه من نجاسة إن كانت، ثم يتوضأ وضوءه للصلاة كما وصفنا إلا غسل القدمين فإنه يؤخرهما فإن غسلهما ثم وضعهما على الأرض كان إضاعة للماء، ثم يصب الماء على رأسه ثلاثاً، ثم على شقه الأيمن ثلاثاً، ثم على شقه الأيسر ثلاثاً، ثم يدلك ما أقبل من بدنه ويخلل شعر الرأس واللحية ويوصل الماء إلى منابت ما كثف منه أو خف، وليس على المرأة نقض للضفائر إلا إذا علمت أن الماء لا يصل إلى خلال الشعر، ويتعهد معاطف البدن وليتق أن يمس ذكره في أثناء ذلك فإن فعل ذلك فليعد الوضوء، وإن توضأ قبل الغسل فلا يعيده بعد الغسل. فهذه سنن الوضوء والغسل ذكرنا منها ما لا بد لسالك طريق الآخرة من علمه وعمله، وما عداه من المسائل التي يحتاج إليها في عوارض الأحوال فليرجع فيها إلى كتب الفقه. والواجب من جملة ما ذكرناه في الغسل أمران. النية واستيعاب البدن بالغسل. وفروض الوضوء. النية وغسل الوجه وغسل اليدين إلى المرفقين ومسح ما ينطلق عليه الاسم من الرأس وغسل الرجلين إلى الكعبين والترتيب. وأما الموالاة فليست بواجبة. والغسل الواجب بأربعة: بخروج المني والتقاء الختانين والحيض والنفاس، وما عداه من الأغسال سنة كغسل العيدين والجمعة والأعياد والإحرام والوقوف بعرفة ومزدلفة ولدخول مكة وثلاثة أغسال أيام التشريق ولطواف الوداع - على قول - والكافر إذا أسلم غير جنب والمجنون إذا أفاق لومن غسل ميتاً، فكل ذلك مستحب

[align=center]كيفية التيمم[/align]

من تعذر عليه استعمال الماء - لفقده بعد الطلب أو بمانع له عن الوصول إليه من سبع أو حابس أو كان الماء الحاضر يحتاج إليه لعطشه أو لعطش رفيقه أو كان ملكاً لغيره ولم يبعه إلا بأكثر من ثم المثل أو كان به جراحة أو مرض وخاف من استعماله فساد العضو أو شدة الضنا - فينبغي أن يصبر حتى يدخل عليه وفت الفريضة، ثم يقصد صعيداً طيباً عليه تراب طاهر خالص لين بحيث يثور منه غبار، ويضرب عليه كفيه ضاماً بين أصابعه ويمسح بهما جميع وجهه مرة واحدة، وينوي عند ذلك استباحة الصلاة، ولا يكلف إيصال الغبار إلى ما تحت الشعور خفت أو كثفت، ويجتهد أن يستوعب بشرة وجهه بالغبار - ويحصل ذلك بالضربة الواحدة فإن عرض الوجه لا يزيد على عرض الكفين - ويكفي في الاستيعاب غالب الظن، ثم ينزع خاتمة ويضرب ضربة ثانية يفرج فيها بين أصابعه ثم يلصق ظهور يده اليمنى ببطون أصابع يده اليسرى - بحيث لا يجاوز أطراف الأنامل من إحدى الجهتين عرض المسبحة من الأخرى - ثم يمر يده اليسرى من حيث وضعها على ظاهر ساعده الأيمن إلى المرفق، ثم يقلب بطن كفه اليسرى على باطن ساعده الأيمن ويمرها إلى الكوع، ويمر بطن إبهامه اليسرى على ظاهر إبهامه اليمنى، ثم يفعل باليسرى كذلك. ثم يمسح كفيه ويخلل بين أصابعه، وغرض هذا التكليف تحصيل الاستيعاب إلى المرفقين بضربة واحدة فإن عسر عليه ذلك فلا بأس بأن يستوعب بضربتين وزيادة. وإذا صلى به الفرض فله أن ينتقل كيف شاء، فإن جمع بين فريضتين فينبغي أن يعيد التيمم للثانية. وهكذا يفرد كل فريضة بتيمم والله أعلم.

[saa]يتبع بإذن المولى عز وجل[/saa]

_________________

يا خير من دفنت في التراب أعظمه فطاب من طيبهن القاع الأكم
نفسي الفداء لقبر أنت ساكنه فيه العفاف وفيه الجود والكرم
أنت الشفيع الذي ترجى شفاعته عند الصراط إذا ما زلّت القدم


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة:
مشاركة غير مقروءةمرسل: الأربعاء أغسطس 10, 2005 4:26 pm 
غير متصل

اشترك في: السبت فبراير 21, 2004 10:56 pm
مشاركات: 1245
مكان: يا رب مع الحبيب و آله صلى الله عليه و آله وصحبه وسلم
[align=center]القسم الثالث من النظافة
التنظيف عن الفضلات الظاهرة
وهي نوعان أوساخ وأجزاء
النوع الأول
الأوساخ والرطوبات المترشحة
وهي ثمانية [/align]


الأول:

ما يجتمع في شعر الرأس من الدرن والقمل فالتنظيف عنه مستحب بالغسل والترجيل والتدهين إزالة للشعث عنه "وكان صلى الله عليه وسلم يدهن الشعر ويرجله غباً ويأمر به" ويقول عليه الصلاة والسلام: ادهنوا غباً وقال عليه الصلاة والسلام من كان له شعرة فليكرمها أي ليصنها عن الأوساخ" ودخل عليه رجل ثائر الرأس أشعث اللحية فقال: أما كان لهذا دهن يسكن به شعره ثم قال: يدخل أحدكم كأنه شيطان"

الثاني :

ما يجتمع من الوسخ في معاطف الأذن، والمسح يزيل ما يظهر منه وما يجتمع في قعر الصماخ فينبغي أن ينظف برفق عند الخروج من الحمام فإن كثرة ذلك ربما تضر بالسمع.

الثالث:

ما يجتمع في داخل الأنف من الرطوبات المنعقدة الملتصقة بجوانبه ويزيلها بالاستنشاق والاستنثار.

الرابع

ما يجتمع على الأسنان وطرف اللسان من القلح فيزيله السواك والمضمضة وقد ذكرناهما.

الخامس

ما يجتمع في اللحية من الوسخ والقمل إذا لم يتعهد ويستحب إزالة ذلك بالغسل والتسريح بالمشط. وفي الخبر المشهور أنه صلى الله عليه وسلم "كان لا يفارقه المشط والمدرى والمرآة في سفر ولا حضر" وهي سنة العرب وفي خبر غريب "أنه صلى الله عليه وسلم كان يسرح لحيته في اليوم مرتين"وكان صلى الله عليه وسلم كث اللحية، وكذلك كان أبو بكر، وكان عثمان طويل اللحية رقيقها وكان على عريض اللحية قد ملأت ما بين منكبيه. وفي حديث أغرب منه قالت عائشة رضي الله عنها "اجتمع قوم بباب رسول الله صلى الله عليه وسلم فخرج إليهم فرأيته يطلع في الحب يستوي من رأسه ولحيته فقلت أو تفعل ذلك يا رسول الله؟ فقال: نعم إن الله يحب من عبده أن يتجمل لإخوانه إذا خرج إليهم" والجاهل ربما يظن أن ذلك من حب التزين للناس قياساً على أخلاق غيره وتشبيهاً للملائكة بالحدادين وهيهات! فقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم مأموراً بالدعوة وكان من وظائفه أن يسعى في تعظيم أمر نفسه في قلوبهم كيلا تزدريه نفوسهم ويحسن صورته في أعينهم كيلا تستصغره أعينهم فينفرهم ذلك ويتعلق المنافقون بذلك في تنفيرهم. وهذا القصد واجب على كل عالم تصدي لدعوة الخلق إلى الله عز وجل، وهو أن يراعي من ظاهره ما لا يوجب نفرة الناس عنه. والاعتماد في مثل هذه الأمور على النية فإنها أعمال في أنفسها تكتسب الأوصاف من المقصود، فالتزين على هذا القصد محبوب وترك الشعث في اللحية إظهاراً للزهد وقلة المبالاة بالنفس محذور وتركه شغلاً بما هو أهم منه محبوب. وهذه أحوال باطنة بين العبد وبين الله عز وجل. والناقد بصير والتلبيس غير رائج عليه بحال، وكم من جاهل يتعاطى هذه الأمور التفاتاً إلى الخلق وهو يلبس على نفسه وعلى غيره ويزعم أن قصده الخير، فترى جماعة من العلماء يلبسون الثياب الفاخرة ويزعمون أن قصدهم إرغام المبتدعة والمجادلين والتقرب إلى الله تعالى به. وهذا أمر ينكشف يوم تبلى السرائر، ويوم يبعثر ما في القبور ويحصل ما في الصدور؛ فعند ذلك تتميز السبيكة الخالصة من البهرجة فنعوذ بالله من الخزي يوم العرض الأكبر

السادس

وسخ البراجم وهي معاطف ظهور الأنامل ، كانت الغرب لا تكثر غسل ذلك لتركها غسل اليد عقيب الطعام ، فيجتمع في تلك الغضون وسخ ، فأمرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بغسل البراجم

السابع :

تنظيف الرواجب ، أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم الغرب بتنظيفها و، وهي رءوس الأنامل وما تحت الأظافر من الوسخ لأنها كانت لا يحضرها المقراض في كل وقت فتجتمع فيها أوساخ؛ فوقت لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم قلم الأظفار ونتف الإبط وحلق العانة أربعين يوماً لكنه أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بتنظيف ما تحت الأظفار وجاء في الأثر "أن النبي صلى الله عليه وسلم استبطأ الوحي فلما هبط عليه جبريل عليه السلام قال له: كيف ننزل عليكم وأنتم لا تغسلون براجمكم ولا تنظفون رواجبكم وقلحاً لا تستاكون. مر أمتك بذلك" والاف وسخ الظفر، والتف وسخ الأذن وقوله عز وجل "فلا تقل لهما أف" تعبهما أي بما تحت الظفر من الوسخ، وقيل لا تتأذ بهما كما تتأذى بما تحت الظفر

الثامن :

الدرن الذي يجتمع على جميع البدن برشح العرق وغبار الطريق، وذلك يزيله الحمام ولا بأس بدخول الحمام، دخل أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم حمامات اشام وقال بعضهم: نعم البيت بيت الحمام يطهر البدن ويذكر النار: روي ذلك عن أبي الدرداء وأبي أيوب الأنصاري رضي الله عنهما. وقال بعضهم. بئس البيت بيت الحمام يبدي العورة ويذهب الحياء. فهذا تعرض لآفته وذاك تعرض لفائدته ولابأس بطلب فائدته عند الاحتراز من آفته.

[align=center]ولكن على داخل الحمام وظائف من السنن والواجبات، فعليه واجبان في عورته وواجبان في عورة غيره. [/align]

أما الواجبان في عورته فهو أن يصونها عن نظر الغير ويصونها عن مس الغير فلا يتعاطى أمرها وإزالة وسخها إلا بيده، ويمنع الدلاك من مس الفخذ وما بين السرة إلى العانة، وفي إباحة مس ما ليس بسوءة لإزالة الوسخ احتمال، ولكن الأقيس التحريم إذ ألحق من السوأتين في التحريم بالنظر فكذلك ينبغي أن تكون بقية العورة أعني الفخذين.

والواجبان في عورة الغير أن يغض بصر نفسه عنها وأن ينهى عن كشفها لأن النهي عن المنكر واجب، وعليه ذكر ذلك وليس عليه القبول ولا يسقط عنه وجوب الذكر إلا لخوف ضرب أو شتم أو ما يجري عليه مما هو حرام في نفسه، فليس عليه أن ينكر حراماً يرهق المنكر عليه إلى مباشرة حرام آخر. فأما قوله أعلم أن ذلك لا يفيد ولا يعمل به فهذا لا يكون عذراً بل لابد من الذكر، فلا يخلو قلب عن التأثر من سماع الإنكار واستشعار الاحتراز عند التعبير بالمعاصي وذلك يؤثر في تقبيح الأمر في عينه وتنفير نفسه فلا يجوز تركه، ولمثل هذا صار الحزم ترك دخول الحمام في هذه الأوقات إذ لا تخلو عن عورات مكشوفة لاسيما ما تحت السرة إلى ما فوق العانة؛ إذ الناس لا يعدونها عورة وقد ألحقها الشرع بالعورة وجعلها كالحريم لها ولهذا يستحب تخلية الحمام. وقال بشر بن الحرث: ما أعنف رجلاً لا يملك إلا درهماً دفعه ليخلي له الحمام. ورؤي ابن عمر رضي الله عنهما في الحمام ووجهه إلى الحائط وقد عصب عينيه بعصابة وقال بعضهم: لابأس بدخول الحمام ولكن بإزارين: إزار للعورة وإزار للرأس يتقنع به ويحفظ عينيه.


وأما السنن فعشرة،

فالأول: النية وهو أن لا يدخل لعاجل دنيا ولا عابثاً لأجل هوى بل يقصد به التنظف المحبوب تزيناً للصلاة، ثم يعطي الحمامي الأجرة قبل الدخول فإن ما يستوفيه مجهول وكذا ما ينتظره الحمامي، فتسليم الأجرة قبل الدخول دفع للجهالة من أحد العوضين وتطييب لنفسه، ثم يقدم رجله اليسرى عند الدخول ويقول بسم الله الرحمن الرحيم أعوذ بالله من الرجس النجس الخبيث المخبث الشيطان الرجيم" ثم يدخل وقت الخلوة أو يتكلف تخلية الحمام فإنه إن لم يكن في الحمام إلا أهل الدين والمحتاطين للعورات فالنظر إلى الأبدان مكشوفة فيه شائبة من قلة الحياء وهو مذكر للنظر في العورات، ثم لا يخلو الإنسان في الحركات عن انكشاف العورات بانعطاف في أطراف الإزار فيقع البصر على العورة من حيث لا يدري، ولأجله عصب ابن عمر رضي الله عنهما عينيه، ويغسل الجناحين عند الدخول ولا يعجل بدخول البيت الحار حتى يعرق في الأول، وأن لا يكثر صب الماء بل يقتصر على قدر الحاجة فإنه المأذون فيه بقرينة الحال والزيادة عليه لو علمه الحمامي لكرهه، لاسيما الماء الحار فله مئونة وفيه تعب وأن يتذكر حر النار بحرارة الحمام ويقدر نفسه محبوساً في البيت الحار ساعة ويقيسه إلى جهنم، فإنه أشبه بيت بجهنم: النار من تحت والظلام من فوق نعوذ بالله من ذلك، بل العاقل لا يغفل عن ذكر الآخرة في لحظة فإنها مصيره ومستقره فيكون له في كل ما يراه من ماء أو نار أو غيرهما عبرة وموعظة، فإن المرء ينظر بحسب همته. فإذا دخل بزاز ونجار وبناء وحائك داراً معمورة مفروشة فإذا تفقدتهم رأيت البزاز ينظر إلى الفرش يتأمل قيمتها والحائك ينظر إلى الثياب يتأمل نسجها والنجار ينظر إلى السقف يتأمل كيفية تركيبها والبناء ينظر إلى الحيطان يتأمل كيفية إحكامها واستقامتها. فكذلك سالك طرق الآخرة لا يرى من الأشياء شيئاً إلا ويكون له موعظة وذكرى للآخرة، بل لا ينظر إلى شيء إلا ويفتح الله عز وجل له طريق عبرة فإن نظر إلى سواد تذكر ظلمة اللحد وإن نظر إلى حية تذكر أفاعي جهنم وإن نظر إلى صورة قبيحة شنيعة تذكر منكراً ونكيراً والزبانية، وإن سمع صوتاً هائلاً تذكر نفخة الصور وإن رأى شيئاً حسناً تذكر نعيم الجنة وإن سمع كلمة رد أو قبول في سوق أو دار تذكر ما ينكشف من آخر أمره بعد الحساب من الرد والقبول وما أجدر أن يكون هذا هو الغالب على قلب العاقل إذ لا يصرفه عنه إلا مهمات الدنيا! فإذا نسب مدة المقام في الدنيا إلى مدة المقام في الآخرة استحقرها إن لم يكن ممن أغفل قلبه وأعميت بصيرته. ومن السنن: أن لا يسم عند الدخول وإن سلم عليه لم يجب بلفظ السلام بل يسكت إن أجاب غيره وإن أحب قال "عافاك الله" ولا بأس بأن يصافح الداخل ويقول "عافاك الله" لابتداء الكلام. ثم لا يكثر الكلام في الحمام ولا يقرأ القرآن إلا سراً ولا بأس بإظهار الاستعاذة من الشيطان ويكره دخول الحمام بين العشاءين وقريباً من الغروب فإن ذلك وقت انتشار الشياطين، ولابأس أن يدلكه غيره فقد نقل ذلك عن يوسف بن أسباط أوصى بأن يغسله إنسان لم يكن من أصحابه وقال: إنه دلكني في الحمام مرة فأردت أن أكافئه بما يفرح به وإنه ليفرح بذلك. ويدل على جوازه ما روى بعض الصحابة "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نزل منزلاً في بعض أسفاره فنام على بطنه وعبد أسود يغمز ظهره فقلت: ما هذا يا رسول الله؟ فقال: إن الناقة تقحمت بي" ثم مهما فرغ من الحمام شكر الله عز وجل على هذه النعمة. فقد قيل الماء الحار في الشتاء من النعيم الذي يسأل عنه. وقال ابن عمر رضي الله عنهما: الحمام من النعيم الذي أحدثوه. هذا من جهة الشرع. أما من جهة الطب فقد قيل: الحمام بعد النورة أمان من الجذام. وقيل؛ النورة في كل شهر مرة تطفىء المرة الصفراء وتنقي اللون وتزيد في الجماع. وقيل: بولة في الحمام قائماً في الشتاء أنفع من شربة دواء. وقيل: نومة في الصيف بعد الحمام تعدل شربة دواء. وغسل القدمين بماء بارد بعد الخروج من الحمام أمان من النقرس ويكره صب الماء البارد على الرأس عند الخروج وكذا شربه، هذا حكم الرجال: وأما النساء فقد قال صلى الله عليه وسلم "لايحل للرجل أن يدخل حليلته الحمام" وفي البيت مستحم، والمشهور أنه حرام على الرجال دخول الحمام إلا بمئزر" وحرام على المرأة دخول الحمام إلا نفساء أو مريضة. ودخلت عائشة رضي الله عنها حماماً من سقم بها. فإن دخلت لضرورة فلا تدخل إلا بمئزر سابغ، ويكره للرجل أن يعطيها أجرة الحمام فيكون معيناً لها على المكروه.حمام ولا يقرأ القرآن إلا سراً ولا بأس بإظهار الاستعاذة من الشيطان ويكره دخول الحمام بين العشاءين وقريباً من الغروب فإن ذلك وقت انتشار الشياطين، ولابأس أن يدلكه غيره فقد نقل ذلك عن يوسف بن أسباط أوصى بأن يغسله إنسان لم يكن من أصحابه وقال: إنه دلكني في الحمام مرة فأردت أن أكافئه بما يفرح به وإنه ليفرح بذلك. ويدل على جوازه ما روى بعض الصحابة "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نزل منزلاً في بعض أسفاره فنام على بطنه وعبد أسود يغمز ظهره فقلت: ما هذا يا رسول الله؟ فقال: إن الناقة تقحمت بي" ثم مهما فرغ من الحمام شكر الله عز وجل على هذه النعمة. فقد قيل الماء الحار في الشتاء من النعيم الذي يسأل عنه. وقال ابن عمر رضي الله عنهما: الحمام من النعيم الذي أحدثوه. هذا من جهة الشرع. أما من جهة الطب فقد قيل: الحمام بعد النورة أمان من الجذام. وقيل؛ النورة في كل شهر مرة تطفىء المرة الصفراء وتنقي اللون وتزيد في الجماع. وقيل: بولة في الحمام قائماً في الشتاء أنفع من شربة دواء. وقيل: نومة في الصيف بعد الحمام تعدل شربة دواء. وغسل القدمين بماء بارد بعد الخروج من الحمام أمان من النقرس ويكره صب الماء البارد على الرأس عند الخروج وكذا شربه، هذا حكم الرجال: وأما النساء فقد قال صلى الله عليه وسلم "لايحل للرجل أن يدخل حليلته الحمام" وفي البيت مستحم، والمشهور أنه حرام على الرجال دخول الحمام إلا بمئزر" وحرام على المرأة دخول الحمام إلا نفساء أو مريضة. ودخلت عائشة رضي الله عنها حماماً من سقم بها. فإن دخلت لضرورة فلا تدخل إلا بمئزر سابغ، ويكره للرجل أن يعطيها أجرة الحمام فيكون معيناً لها على المكروه.


[saa]يتبع بإذن الرحمن[/saa]

_________________

يا خير من دفنت في التراب أعظمه فطاب من طيبهن القاع الأكم
نفسي الفداء لقبر أنت ساكنه فيه العفاف وفيه الجود والكرم
أنت الشفيع الذي ترجى شفاعته عند الصراط إذا ما زلّت القدم


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة:
مشاركة غير مقروءةمرسل: الأحد أغسطس 14, 2005 4:23 pm 
غير متصل

اشترك في: السبت فبراير 21, 2004 10:56 pm
مشاركات: 1245
مكان: يا رب مع الحبيب و آله صلى الله عليه و آله وصحبه وسلم
[align=center]النوع الثاني
فيما يحدث في البدن من الأجزاء
[/align]


وهي ثمانية

الأول
شعر الرأس ولابأس بحلقه لمن أراد التنظيف ولابأس بتركه لمن يدهنه ويرجله إلا إذا تركه قزعاً، أي قطعاً وهو دأب أهل الشطارة، أو أرسل الذوائب على هيئة أهل الشرف حيث صار ذلك شعاراً لهم فإنه إذا لم يكن شريفاً كان ذلك تلبيساً
الثاني شعر الشارب وقد قال صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم "قصوا الشارب" وفي لفظ آخر "جزوا الشوارب" وفي لفظ آخر "حفوا الشوارب وأعفوا اللحى" أي اجعلوها حفاف الشفة أي حولها، وحفاف الشيء: حوله. ومنه "وترى الملائكة حافين من حول العرش" وفي لفظ آخر "احفوا" يدل على ما دون ذلك. وقال الله عز وجل "إن يسئلكموها فيحفكم تبخلوا" أي يستقصى عليكم، وأما الحلق فلم يرد. والإحفاء القريب من الحلق نقل عن الصحابة: نظر بعض التابعين إلى رجل أحفى شاربه فقال: ذكرتني أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم. وقال المغيرة بن شعبة "نظر إلي رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد طال شاربي فقال: تعال فقصه لي على سواك" ولابأس بترك سباليه وهما طرفا الشارب، فعل ذلك عمر وغيره لأن ذلك لا يستر الفم ولا يبقى فيه غمر الطعام إذ لا يصل إليه: وقوله صلى الله عليه وسلم "اعفوا اللحى" أي كثروها وفي الخبر "إن اليهود يعفون شواربهم ويقصون لحاهم فخالفوهم" وكره بعض العلماء الحلق ورآه بدعة
الثالث شعر الإبط ويستحب نتفه في كل أربعين يوماً مرة وذلك سهل على من تعود نتفه في الابتداء، فأما من تعود الحلق فيكفيه الحلق إذ في النتف تعذيب وإيلام، والمقصود النظافة وأن لا يجتمع الوسخ في خللها ويحصل ذلك بالحلق الرابع شعر العانة ويستحب إزالة ذلك إما بالحلق أو بالنورة ولا ينبغي أن تتأخر عن أربعين يوماً الخامس الأظفار وتقليمها مستحب لشناعة صورتها إذا طالت ولما يجتمع فيها من الوسخ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "يا أبا هريرة أقلم أظفارك فإن الشيطان يقعد على ما طال منها" ولو كان تحت الظفر وسخ فلا يمنع ذلك صحة الوضوء لأنه لا يمنع وصول الماء ولأنه يتساهل فيه للحاجة لاسيما في أظفار الرجل وفي الأوساخ التي تجتمع على البراجم وظهور الأرجل والأيدي من العرب وأهل السواد، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمرهم بالقلم وينكر عليهم ما يرى تحت أظفارهم من الأوساخ ولم يأمرهم بإعادة الصلاة، ولو أمر به لكان فيه فائدة أخرى وهو التغليظ والزجر عن ذلك. ولم أر في الكتب خبراً مروياً في ترتيب قلم الأظفار ولكن سمعت "أنه صلى الله عليه وسلم بدأ بمسبحته اليمنى وختم بإبهامه اليمنى وابتدأ في اليسرى بالخنصر إلى الإبهام" ولما تأملت في هذا خطر لي من المعنى ما يدل على أن الرواية فيه صحيحة إذ مثل هذا المعنى لا ينكشف ابتداء إلا بنور النبوة، وأما العالم ذو البصيرة فغايته أن يستنبطه من العقل بعد نقل الفعل إليه. فالذي لاح لي فيه والعلم عند الله سبحانه أنه لابد من قلب أظفار اليد والرجل، واليد أشرف من الرجل فيبدأ بها، ثم اليمنى أشرف من اليسرى فيبدأ بها، ثم على اليمنى خمسة أصابع والمسبحة أشرفها إذ هي المشيرة في كلمتي الشهادة من جملة الأصابع، ثم بعدها ينبغي أن يبتدىء بما على يمينها إذ الشرع يستحب إدارة الطهور وغيره على اليمين، وإن وضعت ظهر الكف على الأرض فالإبهام هو اليمين، وإن وضعت بطن الكف فالوسطى هي اليمنى، واليد إذا تركت بطبعها كان الكف مائلاً إلى جهة الأرض إذ جهة حركة اليمين إلى اليسار واستتمام الحركة إلى اليسار يجعل ظهر الكف عالياً فما يقتضيه الطبع أولى، ثم إذا وضعت الكف على الكف صارت الأصابع في حكم حلقة دائرة، فيقتضي ترتيب الدور الذهاب عن يمين المسبحة إلى أن يعود إلى المسبحة، فتقع البداءة بخنصر اليسرى والختم بإبهامها ويبقى إبهام اليمنى فيختم به التقليم. وإنما قدرت الكف موضوعة على الكف حتى تصير الأصابع كأشخاص في حلقة ليظهر ترتيبها. وتقدير ذلك أولى من تقدير وضع الكف على ظهر الكف أو وضع ظهر الكف على ظهر الكف فإن ذلك لا يقتضيه الطبع. وأما أصابع الرجل فالأولى عندي - إن لم يثبت فيها نقل - أن يبدأ بخنصر اليمنى ويختم بخنصر اليسرى كما في التخليل، فإن المعاني التي ذكرها في اليد لا تتجه ههنا إذ لا مسبحة في الرجل. وهذه الأصابع في حكم صف واحد ثابت على الأرض فيبدأ من جانب اليمنى فإن تقديرها حلقة بوضع الأخمص على الأخمص يأباه الطبع بخلاف اليدين. وهذه الدقائق في الترتيب تنكشف بنور النبوة في لحظة واحدة وإنما يطول التعب علينا. ثم لو سئلنا ابتداء عن الترتيب في ذلك ربما لم يخطر لنا. وإذا ذكرنا فعله صلى الله عليه وسلم وترتيبه ربما تيسر نا مما عاينه صلى الله عليه وسلم بشهادة الحكم وتنبيهه على المعنى استنباط المعنى، ولا تظنن أن أفعاله صلى الله عليه وسلم في جميع حركاته كانت خارجة عن وزن وقانون وترتيب بل جميع الأمور الاختيارية التي ذكرناها يتردد فيها الفاعل بين قسمين أو أقسام كان لا يقدم على واحد معين بالاتفاق بل بمعنى يقتضي الإقدام والتقديم، فإن الاسترسال مهملاً - كما يتفق - سجية البهائم، وضبط الحركات بموازين المعاني سجية أولياء الله تعالى. وكلما كانت حركات الإنسان وخطراته إلى الضبط أقرب وعن الإهمال وتركه مدى أبعد: كانت مرتبته إلى رتبة الأنبياء والأولياء أكثر وكان قربه من الله عز وجل أظهر؛ إذ القريب من النبي صلى الله عليه وسلم هو القريب من الله عز وجل والقريب من الله لابد أن يكون قريباً فالقريب من القريب قريب بالإضافة إلى غيره فنعوذ بالله أن يكون زمام حركاتنا وسكناتنا في يد الشيطان بواسطة الهوى. واعتبر في ضبط الحركات باكتحاله صلى الله عليه وسلم "فإنه يكتحل في عينه اليمنى ثلاثاً وفي اليسرى اثنتين" فيبدأ باليمنى لشرفها. وتفاوته بين العينين لتكون الجملة وتراً، فإن للوتر فضلاً عن الزوج فإن الله سبحانه وتر يحب الوتر فلا ينبغي أن يخلو فعل العبد من مناسبة لوصف من أوصاف الله تعالى. ولذلك استحب الإيتار في الاستجمار. وإنما لم يقتصر على الثلاث وهو وتر لأن اليسرى لا يخصها إلا واحدة والغالب أن الواحدة لا تستوعب أصول الأجفان بالكحل، وإنما خصص اليمين بالثلاث لأن التفضيل لابد منه للإيتار واليمين أفضل فهي بالزيادة أحق. فإن قلت: فلم اقتصر على اثنين لليسرى وهي زوج؟ فالجواب أن ذلك ضرورة إذ لو جعل لكل واحدة وتر لكان المجموع زوجاً إذ الوتر مع الوتر زوج، ورعايته الإيتار في مجموع الفعل وهو في حكم الخصلة الواحدة أحب من رعايته في الآحاد. ولذلك أيضاً وجه وهو أن يكتحل في كل واحدة ثلاثاً على قياس الوضوء وقد نقل ذلك في الصحيح وهو الأولى. ولو ذهبت أستقصي دقائق ما راعاه صلى الله عليه وسلم في حركاته لطال الأمر فقس بما سمعته ما لم تسمعه. واعلم أن العالم لا يكون وارثاً للنبي صلى الله عليه وسلم إلا إذا اطلع على جميع معاني الشريعة حتى لا يكون بينه وبين النبي صلى الله عليه وسلم إلا درجة واحدة وهي درجة النبوة، وهي الدرجة الفارقة بين الوارث والموروث، إذ الموروث هو الذي حصل المال له واشتغل بتحصيله واقتدر عليه والوارث هو الذي لم يحصل ولم يقدر عليه ولكن انتقل إليه وتلقاه منه بعد حصوله له، فأمثال هذه المعاني مع سهولة أمرها بالإضافة إلى الأغوار والأسرار لا يستقل بدركها ابتداء إلا الأنبياء ولا يستقل باستنباطها تلقياً بعد تنبيه الأنبياء عليها إلا العلماء الذين هم ورثة الأنبياء عليهم السلام السادس والسابع زيادة السرة وقلفة الحشفة؛ أما السرة فتقطع في أول الولادة وأما التطهير بالختان فعادة اليهود في اليوم السابع من الولادة ومخالفتهم بالتأخير إلى أن يثغر الولد أحب وأبعد عن الخطر قال صلى الله عليه وسلم "الختان سنة للرجال ومكرمة للنساء" وينبغي أن لا يبالغ في خفض المرأة قال صلى الله عليه وسلم لأم عطية وكانت تخفض "يا أم عطية أشمي ولا تنهكي فإنه أسرى للوجه وأحظى عند الزوج" أي أكثر لماء الوجه ودمه وأحسن في جماعها فانظر إلى جزالة لفظه صلى الله عليه وسلم في الكتابة وإلى إشراق نور النبوة من مصالح الآخرة التي هي أهم مقاصد النبوة إلى مصالح الدنيا حتى انكشف له وهو أمي من هذا الأمر النازل قدره ما لو وقعت الغفلة عنه خيف ضرره فسبحان من أرسله رحمة للعالمين ليجمع لهم بيمن بعثته مصالح الدنيا والدين صلى الله عليه وسلم الثامنة ما طال من اللحية وإنما أخرناها لنلحق بها ما في اللحية من السنن والبدع إذ هذا أقرب موضع يليق به ذكرها وقد اختلفوا فيما طال منها فقيل إن قبض الرجل على لحيته وأخذ ما فضل عن القبضة فلا بأس فقد فعله ابن عمر وجماعة من التابعين واستحسنه الشعبي وابن سيرين وكرهه الحسن وقتادة وقالا تركها عافية أحب لقوله صلى الله عليه وسلم "اعف اللحا" والأمر في هذا قريب إن لم ينته إلى تقصيص اللحية وتدويرها من الجوانب فإن الطول المفرط قد يشوه الخلقة ويطلق ألسنة المغتابين بالنبذ إليه فلابأس بالاحتراز عنه على هذه النية. وقال النخعي عجبت لرجل عاقل طويل اللحية كيف لا يأخذ من لحيته ويجعها بين لحيتين فإن التوسط في كل شيء حسن، ولذلك قيل كلما طالت اللحية تشمر العقل.ر في هذا قريب إن لم ينته إلى تقصيص اللحية وتدويرها من الجوانب فإن الطول المفرط قد يشوه الخلقة ويطلق ألسنة المغتابين بالنبذ إليه فلابأس بالاحتراز عنه على هذه النية. وقال النخعي عجبت لرجل عاقل طويل اللحية كيف لا يأخذ من لحيته ويجعها بين لحيتين فإن التوسط في كل شيء حسن، ولذلك قيل كلما طالت اللحية تشمر العقل.


فصل

وفي اللحية عشر خصال مكروهة وبعضها أشد كراهة من بعض؛ خضابها بالسواد وتبيضها بالكبريت ونتفها ونتف الشيب منها والنقصان منها والزياد وتسريحها تصنعاً لأجل الرياء وتركها شعثة إظهاراً للزهد والنظر إلى سوادها عجباً بالشباب وإلى بياضها تكبراً بعلو السن وخضابها بالحمرة والصفرة من غير نية تشبهاً بالصالحين. أما الأول وهو الخضاب بالسواد فهو منهي عنه لقوله صلى الله عليه وسلم "خير شبابكم من تشبه بشيوخكم وشر شيوخكم من تشبه بشبابكم" والمراد بالتشبه بالشيوخ في الوقار لا في تبييض الشعر و "نهى عن الخضاب بالسواد وقال هو خضاب أهل النار" وفي لفظ آخر "الخضاب بالسواد خضاب الكفار" وتزوج رجل على عهد عمر رضي الله عنه وكان يخضب بالسواد فنصل خضابه وظهرت شيبته فرفعه أهل المرأة إلى عمر رضي الله عنه فرد نكاحه وأوجعه ضرباً وقال: غررت القوم بالشباب ولبست عليهم شيبتك ويقال أول من خضب بالسواد فرعون لعنه الله وعن ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال "يكون في آخر الزمان قوم يخضبون بالسواد كحواصل الحمام لا يريحو رائحة الجنة" الثاني: الخضاب بالصفرة والحمرة وهو جائز تلبيساً للشيب على الكفار وفي الغزو والجهاد فإن لم يكن على هذه النية بل للتشبه بأهل الدين فهو مذموم وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "الصفرة خضاب المسلمين والحمرة خضاب المؤمنين" وكانوا يخضبون بالحناء للحمرة وبالخلوق والكتم للصفرة، وخضب بعض العلماء بالسواد لأجل الغزو وذلك لابأس به إذا صحت النية ولم يكن فيه هوى وشهوة. الثالث: تبييضها بالكبريت استعجالاً لإظهار علو السن توصلاً إلى التوقير وقبول الشهادة والتصديق بالرواية عن الشيوخ وترفعاً عن الشباب وإظهاراً لكثرة العلم ظناً بأن كثرة الأيام تعطيه فضلاً وهيهات فلا يزيد كبر السن الجاهل إلا جهلاً فالعلم ثمرة العقل وهي غريزة ولا يؤثر الشيب فيها ومن كانت غريزته الحمق فطول المدة يؤكد حماقته وقد كان الشيوخ يقدمون الشباب بالعلم. كان عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقدم ابن عباس وهو حديث السن على أكابر الصحابة ويسأله دونهم. وقال ابن عباس رضي الله عنهما: ما آتى الله عز وجل عبداً علماً إلا شاباً والخير كله في الشباب ثم تلا قوله عز وجل "قالوا سمعنا فتى يذكرهم يقال له إبراهيم" وقوله تعالى "إنهم فتية آمنوا بربهم وزدناهم هدى" وقوله تعالى "وآتيناه الحكم صبياً" وكان أنس رضي الله عنه يقول "قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم وليس في رأسه ولحيته عشرون شعرة بيضاء فقيل له يا أبا حمزة فقد أسن فقال لم يشنه الله بالشيب فقيل أهو شين فقال كلكم يكرهه" ويقال إن يحيى بن أكثم ولي القضاء وهو ابن إحدى وعشرين سنة فقال له رجل في مجلسه يريد أن يخجله بصغر سنه كم سن القاضي أيده الله فقال مثل سن عتاب بن أسيد حين ولاه رسول الله صلى الله عليه وسلم إمارة مكة وقضاءها فأفحمه وروي عن مالك رحمه الله أنه قال قرأت في بعض الكتب لا تغرنكم اللحى فإن التيس له لحية وقال أبو عمرو بن العلاء إذا رأيت الرجل طويل القامة صغير الهامة عريض اللحية فاقض عليه بالحمق ولو كان أمية ابن عبد شمس وقال أيوب السختياني أدركت الشيخ ابن ثمانين سنة يتبع الغلام يتعلم منه. وقال علي بن الحسين من سبق فيه العلم قبلك فهو إمامك فيه وإن كان أصغر سناً منك، وقيل لأبي عمرو بن العلاء أيحسن من الشيخ أن يتعلم من الصغير فقال إن كان الجهل يقبح به فالتعلم يحسن به وقال يحيى بن معين لأحمد بن حنبل وقد رآه يمشي خلف بغلة الشافعي يا أبا عبد الله تركت حديث سفيان بعلوه وتمشي خلف بغلة هذا الفتى وتسمع منه فقال له أحمد لو عرفت لكنت تمشي من الجانب الآخر إن علم سفيان إن فاتني بعلو أدركته بنزول وإن عقل هذا الشاب إن فاتني لم أدركه بعلو ولا نزول الرابع نتف بياضها استنكافاً من الشيب "وقد نهى عليه السلام عن نتف الشيب وقال هو نور المؤمن" وهو في معنى الخضاب بالسواد وعلة الكراهية ما سبق والشيب نور الله تعالى والرغبة عنه رغبة عن النور الخامس نتفها أو نتف بعضها بحكم العبث والهوس وذلك مكروه ومشوه للخلقة ونتف الفنيكين بدعة وهما جانبا العنفقة. شهد عند عمر بن عبد العزيز رجل كان ينتف فنيكيه فرد شهادته ورد عمر بن الخطاب رضي الله عنه وابن أبي ليلى قاضي المدينة شهادة من كان ينتف لحيته وأما نتفها في أول النبات تشبهاً بالمرد فمن المنكرات الكبار فإن اللحية زينة الرجال فإن لله ملائكة يقسمون والذي زين بني آدم باللحى وهو من تمام الخلق وبها يتميز الرجال عن النساء وقيل في غريب التأويل اللحية هي المراد بقوله تعالى "يزيد في الخلق ما يشاء" قال أصحاب الأحنف بن قيس وددنا أن نشتري للأحنف لحية ولو بعشرين ألفاً وقال شريح القاضي وددت أن لي لحية لو بعشرة آلاف وكيف تكره اللحية وفيها تعظيم الرجل والنظر إليه بعين العلم والوقار والرفع في المجالس وإقبال الوجوه إليه والتقديم على الجماعة ووقاية العرض؟ فإن من يشتم يعرض باللحية إن كان للمشتوم لحية وقد قيل إن أهل الجنة مرد إلا هرون أخا موسى صلى الله عليهما وسلم فإن له لحية إلى سرته تخصيصاً له وتفضيلاً السادس تقصيصها كالتعبية طاقة على طاقة للتزين للنساء والتصنع قال كعب: يكون في آخر الزمان أقوام يقصون لحاهم كذنب الحمامة ويعرقبون نعالهم كالمناجل أولئك لا خلاق لهم السابع الزيادة فيها وهو أن يزيد في شعر العارضين من الصدغين وهو من شعر الرأس حتى يجاوز عظم اللحى وينتهي إلى نصف الخد وذلك يباين هيئة أهل الصلاح. الثامن تسريحها لأجل الناس قال بشر: في اللحية شركان: تسريحها لأجل الناس وتركها متفتلة لإظهار الزهد. التاسع والعاشر النظر في سوادها أو في بياضها بعين العجب وذلك مذموم في جميع أجزاء البدن بل في جميع الأخلاق والأفعال على ما سيأتي بيانه فهذا ما أردنا أن نذكره من أنواع التزين والنظافة وقد حصل من ثلاثة أحاديث من سنن الجسد اثنتا عشرة خصلة خمس منها في الرأس وهي فرق شعر الرأس والمضمضة والاستنشاق وقص الشارب والسواك وثلاثة في اليد والرجل وهي القلم وغسل البراجم وتنظيف الرواجب وأربعة في الجسد هي نتف الإبط والاستحداد والختان والاستنجاء بالماء فقد وردت الأخبار بمجموع ذلك وإذا كان غرض هذا الكتاب التعرض للطهارة الظاهرة دون الباطنة فلنقتصر على هذا وليتحقق أن فضلات الباطن وأوساخه التي يجب التنظيف منها أكثر من أن تحصى وسيأتي تفصيلها في ربع المهلكات مع تعريف الطرق في إزالتها وتطهير القلب منها إن شاء الله عز وجل.ان ينتف لحيته وأما نتفها في أول النبات تشبهاً بالمرد فمن المنكرات الكبار فإن اللحية زينة الرجال فإن لله ملائكة يقسمون والذي زين بني آدم باللحى وهو من تمام الخلق وبها يتميز الرجال عن النساء وقيل في غريب التأويل اللحية هي المراد بقوله تعالى "يزيد في الخلق ما يشاء" قال أصحاب الأحنف بن قيس وددنا أن نشتري للأحنف لحية ولو بعشرين ألفاً وقال شريح القاضي وددت أن لي لحية لو بعشرة آلاف وكيف تكره اللحية وفيها تعظيم الرجل والنظر إليه بعين العلم والوقار والرفع في المجالس وإقبال الوجوه إليه والتقديم على الجماعة ووقاية العرض؟ فإن من يشتم يعرض باللحية إن كان للمشتوم لحية وقد قيل إن أهل الجنة مرد إلا هرون أخا موسى صلى الله عليهما وسلم فإن له لحية إلى سرته تخصيصاً له وتفضيلاً السادس تقصيصها كالتعبية طاقة على طاقة للتزين للنساء والتصنع قال كعب: يكون في آخر الزمان أقوام يقصون لحاهم كذنب الحمامة ويعرقبون نعالهم كالمناجل أولئك لا خلاق لهم السابع الزيادة فيها وهو أن يزيد في شعر العارضين من الصدغين وهو من شعر الرأس حتى يجاوز عظم اللحى وينتهي إلى نصف الخد وذلك يباين هيئة أهل الصلاح. الثامن تسريحها لأجل الناس قال بشر: في اللحية شركان: تسريحها لأجل الناس وتركها متفتلة لإظهار الزهد. التاسع والعاشر النظر في سوادها أو في بياضها بعين العجب وذلك مذموم في جميع أجزاء البدن بل في جميع الأخلاق والأفعال على ما سيأتي بيانه فهذا ما أردنا أن نذكره من أنواع التزين والنظافة وقد حصل من ثلاثة أحاديث من سنن الجسد اثنتا عشرة خصلة خمس منها في الرأس وهي فرق شعر الرأس والمضمضة والاستنشاق وقص الشارب والسواك وثلاثة في اليد والرجل وهي القلم وغسل البراجم وتنظيف الرواجب وأربعة في الجسد هي نتف الإبط والاستحداد والختان والاستنجاء بالماء فقد وردت الأخبار بمجموع ذلك وإذا كان غرض هذا الكتاب التعرض للطهارة الظاهرة دون الباطنة فلنقتصر على هذا وليتحقق أن فضلات الباطن وأوساخه التي يجب التنظيف منها أكثر من أن تحصى وسيأتي تفصيلها في ربع المهلكات مع تعريف الطرق في إزالتها وتطهير القلب منها إن شاء الله عز وجل.

[saa]يتبع بإذن الرحمن[/saa]

_________________

يا خير من دفنت في التراب أعظمه فطاب من طيبهن القاع الأكم
نفسي الفداء لقبر أنت ساكنه فيه العفاف وفيه الجود والكرم
أنت الشفيع الذي ترجى شفاعته عند الصراط إذا ما زلّت القدم


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة:
مشاركة غير مقروءةمرسل: الأربعاء أغسطس 17, 2005 2:30 pm 
غير متصل

اشترك في: السبت فبراير 21, 2004 10:56 pm
مشاركات: 1245
مكان: يا رب مع الحبيب و آله صلى الله عليه و آله وصحبه وسلم
[align=center]الكتاب الرابع
كتاب أسرار الصلاة ومهماتها

بسم الله الرحمن الرحيم
[/align]

الحمد لله الذي غمر العباد بلطائفه، وعمر قلوبهم بأنوار الدين ووظائفه التي تنزل عن عرش الجلال إلى السماء الدنيا من درجات الرحمة إحدى عواطفه فارق الملوك مع التفرد بالجلال والكبرياء بترغيب الخلق في السؤال والدعاء فقال: هل من داع فأستجيب له وهل من مستغفر فأغفر له؟ وباين السلاطين بفتح الباب، ورفع الحجاب فرخص للعباد في المناجاة بالصلوات كيفما تقلبت بهم الحالات في الجماعات والخلوات ولم يقتصر على الرخصة بل تلطف بالترغيب والدعوة وغيره من ضعفاء الملوك لا يسمح بالخلوة إلا بعد تقديم الهدية والرشوة فسبحانه ما أعظم شأنه وأقوى سلطانه، وأتم لطفه، وأعم إحسانه؛ والصلاة على محمد نبيه المصطفى ووليه المجتبى وعلى آله وأصحابه مفاتيح الهدى ومصابيح الدجى وسلم تسليماً. أما بعد: فإن الصلاة عماد الدين، وعصام اليقين، ورأس القربات، وغرة الطاعات؛ وقد استقصينا في فن الفقه - في بسيط المذهب ووسيطه ووجيزه - أصولها وفروعها، صارفين جمام العناية إلى تفاريعها النادرة. ووقائعها الشاذة لتكون خزانة للمفتي منها يستمد ومعولاً له إليها يفزع ويرجع. ونحن الآن في هذا الكتاب نقتصر على ما لابد للمريد منه من أعمالها الظاهرة وأسرارها اباطنة، وكاشفون من دقائق معانيها الخفية في معاني الخشوع والإخلاص والنية ما لم تجر العادة بذكره في فن الفقه؛ ومرتبون الكتاب على سبعة أبواب. الباب الأول: في فضائل الصلاة. الباب الثاني: في تفضيل الأعمال الظاهرة من الصلاة. الباب الثالث: في تفضيل الأعمال الباطنة منها. الباب الرابع: في الإمامة والقدوة. الباب الخامس: في صلاة الجمعة وأدابها. الباب السادس: في مسائل متفرقة تعم بها البلوى يحتاج المريد إلى معرفتها. الباب السابع: في التطوعات وغيرها.

[align=center]الباب الأول
في فضائل صلاة السجود والجماعة والأذان
وغيرها
[/align]

فضيلة الأذان

قال صلى الله عليه وسلم "ثلاثة يوم القيامة على كثيب من مسك أسود لا يهولهم حساب ولا ينالهم فزع حتى يفرغ مما بين الناس: رجل قرأ القرآن ابتغاء وجه الله عز وجل وأم بقوم وهم به راضون؛ ورجل أذن في مسجد ودعا إلى الله عز وجل ابتغاء وجه الله؛ ورجل ابتلي بالرزق في الدنيا فلم يشغله ذلك عن عمل الآخرة" وقال صلى الله عليه وسلم "لا يسمع نداء المؤذن جن ولا إنس ولا شيء إلا شهد له يوم القيامة" وقال صلى الله عليه وسلم "يد الرحمن على رأس المؤذن حتى يفرغ من أذانه" وقيل في تفسير قوله عز وجل "ومن أحسن قولاً ممن دعا إلى الله وعمل صالحاً" نزلت في المؤذنين، وقال صلى الله عليه وسلم "إذا سمعتم النداء فقولوا مثل ما يقول المؤذن" وذلك مستحب إلا في الحيعلتين فإنه يقول فيهما: لا حول ولا قوة إلا بالله؛ وفي قوله قد قامت الصلاة أقامها الله وأدامها ما دامت السموات والأرض وفي التثويب صدقت وبررت ونصحت؛ وعند الفراغ يقول اللهم رب هذه الدعوة التامة والصلاة القائمة آت محمداً الوسيلة والفضيلة والدرجة الرفيعة وابعثه المقام المحمود الذي وعدته إنك لا تخلف الميعاد. وقال سعيد بن المسيب من صلى بأرض فلاة صلى عن يمينه ملك وعن شماله ملك فإن أذن وأقام صلى وراء أمثال الجبال من الملائكة.

فضيلة المكتوبة

قال الله تعالى "إن الصلاة كانت على المؤمنين كتاباً موقوتاً" وقال صلى الله عليه وسلم "خمس صلوات كتبهن الله على العباد فمن جاء بهن ولم يضيع منهن شيئاً استخفافاً بحقهن كان له عند الله عهد أن يدخله الجنة ومن لم يأت بهن فليس له عند الله عهد إن شاء عذبه وإن شاء أدخله الجنة" وقال صلى الله عليه وسلم "مثلي الصلوات الخمس كمثل نهر عذب غمر بباب أحدكم يقتحم فيه كل يوم خمس مرات فما ترون ذلك يبقي من درنه قالوا لا شيء قال صلى الله عليه وسلم فإن الصلوات الخمس تذهب الذنوب كما يذهب الماء الدرن" وقال صلى الله عليه وسلم "إن الصلوات كفارة لما بينهن ما اجتنبت الكبائر" وقال صلى الله عليه وسلم "بيننا وبين المنافقين شهود العتمة والصبح لا يستطيعونهما" وقال صلى الله عليه وسلم "من لقي الله وهو مضيع للصلاة لم يعبأ الله بشيء من حسناته" وقال صلى الله عليه وسلم "الصلاة عماد الدين فمن تركها فقدم هدم الدين" وسئل صلى الله عليه وسلم "أي الأعمال أفضل فقال الصلاة لمواقيتها" وقال صلى الله عليه وسلم "من حافظ على الخمس بإكمال طهورها ومواقيتها كانت له نوراً وبرهاناً يوم القيامة ومن ضيعها حشر مع فرعون وهامان" وقال صلى الله عليه وسلم "مفتاح الجنة الصلاة" وقال "ما افترض الله على خلقه بعد التوحيد أحب إليه من الصلاة ولو كان شيء أحب إليه منها لتعبد به ملائكته فمنهم راكع ومنهم ساجد ومنهم قائم وقاعد" وقال النبي صلى الله عليه وسلم "من ترك صلاة متعمداً فقد كفر" أي قارب أن ينخلع عن الإيمان بانحلال عروته وسقوط عماده كما يقال لمن قارب البلدة إنه بلغها ودخلها. وقال صلى الله عليه وسلم "من ترك صلاة معتمداً فقد برىء من ذمة محمد عليه السلام" وقال أبو هريرة رضي الله عنه: من توضأ فأحسن وضوءه ثم خرج عامداً إلى الصلاة فإنه في صلاة ما كان يعمد إلى الصلاة وأنه يكتب له بإحدى خطوتيه حسنة وتمحى عنه بالأخرى سيئة فإذا سمع أحدكم الإقامة فلا ينبغي له أن يتأخر فإن أعظمكم أجراً أبعدكم داراً، قالوا لم يا أبا هريرة؟ قال: من أجل كثرة الخطا. ويروى "إن أول ما ينظر فيه من عمل العبد يوم القيامة الصلاة فإن وجدت تامة قبلت منه وسائر عمله وإن وجدت ناقصة ردت عليه وسائر عمله وقال صلى الله عليه وسلم "يا أبا هريرة مر أهلك بالصلاة فإن الله يأتيك بالرزق من حيث لا تحتسب" وقال بعض العلماء: مثل المصلي مثل التاجر الذي لا يحصل له الربح حتى يخلص له رأس المال، وكذلك المصلي لا تقبل له نافلة حتى يؤدي الفريضة. وكان أبو بكر رضي الله عنه يقول: إذا حضرت الصلاة قوموا إلى ناركم التي أوقدتموها فأطفئوها.

فضيلة إتمام الأركان

قال صلى الله عليه وسلم "مثل الصلاة المكتوبة كمثل الميزان من أوفى استوفى" وقال يزيد الرقاشي "كانت صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم مستوية كأنها موزونة" وقال صلى الله عليه وسلم "إن الرجلين من أمتي ليقومان إلى الصلاة وركوعهما وسجودهما واحد وإن ما بين صلاتيهما ما بين السماء والأرض" وأشار إلى الخشوع وقال صلى الله عليه وسلم "لا ينظر الله يوم القيامة إلى العبد لا يقيم صلبه بين ركوعه وسجوده" وقال صلى الله عليه وسلم "أما يخاف الذي يحول وجهه في الصلاة أن يحول الله وجهه وجه حمار" وقال صلى الله عليه وسلم "من صلى صلاة لوقتها وأسبغ وضوءها وأتم ركوعها وسجودها وخشوعها عرجت وهي بيضاء مسفرة تقول حفظك الله كما حفظتني ومن صلى لغي وقتها ولم يسبغ وضوءها ولم يتم ركوعها ولا سجودها ولا خشوعها عرجت وهي سوداء مظلمة تقول ضيعك الله كما ضيعتني حتى إذا كانت حيث شاء الله لفت كما يلف الثوب الخلق فيضرب بها وجهه" وقال صلى الله ع
ليه وسلم "أسوأ الناس سرقة الذي يسرق من صلاته" وقال ابن مسعود رضي الله عنه وسلمان رضي الله عنه: الصلاة مكيال فمن أوفى استوفى، ومن طفف فقد علم ما قاله الله في المطففين.


فضيلة الجماعة

قال صلى الله عليه وسلم "صلاة الجماعة تفضل صلاة الفذ بسبع وعشرين درجة" وروى أبو هريرة أنه صلى الله عليه وسلم فقد ناساً في بعض الصلوات فقال "لقد هممت أن آمر رجلاً يصلي بالناس ثم أخالف إلى رجال يتخلفون عنها فأحرق عليهم بيوتهم" وفي رواية أخرى "ثم أخالف إلى رجال يتخلفون عنها فآمر بهم فتحرق عليهم بيوتهم بحزم الحطب ولو علم أحدهم أنه يجد عظماً سميناً أو مرماتين لشهدها" يعني صلاة العشاء. وقال عثمان رضي الله عنه مرفوعاً "من شهد العشاء فكأنما قام نصف ليلة ومن شهد الصبح فكأنما قال ليلة" وقال صلى الله عليه وسلم "من صلى صلاة في جماعة فقد ملأ نحره عبادة" وقال سعيد بن المسيب: ما أذن مؤذن منذ عشرين سنة إلا وأنا في المسجد. وقال محمد بن واسع: ما أشتهي من الدنيا إلا ثلاثة: أخاً إنه إن تعوجت قومني وقوتاً من الرزق عفواً من غير تبعة وصلاة في جماعة يرفع عني سهوها ويكتب لي فضلها. وروي أن أبا عبيدة بن الجراح أم قوماً مرة فلما انصرف قال: مازال الشيطان بي آنفاً حتى أريت أن لي فضلاً عن غيري لا أؤم أبداً. وقال الحسن: لا تصلوا خلف رجل لا يختلف إلى العلماء. وقال النخعي: مثل الذي يؤم الناس بغير علم مثل الذي يكيل الماء في البحر لا يدري زيادته من نقصانه؟ وقال حاتم الأصم: فاتتني الصلاة في الجماعة فعزاني أبو إسحق الباري وحده، ولو مات لي ولد لعزاني أكثر من عشر آلاف لأن مصيبة الدين أهون عند الناس من مصيبة الناس. وقال ابن عباس رضي الله عنهما من سمع المنادي فلم يجب لم يرد خيراً لم يرد به خير. وقال أبو هريرة رضي الله عنه: لأن تملأ أذن ابن آدم رصاصاً مذاباً خير له من أن يسمع النداء ثم لا يجيب. وروي أن ميمون بن مهران أتى المسجد فقيل له: إن الناس قد انصرفوا فقال "إنا لله وإنا إليه راجعون" لفضل هذه الصلاة أحب إلي من ولاية العراق. وقال صلى الله عليه وسلم "من صلى أربعين يوماً الصلوات في جماعة لا تفوته فيها تكبيرة الإحرام كتب الله له براءتين: براءة من النفاق وبراءة من النار" ويقال إنه إذا كان يوم القيامة يحشر قوم وجوههم كالكوكب الدري فتقول لهم الملائكة: ما كانت أعمالكم؟ فيقولون: كنا إذا سمعنا الأذان قمنا إلى الطهارة لا يشغلنا غيرها ثم تحشر طائفة وجوههم كالأقمار فيقولون بعد السؤال: كنا نتوضأ قبل الوقت ثم تحشر طائفة وجوههم كالشمس فيقولون: كنا نسمع الأذان في المسجد. وروي أن السلف كانوا يعزون أنفسهم ثلاثة أيام إذا فاتتهم التكبيرة الأولى ويعزون سبعاً إذا فاتتهم الجماعة.

فضيلة السجود

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "ما تقرب العبد إلى الله بشيء أفضل من سجود خفي" وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم "ما من مسلم يسجد لله سجدة إلا رفعه الله بها درجة وحط عنه بها سيئة" وروي "أن رجلاً قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم: ادع الله أن يجعلني من أهل شفاعتك وأن يرزقني مرافقتك في الجنة فقال صلى الله عليه وسلم أعني بكثرة السجود" وقيل "إن أقرب ما يكون العبد من الله تعالى أن يكون ساجداً" وهو معنى قوله عز وجل "واسجد واقترب" وقال عز وجل "سيماهم في وجوههم من أثر السجود" فقيل هو ما يلتصق بوجوههم من الأرض عند السجود وقيل هو نور الخشوع فإنه يشرق من الباطن على الظاهر، وهو الأصح وقيل هي الغرر التي تكون في وجوههم يوم القيامة من أثر الوضوء وقال صلى الله عليه وسلم "إذا قرأ ابن آدم السجدة فسجد اعتزل الشيطان يبكي ويقول يا ويلاه أمر هذا بالسجود فسجد فله الجنة وأمرت أنا بالسجود فعصيت فلي النار" ويروى عن علي بن عبد الله بن عباس أنه كان يسجد في كل يوم ألف سجدة وكانوا يسمونه السجاد. ويروى أن عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه كان لا يسجد إلا على التراب. وكان يوسف بن أسباط يقول: يا معشر الشباب بادروا بالصحة قبل المرض فما بقي أحد أحسده إلا رجل يتم ركوعه وسجوده وقد حيل بيني وبين ذلك. وقال سعيد بن جبير: ما آسى على شيء من الدنيا إلا على السجود. وقال عقبة بن مسلم: ما من خصلة في العبد أحب إلى الله عز وجل من رجل يحب لقاء الله عز وجل وما من ساعة العبد فيها أقرب إلى الله عز وجل منه حيث يخر ساجداً. وقال أبو هريرة رضي الله عنه: أقرب ما يكون العبد إلى الله عز وجل إذا سجد فأكثروا الدعاء عند ذلك.

فضيلة الخشوع

قال الله تعالى "وأقم الصلاة لذكري" وقال تعالى "ولا تكن من الغافلين" وقال عز وجل "لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى حتى تعلموا ما تقولون" قيل سكارى من كثرة الهم وقيل من حب الدنيا. وقال وهب: المراد به ظاهره ففيه تنبيه على سكر الدنيا إذ بين فيه العلة فقال "حتى تعلموا ما تقولون" وكم من مصل لم يشرب خمراً وهو لا يعلم ما يقول في صلاته. وقال النبي صلى الله عليه وسلم "من صلى ركعتين لم يحدث نفسه فيهما بشيء من الدنيا غفر له ما تقدم من ذنبه" وقال صلى الله عليه وسلم "إنما الصلاح تمسكن وتواضع وتضرع وتأوه وتنادم وتضع يديك فتقول اللهم اللهم فمن لم يفعل فهي خداج" وروي عن الله سبحانه في الكتب السالفة أنه قال "ليس كل مصل أتقبل صلاته إنما أقبل صلاة من تواضع لعظمتي ولم يتكبر على عبادي وأطعم الفقير الجائع لوجهي" وقال صلى الله عليه وسلم "إنما فرضت الصلاة وأمر بالحج والطواف وأشعرت المناسك لإقامة ذكر الله تعالى فإذا لم يكن في قلبك للمذكور الذي هو المقصود والمبتغى علظمة ولا هيبة فما قيمة ذكرك" وقال صلى الله عليه وسلم للذي أوصاه "وإذا صليت فصل صلاة مودع" أي مودع لنفسه مودع لهواه مودع لعمره سائر إلى مولاه كما قال عز وجل "يا أيها الإنسان إنك كادح إلى ربك كدحاً فملاقيه" وقال تعالى "واتقوا الله ويعلمكم الله" وقال تعالى "واتقوا الله واعلموا أنكم ملاقوه" وقال صلى الله عليه وسلم "من لم تنهه صلاته عن الفحشاء والمنكر لم يزدد من الله إلا بعداً" والصلاة مناجاة فكيف تكون مع الغفلة؟ وقال بكر بن عبد الله: يا ابن آدم إذا شئت أن تدخل على مولاك بغير إذن فتكلمه بلا ترجمان دخلت، قيل: وكيف ذلك؟ قال: تسبغ وضوءك وتدخل محرابك فإذا أنت قد دخلت على مولاك بغير إذن فتكلمه بغير ترجمان. وعن عائشة رضي الله عنها قالت "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحدثنا ونحدثه فإذا حضرت الصلاة فكأنه لم يعرفنا ولم نعرفه" اشتغالاً بعظمة الله عز وجل وقال صلى الله عليه وسلم "لا ينظر الله إلى صلاة لا يحضر الرجل فيها قلبه مع بدنه" وكان إبراهيم الخليل إذا قام إلى الصلاة يسمع وجيب قلبه على ميلين. وكان سعيد التنوخي إذا صلى لم تنقطع الدموع من خديه على لحيته "ورأى رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلاً يعبث بلحيته في الصلاة فقال لو خشع قلب هذا لخشعت جوارحه" ويروى أن الحسن نظر إلى رجل يعبث بالحصى ويقول "اللهم زوجني الحور العين" فقال؛ بئس الخاطب أنت تخطب الحور العين وأنت تعبث بالحصى. وقيل لخلف بن أيوب: ألا يؤذيك الذباب في صلاتك فتطردها قال: لا أعود نفسي شيئاً يفسد على صلاتي، قيل له: وكيف تصبر على ذلك؟ قال: بلغني أن الفساق يصبرون تحت أسواط السلطان ليقال فلان صبور ويفتخرون بذلك فأنا قائم بين يدي ربي أفأتحرك لذبابة؟ ويروى عن مسلم بن يسار أنه كان إذا أراد الصلاة قال لأهله: تحدثوا أنتم فإني لست أسمعكم. ويروى عنه أنه كان يصلي يوماً في جامع البصرة فسقطت ناحية من المسجد فاجتمع الناس لذلك فلم يشعر به حتى انصرف من الصلاة. وكان علي بن أبي طالب رضي الله عنه وكرم وجهه إذا حضر وقت الصلاة يتزلزل ويتلون وجهه فقيل له: ما لك يا أمير المؤمنين؟ فيقول جاء وقت أمانة عرضها الله على السموات والأرض والجبال فأبين أن يحملنها وأشفقن منها وحملتها. ويروى عن علي بن الحسين أنه كان إذا توضأ اصفر لونه فيقول له أهله: ما هذا الذي يعتريك عند الوضوء؟ فيقول: أتدرون بين يدي من أريد أن أقوم؟ ويروى عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال "قال داود صلى الله عليه وسلم في مناجاته: إلهي من يسكن بيتك وممن تتقبل الصلاة؟ فأوحى الله إليه: يا داود إنما يسكن بيتي وأقبل الصلاة منه من تواضع لعظمتي وقطع نهاره بذكري وكف نفسه عن الشهوات، من أجلي يطعم الجائع ويؤوي الغريب ويرحم المصاب فذلك الذي يضيء نوره في السموات كالشمس، إن دعاني لبيته وإن سألني أعطيته، أجعل له في الجهل حلماً وفي الغفلة ذكراً وفي الظلمة نوراً، وإنما مثله في الناس كالفردوس في أعلى الجنان لا تيبس أنهارها ولا تتغير ثمارها" ويروى عن حاتم الأصم رضي الله عنه أنه سئل عن صلاته فقال: إذا حانت الصلاة أسبغت الوضوء وأتيت الموضع الذي أريد الصلاة فيه فأقعد فيه حتى تجتمع جوارحي، ثم أقوم إلى صلاتي وأجعل الكعبة بين حاجبي والصراط تحت قدمي والجنة عن يميني والنار عن شمالي وملك الموت ورائي أظنها آخر صلاتي "ثم أقوم بين الرجاء والخوف وأكبر تكبيراً بتحقيق وأقرأ قراءة بترتيل وأركع ركوعاً بتواضع وأسجد سجوداً بتخشع وأقعد على الورك الأيسر وأفرش ظهر قدمها وأنصب القدم اليمنى على الإبهام وأتبعها الإخلاص، ثم لا أدري أقبلت مني أم لا؟ وقال ابن عباس رضي الله عنهما: ركعتان مقتصدتان في تفكر خير من قيام ليلة والقلب ساه.دمي والجنة عن يميني والنار عن شمالي وملك الموت ورائي أظنها آخر صلاتي "ثم أقوم بين الرجاء والخوف وأكبر تكبيراً بتحقيق وأقرأ قراءة بترتيل وأركع ركوعاً بتواضع وأسجد سجوداً بتخشع وأقعد على الورك الأيسر وأفرش ظهر قدمها وأنصب القدم اليمنى على الإبهام وأتبعها الإخلاص، ثم لا أدري أقبلت مني أم لا؟ وقال ابن عباس رضي الله عنهما: ركعتان مقتصدتان في تفكر خير من قيام ليلة والقلب ساه.

فضيلة المسجد وموضع الصلاة

قال الله عز وجل "إنما يعمر مساجد الله من آمن بالله واليوم الآخر" وقال صلى الله عليه وسلم "من بنى لله مسجداً ولو كمفحص قطاة بنى الله له قصراً في الجنة" وقال صلى الله عليه وسلم "من ألف المسجد ألفه الله تعالى" وقال صلى الله عليه وسلم "إذا دخل أحدكم المسجد فليركع ركعتين قبل أن يجلس" وقال صلى الله عليه وسلم "لا صلاة لجار المسجد إلا في المسجد" وقال صلى الله عليه وسلم "الملائكة تصلي على أحدكم ما دام في مصلاه الذي يصلي فيه تقول: اللهم صل عليه اللهم ارحمه اللهم اغفر له ما لم يحدث أو يخرج من المسجد" وقال صلى الله عليه وسلم "يأتي في آخر الزمان ناس من أمتي يأتون المساجد فيقعدون فيها حلقاً حلقاً ذكرهم الدنيا وحب الدنيا لا تجالسوهم فليس لله بهم حاجة" وقال صلى الله عليه وسلم "قال الله عز وجل في بعض الكتب إن بيوتي في أرضي المساجد وإن زواري فيها عمارها فطوبى لعبد تطهر في بيته ثم زارني في بيتي فحق على المزور أن يكرم زائره" وقال صلى الله عليه وسلم "إذا رأيتم الرجل يعتاد المسجد فاشهدوا له بالإيمان" وقال سعيد بن المسيب من جلس في المسجد فإنما يجالس ربه فما حقه أن يقول إلا خيراً. ويرى في الأثر أو الخبر "الحديث في المسجد يأكل الحسنات كما تأكل البهائم الحشيش" وقال النخعي: كانوا يرون أن المشي في الليلة المظلمة إلى المسجد موجب للجنة: وقال أنس بن مالك: من أسرج في المسجد سراجاً لم تزل الملائكة وحملة العرش يستغفرون له مادام في ذلك المسجد ضوءه. وقال علي كرم الله وجهه: إذا مات العبد يبكي عليه مصلاه من الأرض ومصعد عمله من السماء، ثم قرأ "فما بكت عليهم السماء والأرض وما كانوا منظرين" وقال ابن عباس: تبكي عليه الأرض أربعين صباحاً. وقال عطاء الخراساني: ما من عبد يسجد لله سجدة في بقعة يذكر الله تعالى عليها بصلاة أو ذكر إلا افتخرت على ما حولها من البقاع واستبشرت بذكر الله عز وجل إلى منتهاها من سبع أرضين وما من عبد يقوم يصلي إلا تزخرفت له الأرض. ويقال: ما من منزل ينزل فيه قوم إلا أصبح ذلك المنزل يصلي عليهم أو يلعنهم.

[saa]يتبع بإذن الرحمن[/saa]

_________________

يا خير من دفنت في التراب أعظمه فطاب من طيبهن القاع الأكم
نفسي الفداء لقبر أنت ساكنه فيه العفاف وفيه الجود والكرم
أنت الشفيع الذي ترجى شفاعته عند الصراط إذا ما زلّت القدم


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة:
مشاركة غير مقروءةمرسل: الخميس أغسطس 18, 2005 4:44 pm 
غير متصل

اشترك في: السبت فبراير 21, 2004 10:56 pm
مشاركات: 1245
مكان: يا رب مع الحبيب و آله صلى الله عليه و آله وصحبه وسلم
[align=center]الباب الثاني
في كيفية الأعمال الظاهرة
ومن الصلاة والبداءة بالتكبير وما قبله
[/align]


ينبغي للمصلي إذا فرغ من الوضوء والطهارة من الخبث في البدن والمكان والثياب وستر العورة من السرة إلى الركبة أن ينتصب قائماً متوجهاً إلى القبلة ويزواج بين قدميه ولايضمهما فإن ذلك مما كان يستدل به على فقه الرجل وقد "نهى صلى الله عليه وسلم عن الصفن والصفد في الصلاة" والصفد هو اقتران القدمين معاً ومنه قوله تعالى "مقرنين في الأصفاد" والصفن هو رفع إحدى الرجلين ومنه قوله عز وجل "الصافنات الجياد" هذا ما يراعيه في رجليه عند القيام ويراعى في ركبتيه ومعقد نطاقه الانتصاب، وأما رأسه إن شاء تركه على استواء القيام وإن شاء أطرق والإطراق أقرب للخشوع وأغض للبصر وليكن بصره محصوراً على مصلاه الذي تصلي عليه، فإن لم يكن له مصلى فليقرب من جدار الحائط أو ليخط خطاً، فإن ذلك يقصر مسافة البصر ويمنع تفوق الفكر وليحجر على بصره أن يجاوز أطراف المصلى وحدود الخط؟ وليدم على هذا القيام كذلك إلى الركوع من غير التفات. هذا أدب القيام فإذا استوى قيامه واستقباله وإطراقه كذلك فليقرأ "قل أعوذ برب الناس" تحصناً به من الشيطان، ثم ليأت بالإقامة وإن كان يرجو حضور من يقتدي به فليؤذن أولاً ثم ليحضر النية وهو أن ينوي في الظهر مثلاً ويقول بقلبه: أؤدي فريضة الظهر لله، ليميزها بقوله أؤدى: عن القضاء وبالفريضة عن النفل، وبالظهر عن العصر وغيره، ولتكن معاني هذه الألفاظ حاضرة في قلبه فإنه هو النية، والألفاظ مذكرات وأسباب لحضورها. ويجتهد أن يستديم ذلك إلى آخر التكبير حتى لا يعزب فإذا حضر في قلبه ذلك فليرفع يديه إلى حذو منكبيه بعد إرسالهما بحيث يحاذي بكفيه منكبيه وبإبهاميه إلى القبلة ويبسط الأصابع ولا يقبضها، ولا يتكلف فيها تفريجاً ولا ضماً بل يتركها على مقتضى طبعها، إذ نقل في الأثر النشر والضم وهذا بينهما فهو أولى "وإذا استقرت اليدان في مقرهما ابتدأ التكبير مع إرسالهما وإحضار النية، ثم يضع اليدين على ما فوق السرة وتحت الصدر ويضع اليمنى على اليسى إكراماً لليمنى بأن تكون محمولة، وينشر المسبحة والوسطى من اليمنى على طول الساعد ويقبض بالإبهام والخنصر والبنصر على كوع اليسرى، وقد روي أن التكبير مع رفع اليدين ومع استقرارهما ومع الإرسال فكل ذلك لا حرج فيه وأراه بالإرسال أليق فإنه كلمة العقد، ووضع إحدى اليدين على الأخرى في صورة العقد ومبدؤه الإرسال وآخره الوضع. ومبدأ التكبير الألف وآخره الراء فيليق مراعاة التطابق بين الفعل والعقد، وأما رفع اليد فكالمقدمة لهذه البداية. ثم لا ينبغي أن يرفع يديه إلى قدام رفعاً عند التكبير ولا يردهما إلى خلف منكبيه ولا ينفضهما عن يمين وشمال نفضاً إذا فرغ من التكبير ويرسلهما إرسالاً خفيفاً رفيقاً ويستأنف وضع اليمين على الشمال بعد الإرسال، وفي بعض الروايات أنه صلى الله عليه وسلم "كان إذا كبر أرسل يديه وإذا أراد أن يقرأ وضع اليمنى على اليسرى" فإن صح هذا فهو أولى مما ذكرناه. وأما التكبير فينبغي أن يضم الهاء من قوله "الله" ضمة خفيفة من غير مبالغة ولا يدخل بين الهاء والألف شبه الواو، وذلك ينساق إليه بالمبالغة: ولا يدخل بين باء أكبر ورائه ألفاً، كأنه يقول "أكبار" ويجزم راء التكبير ولا يضمها فهذه هيئة التكبير وما معه.

[align=center]القراءة [/align]

ثم يبتدىء بدعاء الاستفتاح وحسن أن يقول عقب قوله الله أكبر "الله أكبر كبيراً والحمد لله كثيراً وسبحان الله بكرة وأصيلاً وجهت وجهي - إلى قوله - وأنا من المسلمين" ثم يقول "سبحانك اللهم وبحمدك وتبارك اسمك وتعالى جدك وجل ثناؤك ولا إله غيرك" ليكون جامعاً بين متفرقات ما ورد في الأخبار. وإن كان خلف الإمام اختصر إن لم يكن للإمام سكتة طويلة يقرأ فيها ثم يقول "أعوذ بالله من الشيطان الرجيم" ثم يقرأ الفاتحة يبتدىء فيها ب "بسم الله الرحمن الرحيم" بتمام تشديداتها وحروفها ويجتهد في الفرق بين الضاد والظاء ويقول "آمين" في آخر الفاتحة ويمدها مداً، ولا يصل "آمين" بقوله "ولا الضالين" وصلا. ويجهر بالقراءة في الصبح والمغرب والعشاء إلا أن يكون مأموماً، ويجهر بالتأمين. ثم يقرأ السورة أو قدر ثلاث آيات من القرآن فما فوقها، ولا يصل آخر السورة بتكبير الهوى بأن يفصل بينهما بقدر قوله "سبحان الله" ويقرأ في الصبح من السور الطوال من المفصل وفي المغرب من قصاره، وفي الظهر والعصر والعشاء نحو "والسماء ذات البروج" وما قاربها. وفي الصبح في السفر "قل يا أيها الكافرون وقل هو الله أحد" وكذلك في ركعتي الفجر والطواف والتحية وهو في جميع ذلك مستديم للقيام ووضع اليدين كما وصفنا في أول الصلاة.

[align=center]الركوع ولواحقه[/align]

ثم يركع ويراعى فيه أموراً وهو أن يكبر للركوع وأن يرفع يديه مع تكبيرة الركوع وأن يمد التكبير مداً إلى الانتهاء إلى الركوع وأن يضع راحتيه على ركبتيه في الركوع وأصابعه منشورة موجهة نحو القبلة على طول الساق وأن ينصب ركبتيه ولا يثنيهما وأن يمد ظهره مستوياً وأن يكون عنقه ورأسه مستويين مع ظهره كالصفيحة الواحدة لا يكون رأسه أخفض ولا أرفع وأن يجافي مرفقيه عن جنبيه. وتضم المرأة مرفقيها إلى جنبيها. وأن يقول "سبحان ربي العظيم" ثلاثاً والزيادة إلى السبعة وإلى العشرة حسن، إن لم يكن إماماً، ثم يرتفع من الركوع إلى القيام ويرفع يديه ويقول "سمع الله لمن حمده" ويطمئن في الاعتدال ويقول "ربنا لك الحمد ملء السموات وملء الأرض وملء ما شئت من شيء بعد" ولا يطول هذا القيام إلا في صلاة التسبيح والكسوف والصبح. ويقنت في الصبح في الركعة الثانية بالكلمات المأثورة قبل السجود.

[align=center]السجود[/align]

ثم يهوي إلى السجود مكبراً فيضع ركبتيه على الأرض ويضع جبهته وأنفه وكفيه مكشوفة ويكبر عند الهوي ولا يرفع يديه في غير الركوع، وينبغي أن يكون أول ما يقع منه على الأرض ركبتاه وأن يضع بعدهما يديه ثم يضع بعدهما وجهه وأن يضع جبهته وأنفه على الأرض وأن يجافي مرفقيه عن جنبيه: ولا تفعل المرأة ذلك. وأن يفرج بين رجليه. ولا تفعل المرأة ذلك. وأن يكون في سجوده مخوياً على الأرض. ولا تكون المرأة مخوية. والتخوية: رفع البطن عن الفخذين والتفريج بين الركبتين. وأن يضع يديه على الأرض حذاء منكبيه ولا يفرح بين أصاعهما بل يضمهما ويضم الإبهام إليهما، وإن لم يضم الإبهام فلابأس، ولا يفترش ذراعيه على الأرض كما يفترش الكلب فإنه منهي عنه. وأن يقول "سبحان ربي الأعلى" ثلاثاً فإن زاد فحسن إلا أن يكون إماماً. ثم يرفع من السجود فيطمئن جالساً معتدلاً فيرفع رأسه مكبراً ويجلس على رجله اليسرى وينصب قدمه اليمنى ويضع يديه على فخذيه والأصابع منشورة ولا يتكلف ضمها ولا تفريجها. ويقول "رب اغفر لي وارحمني وارزقني وأهدني واجبرني وعافني واعف عني" ولا يطول هذه الجلسة إلا في سجود التسبيح. ويأتي بالسجدة الثانية كذلك ويستوي منها جالساً جلسة خفيفة للاستراحة في كل ركعة لا تشهد عقيبها. ثم يقوم فيضع اليد على الأرض ولا يقدم إحدى رجليه في حال الارتفاع ويمد التكبير حتى يستغرق ما بين وسط ارتفاعه من القعود إلى وسط ارتفاعه إلى القيام. بحيث تكون الهاء من قوله "الله" عند استوائه جالساً؛ وكاف "أكبر" عند اعتماده على اليد للقيام، وراء "أكبر" في وسط ارتفاعه إلى القيام ويبتدىء في وسط ارتفاعه إلى القيام حتى يقع التكبير في وسط انتقاله ولا يخلو عنه إلا طرفاه وهو أقرب إلى التعميم. ويصلي الركعة الثانية كالأولى ويعيد التعوذ كالابتداء.

[align=center]التشهد[/align]

ثم يتشهد في الركعة الثانية التشهد الأول. ثم يصلي على رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى آله ويضع يده اليمنى على فخذه اليمنى ويقبض أصابعه اليمنى إلا المسبحة، ولابأس بإرسال الإبهام أيضاً، ويشر بمسبحة يمناه وحدها عند قوله "إلا الله" لا عند قوله "لا إله" ويجلس في هذا التشهد على رجله اليسرى كما بين السجدتين. وفي التشهد الأخير يستكمل الدعاء المأثور بعد الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم وسننه كسنن التشهد الأول لكن يجلس في الأخير على وركه الأيسر، لأنه ليس مستوفزاً للقيام بل هو مستقر، ويضجع رجله اليسرى خارجة من تحته وينصب اليمنى ويضع رأس الإبهام إلى جهة القبلة إن لم يشق عليه. ثم يقول "السلام عليكم ورحمة الله" ويلتفت يميناً بحيث يرى خده الأيمن من وراءه من الجانب اليمين ويلتفت شمالاً كذلك. ويسلم تسليمة ثانية وينوي الخروج من الصلاة بالسلام وينوي بالسلام من على يمينه الملائكة والمسلمين في الأولى، وينوي مثل ذلك في الثانية. ويجزم التسليم ولا يمده مداً فهو السنة. وهذه هيئة صلاة المنفرد، ويرفع صوته بالتكبيرات ولا يرفع صوته إلا بقدر ما يسمع نفسه. وينوي الإمام الإمامة لينال الفضل فإن لم ينو صحت صلاة القوم إذا نووا الاقتداء ونالوا فضل الجماعة، ويسر بدعاء الاستفتاح والتعوذ كالمنفرد، ويجهر بالفاتحة والسورة في جميع الصبح وأولي العشاء والمغرب. وكذلك المنفرد. ويجهر بقوله "آمين" في الصلاة الجهرية وكذلك المأموم. ويقرن المأموم تأمينه بتأمين الإمام معاً لا تعقيباً. ويسكت الإمام سكتة عقيب الفاتحة ليثوب إليه نفسه ويقرأ المأموم الفاتحة في الجهرية في هذه السكتة ليتمكن من الاستماع عند قراءة الإمام. ولا يقرأ المأموم السور في الجهرية إلا إذا لم يسمع صوت الإمام. ويقول الإمام "سمع الله لمن حمده" عند رفع رأسه من الركوع وكذا المأموم. ولا يزيد الإمام على الثلاث في تسبيحات الركوع والسجود، ولا يزيد في التشهد الأول بعد قوله "اللهم صل على محمد وعلى آل محمد" ويقتصر في الركعتين الأخيرتين على الفاتحة ولا يطول على القوم ولا يزيد على دعائه في التشهد الأخير على قدر التشهد والصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم. وينوي عند السلام: السلام على القوم والملائكة. وينوي القوم بتسليمهم جوابه ويثبت الإمام ساعة حتى يفرغ الناس من السلام ويقبل على الناس بوجهه. والأولى أن يثبت إن كان خلف الرجال نساء لينصرفن قبلهن ولا يقوم واحد من القوم حتى يقوم. وينصرف الإمام حيث يشاء عن يمينه وشماله واليمين أحب إلي. ولا يخص الإمام نفسه بالدعاء في قنوت الصبح بل يقول "اللهم اهدنا" ويجهر به ويؤمن القوم ويرفعون أيديهم حذاء الصدور، ويمسح لوجه عند ختم الدعاء. لحديث نقل فيه، وإلا فالقياس أن لا يرفع اليد كما في آخر التشهد.

[align=center]المنهيات[/align]

نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الصفن في الصلاة والصفد وقد ذكرناهما وعن الإقعاء وعن السدل والكفت وعن الاختصار وعن الصلب وعن المواصلة وعن صلاة الحاقن والحاقب والحازق وعن صلاة الجائع والغضبان والمتلثم وهو ستر الوجه. أما الإقعاء: فهو عند أهل اللغة أن يجلس على وركيه وينصب ركبتيه ويجعل يديه على الأرض كالكلب. وعند أهل الحديث أن يجلس على ساقيه جاثياً وليس على الأرض منه إلا رءوس أصابع الرجلين والركبتين. وأما السدل: فمذهب أهل الحديث فيه أن يلتحف بثوبه ويدخل يديه من داخل فيركع ويسجد كذلك. وكان هذا فعل اليهود في صلاتهم فنهوا عن التشبه بهم. والقميص في معناه فلا ينبغي أن يركع ويسجد ويداه في بدن القميص. وقيل معناه أن يضع وسط الإزار على رأسه ويرسل طرفيه عن يمينه وشماله من غير أن يجعلهما على كتفيه. والأول أقرب. وأما الكف فهو أن يرفع ثيابه من بين يديه أو من خلفه إذا أراد السجود. وقد يكون الكف في شعر الرأس فلا يصلين وهو عاقص شعره والنهى للرجال. وفي الحديث "أمرت أن أسجد على سبعة أعضاء ولا أكفت شعراً ولا ثواباً" وكره أحمد بن حنبل رضي الله عنه أن يأتزر فوق القميص في الصلاة ورآه من الكفت، وأما الاختصار: فأن يضع يديه على خاصرتيه. وأما الصلب فأن يضع يديه على خاصرتيه في القيام ويجافي بين عضديه في القيام. وأما المواصلة: فهي خمسة؛ اثنان على الإمام أن لا يصل قراءته بتكبيرة الإحرام ولا ركوعه بقراءته واثنان على المأموم أن لا يصل تكبيرة الإحرام بتكبيرة الإمام ولا تسليمه بتسليمه، وواحدة بينهما أن لا يصل تسليمة الفرض بالتسليمة الثانية وليفصل بينهما وأما الحاقن: فمن البول، والحاقب: من الغائط. والحازق: صاحب الخف الضيق. فإن كل ذلك يمنع من الخشوع. وفي معاه الجائع والمهتم. وفهم نهي الجائع من قوله صلى الله عليه وسلم "إذا حضر العشاء وأقيمت الصلاة فابدءوا بالعشاء إلا أن يضيق الوقت أو يكون ساكن القلب" وفي الخبر "لا يدخلن أحدكم الصلاة وهو مقطب ولا يصلين أحدكم وهو غضبان" وقال الحسن: كل صلاة لا يحضر فيها القلب فهي إلى العقوبة أسرع. وفي الحديث "سبعة أشياء في الصلاة من الشيطان: الرعاف والنعاس والوسوسة والتثاؤب والحكام والالتفات والعبث بالشيء" وزاد بعضهم "السهو والشك" وقال بعض السلف: أربعة في الصلاة من الجفاء - الالتفات ومسح الوجه وتسوية الحصى وأن تصلي بطريق من يمر بين يديك "ونهى أيضاً عن أن يشبك أصابعه أو يفرقع أصابعه أو يستر وجهه أو يضع إحدى كفيه على الأخرى يدخلهما بين فخذيه في الركوع" وقال بعض الصحابة رضي الله عنهم: كنا نفعل ذلك فنهينا عنه. ويكره أيضاً أن ينفخ في الأرض عند السجود للتنظيف وأن يسوي الحصى بيده فإنها أفعال مستغنى عنها ولا يرفع إحدى قدميه فيضها على فخذه ولا يستند في قيامه إلى حائط فإن استند بحيث لوسل ذلك الحائط لسقط فالأظهر بطلان صلاته والله أعلم.

[align=center]تمييز الفرائض والسنن[/align]


جملة ما ذكر يشتمل على فرائض وسنن وآداب وهيئات مما ينبغي لمريد طريق الآخرة أن يراعي جميعها. فالفرض من جملتها اثنتا عشرة خصلة: النية والتكبير والقيام والفاتحة، والانحناء في الركوع إلى أن تنال راحتاه ركبتيه مع الطمأنينة والاعتدال عنه قائماً، والسجود مع الطمأنينة ولا يجب وضع اليدين والاعتدال عنه قاعداً، والجلوس للتشهد الأخير والتشهد الأخير والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، والسلام الأول. فأمانية الخروج فلا تجب وما عدا هذا فليس بواجب بل هي سنن وهيئات فيها وفي الفرائض: أما السنن فمن الأفعال أربعة: رفع اليدين في تكبيرة الإحرام وعند الهوي إلى الركوع وعند الارتفاع إلى القيام، والجلسة للتشهد الأول. فأما ما ذكرناه من كيفية نشر الأصابع وحد رفعها فهي هيئات تابعة لهذه السنة، والتورك والافتراش هيئات تابعة للجلسة والإطراق وترك الالتفات هيئات للقيام وتحسين صورته، وجلسة الاستراحة لم نعدها من أصول السنة في الأفعال لأنها كالتحسين لهيئة الارتفاع من السجود إلى القيام لأنها ليست مقصودة في نفسها ولذلك لم تفرد بذكر. وأما السنن من الأذكار فدعاء الاستفتاح ثم التعوذ ثم قوله "آمين" فإنه سنة مؤكدة ثم قراءة السورة ثم تكبيرات الانتقالات، ثم الذكر في الركوع والسجود والاعتدال عنهما، ثم التشهد الأول والصلاة فيه على النبي صلى الله عليه وسلم، ثم الدعاء في آخر التشهد الأخير، ثم التسليمة الثانية وإن جمعناها في اسم السنة فلها درجات متفاوتة إذ تجبر أربعة منها بسجود السهو. وأما من الأفعال فواحدة: وهي الجلسة الأولى للتشهد الأول فإنها مؤثرة في ترتيب نظم الصلاة في أعين الناظرين حتى يعرف بها أنها رباعية أم لا؟ بخلاف رفع اليدين فإنه لا يؤثر في تغيير النظم فعبر عن ذلك بالبعض. وقيل الأبعاض تجبر بالسجود: وأما الأذكار فكلها لا تقتضي سجود السهو إلا ثلاثة: القنوت والتشهد الأول والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم فيه، بخلاف تكبيرات الانتقالات وأذكار الركوع والسجود والاعتدال عنهما، لأن الركوع والسجود في صورتهما مخالفان للعادة ويحصل بهما معنى العبادة مع السكوت عن الأذكار وعن تكبيرات الانتقالات فعدم تلك الأذكار لا تغير صورة العبادة. وأما الجلسة للتشهد الأول ففعل معتاد وما زيدت إلا للتشهد فتركها ظاهر التأثير. وأما دعاء الاستفتاح والسورة فتركهما لا يؤثر مع أن القيام صار معموراً بالفاتحة ومميزاً عن العادة بها، وكذلك الدعاء في التشهد الأخير والقنوت أبعد ما يجبر بالسجود ولكن شرع مد الاعتدال في الصبح لأجله فكان كمد جلسة الاستراحة إذ صارت بالمد مع التشهد جلسة للتشهد الأول. فبقي هذا قياماً ممدوداً معتاداً ليس فيه ذكر واجب وفي الممدود احتراز عن غير الصبح وفي خلوه عن ذكر واجب احتراز عن أصل القيام في الصلاة. فإن قلت: تمييز السنن عن الفرائض معقول إذ تفوت الصحة بفوت الفرض دون السنة ويتوجه العقاب به دونها فأما تمييز سنة عن سنة والكل مأمور به على سبيل الاستحباب ولا عقاب في ترك الكل والثواب موجود على الكل فما معناه؟ فاعلم أن اشتراكهما في الثواب والعقاب والاستحباب لا يرفع تفاوتهما، ولنكشف ذلك لك بمثال: وهو أن الإنسان لا يكون إنساناً موجوداً كاملاً إلا بمعنى باطن وأعضاء ظاهرة، فالمعنى الباطن هو الحياة والروح، والظاهر أجسام أعضائه. ثم بعض تلك الأعضاء ينعدم الإنسان بعدمها كالقلب والكبد والدماغ، وكل عضو تفوت الحياة بفواته، وبعضها لا تفوت بها الحياة ولكن يفوت بها مقاصد الحياة كالعين واليد والرجل واللسان، وبعضها لا يفوت بها أصل الجمال ولكن كماله كاستقواس الحاجبين وسواد شعر اللحية والأهداب وتناسب خلقة الأعضاء وامتزاج الحمرة بالبياض في اللون فهذه درجات متفاوتة؛ فكذلك العبادة صورة صورها الشرع وتعبدنا باكتسابها فروحها وحياتها الباطنة الخشوع والنية وحضور القلب والإخلاص - كما سيأتي - ونحن الآن في أجزائها الظاهرة فالركوع والسجود والقيام وسائر الأركان تجري منها مجرى القلب والرأس والكبد إذ يفوت وجود الصلاة بفواتها. والسنن التي ذكرناها من رفع اليدين ودعاء الاستفتاح والتشهد الأول تجري منها مجرى اليدين والعينين والرجلين ولا تفوت الصحة بفواتها كما لا تفوت الحياة بفوات هذه الأعضاء ولكن يصير الشخص بسبب فواتها مشوه الخلقة مذموماً غير مرغوب فيه، فكذلك من اقتصر على أقل ما يجزي من الصلاة كان كمن أهدى إلى ملك من الملوك عبداً حياً مقطوع الأطراف. وأما الهيئات وهي ما وراء السنن فتجري مجرى أسباب الحسن من الحاجبين واللحية والأهداب وحسن اللون، وأما وظائف الأذكار في تلك السنن فهي مكملات للحسن كاستقواس الحاجبين واستدارة اللحية وغيرهما. فالصلاة عندك قربة وتحفة تتقرب بها إلى حضرة ملك الملوك كوصيفة يهيدها طالب القربة من السلاطين إليهم وهذه التحفة تعرض على الله عز وجل. ثم ترد عليك يوم العرض الأكبر فإليك الخيرة في تحسين صورتها وتقبيحها. فإن أحسنت فلنفسك وإن أسأت فعليها. ولا ينبغي أن يكون حظك من ممارسة الفقه أن يتميز لك السنة عن الفرض فلا يعلق بفهمك من أوصاف السنة إلا أنه يجوز تركها فتتركها فإن ذلك يضاهي قول الطبيب: إن فقء العين لا يبطل وجود الإنسان ولكن يخرجه عن أن يصدق رجاء المتقرب في قبول السلطان إذا أخرجه في معرض الهدية - فهكذا ينبغي أن تفهم مراتب السنن والهيئات والآداب، فكل صلاة لم يتم الإنسان ركوعها وسجودها فهي الخصم الأول على صاحبها تقول: ضيعك الله كما ضيعتني. فطالع الأخبار التي أوردناها في كمال أركان الصلاة ليظهر لك وقعها. مذموماً غير مرغوب فيه، فكذلك من اقتصر على أقل ما يجزي من الصلاة كان كمن أهدى إلى ملك من الملوك عبداً حياً مقطوع الأطراف. وأما الهيئات وهي ما وراء السنن فتجري مجرى أسباب الحسن من الحاجبين واللحية والأهداب وحسن اللون، وأما وظائف الأذكار في تلك السنن فهي مكملات للحسن كاستقواس الحاجبين واستدارة اللحية وغيرهما. فالصلاة عندك قربة وتحفة تتقرب بها إلى حضرة ملك الملوك كوصيفة يهيدها طالب القربة من السلاطين إليهم وهذه التحفة تعرض على الله عز وجل. ثم ترد عليك يوم العرض الأكبر فإليك الخيرة في تحسين صورتها وتقبيحها. فإن أحسنت فلنفسك وإن أسأت فعليها. ولا ينبغي أن يكون حظك من ممارسة الفقه أن يتميز لك السنة عن الفرض فلا يعلق بفهمك من أوصاف السنة إلا أنه يجوز تركها فتتركها فإن ذلك يضاهي قول الطبيب: إن فقء العين لا يبطل وجود الإنسان ولكن يخرجه عن أن يصدق رجاء المتقرب في قبول السلطان إذا أخرجه في معرض الهدية - فهكذا ينبغي أن تفهم مراتب السنن والهيئات والآداب، فكل صلاة لم يتم الإنسان ركوعها وسجودها فهي الخصم الأول على صاحبها تقول: ضيعك الله كما ضيعتني. فطالع الأخبار التي أوردناها في كمال أركان الصلاة ليظهر لك وقعها.

[saa]يتبع بإذن الله[/saa]

_________________

يا خير من دفنت في التراب أعظمه فطاب من طيبهن القاع الأكم
نفسي الفداء لقبر أنت ساكنه فيه العفاف وفيه الجود والكرم
أنت الشفيع الذي ترجى شفاعته عند الصراط إذا ما زلّت القدم


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة:
مشاركة غير مقروءةمرسل: الأحد أغسطس 21, 2005 3:25 pm 
غير متصل

اشترك في: السبت فبراير 21, 2004 10:56 pm
مشاركات: 1245
مكان: يا رب مع الحبيب و آله صلى الله عليه و آله وصحبه وسلم
[align=center]الباب الثالث
في الشروط الباطنة من أعمال القلب
ولنذكر في هذا الباب ارتباط الصلاة بالخشوع وحضور القلب. ثم نذكر المعاني الباطنة وحدودها وأسبابها وعلاجها. ثم لنذكر تفصيل ما ينبغي أن يحضر في كل ركن من أركان الصلاة لتكون صالحة لزاد الآخرة.[/align]


[align=center]بيان اشتراط الخشوع وحضور القلب[/align]


اعلم أن أدلة ذلك كثيرة فمن ذلك قوله تعالى "أقم الصلاة لذكري" وظاهر الأمر الوجوب، والغفلة عن تضاد الذكر فمن غفل في جميع صلاته كيف يكون مقيماً للصلاة لذكره؟ وقوله تعالى "ولا تكن من الغافلين" نهي وظاهره التحريم وقوله عز وجل "حتى تعلموا ما تقولون" تعليل لنهي السكران وهو مطرد في الغافل المستغرق الهم بالوسواس وأفكار الدنيا وقوله صلى الله عليه وسلم "إنما الصلاة تمسكن وتواضع" حصر بالألف واللام وكلمة "إنما" للتحقيق والتوكيد، وقد فهم الفقهاء من قوله عليه السلام "إنما الشفعة فيما لم يقصر" الحصر والإثبات والنفي، وقوله صلى الله عليه وسلم "من لم تنهه صلاته عن الفحشاء والمنكر لم يزدد من الله إلا بعداً" وصلاة الغافل لا تمنع من الفحشاء والمنكر، وقال صلى الله عليه وسلم "ليس للعبد من صلاته إلا ما عقل منها" والتحقيق فيه أن المصلي مناج ربه عز وجل" كما ورد به الخبر والكلام مع الغفلة ليس بمناجاة ألبتة، وبيانه أن الزكاة إن غفل الإنسان عنها مثلاً فهي في نفسها مخالفة للشهوة شديدة على النفس، وكذا الصوم قاهر للقوى كاسر لسطوة الهوى الذي هو آلة للشيطان عدو الله، فلا يبعد أن يحصل منها مقصود مع الغفلة، وكذلك الحج أفعاله شاقة شديدة وفيه من المجاهدة ما يحصل به الإيلام كان القلب حاضراً مع أفعاله أو لم يكن؟ أما الصلاة فليس فيها إلا ذكر وقراءة وركوع وسجود وقيام وقعود، فأما الذكر فإنه مجاورة ومناجاة مع الله عز وجل فأما أن يكون المقصود مه كونه خطاباً ومحاورة أو المقصود منه الحروف والأصوات إمتحاناً للسان بالعلم كما تمتحن المعدة والفرج بالإمساك في الصوم، وكما يمتحن البدن بمشاق الحج، ويمتحن بمشقة إخراج الزكاة واقتطاع المال المعشوق. ولاشك أن هذا القسم باطل فإن تحريك اللسان بالهذيان ما أخفه على الغافل فليس فيه امتحان من حيث أنه عمل بل المقصود الحروف من حيث أنه نطق، ولا يكون نطقاً إلا إذا أعرب عما في الضمير ولا يكون معرباً إلا بحضور القلب، فأي سؤال في قوله "إهدنا الصراط المستقيم" إذا كان القلب غافلاً؟ وإذا لم يقصد كونه تضرعاً ودعاء فأي مشقة في تحريك اللسان به مع الغفلة لاسيما بعد الاعتياد؟ هذا حكم الأذكار بل أقول لو حلف الإنسان وقال: لأشكرن فلاناً وأثنى عليه وأسأله حاجة؛ ثم جرت الألفاظ الدالة على هذه المعاني على لسانه في النوم لم يبر في يمينه، ولو جرت على لسانه في ظلمة وذلك الإنسان حاضر وهو لا يعرف حضوره ولا يراه لا يصير باراً في يمينه إذ لا يكون كلامه خطاباً ونطقاً معه ما لم يكن هو حاضراً في قلبه، فلو كانت تجري هذه الكلمات على لسانه وهو حاضر إلا أنه في بياض النهار غافل لكونه مستغرق الهم بفكر من الأفكار ولم يكن له قصد توجيه الخطاب إليه عند نطقه لم يصر باراً في يمينه. ولاشك أن المقصود من القراءة والأذكار الحمد والثناء والتضرع والدعاء، والمخاطب هو الله عز وجل وقلبه بحجاب الغفلة محجوب عنه فلا يراه ولا يشاهده بل هو غافل عن المخاطب ولسانه يتحرك بحكم العادة فما أبعد هذا عن المقصود بالصلاة التي شرعت لتصقيل القلب وتجديد ذكر الله عز وجل ورسوخ عقد الإيمان به! هذا حكم القراءة والذكر. وبالجملة فهذه الخاصية لا سبيل إلى إنكارها في النطق وتمييزها عن الفعل. وأما الركوع والسجود فالمقصود بهما التعظيم قطعاً ولو جاز أن يكون معظماً لله عز وجل بفعله وهو غافل عنه لجاز أن يكون معظماً لصنم موضوع بين يديه وهو غافل عنه، أو يكون معظماً للحائط الذي بين يديه وهو غافل عنه، وإذا خرج عن كونه تعظيماً لم يبق إلا مجرد حركة الظهر والرأس وليس فيه من المشقة ما يقصد الامتحان به، ثم يجعله عماد الدين والفاصل بين الكفر والإسلام ويقدم على الحج وسائر العبادات ويجب القتل بسبب تركه على الخصوص، وما أرى أن هذه العظمة كلها للصلاة من حيث أعمالها الظاهرة إلا أن يضاف إليها مقصود المناجاة فإن ذلك يتقدم على الصوم والزكاة والحج وغيره بل الضحايا والقرابين التي هي مجاهدة للنفس بتنقيص المال قال الله تعالى "لن ينال الله لحومها ولا دماؤها ولكن يناله التقوى منكم" أي الصفة التي استولت على القلب حتى حملته على امتثال الأوامر هي المطلوبة فكيف الأمر في الصلاة ولا أرب في أفعالها؟ فهذا ما يدل من حيث المعنى على اشتراط حضور القلب. فإن قلت: إن حكمت ببطلان الصلاة وجعلت حضور القلب شرطاً في صحتها خالفت إجماع الفقهاء فإنهم لم يشترطوا إلا حضور القلب عند التكبير؟ فاعلم أنه قد تقدم في كتاب العلم: أن الفقهاء لا يتصرفون في الباطن ولا يشقون عن القلوب ولا في طريق الآخرة بل يبنون أحكام الدين على ظاهر أعمال الجوارح؛ وظاهر الأعمال كاف لسقوط القتل وتعزير السلطان؛ فأما أنه ينفع في الآخرة فليس هذا من حدود الفقه على أنه لا يمكن أن يدعى الإجماع. فقد نقل عن بشر بن الحارث فيما رواه عنه أبو طالب المكي عن سفيان الثوري أنه قال: من لم يخشع فسدت صلاته وروي عن الحسن أنه قال: كل صلاة لا يحضر فيها القلب فهي إلى العقوبة أسرع. وع معاذ بن جبل: من عرف من على يمينه وشماله متعمداً وهو في الصلاة فلا صلاة له. وروي أيضاً مسنداً قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "إن العبد لصلي الصلاة لا يكتب له سدسها ولا عشرها وإنما يكتب للعبد من صلاته ما عقل منها" وهذا لو نقل عن غيره لجعل مذهباً فكيف لا يتمسك به؟ وقال عبد الواحد بن زيد: أجمعت العلماء على أنه ليس للعبد من صلاته إلا ما عقل منها، فجعله إجماعاً، وما نقل من هذا الجنس عن الفقهاء المتورعين وعن علماء الآخرة أكثر من أن يحصى. والحق الرجوع إلى أدلة الشرع والأخبار، والآثار ظاهرة في هذا الشرط إلا أن مقام الفتوى في التكليف الظاهر يتقدر بقدر قصور الخلق. فلا يمكن أن يشترط على الناس إحضار القلب في جميع الصلاة فإن ذلك يعجز عنه كل البشر إلا الأقلين وإذا لم يمكن اشتراط الاستيعاب للضرورة فلا مرد له إلا أن يشترط منه ما يطلق عليه الاسم ولو في اللحظة الواحدة، وأولى اللحظات به لحظة التكبير فاقتصرنا على التكليف بذلك. ونحن مع ذلك نرجو أن لا يكون حال الغافل في جميع صلاته مثل حال التارك بالكلية. فإنه على الجملة أقدم على العمل ظاهراً وأحضر القلب لحظة. وكيف لا والذي صلى مع الحدث ناسياً صلاته باطلة عند الله تعالى ولكن له أجر ما بحسب فعله وعلى قدر قصوره وعذره، ومع هذا الرجاء فيخشى أن يكون حاله أشد من حال التارك وكيف لا والذي يحضر الخدمة ويتهاون بالحضرة ويتكلم بكلام الغافل المستحقر أشد حالاً من الذي يعرض عن الخدمة؟ وإذا تعارض أسباب الخوف والرجاء وصار الأمر محظراً في نفسه فإليك الخيرة بعده في الاحتياط والتساهل. ومع هذا فلا مطمع في مخالفة الفقهاء فيما أفتوا به من الصحة مع الغفلة فإن ذلك من ضرورة الفتوى - كما سبق التنبيه عليه - ومن عرف سر الصلاة علم أن الغفلة تضادها. ولكن قد ذكرنا في باب الفرق بين العلم الباطن والظاهر في كتاب قواعد العقائد أن قصور الخلق أحد الأسباب المانعة عن التصريح بكل ما ينكشف من أسرار الشرع. فلنقتصر على هذا القدر من البحث فإن فيه مقنعاً للمريد الطالب لطريق الآخرة. وأما المجادل المشغب فلسنا نقصد مخاطبته الآن وحاصل الكلام أن حضور القلب هو روح الصلاة وأن أقل ما يبقى به رمق الروح الحضور عند التكبير. فالنقصان منه هلاك وبقدر الزيادة عليه تنبسط الروح في أجزاء الصلاة. وكم من حي لا حراك به قريب من ميت؟ فصلاة الغافل في جميعها إلا عند التكبير كمثل حي لا حراك به نسأل الله حسن العون ببطلان الصلاة وجعلت حضور القلب شرطاً في صحتها خالفت إجماع الفقهاء فإنهم لم يشترطوا إلا حضور القلب عند التكبير؟ فاعلم أنه قد تقدم في كتاب العلم: أن الفقهاء لا يتصرفون في الباطن ولا يشقون عن القلوب ولا في طريق الآخرة بل يبنون أحكام الدين على ظاهر أعمال الجوارح؛ وظاهر الأعمال كاف لسقوط القتل وتعزير السلطان؛ فأما أنه ينفع في الآخرة فليس هذا من حدود الفقه على أنه لا يمكن أن يدعى الإجماع. فقد نقل عن بشر بن الحارث فيما رواه عنه أبو طالب المكي عن سفيان الثوري أنه قال: من لم يخشع فسدت صلاته وروي عن الحسن أنه قال: كل صلاة لا يحضر فيها القلب فهي إلى العقوبة أسرع. وع معاذ بن جبل: من عرف من على يمينه وشماله متعمداً وهو في الصلاة فلا صلاة له. وروي أيضاً مسنداً قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "إن العبد لصلي الصلاة لا يكتب له سدسها ولا عشرها وإنما يكتب للعبد من صلاته ما عقل منها" وهذا لو نقل عن غيره لجعل مذهباً فكيف لا يتمسك به؟ وقال عبد الواحد بن زيد: أجمعت العلماء على أنه ليس للعبد من صلاته إلا ما عقل منها، فجعله إجماعاً، وما نقل من هذا الجنس عن الفقهاء المتورعين وعن علماء الآخرة أكثر من أن يحصى. والحق الرجوع إلى أدلة الشرع والأخبار، والآثار ظاهرة في هذا الشرط إلا أن مقام الفتوى في التكليف الظاهر يتقدر بقدر قصور الخلق. فلا يمكن أن يشترط على الناس إحضار القلب في جميع الصلاة فإن ذلك يعجز عنه كل البشر إلا الأقلين وإذا لم يمكن اشتراط الاستيعاب للضرورة فلا مرد له إلا أن يشترط منه ما يطلق عليه الاسم ولو في اللحظة الواحدة، وأولى اللحظات به لحظة التكبير فاقتصرنا على التكليف بذلك. ونحن مع ذلك نرجو أن لا يكون حال الغافل في جميع صلاته مثل حال التارك بالكلية. فإنه على الجملة أقدم على العمل ظاهراً وأحضر القلب لحظة. وكيف لا والذي صلى مع الحدث ناسياً صلاته باطلة عند الله تعالى ولكن له أجر ما بحسب فعله وعلى قدر قصوره وعذره، ومع هذا الرجاء فيخشى أن يكون حاله أشد من حال التارك وكيف لا والذي يحضر الخدمة ويتهاون بالحضرة ويتكلم بكلام الغافل المستحقر أشد حالاً من الذي يعرض عن الخدمة؟ وإذا تعارض أسباب الخوف والرجاء وصار الأمر محظراً في نفسه فإليك الخيرة بعده في الاحتياط والتساهل. ومع هذا فلا مطمع في مخالفة الفقهاء فيما أفتوا به من الصحة مع الغفلة فإن ذلك من ضرورة الفتوى - كما سبق التنبيه عليه - ومن عرف سر الصلاة علم أن الغفلة تضادها. ولكن قد ذكرنا في باب الفرق بين العلم الباطن والظاهر في كتاب قواعد العقائد أن قصور الخلق أحد الأسباب المانعة عن التصريح بكل ما ينكشف من أسرار الشرع. فلنقتصر على هذا القدر من البحث فإن فيه مقنعاً للمريد الطالب لطريق الآخرة. وأما المجادل المشغب فلسنا نقصد مخاطبته الآن وحاصل الكلام أن حضور القلب هو روح الصلاة وأن أقل ما يبقى به رمق الروح الحضور عند التكبير. فالنقصان منه هلاك وبقدر الزيادة عليه تنبسط الروح في أجزاء الصلاة. وكم من حي لا حراك به قريب من ميت؟ فصلاة الغافل في جميعها إلا عند التكبير كمثل حي لا حراك به نسأل الله حسن العون


[align=center]بيان المعاني الباطنة التي تتم بها حياة الصلاة[/align]

إعلم أن هذه المعاني تكثر العبارات عنها ولكن يجمعها ست جمل وهي: حضور القلب والتفهم والتعظيم والهيبة والرجاء والحياء. فلنذكر تفاصيلها ثم أسبابها ثم العلاج في اكتسابها. أما التفاصيل : فالأول، حضور القلب ونعني به أن يفرغ القلب عن غير ما هو ملابس له ومتكلم به، فيكون العلم بالفعل والقول مقروناً بهما، ولا يكون الفكر جائلاً في غيرهما، ومهما انصرف في الفكر عن غير ما هو فيه وكان في قلبه ذكر لما هو فيه ولم يكن فيه غفلة عن كل شيء فقد حصل حضور القلب ولكن التفهم لمعنى الكلام أمر وراء حضور القلب، فربما يكون القلب حاضراً مع اللفظ ولا يكون حاضراً مع معنى اللفظ؛ فاشتمال القلب على العم بمعنى اللفظ هو الذي أردناه بالتفهم. وهذا مقام يتفاوت الناس فيه إذ ليس يشترك الناس في تفهم المعاني للقرآن والتسبيحات.. وكم من معان لطيفة يفهمها المصلي في أثناء الصلاة ولم يكن قد خطر بقلبه ذلك قبله؟ ومن هذا الوجه كانت الصلاة ناهية عن الفحشاء والمنكر، فإنها تفهم أموراً؛ تلك الأمور تمنع عن الفحشاء لا محالة. وأما التعظيم فهو أمر وراء حضور القلب والفهم إذ الرجل يخاطب عبده بكلام هو حاضر القلب فيه ومتفهم لمعناه ولا يكون معظماً له فالتعظيم زائد عليهما. وأما الهيبة فزائدة على التعظيم بل هي عبارة عن خوف منشؤه التعظيم لأن من لا يخاف لا يسمى هائباً، والمخافة من العقرب وسوء خلق العبد وما يجري مجراه من الأسباب الخسيسة لا تسمى مهابة، بل الخوف من السلطان المعظم يسمى مهابة، والهيبة وف مصدرها الإجلال. وأما الرجا فلا شك أنه زائد فكم من معظم ملكاً من الملوك يهابه أو يخاف سطوته ولكن لا يرجو مثوبته. والعبد ينبغي أن يكون راجياً بصلاته ثواب الله عز وجل كما أنه خائف بتقصيره عقاب الله عز وجل، وأما الحياء فهو زئد على الجملة لأن مستنده استشعار تقصير وتوهم ذنب ويتصور التعظيم والخوف والرجاء من غير حياء حيث لا يكون توهم تقصير وارتكاب ذنب. وأما أسباب هذه المعاني الستة فاعلم أن حضور القلب سببه الهمة فإن قلبك تابع همتك فلا يحضر إلا فيما يهمك. ومهما أهمك أمر حضر القلب فيه شاء أم أبى فهو مجبول على ذلك ومسخر فيه. والقلب إذا لم يحضر في الصلاة لم يكن متعطلاً بل جائلاً فيما الهمة مصروفة إليه من أمور الدنيا، فلا حيلة ولا علاج لإحضار القلب إلا بصرف الهمة إلى الصلاة، والهمة لا تنصرف إليها ما لم يتبين أن الغرض المطلوب منوط بها وذلك هو الإيمان والتصديق بأن الآخرة خير وأبقى وأن الصلاة وسيلة إليها، فإذا أضيف هذا إلى حقيقة العلم بحقارة الدنيا ومهماتها حصل من مجموعها حضور القلب في الصلاة، وبمثل هذه العلة يحضر قلبك إذا حضرت بين يدي بعض الأكابر ممن لا يقدر على مضرتك ومنفعتك، فإذا كان لا يحضر عند المناجاة مع ملك الملوك الذي بيده الملك والملكوت والنفع والضر فلا تظنن أن له سبباً سوى ضعف الإيمان فاجتهد الآن في تقوية الإيمان - وطريقه يستقصى في غير هذا الموضع - وأما التفهم فسبب بعد حضور القلب إدمان الفكر وصرف الذهن إلى إدراك المعنى وعلاجه ما هو علاج إحضار القلب مع الإقبال على الفكر والتشمر لدفع الخواطر. وعلاج دفع الخواطر الشاغلة قطع موادها أعني النزوع عن تلك الأسباب التي تنجذب الخواطر إليها، وما لم تنقطع تلك المواد لا تنصرف عنها الخواطر فمن أحب شيئاً أكثر من ذكره فذكر المحبوب يهجم على القلب بالضرورة، لذلك ترى أن من أحب غير الله لا تصفو له صلاة عن الخواطر. وأما التعظيم فهي حالة للقلب تتولد من معرفتين، إحداهما: معرفة جلال الله عز وجل وعظمته وهو من أصول الإيمان فإن من لا يعتقد عظمته لا تذعن النفس لتعظيمه. الثانية، معرفة حقارة النفس وخستها وكوها عبداً مسخراً مربوباً حتى يتولد من المعرفتين الاستكانة والانكسار والخشوع لله سبحانه فيعبر عنه بالتعظيم، وما لم تمتزج معرفة حقارة النفس بمعرفة جلال الله لا تنتظم حالة التعظيم والخشوع فإن المستغني عن غيره الآمن على نفسه يجوز أن يعرف من غيره صفات العظمة ولا يكون الخشوع والتعظيم حاله لأن القرينة الأخرى وهي معرفة حقارة النفس وحاجتها لم تقترن إليه، وأما الهيبة والخوف فحالة للنفس تتولد من المعرفة بقدرة الله وسطوته ونفوذ مشيئته فيه مع قلة المبالاة به، وأنه لو أهلك الأولين والآخرين لم ينقص من ملكه ذرة هذا مع مطالعة ما يجري على الأنبياء والأولياء من المصائب وأنواع البلاء مع القدرة على الدفع على خلاف ما يشاهد من ملوك الأرض. وبالجملة كلما زاد العلم بالله زادت الخشية والهيبة - وسيأتي أسباب ذلك في كتاب الخوف من ربع المنجيات - وأما الرجاء فسببه معرفة لطف الله عز وجل وكرمه وعميم إنعامه ولطائف صنعه ومعرفة صدقه في وعده الجنة بالصلاة، فإذا حصل اليقين بوعده والمعرفة بلطفه انبعث من مجموعهما الرجاء لا محالة: وأما الحياء فباستشعاره التقصير في العبادة وعلمه بالعجز عن القيام بعظيم حق الله عز وجل ويقوى ذلك بالمعرفة بعيوب النفس وآفاتها وقلة إخلاصها وخبث دخلتها وميلها إلى الحظ العاجل في جميع أفعالها مع العلم بعظيم ما يقتضيه جلال الله عز وجل والعلم بأنه مطلع على السر وخطرات القلب وإن دقت وخفيت، وهذه المعارف إذا حصلت يقيناً انبعث منها بالضرورة حالة تسمى الحياء فهذه أسباب هذه الصفات وكل ما طلب تحصيله فعلاجه إحضار سببه ففي معرفة السبب معرفة العلاج. ورابطة جميع هذه الأسباب الإيمان. واليقين أعني به هذه المعارف التي ذكرناها ومعنى كونها يقيناً انتفاء الشك واستيلاؤها على القلب، كما سبق في بيان اليقين من كتاب العلم - وبقدر اليقين يخشع القلب ولذلك قالت عائشة صلى الله عليه وسلما "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحدثنا ونحدثه فإذا حضرت الصلاة كأنه لم يعرفنا ولم نعرفه" وقد روي أن الله سبحانه أوحى إلى موسى عليه السلام "يا موسى إذا ذكرتني فاذكرني وأنت تنتفض أعضاؤك وكن عند ذكري خاشعاً مطمئناً وإذا ذكرتني فاجعل لسانك من وراء قلبك وإذا قمت بين يدي فقم قيام العبد الذليل وناجني بقلب وجل ولسان صادق" وروي أن الله تعالى أوحى إليه "قل لعصاة أمتك لا يذكروني فإني آليت على نفسي أن من ذكرني ذكرته فإذا ذكروني ذكرتهم باللعنة" هذا في عاص غير غافل في ذكره فكيف إذا اجتمعت الغفلة والعصيان؟ وباختلاف المعاني التي ذكرناها في القلوب انقسم الناس إلى غافل يتمم صلاته ولم يحضر قلبه في لحظة منها. وإلى من يتمم ولم يغب قلبه في لحظة بل ربما كان مستوعب الهم بها بحيث لا يحس بما يجري بين يديه. ولذلك لم يحس مسلم بن يسار بسقوط الاسطوانة في المسجد اجتمع الناس عليها. وبعضهم كان يحضر الجماعة مدة ولم يعرف قط من على يمينه ويساره. ووجيب قلب إبراهيم صلوات الله عليه وسلامه كان يسمع على ميلين. وجماعة كانت تصفر وجوههم وترتعد فرائصهم. وكل ذلك غير مستبعد فإن أضعافه مشاهد في همم أهل الدنيا وخوف ملوك الدنيا مع عجزهم وضعفهم وخساسة الحظوظ الحاصلة منهم حتى يدخل الواحد على ملك أو وزير ويحدثه بمهمته ثم يخرج، ولو سئل عمن حواليه أو عن ثوب الملك لكان لا يقدر على الإخبار عنه لاشتغال همه به عن ثوبه وعن الحاضرين حواليه "ولكل درجات مما عملوا" فحظ كل واحد من صلاته بقدر خوفه وخشوعه وتعظيمه فإن موقع نظر الله سبحانه القلوب دون ظاهر الحركات. ولذلك قال بعض الصحابة رضي الله عنهم: يحشر الناس يوم القيامة على مثال هيئتهم في الصلاة من الطمأنينة والهدوء ومن وجود النعيم بها واللذة، ولقد صدق فإنه يحشر كل على ما مات عليه ويموت على ما عاش عليه: ويراعى في ذلك حال قلبه لا حال شخصه فمن صفات القلوب تصاغ الصور في الدار الآخرة ولا ينجو إلا من أتى الله بقلب سليم، نسأل الله حسن التوفيق بلطفه وكرمهة هذا مع مطالعة ما يجري على الأنبياء والأولياء من المصائب وأنواع البلاء مع القدرة على الدفع على خلاف ما يشاهد من ملوك الأرض. وبالجملة كلما زاد العلم بالله زادت الخشية والهيبة - وسيأتي أسباب ذلك في كتاب الخوف من ربع المنجيات - وأما الرجاء فسببه معرفة لطف الله عز وجل وكرمه وعميم إنعامه ولطائف صنعه ومعرفة صدقه في وعده الجنة بالصلاة، فإذا حصل اليقين بوعده والمعرفة بلطفه انبعث من مجموعهما الرجاء لا محالة: وأما الحياء فباستشعاره التقصير في العبادة وعلمه بالعجز عن القيام بعظيم حق الله عز وجل ويقوى ذلك بالمعرفة بعيوب النفس وآفاتها وقلة إخلاصها وخبث دخلتها وميلها إلى الحظ العاجل في جميع أفعالها مع العلم بعظيم ما يقتضيه جلال الله عز وجل والعلم بأنه مطلع على السر وخطرات القلب وإن دقت وخفيت، وهذه المعارف إذا حصلت يقيناً انبعث منها بالضرورة حالة تسمى الحياء فهذه أسباب هذه الصفات وكل ما طلب تحصيله فعلاجه إحضار سببه ففي معرفة السبب معرفة العلاج. ورابطة جميع هذه الأسباب الإيمان. واليقين أعني به هذه المعارف التي ذكرناها ومعنى كونها يقيناً انتفاء الشك واستيلاؤها على القلب، كما سبق في بيان اليقين من كتاب العلم - وبقدر اليقين يخشع القلب ولذلك قالت عائشة صلى الله عليه وسلما "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحدثنا ونحدثه فإذا حضرت الصلاة كأنه لم يعرفنا ولم نعرفه" وقد روي أن الله سبحانه أوحى إلى موسى عليه السلام "يا موسى إذا ذكرتني فاذكرني وأنت تنتفض أعضاؤك وكن عند ذكري خاشعاً مطمئناً وإذا ذكرتني فاجعل لسانك من وراء قلبك وإذا قمت بين يدي فقم قيام العبد الذليل وناجني بقلب وجل ولسان صادق" وروي أن الله تعالى أوحى إليه "قل لعصاة أمتك لا يذكروني فإني آليت على نفسي أن من ذكرني ذكرته فإذا ذكروني ذكرتهم باللعنة" هذا في عاص غير غافل في ذكره فكيف إذا اجتمعت الغفلة والعصيان؟ وباختلاف المعاني التي ذكرناها في القلوب انقسم الناس إلى غافل يتمم صلاته ولم يحضر قلبه في لحظة منها. وإلى من يتمم ولم يغب قلبه في لحظة بل ربما كان مستوعب الهم بها بحيث لا يحس بما يجري بين يديه. ولذلك لم يحس مسلم بن يسار بسقوط الاسطوانة في المسجد اجتمع الناس عليها. وبعضهم كان يحضر الجماعة مدة ولم يعرف قط من على يمينه ويساره. ووجيب قلب إبراهيم صلوات الله عليه وسلامه كان يسمع على ميلين. وجماعة كانت تصفر وجوههم وترتعد فرائصهم. وكل ذلك غير مستبعد فإن أضعافه مشاهد في همم أهل الدنيا وخوف ملوك الدنيا مع عجزهم وضعفهم وخساسة الحظوظ الحاصلة منهم حتى يدخل الواحد على ملك أو وزير ويحدثه بمهمته ثم يخرج، ولو سئل عمن حواليه أو عن ثوب الملك لكان لا يقدر على الإخبار عنه لاشتغال همه به عن ثوبه وعن الحاضرين حواليه "ولكل درجات مما عملوا" فحظ كل واحد من صلاته بقدر خوفه وخشوعه وتعظيمه فإن موقع نظر الله سبحانه القلوب دون ظاهر الحركات. ولذلك قال بعض الصحابة رضي الله عنهم: يحشر الناس يوم القيامة على مثال هيئتهم في الصلاة من الطمأنينة والهدوء ومن وجود النعيم بها واللذة، ولقد صدق فإنه يحشر كل على ما مات عليه ويموت على ما عاش عليه: ويراعى في ذلك حال قلبه لا حال شخصه فمن صفات القلوب تصاغ الصور في الدار الآخرة ولا ينجو إلا من أتى الله بقلب سليم، نسأل الله حسن التوفيق بلطفه وكرمه .

[align=center]بيان الدواء النافع في حضور القلب[/align]

اعلم أن المؤمن لابد أن يكون معظماً لله عز وجل وخائفاً منه وراجياً له ومستحيياً من تقصيره فلا ينفك عن هذه الأحوال بعد إيمانه، وإن كانت قوتها بقدر قوة يقينه فانفكاكه عنها في الصلاة لا سبب له إلا تفرق الفكر وتقسيم الخاطر وغيبة القلب عن المناجاة والغفلة عن الصلاة. ولا يلهي عن الصلاة إلا الخواطر الواردة الشاغلة، فالدواء في إحضار القلب هو دفع تلك الخواطر ولا يدفع الشيء إلا بدفع سببه فلتعلم سببه. وسبب موارد الخواطر إما أن يكون أمراً خارجاً أو أمراً في ذاته باطناً. أما الخارج فما يقرع السمع أو يظهر للبصر فإن ذلك قد يختطف الهم حتى يتبعه ويتصرف فيه ثم تنجر منه الفكرة إلى غيره ويتسلسل، ويكون الإبصار سبباً للافتكار، ثم تصير بعض تلك الأفكار سبباً للبعض. ومن قويت نيته وعلت همته لم يلهه ما جرى على حواسه ولكن الضعيف لابد وأن يتفرق به فكره. وعلاجه قطع هذه الأسباب بأن يغض بصره أو يصلي في بيت مظلم أو لا يترك بين يديه ما يشغل حسه ويقرب من حائط عند صلاته حتى لا تتسع مسافة بصره، ويحترز من الصلاة على الشوارع وفي المواضع المنقوشة المصنوعة وعلى الفرش المصبوغة. ولذلك كان المتعبدون يتعبدون في بيت صغير مظلم سعته قدر السجود ليكون ذلك أجمع للهم. والأقوياء منهم كانوا يحضرون المساجد ويغضون البصر ولا يجاوزون به موضع السجود ويرون كمال الصلاة في أن لا يعرفوا من على يمينهم وشمالهم. وكان ابن عمر رضي الله عنهما لا يدع في موضع الصلاة مصحفاً ولا سيفاً إلا نزعه ولا كتاباً إلا محاه. وأما الأسباب الباطنة فهي أشد فإن من تشعبت به الهموم في أودية الدنيا لا ينحصر فكره في فن واحد بل لا يزال يطير من جانب إلى جانب وغض البصر لا يغنيه، فإن ما وقع في القلب من قبل كاف للشغل فهذا طريقه أن يرد النفس قهراً إلى فهم ما يقرؤه في الصلاة ويشغلها به عن غيره، ويعينه على ذلك أن يستعد له قبل التحريم بأن يحدد على نفسه ذكر الآخرة وموقف المناجاة وخطر المقام بين يدي الله سبحانه وهو المطلع ويفرغ قلبه قبل التحريم بالصلاة عما يهمه فلا يترك لنفسه شغلاً يلتفت إليه خاطره. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعثمان بن أبي شيبة "إني نسيت أن أقول لك أن تخمر القدر الذي في البيت" فإنه لا ينبغي أن يكون في البيت شيء يشغل الناس عن صلاتهم؛ فهذا طريق تسكين الأفكار. فإن كان لا يسكن هوائج أفكاره بهذا الدواء المسكن فلا ينجيه إلا المسهل الذي يقمع مادة الداء من أعماق العروق وهو أن ينظر في الأمور الصارفة الشاغلة عن إحضار القلب، ولاشك أنها تعود إلى مهماته وأنها إنما صارت مهمات لشهواته فيعاقب نفسه بالنزوع عن تلك الشهوات وقطع تلك العلائق، فكل ما يشغله عن صلاته فهو ضد دينه وجند إبليس عدوه فإمساكه أضر عليه من إخرجه فيتخلص منه بإخراجه كما روي أنه صلى الله عليه وسلم "لما لبس الخميصة التي أتاه بها أبو جهم وعليها علم وصلى بها نزعها بعد صلاته، وقال صلى الله عليه وسلم "اذهبوا بها إلى أبي جهم فإنها ألهتني آنفاً عن صلاتي وائتوني بأنبجانية أبي جهم". وأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بتجديد شراك نعله ثم نظر إليه في صلاته إذ كان جديداً فأمر أن ينزع منها ويرد الشراك الخلق. "وكان صلى الله عليه وسلم قد احتذى نعلاً فأعجبه حسنها فسجد وقال: تواضعت لربي عز وجل كي لا يمقتني" ثم خرج بها فدفعها إلى أول سائل لقيه، ثم أمر علياً رضي الله عنه أن يشتري له نعلين سبتيتين جرداوين فلبسهما. وكان صلى الله عليه وسلم في يده خاتم م ذهب قبل الترحيم وكان على المنبر فرماه وقال شغلني هذا: نظرة إليه ونظرة إليكم وروي "أن أبا طلحة صلى في حائط وفيه شجر فأعجبه دبسي طار في الشجر يلتمس مخرجاً فأتبعه بصره ساعة ثم لم يدر كم صلى؟ فذكر لرسول الله صلى الله عليه وسلم ما أصابه من الفتنة ثم قال: يا رسول الله هو صدقة فضعه حيث شئت". وعن رجل آخر أنه صلى في حائط له والنخل مطوقة بثمرها فنظر إليها فأعجبته ولم يدر كم صلى؟ فذكر ذلك لعثمان رضي الله عنه وقال: هو صدقة فاجعله في سبيل الله عز وجل فباعه عثمان بخمسين ألفاً. فكانوا يفعلون ذلك قطعاً لمادة الفكر وكفارة لما جرى من نقصان الصلاة وهذا هو الدواء القاطع لمادة العلة ولا يغني غيره. فأما ما ذكرناه من التلطف بالتسكين والرد إلى فهم الذكر فذلك ينفع في الشهوات الضعيفة والهمم التي لا تشغل إلا حواشي القلب. فأما الشهوة القوية المرهقة فلا ينفع فيها التسكين بل لا تزال تجاذبها وتجاذبك ثم تغلبك وتنقضي جميع صلاتك في شغل المجاذبة. ومثاله: رجل تحت شجرة أراد أن يصفو له فكره وكانت أصوات العصافير تشوش عليه، فلم يزل يطيرها بخشبة في يده ويعود إلى فكره فتعود العصافير فيعود إلى التنفير بالخشبة، فقيل له: إن هذا أسير السواني ولا ينقطع فإن أردت الخلاص فاقطع الشجرة. فكذلك شجرة الشهوات إذا تشعبت وتفرعت أغصانها انجذبت إليها الأفكار انجذاب العصافير إلى الأشجار وانجذاب الذباب إلى الأقذار والشغل يطول في دفعها فإن الذباب كلما ذب آب ولأجله سمي ذباباً. فكذلك الخواطر، وهذه الشهوات كثيرة وقلما يخلو العبد عنها ويجمعها أصل واحد وهو حب الدنيا، وذلك رأس كل خطيئة وأساس كل نقصان ومنبع كل فساد. ومن انطوى باطنه على حب الدنيا حتى مال إلى شيء منها لا ليتزود منها ولا ليستعين بها على الآخرة فلا يطمعن في أن تصفو له لذة المناجاة في الصلاة. فإن من فرح بالدنيا لا يفرح بالله سبحانه وبمناجاته. وهمة الرجل مع قرة عينه فإن كانت قرة عينه في الدنيا انصرف لا محالة إليها همه ولكن مع هذا فلا ينبغي أن يترك المجاهدة ورد القلب إلى الصلاة وتقليل الأسباب الشاغلة، فهذا هو الدواء المر ولمرارته استبشعته الطباع وبقيت العلة مزمنة وصار الداء عضالاً، حتى إن الأكابر اجتهدوا أن يصلوا ركعتين لا يحدثوا أنفسهم فيها بأمور الدنيا فعجزوا عن ذلك فإذن لا مطمع فيه لأمثالنا، وليته سلم لنا من الصلاة شطرها أو ثلثها من الوسواس لنكون ممن خلط عملاً صالحاً وآخر سيئاً. وعلى الجملة فهمة الدنيا وهمة الآخرة في القلب مثل الماء الذي يصب في قدح مملوء بخل فبقدر ما يدخل فيه من الماء يخرج منه من الخل لا محالة ولا يجتمعان.فع في الشهوات الضعيفة والهمم التي لا تشغل إلا حواشي القلب. فأما الشهوة القوية المرهقة فلا ينفع فيها التسكين بل لا تزال تجاذبها وتجاذبك ثم تغلبك وتنقضي جميع صلاتك في شغل المجاذبة. ومثاله: رجل تحت شجرة أراد أن يصفو له فكره وكانت أصوات العصافير تشوش عليه، فلم يزل يطيرها بخشبة في يده ويعود إلى فكره فتعود العصافير فيعود إلى التنفير بالخشبة، فقيل له: إن هذا أسير السواني ولا ينقطع فإن أردت الخلاص فاقطع الشجرة. فكذلك شجرة الشهوات إذا تشعبت وتفرعت أغصانها انجذبت إليها الأفكار انجذاب العصافير إلى الأشجار وانجذاب الذباب إلى الأقذار والشغل يطول في دفعها فإن الذباب كلما ذب آب ولأجله سمي ذباباً. فكذلك الخواطر، وهذه الشهوات كثيرة وقلما يخلو العبد عنها ويجمعها أصل واحد وهو حب الدنيا، وذلك رأس كل خطيئة وأساس كل نقصان ومنبع كل فساد. ومن انطوى باطنه على حب الدنيا حتى مال إلى شيء منها لا ليتزود منها ولا ليستعين بها على الآخرة فلا يطمعن في أن تصفو له لذة المناجاة في الصلاة. فإن من فرح بالدنيا لا يفرح بالله سبحانه وبمناجاته. وهمة الرجل مع قرة عينه فإن كانت قرة عينه في الدنيا انصرف لا محالة إليها همه ولكن مع هذا فلا ينبغي أن يترك المجاهدة ورد القلب إلى الصلاة وتقليل الأسباب الشاغلة، فهذا هو الدواء المر ولمرارته استبشعته الطباع وبقيت العلة مزمنة وصار الداء عضالاً، حتى إن الأكابر اجتهدوا أن يصلوا ركعتين لا يحدثوا أنفسهم فيها بأمور الدنيا فعجزوا عن ذلك فإذن لا مطمع فيه لأمثالنا، وليته سلم لنا من الصلاة شطرها أو ثلثها من الوسواس لنكون ممن خلط عملاً صالحاً وآخر سيئاً. وعلى الجملة فهمة الدنيا وهمة الآخرة في القلب مثل الماء الذي يصب في قدح مملوء بخل فبقدر ما يدخل فيه من الماء يخرج منه من الخل لا محالة ولا يجتمعان.

[saa]يتبع بإذن الله[/saa]

_________________

يا خير من دفنت في التراب أعظمه فطاب من طيبهن القاع الأكم
نفسي الفداء لقبر أنت ساكنه فيه العفاف وفيه الجود والكرم
أنت الشفيع الذي ترجى شفاعته عند الصراط إذا ما زلّت القدم


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
عرض مشاركات سابقة منذ:  مرتبة بواسطة  
إرسال موضوع جديد الرد على الموضوع  [ 167 مشاركة ]  الانتقال إلى صفحة السابق  1, 2, 3, 4, 5, 6 ... 12  التالي

جميع الأوقات تستخدم GMT + ساعتين


الموجودون الآن

المستخدمون المتصفحون لهذا المنتدى: لا يوجد أعضاء مسجلين متصلين و 8 زائر/زوار


لا تستطيع كتابة مواضيع جديدة في هذا المنتدى
لا تستطيع كتابة ردود في هذا المنتدى
لا تستطيع تعديل مشاركاتك في هذا المنتدى
لا تستطيع حذف مشاركاتك في هذا المنتدى
لا تستطيع إرفاق ملف في هذا المنتدى

البحث عن:
الانتقال الى:  
© 2011 www.msobieh.com

جميع المواضيع والآراء والتعليقات والردود والصور المنشورة في المنتديات تعبر عن رأي أصحابها فقط