موقع د. محمود صبيح

منتدى موقع د. محمود صبيح

جميع الأوقات تستخدم GMT + ساعتين



إرسال موضوع جديد الرد على الموضوع  [ 167 مشاركة ]  الانتقال إلى صفحة السابق  1, 2, 3, 4, 5, 6, 7, 8 ... 12  التالي
الكاتب رسالة
 عنوان المشاركة:
مشاركة غير مقروءةمرسل: الثلاثاء سبتمبر 27, 2005 3:46 pm 
غير متصل

اشترك في: السبت فبراير 21, 2004 10:56 pm
مشاركات: 1245
مكان: يا رب مع الحبيب و آله صلى الله عليه و آله وصحبه وسلم
[align=center]الفصل الثاني
في شروط وجوب الحج وصحة أركانه
وواجباته ومحظوراته
[/align]

أما الشرائط فشرط صحة الحج اثنان: الوقت والإسلام. فيصح حج الصبي ويحرم بنفسه إن كان مميزاً ويحرم عنه وليه إن كان صغيراً ويفعل في الحج من الطواف والسعي وغيره. وأما الوقت فهو شوال وذو القعدة وتسع من ذي الحجة إلى طلوع الفجر من يوم النحر، فمن أحرم بالحج في غير هذه المدة فهي عمرة وجميع السنة وقت العمرة، ولكن من كان معكوفاً على النسك فلا ينبغي أن يحرم بالعمرة لأنه لا يتمكن من الاشتغال عقيبه لاشتغاله بأعمال منى. وأما شروط وقوعه عن حجة الإسلام فخمسة: الإسلام والحرية والبلوغ والعقل والوقت. فإن أحرم الصبي أو العبد ولكن عتق العبد وبلغ الصبي بعرفة أو بمزدلفة وعاد إلى عرفة قبل طلوع الفجر أجزأهما عن حجة الإسلام لأن الحج عرفة، وليس عليهما دم إلا شاة. وتشترط هذه الشرائط في وقوع العمرة عن فرض الإسلام متقدم، ثم القضاء لمن أفسده في حالة الوقوف؛ ثم النذر، ثم النيابة، ثم النفل؛ وهذا الترتيب مستحق، وكذلك يقع وإن نوى خلافه. وأما شروط لزوم الحج فخمسة: البلوغ والإسلام والعقل والحرية والاستطاعة. ومن لزمه فرض الحج لزمه فرض العمرة. ومن أراد دخول مكة لزيارة أو تجارة ولم يكن حطاباً لزمه الإحرام على قول ثم يتحلل بعمل عمرة أو حج وأما الاستطاعة فنوعان: أحدهما المباشرة وذلك له أسباب أما في نفسه فبالصحة، وأما في الطريق فبأن تكون خصبة آمنة بلا بحر مخطر ولا عدو قاهر، وأما في المال فبأن يجد نفقة ذهابه وإيابه إلى وطنه - كان له أهل أو لم يكن - لأن مفارقة الوطن شديدة وأن يملك نفقة من تلزمه نفقته في هذه المدة وأن يملك ما يقضي به ديونه وأن يقدر على راحلة أو كرائها بمحمل أو زاملة إن استمسك على الزاملة وأما النوع الثاني: فاستطاعة المعضوب بماله وهو أن يستأجر من يحج عنه بعد فراغ الأجير عن حجة الإسلام لنفسه. ويكفي نفقة الذهاب بزاملة في هذا النوع، والابن إذا عرض طاعته على الأب الزمن صار به مستطيعاً ولو عرض ماله لم يصر به مستطيعاً؛ لأن الخدمة بالبدن فيها شرف للولد، وبذل المال فيه منة على الوالد. ومن استطاع لزمه الحج وله التأخير ولكنه فيه على خطر فإن تيسر له ولو في آخر عمره سقط عنه؟ وإن مات قبل الحج لقي الله عز وجل عاصياً بترك الحج، وكان الحج في تركته يحج عنه وإن لم يوص كسائر ديونه. وإن استطاع في سنة فلم يخرج مع الناس وهلك ماله في تلك السنة - قبل حج الناس - ثم يمات لقي الله عز وجل ولا حج عليه. ومن مات ولم يحج مع اليسار فأمره شديد عند الله تعالى. قال عمر رضي الله عنه: لقد هممت أن أكتب في الأمصار بضرب الجزية على من لم يحج ممن يستطيع إليه سبيلاً. وعن سعيد بن جبير وإبراهيم النخعي ومجاهد وطاوس: لو علمت رجلاً غنياً وجب عليه الحج ثم مات قبل أن يحج ما صليت عليه وبعضهم كان له جار موسر فمات ولم يحج فلم يصل عليه. وكان ابن عباس يقول: من مات ولم يزك ولم يحج سأل الرجعة إلى الدنيا وقرأ قوله عز وجل "رب ارجعون لعلي أعمل صالحاً فيما تركت" قال: الحج وأما الأركان التي لا يصح الحج بدونها فخمسة: الإحرام والطواف والسعي بعده والوقوف بعرفة والحلق بعده على قول وأركان العمرة كذلك إلا الوقوف والواجبات المجبورة بالدم ست: الإحرام من الميقات فمن تركه وجاوز الميقات محلاً فعليه شاة والرمي فيه الدم قولاً واحداً، وأما الصبر بعرفة إلى غروب الشمس والمبيت بمزدلفة والمبيت بمنى وطواف الوداع فهذه الأربعة يجبر تركها بالدم على أحد القولين، وفي القول الثاني فيهادم على وجه الاستحباب. وأما وجوه أداء الحج والعمرة فثلاثة الأول الإفراد وهو الأفضل وذلك أن يقدم الحج وحده فإذا فرغ خرج إلى الحل فأحرم واعتمر. وأفضل الحل لإحرام العمرة الجعرانة ثم التنعيم ثم الحديبية. وليس على المفرد دم إلا أن يتطوع الثاني القران وهو أن يجمع فيقول "لبيك بحجة وعمرة معاً" فيصير محرماً بهما ويكفيه أعمال الحج وتندرج العمرة تحت الحج كما يندرج الوضوء تحت الغسل؛ إلا أنه إذا طاف وسعى قبل الوقوف بعرفة فسعيه محسوب من النسكين وأما طوافه فغير محسوب، لأن شرط الطواف الفرض في الحج أن يقع بعد الوقوف. وعلى القارن دم شاة إلا أن يكون مكياً فلا شيء عليه لأنه لم يترك ميقاته إذ ميقاته مكة الثالث التمتع وهو أن يجاوز الميقات محرماً بعمرة ويتحلل بمكة ويتمتع بالمحظورات إلى وقت الحج ثم يحرم بالحج ولا يكون متمتعاً إلا بخمس شرائط. أحدها أن لا يكون من حاضري المسجد الحرام وحاضره من كان منه على مسافة لا تقصر فيها الصلاة. الثاني. أن يقدم العمرة على الحج. الثالث. أن تكون عمرته في أشهر الحج. الرابع: أن لا يرجع إلى ميقات الحج ولا إلى مثل مسافته لإحرام الحج. الخامس: أن يكون حجه وعمرته عن شخص واحد فإذا وجدت هذه الأوصاف كان متمتعاً ولزمه دم شاة؛ فإن لم يجد فصيام ثلاثة أيام في الحج قبل يوم النحر متفرقة أو متتابعة وسبعة إذا رجع إلى الوطن، وإن لم يصم الثلاثة حتى رجع إلى الوطن صام العشر تتابعاً أو متفرقاً وبدل دم القران والتمتع سواء. والأفضل الإفراد ثم التمتع ثم القران. وأما محظورات الحج والعمرة فستة؛ الأول: اللبس للقميص والسراويل والخف والعمامة بل ينبغي أن يلبس إزاراً ورداء ونعلين، فإن لم يجد نعلين فمكعبين فإن لم يجحد إزاراً فسراويل ولا بأس بالمنطقة والاستظلال في المحمل ولكن لا ينبغي أن يغطي رأسه فإن إحرامه في الرأس وللمرأة أن تلبس كل مخيط بعد أن لا تستر وجهها بما يماسه فإن إحرامها في وجهها. الثاني الطيب فليجتنب كل ما يعده العقلاء طيباً فإن تطيب أو لبس فعليه دم شاة. الثالث: الحلق والقلم وفيهما الفدية أعني دم الشاة، ولابأس بالكحل ودخول الحمام والفصد والحجامة وترجيل الشعر، الرابع: الجماع وهو مفسد قبل التحلل الأول وفيه بدنة أو بقرة أو سبع شياه وإن كان بعد التحلل الأول لزمه البدنة ولم يفسد حجه. والخامس: مقدمات الجماع كالقبلة والملامسة التي تنقض الطهر مع النساء فهو محرم وفيه شاة وكذا في الاستمناء، ويحرم النكاح والإنكاح ولا دم فيه لأنه لا ينعقد. السادس: قتل صيد البر أعني ما يؤكل أو هو متولد من الحلال والحرام فإن قتل صيداً فعليه مثله من النعم يراعى فيه التقارب في الخلقة وصيد البحر حلال ولا جزاء فيه.

[align=center]----------------------[/align]

[align=center] الباب الثاني
في ترتيب الأعمال الظاهرة من أول السفر إلى الرجوع
وهي عشر جمل

الجملة الأولى
في السير من أول الخروج إلى الإحرام
وهي ثمانية
[/align]


الأولى في المال: فينبغي أن يبدأ بالتوبة ورد المظالم وقضاء الديون وإعداد النفقة لكل من تلزمه نفقته إلى وقت الرجوع ويرد ما عنده من الودائع. ويستصحب من المال الحلال الطيب ما يكفيه لذهابه وإيابه من غير تقتير بل على وجه يمكنه معه التوسع في الزاد والرفق بالضعفاء والفقراء. ويتصدق بشيء قبل خروجه ويشتري لنفسه دابة قوية على الحمل لا تضعف أو يكتريها فإن اكترى فليظهر للمكاري كل ما يريد أن يحمله من قليل أو كثير ويحصل رضاه فيه الثانية في الرفيق: ينبغي أن يلتمس رفيقاً صالحاً محباً للخير معيناً عليه إن نسي ذكره وإن ذكر أعانه وإن جبن شجعه وإن عجز قواه وإن ضاق صدره صبره. ويودع رفقاءه المقيمين وإخوانه وجيرانه فيودعهم ويلتمس أدعيتهم فإن الله تعالى جاعل في أدعيتهم خيراً والسنة في الوداع أن يقول أستودع الله دينك وأمانتك وخواتيم عملك وكان صلى الله عليه وسلم يقول لمن أراد السفر "في حفظ الله وكنفه زودك الله التقوى وغفر ذنبك ووجهك للخير أينما كنت" الثالثة في الخروج من الدار: ينبغي إذا هم بالخروج أن يصلي ركعتين أولاً يقرأ في الأولى بعد الفاتحة: قل يا أيها الكافرون وفي الثانية الإخلاص فإذا فرغ رفع يديه ودعا الله سبحانه عن إخلاص صاف ونية صادقة وقال: اللهم أنت الصاحب في السفر وأنت الخليفة في الأهل والمال والولد والأصحاب احفظنا وإياهم من كل آفة وعاهة. اللهم إنا نسألك في مسيرنا هذا البر والتقوى ومن العمل ما ترضى. اللهم إنا نسألك أن تطوي لنا الأرض وتهون علينا السفر وأن ترزقنا في سفرنا سلامة البدن والدين والمال وتبلغنا حج بيتك وزيارة قبر نبيك محمد صلى الله عليه وسلم. اللهم إنا نعوذ بك من وعثاء السفر وكآبة المنقلب وسوء المنظر في الأهل والمال والولد والأصحاب. اللهم اجعلنا وإياهم في جوارك ولا تسلبنا وإياهم نعمتك ولا تغير ما بنا وبهم من عافيتك الرابعة إذا حصل على باب الدار قال: بسم الله توكلت على الله لا حول ولا قوة إلا بالله رب أعوذ بك أن أضل أو أضل أو أذل أو أذل أو أزل أو أزل أو أظلم أو أظلم أو أجهل أو يجهل علي. اللهم إني لم أخرج شراً ولا بطراً ولا رياء ولا سمعة بل خرجت اتقاء سخطك وابتغاء مرضاتك وقضاء فرضك واتباع سنة نبيك وشوقاً إلى لقائك. فإذا مشى قال: اللهم بك انتشرت وعليك توكلت وبك اعتصمت وإليك توجهت. اللهم أنت ثقتي وأنت رجائي فاكفني ما أهمني وما لا أهتم به وما أنت أعلم به مني عز وجارك وجل ثناؤك ولا إله غيرك. اللهم زودني التقوى واغفر لي ذنبي ووجهني للخير أينما توجهت. ويدعو بهذا الدعاء في كل منزل يدخل عليه الخامسة في الركوب. فإذا ركب الراحلة يقول: بسم الله وبالله والله أكبر توكلت على الله ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن سبحان الذي سخر لنا هذا وما كنا له مقرنين وإنا إلى ربنا لمنقلبون. اللهم إني وجهت وجهي إليك وفوضت أمري كله إليك وتولكت في جميع أموري عليك أنت حسبي ونعم الوكيل. فإذا استوى على الراحلة واستوت تحته قال: سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر - سبع مرات - وقال "الحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله" اللهم أنت الحامل على الظهر وأنت المستعان على الأمور السادسة في النزول: والسنة أن لا ينزل حتى يحمى النهار ويكون أكثر سيره بالليل قال صلى الله عليه وسلم "عليكم بالدلجة فإن الأرض تطوي بالليل ما لا تطوي بالنهار" وليقلل نومه حتى يكون عوناً على السير. ومهما أشرف على المنزل فليقل: اللهم رب السموات السبع وما أظللن ورب الأرضين السبع وما أقللن ورب الشياطين وما أضللن ورب الرياح وما ذرين ورب البحار وما جرين أسالك خير هذا المنزل وخير أهله وأعوذ بك من شره وشر ما فيه اصرف عني شر شرارهم. فإذا نزل المنزل صلى ركعتين فيه ثم قال: أعوذ بكلمات الله التامات التي لا يجاوزهن بر ولا فاجر من شر ما خلق. فإذا جن عليه الليل يقول: يا أرض ربي وربك الله أعوذ بالله من شرك وشر ما فيك وشر ما دب عليك أعوذ بالله من شر كل أسد وأسود وحية وعقرب ومن شر ساكن البلد ووالد وما ولد "وله ما سكن في الليل والنهار وهو السميع العليم" السابعة في الحراسة: ينبغي أن يحتاط بالنهار فلا يمشي منفرداً خارج القافلة لأنه ربما يغتال أو ينقطع، ويكون بالليل متحفظاً عند النوم فإن نام في ابتداء الليل افترش ذراعه، وإن نام في آخر الليل نصب ذراعه نصباً وجعل رأسه في كفه، هكذا كان ينام رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفره لأنه ربما استثقل النوم فتطلع الشمس وهو لا يدري فيكون ما يفوته من الصلاة أفضل مما يناله من الحج والأحب في الليل أن يتناوب الرفيقان في الحراسة فإذا نام أحدهما حرس الآخر فهو السنة فإن قصده عدو أو سبع في ليل أو نهار فليقرأ آية الكرسي وشهد الله والإخلاص والمعوذتين وليقل بسم الله ما شاء الله لا قوة إلا بالله حسبي الله توكلت على الله ما شاء الله لا يأتي بالخير إلا الله ما شاء الله لا يصرف السوء إلا الله حسبي الله وكفى سمع الله لمن دعا ليس وراء اله منتهى ولا دون الله ملجأ "كتب الله لأغلبن أنا ورسلي إن الله قوي عزيز" تحصنت بالله العظيم واستغثت بالحي الذي لا يموت اللهم احرسنا بعينك التي لا تنام واكنفنا بركنك الذي لا يرام. اللهم ارحمنا بقدرتك علينا فلا نهلك وأنت ثقتنا ورجاؤنا. اللهم أعطف علينا قلوب عبادك وإمائك برأفة ورحمة إنك أنت أرحم الراحمين الثامنة مهما علا نشزا من الأرض في الطريق فيستحب أن يكبر ثلاثاً ثم يقول: اللهم لك الشرف على كل شرف ولك الحمد على كل حال. ومهما هبط سبح ومهما خاف الوحشة في سفره قال: سبحان الله الملك القدوس رب الملائكة والروح جللت السموات بالعزة والجبروت.

[align=center]الجملة الثانية
في آداب الإحرام من الميقات إلى دخول مكة
وهي خمسة [/align]


الأول أن يغتسل وينوي به غسل الإحرام أعني إذا انتهى إلى الميقات المشهور الذي يحرم الناس منه. ويتمم غسله بالتنظيف ويسرح لحيته ورأسه ويقلم أظفاره ويقص شاربه ويستكمل النظافة التي ذكرناها في الطهارة الثاني أن يفارق الثياب المخيطة ويلبس ثوبي الإحرام فيرتدي ويتزر بثوبين أبيضين فالأبيض هو أحب الثياب إلى الله عز وجل، ويتطيب في ثيابه وبدنه ولا بأس بطيب يبقي جرمه بعد الإحرام؛ فقد رؤي بعض المسك على مفرق رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد الإحرام مما كان استعمله قبل الإحرام الثالث أن يصبر بعد لبس الثياب حتى تنبعث به راحلته إن كان راكباً ويبدأ بالسير إن كان راجلاً فعد ذلك ينوي الإحرام بالحج أو بالعمرة قراناً أو إفراداً كما أراد. ويكفي مجرد النية لانعقاد الإحرام ولكن السنة أن يقرن بالنية لفظ التلبية فيقول "لبيك اللهم لبيك لبيك لا شريك لك لبيك إن الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك" وإن زاد قال "لبيك وسعديك والخير كله بيديك والرغباء إليك لبيك بحجة حقاً تعبداً ورقاً اللهم صل على محمد وعلى آل محمد" الرابع إذا انعقد إحرامه بالتلبية المذكورة فيستحب أن يقول: اللهم إني أريد الحج فيسره لي وأعني على أداء فرضه وتقبله مني. اللهم إني نويت أداء فريضتك في الحج فاجعلني من الذين استجابوا لك وآمنوا بوعدك واتبعوا أمرك واجعلني من وفدك الذين رضيت عنهم وارتضيت وقبلت منهم. اللهم فيسر لي أداء ما نويت من الحج، اللهم قد أحرم لك لحمي وشعري ودمي وعصبي ومخي وعظامي وحرمت على نفسي النساء والطيب ولبس المخيط ابتغاء وجهك والدار الآخرة. ومن وقت الإحرام حرم عليه المحظورات الستة التي ذكرناها من قبل فليجتنبها الخامس يستحب تجديد التلبية في دوام الإحرام خصوصاً عند اصطدام الرفاق وعند اجتماع الناس وعند كل صعود وهبوط وعند كل ركوب ونزول رافعاً بها صوته بحيث لا يبح حلقه ولا ينبهر، فإنه لا ينادي أصم ولا غائباً كما ورد في الخبر. ولابأس برفع الصوت بالتلبية في المساجد الثلاثة فإنها مظنة المناسك - أعني المسجد الحرام ومسجد الخيف ومسجد الميقات - وأما سائر المساجد فلا بأس فيها بالتلبية من غير رفع صوت: وكان صلى الله عليه وسلم إذا أعجبه شيء قال "لبيك إن العيش عيش الآخرة".

[align=center]الجملة الثالثة
في آداب دخول مكة إلى الطواف
وهي ستة
[/align]

الأول أن يغتسل بذي طوى لدخول مكة. والاغتسالات المستحبة المسنونة في الحج تسعة. الأول: للإحرام من الميقات ثم لدخول مكة ثم لطواف القدوم ثم للوقوف بعرفة ثم للوقوف بمزدلفة ثم ثلاثة أغسال لرمي الجمار الثلاث؛ ولا غسل لرمي جمرة العقبة، ثم لطواف الوداع. ولم ير الشافعي رضي الله عنه في الجديد: الغسل لطواف الزيارة ولطواف الوداع فتعود إلى سلعة، الثاني: أن يقول عند الدخول في أول الحرم وهو خارج مكة "اللهم هذا حرمك وأمنك فحرم لحمي ودمي وشعري وبشري على النار وآمني من عذابك يوم تبعث عبادك واجعلني من أوليائك وأهل طاعتك. الثالث أن يدخل مكة من جانب الأبطح وهو ثنية كدا - بفتح الكاف - عدل رسول الله صلى الله عليه وسلم من جادة الطريق إليها فالتأسي به أولى، وإذا خرج خرج من ثنية كدى - بضم الكاف - وهي الثنية السفلى والأولى هي العليا. الرابع: إذا دخل مكة وانتهى إلى راس الردم فعنده يقع بصره على البيت فليقل "لا إله إلا الله والله أكبر اللهم أنت السلام ومنك السلام ودارك دار السلام تباركت يا ذا الجلال والإكرام اللهم إن هذا بيتك عظمته وكرمته وشرفته اللهم فزده تعظيماً وزده تشريفاً وتكريماً وزده مهابة وزد من حجة يرا وكرامة اللهم افتح لي أبواب رحمتك وأدخلني جنتك وأعذني من الشيطان الرجيم". الخامس: إذا دخل المسجد الحرام فليدخل من باب بني شيبة وليقل "بسم الله وبالله ومن الله وإلى الله وفي سبيل الله وعلى ملة رسول الله صلى الله عليه وسلم فإذا قرب من البيت قال الحمد لله وسلام على عباده الذين اصطفى. اللهم صل على محمد عبدك ورسولك وعلى إبراهيم خليلك وعلى جميع أنبيائك ورسلك" وليرفع يديه وليقل "اللهم إني أسألك في مقامي هذا في أول مناسكي أن تتقبل توبتي وأن تتجاوز عن خطيئتي وتضع عني وزري الحمد لله الذي بلغني بيته الحرام الذي جعله مثابة للناس وأمناً وجعله مباركاً وهدى للعالمين. اللهم إني عبدك والبلد بلدك والحرم حرمك والبيت بيتك جئتك أطلب رحمتك وأسألك مسئلة المضطر الخائف من عقوبتك الراجي لرحمتك الطالب مرضاتك. السادس: أن تقصد الحجر الأسود بعد ذلك وتمسه بيدك اليمنى وتقبله وتقول "اللهم أمانتي اديتها وميثاقي وفيته اشهد لي بالموافاة فإن لم يستطع التقبيل وقف في مقابلته ويقول ذلك. ثم لا يعرج على شيء دون الطواف وهو طواف القدوم إلا أن يجد الناس في المكتوبة فيصلي معهم ثم يطوف.

[align=center]الجملة الرابعة
في الطواف
[/align]

فإذا أراد افتتاح الطواف إما للقدوم وإما لغيره فينبغي أن يراعي أموراً ستة الأول أن يراعي شروط الصلاة من طهارة الحدث والخبث في الثوب والبدن والمكان وستر العورة. فالطواف بالبيت صلاة ولكن الله سبحانه أباح فيه الكلام. وليضطبع قبل ابتداء الطواف وهو أن يجعل وسط ردائه تحت إبطه اليمنى ويجمع طرفيه على منكبه الأيسر فيرخي طرفاً وراء ظهره وطرفاً وراء ظهره وطرفاً على صدره. ويقط التلبية عند ابتداء الطواف ويشتغل بالأدعية التي سنذكرها الثاني إذا فرغ من الاضطباع فليجعل البيت على يساره وليقف عند الحجر الأسود وليتنح عنه قليلاً ليكون الحجر قدامه فيمر بجميع الحجر بجميع بدنه في ابتداء طوافه. وليجعل بينه وبين البيت قدر ثلاث خطوات ليكون قريباً من البيت فإنه أفضل ولكيلا يكون طائفاً على الشاذروان فإنه من البيت، وعند الحجر الأسود قد يتصل الشاذروان بالأرض ويلتبس به، والطائف عليه لا يصح طوافه؛ لأنه طائف في البيت. والشاذروان هو الذي فضل عن عرض جدار البيت بعد أن ضيق أعلى الجدار ثم من هذا الموقف يبتدىء الطواف الثالث أن يقول قبل مجاوزة الحجر بل في ابتداء الطواف "بسم الله والله أكبر اللهم إيماناً بك وتصديقاً بكتابك ووفاء بعهدك واتباعاً لسنة نبيك محمد صلى الله عليه وسلم" ويطوف. فأول ما يجاوز الحجر ينتهي إلى باب البيت فيقول "اللهم هذا البيت بيتك وهذا الحرم حرمك وهذا الأمن أمنك وهذا مقام العائذ بك من النار" وعند ذكر المقام يشير بعينه إلى مقام إبراهيم عليه السلام "اللهم إن بيتك عظيم ووجهك كريم وأنت أرحم الراحمين فأعذني من النار ومن الشيطان الرجيم وحرم لحمي ودمي على النار وآمني من أهوال يوم القيامة واكفني مؤنة الدنيا والآخرة" ثم يسبح الله تعالى ويحمده حتى يبلغ الركن العراقي فعنده يقول "اللهم إني أعوذ بك من الشر والشك والكفر والنفاق والشقاق وسوء الأخلاق وسوء المنظر في الأهل والمال والولد" فإذا بلغ الميزاب قال "اللهم أظلنا تحت عرشك يوم لا ظل إلا ظلك اللهم اسقني بكأس محمد صلى الله عليه وسلم شربة لا أظمأ بعدها أبداً" فإذا بلغ الركن الشامي قال "اللهم اجعله حجاً مبروراً وسعياً مشكوراً وذنباً مغفوراً وتجارة لن تبور يا عزيز يا غفور رب اغفر وارحم وتجاوز عما تعلم إنك أنت الأعز الأكرم" فإذا بلغ الركن اليماني قال "اللهم إني أعوذ بك من الكفر وأعوذ بك من الفقر ومن عذاب القبر ومن فتنة المحيا والممات وأعوذ بك من الخزي في الدنيا والآخرة" ويقول بين الركن اليماني والحجر الأسود "اللهم ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا برحمتك فتنة القبر وعذاب النار" فإذا بلغ الحجر الأسود قال "اللهم اغفر لي برحمتك أعوذ برب هذا الحجر من الدين والفقر وضيق الصدر وعذاب القبر" وعند ذلك قد تم شوط واحد فيطوف كذلك سبعة أشواط فيدعو بهذه الأدعية في كل شوط الرابع أن يرمل في ثلاثة أشواط ويمشي في الأربعة الأخر على الهيئة المعتادة. ومعنى الرمل الإسراع في المشي مع تقارب الخطا، وهو دون العدو وفوق المشي المعتاد. والمقصود منه ومن الاضطباع إظهار الشطارة والجلادة والقوة، هكذا كان القصد أولاً قطعاً لطمع الكفار وبقيت تلك السنة والأفضل الرمل مع الدنو من البيت فإن لم يمكنه للزحمة فالرمل مع البعد أفضل فيخرج إلى حاشية المطاف وليرمل ثلاثاً ثم ليقرب إلى البيت في المزدحم وليمش أربعاً. وإن أمكنه استلام الحجر في كل شوط فهو الأحب، وإن منعه الزحمة أشار باليد وقبل يده، وكذلك استلام الركن اليماني يستحب من سائر الأركان. وروي "أنه صلى الله عليه وسلم كان يستلم الركن اليماني ويقبله ويضع خده عليه" ومن أراد تخصيص الحجر بالتقبيل واقتصر في الركن اليماني على الاستلام أغنى عن اللمس باليد فهو أولى الخامس إذا تم الطواف سبعاً فليأت الملتزم وهو بين الحجر والباب وهو موضع استجابة الدعوة، وليلتزق بالبيت وليتعلق بالأستار وليلصق بطنه بالبيت وليضع عليه خده الأيمن وليبسط عليه ذراعيه وكفيه، وليقل "اللهم يا رب البيت العتيق أعتق رقبتي من النار وأعذني من الشيطان الرجيم وأعذني من كل سوء وقنعني بما رزقتني وبارك لي فيما آتيتني اللهم إن هذا البيت بيتك والعبد عبدك وهذا مقام العائذ بك من النار اللهم اجعلني من أكرم وفدك عليك" ثم ليحمد الله كثيراً في هذا الموضع وليصل على رسوله صلى الله عليه وسلم وعلى جميع الرسل كثيراً وليدع بحوائجه الخاصة وليستغفر من ذنوبه. كان بعض السلف في هذا الموضع يقول لمواليه: تنحوا عني حتى أقر لربي بذنوبي السادس إذا فرغ من ذلك ينبغي أن يصلي خلف المقام ركعتين يقرأ في الأولى قل يا أيها الكافرون وفي الثانية الإخلاص وهما ركعتا الطواف. قال الزهري: مضت السنة أن يصلي لكل سبع ركعتين وإن قرن بين أسابيع وصلى ركعتين جاز فعل ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم وكل أسبوع طواف. وليدع بعد ركعتي الطواف وليقل "اللهم يسر لي اليسرى وجنبني العسرى واغفر لي في الآخرة والأولى واعصمني بألطافك حتى لا أعصيط وأعني على طاعتك بتوفيقك وجنبني معاصيك واجعلني ممن يحبك ويحب ملائكتك ورسلك ويحب عبادك الصالحين. اللهم حببني إلى ملائكتك ورسلك وإلى عبادك الصالحين اللهم فكما هديتني إلى الإسلام فثبتني عليه بألطافك وولايتك واستعملني لطاعتك وطاعة رسولك وأجرني من مضلات الفتن. ثم ليعد إلى الحجر وليستلمه وليختم به الطواف قال صلى الله عليه وسلم "من طاف بالبيت أسبوعاً وصلى ركعتين فله من الأجر كعتق رقبة" وهذه كيفية الطواف. والواجب من جملته بعد شروط الصلاة أن يستكمل عدد الطواف سبعاً بجميع البيت، وأن يبتدىء بالحجر الأسود ويجعل البيت على يساره وأن يطوف داخل المسجد وخارج البيت لا على الشاذروان ولا في الحجر، وأن يوالي بين الأشواط ولا يفرقها تفريقاً خارجاً عن المعتاد وما عدا هذا فهو سنن وهيئات.

[align=center]الجملة الخامسة
في السعي[/align]


فإذا فرغ من الطواف فليخرج من باب الصفا وهو في محاذاة الضلع الذي بين الركن اليماني والحجر. فإذا خرج من ذلك الباب و انتهى إلى الصفا وهو جبل فيرقى فيه درجات في حضيض الجبل بقدر قامة الرجل. رقى رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى بدت له الكعبة. وابتداء السعي من أصل الجبل كاف وهذه الزيادة مستحبة، ولكن بعض تلك الدرج مستحدثة فينبغي أن لا يخلفها وراء ظهره فلا يكون متمماً للسعي، وإذا ابتدأ من ههنا سعى بينه وبين المروة سبع مرات. وعند رقية في الصفا ينبغي أن يستقبل البيت ويقول "الله أكبر الله أكبر الحمد لله على ما هدانا الحمد لله بمحامده كلها على جميع نعمه كلها لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد يحيي ويميت بيده الخير وهو على كل شيء قدير لا إله إلا الله وحده صدق وعده ونصر عبده وأعز جنده وهزم الأحزاب وحده لا إله إلا الله مخلصين له الدين ولو كره الكافرون لا إله إلا الله مخلصين له الدين الحمد لله رب العالمين "فسبحان الله حين تمسون وحين تصبحون وله الحمد في السموات والأرض وعشياً وحين تظهرون يخرج الحي من الميت ويخرج الميت من الحي ويحيي الأرض بعد موتها وكذلك تخرجون ومن آياته أن خلقكم من تراب ثم إذا أنتم بشر تنتشرون" اللهم إني أسألك إيماناً دائماً ويقيناً صادقاً وعلماً نافعاً وقلباً خاشعاً ولساناً ذاكراً وأسألك العفو والعافية والمعافاة الدائمة في الدنيا والآخرة ويصلي على محمد صلى الله عليه وسلم" ويدعو الله عز وجل بما شاء من حاجته عقيب هذا الدعاء. ثم ينزل ويبتدىء السعي وهو يقول "رب اغفر لي وتجاوز عما تعلم إنك أنت الأعز الأكرم اللهم آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار" ويمشي على هينة حتى ينتهي إلى الميل الأخضر وهو أول ما يلقاه إذا نزل من الصفا - وهو على زاوية المسجد الحرام - فإذا بقي بينه وبين محاذاة الميل ستة أذرع أخذ في السير السريع وهو الرمل حتى ينتهي إلى الميلين الأخضرين. ثم يعود إلى الهينة فإذا انتهى إلى المروة صعدها كما صعد الصفا وأقبل بوجهه على الصفا ودعا بمثل ذلك الدعاء وقد حصل السعي مرة واحدة؛ فإذا عاد إلى الصفا حصلت مرتان. يفعل ذلك سبعاً ويرمل في موضع الرمل في كل مرة ويسكن في موضع السكون - كما سبق - وفي كل نوبة يصعد الصفا والمروة فإذا فعل ذلك فقد فرغ من طواف القدوم والسعي وهما سنتان. والطهارة مستحبة للسعي وليست بواجبة بخلاف الطواف وإذا سع فينبغي أن لا يعيد السعي بعد الوقوف ويكتفي بهذا ركناً؛ فإنه ليس من شروط السعي أن يتأخر عن الوقوف وإنما ذلك شرط في طواف الركن. نعم شرط كل سعي أن يقع بعد طواف أي طواف كان.


[saa]يتبع بإذن الله[/saa]

_________________

يا خير من دفنت في التراب أعظمه فطاب من طيبهن القاع الأكم
نفسي الفداء لقبر أنت ساكنه فيه العفاف وفيه الجود والكرم
أنت الشفيع الذي ترجى شفاعته عند الصراط إذا ما زلّت القدم


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة:
مشاركة غير مقروءةمرسل: الأربعاء سبتمبر 28, 2005 4:05 pm 
غير متصل

اشترك في: السبت فبراير 21, 2004 10:56 pm
مشاركات: 1245
مكان: يا رب مع الحبيب و آله صلى الله عليه و آله وصحبه وسلم
[align=center]تابع ترتيب الأعمال الظاهرة من أول السفر إلى الرجوع [/align]

[align=center]الجملة السادسة
في الوقوف وما قبله
[/align]


الحاج إذا انتهى يوم عرفة إلى عرفات يتفرغ لطواف القدوم ودخول مكة قبل الوقوف. وإذا وصل قبل ذلك بأيام فطاف طواف القدوم فيمكث محرماً إلى اليوم السابع من ذي الحجة. فيخطب الإمام بمكة خطبة بعد الظهر عند الكعبة ويأمر الناس بالاستعداد للخروج إلى منى يوم التروية والمبيت بها، وبالغدو منها إلى عرفة لإقامة فرض الوقوف بعد الزوال؛ إذ وقت الوقوف من الزوال إلى طلوع الفجر الصادق من يوم النحر، فينبغي أن يخرج إلى منى ملبياً: ويستحب له المشي من مكة في المناسك إلى انقضاء حجته إن قدر عليه. والمشي من مسجد إبراهيم عليه السلام إلى الموقف أفضل وآكد. فإذا انتهى إلى منى قال "اللهم هذه منى فامنن علي بما مننت به على أوليائك وأهل طاعتك وليمكث هذه الليلة بمنى - وهو مبيت منزل لا يتعلق به نسك - فإذا أصبح يوم عرفة صلى الصبح فإذا طلعت الشمس على تثبير سار إلى عرفات ويقول "اللهم أجعلها خير غدوة غدوتها قط واقربها من رضوانك وأبعدها من سخطك اللهم إليك غدوت وإياك رجوت وعليك اعتمدت ووجهك أردت فاجعلني ممن تباهي به اليوم من هو خير مني وأفضل. فإذا أتى عرفات فليضرب خباءه بنمرة قريباً من المسجد فثم ضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم قنته ونمرة هي بطن عرنة دون الموقف ودون عرفة. وليغتسل للوقوف فإذا زالت الشمس خطب الإمام خطبة وجيزة وقعد، وأخذ المؤذن في الأذان والإمام في الخطبة الثانية ووصل الإقامة بالأذان، وفرغ الإمام مع تمام إقامة المؤذن. ثم جمع بين الظهر والعصر بأذان وإقامتين، وقصر الصلاة، وراح إلى الموقف فليقف بعرفة ولا يقفن في وادي عرنة. وأما مسجد إبراهيم عليه السلام فصدره في الوادي وأخرياته من عرفة فمن وقف في صدر المسجد لم يحصل له الوقوف بعرفة. ويتميز مكان عرفة من المسجد بصخرات كبار فرشت ثم. والأفضل أن يقف عند الصخرات بقرب الإمام مستقبلاً للقبلة راكباً. وليكثر من أنواع التحميد والتسبيح والتهليل والثناء على الله عز وجل والدعاء والتوبة. ولا يصوم في هذا اليوم ليقوى على المواظبة على الدعاء. ولا يقطع التلبية يوم عرفة بل الأحب أن يلبي تارة ويكب على الدعاء أخرى. وينبغي أن لا ينفصل من طرف عرفة إلا بعد الغروب ليجمع في عرفة بين الليل والنهار: وإن أمكنه الوقوف يوم الثامن ساعة عند إمكان الغلط في الهلال فهو الحزم وبه الأمن من الفوات. ومن فاته الوقوف حتى طلع الفجر يوم النحر فقد فاته الحج، فعليه أن يتحلل عن إحرامه بأعمال العمرة ثم يريق دماً لأجل الفوات، ثم يقضي العام الآتي، وليكن أهم اشتغاله في هذا اليوم الدعاء. ففي مثل تلك البقعة ومثل ذلك الجمع ترجى إجابة الدعوات. والدعاء المأثور عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وعن السلف في يوم عرفة أول ما يدعو به فليقل "لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد يحيي ويميت وهو حي لا يموت بيده الخير وهو على كل شيء قدير اللهم اجعل في قلبي نوراً وفي سمعي نوراً وفي بصري نوراً وفي لساني نوراً. اللهم اشرح لي صدري ويسر لي أمري وليقل: اللهم رب الحمد لك الحمد كما تقول وخيراً مما تقول لك صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي وإليك مآبي وإليك ثوابي. اللهم إني أعوذ بك من وساوس الصدر وشتات الأمر وعذاب القبر. اللهم إني أعوذ بك من شر ما يلج في الليل ومن شر ما يلج في النهار ومن شر ما تهب به الرياح. ومن شر بوائق الدهر. اللهم إني أعوذ بك من تحول عافيتك وفجأة نقمتك وجميع سخطك. اللهم اهدني بالهدى واغفر لي في الآخرة والأولى يا خير مقصود وأسنى منزول به وأكرم مسئول ما لديه أعطني العشية أفضل ما أعطيت أحداً من خلقك وحجاج بيتك يا أرحم الراحمين. اللهم يا رفيع الدرجات ومنزل البركات ويا فاطر الأرضين والسموات ضجت إليك الأصوات بصنوف اللغات يسألونك الحاجات وحاجتي إليك أن لا تنساني في دار البلاء إذا نسيني أهل الدنيا. اللهم إنك تسمع كلامي وترى مكاني وتعلم سري وعلانيتي ولا يخفى عليك شيء من أمري أنا البائس الفقير المستغيث المستجير الوجل المشفق المعترف بذنبه أسألك مسئلة المسكين وأبتهل إليك ابتهال المذنب الذليل وأدعوك دعاء الخائف الضرير دعاء من خضعت لك رقبته وفاضت لك عبرته وذل لك جسده ورغم لك أنفه. اللهم لا تجعلني بدعائك رب شقياً وكن بي رءوفاً رحيماً يا خير المسئولين وأكرم المعطين إلهي من مدح لك نفسه فإني لائم نفسي. إلهي أخرست المعاصي لساني فمالي وسيلة عن عمل ولا شفيع سوى الأمل. إلهي إني أعلم أن ذنوبي لم تبق لي عندك جاهاً ولا للاعتذار وجهاً ولكنك أكرم الأكرمين. إلهي إن لم أكن أهلاً أن أبلغ رحمتك فإن رحمتك أهل أن تبلغني ورحمتك وسعت كل شيء وأنا شيء إلهي إن ذنوبي وإن كانت عظاماً ولكنها صغار في جنب عفوك فاغفرها لي يا كريم إلهي أنت أنت وأنا أنا، أنا العواد إلى الذنوب وأنت العواد إلى المغفرة. إليه إن كنت لا ترحم إلا أهل طاعتك فإلى من يفزع المذنبون. إلهي تجنبت عن طاعتك عمداً وتوجهت إلى معصيتك قصداً فسبحانك ما أعظم حجتك علي وأكرم عفوك عني فبوجوب حجتك علي وانقطاع حجتي عنك وفقري إليك وغناك عني إلا غفرت لي يا خير من دعاه داع وأفضل من رجاه راج بحرمة الإسلام وبذمة محمد عليه السلام أتوسل إليك فاغفر لي جميع ذنوبي واصرفني من موقفي هذا مقضي الحوائج وهب لي ما سالت وحقق رجائي فيما تمنيت. إلهي دعوتك بالدعاء الذي علمتنيه فلا تحرمني الرجاء الذي عرفتنيه إلهي ما أنت صانع العشية بعبد مقر لك بذنبه خاشع لك بذلته مستكين بجرمه متضرع إليك من عمله تائب إليك من اقترافه مستغفر لك من ظلمه مبتهل إليك في العفو عنه طالب إليك نجاح حوائجه راج إليك في موقفه مع كثرة ذنوبه فيا ملجأ كل حي وولي كل مؤم من أحسن فبرحمتك يفوز ومن أخطأ فبخطيئته يهلك. اللهم إليك خرجنا وبفنائك أنخنا وإياك أملنا وما عندك طلبنا ولإحسانك تعرضنا ورحمتك رجونا ومن عذابك أشفقنا وإليك بأثقال الذنوب هربنا ولبيتك الحرام حججنا يا من يملك حوائح السائلين ويعلم ضمائر الصامتين يا من ليس معه رب يدعى ويا من ليس فوقه خالق يخشى ويا من ليس له وزير يؤتى ولا حاجب يرشى يا من لا يزداد على كثرة السؤال إلا جوداً وكرماً وعلى كثرة الحوائج إلا تفضلاً وإحساناً. اللهم إنك جعلت لكل ضيف قرى ونحن أضيافك فاجعل قرانا منك الجنة. اللهم إن لكل وفد جائزة ولكل زائر كرامة ولكل سائل عطية ولكل راج ثواباً ولكل ملتمس لما عندك جزاء ولكل مسترحم عندك رحمة ولكل راغب إليك زلفى ولكل متوسل إليك عفواً وقد وفدنا إلى بيتك الحرام ووقفنا بهذه المشاعر العظام وشهدنا هذه المشاهد الكرام رجاء لما عندك فلا تخيب رجاءنا. إلهنا تابعت النعم حتى اطمأنت الأنفس بتتابع نعمك وأظهرت العبر حتى نطقت الصوامت بحجتك وظاهرت المنن حتى اعترف أولياؤك بالتقصير عن حقك وأظهرت الآيات حتى أفصحت السموات والأرضون بأدلتك وقهرت بقدركت حتى خضع كل شيء لعزتك وعنت الوجوه لعظمتك إذا أساءت عبادك حلمت وأمهلت وإن أحسنوا تفضلت وقبلت وإن عصوا سترت وإن أذنبوا عفوت وغفرت وإذا دعونا أجبت وإذا نادينا سمعت وإذا أقبلنا إليك قربت وإذا ولينا عنك دعوت. إلهنا إنك قلت في كتابك المبين لمحمد خاتم النبيين "قل للذين كفروا إن ينتهوا يغفر لهم ما قد سلف" فأرضاك عنهم الإقرار بكلمة التوحيد بعد الجحود وإنا نشهد لك بالتوحيد مخبتين ولمحمد بالرسالة مخلصين فاغفر لنا بهذه الشهادة سوالف الإجرام ولا تجعل حظنا فيه أنقص من حظ من دخل في الإسلام. إلهنا إنك أحببت التقرب إليك بعتق ما ملكت أيماننا ونحن عبيدك وأنت أولى بالتفضل فأعتقنا. وإنك أمرتنا أن نتصدق على فقرائنا ونحن فقراؤك وأنت أحق بالتطول فتصدق علينا. ووصيتنا بالعفو عمن ظلمنا وقد ظلمنا أنفسنا وأنت أحق بالكرم فاعف عنا. ربنا اغفر لنا وارحمنا أنت مولانا ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا برحمتك عذاب النار" وليكثر من دعاء الخضر عليه السلام وهو أن يقول "يا من لا يشغله شأن عن شأن ولا سمع عن سمع ولا تشتبه عليه الأصوات، يا من لا تغلطه المسائل ولا تختلف عليه اللغات، يا من لا يبرمه إلحاحالملحين ولا تضجره مسئلة السائلين أذقنا برد عفوك وحلاوة مناجاتك" وليدع بما بدا له وليستغفر له ولوالديه ولجميع المؤمنين والمؤمنات وليلح في الدعاء وليعظم المسألة فإن الله لا يتعاظمه شيء، وقال مطرف بن عبد الله وهو بعرفة: اللهم لا ترد الجميع من أجلي. وقال بكر المزني: قال رجل لما نظرت إلى أهل عرفات ظننت أنهم قد غفر لهم لولا أني كنت فيهم.

[align=center]الجملة السابعة
في بقية أعمال الحج بعد الوقوف
من المبيت والرمي والنحر والحلق والطواف
[/align]


فإذا أفاض من عرفة بعد غروب الشمس فينبغي أن يكون على السكينة والوقار وليجتنب وجيف الخيل وإيضاع الإبل كما يعتاده بعض الناس. فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم "نهى عن وجيف الخيل وإيضاع الإبل وقال: اتقوا الله وسيروا سيراً جميلاً لا تطأوا ضعيفاً ولا تؤذوا مسلماً" فإذا بلغ المزدلفة اغتسل لها لأن المزدلفة من الحرم فليدخله بغسل، وإن قدر على دخوله ماشياً فهو أفضل وأقرب إلى توقير الحرم. ويكون في الطريق رافعاً صوته بالتلبية فإذا بلغ المزدلفة قال "اللهم إن هذه مزدلفة جمعت فيها ألسنة مختلفة تسألك حوائج مؤتنفه فاجعلني ممن دعاك فاستجبت له وتوكل عليك فكفيته" ثم يجمع بين المغرب والعشاء بمزدلفة في وقت العشاء قاصراً له بأذان وإقامتين ليس بينهما نافلة، ولكن يجمع نافلة المغرب والعشاء والوتر بعد الفريضتين، ويبدأ بنافلة المغرب ثم بنافلة العشاء كما في الفريضتين. فإن ترك النوافل في السفر خسران ظاهر. وتكليف إيقاعها في الأوقات إضرار وقطع للتبعية بينهما وبين الفرائض فإذا جاز أن يؤدي النوافل مع الفرائض بتيمم واحد بحكم التبعية فبأن يجوز أداؤهما على حكم الجمع بالتبعية أولى. ولا يمنع من هذا مفارقة النفل للفرض في جواز أدائه على الراحلة لما أومأنا إليه من التبعية والحاجة. ثم يمكث تلك الليلة بمزدلفة وهو مبيت نسك، ومن خرج منها في النصف الأول من الليل ولم يبت فعليه دم، وإحياء هذه الليلة الشريفة من محاسن القربات لمن يقدر عليه ثم إذا انتصف الليل يأخذ في التأهب للرحيل ويتزود الحصى منها - ففيها أحجار رخوة - فليأخذ سبعين حصاة فإنها قدر الحاجة، ولابأس بأن يستظهر بزيادة فربما يسقط منه بعضها. ولتكن الحصى خفافاً بحيث يحتوي عليه أطراف البراجم. ثم ليغلس بصلاة الصبح وليأخذ في المسير حتى إذا انتهى إلى المشعر الحرام وهو آخر المزدلفة فيقف ويدعو إلى الإسفار ويقول "اللهم بحق المشعر الحرام والبيت الحرام والشهر الحرام والركن والمقام أبلغ روح محمد منا التحية والسلام وأدخلنا دار السلام يا ذا الجلال والإكرام، ثم يدفع منها قبل طلوع الشمس حتى ينتهي إلى موضع يقال له وادي محسر فيستحب له أن يحرك دابته حتى يقطع عرض الوادي وإن كان راجلاً أسرع في المشي. ثم إذا أصبح يوم النحر خلط التلبية بالتكبير فيلبي تارة ويكبر أخرى. فينتهي إلى منى ومواضع الجمرات وهي ثلاثة فيتجاوز الأولى والثانية فلا شغل له معهما يوم النحر، حتى ينتهي إلى جمرة العقبة وهي على يمين مستقبل القبلة في الجادة - والمرمى مرتفع قليلاً في سفح الجبل وهو ظاهر بمواقع الجمرات - ويرمي جمرة العقبة بعد طلوع الشمس بقدر رمح. وكيفيته أن يقف مستقبلاً القبلة وإن استقبل الجمرة فلا بأس ويرمي سبع حصيات رافعاً يده، ويبدل التلبية بالتكبير ويقول مع كل حصاة "الله أكبر على طاعة الرحمن، ورغم الشيطان اللهم تصديقاً بكتابك واتباعاً لسنة نبيك" فإذا رمى قطع التلبية والتكبير إلا التكبير عقيب فرائض الصلوات من ظهر يوم النحر إلى عقيب الصبح من آخر أيام التشريق. ولا يقف في هذا اليوم للدعاء بل يدعو في منزله. وصفة التكبير أن يقول "الله أكبر الله أكبر الله أكبر كبيراً والحمد لله كثيراً وسبحان الله بكرة وأصيلاً لا إله إلا الله وحده لا شريك له مخلصين له الدين ولو كره الكافرون لا إله إلا الله وحده صدق وعده ونصر عبده وهزم الأحزاب وحده لا إله إلا الله والله أكبر" ثم ليذبح الهدي إن كان معه والأولى أن يذبح بنفسه وليقل "بسم الله والله أكبر اللهم منك وبك وإليك تقبل مني كما تقبلت من خليلك إبراهيم" والتضحية بالبدن أفضل ثم بالبقر ثم بالشاة. والشاة أفضل من مشاركة ستة في البدنة أو البقرة. والضأن أفضل من المعز قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "خير الأضحية الكبش الأقرن والبيضاء أفضل من الغبراء والسوداء" وقال أبو هريرة: البيضاء أفضل في الأضحى من دم سوداوين وليأكل منه إن كانت من هدي التطوع ولا يضحين بالعرجاء والجدعاء والعضباء والجرباء والشرقاء والخرقاء والمقابلة والمدابرة والعجفاء. والجدع في الأنف والأذن للقطع منهما، والعضب في القرن وفي نقصان القوائم والشرقاء المشقوقة الأذن من فوق، والخرقان من أسفل، والمقابلة المخروقة الأذن من قدام، والمدابرة من خلف. والعجفاء المهزولة التي لا تتقي أي لا مخ فيها من الهزال. ثم ليحلق بعد ذلك والسنة أن يستقبل القبلة ويبتدىء بمقدم رأسه فيحلق الشق الأيمن إلى العظمين المشرفين على القفا ثم ليحلق الباقي ويقول "اللهم أثبت لي بكل شعرة حسنة وامح عني بها سيئة وارفع لي بها عندك درجة" والمرأة تقصر الشعر. والأصلع يستحب له إمرار الموسى على رأسه ومهما حلق بعد رمي الجمرة فقد حصل له التحلل الأول وحل له كل المحذورات إلا النساء والصيد. ثم يفيض إلى مكة ويطوف كما وصفناه. وهذا الطواف طواف ركن الحج ويسمى طواف الزيارة وأول وقته بعد نصف الليل من ليلة النحر، وأفضل وقته يوم النحر ولا آخر لوقته بل له أن يؤخر إلى أي وقت شاء، ولكن يبقى مقيداً بعلقة الإحرام فلا تحل لهه النساء إلى أن يطوف. فإذا طاف تم التحلل وحل الجماع وارتفع الإحرام بالكلية ولم يبق إلا رمي أيام التشريق والمبيت بمنى وهي واجبات بعد زوال الإحرام على سبيل الاتباع للحق وكيفية هذا الطواف مع الركعتين كما سبق في طواف القدوم. فإذا فرغ من الركعتين فليسع كما وصفنا إن لم يكن سعى بعد طواف القدوم وإن كان قد سعى فقد وقع ذلك ركناً فلا ينبغي أن يعيد السعي. وأسباب التحلل ثلاثة: الرمي والحلق والطواف الذي هو ركن. ومهما أتى باثنين من هذه الثلاثة فقد تحلل أحد التحللين، ولا حرج عليه في التقديم والتأخير بهذه الثلاث مع الذبح، ولكن الأحسن أن يرمي ثم يذبح ثم يحلق ثم يطوف. والسنة للإمام في هذا اليوم أن يخطب بعد الزوال وهي خطبة وداع رسول الله صلى الله عليه وسلم ففي الحج أربع خطب: خطبة يوم السابع وخطبة يوم عرفة وخطبة يوم النحر وخطبة يوم النفر الأول، وكلها عقيب الزوال وكلها إفراد إلا خطبة يوم عرفة فإنها خطبتان بينهما جلسة. ثم إذا فرغ من الطواف عاد إلى منى للمبيت والرمي فيبيت تلك الليلة بمنى وتسمى ليلة القر لأن الناس في غد يقرون بمنى ولاينفرون. فإذا أصبح اليوم الثاني من العيد وزالت الشمس اغتسل للرمي وقصد الجمرة الأولى التي تلي عرفة وهي على يمين الجادة ويرمى إليها بسبع حصيات، فإذا تعداها انحرف قليلاً عن يمين الجادة ووقف مستقبل القبلة وحمد الله تعالى وهلل وكبر ودعا مع حضور القلب وخشوع الجوارح ووقف مستقبل القبلة قدر مستقبل القبلة قدر قراءة سورة البقرة مقبلاً على الدعاء، ثم يتقدم إلى الجمرة الوسطى ويرمي كما رمى الأولى ويقف كما وقف للأولى ثم يتقدم إلى جمرة العقبة ويرمي سبعاً، ولا يعرج على شغل بل يرجع إلى منزله ويبيت تلك الليلة بمنى وتسمى هذه الليلة ليلة النفر الأول، ويصبح فإذا صلى الظهر في اليوم الثاني من أيام التشريق رمى في هذا اليوم إحدى وعشرين حصاة كاليوم الذي قبله. ثم هو مخير بين المقام بمنى وبين العود إلى مكة. فإن خرج من منى قبل غروب الشمس فلا شيء عليه وإن صبر إلى الليل فلا يجوز له الخروج بل لزمه المبيت حتى يرمي في يوم النفر الثاني أحداً وعشرين حجراً كما سبق. وفي ترك المبيت والرمي إراقة دم وليتصدق باللحم. وله أن يزور البيت في ليالي منى بشرط أن لا يبيت إلا بمنى كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يفعل ذلك ولا يتركن حضور الفرائض مع الإمام في مسجد الخيف فإن فضله عظيم فإذا أفاض من منى فالأولى أن يقيم بالمحصب من منى ويصلي العصر والمغرب والعشاء ويرقد رقدة فهو السنة. رواه جماعة من الصحابة رضي الله عنهم. فإن لم يفعل ذلك فلا شيء عليه.


[align=center]الجملة الثامنة
في صفة العمرة وما بعدها إلى طواف الوداع
[/align]

من أراد أن يعتمر قبل حجه أو بعده كيفما أراد فليغتسل ويلبس ثياب الإحرام كما سبق في الحج ويحرم بالعمرة من ميقاتها، وأفضل مواقيتها الجعرانة ثم التنعيم ثم الحديبية. وينوي العمرة ويلبي ويقصد مسجد عائشة رضي الله عنها ويصلي ركعتين ويدعو بما شاء. ثم يعود إلى مكة وهو يلبي حتى يدخل المسجد الحرام. فإذا دخل المسجد ترك التلبية وطاف سبعاً وسعى سبعاً كما وصفنا. فإذا فرغ حلق رأسه وقد تمت عمرته. والمقيم بمكة ينبغي أن يكثر الاعتمار والطواف. وليكثر النظر إلى البيت. فإذا دخله فليصل ركعتين بين العمودين فهو الأفضل وليدخله حافياً موقراً. قيل لبعضهم: هل دخلت بيت ربك اليوم؟ فقال: والله ما أرى هاتين القدمين أهلاً للطواف حول بيت ربي فكيف أراهما أهلاً لأن أطأ بهما بيت ربي! وقد علمت حيث مشيتا وإلى أين مشيتا. وليكثر شرب ماء زمزم وليستق بيده من غير استنابة إن أمكنه وليرتو منه حتى يتضلع وليقل: اللهم اجعله شفاء من كل داء وسقم وارزقني الإخلاص واليقين والمعافاة في الدنيا والآخرة قال صلى الله عليه وسلم "ماء زمزم لما شرب له" أي يشفي ما قصد به.

[align=center]الجمعة التاسعة
في طواف الوداع
[/align]

مهما عن له الرجوع إلى الوطن بعد الفراغ من إتمام الحج والعمرة فلينجز أولاً أشغاله وليشد رحاله وليجعل آخر أشغاله وداع البيت. ووداعه بأن يطوف به سبعاً كما سبق ولكن من غير رمل واضطباع. فإذا فرغ منه صلى ركعتين خلف المقام وشرب من ماء زمزم. ثم يأتي الملتزم ويدعو ويتضرع ويقول "اللهم إن البيت بيتك والعبد عبدك وابن عبدك وابن أمتك حملتني على ما سخرت لي من خلقك حتى سيرتني في بلادك وبلغتني بنعمتك حتى أعنتني على قضاء مناسكك، فإن كنت رضيت عني فازدد عني رضاً وإلا فمن الآن قبل تباعدي عن بيتك هذا أوان انصرافي إن أذنت لي غير مستبدل بك ولا ببيتك ولا راغب عنك ولا عن بيتك. اللهم اصحبني العافية في بدني والعصمة في ديني وأحسن منقلبي وارزقني طاعتك أبداً ما أبقيتني واجمع لي خير الدنيا والآخرة إنك على كل شيء قدير. اللهم لا تجعل هذا آخر عهدي ببيتك الحرام وإن جعلته آخر عهدي فعوضني عنه الجنة" والأحب أن لا يصرف بصره عن البيت حتى يغيب عنه.

[align=center]الجملة العاشرة
في زيارة المدينة وآدابها
[/align]


قال صلى الله عليه وسلم "من زارني بعد وفاتي فكأنما زارني في حياتي" وقال صلى الله عليه وسلم "من وجد سعة ولم يفد إلي فقد جفاني" وقال صلى الله عليه وسلم "من جاءني زائراً لا يهمه إلا زيارتي كان حقاً على الله سبحانه أن أكون له شفيعاً" فمن قصد زيارة المدينة فليصل على رسول الله صلى الله عليه وسلم في طريقه كثيراً. فإذا وقع بصره على حيطان المدينة وأشجارها قال "اللهم هذا حرم رسولك فاجعله لي وقاية من النار وأماناً من العذاب وسوء الحساب" وليغتسل قبل الدخول من بئر الحرة وليتطيب وليلبس أنظف ثيابه. فإذا دخلها فليدخلها متواضعاً معظماً وليقل: بسم الله وعلى ملة رسول الله صلى الله عليه وسلم "رب أدخلني مدخل صدق وأخرجني مخرج صدق واجعل لي من لدنك سلطاناً نصيراً" ثم يقصد المسجد ويدخله ويصلي بجنب المنبر ركعتين. ويجعل عمود المنبر حذاء منكبه الأيمن ويستقبل السارية التي إلى جانبها الصندوق وتكون الدائرة التي في قبلة المسجد بين عينيه فذلك موقف رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل أن يغير المسجد. وليجتهد أن يصلي في المسجد الأول قبل أن يزاد فيه. ثم يأتي قبر النبي صلى الله عليه وسلم فيقف عند وجهه وذلك بأن يستدبر القبلة ويستقبل جدار القبر على نحو من أربعة أذرع من السارية التي في زاوية جدار القبر، ويجعل القنديل على رأسه وليس من السنة أن يمس الجدار ولا أن يقبله بل الوقوف من بعد أقرب للاحترام، فيقف ويقول "السلام عليك يا رسول الله السلام عليك يا نبي الله السلام عليك يا أمين الله السلام عليك يا حبيب الله السلام عليك يا صفوة الله السلام عليك يا خيرة الله السلام عليك يا أحمد السلام عليك يا محمد السلام عليك يا أبا القاسم السلام عليك يا ماحي السلام عليك يا عاقب السلام عليك يا حاشر السلام عليك يا بشير السلام عليك يا نذير السلام عليك يا طهر السلام عليك يا طاهر السلام عليك يا أكرم ولد آدم السلام عليك يا سيد المرسلين السلام عليك يا خاتم النبيين السلام عليك يا رسول رب العالمين السلام عليك يا قائد الخير السلام عليك يا فاتح البر السلام عليك يا نبي الرحمة السلام عليك يا هادي الأمة السلام عليك يا قائد الغر المحجلين السلام عليك وعلى أهل بيتك الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيراً السلام عليك وعلى أصحابك الطيبين وعلى أزواجك الطاهرات أمهات المؤمنين جزاك الله عنا أفضل ما جزى نبياً عن قومه ورسولاً عن أمته وصلى عليك كلما ذكرك الذاكرون وكلما غفل عنك الغافلون وصلى عليك في الأولين والآخرين أفضل وأكمل وأعلى وأجل وأطيب وأطهر ما صلى على أحد من خلقه كما استنقذنا بك من الضلالة وبصرنا بك من العماية وهدانا بك من الجهالة أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أنك عبده ورسوله وأمينه وصفيه وخيرته من خلقه وأشهد أنك قد بلغت الرسالة وأديت الأمانة ونصحت الأمة وجاهدت عدوك وهديت أمتك وعبدت ربك حتى أتاك اليقين فصلى الله عليك وعلى أهل بيتك الطيبين وسلم وشرف وكرم وعظم وإن كان قد أوصي بتبليغ سلام فيقول "السلام عليك من - فلان - السلام عليك من - فلان - ثم يتأخر قدر ذراع ويسلم على أبي بكر الصديق رضي الله عنه. ثم يتأخر قدر ذراع ويسلم على الفاروق عمر رضي الله عنه ويقول "السلام عليكما يا وزيري رسول الله صلى الله عليه وسلم والمعاونين له على القيام بالدين مادام حياً والقائمين في أمته بعده بأمور الدين تتبعان في ذلك آثاره وتعملان بسنته فجزاكما الله خير ما جزى وزيري نبي عن دينه. ثم يرجع فيقف عند رأس رسول الله صلى الله عليه وسلم - بين القبر والاسطوانة اليوم - ويستقبل القبلة وليحمد الله عز وجل وليمجده وليكثر من الصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم يقول "اللهم إنك قد قلت وقولك الحق "ولو أنهم إذ ظلموا أنفسهم جاءوك فاستغفروا الله واستغفر لهم الرسول لوجدوا الله تواباً رحيماً" اللهم إنا قد سمعنا قولك وأطعنا أمرك وقصدنا نبيك متشفعين به إليك في ذنوبنا وما أثقل ظهورنا من أوزارنا تائبين من زللنا معترفين بخطايانا وتقصيرنا فتب اللهم علينا وشفع نبيك هذا فينا وارفعنا بمنزلته عندك وحقه عليك. اللهم اغفر للمهاجرين والأنصار واغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان. اللهم لا تجعله آخر العهد من قبر نبيك ومن حرمك يا أرحم الراحمين.
ثم يأتي الروضة فيصلي فيها ركعتين ويكثر من الدعاء ما استطاع لقوله صلى الله عليه وسلم "ما بين قبري ومنبري روضة من رياض الجنة ومنبري على حوضي" ويدعو عند المنبر ويستحب أن يضع يده على الرمانة السفلى التي كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يضع يده عليها عند الخطبة ويستحب له أن يأتي أحداً يوم الخميس ويزور قبور الشهداء فيصلي الغداة في مسجد النبي صلى الله عليه وسلم. ثم يخرج ويعود إلى المسجد لصلاة الظهر فلا يفوته فريضة في الجماعة في المسجد. ويستحب أن يخرج كل يوم إلى البقيع بعد السلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم ويزور قبر عثمان رضي الله عنه وقبر الحسن بن علي رضي الله عنهما، وفيه أيضاً قبر علي ابن الحسين ومحمد بن علي وجعفر بن محمد رضي الله عنهم، ويصلي في مسجد فاطمة رضي الله عنها ويزور قبر إبراهيم ابن رسول الله صلى الله عليه وسلم وقبر صفية عمة رسول الله صلى الله عليه وسلم فذلك كله بالبقيع. ويستحب له أن يأتي مسجد قباء في كل سبت ويصلي فيه لما روي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم "قال من خرج من بيته حتى يأتي مسجد قباء ويصلي فيه كان له عدل عمرة" ويأتي بئر أريس يقال إن النبي صلى الله عليه وسلم تفل فيها وهي عند المسجد فيتوضأ منها ويشرب من مائها ويأتي مسجد الفتح وهو على الخندق. وكذا يأتي سائر المساجد والمشاهد ويقال إن جميع المشاهد والمساجد بالمدينة ثلاثون موضعاً يعرفها أهل البلد فيقصد ما قدر عليه وكذلك يقصد الآبار التي كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتوضأ منها ويغتسل ويشرب منها وهي سبع آبار طلباً للشفاء وتبركاً به صلى الله عليه وسلم وإن أمكنه الإقامة بالمدينة مع مراعاة الحرمة فلها فضل عظيم قال صلى الله عليه وسلم "لا يصبر على لأوائها وشدتها أحد إلا كنت له شفيعاً يوم القيامة" وقال صلى الله عليه وسلم "من استطاع أن يموت بالمدينة فليمت فإنه لن يموت بها أحد إلا كنت له شفيعاً أو شهيداً يوم القيامة" ثم إذا فرغ من أشغاله وعزم على الخروج من المدينة فالمستحب أن يأتي القبر الشريف ويعيد دعاء الزيارة - كما سبق - ويودع رسول الله صلى الله عليه وسلم ويسأل الله عز وجل أن يرزقه العودة إليه ويسأل السلامة في سفره. ثم يصلي ركعتين في الروضة الصغيرة وهي موضع مقام رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل أن زيدت المقصورة في المسجد. فإذا خرج فليخرج رجله اليسرى أولاً ثم اليمنى وليقل "اللهم صل على محمد وعلى آل محمد ولا تجعله آخر العهد بنبيك وحط أوزاري بزيارته وأصحبني في سفري السلامة ويسر رجوعي إلى أهلي ووطني سالماً يا أرحم الراحمين" وليتصدق على جيران رسول الله صلى الله عليه وسلم بما قدر عليه. وليتتبع المساجد التي بين المدينة ومكة فيصلي فيها وهي عشرون موضعاً.


[align=center]فصل في سنن الرجوع من السفر[/align]

"كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قفل من غزو أو حج أو عمرة يكبر على رأس كل شرف من الأرض ثلاث تكبيرات ويقول: لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير آيبون تائبون عابدون ساجدون لربنا حامدون صدق الله وعده ونصر عبده وهزم الأحزاب وحده" وفي بعض الروايات "وكل شيء هالك إلا وجهه له الحكم وإليه ترجعون" فينبغي أن يستعمل هذه السنة في رجوعه. وإذا أشرف على مدينته يحرك الدابة ويقول "اللهم اجعل لنا بها قراراً ورزقاً حسناً. ثم ليرسل إلى أهله من يخبرهم بقدومه كي لا يقدم عليهم بغتة فذلك هو السنة ولا ينبغي أن يطرق أهله ليلاً فإذا دخل البلد فليقصد المسجد أولاً وليصل ركعتين فهو السنة كذلك كان يفعل رسول الله صلى الله عليه وسلم. فإذا دخل بيته قال "توباً توباً لربنا أوباً لا يغادر علينا حوباً" فإذا استقر في منزله فلا ينبغي أن ينسى ما أنعم الله به عليه من زيارة بيته وحرمه وقبر نبيه صلى الله عليه وسلم فيكفر تلك النعمة بأن يعود إلى الغفلة واللهو والخوض في المعاصي، فما ذلك علامة الحج المبرور بل علامته أن يعود زاهداً في الدنيا راغباً في الآخرة متأهباً للقاء رب البيت بعد لقاء البيت.




[saa]يتبع بإذن الله[/saa]

_________________

يا خير من دفنت في التراب أعظمه فطاب من طيبهن القاع الأكم
نفسي الفداء لقبر أنت ساكنه فيه العفاف وفيه الجود والكرم
أنت الشفيع الذي ترجى شفاعته عند الصراط إذا ما زلّت القدم


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة:
مشاركة غير مقروءةمرسل: الأحد أكتوبر 02, 2005 4:24 pm 
غير متصل

اشترك في: السبت فبراير 21, 2004 10:56 pm
مشاركات: 1245
مكان: يا رب مع الحبيب و آله صلى الله عليه و آله وصحبه وسلم
[align=center]الباب الثالث
في الآداب الدقيقة والأعمال الباطنة
بيان دقائق الآداب
وهي عشرة
[/align]

الأول أن تكون النفقة حلالاً وتكون اليد خالية من تجارة تشغل القلب وتفرق الهم حتى يكون الهم مجرداً لله تعالى والقلب مطمئناً منصرفاً إلى ذكر الله تعالى وتعظيم شعائره. وقد روي في خبر من طريق أهل البيت "إذا كان آخر الزمان خرج الناس إلى الحج أربعة أصناف سلاطينهم للنزهة وأغنياؤهم للتجارة وفقراؤهم للمسألة وقراؤهم للسمعة" وفي الخبر إشارة إلى جملة أغراض الدنيا التي يتصور أن تتصل بالحج، فكل ذلك مما يمنع فضيلة الحج ويخرجه من حيز حج الخصوص؛ لاسيما إذا كان متجرداً بنفس الحج بأن يحج لغيره بأجرة فيطلب الدنيا بعمل الآخرة. وقد كره الورعون وأرباب القلوب ذلك إلا أن يكون قصده المقام بمكة ولم يكن له ما يبلغه فلابأس أن يأخذ ذلك على هذا القصد، لا ليتوصل بالدين إلى الدنيا بل بالدنيا إلى الدين. فعند ذلك ينبغي أن يكون قصده زيارة بيت الله عز وجل ومعاونة أخيه المسلم بإسقاط الفرض عنه. وفي مثله ينزل قول رسول الله صلى الله عليه وسلم "يدخل الله سبحانه بالحجة الواحدة ثلاثة الجنة: الموصي بها والمنفذ لها ومن حج بها عن أخيه" ولست أقول لا تحل الأجرة أو يحرم ذلك بعد أن أسقط فرض الإسلام عن نفسه، ولكن الأولى أن لا يفعل ولايتخذ ذلك مكسبه ومتجره فإن الله عز وجل يعطي الدنيا بالدين ولا يعطي الدين بالدنيا. وفي الخبر "مثل الذي يغزو في سبيل الله عز وجل ويأخذ أجراً مثل أم موسى عليه السلام ترضع ولدها وتأخذ أجرها" فمن كان مثاله في أخذ الأجرة على الحج مثال أم موسى فلابأس بأخذه فإنه يأخذ ليتمكن من الحج والزيارة فيه، وليس يحج ليأخذ الأجرة بل يأخذ الأجرة ليحج كما كانت تأخذ أم موسى ليتسير لها الإرضاع بتلبيس حالها عليهم الثاني أن لا يعاون أعداء الله سبحانه بتسليم المكس وهم الصادون عن المسجد الحرام من أمراء مكة والأعراب المترصدين في الطريق. فإن تسليم المال إليهم إعانة على الظلم وتيسير لأسبابه عليهم فهو كالإعانة بالنفس؛ فليتلطف في حيلة الخلاص فإن لم يقدر فقد قال بعض العلماء - ولابأس بما قال - إن ترك التنفل بالحج والرجوع عن الطريق أفضل من إعانة الظلمة فإن هذه بدعة أحدثت وفي الانقياد لها ما يجعلها سنة مطردة وفيه ذل وصغار على المسلمين ببذل جزية. ولا معنى لقول القائل إن ذلك يؤخذ مني وأنا مضطر فإنه لو قعد في البيت أو رجع من الطريق لم يؤخذ منه شيء بل ربما يظهر أسباب الترفه فتكثر مطالبته فلو كان في زي الفقراء لم يطالب فهو الذي ساق نفسه إلى حالة الاضطرار الثالث التوسع في ازلاد وطيب النفس بالبذل والإنفاق من غير تقتير ولا إسراف بل على اقتصاد، وأعني بالإسراف التنعم بأطيب الأطعمة والترفه بشرب أنواعها على عادة المترفين. فأما كثرة البذل فلا سرف فيه. إذ لا خير في السرف ولا سرف في الخير، كما قيل. وبذل الزاد في طريق الحج نفقته في سبيل الله عز وجل والدرهم بسبعمائة درهم. قال ابن عمر رضي الله عنهما: من كرم الرجل طيب زاده في سفره. وكان يقول أفضل الحاج أخلصهم نية وأزكاهم نفقة وأحسنهم يقيناً. وقال صلى الله عليه وسلم "الحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة فقيل له يا رسول الله ما بر الحج؟ فقال: طيب الكلام وإطعام الطعام" الرابع ترك الرفث والفسوق والجدال كما نطق به القرآن. والرفث اسم جامع لكل لغو وخنى وفحش من الكلام ويدخل فيه مغازلة النساء ومداعبتهن والتحدث بشأن الجماع ومقدماته، فإن ذلك يهيج داعية الجماع المحظور والداعي إلى المحظور محظور. والفسق اسم جامع لكل خروج عن طاعة الله عز وجل. والجدال هو المبالغة في الخصومة والمماراة بما يورث الضغائن ويفرق في الحال الهمة ويناقض حسن الخلق. وقد قال سفيان: من رفث فسد حجه، وقد جعل رسول الله صلى الله عليه وسلم طيب الكلام مع إطعام الطعام من بر الحج. والمماراة تناقض طيب الكلام فلا ينبغي أن يكون كثير الاعتراض على رفيقه وجماله وعلى غيره من أصحابه بل يلين جانبه ويخفض جناحه للسائرين إلى بيت الله عز وجل ويلزم حسن الخلق وليس حسن الخلق كف الأذى بل احتمال الأذى وقيل سمي السفر سفراً لأنه يسفر عن أخلاق الرجال. ولذلك قال عمر رضي الله عنه لمن زعم أنه يعرف رجلاً: هل صحبته في السفر الذي يستدل به على مكارم الأخلاق؟ قال: لا، فقال: ما أراك تعرفه الخامس أن يحج ماشياً إن قدر عليه فذلك الأفضل. أوصى عبد الله ابن عباس رضي الله عنهما بنيه عند موته فقال: يا بني حجوا مشاة فإن للحاج الماشي بكل خطوة يخطوها سبعمائة حسنة من حسنات الحرم، قيل وما حسنات الحرم؟ قال: الحسنة بمائة ألف والاستحباب في المشي في المناسك والتردد من مكة إلى الموقف وإلى منى آكد منه في الطريق. وإن أضاف إلى المشي الإحرام من دويرة أهله فقد قيل إن ذلك من إتمام الحج قاله عمر وعلي وابن مسعود رضي الله عنهم في معنى قوله عز وجل "وأتموا الحج والعمرة لله" وقال بعض العلماء: الركوب أفضل لما فيه من الإنفاق والمؤنة ولأنه أبعد عن ضجر النفس وأقل لأذاه وأقرب إلى سلامته وتمام حجه. وهذا عند التحقيق ليس مخالفاً للأول بل يبنغي أن يفصل. ويقال من سهل عليه المشي فهو أفضل فإن كان يضعف ويؤدي به ذلك إلى سوء الخلق وقصور عن عمل فالركوب له أفضل، كما أن الصوم للمسافر أفضل وللمريض ما لم يفض إلى ضعف وسوء خلق. وسئل بعض العلماء عن العمرة: أيمشي فيها أو يكتري حماراً بدرهم؟ فقال: إن كان وزن الدرهم أشد عليه فالكراء أفضل من المشي، وإن كان المشي أشد عليه كالأغنياء فالمشي له أفضل؛ فكأنه ذهب فيه إلى طريق مجاهدة النفس وله وجه. ولكن الأفضل له أن يمشي ويصرف ذلك الدرهم إلى خير فهو أولى من صرفه إلى المكاري عوضاً عن ابتذال الدابة. فإذا كانت لا تتسع نفسه للجمع بين مشقة النفس ونقصان المال فما ذكره غير بعيد فيه السادس أن لا يركب إلا زاملة أما المحمل فليجتنبه إلا إذا كان يخاف على الزاملة أن لا يستمسك عليها لعذر وفيه معنيان أحدهما: التخفيف على البعير فإن المحمل يؤذيه. والثاني: اجتنات زي المترفين المتكبرين "حج رسول الله صلى الله عليه وسلم على راحلة وكان تحته رحل رث وقطيفة خلقة قيمتها أربعة دراهم وطاف على الراحلة لينظر الناس إلى هديه وشمائله" وقال صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم "خذوا عني مناسككم" وقيل إن هذه المحامل أحدثها الحجاج وكان العلماء في وقته ينكرونها. فروى سفيان الثوري عن أبيه أنه قال: برزت من الكوفة إلى القادسية للحج ووافيت الرفاق من البلدان فرأيت الحاج كلهم على زوامل وجوالقات ورواحل وما رأيت في جميعهم إلا محملين. وكان ابن عمر إذا نظر إلى ما أحدث الحجاج من الزي والمحامل يقول الحاج قليل والركب كثير ثم نظر إلى رجل مسكين رث الهيئة تحته جوالق فقال: هذا نعم من الحجاج.
السابع أن يكون رث الهيئة أشعث أغبر غير مستكثر من الزينة ولا مائل إلى أسباب التفاخر والتكاثر فيكتب في ديوان المتكبرين والمترفهين ويخرج عن حزب الضعفاء والمساكين وخصوص الصالحين، فقد أمر صلى الله عليه وسلم بالشعث والاختفاء ونهى عن التنعيم والرفاهية في حديث فضالة بن عبيد وفي الحديث "إنما الحاج الشعث النفث ويقول الله تعالى "انظروا إلى زوار بيتي قد جاءوني شعثاً غبراً من كل فج عميق" وقال تعالى "ثم ليقضوا تفثهم" والتفث الشعث والاغبرار، وقضاؤه بالحلق وقص الشارب والأظفار. وكتب عمر بن الخطاب رضي الله عنه إلى أمراء الأجناد: اخلولقوا واخشوشنوا. أي البسوا الخلقان واستعملوا الخشونة في الأشياء. وقد قيل: زين الحجيج أهل اليمن لأنهم على هيئة التواضع والضعف وسيرة السلف. فينبغي أن يجتنب الحمرة في زيه على الخصوص والشهرة كيفما كانت على العموم. فقد روي "أنه صلى الله عليه وسلم كان في سفر فنزل أصحابه منزلاً فسرحت الإبل فنظر إلى أكسية حمر على الأقتاب فقال صلى الله عليه وسلم أرى هذه الحمرة قد غلبت عليكم قالوا فقمنا إليها ونزعناها عن ظهورها حتى شرد بعض الإبل" الثامن أن يرفق بالدابة فلا يحملها ما لا تطيق والمحمل خارج عن حد طاقتها والنوم عليها يؤذيها ويثقل عليها كان أهل الورع لا ينامون على الدواب إلا غفوة عن قعود وكانوا لا يقفون عليها الوقوف الطويل قال صلى الله عليه وسلم "لا تتخذوا ظهور دوابكم كراسي" ويستحب أن ينزل عن دابته غدوة وعشية يروحها بذلك فهو سنة وفيه آثار عن السلف. وكان بعض السلف يكتري بشرط أن لا ينزل ويوفي الأجرة ثم كان ينزل عنها ليكون بذلك محسناً إلى الدابة، فيكون في حسناته ويوضع في ميزانه لا في ميزان المكاري. وكل من آذى بهيمة وحملها ما لا تطيق طولب به يوم القيامة. قال أبو الدرداء لبعير له عند الموت: يا أيها البعير لا تخاصمني إلى ربك فإني لم أكن أحملك فوق طاقتك. وعلى الجملة في كل كبد حراء أجر فليراع حق الدابة وحق المكاري جميعاً وفي نزوله ساعة ترويح الدابة وسرور قلب المكاري. قال رجل لابن المبارك: احمل لي هذا الكتاب معك لتوصله فقال: حتى استأمر الجمال فإني قد اكتريت. فانظر كيف تورع من استصحاب كتاب لا وزن له، وهو طريق الحزم في الورع فإنه إذا فتح باب القليل انجر إلى الكثير يسيراً يسيراً التاسع أن يتقرب بإراقة دم وإن لم يكن واجباً عليه ويجتهد أن يكون من سمين النعم ونفيسه، وليأكل منه إن كان تطوعاً ولا يأكل منه إن كان واجباً. قيل في تفسير قوله تعالى "ذلك ومن يعظم شعائر الله" إنه تحسينه وتسمينه. وسوق الهدي من الميقات أفضل إن كان لا يجهده ولا يكده. وليترك المكاس في شرائه فقد كانوا يغالون في ثلاث ويكرهون المكاس فيهن: الهدي والأضحية والرقبة، فإن أفضل ذلك أغلاه ثمناً وأنفسه عند أهله، وروى ابن عمر "أن عمر رضي الله عنهما أهدى بختية فطلبت منه بثلمائة دينار فسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يبيعها ويشتري بثمنها بدناً فنهاه عن ذلك وقال بل أهداها" وذلك لأن القيل الجيد خير من الكثير الدون. وفي ثلثمائة دينار قيمة ثلاثين بدنة وفيها تكثير اللحم ولكن ليس المقصود اللحم إنما المقصود تزكية النفس وتطهيرها عن صفة البخل وتزيينها بجمال التعظم لله عز وجل ف "لن ينال الله لحومها ولا دماؤها ولكن يناله التقوى منكم" وذلك يحصل بمراعاة النفاسة في القيمة كثر العدد أو قل "وسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم ما بر الحج فقال العج والثج" والعج هو رفع الصوت بالتلبية، والثج هو نحر البدن. وروت عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال "ما عمل آدمي يوم النحر أحب إلى الله عز وجل من إهراقه دماً وأنها لتأتي يوم القيامة بقرونها وأظلافها وإن الدم يقع من الله عز وجل بمكان قبل أن يقع بالأرض فطيبوا بها نفساً" وفي الخبر "لكم بكل صوفة من جلدها حسنة وكل قطرة من دمها حسنة وإنها لتوضع في الميزان فابشروا" وقال صلى الله عليه وسلم "استنجدوا هداياكم فإنها مطاياكم يوم القيامة" العاشر أن يكون طيب النفس بما أنفقه من نفقة وهدي وبما أصابه من خسران ومصيبة في مال أو بدن إن أصابه ذلك فإن ذلك من دلائل قبول حجه. فإن المصيبة في طريق الحج تعدل النفقة في سبيل الله عز وجل الدرهم بسبعمائة درهم بمثابة الشدائد في طريق الجهاد فله بكل أذى احتمله وخسران أصابه ثواب فلا يضيع منه شيء عند الله عز وجل. ويقال إن من علامة قبول الحج أيضاً ترك ما كان عليه من المعاصي وأن يتبدل بإخوانه البطالين إخواناً صالحين، وبمجالس اللهو والغفلة مجالس الذكر واليقظة.


[align=center] بيان الأعمال الباطنة ووجه الإخلاص في النية
وطريق الاعتبار بالمشاهد الشريفة وكيفية الافتكار فيها والتذكر لأسرارها ومعانيها من أول الحج إلى آخره
[/align]

اعلم أن أول الحج الفهم - أعني فهم موقع الحج في الدين - ثم الشوق إليه ثم العزم عليه ثم قطع العلائق المانعة منه ثم شراء ثوب الإحرام ثم شراء الزاد ثم اكتراء الراحلة ثم الخروج ثم المسير في البادية ثم الإحرام من الميقات بالتلبية ثم دخول مكة ثم استتمام الأفعال كما سبق. وفي كل واحد من هذه الأمور تذكرة للمتذكر وعبرة للمعتبر وتنبيه للمريد الصادق وتعريف وإشارة للفطن. فلنرمز إلى مفاتحها حتى إذا انفتح بابها وعرفت أسبابها انكشفت لكل حاج من أسرارها ما يقتضيه صفا قلبه وطهارة باطنه وغزارة فهمه.

أما الفهم: اعلم أنه لا وصول إلى الله سبحانه وتعالى إلا بالتنزه عن الشهوات والكف عن اللذات والاقتصار على الضرورات فيها والتجرد لله سبحانه في جميع الحركات والسكنات. ولأجل هذا انفرد الرهبانيون في الملل السالفة عن الخلق وانحازوا إلى قلل الجبال وآثروا التوحش عن الخلق لطلب الأنس بالله عز وجل فتركوا لله عز وجل اللذات الحاضرة وألزموا أنفسهم بالمجاهدات الشاقة طمعاً في الآخرة وأثنى الله عز وجل عليهم في كتابه فقال "ذلك بأن منهم قسيسين ورهباناً وأنهم لا يستكبرون" فلما اندرس ذلك وأقبل الخلق على اتباع الشهوات وهجروا التجرد لعبادة الله عز وجل وفتروا عنه بعث الله عز وجل نبيه محمداً صلى الله عليه وسلم لإحياء طريق الآخرة وتجديد سنة المرسلين في سلوكها. فسأله أهل الملل عن الرهبانية والسياحة في دينه فقال صلى الله عليه وسلم: أبدلنا الله بها الجهاد والتكبير على كل شرف يعني الحج "وسئل صلى الله عليه وسلم عن السائحين فقال: هم الصائمون" فأنعم الله عز وجل على هذه الأمة بأن جعل الحج رهبانية لهم فشرف البيت العتيق بالإضافة إلى نفسه تعالى. ونصبه مقصداً لعباده وجعل ما حواليه حرماً لبيته تفخيماً لأمره. وجعل عرفات كالميزاب على فناء حوضه: وأكد حرمة الموضع بتحريم صيده وشجره. ووضعه على مثال حضرة الملوك يقصده الزوار من كل فج عميق ومن كل أوب سحيق شعثاً غبراً متواضعين لرب البيت ومستكينين له خضوعاً لجلاله واستكانة لعزته. مع الاعتراف بتنزيهه عن أن يحويه بيت أو يكتنفه بلد ليكون ذلك أبلغ في رقهم وعبوديتهم وأتم في إذعانهم وانقيادهم. ولذلك وظف عليهم فيها أعمالاً لا تأنس بها النفوس ولا تهتدي إلى معانيها العقول كرمي الجمار بالأحجار، والتردد بين الصفا والمروة على سبيل التكرار. وبمثل هذه الأعمال يظهر كمال الرق والعبودية. فإن الزكاة إرفاق ووجهه مفهوم وللعقل إليه ميل. والصوم كسر للشهوة التي هي آلة عدو الله وتفرغ للعبادة بالكف عن الشواغل. والركوع والسجود في الصلاة تواضع لله عز وجل بأفعال هي هيئة التواضع وللنفوس أنس بتعظيم الله عز وجل. أما ترددات السعي ورمي الجمار وأمثال هذه الأعمال فلا حظ للنفوس ولا أنس فيها ولا اهتداء للعقل إلى معانيها فلا يكون في الإقدام عليها باعث إلا الأمر المجرد وقصد الامتثال للأمر من حيث إنه أمر واجب الاتباع فقط. وفيه عزل للعقل عن تصرفه وصرف النفس والطبع عن محل أنسه فإن كل ما أدرك العقل معناه؛ مال الطبع إليه ميلاً ما. فيكون ذلك الميل معيناً للأمر وباعثاً معه على الفعل فلا يكاد يظهر به كمال الرق والانقياد. ولذلك قال صلى الله عليه وسلم في الحج على الخصوص "لبيك بحجة حقاً تعبداً ورقاً" ولم يقل ذلك في صلاة ولا غيرها. وإذا اقتضت حكمة الله سبحانه وتعالى ربط نجاة الخلق بأن تكون أعمالهم على خلاف هوى طباعهم وأن يكون زمامها بيد الشرع فيترددون في أعمالهم على سنن الانقياد وعلى مقتضى الاستعباد. كان ما لا يهتدي إلى معانيه أبلغ أنواع التعبدات في تزكية النفوس وصرفها عن مقتضى الطباع والأخلاق. مقتضى الاسترقاق. وإذا تفطنت لهذا فهمت أن تعجب النفوس من هذه الأفعال العجيبة مصدره الذهول عن أسرار التعبدات. وهذا القدر كاف في تفهم أصل الحج إن شاء الله تعالى.
وأما الشوق: فإنما ينبعث بعد الفهم والتحقق بأن البيت بيت الله عز وجل وأنه وضع على مثال حضرة الملوك فقاصده قاصد إلى الله عز وجل وزائر له وأن من قصد البيت في الدنيا جدير بأن لا يضيع زيارته فيرزق مقصود الزيارة في ميعاده المضروب له وهو النظر إلى وجه الله الكريم في دار القرار، من حيث إن العين القاصرة الفانية في دار الدنيا لا تتهيأ لقبول النظر إلى وجه الله عز وجل ولا تطيق احتماله ولا تستعد للاكتحال به لقصورها، وأنها إن أمدت في الدار الآخرة بالبقاء ونزهت عن أسباب التغير والفناء استعدت للنظر والإبصار ولكنها بقصد البيت والنظر إليه تستحق لقاء رب البيت بحكم الوعد الكريم. فالشوق إلى لقاء الله عز وجل يشوقه إلى أسباب اللقاء لا محالة، هذا مع أن المحب مشتاق إلى كل ماله إلى محبوبه إضافة والبيت مضاف إلى الله عز وجل فبالحري أن يشتاق إليه لمجرد هذه الإضافة فضلاً عن الطلب لنيل ما وعد عليه من الثواب الجزيل.
وأما العزم: فليعلم أنه بعزمه قاصداً إلى مفارقة الأهل والوطن ومهاجرة الشهوات واللذات متوجهاً إلى زيارة بيت الله عز وجل. وليعظم في نفسه قدر البيت وقدر رب البيت وليعلم أنه عزم على أمر رفيع شأنه خطير أمره وأن من طلب عظيماً خاطر بعظيم. وليجعل عزمه خالصاً لوجه الله سبحانه بعيداً عن شوائب الرياء والسمعة "وليتحقق أنه لا يقبل من قصده وعمله إلا الخالص وإن من أفحش الفواحش أن يقصد بيت الله وحرمه والمقصود غيره. فليصحح مع نفسه العزم وتصحيحه بإخلاصه وإخلاصه باجتناب كل ما فيه رياء وسمعة فليحذر أن يستبدل الذي هو أدنى بالذي هو خير.
وأما قطع العلائق: فمعناه رد المظالم والتوبة الخالصة لله تعالى عن جملة المعاصي مظلمة علاقة وكل علاقة مثل غريم حاضر متعلق بتلابيبه ينادي عليه ويقول؛ إلى أين تتوجه أتقصد بيت ملك الملوك وأنت مضيع أمره في منزلك هذا ومستهين به ومهمل له؟ أولا تستحي أن تقدم عليه قدوم العبد العاصي فيردك ولا يقبلك؟ فإن كنت راغباً في قبول زيارتك فنفذ أوامره ورد المظالم وتب إليه أولاً من جميع المعاصي واقطع علاقة قلبك عن الالتفات إلى ما وراءك لتكون متوجهاً إليه بوجه قلبك كما أنك متوجه إلى بيته بوجه ظاهرك. فإن لم تفعل ذلك لم يكن لك من سفرك أولاً إلا النصب والشقاء وآخراً إلا الطرد والرد. وليقطع العلائق عن وطنه انقطع من قطع عنه وقدر أن لا يعود إليه وليكتب وصيته لأولاده وأهله فإن المسافر وماله لعلى خطر إلا من وقى الله سبحانه. وليتذكر عند قطعه العلائق لسفر الحج قطع العلائق لسفر الآخرة فإن ذلك بين يديه على القرب وما يقدمه من هذا السفر طمع في تيسير ذلك السفر فهو المستقر وإليه المصير. فلا ينبغي أن يغفل عن ذلك السفر عند الاستعداد بهذا السفر.
وأما الزاد: فليطلبه من موضع حلال وإذا أحس من نفسه الحرص على استكثاره وطلب ما يبقى منه على طول السفر ولا يتغير ولا يفسد قبل بلوغ المقصد فليتذكر أن سفر الآخرة أطول من هذا السفر، وأن زاده التقوى وأن ما عداه مما يظن أنه زاده يتخلف عنه عند الموت ويخونه فلا يبقى معه، كالطعام الرطب الذي فيسد في أول منازل السفر فيبقى وقت الحاجة متحير محتاجاً لا حيلة له. فليحذر أن تكون أعماله التي هي زاده إلى الآخرة لا تصحبه بعد الموت بل يفسدها شوائب الرياء وكدورات التقصير.
وأما الراحلة: إذا أحضرها فليشكر الله بقلبه على تسخير الله عز وجل له الدواب لتحمل عنه الأذى وتخفف عنه المشقة. وليتذكر عنده المركب الذي يركبه إلى دار الآخرة وهي الجنازة التي يحمل عليها. فإن أمر الحج من وجه يوازي أمر السفر إلى الآخرة ولينظر أيصلح سفره على هذا المركب لأن يكون زاداً له لذلك السفر على ذلك المركب؟ فما أقرب ذلك منه. وما يدريه لعل الموت قريب ويكون ركوبه للجنازة قبل ركوبه للجمل. وركوب الجنازة مقطوع به وتيسر أسباب السفر مشكوك فيه فكيف يحتاط في أسباب السفر المشكوك فيه ويستظهر في زاده وراحلته ويهمل أمر السفر المستيقن؟ وأما شراء ثوبي الإحرام: فليتذكر عنده الكفن ولفه فيه فإنه سيرتدي ويتزر بثوبي الإحرام عند القرب من بيت الله عز وجل وربما لا يتم سفره إليه. وأنه سيلقى الله عز وجل ملفوفاً في ثياب الكفن لا محالة. فكما لا يلقى بيت الله عز وجل إلا مخالفاً عادته في الزي والهيئة فلا يلقى الله عز وجل بعد الموت إلا في زي مخالف لزيا لدنيا. وهذا الثوب قريب من ذلك الثوب إذ ليس فيه مخيط كما في الكفن.
وأما الخروج من البلد: فليعلم عنده أنه فارق الأهل والوطن متوجهاً إلى الله عز وجل في سفر لا يضاهي أسفار الدنيا. فليحضر في قلبه أنه ماذا يريد وأين يتوجه وزيارة من يقصد؟ وأنه متوجه إلى ملك الملوك في زمرة الزائرين له الذين نودوا فأجابوا وشوقوا فاشتاقوا واستنهضوا فنهضوا وقطعوا العلائق وفارقوا الخلائق واقبلوا على بيت الله عز وجل الذي فخم أمره وعظم شأنه ورفع قدره تسلياً بلقاء البيت عن لقاء رب البيت إلى أن يرزقوا منتهى مناهم ويسعدوا بالنظر إلى مولاهم. وليحضر في قلبه رجاء الوصول والقبول لا إدلالاً بأعماله في الارتحال ومفارقة الأهل والمال ولكن ثقة بفضل الله عز وجل وافداً إليه إذ قال جل جلاله "ومن يخرج من بيته مهاجراً إلى الله ورسوله ثم يدركه الموت فقد وقع أجره على الله".
وأما دخول البادية إلى الميقات ومشاهدت تلك العقبات: فليتذكر فيها ما بين الخروج من الدنيا بالموت إلى ميقات يوم القيامة وما بينهما من الأهوال والمطالبات. وليتذكر من هول قطاع الطريق هول سؤال منكر ونكير ومن سباع البوادي عقارب القبر وديدانه وما فيه من الأفاعي والحيات ومن انفراده من أهله وأقاربه وحشة القبر وكربته ووحدته. وليكن في هذه المخاوف في أعماله وأقواله متزوداً لمخاوف القبر.
وأما الإحرام والتلبية من الميقات: فليعلم أن معناه إجابة نداء الله عز وجل فارج أن تكون مقبولاً واخش أن يقال لك لا لبيك ولا سعديك فكن بين الرجاء والخوف متردداً وعن حولك وقوتك متبرئاً وعلى فضل الله عز وجل وكرمه متكلاً. فإن وقت التلبية هو بداية الأمر وهي محل الخطر. قال سفيان بن عيينة: حج علي ابن الحسين رضي الله عنهما فلما أحرم واستوت به راحلته اصفر لونه وانتفض ووقعت عليه الرعدة ولم يستطع أن يلبي فقيل له: لم لا تلبي؟ فقال: أخشى أن يقال لي لا لبيك ولا سعديك. فلما لبى غشي عليه ووقع عن راحلته فلم يزل يعتريه ذلك حتى قضى حجه وقال أحمد بن أبي الحواري: كنت مع أبي سليمان الداراني رضي الله عنه حين أراد الإحرام فلم يلب حتى سرنا ميلاً فأخذته الغشية ثم أفاق وقال: يا أحمد إن الله سبحانه أوحى إلى موسى عليه السلام مر ظلمة بني إسرائيل أن يقلوا من ذكري فإني أذكر من ذكرني منهم باللعنة. ويحك يا أحمد بلغني أن من حج من غير حله ثم لبى قال الله عز وجل لا لبيك ولا سعديك حتى ترد ما في يديك فما نأمن أن يقال لنا ذلك. وليتذكر الملبي عند رفع الصوت بالتلبية في الميقات إجابته لنداء الله عز وجل إذ قال "وأذن في الناس بالحج" ونداء الخلق بنفخ الصور وحشرهم من القبور وازدحامهم في عرصات القيامة مجيبين لنداء الله سبحانه؛ ومنقسمين إلى مقربين وممقوتين. ومقبولين ومردودين. ومترددين في أول الأمر بين الخوف والرجاء تردد الحاج في الميقات حيث لا يدرون أيتيسر لهم إتمام الحج وقبوله أم لا؟ وأما دخول مكة: فليتذكر عندها أنه قد انتهى إلى حرم الله تعالى آمناً وليرج عنده أن يأمن بدخوله من عقاب الله عز وجل وليخش أن لا يكون أهلاً للقرب فيكون بدخوله الحرم خائباً ومستحقاً للمقت. وليكن رجاؤه في جميع الأوقات غالباً فالكرم عميم والرب رحيم وشرف البيت عظيم وحق الزائر مرعي وذمام المستجير اللائذ غير مضيع.
وأما وقوع البصر على البيت: فينبغي أن يحضر عنده عظمة البيت في القلب ويقدر كأنه مشاهد لرب البيت لشدة تعظيمه إياه. وارج أن يرزقك الله تعالى النظر إلى وجهه الكريم كما رزقك الله النظر إلى بيته العظيم. واشكر الله تعالى على تبليغه إياك هذه الرتبة وإلحاقه إياك بزمرة الوافدين عليه. واذكر عند ذلك انصباب الناس في القيامة إلى جهة الجنة آملين لدخولها كافة ثم انقسامهم إلى مأذونين في الدخول ومصروفين انقسام الحاج إلى مقبولين ومردودين. ولا تغفل عن تذكر أمور الآخرة في شيء مما تراه فإن كل أحوال الحاج دليل على أحوال الآخرة.
وأما الطواف بالبيت: فاعلم أنه صلاة فأحضر في قلبك فيه من التعظيم والخوف والرجاء والمحبة ما فصلناه في كتاب الصلاة. واعلم أنك بالطواف متشبه بالملائكة المقربين الحافين حول العرش الطائفين حوله. ولا تظنن أن المقصود طواف جسمك بالبيت بل المقصود طواف قلبك بذكر رب البيت حتى لا تبتدىء الذكر إلا منه ولا تختم إلا به كما تبتدىء الطواف من البيت وتختم بالبيت. واعلم أن الطواف الشريف هو طواف القلب بحضرة الربوبية. وأن البيت مثال ظاهر في عالم الملك لتلك الحضرة التي لا تشاهد بالبصر وهي عالم الملكوت، كما أن البدن مثال ظاهر في عالم الشهادة للقلب الذي لا يشاهد بالبصر وهو في عالم الغيب. وأن عالم الملك والشهادة مدركة إلى عالم الغيب والملكوت لمن فتح الله له الباب وإلى هذه الموازنة وقعت الإشارة بأن البيت المعمور في السموات بإزاء الكعبة. فإن طواف الملائكة به كطواف الأنس بهذا البيت. ولما قصرت رتبة أكثر الخلق عن مثل ذلك الطواف أمروا بالتشبه بهم بحسب الإمكان ووعدوا بأن من تشبه بقوم فهو منهم والذي يقدر على مثل ذلك الطواف هو الذي يقال إن الكعبة تزوره وتطوف به على ما رآه بعض المكاشفين لبعض أولياء الله سبحانه وتعالى وأما الاستلام: فاعتقد عنده أنك مبايع لله عز وجل على طاعته فصمم عزيمتك على الوفاء ببيعتك فمن عذر في المبايعة استحق المقت. وقد روى ابن عباس رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال "الحجر الأسود يمين الله عز وجل في الأرض يصافح بها خلقه كما يصافح الرجل أخاه".
وأما التعلق بأستار الكعبة والالتصاق بالملتزم: فلتكن نيتك في الالتزام طلب القرب حباً وشوقاً للبيت ولرب البيت وتبركاً بالمماسة ورجاء للتحصن عن النار في كل جزء من بدنك لا في البيت. ولتكن نيتك في التعلق بالستر الإلحاح في طلب المغفرة وسؤال الأمان كالمذنب المتعلق بثياب من أذنب إليه المتضرع إليه في عفوه عنه المظهر له أنه لا ملجأ له منه إلا إليه ولا مفزع له إلا كرمه وعفوه وأنه لا يفارق ذيله إلا بالعفو وبذل الأمن في المستقبل.
وأما السعي بين الصفا والمروة في فناء البيت: فإنه يضاهي تردد العبد بفناء دار الملك جائياً وذاهباً مرة بعد أخرى إظهاراً للخلوص في الخدمة ورجاء للملاحظة بعين الرحمة كالذي دخل على الملك وخرج وهو لا يدري ما الذي يقضي به الملك في حقه من قبول أو رد؟ فلا يزال يتردد على فناء الدار مرة بعد أخرى يرجو أن يرحم في الثانية إن لم يرحم في الأولى. وليتذكر عند تردده بين الصفا والمروة تردده بين كفتي الميزان في عرصات القيامة وليمثل الصفا بكفة الحسنات والمروة بكفة السيئات. وليتذكر تردده بين الكفتين ناظراً إلى الرجحان والنقصان متردداً بين العذاب والغفران.
وأما الوقوف بعرفة: فاذكر - بما ترى من ازدحام الخلق وارتفاع الأصوات واختلاف اللغات واتباع الفرق أئمتهم في الترددات على المشاعر اقتفاء لهم وسيراً بسيرهم - عرصات القيامة واجتماع الأمم مع الأنبياء والأئمة واقتفاء كل أمة نبيها وطمعهم في شفاعتهم وتحيرهم في ذلك الصعيد الواحد بين الرد والقبول. وإذا تذكرت ذلك فألزم قلبك الضراعة والابتهال إلى الله عز وجل فتحشر في زمرة الفائزين المرحومين وحقق رجاءك بالإجابة فالموقف شريف والرحمة إنما تصل من حضرة الجلال إلى كافة الخلق بواسطة القلوب العزيزة من أوتاد الأرض. ولا ينفك الموقف عن طبقة من الأبدال والأوتاد وطبقة من الصالحين وأرباب القلوب. فإذا اجتمعت هممهم وتجردت للضراعة والابتهال قلوبهم وارتفعت إلى الله سبحانه أيديهم وامتدت إلى أعناقهم وشخصت نحو السماء أبصارهم مجتمعين بهمة واحدة على طلب الرحمة فلا تظنن أنه يخيب أملهم ويضيع سعيهم ويدخر عنهم رحمة تغمرم. ولذلك قيل: إن من أعظم الذنوب أن يحضر عرفات ويظن أن الله تعالى لم يغفر له. وكأن اجتماع الهمم والاستظهار بمجاورة الأبدال والأوتاد المجتمعين من أقطار البلاد هو سر الحج وغاية مقصوده فلا طريق إلى استدرار رحمة الله سبحانه مثل اجتماع الهمم وتعاون القلوب في وقت واحد.
وأما رمي الجمار: فاقصد به الانقياد للأمر إظهاراً للرق والعبودية وانتهاضاً لمجرد الامتثال من غير حظ للعقل والنفس فيه. ثم اقصد به التشبه بإبراهيم عليه السلام حيث عرض له إبليس لعنه الله تعالى في ذلك الموضع ليدخل على حجه شبهة أو يفتنه بمعصية فأمره الله عز وجل أن يرميه بالحجارة طرداً له وقطعاً لأمله. فإن خطر لك: أن الشيطان عرض له وشاهده فلذلك رماه وأما أنا فليس يعرض لي الشيطان؟ فاعلم أن هذا الخاطر من الشيطان وأنه الذي ألقاه في قلبك ليفتر عزمك في الرمي ويخيل إليك أنه فعل لا فائدة فيه وأنه يضاهي اللعب فلم تشغل به؟ فاطرده عن نفسك بالجد والتشمير في الرمي فيه برغم أنف الشيطان. واعلم أنك في الظاهر ترمي الحصى إلى العقبة وفي الحقيقة ترمي به وجه الشيطان وتقصم به ظهره إذ لا يحصل إرغام أنفه إلا بامتثالك أمر الله سبحانه وتعالى تعظيماً له بمجرد الأمر من غير حظ للنفس والعقل فيه.
وأما ذبح الهدي: فاعلم أنه تقرب إلى الله تعالى بحكم الامتثال فأكمل الهدي وارج أن يعتق الله بكل جزء منه جزءاً منك من النار فهكذا ورد الوعد. فكلما كان الهدي أكبر وأجزاؤه أوفر كان فداؤك من النار أعم
وأما زيارة المدينة: فإذا وقع بصرك على حيطانها فتذكر أنها البلدة التي اختارها الله عز وجل لنبيه صلى الله عليه وسلم وجعل إليها هجرته وأنها داره التي شرع فيها فرائض ربه عز وجل وسنته وجاهد عدوه وأظهر بها دينه إلى أن توفاه الله عز وجل. ثم جعل تربته فيها وتربة وزيريه القائمين بالحق بعده رضي الله عنهما. ثم مثل في نفسك مواقع أقدام رسول الله صلى الله عليه وسلم عند تردداته فيها وأنه ما من موضع قدم تطؤه إلا وهو موضع أقدامه العزيزة فلا تضع قدمك عليه إلا عن سكينة ووجل. وتذكر مشيه وتخطيه في سككها وتصور خشوعه وسكينته في المشي وما استودع الله سبحانه قلبه من عظيم معرفته ورفعة ذكره تعالى حتى قرنه بذكر نفسه وإحباطه عمل من هتك حرمته ولو برفع صوته فوق صوته. ثم تذكر ما من الله تعالى به على الذين أدركوا صحبته وسعدوا بمشاهدته واستماع كلامه وأعظم تأسفك على ما فاتك من صحبته وصحبة أصحابه رضي الله عنهم. ثم اذكر أنك قد فاتتك رؤيته في الدنيا وأنك من رؤيته في الآخرة على خطر. وأنك ربما لا تراه إلا بحسرة وقد حيل بينك وبين قبوله إياك بسوء عملك كما قال صلى الله عليه وسلم "يرفع الله إلي أقواماً فيقولون يا محمد فأقول يا رب أصحابي فيقول إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك فأقول بعداً وسحقاً" فإن تركت حرمة شريعته ولو في دقيقة من الدقائق فلا تأمن أن يحال بينك وبينه بعدولك عن محجته. وليعظم مع ذلك رجاؤك أن لا يحول الله تعالى بينك وبينه بعد أن رزقك الإيمان وأشخصك من وطنك لأجل زيارته من غير تجارة ولا حظ في دنيا بل لمحض حبك له وشوقك إلى أن تنظر إلى آثاره وإلى حائط قبره؛ إذ سمحت نفسك بالسفر بمجرد ذلك لما فاتتك رؤيته فما أجدرك بأن ينظر الله تعالى إليك بعين الرحمة. فإذا بلغت المسجد فاذكر أنها العرصة التي اختارها الله سبحانه لنبيه صلى الله عليه وسلم ولأول المسلمين وأفضلهم عصابة. وإن فرائض الله سبحانه أول ما أقيمت في تلك العرصة. وأنها جمعت أفضل خلق الله حياً وميتاً فليعظم أملك في الله سبحانه أن يرحمك بدخولك إياه فادخله خاشعاً معظماً. وما أجدر هذا المكان بأن يستدعي الخشوع من قلب كل مؤمن كما حكي عن أبي سليمان أنه قال: حج أويس القرني رضي الله عنه ودخل المدينة فلما وقف على باب المسجد قيل له: هذا قبر النبي صلى الله عليه وسلم فغشي عليه. فلما أفاق قال: أخرجوني فليس يلذ لي بلد فيه محمد صلى الله عليه وسلم مدفون.
وأما زيارة رسول الله صلى الله عليه وسلم: فينبغي أن تقف بين يديه كما وصفنا وتزوره ميتاً كما تزوره حياً ولا تقرب من قبره إلا كما كنت تقرب من شخصه الكريم لو كان حياً. وكما كنت ترى الحرمة في ان لا تمس شخصه ولا تقبله بل تقف من بعد ماثلاً بين يديه فكذلك فافعل فإن المس والتقبيل للمشاهد عادة النصارى واليهود. واعلم أنه عالم بحضورك وقيامك وزيارتك وأنه يبلغه سلامك وصلاتك: فمثل صورته الكريمة في خيالك موضوعاً في اللحد بإزائك وأحضر عظيم رتبته في قلبك فقد روي عنه صلى الله عليه وسلم "أن الله تعالى وكل بقبره ملكاً يبلغه سلام من سلم عليه من أمته" هذا في حق من لم يحضر قبره فكيف بمن فارق الوطن وقطع البوادي شوقاً إلى لقائه واكتفى بمشاهدة مشهده الكريم إذ فاته مشاهدة غرته الكريمة؟ وقد قال صلى الله عليه وسلم "من صلى علي مرة واحدة صلى الله عليه عشراً" فهذا جزاؤه في الصلاة عليه بلسانه فكيف بالحضور لزيارته ببدنه؟ ثم ائت منبر الرسول صلى الله عليه وسلم وتوهم صعود النبي صلى الله عليه وسلم المنبر ومثل في قلبك طلعته البهية كأنها على المنبر وقد أحدق به المهاجرون والأنصار رضي الله عنهم وهو صلى الله عليه وسلم يحثهم على طاعة الله عز وجل بخطبته وسل الله عز وجل أن لا يفرق في القيامة بينك وبينه فهذه وظيفة القلب في أعمال الحج. فإذا فرغ منها كلها فينبغي أن يلزم قلبه الحزن والهم والخوف وأنه ليس يدري أقبل منه حجه وأثبت في زمرة المحبوبين أم رد حجه وألحق بالمطرودين؟ وليتعرف ذلك من قلبه وأعماله فإن صادف قلبه قد ازداد تجافياً عن دار الغرور وانصرافاً إلى دار الأنس بالله تعالى ووجد أعماله قد اتزنت بميزان الشرع فليثق بالقبول فإن الله تعالى لا يقبل إلا من أحبه؛ ومن أحبه تولاه وأظهر عليه آثار محبته وكف عنه سطوة عدوه إبليس لعنه الله. فإذا ظهر ذلك عليه دل على القبول، وإن كان الأمر بخلافه فليوشك أن يكون حظه من سفره: العناء والتعب نعوذ بالله سبحانه وتعالى من ذلك.

تم كتاب: أسرار الحج. يتلوه إن شاء الله تعالى كتاب آداب تلاوة القرآن.


[saa]يتبع بإذن الله[/saa]

_________________

يا خير من دفنت في التراب أعظمه فطاب من طيبهن القاع الأكم
نفسي الفداء لقبر أنت ساكنه فيه العفاف وفيه الجود والكرم
أنت الشفيع الذي ترجى شفاعته عند الصراط إذا ما زلّت القدم


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة:
مشاركة غير مقروءةمرسل: الاثنين أكتوبر 03, 2005 4:20 pm 
غير متصل

اشترك في: السبت فبراير 21, 2004 10:56 pm
مشاركات: 1245
مكان: يا رب مع الحبيب و آله صلى الله عليه و آله وصحبه وسلم
[align=center]كتاب آداب تلاوة القرآن
بسم الله الرحمن الرحيم
[/align]

الحمد لله الذي امتن على عباده بنبيه المرسل صلى الله عليه وسلم وكتابه المنزل "الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد" حتى اتسع على أهل الأفكار طريق الاعتبار بما فيه من القصص والأخبار. واتضح به سلوك المنهج القويم والصراط المستقيم بما فصل فيه من الأحكام. وفرق بين الحلال والحرام فهو الضياء والنور وبه النجاة من الغرور وفيه شفاء لما في الصدور. ومن خالفه من الجبابرة قصمه الله ومن ابتغى العلم في غيره أضله الله. هو حبل الله المتين ونوره المبين والعروة الوثقى والمعتصم الأوفى وهو المحيط بالقليل والكثير والصغير والكبير. لا تنقضي عجابئه ولا تتناهى غرائبه لا يحيط بفوائده عند أهل العلم تحديد ولا يخلقه عند أهل التلاوة كثرة الترديد هو الذي أرشد الأولين والآخرين ولما سمعه الجن لم يلبثوا أن ولوا إلى قومهم منذرين "فقالوا إنا سمعنا قرآناً عجباً يهدي إلى الرشد فآمنا به ولن نشرك بربنا أحداً" فكل من آمن به فقد وفق ومن قال به فقد صدق ومن تمسك به فقد هدي ومن عمل به فقد فاز وقال تعالى "إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون" ومن أسباب حفظه في القلوب والمصاحف استدامة تلاوته والمواظبة على دراسته مع القيام بآدابه وشروطه والمحافظة على ما فيه من الأعمال الباطنة والظاهرة. وذلك لابد من بيانه وتفصيله وتنكشف مقاصده في أربعة أبواب: الباب الأول في فضل القرآن وأهله. الباث الثاني في آداب التلاوة في الظاهر. الباب الثالث في الأعمال الباطنة عند التلاوة. الباب الرابع في فهم القرآن وتفسيره بالرأي وغيره.

[align=center]
الباب الأول
في فضل القرآن وأهله وذم المقصرين في تلاوته
فضيلة القرآن
[/align]


قال صلى الله عليه وسلم "من قرأ القرآن ثم رأى أن أحداً أوتي أفضل مما أوتي فقد استصغر ما عظمه الله تعالى" وقال صلى الله عليه وسلم "ما من شفيع أفضل منزلة عند الله تعالى من القرآن لا نبي ولا ملك ولا غيره" وقال صلى الله عليه وسلم "لو كان القرآن في إهاب ما مسته النار" وقال صلى الله عليه وسلم "أفضل عبادة أمتي تلاوة القرآن" وقال صلى الله عليه وسلم أيضاً "إن الله عز وجل قرأ طه ويس قبل أن يخلق الخلق بألف عام فلما سمعت الملائكة القرآن قالت: طوبى لأمة ينزل عليهم هذا وطوبى لأجواف تحمل هذا وطوبى لألسنة تنطق بهذا" وقال صلى الله عليه وسلم "خيركم من تعلم القرآن وعلمه" وقال صلى الله عليه وسلم "يقول الله تبارك وتعالى من شغله قراءة القرآن عن دعائي ومسألتي أعطيته أفضل ثواب الشاكرين" وقال صلى الله عليه وسلم "ثلاثة يوم القيامة على كثيب من مسك أسود لا يهولهم فزع ولا ينالهم حساب حتى يفرغ ما بين الناس: رجل قرأ القرآن ابتغاء وجه الله عز وجل والخ أم به قوماً وهم به رضوان" وقال صلى الله عليه وسلم "أهل القرآن أهل الله وخاصته" وقال صلى الله عليه وسلم "إن القلوب تصدأ كما يصدأ الحديد فقيل يا رسول الله وما جلاؤهها؟ فقال: تلاوة القرآن وذكر الموت" وقال صلى الله عليه وسلم "لله أشد أذناً إلى قارىء القرآن من صاحب القينة إلى قينته" الآثار: قال أبو أمامة الباهلي: اقرءوا القرآن ولا تغرنكم هذه المصاحف المعلقة فإن الله لا يعذب قلباً هو وعاء للقرآن. وقال ابن مسعود: إذا أردتم العلم فانثروا القرآن فإن فيه علم الأولين والآخرين. وقال أيضاً: اقرءوا القرآن فإنكم تؤجرون عليه بكل حرف منه عشر حسنات أما إني لا أقول: الحرف ألم ولكن الألف حرف واللام حرف والميم حرف. وقال أيضاً: لا يسأل أحدكم عن نفسه إلا القرآن فإن كان يحب القرآن ويعجبه فهو يحب الله سبحانه ورسوله صلى الله عليه وسلم وإن كان يبغض القرآن فهو يبغض الله سبحانه ورسوله صلى الله عليه وسلم. وقال عمرو بن العاص: كل آية في القرآن درجة في الحنة ومصباح في بيوتكم وقال أيضاً: من قرأ القرآن فقد أدرجت النبوة بين جنبيه إلا أنه لا يوحى إليه. وقال أبو هريرة: إن البيت الذي يتلى فيه القرآن اتسع بأهله وكثر خيره وحضرته الملائكة وخرجت منه الشياطين، وإن البيت الذي لا يتلى فيه كتاب الله عز وجل: ضاق بأهله وقل خيره وخرجت منه الملائكة وحضرته الشياطين. وقال أحمد ابن حنبل: رأيت الله عز وجل في المنام فقلت: يا رب ما أفضل ما تقرب به المتقربون إليك؟ قال: بكلامي يا أحمد، قال قلت: يا رب بفهم أو بغير فهم؟ قال: بفهم وبغير فهم. وقال محمد بن كعب القرظي: إذا سمع الناس القرآن من الله عز وجل يوم القيامة فكأنهم لم يسمعوه قط. وقال الفضيل بن عياض: ينبغي لحامل القرآن أن لا يكون له إلى أحد حاجة ولا إلى الخلفاء فمن دونهم فينبغي أن تكون حوائج الخلق إليه. وقال أيضاً حامل القرآن حامل راية الإسلام فلا ينبغي أن يلهو مع من يلهو ولا يسهو مع من يسهو ولا يلغو مع من يلغو تعظيماً لحق القرآن. وقال سفيان الثوري: إذا قرأ الرجل القرآن قبل الملك بين عينيه. وقال عمرو بن ميمون: من نشر مصحفاً حين يصلي الصبح فقرأ منه مائة ىية رفع الله عز وجل له مثل عمل جميع أهل الدنيا. ويروى "أن خالد بن عقبة جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال اقرأ علي القرآن فقرأ عليه "إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى" الآية فقال له أعد فأعاد فقال: والله إن له لحلاوة وإن عليه لطلاوة وإن أسفله لمورق وإن أعلاه لمثمر وما يقول هذا بشر" وقال الحسن والله ما دون القرآن من غنى ولا بعده من فاقة. وقال الفضيل: من قرأ خاتمة سورة الحشر حين يصبح ثم مات من يومه ختم له بطابع الشهداء ومن قرأها حين يمسي ثم مات من ليلته ختم له بطابع الشهداء وقال القاسم بن عبد الرحمن: قلت لبعض النساك ما ههنا أحد نستأنس به فمد يده إلى المصحف ووضعه على حجره وقال: هذا. وقال علي بن أبي طالب رضي الله عنه: ثلاث يزدن في الحفظ ويذهبن البلغم؛ السواك والصيام وقراءة القرآن.

في ذم تلاوة الغافلين

قال أنس بن مالك: رب تال للقرآن والقرآن يلعنه. وقال ميسرة: الغريب هو القرآن في جوف الفاجر وقال أبو سليمان الداراني: الزبانية أسرع إلى حملة القرآن الذين يعصون الله عز وجل منهم إلى عبدة الأوثان حين عصوا الله سبحانه بعد القرآن. وقال بعض العلماء: إذا قرأ ابن آدم القرآن ثم خلط ثم عاد فقرأ قيل له: مالك ولكلامي. وقال ابن الرماح: ندمت على استظهاري القرآن لأنه بلغني أن أصحاب القرآن يسألون عما يسأل عنه الأنبياء يوم القيامة. وقال ابن مسعود، ينبغي لحامل القرآن أن يعرف بليله إذا الناس ينامون وبنهاره إذا الناس يفرطون وبحزنه إذا الناس يفرحون وببكائه إذا الناس يضحكون وبصمته إذا الناس يخوضون وبخشوعه إذا الناس يختالون. وينبغي لحامل القرآن أن يكون مستكيناً ليناً ولا ينبغي له أن يكون جافياً ولا ممارياً ولا صياحاً ولا صخاباً ولا حديداً. وقال صلى الله عليه وسلم "أكثر منافقي هذه الأمة قراؤها" وقال صلى الله عليه وسلم "اقرإ القرآن ما نهاك فإن لم ينهك فلست تقرؤه" وقال صلى الله عليه وسلم "ما آمن بالقرآن من استحل محارمه" وقال بعض السلف: إن العبد ليفتتح سورة فتصلي عليه الملائكة حتى يفرغ منها، وإن العبد ليفتتح سورة فتلعنه حتى يفرغ منها، فقيل له: وكيف ذلك؟ فقال: إذا أحل حلالها وحرم حرامها صلت عليه وإلا لعنته. وقال بعض العلماء: إن العبد ليتلو القرآن فيلعن نفسه وهو لا يعلم يقول "ألا لعنة الله على الظالمين" وهو ظالم نفسه "ألا لعنة الله على الكاذبين" وهو منهم. وقال الحسن: إنكم اتخذتم قراءة القرآن مراحل وجعلتم الليل جملاً فأنتم تركبونه فتقطعون به مراحله، وإن من كان قبلكم رأوه رسائل من ربهم فكانوا يتدبرونها بالليل وينفذونها بالنهار. وقال ابن مسعود أنزل القرآن عليهم ليعملوا به فاتخذوا دراسته عملاً إن أحدكم ليقرأ القرآن من فاتحته إلى خاتمته ما يسقط منه حرفاً وقد أسقط العمل به. وفي حديث ابن عمر وحديث جندب رضي الله عنهما: لقد عشنا دهراً طويلاً وأحدنا يؤتى الإيمان قبل القرآن فتنزل السورة على محمد صلى الله عليه وسلم فيتعلم حلالها وحرامها وآمرها وزاجرها وما ينبغي أن يقف عنده منها. ثم لقد رأيت رجالاً يؤتى أحدهم القرآن قبل الإيمان فيقرأ ما بين فاتحة الكتاب إلى خاتمته لا يدري ما آمره ولا زاجره ولا ما ينبغي أن يقف عنده منه ينثره نثر الدقل وقد ورد في التوراة: يا عبدي أما تستحي مني يأتيك كتاب من بعض إخوانك وأنت في الطريق تمشي فتعدل عن الطريق وتقعد لأجله وتقرؤه وتتدبره حرفاً حرفاً حتى لا يفوتك شيء منه، وهذا كتابي أنزلته إليك انظر كم فصلت لك فيه من القول وكم كررت عليك فيه لتتأمل طوله وعرضه ثم أنت معرض عنه أفكنت أهون عليك من بعض إخوانك؟ يا عبدي يقعد إليك بعض إخوانك فتقبل عليه بكل وجهك وتصغي إلى حديثه بكل قلبك فإن تكلم متكلم أو شغلك شاغل عن حديثه أومأت إليه أن كف وها أنا ذا مقبل عليك ومحدث لك وأنت معرض بقلبك عني أفجعلتني أهون عندك من بعض إخوانك؟

[align=center]الباب الثاني
في ظاهر آداب التلاوة
وهي عشرة
[/align]


الأول في حال القارىء: وهو أن يكون على الوضوء واقعاً عل هيئة الأدب والسكون إما قائماً وإما جالساً مستقبل القبلة مطرقاً رأسه غير متربع ولا متكىء ولا جالس على هيئة التكبر. ويكون جلوسه وحده كجلوسه بين يدي أستاذه. وأفضل الأحوال أن يقرأ في الصلاة قائماً وأن يكون في المسجد فذلك من أفضل الأعمال. فإن قرأ على غير وضوء وكان مضطجعاً في الفراش فله أيضاً فضل ولكنه دون ذلك. قال الله تعالى "الذين يذكرون الله قياماً وقعوداً وعلى جنوبهم ويتفكرون في خلق السموات والأرض" فأثنى على الكل ولكن قدم القيام في الذكر ثم القعود ثم الذكر مضطجعاً. قال علي رضي الله عنه من قرأ القرآن وهو قائم في الصلاة كان له بكل حرف مائة حسنة ومن قرأه وهو جالس في الصلاة فله بكل حرف خمسون حسنة. ومن قرأه في غير صلاة وهو على وضوء فخمس وعشرون حسنة. ومن قرأه على غير وضوء فعشر حسنات. وما كان من القيام بالليل فهو أفضل لأنه أفرغ للقلب، قال أبو ذر الغفاري رضي الله عنه: إن كثرة السجود بالنهار وإن طول القيام بالليل أفضل الثاني في مقدار القراءة: وللقراء عادات مختلفة في الاستكثار والاختصار فمنهم من يختم القرآن في اليوم والليلة مرة وبعضهم مرتين وانتهى بعضهم إلى ثلاث ومنهم من يختم في الشهر مرة وأولى ما يرجع إليه في التقديرات قول رسول الله صلى الله عليه وسلم "من قرأ القرآن في أقل من ثلاث لم يفقهه" وذلك لأن الزيادة عليه تمنعه الترتيل. وقد قالت عائشة رضي الله تعالى عنها - لما سمعت رجلاً يهذر القرآن هذراً - "إن هذا ما قرأ القرآن ولا سكت" وأمر النبي صلى الله عليه وسلم عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن يختم القرآن في كل سبع وكذلك كان جماعة من الصحابة رضي الله عنهم يختمون القرآن في كل جمعة كعثمان وزيد بن ثابت وابن مسعود وأبي بن كعب رضي الله عنهم. ففي الختم أربع درجات: الختم في يوم وليلة وقد كرهه جماعة والختم في كل شهر كل يوم جزء من ثلاثين جزءاً - وكأنه مبالغة في الاقتصار كما أن الأول مبالغة في الاستكثار - وبينهما درجتان معتدلتان إحداهما في الأسبوع مرة والثانية في الأسبوع مرتين تقريباً من الثلاث. والأحب أن يختم ختمة بالليل وختمة بالنهار، ويجعل ختمه بالنهار يوم الإثنين في ركعتي الفجر أو بعدهما، ويجعل ختمه بالليل ليلة الجمعة في ركعتي المغرب أو بعدهما، ليستقبل أول النهار وأول الليل بختمته. فإن الملائكة عليهم السلام تصلي عليه إن كانت ختمته ليلاً حتى يصبح وإن كان نهاراً حتى يمسي فتشمل بركتهما جميع الليل والنهار.

والتفصيل في مقدار القراءة أنه إن كان من العابدين السالكين طريق العمل فلا ينبغي أن ينقص عن ختمتين في الأسبوع. وإن كان من السالكين بأعمال القلب وضروب الفكر أو من المشتغلين بنشر العلم فلابأس أن يقتصر في الأسبوع على مرة. وإن كان نافذ الفكر في معاني القرآن فقد يكتفي في الشهر بمرة لكثرة حاجته إلى كثرة الترديد والتأمل الثالث في وجه القسمة: أما من ختم في الأسبوع مرة فيقسم القرآن سبعة أحزاب فقد حزب الصحابة رضي الله عنهم القرآن أحزاباً فروي أن عثمان رضي الله عنه كان يفتتح ليلة الجمعة بالبقرة إلى المائدة، وليلة السبت بالأنعاغم إلى هود، وليلة الأحد بيوسف إلى مريم، وليلة الاثنين بطه إلى طسم، موسى وفرعون، وليلة الثلاثاء بالعنكبوت إلى ص، وليلة الأربعاء بتنزيل إلى الرحمن، ويختم ليلة الخميس. وابن مسعود كان يقسمه أقساماً لا على هذا الترتيب وقيل أحزاب القرآن سبعة فالحزب الأول ثلاث سور والحزب الثاني خمس سور والحزب الثالث سبع سور والرابع تسع سور والخامس إحدى عشرة سورة والسادس ثلاث عشرة سورة والسابع المفصل من ق إلى آخره. فهكذا حزبه الصحابة رضي الله عنهم وكانوا يقرءونه كذلك. وفيه خبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وهذا قبل أن تعمل الأخماس والأعشار والأجزاء فما سوى هذا محدث الرابع في الكتابة: يستحب تحسين كتابة القرآن وتبيينه ولا يأس بالنقط والعلامات بالحمرة وغيرها فإنها تزيين وتبيين وصد عن الخطأ واللحن لمن يقرؤه. وقد كان الحسن وابن سيرين ينكرون الأخماس والعواشر والأجزاء. وروي عن الشعبي وإبراهيم كراهية النقط بالحمرة وأخذ الأجرة على ذلك، وكانوا يقولون جردوا القرآن. والظن بهؤلاء أنهم كرهوا فتح هذا الباب خوفاً من أن يؤدي إلى إحداث زيادات وحسبما للباب وتشوقاً إلى حراسة القرآن عما يطرق إليه تغييراً. وإذا لم يؤد إلى محظور واستقر أمر الأمة فيه على ما يحصل به مزيد معرفة فلا بأس به. ولا يمع من ذلك كونه محدثاً فكم من محدث حسن كما قيل في إقامة الجماعات في التراويح إنها من محدثات عمر رضي الله عنه وأنها بدعة حسنة. إنما البدعة المذمومة ما يصادم السنة القديمة أو يكاد يفضي إلى تغييرها. وبعضهم كان يقول. أقرأ من المصحف في المنقوط ولا أنقطه بنفسي وقال الأوزاعي عن يحيى بن أبي كثير: كان القرآن مجرداً في المصاحف فاول ما أحدثوا فيه النقط على الباء والتاء وقالوا لا بأس به فإنه نور له. ثم أحدثوا بعده نقطاً كباراً عند منتهى الآي فقالوا: لا بأس به يعرف به رأس الآية. ثم أحدثوا بعد ذلك الخواتم والفواتح. قال أبو بكر الهذلي سألت الحسن عن تنقيط المصاحف بالأحمر فقال: وما تنقيطها؟ قلت: يعربون الكلمة بالعربية قال: أما إعراب القرآن فلا بأس به وقال خالد الحذاء: دخلت على ابن سيرين فرأيته يقرأ في مصحف منقوط وقد كان يكره النقط. وقيل: إن الحجاج هو الذي أحدث ذلك وأحضر القراء حتى عدوا كلمات القرآن وحروفه وسووا أجزاءه وقسموه إلى ثلاثين جزءاً وإلى أقسام أخر. الخامس الترتيل: هو المستحب في هيئة القرآن لأنا سنبين أن المقصود من القراءة التفكر والترتيل معين عليه.

ولذلك نعتت أم سلمة رضي الله عنها قراءة رسول الله صلى الله عليه وسلم فإذا هي تنعت قراءة مفسرة حرفاً حرفاً وقال ابن عباس رضي الله عنه: لأن أقرأ البقرة وآل عمران أرتلهما وأتدبرهما أحب إلي من أن أقرأ القرآن هذرمة. وقال أيضاً: لأن أقرأ إذا زلزلت والقارعة أتدبرهما أحب إلي من أن أقرأ البقرة وآل عمران تهذيراً. وسئل مجاهد عن رجلين دخلا في الصلاة فكان قيامهما واحداً إلا أن أحدهما قرأ البقرة فقط والآخر القرآن كله فقال. هما في الأجر سواء. واعلم أن الترتيل مستحب لا لمجرد التدبر فإن العجمي الذي لا يفهم معنى القرآن يستحب له في القراءة أيضاً الترتيل والتؤدة لأن ذلك أقرب إلى التوقير والاحترام وأشد تأثيراً في القلب من الهذرمة والاستعجال السادس البكاء: البكاء مستحب مع القراءة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "اتلوا القرآن وابكوا فإن لم تبكوا فتباكوا" وقال صلى الله عليه وسلم "ليس منا من لم يتغن بالقرآن" وقال صالح المري: قرأت القرآن على رسول الله صلى الله عليه وسلم في المنام فقال لي يا صالح هذه القراءة فأين البكاء؟ وقال ابن عباس رضي الله عنهما: إذا قرأتم سجدة سبحان؛ فلا تعجلوا بالسجود حتى تبكوا فإن لم تبك عين أحدكم فليبك قلبه وإنما طريق تكلف البكاء أن يحضر قلبه الحزن فمن الحزن ينشأ البكاء قال صلى الله عليه وسلم "إن القرآن نزل بحزن فإذا قرأتموه فتحازنوا" ووجه إحضار الحزن أن يتأمل ما فيه من التهديد والوعيد والمواثيق والعهود. ثم يتأمل تقصيره في أوامره وزواجره فيحزن لا محالة ويبكي. فإن لم يحضره حزن وبكاء كما يحضر أرباب القلوب الصافية فليبك على فقد الحزن والبكاء فإن ذلك أعظم المصائب. السابع أن يراعى حق الآيات: فإذا مر بآية سجدة سجد، وكذلك إذا سمع من غيره سجدة سجد إذا سجد التالي، ولا يسجد إلا إذا كان على طهارة. وفي القرآن أربع عشرة سجدة. وفي الحج سجدتان وليس في ص سجدة وأقله أن يسجد بوضع جبهته على الأرض وأكمله أن يكبر فيسجد ويدعو في سجوده بما يليق بالآية التي قرأها مثل أن يقرأ قوله تعالى "خروا سجداً وسبحوا بحمد ربهم وهم لا يستكبرون" فيقول "اللهم اجعلني من الساجدين لوجهك المسبحين بحمدك وأعوذ بك أن أكون من المستكبرين عن أمرك أو على أوليائك" وإذا قرأ قوله تعالى "ويخرون للأذقان يبكون ويزيدهم خشوعاً" فيقول "اللهم اجعلني من الباكين إليك الخاشعين لك، وكذلك كل سجدة، ويشترط في هذه السجدة شروط الصلاة من ستر العورة واستقبال القبلة وطهارة الثوب والبدن من الحدث والخبث. ومن لم يكن على طهارة عند السماع فإذا تطهر يسجد، وقد قيل في كمالها أنه يكبر رافعاً يديه لتحريمه ثم يكبر للهوي للسجود ثم يكبر للارتفاع ثم يسلم. وزاد زائدون التشهد ولا أصل لهذا إلا القياس على سجود الصلاة وهو بعيد فإنه ورد الأمر في السجود فليتبع فيه الأمر وتكبيرة الهوى أقرب للبداية وما عدا ذلك ففيه بعد. ثم المأموم ينبغي أن يسجد عند سجود الإمام ولا يسجد لتلاوة نفسه إذا كان مأموماً الثامن أن يقول في متبدإ قراءته: أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم "رب أعوذ بك من همزات الشياطين وأعوذ بك رب أن يحضرون" ولنقرأ: قل أعوذ برب الناس وسورة الحمد لله وليقل عند فراغه من القراءة: صدق الله تعالى وبلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم اللهم انفعنا به وبارك لنا فيه الحمد لله رب العالمين وأستغفر الله الحي القيوم. وفي أثناء القراءة إذا مر بآية تسبيح سبح وكبر، وإذا مر بآية دعاء واستغفار دعا واستغفر، وإن مر بمرجو سأل وإن مر بمخوف استعاذ. يفعل ذاك بلسانه أو بقلبه فيقول: سبحان الله نعوذ بالله اللهم ارزقنا اللهم ارحمنا.

قال حذيفة: صليت مع رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فابتدأ سورة البقرة فكان لا يمر بآية رحمة إلا سأل ولا بآية عذاب إلا استعاذ ولا بآية تنزيه إلا سبح، فإذا فرغ قال ما كان يقول صلوات الله وسلامه عند ختم القرآن "اللهم ارحمني بالقرآن واجعله لي إماماً ونوراً وهدى ورحمة اللهم ذكرني منه ما نسيت وعلمني منه ما جهلت وارزقني تلاوته آناء الليل وأطراف النهار واجعله لي حجة يا رب العالمين" التاسع في الجهر بالقراءة: ولاشك في أنه لابد أن يجهر به إلى حد يسمع نفسه إذ القراءة عبارة عن تقطيع الصوت بالحروف ولابد من صوت فأقله ما يسمع نفسه فإن لم يسمع نفسه لم تصح صلاته. فأما الجهر بحيث يسمع غيره فهو محبوب على وجه ومكروه على وجه آخر. ويدل على استحباب الإسرار ما روي أنه صلى الله عليه وسلم قال "فضل قراءة السر على قراءة العلانية كفضل صدقة السر على صدقة العلانية" وفي لفظ آخر "الجاهر بالقرآن كالجاهر بالصدقة والمسر به كالمسر بالصدقة" وفي الخبر العام "يفضل عمل السر على عمل العلانية سبعين ضعفاً" وكذلك قوله صلى الله عليه وسلم "خير الرزق ما يكفي وخير الذكر الخفي" وفي الخبر "لا يجهر بعضكم على بعض في القراءة بين المغرب والعشاء" وسمع سعيد بن المسيب ذات ليلة في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم عمر بن عبد العزيز يجهر بالقراءة في صلاته وكان حسن الصوت فقال لغلامه: اذهب إلى هذا المصلى فمره أن يخفض صوته، فقال الغلام؛ إن المسجد ليس لنا وللرجل فيه نصيب، فرفع سعيد صوته وقال: يا أيهما المصلي إن كنت تريد الله عز وجل بصلاتك فاخفض صوتك وإن كنت تريد الناس فإنهم لن يغنوا عنك من الله شيئاً، فسكت عمر بن عبد العزيز وخفف ركعته فلما سلم أخذ نعليه وانصرف وهو يومئذ أمير المدينة. ويدل على استحباب الجهر ما روي أن النبي صلى الله عليه وسلم سمع جماعة من أصحابه يجهرون في صلاة الليل فصوب ذلك وقد قال صلى الله عليه وسلم "إذا قام أحدكم من الليل يصلي فليجهر بالقراءة فإن الملائكة وعمار الدار يستمعون قراءته ويصلون بصلاته" ومر صلى الله عليه وسلم بثلاثة من أصحابه رضي الله عنهم مختلفي الأحوال فمر على أبي بكر رضي الله عنه وهو يخافت فسأله عن ذلك فقال: إن الذي أناجيه هو يسمعني. ومر على عمر رضي الله عنه وهو يجهر فسأله عن ذلك فقال: أوقظ الوسنان وأزجر الشيطان. ومر على بلال وهو يقرأ آياً من هذه السورة وآياً من هذه السورة فسأله عن ذلك فقال أخلط الطيب بالطيب. فقال صلى الله عليه وسلم: كلكم قد أحسن وأصاب. فالوجه في الجمع بين هذه الأحاديث أن الإسرار أبعد عن الرياء والتصنع فهو أفضل في حق من يخاف ذلك على نفسه فإن لم يخف ولم يكن في الجهر ما يشوش الوقت على مصل آخر فالجهر أفضل لأن العمل فيه أكثر، ولأن فائدته أيضاً تتعلق بغيره فالخير المتعدى أفضل من اللازم، ولأنه يوقظ قلب القارىء ويجمع همه إلى الفكر فيه ويصرف إليه سمعه، ولأنه يطرد النوم في رفع الصوت ولأنه يزيد في نشاطه للقراءة ويقلل من كسله، ولأنه يرجو بجهره تيقظ نائم فيكون هو سبب إحيائه، ولأنه قد يراه بطال غافل فينشط بسبب نشاطه ويشتاق إلى الخدمة "فمتى حضره شيء من هذه النيات فالجهر أفضل. وإن اجتمعت هذه النيات تضاعف الأجر وبكثرة النيات تزكو أعمال الأبرار وتتضاعف أجورهم فإن كان في العمل الواحد عشر نيات كان فيه عشر أجور. ولهذا نقول قراءة القرآن في المصاحف أفضل إذ يزيد في العمل النظر وتأمل المصحف وحمله فيزيد الأجر بسببه. وقد قيل الختمة في المصحف بسبع لأن النظر في المصحف أيضاً عبادة. وخرق عثمان رضي الله عنه مصحفين لكثرة قراءته منهما فكان كثير من الصحابة يقرءون في المصاحف ويكرهون أن يخرج يوم ولم ينظروا في المصحف. ودخل بعض فقهاء مصر على الشافعي رضي الله عنه في السحر وبين يديه مصحف فقال له الشافعي: شغلكم الفكر عن القرآن إني لأصلي العتمة وأضع المصحف بين يدي فما أطبقه حتى أصبح العاشر تحسين القراءة وترتيلها بترديد الصوت من غير تمطيط مفرط يغير النظم فذلك سنة قال صلى الله عليه وسلم "ليس منا من لم يتغن بالقرآن" فقيل أراد به الاستغناء وقيل أراد به الترنم وترديد الألحان به وهو أقرب عند أهل اللغة. وروي "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان ليلة ينتظر عائشة رضي الله عنها فأبطأت عليه فقال صلى الله عليه وسلم "ما حبسك قالت: يا رسول الله كنت أستمع قراءة رجل ما سمعت أحسن صوتاً منه، فقام صلى الله عليه وسلم حتى استمع إليه طويلاً ثم رجع فقال صلى الله عليه وسلم "هذا سالم مولى أبي حذيفة الحمد لله الذي جعل في أمتي مثله" واستمع صلى الله عليه وسلم أيضاً ذات ليلة إلى عبد الله بن مسعود ومعه أبو بكر وعمر رضي الله عنهما فوقفوا طويلاً ثم قال صلى الله عليه وسلم "من أراد أن يقرأ القرآن غضاً طرياً كما أنزل فليقرأه على قراءة ابن أم عبد" وقال صلى الله عليه وسلم لابن مسعود "اقرأ علي فقال يا رسول الله أقرأ عليك وعليك أنزل فقال صلى الله عليه وسلم: إني أحب أن أسمعه من غيري فكان يقرأ وعينا رسول الله صلى الله عليه وسلم تفيضان" واستمع صلى الله عليه وسلم إلى قراءة أبي موسى فقال "لقد أوتي هذا من مزامير آل داود" فبلغ ذلك أبا موسى فقال: يا رسول الله لو علمت أنك تسمع لحبرته لك تحبيراً ورأى هيثم القارىء رسول الله صلى الله عليه وسلم في المنام قال: فقال لي أنت الهيثم الذي تزين القرآن بصوتك قلت نعم قال جزاك الله خيراً. وفي الخبر. كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا اجتمعوا أمروا أحدهم أن يقرأ سورة من القرآن. وقد كان عمر يقول لأبي موسى رضي الله عنهما: ذكرنا ربنا فيقرأ عنده حتى يكاد وقت الصلاة أن يتوسط فيقال يا أمير المؤمنين الصلاة الصلاة فيقول: أولسنا في صلاة؟ إشارة إلى قوله عز وجل "ولذكر الله أكبر" وقال صلى الله عليه وسلم "من استمع إلى آية من كتاب الله عز وجل كانت لو نوراً يوم القيامة" وفي الخبر: كتب له عشر حسنات. ومهما عظم اجر الاستماع وكان التالي هو السبب فيه كان شريكاً في الأجر إلا أن يكون قصده الرياء والتصنع.


[saa]يتبع بإذن الله[/saa]

_________________

يا خير من دفنت في التراب أعظمه فطاب من طيبهن القاع الأكم
نفسي الفداء لقبر أنت ساكنه فيه العفاف وفيه الجود والكرم
أنت الشفيع الذي ترجى شفاعته عند الصراط إذا ما زلّت القدم


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة:
مشاركة غير مقروءةمرسل: الثلاثاء أكتوبر 04, 2005 2:31 pm 
غير متصل

اشترك في: السبت فبراير 21, 2004 10:56 pm
مشاركات: 1245
مكان: يا رب مع الحبيب و آله صلى الله عليه و آله وصحبه وسلم
[align=center]الباب الثالث
في أعمال الباطن في التلاوة
وهي عشرة[/align]

فهم أصل الكلام. ثم التعظيم. ثم حضور القلب. ثم التدبر. ثم التفهم. ثم التخلي عن موانع الفهم. ثم التخصيص. ثم التأثر. ثم الترقي. ثم التبري. فالأول فهم عظمة الكلام وعلوه وفضل الله سبحانه وتعالى ولطفه بخلقه في نزوله عن عرش جلاله إلى درجة إفهام خلقه. فلينظر كيف لطف بخلقه في إيصال معاني كلامه الذي هو صفة قديمة قائمة بذاته إلى أفهمام خلقه؟ وكيف تجلت لهم تلك الصفة في طي حروف وأصوات هي صفات البشر إذ يعجز البشر عن الوصول إلى فهم صفات الله عز وجل إلا بوسيلة صفات نفسه. ولولا استتار كنه جلالة كلامه بكسوة الحروف لما ثبت لسماع الكلام عرش ولا ثري ولتلاشي ما بينهما من عظمة سلطانه وسبحات نوره. ولولا تبيت الله عز وجل لموسى عليه السلام لما أطاق لسماع كلامه كما لم يطق الجبل مبادي تجليه حيث صار دكاً. ولا يمكن تفهيم عظمة الكلام إلا بأمثلة على حد فهم الخلق. ولهذا عبر بعض العارفين عنه فقال: إن كل حرف من كلام الله عز وجل في اللوح المحفوظ أعظم من جبل قاف وإن الملائكة عليهم السلام لو اجتمعت على الحرف الواحد أن يقلوه ما أطاقوه حتى يأتي إسرافيل عليه السلام وهو ملك اللوح فيرفعه فيقله بإذن الله عز وجل ورحمته لا بقوته وطاقته ولكن الله عز وجل طوقه ذلك واستعمله به، ولقد تألق بعض الحكماء في التعبير عن وجه اللطف في إيصال معاني الكلام مع علو درجته إلى فهم الإنسان وتثبيته مع قصور رتبته وضرب له مثلاً لم يقصر فيه؛ وذلك أنه دعا بعض الملوك حكيم إلى شريعة الأنبياء عليهم السلام فسأله الملك عن أمور فأجاب بما لا يحتمله فهمه؛ فقال الملك: أرأيت ما تأتي به الأنبياء إذا ادعت أنه ليس بكلام الناس وأنه كلام الله عز وجل فكيف يطيق الناس حمله؟ فقال الحكيم: إنا رأينا الناس لما أرادوا أن يفهموا بعض الدواب والطير ما يريدون م تقديمها وتأخيرها وإقبالها وإدبارها ورأوا الدواب يقصر تمييزها عن فهم كلامهم الصادر عن أنوار عقولهم مع حسنه وتزيينه وبديع نظمه، فنزلوا إلى درجة تمييز البهائم وأوصلوا مقاصدهم إلى بواطن البهائم بأصوات يضعونها لائقة بهم من النقر والصفير والأصوات القريبة من أصواتها لكي يطيقوا حملها. وكذلك الناس يعجزون عن حمل كلام الله عز وجل بكنهه وكمال صفاته. فصاروا بما تراجعوا بينهم من الأصوات التي سمعوا بها الحكمة كصوت النقر والصفير الذي سمعت به الدواب من الناس. ولم يمنع ذلك معاني الحكمة المخبوءة في تلك الصفات من أن شرف الكلام أي الأصوات لشرفها وعظم لتعظيمها، فكان الصوت للحكمة جسداً ومسكناً والحكمة للصوت نفساً وروحاً. فكما أن أجساد البشر تكرم وتعز لمكان الروح فكذلك أصوات الكلام تشرف للحكمة التي فيها. والكلام على المنزلة رفيع الدرجة قاهر السلطان نافذ الحكم في الحق والباطل. وهو القاضي العدل والشاهد المرتضى يأمر وينهى. ولا طاقة للباطل أن يقوم قدام كلام الحكمة كما لا يستطيع الظل أن يقول قدام شعاع الشمس ولا طاقة للبشر أن ينفذوا غور الحكمة كما لا طاقة لهم أن ينفذوا بأبصارهم ضوء عين الشمس، ولكنهم ينالون من ضوء عين الشمس ما تحيا به أبصارهم ويستدلون به على حوائجهم فقط. فالكلام كالملك المحجوب الغائب وجهه النافذ أمره وكالشمس الغزيرة الظاهرة مكنون عنصرها وكالنجوم الزهرة التي قد يهتدى بها من لا يقف على سيرها فهو مفتاح الخزائن النفيسة وشراب الحياة الذي من شرب منه لم يمت ودواء الأسقام الذي من سقي منه لم يسقم. فهذا الذي ذكره الحكيم نبذة من تفهيم معنى الكلام والزيادة عليه لا تليق بعلم المعاملة فينبغي أن يقتصر عليه. الثاني التعظيم للمتكلم: فالقارىء عند البداية بتلاوة القرآن ينبغي أن يحضر في قلبه عظمة المتكلم ويعلم أن ما يقرؤه ليس من كلام البشر وأن في تلاوة كلام الله عز وجل غاية الخطر فإنه تعالى قال "لا يمسه إلا المطهرون" وكما أن ظاهر جلد المصحف وورقه محروس عن ظاهر بشرة اللامس إلا إذا كان متطهراً، فباطن معناه أيضاً بحكم عزه وجلاله محجوب عن باطن القلب إلا إذا كان متطهراً عن كل رجس ومستنيراً بنور التعظيم والتوقير. وكما لا يصلح لمس جلد المصحف كل يد فلا يصلح لتلاوة حروفه كل لسان ولا لنيل معانيه كل قلب. ولمثل هذا التعظيم كان عكرمة بن أبي جهل إذا نشر المصحف غشى عليه ويقول: هو كلام ربي هو كلام ربي؟ فتعظيم الكلام تعظيم المتكلم ولن تحضره عظمة المتكلم ما لم يتفكر في صفاته وجلاله وأفعاله. فإذا حضر بباله العرش والكرسي والسموات والأرض وما بينهما من الجن والإنس والدواب والأشجار، وعلم أن الخالق لجميعها والقادر عليها والرازق لها واحد، وأن الكل في قبضة قدرته مترددون بين فضله ورحمته وبين نقمته وسطوته إن أنعم فبفضله وإن عاقب فبعد له، وأنه الذي يقول هؤلاء إلى الجنة ولا أبالي وهؤلاء إلى النار ولا أبالي وهذا غاية العظمى والتعالي. فبالتفكر في أمثال هذا يحضر تعظيم المتكلم ثم تعظيم الكلام الثالث حضور القلب وترك حديث النفس: قيل في تفسير "يا يحيى خذ الكتاب بقوة" أي بجد واجتهاد وأخذه بالجد أن يكون متجرداً له عند قراءته منصرف الهمة إليه عن غيره، وقيل لبعضهم: إذا قرأت القرآن تحدث نفسك بشيء؟ فقال أو شيء أحب إلي من القران حتى أحدث به نفسي! وكان بعض السلف إذا قرأ آية لم يكن قلبه فيها أعادها ثانية وهذه الصفة تتولد عما قبلها من التعظيم فإن المعظم للكلام الذي يتلوه يستبشر به ويستأنس ولا يغفل عنه. ففي القرآن ما يستأنس به القلب إن كان التالي أهلاً له فكيف يطلب الأنس بالفكر في غيره وهو في متنزه ومتفرج والذي يتفرج في المتنزهات لا يتفكر في غيرها؟ فقد قيل إن في القرآن ميادين وبساتين ومقاصير وعرائس وديابيج ورياضاً وخانات فالميمات ميادين القرآن والراءات بساتين القرآن والحاءات مقاصيره والمسبحات عرائس القرآن والحاميمات ديابيج القرآن والمفصل رياضه والخانات ما سوى ذلك فإذا دخل القارىء الميادين وقطف من البساتين ودخل المقاصير وشهد العرائس ولبس الديابيج وتنزه في الرياض وسكن غرف الخانات استغرقه ذلك وشغله عما سواه فلم يعز قلبه ولم يتفرق فكره. الرابع التدبر: وهو وراء حضور القلب فإنه قد لا يتفكر في غير القرآن ولكنه يقتصر على سماع القرآن من نفسه وهو لا يتدبره. والمقصود من القراءة التدبر. ولذلك سن لأن الترتيل فيه الترتيل في الظاهر ليتمكن من التدبر بالباطن. قال علي رضي الله عنه: لا خير في عبادة لا فقه فيها ولا في قراءة لا تدبر فيها. وإذا لم يتمكن من التدبر إلا بترديد فليردد إلا أن يكون خلف إمام. فإنه لو بقي في تدبر آية وقد اشتغل الإمام بآية أخرى كان مسيئاً مثل من يشتغل بالتعجب من كلمة واحدة مما يناجيه عن فهم بقية كلامه. وكذلك إن كان في تسبيح الركوع وهو متفكر بالتعجب من كلمة واحدة ممن يناجيه عن فهم بقية كلامه. وكذلك إن كان في تسبيح الركوع وهو متفكر في آية قرأها إمامه فهذا وسواس. فقد روي عن عامر بن عبد قيس أنه قال: الوسواس يعتريني في الصلاة، فقيل: في أمر الدنيا؟ فقال: لأن تختلف في الأسنة أحب إلي من ذلك، ولكن يشتغل قلبي بموقفي بين يدي ربي عز وجل. وأني كيف انصرف، فعد ذلك وسواساً وهو كذلك فإنه يشغله عن فهم ما هو فيه والشيطان لا يقدر على مثله إلا بأن يشغله بمهم ديني ولكن يمنعه به عن الأفضل. ولما ذكر ذلك للحسن قال إن كنتم صادقين عنه فما اصطنع الله ذلك عندنا. ويروى "أنه صلى الله عليه وسلم قرأ بسم الله الرحمن الرحيم فرددها عشرين مرة" وإنما رددها صلى الله عليه وسلم لتدبره في معانيها. وعن أبي ذر قال "قام رسول الله صلى الله عليه وسلم بنا ليلة فقام بآية يرددها وهي "إن تعذبهم فإنهم عبادك وإن تغفر لهم" الآية" وقام تميم الداري ليلة بهذه الآية "أم حسب الذين اجترحوا السيئات" الآية. وقام سعيد بن جبير ليلة يردد هذه الآية "وامتازوا اليوم أيها المجرمون" وقال بعضهم: إني لأفتتح السورة فيوقفني بعض ما أشهد فيها عن الفراغ منها حتى يطلع الفجر. وكان بعضهم يقول: آية لا أتفهمها ولا يكون قلبي فيها لا أعد لها ثواباً، وحكي عن أبي سليمان الداراني أنه قال: إني لأتلو الآية فأقيم فيها أربع ليال أو خمس ليال ولولا أني أقطع الفكر فيها ما جاوزتها إلى غيرها. وعن بعض السلف أنه بقي في سورة هود ستة أشهر يكررها ولا يفرغ من التدبر فيها. وقال بعض العارفين: لي في كل جمعة ختمة وفي كل شهر ختمة وفي كل سنة ختمة ولي ختمه منذ ثلاثين سنة ما فرغت منها بعد. وذلك بحسب درجات تدبره وتفتيشه. وكان هذا أيضاً يقول: أقمت نفسي مقام الأجراء فأنا أعمل مياومة ومجامعة ومشاهرة ومسانهة. الخامس التفهم: وهو أن يستوضح من كل أية ما يليق بها إذ القرآن يشتمل على ذكر صفات الله عز وجل. وذكر أفعاله. وذكر أحوال الأنبياء عليهم السلام. وذكر أحوال المكذبين لهم وأنهم كيف أهلكوا، وذكر أوامره وزواجره، وذكر الجنة والنار.
أما صفات الله عز وجل فكقوله تعالى "ليس كمثله شيء وهو السميع البصير" وكقوله تعالى "الملك القدوس السلام المؤمن المهيمن العزيز الجبار المتكبر" فليتأمل معاني هذه الأسماء والصفات لينكشف له أسرارها فتحتها معان مدفونة لا تنكشف إلا للموفقين: وإليه أشار علي رضي الله عنه بقوله ما أسر إلي رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئاً كتمه عن الناس إلا أن يؤتي الله عز وجل عبداً فهماً في كتابه فليكن حريصاً على طلب ذلك الفهم وقال ابن مسعود رضي الله عنه: من أراد علم الأولين والآخرين فليثور القرآن. وأعظم علوم القرآن تحت أسماء الله عز وجل وصفاته إذ لم يدرك أكثر الخلق منها إلا أموراً لائقة بأفهامهم ولم يعثروا على أغوارها.
وأما أفعاله تعالى فكذكره خلق السموات والأرض وغيرها. فليفهم التالي منها صفات الله عز وجل وجلاله إذ الفعل يدل على الفاعل فتدل عظمته على عظمته. فينبغي أن يشهد في العقل الفاعل دون الفعل، فمن عرف الحق رآه في كل شيء إذ كل شيء فهو منه وإليه وبه وله فهو الكل على التحقيق. ومن لا يراه في كل ما يراه فكأنه ما عرفه. ومن عرفه عرف أن كل شيء ما خلا الله باطل وأن كل شيء هالك إلا وجهه؛ لا أنه سيبطل في ثاني الحال؛ بل هو الآن باطل إن اعتبر ذاته من حيث هو إلا أن يعتبر وجوده من حيث إنه موجود بالله عز وجل وبقدرته فيكون له بطريق التبعية ثبات وبطريق الاستقلال بطلان محض وهذا مبدأ من مبادىء علم المكاشفة: ولهذا ينبغي إذا قرأ التالي قوله عز وجل "أفرأيتم ما تحرثون - أفرأيتم ما تمنون - أفرأيتم الماء الذي تشربون - أفرأيتم النار التي تورون" فلا يقصر نظره على الماء والنار والحرث والمنى بل يتأمل في المنى وهو نطفة متشابهة الأجزاء ثم ينظر في كيفية انقسامها إلى اللحم والعظم والعروق والعصب وكيفية تشكل أعضائها بالأشكال المختلفة من الرأس واليد والرجل والكبد والقلب وغيرها ثم إلى ما ظهر فيها من الصفات الشريفة من السمع والبصر والعقل وغيرها ثم إلى ما ظهر فيها من الصفات المذمومة من الغضب والشهوة والكبر والجهل والتكذيب والمجادلة كما قال تعالى "أولم ير الإنسان أنا خلقناه من نطفة فإذا هو خصيم مبين" فيتأمل هذه العجائب ليترقى منها إلى عجب العجائب وهو الصفة التي منها صدرت هذه الأعاجيب فلا يزال ينظر إلى الصنعة فيرى الصانع.
وأما أحوال الأنبياء عليهم السلام: فإذا سمع منها كيف كذبوا وضربوا وقتل بعضهم. فليفهم منه صفة الاستغناء لله عز وجل عن الرسل والمرسل إليهم وأنه لو أهلك جميعهم لم يؤثر في ملكه شيئاً. وإذا سمع نصرتهم في آخر الأمر فليفهم قدرة الله عز وجل وإرادته لنصرة الحق.
وأما أحوال المكذبين؛ كعاد وثمود وما جرى عليهم فليكن فهمه منه استشعار الخوف من سطوته ونقمته وليكن حظه منه الاعتبار في نفسه وأنه إن غفل وأساء الأدب واغتر بما أمهل فربما تدركه النقمة وتنفذ فيه القضية: وكذلك إذا سمع وصف الجنة والنار وسائر ما في القرآن فلا يمكن استقصاء ما يفهم منه لأن ذلك لا نهاية له وإنما لكل عبد بقدر رزقه، فلا رطب ولا يابس إلا في كتاب مبين "قل لو كان البحر مداداً لكلمات ربي لنفد البحر قبل أن تنفد كلمات ربي ولو جئنا بمثله مدداً" ولذلك قال علي رضي الله عنه: لو شئت لأوقرت سبعين بعيراً من تفسير فاتحة الكتاب. فالغرض مما ذكرناه التنبيه على طريق التفهيم لينفتح بابه فأما الاستقصاء فلا مطمع فيه. ومن لم يكن له فهم ما في القرآن ولو في أدنى الدرجات دخل في قوله تعالى "ومنهم من يستمع إليك حتى إذا خرجوا من عندك قالوا للذين أوتوا العلم ماذا قال آنفاً أولئك الذين طبع الله على قلوبهم" والطابع هي الموانع التي سنذكرها في موانع الفهم.

وقد قيل: لا يكون المريد مريداً حتى يجد في القرآن كل ما يريد ويعرف منه النقصان من المزيد ويستغني بالمولى عن العبيد السادس التخلي عن موانع الفهم فإن أكثر الناس منعوا عن فهم معاني القرآن لأسباب وحجب أسدلها الشيطان على قلوبهم فعميت عليهم عجائب أسرار القرآن قال صلى الله عليه وسلم "لولا أن الشياطين يحومون على قلوب بني آدم لنظروا إلى الملكوت" ومعاني القرآن من جملة الملكوت وكل ما غاب عن الحواس ولم يدرك إلا بنور البصيرة فهو من الملكوت. وحجب الفهم أربعة؛ أولها: أن يكون الهم منصرفاً إلى تحقيق الحروف بإخراجها من مخارجها، وهذا يتولى حفظه شيطان وكل بالقراء ليصرفهم عن فهم معاني كلام الله عز وجل فلا يزال يحملهم على ترديد الحرف يخيل إليهم أنه لم يخرج من مخرجه. فهذا يكون تأمله مقصوراً على مخارج الحروف فأنى تنكشف له المعاني؟ وأعظم ضحكة للشيطان من كان مطيعاً لمثل هذا التلبيس. ثانيها؛ أن يكون مقلداً لمذهب سمعه بالتقليد وجمد عليه وثبت في نفسه التعصب له بمجرد الاتباع للمسموع من غير وصول إليه ببصيرة ومشاهدة. فهذا شخص قيده معتقده عن أن يجاوزه فلا يمكنه أن يخطر بباله غير معتقده فصار نظره موقوفاً على مسموعه، فإن لمع برق على بعد وبدا له معنى من المعاني التي تباين مسموعه حمل عليه شيطان التقليد حملة وقال كيف يخطر هذا ببالك وهو خلاف معتقد آبائك، فيرى أن ذلك غرور من الشيطان فيتباعد منه ويحترز منه ويحترز عن مثله. ولمثل هذا قالت الصوفية: إن العلم حجاب وأرادوا بالعلم العقائد التي استمر عليها أكثر الناس بمجرد التقليد أو بمجرد كلمات جدلية حررها المتعصبون للمذاهب وألقوها إليهم. فأما العلم الحقيقي الذي هو الكشف والمشاهدة بنور البصيرة فكيف يكون حجاباً وهو منتهى المطلب؟ وهذا التقليد قد يكون باطلاً فيكون مانعاً كمن يعتقد في الاستواء على العرش التمكن والاستقرار فإن خطر له مثلاً في القدوس أنه المقدس عن كل ما يجوز على خلقه لم يمكنه تقليده من أن يستقر ذلك في نفسه.. ولو استقر في نفسه لانجر إلى كشف ثان وثالث ولتواصل. ولكن يتسارع إلى دفع ذلك عن خاطره لمناقضته تقليده الباطل. وقد يكون حقاً ويكون أيضاً مانعاً من الفهم والكشف لأن الحق الذي كلف الخلق اعتقاده له مراتب ودرجات وله مبدأ ظاهر وغور باطن وجمود الطبع على الظاهر يمنع من الوصول إلى الغور الباطن - كما ذكرناه في الفرق بين العلم الظاهر والباطن في كتاب قواعد العقائد - ثالثها: أن يكون مصراً على ذنب أو متصفاً بكبر أو مبتلى في الجملة بهوى في الدنيا مطاع فإن ذلك سبب ظلمة القلب وصدئه، وهو كالخبث على المرآة فيمنع جلية الحق من أن يتجلى فيه وهو أعظم حجاب للقلب وبه حجب الأكثرون. وكلما كانت الشهوات أشد تراكماً كانت معاني الكلام أشد احتجاباً وكلما خف عن القلب أثقال الدنيا قرب تجلى المعنى فيه. فالقلب مثل المرآة والشهوات مثل الصدإ ومعاني القرآن مثل الصور التي تتراءى في المرآة. والرياضة للقلب بإماطة الشهوات مثل تصقيل الجلاء للمرآة ولذلك قال صلى الله عليه وسلم "إذا عظمت أمتي الدينار والدرهم نزع منها هيبة الإسلام وإذا تركوا الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر حرموا بركة الوحي" قال الفضيل: يعني حرموا فهم القرآن. وقد شرط الله عز وجل الإنابة في الفهم والتذكير فقال تعالى "تبصرة وذكرى لكل عبد منيب" وقال عز وجل "وما يتذكر إلا من ينيب" وقال تعالى "إنما يتذكر أولو الألباب" فالذي آثر غرور الدنيا على نعيم الآخرة فليس من ذوي الألباب ولذلك لا تنكشف له أسرار الكتاب. رابعها: أن يكون قد قرأ تفسيراً ظاهراً واعتقد أنه لا معنى لكلمات القرآن إلا ما تناوله النقل عن ابن عباس ومجاهد وغيرهما. وأن ما وراء ذلك تفسير بالرأي في الباب الرابع وأن ذلك لا يناقض قول علي رضي الله عنه إلا أن يؤتي الله عبداً فهماً في القرآن. وأنه لو كان المعنى هو الظاهر المنقول لما اختلفت الناس فيه السابع التخصيص وهو أن يقدر أنه المقصود بكل خطاب في القرآن فإن سمع أمراً أو نهياً قدر أنه المنهي والمأمور وإن سمع وعداً أو وعيداً فكمثل ذلك، وإن سمع قصص الأولين والأنبياء علم أن السمر غير مقصود وإنما المقصود ليعتبر به وليأخذ من تضاعيفه ما يحتاج إليه فما من قصة في القرآن إلا وسياقها لفائدة في حق النبي صلى الله عليه وسلم وأمته. ولذلك قال تعالى "ما نثبت به فؤادك" فليقدر العبد أن الله ثبت فؤاده بما يقصه عليه من أحوال الأنبياء وصبرهم على الإيذاء وثباتهم في الدين لانتظار نصر الله تعالى. وكيف لا يقدر هذا والقرآن ما أنزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم خاصة بل هو شفاء وهدى ورحمة ونور للعالمين؟ ولذلك أمر الله تعالى الكافة بشكر نعمة الكتاب فقال تعالى "واذكروا نعمة الله عليكم وما أنزل عليكم من الكتاب والحكمة يعظكم به" وقال عز وجل "لقد أنزلنا إليكم كتاباً فيه ذكركم أفلا تعقلون وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم.
كذلك يضرب الله للناس أمثالهم. واتبعوا أحسن ما أنزل إليكم من ربكم. هذا بصائر للناس وهدى ورحمة لقوم يوقنون. هذا بيان للناس وهدى وموعظة للمتقين" وإذا قصد بالخطاب جميع الناس فقد قصد الآحاد فهذا القارىء الواحد مقصود فما له ولسائر الناس فليقدر أنه المقصود قال الله تعالى "وأوحي إلي هذا القرآن لأنذركم به ومن بلغ" قال محمد بن كعب القرظي: من بلغه القرآن فكأنما كلمه الله. وإذا قدر ذلك لم يتخذ دراسة القرآن عمله بل يقرؤه كما يقرأ العبد كتاب مولاه الذي كتبه إليه ليتأمله ويعمل بمقتضاه. ولذلك قال بعض العلماء: هذا القرآن رسائل أتتنا من قبل ربنا عز وجل بعهوده نتدبرها في الصلوات ونقف عليها في الخلوات وننفذها في الطاعات والسنن المتبعات. وكان مالك بن دينار يقول: ما زرع القرآن في قلوبكم يا أهل القرآن إن القرآن ربيع المؤمن كما أن الغيث ربيع الأرض. وقال قتادة: لم يجالس أحد هذا القرآن إلا قام بزيادة أو نقصان قال تعالى "هو شفاء ورحمة للمؤمنين ولا يزيد الظالمين إلا خساراً" الثامن التأثر وهو أن يتأثر قلبه بآثار مختلفة بحسب اختلاف الآيات فيكون له بحسب كل فهم حال ووجد يتصف به قلبه من الحزن والخوف والرجاء وغيره. ومهما تمت معرفته كانت الخشية أغلب الأحوال على قلبه فإن التضييق غالب على آيات القرآن فلا يرى ذكر المغفرة والرحمة إلا مقروناً بشروط يقصر العارف عن نيلها كقوله عز وجل "وإني لغفار" ثم أتبع ذلك بأربعة شروط "لمن تاب وآمن وعمل صالحاً ثم اهتدى" وقوله تعالى "والعصر إن الإنسان لفي خسر إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر" ذكر أربعة شروط وحيث اقتصر ذكر شرطاً جامعاً فقال تعالى "إن رحمة الله قريب من المحسنين" فالإحسان يجمع الكل وهكذا من يتصفح القرآن من أوله إلى آخره. ومن فهم ذلك فجدير بأن يكون حاله الخشية والحزن.

ولذلك قال الحسن: والله ما أصبح اليوم عبد يتلو القرآن يؤمن به إلا كثر حزنه وقل فرحه وكثر بكاؤه وقل ضحكه وكثر نصبه وشغله وقلت راحته وبطالته. وقا وهيب بن الورد نظرنا في هذه الأحاديث والمواعظ فلم نجد شيئاً أرق للقلوب ولا أشد استجلاباً للحزن من قراءة القرآن وتفهمه وتدبره. فتأثر العبد بالتلاوة أن يصير بصفة الآية المتلوة فعند الوعيد وتقييد المغفرة بالشروط يتضاءل من خيفته كأنه يكاد يموت. وعند التوسع ووعد المغفرة يستبشر كأه يطير من الفرح. وعند ذكر الله وصفاته وأسمائه يتطأطأ خضوعاً لجلاله واستشعاراً لعظمته. وعند ذكر الكفار ما يستحيل على الله عز وجل كذكرهم لله عز وجل ولداً وصاحبة يغض صوته ويكسر في باطنه حياء قبح مقالتهم. وعند وصف الجنة ينبعث بباطنه شوقاً إليها. وعند وصف النار ترتعد فرائصه خوفاً منها، ولما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لابن مسعود "اقرأ علي قال: فافتتحت سورة النساء فلما بلغت "فكيف إذا جئنا من كل أمة بشهيد وجئنا بك على هؤلاء شهيداً" رأيت عينيه تذرفان بالدمع فقال لي: حسبك الآن" وهذا لأن مشاهدة تلك الحالة استغرقت قلبه بالكلية. ولقد كان في الخائفين من خر مغشياً عليه عند آيات الوعيد. ومنهم من مات في سماع الآيات. فمثل هذه الأحوال يخرجه عن أن يكون حاكياً في كلامه. فإذا قال "إني أخاف إن عصيت ربي عذاب يوم عظيم" ولم يكن خائفاً كان حاكياً. وإذا قال "عليك توكلنا وإليك أنبنا وإليك المصير" ولم يكن حاله التوكل والإنابة كان حاكياً. وإذا قال "ولنصبرن على ما آذيتمونا" فليكن حاله الصبر أو العزيمة عليه حتى يجد حلاوة التلاوة. فإن لم يكن بهذه الصفات ولم يتردد قلبه بين هذه الحالات كان حظه من التلاوة حركة اللسان مع صريح اللعن على نفسه في قوله تعالى "ألا لعنة الله على الظالمين" وفي قوله تعالى "كبر مقتاً عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون" وفي قوله عز وجل "وهم في غفلة معرضون" وفي قوله "فأعرض عمن تولى عن ذكرنا ولم يرد إلا الحياة الدنيا" وفي قوله تعالى "ومن لم يتب فأولئك هم الظالمون" إلى غير ذلك من الآيات وكان داخلاً في معنى قوله عز وجل "ومنهم أميون لا يعلمون الكتاب إلا أماني" يعني التلاوة المجردة وقوله عز وجل "وكأين من آية في السموات والأرض يمرون عليها وهم عنها معرضون" لأن القرآن هو المبين لتلك الآيات في السموات والأرض، ومهما تجاوزها ولم يتأثر بها كان معرضاً عنها. ولذلك قيل: إن من لم يكن متصفاً بأخلاق القرآن فإذا قرأ القرآن ناداه الله تعالى: مالك ولكلامي وأنت معرض عني دع عنك كلامي إن لم تتب إلي. ومثال العاصي إذا قرأ القرآن وكرره مثال من يكرر كتاب الملك في كل يوم مرات وقد كتب إليه في عمارة مملكته وهو مشغول بتخريبها ومقتصر على دراسة كتابه؛ فلعله لو ترك الدراسة عند المخالفة لكان أبعد عن الاستهزاء واستحقاق المقت. ولذلك قال يوسف بن أسباط: إني لأهم بقراءة القرآن فإذا ذكرت ما فيه خشيت المقت فاعدل إلى التسبيح والاستغفار. والمعرض عن العمل به أريد بقوله عز وجل "فنبذوه وراء ظهورهم واشتروا به ثمناً قليلاً فبئس ما يشترون" ولذلك قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "اقرءوا القرآن ما ائتلفت عليه قلوبكم ولانت له جلودكم فإذا اختلفتم فلستم تقرءونه - وفي بعضها - فإذا اختلفتم فقوموا عنه" قال الله تعالى "الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم وإذا تليت عليهم آياتهم زادتهم إيماناً وعلى ربهم يتوكلون" وقال صلى الله عليه وسلم "إن أحسن الناس صوتاً بالقرآن الذي إذا سمعته يقرأ رأيت أنه يخشى الله تعالى" وقال صلى الله عليه وسلم "لا يسمع القرآن من أحد أشهى ممن يخشى الله عز وجل" يراد لاستجلاب هذه الأحوال إلى القلب والعمل به؛ وإلا فالمؤنة في تحريك اللسان بحروفه خفيفة. ولذلك قال بعض القراء: قرأت القرآن على شيخ لي ثم رجعت لأقرأ ثانياً فانتهرني وقال جعلت القرآن علي عملاً اذهب فاقرأ على الله عز وجل. فانظر بماذا يأمرك وبماذا ينهاك. وبهذا كان شغل الصحابة رضي الله عنهم في الأحوال والأعمال. فمات رسول الله صلى الله عليه وسلم عن عشرين ألفاً من الصحابة لم يحفظ القرآن منهم إلا ستة اختلف في اثنين منهم. وكان أكثرهم يحفظ السورة والسورتين. وكان الذي يحفظ البقرة والأنعام من علمائهم ولما جاء واحد ليتعلم القرآن فانتهى إلى قوله عز وجل "فمن يعمل مثقال ذرة خيراً يره ومن يعمل مثقال ذرة شراً يره" قال: يكفي هذا وانصرف. فقال صلى الله عليه وسلم: انصرف الرجل وهو فقيه. وإنما العزيز مثل تلك الحالة التي من الله عز وجل بها على قلب المؤمن عقيب فهم الآية. فأما مجرد حركة اللسان فقليل الجدوى. بل التالي باللسان المعرض عن العمل جدير بأن يكون هو المراد بقوله تعالى "ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكاً ونحشره يوم القيامة أعمى" وبقوله عز وجل "كذلك أتتك آياتنا فنسيتها وكذلك اليوم تنسى" أي تركتها ولم تنظر إليها ولم تعبأ بها فإن المقصر في الأمر يقال إنه نسي الأمر وتلاوة القرآن حق تلاوته هو أن يشترك فيه اللسان والعقل والقلب، فحظ اللسان تصحيح الحروف بالترتيل وحظ العقل تفسير المعاني وحظ القلب الاتعاظ والتأثر بالانزجار والائتمار. فاللسان يرتل والعقل يترجم والقلب يتعظ. التاسع الترقي: وأعني به أن يترىق إلى أن يسمع الكلام من الله عز وجل لا من نفسه "فدرجات القراءة ثلاث، أدناها: ان يقدر العبد كأنه يقرؤه على الله عز وجل واقفاً بين يديه وهو ناظر إليه ومستمع منه، فيكون حاله عند هذا التقدير السؤال والتملق والتضرع والابتهال. الثانية: أن يشهد بقلبه كأن الله عز وجل يراه ويخاطبه بألطافه ويناجيه بإنعامه وإحسانه فمقامه الحياء والتعظيم والإصغاء والفهم. الثالثة: أن يرى في الكلاء المتكلم وفي الكلمات الصفات فلا ينظر إلى نفسه ولا إلى قراءته ولا إلى تعلق الإنعام به من حيث إنه منعم عليه بل يكون مقصوراً لهم على المتكلم موقوف الفكر عليه كأنه مستغرق بمشاهدة المتكلم عن غيره. وهذه درجة المقربين وما قبله درجة أصحاب اليمين وما خرج عن هذا فهو درجات الغافلين. وعن الدرجة العليا أخبر جعفر بن محمد الصادق رضي الله عنه قال: والله لقد تجلى الله عز وجل لخلقه في كلامه ولكنهم لا يبصرون. وقال أيضاً وقد سألوه عن حالة حقته في الصلاة حتى خر مغشياً عليه فلما سري عنه قيل له في ذلك فقال: مازلت أردد الآية على قلبي حتى سمعتها من المتكلم بها فلم يثبت جسمي لمعاينة قدرته، ففي مثل هذه الدرجة تعظم الحلاوة ولذة المناجاة. ولذلك قال بعض الحكماء: كنت أقرأ القرآن فلا أجد له حلاوة حتى تلوته كأني أسمعه من رسول الله صلى الله عليه وسلم يتلوه على أصحابه، ثم رفعت إلى مقام فوقه كنت أتلوه كأني أسمعه من جبريل عليه السلام يلقيه على رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم جاء الله بمنزلة أخرى فأنا الآن أسمعه من المتكلم به فعندها وجدت له لذة ونعيماً لا أصبر عنه. وقال عثمان وحذيفة رضي الله عنهما: لو طهرت القلوب لم تشبع من قراءة القرآن، وإنما قالوا ذلك لأنها بالطهارة تترقى إلى مشاهدة المتكلم في الكلام. ولذلك قال ثابت البناني: كابدت القرآن عشرين سنة وتنعمت به عشرين سنة. وبمشاهدة المتكلم دون ما سواه يكون العبد ممتثلاً لقوله عز وجل "ففروا إلى الله" ولقوله "ولا تجعلو مع الله إلهاً آخر" فمن لم يره في كل شيء فقد رأى غيره وكل ما التفت إليه العبد سوى الله تعالى تضمن التفاته شيئاً من الشرك الخفي، بل التوحيد الخالص أن لا يرى في كل شيء إلا الله عز وجل. العاشر التبري: وأعني به أن يتبرأ من حوله وقوته والالتفات إلى نفسه بين الرضا والتزكية. فإذا تلا بآيات الوعد والمدح للصالحين فلا يشهد نفسه عند ذلك بل يشهد الموقنين والصديقين فيها ويتشوف إلى أن يلحقه الله عز وجل بهم، وإذا تلا آيات المقت وذم العصاة والمقصرين شهد على نفسه هناك وقدر أنه المخاطب خوفاً وإشفاقاً. ولذكل كان ابن عمر رضي الله عنهما يقول: اللهم إني أستغفرك لظلمي وكفري، فقيل له: هذا الظلم فما بال الكفر؟ فتلا قوله عز وجل "إن الإنسان لظلوم كفار" وقيل ليوسف ابن أسباط: إذا قرأت القرآن بماذا تدعو، فقال: بماذا أدعو أستغفر الله عز وجل من تقصيري سبعين مرة. فإذا رأى نفسه بصورة التقصير في القراءة كان رؤيته سبب قربه. فإن من شهد البعد في القرب لطف به في الخوف حتى يسوقه الخوف إلى درجة أخرى في القرب وراءها. ومن شهد القرب في البعد مكر به بالأمن الذي يفضيه إلى درجة أخرى في البعد أسفل مما هو فيه. ومهما كان مشاهداً نفسه بعين الرضا صارا محجوباً بنفسه، فإذا جاوز حدا الالتفات إلى نفسه ولم يشاهد إلا الله تعالى في قراءته كشف له سر الملكوت. قال أبو سليمان الداراني رضي الله عنه: وعد ابن ثوبان أخاً له أن يفطر عنده فأبطأ عليه حتى طلع الفجر فلقيه أخوه من الغد فقال له: وعدتني أنك تفطر عندي فأخلفت فقال لولا ميعادي معك ما أخبرتك الذي حبسني عنك! إني لما صليت العتمة قلت. أوتر قبل أن أجيئك لأني لا آمن ما يحدث من الموت فلما كنت في الدعاء من الوتر رفعت إلى روضة خضراء فيها أنواع الزهر من الجنة فما زلت أنظر إليها حتى أصبحت. وهذه المكاشفات لا تكون إلا بعد التبري عن النفس وعدم الالتفات إليها وإلى هواها ثم تخصص هذه المكاشفات بحسب أحوال المكاشف فحيث يتلو آيات الرجاء ويغلب على حاله الاستبشار تنكشف له صورة الجنة فيشاهدها كأنه يراها عياناً وإن غلب عليه الخوف كوشف بالنار حتى يرى أنواع عذابها. وذلك لأن كلام الله عز وجل يشتمل على السهل اللطيف والشديد العسوف والمرجو والمخوف وذلك بحسب أوصافه، إذ منها الرحمة واللطف والانتقام والبطش. فبحسب مشاهدة الكلمات والصفات يتقلب في اختلاف الحالات وبحسب كل حالة منها يستعد للمكاشفة بأمر يناسب تلك الحالة ويقاربها؛ إذ يستحيل أن يكون حالة المستمع واحداً والمسموع مختلفاً إذ فيه كلام راض وكلام غضبان وكلام منعم وكلام منتقم وكلام جبا متكبر لا يبالي وكلام حنان متعطف لا يهمل.


[saa]يتبع بإذن الله[/saa]

_________________

يا خير من دفنت في التراب أعظمه فطاب من طيبهن القاع الأكم
نفسي الفداء لقبر أنت ساكنه فيه العفاف وفيه الجود والكرم
أنت الشفيع الذي ترجى شفاعته عند الصراط إذا ما زلّت القدم


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة:
مشاركة غير مقروءةمرسل: الأربعاء أكتوبر 05, 2005 2:47 pm 
غير متصل

اشترك في: السبت فبراير 21, 2004 10:56 pm
مشاركات: 1245
مكان: يا رب مع الحبيب و آله صلى الله عليه و آله وصحبه وسلم
[align=center]الباب الرابع
في فهم القرآن وتفسيره بالرأي من غير نقل[/align]


لعلك تقول: عظمت الأمر فيما سبق في فهم أسرار القرآن وما ينكشف لأرباب القلوب الزكية من معانيه فكيف يستحب ذلك وقد قال صلى الله عليه وسلم "من فسر القرآن برأيه فليتبوأ مقعده من النار"؟ وعن هذا شنع أهل العلم بظاهر التفسير على أهل التصوف من المقصرين المنسوبين إلى التصوف في تأويل كلمات في القرآن على خلاف ما نقل عن ابن عباس وسائر المفسرين وذهبوا إلى أنه كفر فإن صح ما قاله أهل التفسير فما معنى فهم القرآن سوى حفظ تفسيره؟ وإن لم يصح ذلك فما معنى قوله صلى الله عليه وسلم "من فسر القرآن برأيه فليتبوأ مقعده من النار"؟ فاعلم أن من زعم أن لا معنى للقرآن إلا ما ترجمه ظاهر التفسير فهو مخبر عن حد نفسه وهو مصيب في الإخبار عن نفسه، ولكنه مخطىء في الحكم برد الخلق كافة إلى درجته التي هي حده ومحطه بل الأخبار والآثار تدل على أن في معاني القرآن متسعاً لأرباب الفهم قال علي رضي الله عنه: إلا أن يؤتي الله عبداً فهماً في القرآن. فإن لم يكن سوى الترجمة المنقولة فما ذلك الفهم؟ وقال صلى الله عليه وسلم "إن للقرآن ظهراً وبطناً وحداً ومطلعاً" ويروى أيضاً عن ابن مسعود موقوفاً عليه وهو من علماء التفسير.

فما معنى الظهر والبطن والحد والمطلع؟ وقال علي كرم الله وجهه: لو شئت لأوقرت سبعين بعيراً من تفسير فاتحة الكتاب. فما معناه وتفسير ظاهرها في غاية الاقتصار؟ وقال أبو الدرداء. لا يفقه الرجل حتى يجعل للقرآن وجوهاً. وقد قال بعض العلماء: لكل آية ستون ألف فهم وما بقي من فهمها أكثر. وقال آخرون: القرآن يحوي سبعة وسبعين ألف علم ومائتي علم إذ كل كلمة علم. ثم يتضاعف ذلك أربعة أضعاف إذ لكل كلمة ظاهر وباطن وحد ومطلع. وترديد رسول الله صلى الله عليه وسلم "بسم الله الرحمن الرحيم عشرين مرة" لا يكون إلا لتدبره باطن معانيها وإلا فترجمتها وتفسيرها ظاهر لا يحتاج مثله إلى تكرير. وقال ابن مسعود رضي الله عنه: من أراد علم الأولين والآخرين فليتدبر القرآن. وذلك لا يحصل بمجرد تفسير الظاهر. وبالجملة فالعلوم كلها داخلة في أفعال الله عز وجل وصفاته، وفي القرآن شرح ذاته وأفعاله وصفاته: وهذه العلوم لا نهاية لها، وفي القرآن إشارة إلى مجامعها. والمقامات في التعمق في تفصيله راجع إلى فهم القرآن. ومجرد ظاهره التفسير لا يشير إلى ذلك، بل كل ما أشكل فيه على النظار واختلف فيه الخلائق في النظريات والمعقولات ففي القرآن إليه رموز ودلالات عليه يختص أهل الفهم بدركها. فكيف يفي بذلك ترجمة ظاهره وتفسيره؟ ولذلك قال صلى الله عليه وسلم "اقرءوا القرآن والتمسوا غرائبه" وقال صلى الله عليه وسلم في حديث علي كرم الله وجهه "والذي بعثني بالحق نبياً ليفترقن أمتي عن أصل دينها وجماعتها على اثنتين وسبعين فرقة كلها ضالة ومضلة يدعون إلى النار فإذا كان ذلك فعليكم بكتاب الله عز وجل فإن فيه نبأ من كان قبلكم ونبأ ما يأتي بعدكم وحكم ما بينكم، من خالفه من الجبابرة قصمه الله عز وجل ومن ابتغى العلم في غيره أضله الله عز وجل وهو حبل الله المتين ونوره المبين وشفاؤه النافع، عصمة لمن تمسك به ونجاة لمن اتبعه لا يعوج فيقوم ولا يزيغ فيستقيم ولا تتقضي عجائبه ولا بخلقه كثرة الترديد" الحديث وفي حديث حذيفة "لما أخبره رسول الله صلى الله عليه وسلم بالاختلاف والفرقة بعده قال: فقلت يا رسول الله فماذا تأمرني إن أدركت ذلك؟ فقال: تعلم كتاب الله واعمل بما فيه فهو المخرج من ذلك، قال: فأعدت عليه ذلك ثلاثاً، فقال صلى الله عليه وسلم ثلاثاً.
تعلم كتاب الله عز وجل واعمل بما فيه ففيه النجاة" وقال علي كرم الله وجهه: من فهم القرآن فسر به جمل العلم، أشار به إلى أن القرآن يشير إلى مجامع العلوم كلها، وقال ابن عباس رضي الله عنهما في قوله تعالى "ومن يؤت الحكمة فقد أوتي خيراً كثيراً" يعني الفهم في القرآن. وقال عز وجل "ففهمناها سليمان وكلاً آتينا حكماً وعلماً" سمى ما آتاهما علماً وحماً وخصص ما انفرد به سليمان بالتفطن له باسم الفهم وجعله مقدماً على الحكم والعلم. فهذه الأمور تدل على أن في فهم معاني القرآن مجالاً رحباً ومتسعاً بالغاً وأن المنقول من ظاهر التفسير ليس منتهى الإدراك فيه. فأما قوله صلى الله عليه وسلم: "من فسر القرآن برأيه" ونهيه عنه صلى الله عليه وسلم وقول أبي بكر رضي الله عنه أي أرض تقلني وأي سماء تظلني إذا قلت في القرآن برأيي؟ إلى غير ذلك مما ورد في الأخبار والآثار في النهي عن تفسير القرآن بالرأي، فلا يخلو إما أن يكون المراد به الاقتصار على النقل والمسموع وترك الاستنباط والاستقلال بالفهم. أو المراد به أمراً آخر. وباطل قطعاً أن يكون المراد به أن لا يتكلم أحد في القرآن إلا بما يسمعه لوجوه أحدها أنه يشترط أن يكون ذلك مسموعاً من رسول الله صلى الله عليه وسلم ومسنداً إليه وذلك مما لا يصادف إلا في بعض القرآن. فأما ما يقوله ابن عباس وابن مسعود من أنفسهم فينبغي أن لا يقبل ويقال هو تفسير بالرأي لأنهم لم يسمعوه من رسول الله صلى الله عليه وسلم وكذا غيرهم من الصحابة رضي الله عنهم. والثاني أن الصحابة والمفسرين اختلفوا في تفسير بعض الآيات فقالوا فيها أقاويل مختلفة لا يمكن الجمع بينها، وسماع جميعها من رسول الله صلى الله عليه وسلم محال، ولو كان الواحد مسموعاً لرد الباقي فتبين على القطع أن كل مفسر قال في المعنى بما ظهر له باستنباطه، حتى قالوا في الحروف التي في أوائل السور سبعة أقاويل مختلفة لا يمكن الجمع بينها فقيل: إن "الر" هي حروف من الرحمن، وقيل إن الألف الله واللام لطيف والراء رحيم وقيل غير ذلك. والجمع بين الكل غير ممكن فكيف يكون الكل مسموعاً؟ والثالث أنه صلى الله عليه وسلم "دعا لابن عباس رضي الله عنه وقال: اللهم فقهه في الدين وعلمه التأويل" فإن كان التأويل مسموعاً كالتنزيل ومحفوظاً مثله فما معنى تخصيصه بذلك؟ والرابع أنه قال عز وجل "لعلمه الذين يستنبطونه منهم" فأثبت لأهل العلم استنباطاً. ومعلوم أنه وراء السماع. وجملة ما نقلناه من الآثار في فهم القرآن يناقض هذا الخيال فبطل أن يشترط السماع في التأويل، وجاز لكل واحد أن يستنبط من القرآن بقدر فهمه وحد عقله.
وأما النهي فإنه ينزل على أحد وجهين، أحدهما: أن يكون له في الشيء رأي وإليه ميل من طبعه وهواه فيتأول القرآن على وفق رأيه وهواه ليحتج على تصحيح غرضه، ولو لم يكن له ذلك الرأي والهوى لكان لا يلوح له من القرآن ذلك المعنى. وهذا تارة يكون مع العلم كالذي يحتج ببعض آيات القرآن على تصحيح بدعته وهو يعلم أنه ليس المراد بالآية ذلك ولكن يلبس به على خصمه. وتارة يكون مع الجهل ولكن إذا كانت الآية محتملة فيميل فهمه إلى الوجه الذي يوافق غرضه ويرجح ذلك الجانب برأيه وهواه، فيكون قد فسر برأيه أي رأيه هو الذي حمله على ذلك التفسير، ولولا رأيه لما كان يترجح عنده ذلك الوجه. وتارة قد يكون له غرض صحيح فيطلب له دليلاً من القرآن ويستدل عليه مما يعلم أنه ما أريد به كمن يدعو إلى الاستغفار بالأسحار فيستدل بقوله صلى الله عليه وسلم "تسحروا فإن في السحور بركة" ويزعم أن المراد به التسحر بالذكر وهو يعلم أن المراد به الأكل، وكالذي يدعو إلى مجاهدة القلب القاسي فيقول قال الله عز وجل "اذهب إلى فرعون إنه طغى" ويشير إلى قلبه ويومىء إلى أنه المراد بفرعون وهذا الجنس قد يستعمله بعض الوعاظ في المقاصد الصحيحة تحسيناً للكلام وترغيباً للمستمع وهو ممنوع. وقد تستعمله الباطنية في المقاصد الفاسدة لتغرير الناس ودعوتهم إلى مذهبهم الباطل فينزلون القرآن على وفق رأيهم ومذهبهم على أمور يعلمون قطعاً أنها غير مرادة به. فهذه الفنون أحد وجهي المنعب من التفسير بالرأي.. ويكون المراد بالرأي الرأي الفاسد الموافق للهوى دون الاجتهاد الصحيح والرأي يتناول الصحيح والفاسد والموافق للهوى قد يخصص باسم الرأي. والوجه الثاني أن يتسارع إلى تفسير القرآن بظاهر العربية من غير استظهار بالسماع والنقل فيما يتعلق بغرائب القرآن وما فيه من الألفاظ المبهمة والمبدلة وما فيه من الاختصار والحذف والإضمار والتقديم والتأخير. فمن لم يحكم بظاهر التفسير وبادر إلى استنباط المعاني بمجرد فهم العربية كثر غلطه ودخل في زمرة من يفسر بالرأي.
والغرائب التي لا تفهم إلا بالسماع كثيرة، ونحن نرمز إلى جمل منها ليستدل بها على أمثالها ويعلم أنه لا يجوز التهاون بحفظ التفسير الظاهر أولاً. ولا مطمع في الوصول إلى الباطن قبل إحكام الظاهر. ومن ادعى فهم أسرار القرآن ولم يحكم التفسير الظاهر فهو كمن يدعي البلوغ إلى صدر البيت قبل مجاوزة الباب. أو يدعي فهم مقاصد الأتراك من كلامهم وهو لا يفهم لغة الترك. فإن ظاهر التفسير يجري مجرى تعليم اللغة التي لابد منها للفهم. وما لابد فيه من السماع فنون كثيرة: منها الإيجار بالحذف والإضمار كقوله تعالى "وآتينا ثمود الناقة مبصرة فظلموا بها" معناه آية مبصرة فظلموا أنفسهم بقتلها، فالناظر إلى ظاهر العربية يظن أن المراد به أن الناقة كانت مبصرة ولم تكن عمياء، ولم يدر أنهم بماذا ظلموا غيرهم أو أنفسهم. وقوله تعالى "وأشربوا في قلوبهم العجل بكفرهم" أي حب العجل، فحذف الحب وقوله عز وجل "إذاً لأذقناك ضعف الحياة وضعف الممات" أي ضعف عذاب الأحياء وضعف عذاب الموتى فحذف العذاب، وأبدل الأحياء والموتى بذكر الحياة والموت وكل ذلك جائز في فصيح اللغة. وقوله تعالى "واسئل القرية التي كنا فيها والعير التي أقبلنا فيها" أي أهل العير فالأهل فيهما محذوف مضمر. وقوله عز وجل "ثقلت في السموات والأرض" معناه خفيت على أهل السموات والأرض والشيء إذا خفي ثقل فأبدل اللفظ به وأقيم في مقام على وأضمر الأهل وحذف. وقوله تعالى "وتجعلون رزقكم أنكم تكذبون" أي شكر رزقكم وقوله عز وجل "آتنا ما وعدتنا على رسلك" أي على ألسنة رسلك فحذف ألسنة وقوله تعالى "إنا أنزلناه في ليلة القدر" أراد القرآن وما سبق له ذكر. وقال عز وجل "حتى توارت بالحجاب" أراد الشمس وما سبق لها ذكر. وقوله تعالى "والذين اتخذوا من دونه أولياء ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى" أي يقولون ما نعبدهم. وقوله عز وجل "فمال هؤلاء القوم لا يكادون يفقهون حديثاً ما أصابك من حسنة فمن الله وما أصابك من سيئة فمن نفسك" معناه لا يفقهون حديثاً يقولون ما أصابك من حسنة فمن الله فإن لم يرد هذا كان مناقضاً لقوله "قل كل من عند الله" وسبق إلى الفهم منه مذهب القدرية. ومنها المنقول كقوله تعالى "وطور سينين" أي طور سيناء "سلام على آل ياسين" أي على الياس وقيل إدريس، لأن في حرف ابن مسعود "سلام على إدراسين" ومنها المكرر القاطع لوصل الكلام في الظاهر كقوله عز وجل "وما يتبع الذين يدعون من دون الله شركاء إن يتبعون إلا الظن" وقوله عز وجل "قال الملأ الذين استكبروا من قومه للذين استضعفوا لمن آمن منهم" معناه: الذين استكبروا لمن آمن من الذين استضعفوا ومنها المقدم والمؤخر وهو مظنة الغلط كقوله عز وجل "ولولا كلمة سبقت من ربك لكان لزاماً وأجل مسمى" معناه لولا الكلمة وأجل مسمى لكان لزاماً ولولاه لكان نصباً كاللزام وقوله تعالى "ويسألونك كأنك حفي عنها" أي يسألونك عنها كأنك حفي بها وقول عز وجل "لهم مغفرة ورزق كريم كما أخرجك ربك من بيتك بالحق" فهذا الكلام غير متصل وإنما هو عائد إلى قوله السابق "قل الأنفال لله والرسول - كما أخرجك ربك من بيتك بالحق" أي فصارت أنفال الغنائم لك إذ أنت راض بخروجك وهم كارهون فاعترض بين الكلام الأمر بالتقوى وغيره ومن هذا النوع قوله عز وجل "حتى تؤمنوا بالله وحده إلا قول إبراهيم لأبيه" الآية. ومنها المبهم وهو اللفظ المشترك بين معان من كلمة أو حرف. أما الكلمة فكالشيء والقرين والأمة والروح ونظائرها قال الله تعالى "ضرب الله مثلاً عبداً مملوكاً لا يقدر على شيء" أراد به النفقة مما رزق وقوله عز وجل "وضرب الله مثلاً رجلين أحدهما أبكم لا يقدر على شيء" أي الأمر بالعدل والاستقامة وقوله عز وجل "فإن اتبعتني فلا تسألني عن شيء" أراد به من صفات الربوبية، وهو العلوم التي لا يحل السؤال عنها حتى يبتدىء بها العارف في أوان الاستحقاق. وقوله عز وجل "أم خلقوا من غير شيء أم هم الخالقون" أي من غير خالق فربما يتوهم به أنه يدل على أنه لا يخلق شيء إلا من شيء. وأما القرين فكقوله عز وجل "وقال قرينه هذا ما لدي عتيد ألقيا في جهنم كل كفار" أراد به الملك الموكل به وقوله تعالى "قال قرينه ربنا ما أطغيته ولكن كان" أراد به الشيطان. وأما الأمة فتطلق على ثمانية أوجه، الأمة: الجماعة كقوله تعالى "وجد عليه أمة من الناس يسقون" وأتباع الأنبياء كقولك عن أمة محمد صلى الله عليه وسلم ورجل جامع للخير يقتدى به كقوله تعالى "إن إبراهيم كان أمة قانتاً لله" والأمة: الدين كقوله عز وجل "إنا وجدنا آباءنا على أمة" والأمة: الحين والزمان كقوله عز وجل "إلى أمة معدودة" وقوله عز وجل "وادكر بعد أمة" والأمة: القامة يقال فلان حسن الأمة أي القامة، وأمة: رجل منفرد بدين لا يشركه فيه أحد قال صلى الله عليه وسلم "يبعث زيد بن عمرو بن نفيل أمة وحده" والأمة يقال هذه أمة زيد أي أم زيد. والروح أيضاً ورد في القرآن على معان كثيرة فلا نطول بإيرادها.
وكذلك قد يقع الإبهام في الحروف مثل قوله عز وجل "فأثرن به نقعاً فوسطن به جمعاً" فالهاء الأولى: كناية عن الحوافر وهي الموريات أي أثرن بالحوافر نقعاً والثانية؛ كناية عن الإغارة وهي المغيرات صبحاً فوسطن به جمعاً جمع المشركون فأغاروا بجمعهم وقوله تعالى "فأنزلنا به الماء" يعني السحاب "فأخرجنا به من كل الثمرات" يعني الماء. وأمثال هذا في القرآن لا ينحصر. ومنها التدريج في البيان كقوله عز وجل "شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن" إذ لم يظهر به أنه ليل أو نهار، وبان بقوله عز وجل "إنا أنزلناه في ليلة مباركة" ولم يظهر به أي ليلة فظهر بقوله تعالى "إنا أنزلناه في ليلة القدر" وربما يظن في الظاهر الاختلاف بين هذه الآيات، فهذا وأمثاله مما لا يغني فيه إلا النقل والسماع فالقرآن من أوله إلى آخره غير خال عن هذا الجنس لأنه أنزل بلغة العرب فكان مشتملاً على أصناف كلامهم من إيجاز وتطويل وإضمار وحذف وإبدال وتقديم وتأخير، ليكون ذلك مفحماً لهم ومعجزاً في حقهم. فكل من اكتفى بفهم ظاهر العربية وبادر إلى تفسير القرآن ولم يستظهر بالسماع والنقل في هذه الأمور فهو داخل فيمن فسر القرآن برأيه. مثل أن يفهم من الأمة المعنى الأشهر منه فيميل طبعه ورأيه إليه فإذا سمعه في موضع آخر مال برأيه إلى ما سمعه من مشهور معناه وترك تتبع النقل في كثير من معانيه فهذا ما يمكن أن يكون منهياً عنه دون التفهم لأسرار المعاني - كما سبق - فإذا حصل السماع بأمثال هذه الأمور علم ظاهر التفسير وهو ترجمة الألفاظ. ولا يكفي ذلك في فهم حقائق المعاني. ويدرك الفرق بين حقائق المعاني وظاهر التفسير بمثال: وهو أن الله عز وجل قال "وما رميت إذ رميت ولكن الله رمى" فظاهره تفسير واضح وحقيقة معناه غامض. فإنه إثبات للرمي ونفي له. وهما متضادان في الظاهر ما لم يفهم أنه رمي من وجه ولم يرم من وجه ومن الوجه الذي لم يرم رماه الله عز وجل. وكذلك قال تعالى "قاتلوهم يعذبهم الله بأيديكم" فإذا كانوا هم المقاتلين كيف يكون الله سبحانه هو المعذب؟ وإن كان الله تعالى هو المعذب بتحريك أيديهم فما معنى أمرهم بالقتال؟ فحقيقة هذا يستمد من بحر عظيم من علوم المكاشفات لا يغني عنه ظاهر التفسير وهو أن يعلم وجه ارتباط الأفعال بالقدرة الحادثة. ويفهم وجه ارتباط القدرة بقدرة الله عز وجل حتى ينكشف - بعد إيضاح أمور كثيرة غامضة - صدق قوله عز وجل - "وما رميت إذ رميت ولكن الله رمى" ولعل العمر لو أنفق في استكشاف أسرار هذا المعنى وما يرتبط بمقدماته ولواحقه لانقضى العمر قبل استيفاء جميع لواحقه وما من كلمة من القرآن إلا وتحقيقها محوج إلى مثل ذلك. وإنما ينكشف للراسخين في العلم من أسراره بقدر غزارة علومهم وصفاء قلوبهم وتوفر دواعيهم على التدبر وتجردهم للطلب. ويكون لكل واحد حد في الترقي إلى درجة أعلى منه. فأما الاستيفاء فلا مطمع فيه ولو كان البحر مداداً والأشجار أقلاماً فأسرار كلمات الله لا نهاية لها فتنفد الأبحر قبل أن تنفد كلمات الله عز وجل. فمن هذا الوجه تتفاوت الخلق في الفهم بعد الاشتراك في معرفة ظاهر التفسير وظاهر التفسير لا يغني عنه. ومثاله فهم بعض أرباب القلوب من قوله صلى الله عليه وسلم في سجوده أعوذ برضاك من سخطك وأعوذ بمعافاتك من عقوبتك وأعوذ بك منك لا أحصي ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك" أنه قيل له اسجد واقترب فوجد القرب ف يالسجود فنظر إلى الصفات فاستعاذ ببعضها من بعض؛ فإن الرضا والسخط وصفان ثم زد قربه فاندرج القرب الأول فيه فرقي إلى الذات فقال "أعوذ بك منك" ثم زاد قربه بما استحيا به من الاستعاذة على بساط القرب فالتجأ إلى الثناء فأثنى بقوله "لا أحصي ثناء عليك" ثم علم أن ذلك قصور فقال "أنت كما أثنيت على نفسك" فهذه خواطر تفتح لأرباب القلوب. ثم لها أغوار وراء هذا وهو فهم معنى القرب واختصاصه بالسجود ومعنى الاستعاذة من صفة بصفة ومنه به. وأسرار ذلك كثيرة: ولا يدل تفسير ظاهر عليه وليس اللفظ هو مناقضاً لظاهر التفسير بل هو استكمال له ووصول إلى لبابه عن ظاهره فهذا ما نورده لفهم المعاني الباطنة لا ما يناقض الظاهر والله أعلم. تم كتاب: آداب التلاوة. والحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على محمد خاتم النبيين وعلى كل عبد مصطفى من كل العالمين وعلى آل محمد وصحبه وسلم.


يتلوه إن شاء الله تعالى كتاب: الأذكار والدعوات. والله المستعان لا رب سواه.

[saa]يتبع بإذن الله[/saa]

_________________

يا خير من دفنت في التراب أعظمه فطاب من طيبهن القاع الأكم
نفسي الفداء لقبر أنت ساكنه فيه العفاف وفيه الجود والكرم
أنت الشفيع الذي ترجى شفاعته عند الصراط إذا ما زلّت القدم


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة:
مشاركة غير مقروءةمرسل: الاثنين أكتوبر 10, 2005 2:27 pm 
غير متصل

اشترك في: السبت فبراير 21, 2004 10:56 pm
مشاركات: 1245
مكان: يا رب مع الحبيب و آله صلى الله عليه و آله وصحبه وسلم
[align=center]كتاب الأذكار والدعوات
بسم الله الرحمن الرحيم
[/align]

الحمد لله الشاملة رأفته العامة رحمته الذي جازى عباده عن ذكرهم بذكرهم فقال تعالى "فاذكروني أذكركم" ورغبهم في السؤال والدعاء بأمره فقال "ادعوني أستجب لكم" فأطمع المطيع والعاصي والداني والقاصي في الانبساط إلى حضرة جلاله برفع الحاجات والأماني بقوله "فإني قريب أجيب دعوة الداع إذا دعان" والصلاة على محمد سيد أنبيائه وعلى آله وأصحابه خيرة أصفيائه وسلم تسليماً كثيراً.
أما بعد: فليس بعد تلاوة كتاب الله عز وجل عبادة تؤدى باللسان أفضل من ذكر الله تعالى ورفع الحاجات بالأدعية الخالصة إلى الله تعالى. فلابد من شرح فضيلة الذكر على الجملة ثم التفصيل في أعيان الأذكار. وشرح فضيلة الدعاء وشروطه وآدابه ونقل المأثور من الدعوات الجامعة لمقاصد الدين والدنيا والدعوات الخاصة لسؤال المغفرة والاستعاذة وغيرها. ويتحرر المقصود من ذلك بذكر أبواب خمسة الباب الأول في فضيلة الذكر وفائدته جملة وتفصيلاً الباب الثاني في فضيلة الدعاء وآدابه وفضيلة الاستغفار والصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم. الباب الثالث في أدعية مأثورة ومعزية إلى أصحابها وأسبابها الباب الرابع في أدعية منتخبة محذوفة الإسناد من الأدعية الماثورة الباب الخامس في الأدعية المأثورة عند حدوث الحوادث.


[align=center]الباب الأول
في فضيلة الذكر وفائدته على الجملة
والتفصيل من الآيات والأخبار والآثار
[/align]

ويدل على فضيلة الذكر على الجملة من الآيات: قوله سبحانه وتعالى "فاذكروني أذكركم" قال ثابت البناني رحمه الله: إني أعلم متى يذكرني ربي عز وجل، ففزعوا منه وقالوا. كيف تعلم ذلك؟ فقال: إذا ذكرته ذكرني. وقال تعالى "اذكروا الله ذكراً كثيراً" وقال تعالى "فإذا أفضتم من عرفات فاذكروا الله عند المشعر الحرام واذكروه كما هداكم" وقال عز وجل "فإذا قضيتم مناسككم فاذكروا الله كذكركم آباءكم أو أشد ذكراً" وقال تعالى "الذين يذكرون الله قياماً وقعوداً وعلى جنوبهم" وقال تعالى "فإذا قضيتم الصلاة فاذكروا الله قياماً وقعوداً وعلى جنوبكم" قال ابن عباس رضي الله عنهما: أي بالليل والنهار في البر والبحر والسفر والحضر والغنى والفقر والمرض والصحة والسر والعلانية. وقال تعالى في ذم المنافقين "ولا يذكرون الله إلا قليلاً" وقال عز وجل "واذكر ربك في نفسك تضرعاً وخيفة ودون الجهر من القول بالغدو والآصال ولا تكن من الغافلين" وقال تعالى "ولذكر الله أكبر" قال ابن عباس رضي الله عنهما: له وجهان أحدهما أن ذكر الله تعالى لكم أعظم من ذكركم إياه، والآخر: أن ذكر الله أعظم من كل عبادة سواه. إلى غير ذلك من الآيات. وأما الأخبار فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "ذاكر الله في الغافلين كالشجرة في وسط الهشيم" وقال صلى الله عليه وسلم "يقول الله عز وجل أنا مع عبدي ما ذكرني وتحركت شفتاه بي" وقال صلى الله عليه وسلم "ما عمل ابن آدم من عمل أنجى له من عذاب الله من ذكر الله عز وجل، قالوا يا رسول الله ولا الجهاد في سبيل الله؟ قال: ولا الجهاد في سبيل الله إلا أن تضرب بسيفك حتى ينقطع ثم تضرب به حتى ينقطع، ثم تضرب به حتى ينقطع فقال صلى الله عليه وسلم "من أحب أن يرتع في رياض الجنة فليكثر ذكر الله عز وجل" وسئل رسول الله صلى الله عليه وسلم "أي الأعمال أفضل؟ فقال: أن تموت ولسانك رطب بذكر الله عز وجل" وقال صلى الله عليه وسلم "أصبح وأمس ولسانك رطب بذكر الله تصبح وتمسي وليس عليك خطيئة" وقال صلى الله عليه وسلم "لذكر الله عز وجل بالغداة والعشي أفضل من حطم السيوف في سبيل الله ومن إعطاء المال سحاً" وقال صلى الله عليه وسلم "يقول الله تبارك وتعالى إذا ذكرني عبدي في نفسه ذكرته في نفسي وإذا ذكرني في ملأ ذكرته في ملأ خير من ملئه وإذا تقرب مني شبراً تقربت منه ذراعاً وإذا تقرب مني ذراعاً تقربت منه باعاً وإذا مشى إلي هرولت إليه" يعني بالهرولة سرعة الإجابة. وقال صلى الله عليه وسلم "سبعة يظلهم الله عز وجل في ظله يوم لا ظل غلا ظله - من جملتهم - رجل ذكر الله خالياً ففاضت عيناه من خشية الله" وقال أبو الدرداء قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "ألا أنبئكم بخير أعمالكم وأزكاها عند مليككم وأرفعها في درجاتكم وخير لكم من إعطاء الورق والذهب وخير لكم من أن تلقوا عدوكم فتضربون أعناقهم ويضربون أعناقكم قالوا وما ذاك يا رسول الله؟ قال ذكر الله عز وجل دائماً" وقال صلى الله عليه وسلم "قال الله عز وجل من شغله ذكري عن مسألتي أعطيته أفضل ما أعطي السائلين" وأما الآثار: فقد قال الفضيل: بلغنا أن الله عز وجل قال عبدي اذكرني بعد الصبح ساعة وبعد العصر ساعة أكفك ما بينهما. وقال بعض العلماء: إن الله عز وجل يقول أيما عبد اطلعت على قلبه فرأيت الغالب عليه التمسك بذكري توليت سياسته وكنت جليسه ومحادثه وأنيسه. وقال الحسن الذكر ذكران ذكر الله عز وجل بين نفسك وبين الله عز وجل ما أحسنه وأعظم أجره وأفضل من ذلك ذكر الله سبحانه عند ما حرم الله عز وجل. ويروى "إن كل نفس تخرج من الدنيا عطشى إلا ذاكر الله عز وجل" وقال معاذ بن جبل رضي الله عنه: ليس يتحسر أهل الجنة على شيء إلا على ساعة مرت بهم لم يذكروا الله سبحانه فيها، والله تعالى أعلم.

[align=center]فضيلة مجالس الذكر[/align]

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "ما جلس قوم مجلساً يذكرون الله عز وجل إلا حفت بهم الملائكة وغشيتهم الرحمة وذكرهم الله تعالى فيمن عنده" وقال صلى الله عليه وسلم "ما من قوم اجتمعوا يذكرون الله تعالى لا يريدون بذلك إلا وجهه إلا ناداهم مناد من السماء قوموا مغفوراً لكم قد بدلت لكم سيئاتكم حسنات" وقال أيضاً صلى الله عليه وسلم "ما قعد قوم مقعداً لم يذكروا الله سبحانه وتعالى فيه ولم يصلوا على النبي صلى الله عليه وسلم إلا كان عليهم حسرة يوم القيامة" وقال داود صلى الله عليه وسلم: إلهي إذا رأيتني أجاوز مجالس الذاكرين إلى مجالس الغافلين فاكسر رجلي دونهم فإنها نعمة تنعم بها علي. وقال صلى الله عليه وسلم "المجلس الصالح يكفر عن المؤمن ألفي ألف مجلس من مجالس السوء" وقال أبو هريرة رضي الله عنه إن أهل السماء ليتراءون بيوت أهل الأرض التي يذكر فيها اسم الله تعالى كما تتراءى النجوم. وقال سفيان بن عيينة رحمه الله إذا اجتمع قوم يذكرون الله تعالى اعتزل الشيطان والدنيا فيقول الشيطان للدنيا: ألا ترين ما يصنعون؟ فتقول الدنيا: دعهم فإنهم إذا تفرقوا أخذت بأعناقهم إليك. وعن أبي هريرة رضي الله عنه أنه دخل السوق وقال: أراكم ههنا وميراث رسول الله صلى الله عليه وسلم يقسم في المسجد؟ فذهب الناس إلى المسجد وتركوا السوق فلم يروا ميراثاً، فقالوا: يا أبا هريرة ما رأينا ميراثاً يقسم في المسجد؟ قال: فماذا رأيتم؟ قالوا: رأينا قوماً يذكرون الله عز وجل ويقرءون القرآن، قال. فذلك ميراث رسول الله صلى الله عليه وسلم وروى الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة وأبي سعيد الخدري عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال "إن لله عز وجل ملائكة سياحين في الأرض فضلاً عن كتاب الناس فإذا وجدوا قوماً يذكرون الله عز وجل تنادوا هلموا بغيتكم فيجيئون فيحفون بهم إلى السماء فيقول الله تبارك وتعالى هل رأوني فيقولون لا فيقول جل جلاله كيف لو رأوني فيقولون لو رأوك لكانوا أشد تسبيحاً وتحميداً وتمجيداً. فيقول لهم من أي شيء يتعوذون فيقولون من النار فيقول تعالى وهل رأوها فيقولون لا فيقول الله عز وجل فكيف لو رأوها فيقولون لو رأوها لكانوا أشد هرباً منها وأشد نفوراً. فيقول الله عز وجل وأي شيء يطلبون فيقولون الجنة فيقول تعالى وهل رأوها فيقولون لا فيقول تعالى فكيف لو رأوها فيقولون لو رأوها لكانوا أشد عليها حرصاً. فيقول جل جلاله إني أشهدكم أني قد غفرت لهم فيقولون كان فيهم فلان لم يردهم إنما جاء لحاجة فيقول الله عز وجل هم القوم لا يشقى جليسهم".

[align=center]فضيلة التهليل[/align]

قال صلى الله عليه وسلم "أفضل ما قلته أنا والنبيون من قبلي لا إله إلا الله وحده لا شريك له" وقال صلى الله عليه وسلم "من قال لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير كل يوم مائة مرة كانت له عدل عشر رقاب وكتبت له مائة حسنة ومحيت عنه مائة سيئة وكانت له حرزاً من الشيطان يومه ذلك حتى يمسي ولم يأت أحد بأفضل مما جاء به إلا أحد عمل أكثر من ذلك" وقال صلى الله عليه وسلم "ما من عبد توضأ فأحسن الوضوء ثم رفع طرفه إلى السماء فقال أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله إلا فتحت له أبواب الجنة يدخل من أيها شاء" وقال صلى الله عليه وسلم "ليس على أهل لا إله إلا الله وحشة في قبورهم ولا في نشورهم كأني أنظر إليهم عند الصيحة ينفضون رءوسهم من التراب ويقولون الحمد لله الذي أذهب عنا الحزن إن ربنا لغفور شكور" وقال صلى الله عليه وسلم أيضاً لأبي هريرة "يا أبا هريرة إن كل حسنة تعملها توزن يوم القيامة إلا شهادة لا إله إلا الله فإنها لا توضع في ميزان، لأنها لو وضعت في ميزان من قالها صادقاً ووضعت السموات السبع والأرضون السبع وما فيهن كان لا إله إلا الله أرجح من ذلك" وقال صلى الله عليه وسلم "لو جاء قائل لا إله إلا الله صادقاً بقراب الأرض ذنوباً لغفر الله له ذلك" وقال صلى الله عليه وسلم "يا أبا هريرة لقن الموتى شهادة أن لا إله إلا الله فإنها تهدم الذنوب هدماً، قلت يا رسول الله هذا للموتى فكيف للأحياء قال صلى الله عليه وسلم: هي أهدم وأهدم" وقال صلى الله عليه وسلم "من قال لا إله إلا الله مخلصاً دخل الجنة" وقال صلى الله عليه وسلم "لتدخلن الجنة كلكم إلا من أبى وشرد عن الله عز وجل شراد البعير عن أهله فقيل يا رسول الله من الذي يأبى ويشرد عن الله قال من لم يقل لا إله إلا الله" فأكثروا من قول لا إله إلا الله قبل أن يحال بينكم وبينها فإنها كلمة التوحيد وهي كلمة الإخلاص وهي كلمة التقوى وهي كلمة طيبة وهي دعوة الحق وهي العروة الوثقى وهي ثمن الجنة" وقال الله عز وجل "هل جزاء الإحسان إلا الإحسان" فقيل الإحسان في الدنيا قول لا إله إلا الله وفي الآخرة الجنة. وكذا قوله تعالى "للذين أحسنوا الحسنى وزيادة" وروى البراء بن عازب أنه صلى الله عليه وسلم قال "من قال لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير - عشر مرات - كانت له عدل رقبة أو قال نسمة" وروى عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "من قال في يوم مائتي مرة لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير لم يسبقه أحد كان قبله ولا يدركه أحد بعده إلا من عمل بأفضل من عمله" وقال صلى الله عليه وسلم "من قال في سوق من الأسواق لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد يحيي ويميت وهو على كل شيء قدير كتب الله له ألف ألف حسنة ومحا عنه ألف الف سيئة وبنى له بيتاً في الجنة" ويروى "إن العبد إذا قال لا إله إلا الله أتت إلى صحيفته فلا تمر على خطيئة إلى محتها حتى تجد حسنة مثلها فتجلس إلى جنبها" وفي الصحيح عن أيوب عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال "من قال لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد يحيي ويميت وهو على كل شيء قدير عشر مرات كان كمن أعتق أربعة أنفس من ولد إسمعيل صلى الله عليه وسلم" وفي الصحيح أيضاً عن عبادة بن الصامت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال "من تعار من الليل فقال لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد يحيي ويميت وهو على كل شيء قدير سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم ثم قال اللهم اغفر لي غفر له أو دعا استجيب له فإن توضأ وصلى قبلت صلاته".

[align=center]فضيلة التسبيح والتحميد وبقية الأذكار[/align]

قال صلى الله عليه وسلم "من سبح دبر كل صلاة ثلاثاً وثلاثين وحمد ثلاثاً وثلاثين وكبر ثلاثاً وثلاثين وختم المائة بلا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد يحيي ويميت وهو على كل شيء قدير غفرت ذنوبه ولو كانت مثل زبد البحر" وقال صلى الله عليه وسلم "من قال سبحان الله وبحمده في اليوم مائة مرة حطت عنه خطاياه وإن كانت مثل زبد البحر" وروي "أن رجلاً جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: تولت عني الدنيا وقلت ذات يدي فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم فأين أنت من صلاة الملائكة وتسبيح الخلائق وبها يرزقون؟ قال: فقلت وماذا يا رسول الله؟ قال: قل سبحان الله وبحمده سبحان الله العظيم أستغفر الله مائة مرة ما بين طلوع الفجر إلى أن تصلي الصبح تأتيك الدنيا راغمة صاغرة ويخلق الله عز وجل من كل كلمة ملكاً يسبح الله تعالى إلى يوم القيامة لك ثوابه" وقال صلى الله عليه وسلم "إذا قال العبد الحمد لالاه ملأت ما بين السماء والأرض فإذا قال الحمد لله الثانية ملأت ما بين السماء السابعة إلى الأرض السفلى فإذا قال الحمد لله الثالثة قال الله عز وجل سل تعط" وقال رفاعة الزرقي "كنا يوماً نصلي وراء رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما رفع رأسه من الركوع وقال سمع الله لمن حمده قال رجل وراء رسول الله صلى الله عليه وسلم: ربنا لك الحمد حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه، فلما انصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم عن صلاته قال: من المتكلم آنفاً؟ قال: أنا يا رسول الله، فقال صلى الله عليه وسلم: لقد رأيت بضعة وثلاثين ملكاً يبتدرونها أيهم يكتبها أولاً" وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم "الباقيات الصالحات هن لا إله إلا الله وسبحان الله والحمد لله والله أكبر ولا حول ولا قوة إلا بالله" وقال صلى الله عليه وسلم "ما على الأرض رجل يقول لا إله إلا الله والله أكبر وسبحان الله والحمد لله ولا حول ولا قوة إلا بالله إلا غفرت ذنوبه ولو كانت مثل زبد البحر" رواه ابن عمر وروى النعمان بن بشير عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال "الذين يذكرون من جلال الله وتسبيحه وتكبيره وتحميده ينعطفن حول العرش لهن دوي كدوي النحل يذكرون بصاحبهن أو لا يحب أحدكم أن لا يزال عند الله ما يذكر به" وروى أبو هريرة أنه صلى الله عليه وسلم قال "لأن أقول سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر أحب إلي مما طلعت عليه الشمس" وفي رواية أخرى زاد "لا حول ولا قوة غلا بالله وقال هي خير من الدنيا وما فيها" وقال صلى الله عليه وسلم "أحب الكلام إلى الله تعالى أربع: سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر لا يضرك بأيهن بدأت" رواه سمرة بن جندب.
وروى أبو مالك الأشعري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول "الطهور شطر الميزان والحمد لله تملأ الميزان وسبحان الله والله أكبر يملآن ما بين السماء والأرض والصلاة نور والصدقة برهان والصبر ضياء والقرآن حجة لك أو عليك كل الناس يغدو فبائغ نفسه فموبقها أو مشتر نفسه فمعتقها" وقال أبو هريرة: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "كلمتان خفيفتان على اللسان ثقيلتان في الميزان حبيبتان إلى الرحمن سبحان الله وبحمده سبحان الله العظيم" وقال أبو ذر رضي الله عنه "قلت لرسول الله صلى الله عليه وسلم: أي الكلا أحب إلى الله عز وجل قال صلى الله عليه وسلم ما اصطفى الله سبحانه لملائكته: سبحان الله وبحمده سبحان الله العظيم" وقال أبو هريرة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "إن الله تعالى اصطفى من الكلام: سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر" فإذا قال العبد "سبحان الله" كتبت له عشرون حسنة وتحط عنه عشرون سيئة وإذا قال "الله أكبر" فمثل ذلك وذكر إلى آخر الكلمات. وقال جابر: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "من قال سبحان الله وبحمده غرست له نخلة في الجنة" وعن أبي ذر رضي الله عنه أنه قال: قال الفقراء لرسول الله صلى الله عليه وسلم "ذهب أهل الدثور بالأجور يصلون كما نصلي ويصومون كما نصوم ويتصدقون بفضول أموالهم فقال: أوليس قد جعل لكم ما تصدقون به؟ إن بكل تسبيحة صدقة وتحميدة صدقة وتهليلة صدقة وتكبيرة صدقة وأمر بمعروف صدقة ونهي عن منكر صدقة ويضع أحدكم اللقمة في أهله فهي له صدقة. وفي بضع أحدكم صدقة. قالوا يا رسول الله يأتي أحدنا شهوته ويكون له فيها أجر؟ قال صلى الله عليه وسلم: أرأيتم لو وضعها في حرام أكان عليه فيها وزر؟ قالوا: نعم. قال: كذلك إن وضعها في الحلال كان له فيها أجر" وقال أبو ذر رضي الله عنه: قلت لرسول الله صلى الله عليه وسلم "سبق أهل الأموال بالأجر يقولون كما نقول وينفقون ولا ننفق فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أفلا أدلك على عمل إذا أنت عملته أدركت من قبلك وفقت من بعدك إلا من قال مثل قولك؟ تسبح الله بعد كل صلاة ثلاثاً وثلاثين وتحمده ثلاثاً وثلاثين وتكبر أربعاً وثلاثين" وروت بسرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال "عليكن بالتسبيح والتهليل والتقديس فلا تغفلن واعقدن الأنامل فإنها مستنطقات" يعني بالشهادة في القيامة.
وقال ابن عمر: رأيته صلى الله عليه وسلم يعقد التسبيح وقد قال صلى الله عليه وسلم فيما شهد عليه أبو هريرة وأبو سعيد الخدري "إذا قال العبد لا إله إلا الله والله أكبر قال الله عز وجل صدق عبدي لا إله إلا أنا وأنا أكبر وإذا قال العبد: لا إله إلا الله وحده لا شريك له قال تعالى صدق عبدي لا إله إلا أنا وحدي لا شريك لي، وإذا قال لا إله إلا الله ولا حول ولا قوة إلا بالله يقول الله سبحانه صدق عبدي لا حول ولا قوة إلا بي ومن قالهن عند الموت لم تمسه النار" وروى مصعب ابن سعد عن أبيه عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال "أيعجز أحدكم أن يكسب كل يوم ألف حسنة فقيل: كيف ذلك يا رسول الله؟ فقال صلى الله عليه وسلم: يسبح الله مائة تسبيحة فيكتب له ألف حسنة ويحط عنه ألف سيئة". وقال صلى الله عليه وسلم "يا عبد الله بن قيس - أو يا أبا موسى - أو لا أدلك على كنز من كنوز الجنة؟ قال: بلى، قال: قل لا حول ولا قوة إلا بالله" وفي رواية أخرى "ألا أعلمك كلمة من كنز تحت العرش: لا حول ولا قوة إلا بالله" وقال أبو هريرة: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "ألا أدلك على عمل من كنوز الجنة من تحت العرش قول لا حول ولا قوة إلا باللهه يقول الله تعالى أسلم عبدي واستسلم" وقال صلى الله عليه وسلم "من قال حين يصبح رضيت بالله رباً وبالإسلام ديناً وبالقرآن إماماً وبمحمد صلى الله عليه وسلم نبياً رسولاً كان حقاً على الله أن يرضيه يوم القيامة" وفي رواية "من قال ذلك رضي الله عنه" وقال مجاهد إذا خرج الرجل من بيته فقال: بسم الله، قال الملك: هديت: فإذا قال: توكلت على الله، قال الملك: كفيت. وإذا قال: لا حول ولا قوة إلا بالله، قال الملك: وقيت فتتفرق عنه الشياطين فيقولون ما تريدون من رجل قد هدي وكفي ووقي؟ لا سبيل لكم إليه. فإن قلت: فما بال ذكر الله سبحانه مع خفته على اللسان وقلة التعب فيه صار أفضل وأنفع من جملة العبادات مع كثرة المشقات فيها؟ فاعلم أن تحقيق هذا لا يليق إلا بعلم المكاشفة. والقدر الذي يسمح بذكره في علم المعاملة: أن المؤثر النافع هو الذكر على الدوام مع حضور القلب فأما الذكر باللسان والقلب لاه فهو قليل الجدوى. وفي الأخبار ما يدل عليه أيضاً وحضور القلب في لحظة بالذكر والذهول عن الله عز وجل مع الاشتغال بالدنيا أيضاً قليل الجدوى. بل حضور القلب مع الله تعالى على الدوام أو في أكثر الأوقات هو المقدم على العبادات بل به تشرف سائر العبادات وهو غاية ثمرة العبادات العملية. وللذكر أول وآخر؛ فأوله يوجب الأنس والحب لله وآخره يوجب الأنس والحب ويصدر عنه، والمطلوب ذلك الأنس والحب. فإن المريد في بداية أمره قد يكون متكلفاً بصرف قلبه ولسانه عن الوسواس إلى ذكر الله عز وجل. فإن وفق للمداومة أنس به وانغرس في قلبه حب المذكور. ولا ينبغي أن يتعجب من هذا فإن من المشاهد في العادات أن تذكر غائباً غير مشاهد بين يدي شخص وتكرر ذكر خصاله عنده فيحبه وقد يعشق بالوصف وكثرة الذكر. ثم إذا عشق بكثرة الذكر المتكلف أولاً صار مضطراً إلى كثرة الذكر آخراً بحيث لا يصبر عنه. فإن من أحب شيئاً أكثر من ذكره. ومن أكثر ذكر شيء - وإن كان تكلفاً - أحبه. فكذلك أول الذكر متكلف إلى أن يثمر الأنس بالمذكور والحب له ثم يمتنع الصبر عنه آخراً فيصير الموجب موجباً والثمر مثمراً. وهذا معنى قول بعضهم. كابدت القرآن عشرين سنة ثم تنعمت به عشرين سنة. ولا يصدر التنعم إلا من الأنس والحب. ولا يصدر الأنس إلا من المداومة على المكابدة والتكلف مدة طويلة حتى يصير التكلف طبعاً. فكيف يستبعد هذا وقد يتكلف الإنسان تناول الطعام يسبشعه أولاً ويكابد أكله ويواظب عليه فيصير موافقاً لطبعه حتى لا يصبر عنه فالنفس معتادة متحملة لما تتكلف. هي النفس ما عودتها تتعود. أي ما كلفتها أولاً يصير لها طبعاً آخراً. ثم إذا حصل الأنس بذكر الله سبحانه انقطع عن غير ذكر الله وما سوى الله عز وجل هو الذي يفارقه عند الموت فلا يبقى معه في القبر أهل ولا مال ولا ولد ولا ولاية ولا يبقى إلا ذكر الله عز وجل. فإن كان قد أنس به تمتع به وتلذذ بانقطاع العوائق الصارفة عنه إذ ضرورات الحاجات في الحياة الدنيا تصد عن ذكر الله عز وجل، ولا يبقى بعد الموت عائق؛ فكأنه خلى بينه وبين محبوبه فعظمت غبطته وتخلص من السجن الذي كان ممنوعاً فيه عما به أنسه. ولذلك قال صلى الله عليه وسلم "إن روح القدس نفث في روعي أحبب من أحببت فإنك مفارقه" أراد به كل ما يتعلق بالدنيا فإن ذلك يفنى في حقه بالموت ف "كل من عليها فان ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرام" وإنما تفنى الدنيا بالموت في حقه إلى أن تفنى في نفسها عند بلوغ الكتاب أجله. وهذا الأنس يتلذذ به العبد بعد موته إلى أن ينزل في جوار الله عز وجل ويترقى من الذكر إلى اللقاء. وذلك بعد أن يبعثر ما في القبور ويحصل ما في الصدور ولا ينكر بقاء ذكر الله عز وجل معه الموت فيقول إنه أعدم فكيف يبقى معه ذكر الله عز وجل؟ فإنه لم يعدم عدماً يمنع الذكر بل عدماً من الدنيا وعالم الملك والشهادة لا من عالم الملكوت. وإلى ما ذكرناه الإشارة بقوله صلى الله عليه وسلم "القبر إما حفرة من حفر النار أو روضة من رياض الجنة" وبقوله صلى الله عليه وسلم "أرواح الشهداء في حواصل طير خضر" وبقوله صلى الله عليه وسلم لقتلى بدر من المشركين "يا فلان يا فلان وقد سماهم النبي صلى الله عليه وسلم هل وجدتم ما وعد ربكم حقاً؟ فإني وجدت ما وعدني ربي حقاً فسمع عمر رضي الله عنه قوله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله كيف يسمعون وأنى يجيبون وقد جيفوا؟ فقال صلى الله عليه وسلم: والذي نفسي بيده ما أنتم بأسمع لكلامي منهم ولكنهم لا يقدرون أن يجيبوا" والحديث في الصحيح. هذا قوله عليه السلام في المشركين فأما المؤمنون والشهداء فقد قال صلى الله عليه وسلم "أرواحهم في حواصل طير خضر معلقة تحت العرش" وهذه الحالة وما أشير بهذه الألفاظ إليه لا ينافي ذكر الله عز وجل وقال تعالى "ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتاً بل أحياء عند ربهم يرزقون فرحين بما آتاهم الله من فضله ويستبشرون بالذين لم يلحقوا بهم من خلفهم" الآية ولأجل شرف ذكر الله عز وجل عظمت رتبة الشهادة لأن المطلوب الخاتمة ونعني بالخاتمة وداع الدنيا والقدوم على الله والقلب مستغرق بالله عز وجل منقطع العلائق عن غيره. فإن قدر عبد على أن يجعل همه مستغرقاً بالله عز وجل فلا يقدر على أن يموت على تلك الحالة إلا في صف القتال. فإنه قطع الطمع عن مهجته وأهله وماله وولده بل من الدنيا كلها فإنه يريدها لحياته وقد هون على قلبه حياته في حب الله عز وجل وطل مرضاته فلا تجرد لله أعظم من ذلك، ولذلك عظم أمر الشهادة وورد فيه من الفضائل ما لا يحصى. فمن ذلك أنه لما استشهد عبد الله بن عمرو الأنصاري يوم أحد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لجابر "ألا أبشرك يا جابر! قال: بلى بشرك الله بالخير قال: إن الله عز وجل أحيا أباك فأقعده بين يديه وليس بينه وبينه ستر فقال تعالى: تمن علي يا عبدي ما شئت أعطيكه فقال يا رب أن تردني إلى الدنيا حتى أقتل فيك وفي نبيك مرة أخرى. فقال عز وجل. سبق القضاء مني بأنهم إليها لا يرجعون" ثم القتل سبب الخاتمة على مثل هذه الحالة فإنه لو لم يقتل وبقي مدة ربما عادت شهوات الدنيا غليه وغلبت على ما استولى على قلبه من ذكر الله عز وجل. ولهذا عظم خوف أهل المعرفة من الخاتمة. فإن القلب وإن ألزم ذكر الله عز وجل فهو متقلب لا يخلو عن الالتفات إلى شهوات الدنيا ولا ينفك عن فترة تعتريه. فإذا تمثل في آخر الحال في قلبه أمر من الدنيا واستولى عليه وارتحل عن الدنيا والحالة هذه فيوشك أن يبقى استيلاؤه عليه فيحن بعد الموت إليه ويتمنى الرجوع إلى الدنيا. وذلك لقة حظه في الآخرة إذ يموت المرء على ما عاش عليه ويحشر على ما مات عليه. فاسلم الأحوال عن هذا الخطر خاتمة الشهادة إذ لم يكن قصد الشهيد نيل مال أو أن يقال شجاع أو غير ذلك كما ورد به الخبر بل حب الله عز وجل وإعلاء كلمته فهذه الحالة هي التي عبر عنها "إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة" ومثل هذا الشخص هو البائع للدنيا بالآخرة. وحالة الشهيد توافق معنى قولك "لا إله إلا الله" إذ لا مقصود له سواه. ومن يقول ذلك بلسانه ولم يساعده حاله فأمره في مشيئة الله عز وجل ولا يؤمن في حقه الخطر. ولذلك فضل رسول الله صلى الله عليه وسلم قول لا إله إلا الله على سائر الأذكار وذكر ذلك مطلقاً في مواضع الترغيب. ثم ذكر في بعض المواضع الترغيب. ثم ذكر في بعض المواضع الصدق والإخلاص فقال مرة "من قال لا إله إلا الله مخلصاً"
ومعنى الإخلاص مساعدة الحال للمقال. فنسأل الله تعالى أن يجعلنا في الخاتمة من أهل لا إله إلا الله حالاً ومقالاً ظاهراً وباطناً حتى نودع الدنيا غير متلفتين إليها بل متبرمين بها ومحبين للقاء الله فإن من أحب لقاء الله تعالى أحب الله لقاءه ومن كره لقاء الله كره الله لقاءه. فهذا مرامز إلى معاني الذكر التي لا يمكن الزيادة عليها في علم المعاملة.


[saa]يتبع بإذن الله[/saa]

_________________

يا خير من دفنت في التراب أعظمه فطاب من طيبهن القاع الأكم
نفسي الفداء لقبر أنت ساكنه فيه العفاف وفيه الجود والكرم
أنت الشفيع الذي ترجى شفاعته عند الصراط إذا ما زلّت القدم


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة:
مشاركة غير مقروءةمرسل: الثلاثاء أكتوبر 11, 2005 2:40 pm 
غير متصل

اشترك في: السبت فبراير 21, 2004 10:56 pm
مشاركات: 1245
مكان: يا رب مع الحبيب و آله صلى الله عليه و آله وصحبه وسلم
[align=center]الباب الثاني
في آداب الدعاء وفضله وفضل بعض الأدعية
المأثورة وفضيلة الاستغفار والصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم [/align]


[align=center]فضيلة الدعاء[/align]

قال الله تعالى "وإذا سالك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداع إذا دعان فليستجيبوا لي" وقال تعالى "ادعوا ربكم تضرعاً وخفية إنه لا يحب المعتدين" وقال تعالى "وقال ربكم ادعوني أستجب لكم إن الذين يستكبرون عن عبادتي سيدخلون جهنم داخرين" وقال عز وجل "قل ادعوا الله أو ادعوا الرحمن أياً ما تدعوا فله الأسماء الحسنى" وروى النعمن بن بشير عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال "إن الدعاء هو العبادة ثم قرأ "ادعوني أستجب لكم"" الآية - وقال صلى الله عليه وسلم "الدعاء مخ العبادة" وروى أبو هريرة أنه صلى الله عليه وسلم قال "ليس شيء أكرم على الله عز وجل من الدعاء" وقال صلى الله عليه وسلم "إن العبد لا يخطئه من الدعاء إحدى ثلاث: إما ذنب يغفر له وإما خير يعجل له وإما خير يدخر له" وقال أبو ذر رضي الله عنه: يكفي من الدعاء مع البر ما يكفي الطعام من الملح. وقال صلى الله عليه وسلم "سلوا الله تعالى من فضله فإن الله تعالى يحب أن يسأل وأفضل العبادة انتظار الفرج".

آداب الدعاء وهي عشرة

الأول أن يترصد لدعائه الأوقات الشريفة كيوم عرفة من السنة. ورمضان من الأشهر ويوم الجمعة من الأسبوع، ووقت السحر من ساعات الليل. قال تعالى "وبالأسحار هم يستغفرون" وقال صلى الله عليه وسلم "ينزل الله تعالى كل ليلة إلى سماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل الأخير فيقول عز وجل من يدعوني فأستجيب له من يسألني فأعطيه من يستغفرني فأغفر له" وقيل إن يعقوب صلى الله عليه وسلم إنما قال "سوف أستغفر لكم ربي" ليدعو في وقت السحر. فقيل إنه قام في وقت السحر يدعو وأولاده يؤمنون خلفه فأوحى الله عز وجل إني قد غفرت لهم وجعلتهم أنبياء الثاني أن يغتنم الأحوال الشريفة. قال أبو هريرة رضي الله عنه: إن أبواب السماء تفتح عند زحف الصفوف في سبيل الله تعالى وعند نزول الغيث وعند إقامة الصلوات المكتوبة فاغتنموا الدعاء فيها وقال مجاهد: إن الصلاة جعلت في خير الساعات فعليكم بالدعاء خلف الصلوات. وقال صلى الله عليه وسلم "الدعاء بين الأذان والإقامة لا يرد" وقال صلى الله عليه وسلم أيضاً "الصائم لا ترد دعوته" وبالحقيقة يرجع شرف الأوقات إلى شرف الحالات أيضاً إذ وقت السحر وقت صفاء القلب وإخلاصه وفراغه من المشوشات. ويوم عرفة ويوم الجمعة وقت اجتماع الهمم وتعاون القلوب على استدرار رحمة الله عز وجل فهذا أحد أسباب شرف الأوقات سوى ما فيها من أسرار لا يطلع البشر عليها. وحالة السجود أيضاً أجدر بالإجابة قال أبو هريرة رضي الله عنه: قال النبي صلى الله عليه وسلم "أقرب ما يكون العبد من ربه عز وجل وهو ساجد فأكثروا فيه من الدعاء ورى ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال "إني نهيت أن اقرأ القرآن راكعاً أو ساجداً فأما الركوع فعظموا فيه الرب تعالى وأما السجود فاجتهدوا فيه بالدعاء فإنه قمن أن يستجاب لكم" الثالث أن يدعو مستقبل القبلة ويرفع يديه بحيث يرى بياض إبطيه. وروى جابر بن عبد الله أن رسول الله صلى الله عليه وسلم "أتى الموقف بعرفة واستقبل القبلة ولم يزل يدعو حتى غربت الشمس" وقال سلمان: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "إن ربكم حيي كريم يستحيي من عبيده إذا رفعوا أيديهم إليه أن يردها صفراً" وروى أنس أنه صلى الله عليه وسلم "كان يرفع يديه حتى يرى بياض إبطيه في الدعاء ولا يشير بأصبعيه" وروى أبو هريرة رضي الله عنه "أنه صلى الله عليه وسلم مر على إنسان يدعو ويشير بإصبعيه السبابتين فقال صلى الله عليه وسلم أحد أحد" أي اقتصر على الواحدة. وقال أبو الدرداء رضي الله عنه: ارفعوا هذه الأيدي قبل أن تغل بالأغلال. ثم ينبغي أن يمسح بهما وجهه في آخر الدعاء: قال عمر رضي الله عنه "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا مد يديه في الدعاء لم يردهما حتى يسمح بهما وجهه" وقال ابن عباس "كان صلى الله عليه وسلم إذا دعا ضم كفيه وجعل بطونهما مما يلي وجهه" فهذه هيئات اليد ولا يرفع بصره إلى السماء قال صلى الله عليه وسلم "لينتهين أقوام عن رفع أبصارهم إلى السماء عند الدعاء أو لتخطفن أبصارهم" الرابع خفض الصوت بين المخافتة والجهر لما روي أن أبا موسى الأشعري قال: قدمنا مع رسول الله فلما دنونا من المدينة كبر وكبر الناس ورفعوا أصواتهم فقال النبي صلى الله عليه وسلم يا أيها الناس إن الذي تدعون ليس بأصم ولا غائب إن الذي تدعون بينكم وبين أعناق ركابكم" وقالت عائشة رضي الله عنها في قوله عز وجل "ولا تجهر بصلاتك ولا تخافت بها" أي بدعائك وقد أثنى الله عز وجل على نبيه زكرياء عليه السلام حيث قال "إذ نادى ربه نداء خفياً" وقال عز وجل "ادعوا ربكم تضرعاً وخفية" الخامس أن لا يتكلف السجع في الدعاء فإن حال الداعي ينبغي أن يكون حال متضرع والتكلف لا يناسبه قال صلى الله عليه وسلم "سيكون قوم يعتدون في الدعاء" وقد قال عز وجل: "ادعوا ربكم تضرعاً وخفية إنه لا يحب المعتدين" قيل معناه التكلف للأسجاع والأولى أن لا يجاوز الدعوات المأثورة فإنه قد يعتدي في دعائه فيسأل ما لا تقتضيه مصلحته فما كل أحد يحسن الدعاء ولذلك روي عن معاذ رضي الله عنه: إن العلماء يحتاج إليهم في الجنة إذ يقال لأهل الجنة تمنوا فلا يدرون كيف يتمنون حتى يتعلموا من العلماء؟ وقد قال صلى الله عليه وسلم "إياكم والسجع في الدعاء حسب أحدكم أن يقول اللهم إني أسألك الجنة وما قرب إليها من قول وعمل وأعوذ بك من النار وما قرب إليها من قول وعمل" وفي الخبر: سيأتي قوم يعتدون في الدعاء والطهور. ومر بعض السلف بقاص يدعو بسجع فقال له: أعلى الله تبالغ؟ أشهد لقد رأيت حبيباً العجمي يدعو وما يزيد على قوله: اللهم اجعلنا جيدين اللهم لا تفضحنا يوم القيامة اللهم وفقنا للخير، والناس يدعون من كل ناحية وراءه وكان يعرف بركة دعائه. وقال بعضهم. ادع بلسان الذلة والافتقار لا بلسان الفصاحة والانطلاق. ويقال إن العلماء والأبدال لا يزيديون في الدعاء على سبع كلمات فما دونها ويشهد له آخر سورة البقرة فإن الله تعالى لم يخبر في موضع من أدعية عبادة أكثر من ذلك. واعلم أن المراد بالسجع هو المتكلف من الكلام فإن ذلك لا يلائم الضراعة والذلة وإلا ففي الأدعية المأثورة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم كلمات متوازنة لكنها غير متكلفة كقوله صلى الله عليه وسلم "أسألك الأمن من يوم الوعيد والجنة يوم الخلود مع المقربين الشهود والركع السجود الموفين بالعهود إنك رحيم ودود وإنك تفعل ما تريد" وأمثال ذلك فليقتصر على المأثور من الدعوات أو ليلتمس بلسان التضرع والخشوع من غير سجع وتكلف فالتضرع هو المحبوب عند الله عز وجل السادس التضرع والخشوع والرغبة والرهبة قال الله تعالى "إنهم كانوا يسارعون في الخيرات ويدعوننا رغباً ورهباً" وقال عز وجل "ادعوا ربكم تضرعاً وخفية" وقال صلى الله عليه وسلم "إذا أحب الله عبداً ابتلاه حتى يسمع تضرعه". السابع أن يجزم الدعاء ويوقن بالإجابة ويصدق رجاءه فيه. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "لا يقل أحدكم إذا دعا اللهم اغفر لي إن شئت اللهم ارحمني إن شئت ليعزم المسألة فإنه لا مكره له" وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم "إذا دعا أحدكم فليعم الرغبة فإن الله لا يتعاظمه شيء" وقال صلى الله عليه وسلم "ادعوا الله وأنتم موقنون بالإجابة واعلموا أن الله عز وجل لا يستجيب دعاء من قلب غافل" وقال سفيان بن عيينة: لا يمنعن أحدكم من الدعاء ما يعلم من نفسه فإن الله عز وجل أجاب دعاء شر الخلق إبليس لعنه الله "إذ قال رب فانظرني إلى يوم يبعثون قال إنك من المنظرين" الثامن أن يلح في الدعاء ويكرره ثلاثاً قال ابن مسعود: كان عليه السلام إذا دعا دعا ثلاثاً وإذا سال سأل ثلاثاً" وينبغي أن لا يستبطىء الإجابة لقوله صلى الله عليه وسلم "يستجاب لأحدكم ما لم يعجل فيقول قد دعوت فلم يستجب لي فإذا دعوت فاسأل الله كثيراً فإنك تدعو كريماً" وقال بعضهم: إني أسأل الله عز وجل منذ عشرين سنة حاجة وما أجابني وأنا أرجو الإجابة سألت الله تعالى أن يوفقني لترك ما لا يعنيني. وقال صلى الله عليه وسلم "إذا سأل أحدكم ربه مسألة فتعرف الإجابة فليقل الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات ومن أبطأ عنه من ذلك فليقل الحمد لله على كل حال" التاسع أن يفتتح الدعاء بذكر الله عز وجل فلا يبدأ بالسؤال. قال سلمة بن الأكوع "ما سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يستفتح الدعاء إلا استفتحه بقول: سبحان ربي العلي الأعلى الوهاب" قال أبو سليمان الداراني رحمه الله: من أراد أن يسأل الله حاجة فليبدأ بالصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم ثم يسأله حاجته ثم يختم بالصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم فإن الله عز وجل يقبل الصلاتين وهو أكرم من أن يدع ما بينهما، وروي في الخبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال "إذا سألتم الله عز وجل حاجة فابتدئوا بالصلاة علي فإن الله تعالى أكرم من أن يسئل حاجتين فيقضي إحداهما ويرد الأخرى" رواه أبو طالب المكي العاشر وهو الأدب الباطن وهو الأصل في الإجابة: التوبة ورد المظالم والإقبال على الله عز وجل بكنه الهمة فذلك هو السبب القريب في الإجابة. فيروى عن كعب الأحبار أنه قال: أصاب الناس قحط شديد على عهد موسى رسول الله صلى الله عليه وسلم فخرج موسى ببني إسرائيل يستسقي بهم فلم يسقوا حتى خرج ثلاث مرات ولم يسقوا، فأوحى الله عز وجل إلى موسى عليه السلام: إني لا أستجيب لك ولا لمن معك وفيكم نمام، فقال موسى: يا رب ومن هو حتى نخرجه من بيننا فأوحى الله عز وجل إليه: يا موسى أنهاكم عن النميمة وأكون نماماً! فقال موسى: لبني إسرائيل: توبوا إلى ربكم بأجمعكم عن النميمة فتابوا فأرسل الله تعالى عليهم الغيث. وقال سعيد بن جبير قحط الناس في زمن ملك من ملوك بني إسرائيل فاستسقوا فقال الملك لبني إسرائيل: ليرسلن الله تعالى علينا السماء أو لنؤذينه قيل له وكيف تقدر أن تؤذيه وهو في السماء؟ فقال أقتل أولياءه وأهل طاعته فيكون ذلك أذى له فأرسل الله تعالى عليهم السماء. وقال سفيان الثوري: بلغني أن بني إسرائيل قحطوا سبع سنين حتى أكلوا الميتة من المزابل وأكلوا الأطفال وكانوا كذلك يخرجون إلى الجبال يبكون ويتضرعون، فأوحى الله عز وجل إلى أنبيائهم عليهم السلام لو مشيتم إلي باقدامكم حتى تحفى ركبكم وتبلغ أيديكم عنان السماء وتكل ألسنتكم عن الدعاء فإني لا أجيب لكم داعياً ولا أحرم لكم باكياً حتى تردوا المظالم إلى أهلها ففعلوا فمطروا من يومهم. وقال مالك بن دينار. أصاب الناس في بني إسرائيل قحط فخرجوا مراراً فأوحى الله عز وجل إلى نبيهم أن أخبرهم أنكم تخرجون إلي بأبدان نجسة وترفعون إلي أكفاً قد سفكتم بها الدماء وملأتم بطونكم من الحرام الآن قد اشتد غضبي عليكم ولن تزدادوا مني إلا بعداً، وقال أبو الصديق الناجي: خرج سليمان عليه السلام يستسقي فمر بنملة ملقاة على ظهرها رافعة قوائمها إلى السماء وهي تقول: اللهم إنا خلق من خلقك ولا غنى بنا عن رزقك فلا تهلكنا بذنوب غيرنا، فقال سليمان عليه السلام: ارجعوا فقد سقيتم بدعوة غيركم. وقال الأوزاعي: خرج الناس يستسقون فقام فيهم بلال بن سعد فحمد الله وأثنى عليه ثم قال يا معشر من حضر ألستم مقرين بالإساءة؟ فقالوا: اللهم نعم، فقال: اللهم إنا قد سمعناك تقول "ما على المحسنين من سبيل" وقد أقررنا بالإساءة فهل تكون مغفرتك إلا لمثلنا؛ اللهم فاغفر لنا وارحمنا واسقنا؛ فرفع يديه ورفعوا أيديهم فسقوا. وقيل لمالك بن دينار: ادع لنا ربك فقال إنكم تستبطئون المطر وأنا أستبطىء الحجارة. وروي أن عيسى صلوات الله عليه وسلامه خرج يستسقي فلما ضجروا قال لهم عيسى عليه السلام: من أصاب منكم ذنباً فليرجع فرجعوا كلهم ولم يبق معه في المفازة إلا واحد، فقال له عيسى عليه السلام: أما لك من ذنب؟ فقال: والله ما علمت من شيء غير أني كنت ذات يوم أصلي فمرت بي امرأة فنظرت إليها بعيني هذه فلما جاوزتني أدخلت أصبعي في عيني فانتزعتها وتبعت المرأة بها. فقال له عيسى عليه السلام: فادع الله حتى أؤمن على دعائك، قال: فدعا فتجللت السماء سحاباً ثم صبت فسقوا، وقال يحيى الغساني "أصاب الناس قحط على عهد داود عليه السلام فاختاروا ثلاثة من علمائهم فخرجوا حتى يستسقوا بهم فقال أحدهم: اللهم إنك أنزلت في توراتك أن نعفو عمن ظلمنا اللهم إنا قد ظلمنا أنفسنا فاعف عنا. وقال الثاني: اللهم إنك أنزلت في توراتك أن نعتق أرقاءنا اللهم إنا أرقاؤك فأعتقنا. وقال الثالث: اللهم إنك أنزلت في توراتك أن لا نرد المساكين إذا وقفوا بأبوابنا اللهم إنا مساكينك وقفنا ببابك فلا ترد دعاءنا فسقوا" وقال عطاء السلمي: منعنا الغيث فخرجنا نستسقي فإذا نحن بسعدون المجنون في المقابر فنظر إلي فقال يا عاء أهذا يوم النشور أو بعثر ما في القبور؟ فقلت: لا ولكنا منعنا الغيث فخرجنا نستسقي فقال يا عطاء: بقلوب أرضية أم بقلوب سماوية؟ فقلت: بل بقلوب سماوية فقال: هيهات يا عطاء قل للمتبهرجين لا تتبهرجوا فإن الناقد بصير. ثم رمق السماء بطرفه وقال إلهي وسيدي ومولاي لا تهلك بلادك بذنوب عبادك ولكن بالسر المكنون من أسمائك وما وارت الحجب من آلائك إلا ما سقيتنا ماء غدقاً فراتاً تحيي به العباد وتروي به البلاد يا من هو على كل شيء قدير، قال عطاء: فما استتم الكلام حتى أرعدت السماء وأبرقت وجادت بمطر كأفواه القرب فولى وهو يقول:

[poet font="Simplified Arabic,4,firebrick,normal,normal" bkcolor="transparent" bkimage="backgrounds/1.gif" border="none,4,gray" type=0 line=200% align=center use=ex length=0 char="" num="0,black" filter=""]
أفلح الزاهدون والعابـدونـا إذ لمولاهم أجاعوا البطونـا
أسهروا الأعين العليلة حبـاً فانقضى ليلهم وهم ساهرونا
شغلتهم عبادة اللـه حـتـى حسب الناس أن فيهم جنونا
[/poet]

وقال ابن المبارك: قدمت المدينة في عام شديد القحط فخرج الناس يستسقون فخرجت معهم إذا أقبل غلام أسود عليه قطعتا خيش قد اتزر بإحداهما وألقى الأخرى على عاتقه فجلس إلى جنبي فسمعته يقول إلهي أخلقت الوجوه عندك كثرة الذنوب ومساوي الأعمال وقد حبست عنا غيث السماء لتؤدب عبادك بذلك فأسألك يا حليماً ذا أناة يا من لا يعرف عباده منه إلا الجميل أن تسقيهم الساعة الساعة فلم يزل يقول الساعة الساعة حتى اكتست السماء بالغمام وأقبل المطر من كل جانب، قال ابن المبارك: فجئت إلى الفضيل فقال ما لي أراك كئيباً؟ فقلت أمر سبقنا إليه غيرنا فتولاه دوننا وقصصت عليه القصة فصاح الفضيل وخر مغشياً عليه. ويروى أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه استسقى بالعباس رضي الله عنه فلما فرغ عمر من دعائه قال العباس: اللهم إنه لم ينزل بلاء من السماء إلابذنب ولم يكشف إلا بتوبة وقد توجه بي القوم إليك لمكاني من نبيك صلى الله عليه وسلم وهذه أيدينا إليك بالذنوب ونواصينا بالتوبة وأنت الراعي لا تهمل الضالة ولا تدع الكبير بدار مضيعة فقد ضرع الصغير ورق الكبير وارتفعت الأصوات بالشكوى وأنت تعلم السر وأخفى اللهم فأغثهم بغياثك قبل أن يقنطوا فيهلكوا فإنه لا ييأس من روح الله إلا القوم الكافرون قال فما تم كلامه حتى ارتفعت السماء مثل الجبال.

[align=center]فضيلة الصلاة على رسول الله
صلى الله عليه وسلم وفضله صلى الله عليه وسلم
[/align]

قال الله تعالى "إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليماً" وروي أنه صلى الله عليه وسلم "جاء ذات يوم والبشرى ترى في وجهه فقال صلى الله عليه وسلم إنه جاءني جبريل عليه السلام فقال أما ترضى يا محمد أن لا يصلي عليك أحد من أمتك صلاة واحدة إلا صليت عليه عشراً ولا يسلم عليك أحد من أمتك إلا سلمت عليه عشراً" وقال صلى الله عليه وسلم "من صلى علي صلت عليه الملائكة ما صلى علي فليقلل عند ذلك أو ليكثر" وقال صلى الله عليه وسلم "إن أولى الناس بي أكثرهم علي صلاة" وقال صلى الله عليه وسلم "بحسب المؤمن من البخل أن أذكر عنده فلا يصلي علي" وقال صلى الله عليه وسلم "أكثروا من الصلاة علي يوم الجمعة" وقال صلى الله عليه وسلم "من صلى علي من أمتي كتبت له عشر حسنات ومحيت عنه عشر سيآت" وقال صلى الله عليه وسلم "من قال حين يسمع الأذان والإقامة اللهم رب هذه الدعوة التامة والصلاة القائمة صل على محمد عبدك ورسولك وأعطه الوسيلة والفضيلة والدرجة الرفيعة والشفاعة يوم القيامة حلت له شفاعتي" وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم "من صلى علي في كتاب لم تزل الملائكة يستغفرون له ما دام اسمي في ذلك الكتاب" وقال صلى الله عليه وسلم "إن في الأرض ملائكة سياحين يبلغوني عن أمتي السلام" وقال صلى الله عليه وسلم "ليس أحد يسلم علي إلا رد الله علي روحي حتى أرد عليه السلام" و "قيل له يا رسول الله كيف نصلي عليك؟ فقال قولوا اللهم صل على محمد عبدك وعلى آله وأزواجه وذريته كما صليت على إبراهيم وآل إبراهيم وبارك على محمد وأزواجه وذريته كما باركت على إبراهيم وآل إبراهيم إنك حميد مجيد" وروي أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه سمع بعد موت رسول الله صلى الله عليه وسلم يبكي ويقول: بأبي أنت وأمي يا رسول الله لقد كان جذع تخطب الناس عليه فلما كثر الناس اتخذت منبراً لتسمعهم فحن الجذع لفراقك حتى جعلت يدك عليه فسكن فأمتك كانت أولى بالحنين إليك لما فارقتهم، بأبي أنت وأمي يا رسول الله لقد بلغ من فضيلتك عنده أن جعل طاعتك طاعته فقال عز وجل "من يطع الرسول فقد أطاع الله" بأبي أنت وأمي يا رسول الله لقد بلغ من فضيلتك عنده أن أخبرك بالعفو عنك قبل أن يخبرك بالذنب فقال تعالى "عفا الله عنك لم أذنت لهم" بأبي أنت وأمي يا رسول الله لقد بلغ من فضيلتك عنده أن بعثك آخر الأنبياء وذكرك في أولهم فقال عز وجل "وإذ أخذنا من النبيين ميثاقهم ومنك ومن نوح وإبراهيم" الآية بأبي أنت وأمي يا رسول الله لقد بلغ من فضيلتك عنده أن أهل النار يودون أن يكونوا قد أطاعوك وهم بين أطباقها يعذبون يقولون يا ليتنا أطعنا الله وأطعنا الرسولا، بأبي أنت وأمي يا رسول الله لئن كان موسى بن عمران أعطاه الله حجراً تتفجر منه الأنهار فماذا بأعجب من أصابعك حين نبع منها الماء صلى الله عليك، بأبي أنت وأمي يا رسول الله لئن كان سليمان بن داود أعطاه الله الريح غدوها شهر ورواحها شهر فماذا بأعجب من البراق حين سريت عليه إلى السماء السابعة ثم صليت الصبح من ليلتك بالأبطح صلى الله عليك، بأبي أنت وأمي يا رسول الله لئن كان عيسى بن مريم أعطاه الله إحياء الموتى فماذا بأعجب من الشاة المسمومة حين كلمتك وهي مشوية فقالت لك الذراع: لا تأكلني فإني مسمومة، بأبي أنت وأمي يا رسول الله لقد دعا نوح على قومه فقال رب لا تذر على الأرض من الكافرين دياراً ولو دعوت علينا بمثلها لهلكنا فلقد وطىء ظهرك وأدمي وجهك وكسرت رباعيتك فأبيت أن تقول إلا خيراً فقلت اللهم اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون، بأبي أنت وأمي يا رسول الله لقد اتبعك في قلة سنك وقصر عمرك ما لم يتبع نوحاً في كثرة سنه وطول عمره وآمن بك الكثير وما آمن معه إلا القليل، بأبي أنت وأمي يا رسول الله لو لم تجالس إلا كفؤاً لك ما جالستنا ولو لم تنكح إلاكفؤأ لك ما نكحت إلينا ولو لم تؤاكل إلا كفؤاً لك ما واكلتنا فلقد والله جالستنا ونكحت إليها وواكلتنا ولبست الصوف وركبت الحمار وأردفت خلفك ووضعت طعامك على الأرض ولعقت أصابعك تواضعاً منك صلى الله عليك وسلم. وقال بعضهم: كنت أكتب الحديث وأصلي على النبي صلى الله عليه وسلم فيه ولا أسلم فرأيت النبي صلى الله عليه وسلم في المنام فقال لي: أما تتم الصلاة علي في كتابك؟ فما كتبت بعد ذلك إلا صليت وسلمت عليه. وروي عن أبي الحسن قال: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم في المنام فقلت: يا رسول الله بم جوزي الشافعي عنك حيث يقول في كتابه الرسالة "وصلى الله على محمد كلما ذكره الذاكرون وغفل عن ذكره الغافلون"؟ فقال صلى الله عليه وسلم جوزي عني أنه لا يوقف للحساب.

[align=center]فضيلة الاستغفار[/align]

قال الله عز وجل "والذين إذا فعلوا فاحشة أو ظلموا أنفسهم ذكروا الله فاستغفروا لذنوبهم" وقال علقمة والأسود قال عبد الله بن مسعود رضي الله عنهم: في كتاب الله عز وجل آيتان ما أذنب عبد ذنباً فقرأهما واستغفر الله عز وجل إلا غفر الله تعالى له "والذين إذا فعلوا فاحشة أو ظلموا أنفسهم" الآية وقوله عز وجل "ومن يعمل سوءاً أو يظلم نفسه ثم يستغفر الله يجد الله غفوراً رحيماً" وقال عز وجل "فسبح بحمد ربك واستغفره إنه كان تواباً" وقال تعالى "والمستغفرين بالأسحار" وكان صلى الله عليه وسلم يكثر أن يقول "سبحانك اللهم وبحمدك اللهم اغفر لي إنك أنت التواب الرحيم" وقال صلى الله عليه وسلم "من أكثر من الاستغفار جعل الله عز وجل له من كل هم فرجاً ومن كل ضيق مخرجاً ورزقه من حيث لا يحتسب" وقال صلى الله عليه وسلم "إني لأستغفر الله تعالى وأتوب إليه في اليوم سبعين مرة" هذا مع أنه صلى الله عليه وسلم غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر وقال صلى الله عليه وسلم "إنه ليغان على قلبي حتى إني لأستغفر الله تعالى في كل يوم مائة مرة" وقال صلى الله عليه وسلم "من قال حين يأوي إلى فراشه أستغفر الله العظيم الذي لا إله إلا هو الحي القيوم وأتوب إليه ثلاث مرات غفر الله له ذنوبه وإن كانت مثل زبد البحر - أو عدد رمل عالج أو عدد ورق الشجر أو عدد أيام الدنيا -" وقال صلى الله عليه وسلم في حديث آخر "من قال ذلك غفرت ذنوبه وإن كان فاراً من الزحف" وقال حذيفة: كنت ذرب اللسان على أهلي فقلت "يا رسول الله خشيت أن يدخلني لساني النار، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: فأين أنت من الاستغفار؟ فإني لأستغفر الله في اليوم مائة مرة" وقالت عائشة رضي الله عنها: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم "إن كنت ألممت بذنب فاستغفري الله وتوبي إليه فإن التوبة من الذنب الندم والاستغفار" وكان صلى الله عليه وسلم يقول في الاستغفار "اللهم اغفر لي خطيئتي وجهلي وإسرافي وما أنت أعلم به مني اللهم اغفر لي هزلي وجدي وخطئي وعمدي وكل ذلك عندي اللهم اغفر لي ما قدمت وما أخرت وما أسررت وما أعلنت وما أنت أعلم به مني أنت المقدم وأنت المؤخر وأنت على كل شيء قدير" وقال علي رضي الله عنه: كنت رجلاً إذا سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم حديثاً نفعني الله عز وجل بما شاء أن ينفعني منه وإذا حدثني أحد من أصحابه استحلفته فإذا حلف صدقته، قال: وحدثني أبو بكر وصدق أبو بكر رضي الله عنه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول "ما من عبد يذنب ذنباً فيحسن الطهور ثم يقوم فيصلي ركعتين ثم يستغفر الله عز وجل إلا غفر له ثم تلا قوله عز وجل "والذين إذا فعلوا فاحشة أو ظلموا أنفسهم" الآية" وروى أبو هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال "إن المؤمن إذا أذنب ذنباً كانت نكتة سوداء في قلبه فإن تاب ونزع واستغفر صقل قلبه منها فإن زاد زادت حتى تغلف قلبه فذلك الران الذي ذكره الله عز وجل في كتابه "كلا بل ران على قلوبهم ما كانوا يكسبون" وروى أبو هريرة رضي الله عنه أنه صلى الله عليه وسلم قال: "إن الله سبحانه ليرفع الدرجة للعبد في الجنة فيقول يا رب أنى لي هذه فيقول عز وجل باستغفار ولدك لك" وروت عائشة رضي الله عنها: أنه صلى الله عليه وسلم قال "اللهم اجعلني من الذين إذا أحسنوا استبشروا وإذا أساءوا استغفروا" وقال صلى الله عليه وسلم "إذا أذنب العبد ذنباً فقال اللهم اغفر لي فيقول الله عز وجل أذنب عبدي ذنباً فعلم أن له رباً يأخذ بالذنب ويغفر الذنب عبدي اعمل ما شئت فقد غفرت لك" وقال صلى الله عليه وسلم "ما أصر من استغفر وإن عاد في اليوم سبعين مرة" وقال صلى الله عليه وسلم "إن رجلاً لم يعمل خيراً قط نظر إلى السماء فقال إن لي رباً يا رب فاغفر لي فقال الله عز وجل قد غفرت لك" وقال صلى الله عليه وسلم "من أذنب ذنباً فعلم أن الله قد اطلع عليه غفر له وإن لم يستغفر" وقال صلى الله عليه وسلم "يقول الله تعالى يا عبادي كلكم مذنب إلا من عافيته فاستغفروني أغفر لكم ومن علم أني ذو قدرة على أن أغفر له غفرت له ولا أبالي" وقال صلى الله عليه وسلم "من قال سبحانك ظلمت نفسي وعملت سوءاً فاغفر لي فإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت غفرت له ذنوبه ولو كانت كمدب النمل" وروي "إن أفضل الاستغفار اللهم أنت ربي وأنا عبدك خلقتني وأنا على عهدك ووعدك ما استطعت أعوذ بك من شر ما صنعت أبوء لك بنعمتك علي وابوء على نفسي بذنبي فقد ظلمت نفسي واعترفت بذنبي فاغفر لي ذنوبي ما قدمت منها وما أخرت فإنه لا يغفر الذنوب جميعها إلا أنت" والآثار: قال خالد بن معدان يقول الله عز وجل إن أحب عبادي إلي المتحابون بحبي والمتلعقة قلوبهم بالمساجد والمستغفرون بالأسحار أولئك الذين إذا أردت أهل الأرض بعقوبة ذكرتهم فتركتهم وصرفت العقوبة عنهم. وقال قتادة رحمه الله: القرآن يدلكم عن دائكم ودوائكم . أما داؤكم فالذنوب وأما دواؤكم فالاستغفار. وقال علي كرم الله وجهه: العجيب ممن يهلك ومعه النجاة قيل وما هي؟ قال الاستغفار. وكان يقول: ما ألهم الله سبحانه عبداً الاستغفار وهو يريد أن يعذبه. وقال الفضيل: قول العبد "أستغفر الله" تفسيرها: أقلني. وقال بعض العلماء: العبد بين ذنب ونعمة لا يصلحهما إلا الحمد والاستغفار. وقال الربيع بن خيثم رحمه الله: لا يقولن أحدكم أستغفر الله وأتوب إليه فيكون ذنباً وكذباً إن لم يفعل؟ ولكن ليقل: اللهم اغفر لي وتب علي. وقال الفضيل رحمه الله: الاستغفار بلا إقلاع توبة الكذابين. وقالت رابعة العدوية رحمها الله: استغفارنا يحتاج إلى استغفار كثير. وقال بعض الحكماء: من قدم الاستغفار على الندم كان مستهزئاً بالله عز وجل وهو لا يعلم. وسمع أعرابي وهو متعلق بأستار الكعبة يقول: اللهم إن استغفاري مع إصراري للؤم وإن تركي استغفارك مع علمي بسعة عفوك لعجز، فكم تتحبب إلي بالنعم مع غناك عني وكم أتبغض إليك بالمعاصي مع فقري إليك! يا من إذا وعد وفى وإذا أوعد عفا أدخل عظيم جرمي في عظيم عفوك يا أرحم الراحمين. وقال أبو عبد الله الوراق: لو كان عليك مثل عدد القطر وزبد البحر ذنوباً لمحيت عنك إذا دعوت ربك بهذا الدعاء مخلصاً إن شاء الله تعالى "اللهم إني أستغفرك من كل عمل أردت به وجهك فخالطه غيرك واستغفرك من كل نعمة أنعمت بها علي فاستعنت بها على معصيتك وأستغفرك يا عالم الغيب والشهادة من كل ذنب أتيته في ضياء النهار وسواد الليل في ملأ أو خلاء وسر وعلانية يا حليم. ويقال إنه استغفار آدم عليه السلام وقيل الخضر عليه الصلاة والسلام.

[saa]يتبع بإذن الله[/saa]




_________________

يا خير من دفنت في التراب أعظمه فطاب من طيبهن القاع الأكم
نفسي الفداء لقبر أنت ساكنه فيه العفاف وفيه الجود والكرم
أنت الشفيع الذي ترجى شفاعته عند الصراط إذا ما زلّت القدم


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة:
مشاركة غير مقروءةمرسل: الأربعاء أكتوبر 12, 2005 3:23 pm 
غير متصل

اشترك في: السبت فبراير 21, 2004 10:56 pm
مشاركات: 1245
مكان: يا رب مع الحبيب و آله صلى الله عليه و آله وصحبه وسلم
[align=center]الباب الثالث
في أدعية مأثورة ومعزية إلى أسبابها وأربابها
مما يستحب أن يدعو بها المرء صباحاً ومساء وبعقب كل صلاة [/align]


فمنها: دعاء رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد ركعتي الفجر قال ابن عباس رضي الله عنهما: بعثني العباس إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأتيته ممسياً وهو في بيت خالتي ميمونة فقام يصلي من الليل فلما صلى ركعتي الفجر قبل صلاة الصبح قال "اللهم إني أسألك رحمة من عندك تهدي بها قلبي وتجمع بها شملي وتلم بها شعثي وترد بها الفتن عني وتصلح بها ديني وتحفظ بها غائبي وترفع بها شاهدي وتزكي بها عملي وتبيض بها وجهي وتلهمني بها رشدي وتعصمني بها من كل سوء. اللهم أعطني إيماناً صادقاً ويقيناً ليس بعده كفر ورحمة أنال بها شرف كرامتك في الدنيا والآخرة. اللهم إني أسألك الفوز عند القضاء ومنازل الشهداء وعيش السعداء والنصر على الأعداء ومرافقة الأنبياء. اللهم إني أنزل بك حاجتي وإن ضعف رأيي وقلت حيلتي وقصر عملي وافتقرت إلى رحمتك فأسألك يا كافي الأمور ويا شافي الصدور كما تجير بين البحور أن تجيرني من عذاب السعير ومن دعوة الثبور ومن فتنة القبور. اللهم ما قصر عني رأيي وضعف عنه عملي ولم تبلغه نيتي وأمنيتي من خير وعدته أحداً من عبادك أو خير أنت معطيه أحداً من خلقك فإني أرغب إليك فيه وأسألكه يا رب العالمين. اللهم اجعلنا هادين مهتدين غير ضالين ولا مضلين حرباً لأعدائك وسلماً لأوليائك نحب بحبك من أطاعك من خلقك ونعادي بعداوتك ممن خالفك من خلقك. اللهم هذا الدعاء وعليك الإجابة وهذا الجهد وعليك التكلان وإنا لله وإنا إليه راجعون ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم ذي الحبل الشديد والأمر الرشيد أسألك الأمن يوم الوعيد والجنة يوم الخلود مع المقربين الشهود والركع السجود الموفين بالعهود إنك رحيم ودود وأنت تفعل ما تريد. سبحان الذي لبس العز وقال به سبحان الذي تعطف بالمجد وتكرم به سبحان الذي لا ينبغي التسبيح إلا له سبحان ذي الفضل والنعم سبحان ذي العزة والكرم سبحان الذي أحصى كل شيء بعلمه. اللهم اجعل لي نوراً في قلبي ونوراً في قبري ونوراً في سمعي ونوراً في بصري ونوراً في شعري ونوراً في بشري ونوراً في لحمي ونوراً في دمي ونوراً في عظامي ونوراً من بين يدي ونوراً من خلفي ونوراً عن يميني ونوراً عن شمالي ونوراً من فوقي ونوراً من تحتي. اللهم زدني نوراً وأعطني نوراً واجعل لي نوراً".

[align=center]دعاء عائشة رضي الله عنها[/align]

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعائشة رضي الله عنها "عليك بالجوامع الكوامل قولي اللهم إني أسألك من الخير كله عاجله وآجله ما علمت منه وما لم أعلم وأعوذ بك من الشر كله عاجله وآجله ما علمت وما لم أعلم وأسألك الجنة وما قرب إليها من قول وعمل وأعوذ بك من النار وما قرب إليها من قول وعمل وأسألك ما قضيت لي من أمر أن تجعل عاقبته رشداً برحمتك يا أرحم الراحمين"

[align=center]دعاء فاطمة رضي الله [/align]

عنهاقال رسول الله صلى الله عليه وسلم "يا فاطمة ما يمنعك أن تسمعي ما أوصيك به؟ أن تقولي: يا حي يا قيوم برحمتك أستغيث لا تكلني إلى نفسي طرفة عين وأصلح لي شأني كله.

[align=center]دعاء أبي بكر الصديق رضي الله عنه[/align]

علم رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا بكر الصديق رضي الله عنه أن يقول "اللهم إني أسألك بمحمد نبيك وإبراهيم خليلك وموسى نجيك وعيسى كلمتك وروحك وبتوراة موسى وإنجيل عيسى وزبور داود وفرقان محمد صلى الله عليه وسلم وعليهم أجمعين وبكل وحي أوحيته أو قضاء قضيته أو سائل أعطيته أو غني أفقرته أو فقير أغنيته أو ضال هديته وأسألك باسمك الذي أنزلته على موسى صلى الله عليه وسلم وأسألك باسمك الذي بثثت به أرزاق العباد وأسألك باسمك الذي وضعته على الأرض فاستقرت واسألك باسمك الذي وضعته على السموات فاستقلت وأسألك باسمك الذي وضعته على الجبال فرست وأسالك باسمك الذي استقل به عرشك وأسألك باسمك الطهر الطاهر الأحد الصمد الوتر المنزل في كتابك من لدنك من النور المبين وأسألك باسمك الذي وضعته على النهار فاستنار وعلى الليل فأظلم وبعظمتك وكبريائك وبنور وجهك الكريم أن ترزقني القرآن والعلم به وتخلطه بلحمي ودمي وسمعي وبصري وتستعمل به جسدي بحولك وقوتك فإنه لا حول ولا قوة إلا بك يا أرحم الراحمين".

[align=center]دعاء بريدة الأسلمي رضي الله عنه[/align]

وروي أنه قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم "يا بريدة ألا أعلمك كلمات من أراد الله به خيراً علمهن إياه ثم لم ينسهن إياه أبداً قال: فقلت بلى يا رسول الله قال قل: اللهم إني ضعيف فقو في رضاك ضعفي وخذ إلى الخير بناصيتي واجعل الإسلام منتهى رضاي، اللهم إني ضعيف فقوني وإني ذليل فأعزني وإني فقير فأغنني يا أرحم الراحمين"

[align=center]دعاء قبيصة بن المخارق[/align]

إذ قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم "علمني كلمات ينفعني الله عز وجل بها فقد كبر سني وعجزت عن أشياء كثيرة كنت أعملها فقال عليه السلام: أما لدنياك فإذا صليت الغداة فقل ثلاث مرات سبحان الله وبحمده سبحان الله العظيم لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم فإنك إذا قلتهن أمنت من الغم والجذام والبرص والفالج. وأما لآخرتك فقل: اللهم اهدني من عندك وأفض علي من فضلك وانشر من رحمتك وأنزل علي من بركاتك. ثم قال صلى الله عليه وسلم: أما إنه إذا وافى بهن عبد يوم القيامة لم يدعهن فتح له أربعة أبواب من الجنة يدخل من أيها شاء

[align=center]دعاء أبي الدرداء رضي الله عنه[/align]

قيل لأبي الدرداء رضي الله عنه: قد احترقت دارك - وكانت النار قد وقعت في محلته - فقال ما كان الله ليفعل ذلك، فقيل له ذلك ثلاثاً وهو يقول: ما كان الله ليفعل ذلك. ثم أتاه آت فقال: يا أبا الدرداء إن النار حين دنت من دارك طفئت، قال: قد علمت ذلك، فقيل له: ما ندري أي قوليك أعجب؟ قال: إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: من يقول هؤلاء الكلمات في ليل أو نهار لم يضره شيء وقد قلتهن وهي "اللهم أنت ربي لا إله إلا أنت عليك توكلت وأنت رب العرش العظيم لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن أعلم أن الله على كل شيء قدير وأن الله قد أحاط بكل شيء علماً وأحصى كل شيء عدداً. اللهم إني أعوذ بك من شر نفسي ومن شر كل دابة أنت آخذ بناصيتها إن ربي على صراط مستقيم".

[align=center]دعاء الخليل إبراهيم عليه الصلاة والسلام[/align]

كان يقول إذا أصبح: اللهم إن هذا خلق جديد فافتحه علي بطاعتك واختمه لي بمغفرتك ورضوانك وارزقني فيه حسنة تقبلها مني وزكها وضعفها لي وما عملت فيه من سيئة فاغفرها لي إنك غفور رحيم ودود كريم. قال: ومن دعا بهذا الدعاء إذا أصبح فقد أدى شكر يومه.

[align=center]دعاء عيسى عليه الصلاة والسلام[/align]

كان يقول: اللهم إني أصبحت لا أستطيع دفع ما أكره ولا أملك نفع ما أرجو وأصبح الأمر بيد غيري وأصبحت مرتهناً بعملي فلا فقير أفقر مني. اللهم لا تشمت بي عدوي ولا تسؤ بي صديقي ولا تجعل مصيبتي في ديني ولا تجعل الدنيا أكبر همي ولا تسلط علي من لا يرحمني يا حي يا قيوم.

[align=center]دعاء الخضر عليه السلام[/align]

يقال: إن الخضر وإلياس عليهما السلام إذا التقيا في كل موسم لم يفترقا إلا عن هذه الكلمات "بسم الله ما شاء الله لا قوة إلا بالله ما شاء الله كل نعمة من الله ما شاء الله الخير كله بيد الله ما شاء الله لا يصرف السوء إلا الله" فمن قالها ثلاث مرات إذا أصبح أمن من الحرق والغرق والسرق إن شاء الله تعالى.

[align=center]دعاء معروف الكرخي رضي الله عنه[/align]

قال محمد بن حسان؛ قال لي معروف الكرخي رحمه الله ألا أعلمك عشر كلمات خمس للدنيا وخمس للآخرة من دعا الله عز وجل بهن وجد الله تعالى عندهن: قلت: اكتبها لي قال لا. ولكن أرددها عليك كما رددها علي بكر بن خنيس رحمه الله حسب الله لديني حسبي الله لدنياي حسبي الله الكريم لما أهمني حسبي الله الحليم القوي لمن بغى علي حسبي الله الشديد لمن كادني بسوء حسبي الله الرحيم عند الموت حسبي الله الرءوف عند المسألة في القبر حسبي الكريم عند الحساب حسبي الله اللطيف عند الميزان حسبي الله القدير عند الصراط حسبي الله لا إله إلا هو عليه توكلت وهو رب العرش العظيم" وقد روي عن أبي الدرداء أنه قال "من قال في كل يوم سبع مرات "فإن تولوا فقل حسبي الله لا إله إلا هو عليه توكلت وهو رب العرش العظيم" كفاه الله عز وجل ما أهمه من أمر آخرته صادقاً كان أو كاذباً".

[align=center]دعاء عتبة الغلام[/align]

وقد رؤي في المنام بعد موته فقال: دخلت الجنة بهذه الكلمات "اللهم يا هادي المضلين ويا راحم المذنبين ويا مقيل عثرات العاثرين ارحم عبدك ذا الخطر العظيم والمسلمين كلهم أجمعين واجعلنا مع الأخيار المرزوقين الذين أنعمت عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين آمين يا رب العالمين.

[align=center]دعاء آدم عليه الصلاة والسلام[/align]

قالت عائشة رضي الله عنها: لما اراد الله عز وجل أن يتوب على آدم صلى الله عليه وسلم طاف بالبيت سبعاً وهو يومئذ ليس بمبني ربوة حمراء ثم قام فصلى ركعتين ثم قال "اللهم إنك تعلم سري وعلانيتي فاقبل معذرتي وتعلم حاجتي فأعطني سؤلي وتعلم ما في نفسي فاغفر لي ذنوبي. اللهم إني أسألك إيماناً يباشر قلبي ويقيناً صادقاً حتى أعلم أنه لن يصيبني إلا ما كتبته علي والرضا بما قسمته لي يا ذا الجلال والإكرام" فأوحى الله عز وجل إليه إني قد غفرت لك ولم يأتني أحد من ذريتك فيدعوني بمثل الذي دعوتني به إلا غفرت له وكشفت غمومه وهمومه ونزعت الفقر من بين عينيه واتجرت له من وراء كل تاجر وجاءته الدنيا وهي راغمة وإن كان لا يريدها.

[align=center]دعاء علي بن أبي طالب رضي الله عنه[/align]

رواه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال "إن الله تعالى يمجد نفسه كل يوم ويقول: إني أنا الله رب العالمين. إني أنا الله لا إله إلا أنا الحي القيوم. إني أنا الله لا إله إلا أنا العلي العظيم. إني أنا الله لا إله إلا أنا لم ألد ولم أولد إني أنا الله لا إله إلا أنا العفو الغفور. إني أنا الله لا إله إلا أنا مبدىء كل شيء وإلي يعود العزيز الحكيم الرحمن الرحيم مالك يوم الدين خالق الخير والشر خالق الجنة والنار الواحد الأحد الفرد الصمد الذي لم يتخذ صاحبة ولا ولداً الفرد الوتر عالم الغيب والشهادة الملك القدوس السلام المؤمن المهيمن العزيز الجبار المتكبر الخالق البارىء المصور الكبير المتعال المقتدر القهار الحليم الكريم أهل الثناء والمجد وأعلم السر وأخفى القادر الرزاق فوق الخلق والخليقة" وذكر قبل كل كلمة "إني أنا الله لا إله إلا أنا" كما أوردناه في الأول فمن دعا بهذه الأسماء فليقل "إنك أنت الله لا إله إلا أنت كذا وكذا" فمن دعا بهن كتب من الساجدين المخبتين الذي يجاورون محمداً وإبراهيم وموسى وعيسى والنبيين صلوات الله عليه في دار الجلال. وله ثواب العابدين في السموات والأرضين وصلى الله على محمد وعلى كل عبد مصطفى.

[align=center]دعاء ابن المعتمر
وهو سليمان التيمي وتسبيحاته رضي الله عنه
[/align]

روي أن يونس بن عبيد رأى رجلاً في المنام ممن قتل شهيداً ببلاد الروم فقال: ما أفضل ما رأيت ثم من الأعمال؟ قال: رأيت تسبيحات ابن المعتمر من الله عز وجل بمكان وهي هذه "سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم عدد ما خلق وعدد ما هو خالق وزنة ما خلق وزنة ما هو خالق وملء ما خلق وملء ما هو خالق وملء سمواته وملء أرضه ومثل ذلك وأضعاف ذلك وعدد خلقه وزنة عرشه ومنتهى رحمته ومداد كلماته ومبلغ رضاه حتى يرضى وإذا رضي وعدد ما ذكره به خلقه في جميع ما مضى وعدد ما هم ذاكروه فيما بقي في كل سنة وشهر وجمعة ويوم وليلة وساعة من الساعات وشم ونفس من الأنفاس وأبد من الآباد من أبد إلى أبد أبد الدنيا وأبد الآخرة وأكثر من ذلك لا ينقطع أوله ولا ينفد آخره".

[align=center]دعاء إبراهيم بن أدهم رضي الله عنه[/align]

روى إبراهيم بن بشار خادمه: أنه كان يقول هذا الدعاء في كل يوم جمعة إذا أصبح وإذا أمسى "مرحباً بيوم المزيد والصبح الجديد والكاتب والشهيد يومنا هذا يوم عيد اكتب لنا فيه ما نقول بسم الله الحميد المجيد الرفيع الودود الفعال في خلقه ما يريد أصبحت بالله مؤمناً وبلقائه مصدقاً وبحجته معترفاً ومن ذنبي مستغفراً ولربوبية الله خاضعاً ولسوى الله في الآلهة جاحداً وإلى الله فقيراً وعلى الله متكلاً وإلى الله منيباً أشهد الله وأشهد ملائكته وأنبيائه ورسله وحملة عرشه ومن خلقه ومن هو خالقه بأنه هو الله الذي لا إله إلا هو وحده لا شريك له وأن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وسلم تسليماً وأن الجنة حق وأن النار حق والحوض حق والشفاعة حق ومنكراً ونكيراً حق ووعدك حق ووعيدك حق ولقاءك حق والساعة آتية لا ريب فيها وأن الله يبعث من في القبور على ذلك أحيا وعليه أموت وعليه أبعث إن شاء الله. اللهم أنت ربي لا إله إلا أنت خلقتني وأنا عبدك وأنا على عهدك ووعدك ما استطعت أعوذ بك اللهم من شر ما صنعت ومن شر كل ذي شر. اللهم إني ظلمت نفسي فاغفر لي ذنوبي فإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت واهدني لأحسن الأخلاق فإنه لا يهدي لأحسنها إلا أنت واصرف عني سيئها فإنه لا يصرف سيئها إلا أنت لبيك وسعديك والخير كله بيديك أنا لك وإليك أستغفرك وأتوب إليك. آمنت اللهم بما أرسلت من رسول وآمنت اللهم بما أنزلت من كتاب وصلى الله على محمد النبي الأمي وعلى آله وسلم تسليماً كثيراً خاتم كلامي ومفتاحه وعلى أنبيائه ورسله أجمعين آمين يا رب العالمين. اللهم أوردنا حوض محمد واسقنا بكأسه مشرباً روياً سائغاً هنياص لا نظمأ بعده أبداً واحشرنا في زمرته غير خزايا ولا ناكثين للعهد ولا مرتابين ولا مفتونين ولا مغضوب علينا ولا ضالين. اللهم اعصمني من فتن الدنيا ووفقني لما تحب وترضى وأصلح لي شأني كله وثبتني بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة ولا تضلني وإن كنت ظالماً سبحانك، سبحانك يا علي يا عظيم يا بارىء يا رحيم يا عزيز يا جبار سبحان من سبحت له السموات بأكنافها وسبحان من سبحت له البحار بأمواجها وسبحان من سبحت له الجبال بأصدائها وسبحان من سبحت له الحيتان بلغاتها وسبحان من سبحت له النجوم في السماء بأبراجها وسبحان من سبحت له الأشجار بأصولها وثمارها وسبحان من سبحت له السموات السبع والأرضون السبع ومن فيهن ومن عليهن سبحان من سبح له كل شيء من مخلوقاته تباركت وتعاليت سبحانك، سبحانك يا حي يا قيوم يا عليم يا حليم سبحانك لا إله إلا أنت وحدك لا شريك لك تحيي وتميت وأنت حي لا تموت بيدك الخير وأنت على كل شيء قدير.





[saa]يتبع بإذن الله[/saa]

_________________

يا خير من دفنت في التراب أعظمه فطاب من طيبهن القاع الأكم
نفسي الفداء لقبر أنت ساكنه فيه العفاف وفيه الجود والكرم
أنت الشفيع الذي ترجى شفاعته عند الصراط إذا ما زلّت القدم


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة:
مشاركة غير مقروءةمرسل: الأحد أكتوبر 16, 2005 4:21 pm 
غير متصل

اشترك في: السبت فبراير 21, 2004 10:56 pm
مشاركات: 1245
مكان: يا رب مع الحبيب و آله صلى الله عليه و آله وصحبه وسلم
[align=center]الباب الرابع
في أدعية مأثورة عن النبي وعن أصحابه
محذوفة الأسانيد منتخبة من جملة ما جمعة أبو طالب المكي وابن خزيمة وابن منذر رحمهم الله
[/align]


يستحب للمريد إذا أصبح أن يكون أحب أوراده الدعاء - كما سيأتي ذكره في كتاب الأوراد - فإن كنت من المريدين لحرث الآخرة المقتدين برسول الله صلى الله عليه وسلم فيما دعا به فقل في مفتتح دعواتك أعقاب صلواتك سبحان ربي العلي الأعلى الوهاب لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير. وقل: رضيت بالله رباً وبالإسلام ديناً وبمحمد صلى الله عليه وسلم نبياً - ثلاث مرات - وقل اللهم فاطر السموات والأرض عالم الغيب والشهادة رب كل شيء ومليكه أشهد أن لا إله إلا أنت أعوذ بك من شر نفسي وشر الشيطان وشركه وقل: اللهم إني أسألك العفو والعافية في ديني ودنياي وأهلي ومالي اللهم استر عوراتي وآمن روعاتي وأقل عثراتي واحفظني من بين يدي ومن خلفي وعن يميني وعن شمالي ومن فوقي وأعوذ بك أن أغتال من تحتي اللهم لا تؤمني مكرك ولا تولني غيرك ولا تنزع عني سترك ولا تنسني ذكرك ولا تجعلني من الغافلين وقل: اللهم أنت ربي لا إله إلا أنت خلقتني وأنا عبدك وأنا على عهدك ووعدك ما استطعت أعوذ بك من شر ما صنعت أبوء لك بنعمتك علي وأبوء بذنبي فاغفر لي فإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت - ثلاث مرات - وقل: اللهم عافني في بدني وعافني في سمعني وعافني في بصري لا إله إلا أنت - ثلاث مرات - وقل: اللهم إني أسألك الرضا بعد القضاء وبرد العيش بعد الموت ولذة النظر إلى وجهك الكريم وشوقاً إلى لقائك من غير ضراء مضرة ولا فتنة مضلة وأعوذ بك أن أظلم أو أظلم أو أعتدي أو يعتدى علي أو أكسب خطيئة أو ذنباً لا تغفره اللهم إني أسألك الثبات في الأمر والعزيمة في الرشد وأسألك شكر نعمتك وحسن عبادتك وأسألك قلباً خاشعاً سليماً وخلقاً مستقيماً ولساناً صادقاً وعملاً متقبلاً وأسألك من خير ما تعلم وأعوذ بك من شر ما تعلم وأستغفرك لما تعلم فإنك تعلم ولا أعلم وأنت علام الغيوب اللهم اغفر لي ما قدمت وما أخرت وما أسررت وما أعلنت وما أنت أعلم به مني فإنك أنت المقدم وأنت المؤخر وأنت على كل شيء قدير وعلى كل غيب شهيد اللهم إني أسألك إيماناً لا يرتد ونعيماً لا ينفد وقرة عين الأبد ومرافقة نبيك محمد صلى الله عليه وسلم في أعلى جنة الخلد اللهم إني أسألك الطيبات وفعل الخيرات وترك المنكرات وحب المساكين أسألك حبك وحب من أحبك وحب كل عمل يقرب إلي حبك وأن تتوب علي وتغفر لي وترحمني وإذا أردت بقوم فتنة فاقبضني إليك غير مفتون اللهم بعلمك الغيب وقدرتك على الخلق أحيني ما كانت الحياة خيراً لي وتوفني ما كانت الوفاة خيراً لي أسألك خشيتك في الغيب والشهادة وكلمة العدل في الرضا والغضب والقصد في الغنى والفقر ولذة النظر إلى وجهك والشوق إلى لقائك وأعوذ بك من ضراء مضرة وفتنة مضلة. واللهم زينا بزينة الإيمان واجعلنا هداة مهدين اللهم اقسم لنا من خشيتك ما تحول به بيننا وبين معاصيك ومن طاعتك ما تبلغنا به جنتك، ومن اليقين ما تهون به علينا مصائب الدنيا والآخرة اللهم املأ وجوهنا منك حياء وقلوبنا منك فرقاً واسكن في نفوسنا من عظمتك ما تذلل به جوارحنا لخدمتك واجعلك اللهم أحب إلينا ممن سواك واجعلنا أخشى لك ممن سواك اللهم اجعل أول يومنا هذا صلاحاً وأوسطه فلاحاً وآخره نجاحاً اللهم اجعل أوله رحمة وأوسطه نعمة وآخره تكرمة ومغفرة الحمد لله الذي تواضع كل شيء لعظمته وذل كل شيء لعزته وخضع كل شيء لملكه واستسلم كل شيء لقدرته والحمد لله الذي سكن كل شيء لهيبته وأظهر كل شيء بحكمته وتصاغر كل شيء لكبريائه اللهم صل على محمد وعلى آل محمد وأزواج محمد وذريته وبارك على محمد وعلى آله وأزواجه وذريته كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم في العالمين إنك حميد مجيد اللهم صلي على محمد عبدك ونبيك ورسولك النبي الأمي ورسولك الأمين وأعطه المقام المحمود الذي وعدته يوم الدين اللهم اجعلنا من أوليائك المتقين وحزبك المفلحين وعبادك الصالحين واستعملنا لمرضاتك عنا ووفقنا لمحابك منا وصرفنا بحسن اختيارك لنا نسألك جوامع الخير وفواتحه وخواتمه ونعوذ بك من جوامع الشر وفواتحه وخواتمه اللهم بقدرتك علي تب علي إنك أنت التواب الرحيم وبحلمك عني اعف عني إنك أنت الغفار الحليم وبعلمك بي ارفق بي إنك أنت أرحم الراحمين وبملكك لي ملكني نفسي ولا تسلطها علي إنك أنت الملك الجبار سبحانك اللهم وبحمدك لا إله إلا أنت عملت سوءاً وظلمت نفسي فاغفر لي ذنبي إنك أنت ربي ولا يغفر الذنوب إلا أنت اللهم ألهمني رشدي وقني شر نفسي اللهم ارزقني حلالاً لا تعاقبني عليه وقنعني بما رزقتني واستعملني به صالحاً تقبله مني اللهم إني أسألك العفو والعافية وحسن اليقين والمعافاة في الدنيا والآخرة يا من لا تضره الذنوب ولا تنقصه المغفرة هب لي ما لا يضرك وأعطني ما لا ينقصك ربنا أفرغ علينا صبراً وتوفنا مسلمين. أنت وليي في الدنيا والآخرة توفني مسلماً وألحقني بالصالحين. أنت ولينا فاغفر لنا وارحمنا وأنت خير الغافرين. واكتب لنا في هذه الدنيا حسنة وفي الآخرة إنا هدنا إليك. ربنا عليك توكلنا وإليك أنبنا وإليك المصير. ربنا لا تجعلنا فتنة للقوم الظالمين. ربنا لا تجعلنا فتنة للذين كفروا واغفر لنا ربنا إنك أنت العزيز الحكيم. ربنا اغفر لنا ذنوبنا وإسرافنا في أمرنا وثبت أقدامنا وانصرنا على القوم الكافرين. ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان ولا تجعل في قلوبنا غلاً للذين آمنوا ربنا إنك رءوف رحيم. ربنا آتنا من لدنك رحمة وهيىء لنا من أمرنا رشداً. رنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار. ربنا إننا سمعنا منادياً ينادي للإيمان - إلى قوله عز وجل - إنك لا تخلف الميعاد. ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا ربنا - إلى آخر السورة - رب اغفر لي ولوالدي وارحمهما كما ربياني صغيراً. واغفر للمؤمنين والمؤمنات والمسلمين والمسلمات الأحياء منهم والأموات رب اغفر وارحم وتجاوز عما تعلم وأنت تعلم وأنت الأعز الأكرم وأنت خير الراحمين وأنت خير الغافرين وإنا لله وإنا إليه راجعون ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم وحسبنا الله ونعم الوكيل وصلى الله على محمد خاتم النبيين وآله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.

[align=center]أنواع الاستعاذة المأثورة عن النبي
صلى الله عليه وسلم
[/align]

اللهم إني أعوذ بك من البخل وأعوذ بك من الجبن وأعوذ بك من أن أرد إلى أرذل العمر وأعوذ بك من فتنة الدنيا وأعوذ بك من عذاب القبر اللهم إني أعوذ بك من طبع يهدي إلى طمع ومن طمع في غير مطمع ومن طمع حيث لا مطمع اللهم إني أعوذ بك من علم لا ينفع وقلب لا يخشع ودعاء لا يسمع ونفس لا تشبع. وأعوذ بك من الجوع فإنه بئس الضجيع ومن الخيانة فإنها بئست البطانة ومن الكسل والبخل والجبن والهرم ومن أن أرد إلى أرذل العمر ومن فتنة الدجال وعذاب القبر ومن فتنة المحيا والممات. اللهم إنا نسألك قلوباً أواهة مخبتة منيبة في سبيلك. اللهم إني أسألك عزائم مغفرتك وموجبات رحمتك والسلامة من كل إثم والغنيمة من كل بر والفوز بالجنة والنجاة من النار. اللهم إني أعوذ بك من التردي وأعوذ بك من الغم والغرق والهدم وأعوذ بك من أن أموت في سبيلك مدبراً وأعوذ بك من أن أموت في تطلب الدنيا اللهم إني أعوذ بك شر ما علمت ومن شر ما لم أعلم. اللهم جنبني منكرات الأخلاق والأعمال والأدواء والأهواء. اللهم إني أعوذ بك من جهد البلاء ودرك الشقاء وسوء القضاء وشماتة الأعداء اللهم إني أعوذ بك من الكفر والدين والفقر وأعوذ بك من عذاب جهنم وأعوذ بك من جار السوء في دار المقامة فإن جار البادية يتحول. اللهم إني أعوذ بك من القسوة والغفلة والعيلة والذلة والمسكنة وأعوذ بك من الكفر والفقر والفسوق والشقاق والنفاق وسوء الأخلاق وضيق الأرزاق والسمعة والرياء وأعوذ بك من الصم والبكم والعمى والجنون والجذام والبرص وسيء الأسقام اللهم إني أعوذ بك من زوال نعمتك ومن تحول عافيتك ومن فجأة نقمتك ومن جميع سخطك اللهم إني أعوذ بك من عذاب النار وفتنة النار وعذاب القبر وفتنة القبر وشر فتنة الغنى وشر فتنة الفقر وشر فتنة المسيح الدجال وأعوذ بك من المغرم والمأثم اللهم إني أعوذ بك من نفس لا تشبع وقلب لا يخشع وصلاة لا تنفع ودعوة لا تستجاب وأعوذ بك من شر الغم وفتنة الصدر. اللهم إني أعوذ بك من غلبة الدين وغلبة العدو وشماتة الأعداء وصلى الله على محمد وعلى كل عبد مصطفى من كل العالمين آمين.

[align=center]الباب الخامس
في الأدعية الماثورة عند حدوث كل حادث
من الحوادث[/align]


إذا أصبحت وسمعت الأذان فيستحب لك جواب المؤذن وقد ذكرناه وذكرنا أدعية دخول الخلاء والخروج منه وأدعية الوضوء في كتاب الطهارة. فإذا خرجت إلى المسجد فقل "اللهم اجعل في قلبي نوراً وفي لساني نوراً واجعل في سمعي نوراً واجعل في بصري نوراً واجعل خلفي نوراً وأمامي نوراً واجعل من فوقي نوراً اللهم أعطني نوراً، وقل أيضاً: اللهم إني أسألك بحق السائلين عليك وبحق ممشاي هذا إليك فإني لم أخرج أشراً ولا بطراً ولا رياء ولا سمعة خرجت اتقاء سخطك وابتغاء مرضاتك فأسألك أن تنقذني من النار وأن تغفر لي ذنوبي إنه لا يغفر الذنوب إلا أنت" فإن خرجت من المنزل لحاجة فقل "بسم الله رب أعوذ بك أن أظلم أو أظلم أو أجهل أو يجهل علي بسم الله الرحمن الرحيم لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم بسم الله التكلان على الله" فإذا انتهيت إلى المسجد تريد دخوله فقل "اللهم صل على محمد وعلى آل محمد وسلم اللهم اغفر لي جميع ذنوبي وافتح لي أبواب رحمتك" وقدم رجلك اليمنى في الدخول فإذا رأيت في المسجد من يبيع أو يبتاع فقل "لا أربح الله تجارتك" وإذا رأيت من ينشد ضالة في المسجد فقل "لا ردها الله عليك" أمر به رسول الله صلى الله عليه وسلم فإذا صليت ركعتي الصبح فقل "بسم الله اللهم إني أسألك رحمة من عندك تهدي بها قلبي.. الدعاء إلى آخره كما أوردناه عن ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم فإذا ركعت فقل في ركوعك "اللهم لك ركعت ولك خشعت وبك آمنت ولك أسلمت وعليك توكلت أنت ربي خشع سمعي وبصري ومخي وعظمي وعصبي وما استقلت به قدمي لله رب العالمين" وإن أحببت فقل "سبحان ربي العظيم - ثلاث مرات - أو سبوح قدوس رب الملائكة والروح" فإذا رفعت رأسك من الركوع فقل "سمع الله لمن حمده ربنا لك الحمد ملء السموات وملء الأرض وملء ما شئت من شيء بعد أهل الثناء والمجد أحق ما قال العبد وكلنا لك عبد لا مانع لما أعطيت ولا معطي لما منعت ولا ينفع ذا الجد منك الجد وإذا سجدت فقل اللهم لك سجدت وبك آمنت ولك أسلمت سجد وجهي للذي خلقه وصوره وشق سمعه وبصره فتبارك الله أحسن الخالقين اللهم سجد لك سوادي وخيالي وآمن بك فؤادي أبوء بنعمتك علي وأبوء بذنبي وهذا ما جنيت على نفسي فاغفر لي فإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت أو تقول "سبحان ربي الأعلى - ثلاث مرات -" فإذا فرغت من الصلاة فقل "اللهم أنت السلام ومنك السلام تباركت يا ذا الجلال والإكرام وتدعو بسائر الأدعية التي ذكرناها. فإذا قمت من المجلس وأردت دعاء يكفر لغو المجلس فقل "سبحانك اللهم وبحمدك أشهد أن لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك عملت سوءاً وظلمت نفسي فاغفر لي فإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت فإذا دخلت السوق فقل "لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد يحيي ويميت وهو حي لا يموت بيده الخير وهو على كل شيء قدير بسم الله اللهم إني أسألك خير هذه السوق وخير ما فيها اللهم إني أعوذ بك من شرها وشر ما فيها اللهم إني أعوذ بك أن أصيب فيها يميناً فاجرة أو صفقة خاسرة فإن كان عليك دين فقل "اللهم اكفني بحلالك عن حرامك وأغنني بفضلك عمن سواك فإذا لبست ثوباً جديداً فقل اللهم كسوتني هذا الثوب فلك الحمد أسألك من خيره وخير ما صنع له وأعوذ بك من شره وشر ما صنع له" وإذا رأيت شيئاً من الطيرة تكرهه فقل "اللهم لا يأتي بالحسنات إلا أنت ولا يذهب بالسيئات إلا أنت لا حول ولا قوة إلا بالله" وإذا رأيت الهلال فقل "اللهم أهله علينا بالأمن والإيمان والبر والسلامة والإسلام والتوفيق لما تحب وترضى والحفظ عمن تسخط، ربي وربك الله" ويقول "هلال رشد وخير آمنت بخالقك اللهم إني أسألك خير هذا الشهر وخير القدر وأعوذ بك من شر يوم الحشر" وتكبر قبله أولاً ثلاثاً. وإذا هبت الريح فقل "اللهم إني أسألك خير هذه الريح وخير ما فيها وخير ما أرسلت به ونعوذ بك من شرها وشر ما فيها ومن شر ما أرسلت به" وإذا بلغك وفاة أحد فقل "إنا لله وإنا إليه راجعون وإنا إلى ربنا لمنقلبون اللهم اكتبه في المحسنين واجعل كتابه في عليين واخلفه في عقبه في الغابرين اللهم لا تحرمنا أجره ولا تفتنا بعده واغفر لنا وله وتقول عند التصدق "ربنا تقبل منا إنك أنت السميع العليم" وتقول عند الخسران "عسى ربنا أن يبدلنا خيراً منها إنا إلى ربنا راغبون" وتقول عند ابتداء الأمور "ربنا آتنا من لدنك رحمة وهيىء لنا من أمرنا رشداً - رب اشرح لي صدري ويسر لي أمري" وتقول عند النظر إلى السماء "ربنا ما خلقت هذا باطلاً سبحانك فقنا عذاب النار - تبارك الذي جعل في السماء بروجاً وجعل فيها سراجاً وقمراً منيراً" وإذا سمعت صوت الرعد فقل "سبحان من يسبح الرعد بحمده والملائكة من خيفته" فإن رأيت الصواعق فقل "اللهم لا تقتلنا بغضبك ولا تهلكنا بعذابك وعافنا قبل ذلك" قاله كعب. فإذا أمطرت السماء فقل "اللهم سقيا هنيئاً وصيباً نافعاً اللهم اجعله صيب رحمة ولا تجعله صيب عذاب" فإاذ غضبت فقل "اللهم اغفر لي ذنبي وأذهب غيظ قلبي وأجرني من الشيطان الرجيم" فإذا خفت قوماً فقل "اللهم إنا نجعلك في نحورهم ونعوذ بك من شرورهم" فإذا غزوت فقل "اللهم أنت عضدي ونصيري وبك أقاتل" وإذا طنت أذنك فصل على محمد صلى الله عليه وسلم وقل "ذكر الله من ذكرني بخير" فإذا رأيت استجابة دعائك فقل الحمد الذي بعزته وجلاله تتم الصالحات" وإذا أبطأت فقل "الحمد لله على كل حال" وإذا سمعت أذان المغرب فقل "اللهم هذا إقبال ليلك وإدبار نهارك وأصوات دعاتك وحضور صلواتك أسألك أن تغفر لي" وإذا أصابك هم فقل "اللهم إني عبدك وابن عبدك وابن أمتك ناصيتي بيدك ماض في حكمك عدل في قضاؤك أسالك بكل اسم هو لك سميت به نفسك أو أنزلته في كتابك أو علمته أحداً من خلقك أو استأثرت به في علم الغيب عندك أن تجعل القرآن ربيع قلبي ونور صدري وجلاء غمي وذهاب حزني وهمي" قال صلى الله عليه وسلم "ما أصاب أحداً حزن فقال ذلك إلا أذهب الله همه وأبدله مكانه فرحاً فقيل له يا رسول الله أفلا نعلمها؟ فقال صلى الله عليه وسلم بلى ينبغي لمن سمعها أن يتعلمها" وإذا وجدت وجعاً في جسدك أو جسد غيرك فارقة برقية رسول الله صلى الله عليه وسلم "كان إذا اشتكى الإنسان قرحة أو جرحاً وضع سبابته على الأرض ثم رفعها وقال بسم الله تربة أرضنا بريقة بعضنا يشفى سقيمنا بإذن ربنا" وإذا وجدت وجعاً في جسدك فضع يدك على الذي يتألم من جسدك وقل "بسم الله - ثلاثاً - وقل سبع مرات: أعوذ بعزة الله وقدرته من شر ما أجد وأحاذر" فإذا أصابك كرب فقل "لا إله إلا الله العلي الحليم لا إله إلا الله رب العرش العظيم لا إله إلا الله رب السموات السبع ورب العرش الكريم" فإن أردت النوم فتوضأ أولاً ثم توسد على يمينك مستقبل القبلة ثم كبر الله تعالى أربعاً وثلاثين وسبحه ثلاثاً وثلاثين واحمده ثلاثاً وثلاثين" ثم قل "اللهم إني أعوذ برضاك من سخطك وبمعافاتك من عقوبتك وأعوذ بك منك اللهم إني لا أستطيع أن أبلغ ثناء عليك ولو حرصت ولكن أنت كما أثنيت على نفسك اللهم باسمك أحيا وأموت اللهم رب السموات ورب الأرض ورب كل شيء ومليكه فالق الحب والنوى ومنزل التوراة والإنجيل والقرآن أعوذ بك من شر كل ذي شر ومن شر كل دابة أنت آخذ بناصيتها أنت الأول فليس قبلك شيء وأنت الآخر فليس بعدك شيء وأنت الظاهر فليس فوقك شيء وأنت الباطن فليس دونك شيء اقض عني الدين وأغنني من الفقر اللهم إنك خلقت نفسي وأنت تتوفاها لك مماتها ومحياها اللهم إن أمتها فاغفر لها وإن أحييتها فاحفظها اللهم إني أسألك العافية في الدنيا والآخرة باسمك ربي وضعت جنبي فاغفر لي ذنبي اللهم قني عذابك يوم تجمع عبادك اللهم أسلمت نفسي إليك ووجهت وجهي إليك وفوضت أمري إليك والجأت ظهري إليك رغبة ورهبة إليك لا ملجأ ولا منجا منك إلا إليك آمنت بكتابك الذي أنزلت ونبيك الذي أرسلت" ويكون هذا آخر دعائك فقد أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بذلك وليقل قبل ذلك "اللهم أيقظني في أحب الساعات إليك واستعملني بأحب الأعمال إليك تقربني إليك زلفى وتبعدني من سخطك بعداً أسألك فتعطيني وأستغفرك فتغفر لي وأدعوك فتستجيب لي" فإذا استيقظت من نومك عند الصباح فقل "الحمد لله أحياناً بعد ما أماتنا وإليه النشور أصبحنا وأصبح الملك لله والعظمة والسلطان لله والعزة والقدرة لله أصبحنا على فطرة الإسلام وكلمة الإخلاص وعلى دين نبينا محمد صلى الله عليه وسلم وملة أبينا إبراهيم حنيفاً وما كان من المشركين اللهم بك أصبحنا وبك أمسينا وبك نحيا وبك نموت وإليك المصير اللهم إني أسألك أن تبعثنا في هذا اليوم إلى كل خير ونعوذ بك أن نجترح فيه سوءاً أو نجره إلى مسلم فإنك قلت "وهو الذي يتوفاكم بالليل ويعلم وما جرحتم بالنهار ثم يبعثكم فيه ليقضى أجل مسمى" اللهم فالق الإصباح وجاعل الليل سكناً والشمس والقمر حسباناً أسألك خير هذا اليوم وخير ما فيه وأعوذ بك من شره وشر ما فيه بسم الله ما شاء الله لا قوة إلا بالله ما شاء الله كل نعمة من الله ما شاء الله الخير كله بيد الله ما شاء الله لا يصرف السوء إلا الله رضيت بالله رباً وبالإسلام ديناً وبمحمد صلى الله عليه وسلم نبياً - ربنا عليك توكلنا وإليك أنبنا وإليك المصير - وإذا أمسى قال ذلك إلا أنه يقول "أمسينا" ويقول مع ذلك أعوذ بكلمات الله التامات وأسمائه كلها من شر ما ذرأ وبرأ ومن شر كل ذي شر ومن شر كل دابة أنت آخذ بناصيتها إن ربي على صراط مستقيم وإذا نظر في المرآة قال الحمد لله الذي سوى خلقي فعدله وكرم صورة وجهي وحسنها وجعلني من المسلمين وإذا اشتريت خادماً أو غلاماً أو دابة فخذ بناصيته وقل اللهم إني أسألك خيره وخير ما جبل عليه وأعوذ بك من شره وشر ما جبل عليه وإذا هنأت بالنكاح فقل بارك الله فيك وبارك عليك وجمع بينكما في خير وإذا قضيت الدين فقل للمقضي له بارك الله لك في أهلك ومالك إذ قال صلى الله عليه وسلم "وإنما جزاء السلف الحمد والأداء".
فهذه أدعية لا يستغني المريد عن حفظها وما سوى ذلك من أدعية السفر والصلاة والوضوء ذكرناها في كتاب الحج والصلاة والطهارة. فإن قلت: فما فائدة الدعاء والقضاء لا مرد له؟ فاعلم أن من القضاء رد البلاء بالدعاء فالدعاء سبب لرد البلاء واستجلاب الرحمة كما أن الترس يدفع السهم فيتدافعان فكذلك الدعاء والبلاء يتعالجان. وليس من شرط الاعتراف بقضاء الله تعالى أن لا يحمل السلاح وقد قال تعالى "خذوا حذركم" وأن لا يسقي الأرض بعد بث البذر فيقال إن سبق القضاء بالنبات نبت البذر وإن لم يسبق لم ينبت. بل ربط الأسباب بالمسببات هو القضاء الأول الذي هو كلمح البصر أو هو أقرب وترتيب تفصيل المسببات على تفاصيل الأسباب على التدريج والتقدير هو القدر والذي قدر الخير قدره بسبب. والذي قدر الشر قدر لدفعه سبباً فلا تناقض بين هذه الأمور عند من انفتحت بصيرته. ثم في الدعاء من الفائدة ما ذكرناه في الذكر فإنه يستدعي حضور القلب مع الله وهو منتهى العبادات ولذلك قال صلى الله عليه وسلم "الدعاء مخ العبادة" والغالب على الخلق أنه لا تنصرف قلوبهم إلى ذكر الله عز وجل وإلا عند إلمام حاجة وإرهاق ملمة فإن الإنسان إذا مسه الشر فذو دعاء عريض. فالحاجة تحوج إلى الدعاء والدعاء يرد القلب إلى الله عز وجل بالتضرع والاستكانة فيحصل به الذكر الذي هو أشرف العبادات. ولذلك صار البلاء موكلاً بالأنبياء عليهم السلام ثم الأولياء ثم الأمثل فالأمثل لأنه يرد القلب بالافتقار والتضرع إلى الله عز وجل ويمنع من نسيانه وأما الغنى فسبب للبطر في غالب الأمور فإن الإنسان ليطغى أن رآه استغنى. فهذا ما أردنا أن نورده من جملة الأذكار والدعوات والله الموفق للخير. وأما بقية الدعوات في الأكل والسفر وعيادة المريض وغيرها فستأتي في مواضعها إن شاء الله تعالى وعلى الله التكلان. نجز كتاب الأذكار والدعوات، بكماله. يتلوه إن شاء الله تعالى كتاب: الأوراد. والحمد لله رب العالمين وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.

[saa]يتبع بإذن الله[/saa]

_________________

يا خير من دفنت في التراب أعظمه فطاب من طيبهن القاع الأكم
نفسي الفداء لقبر أنت ساكنه فيه العفاف وفيه الجود والكرم
أنت الشفيع الذي ترجى شفاعته عند الصراط إذا ما زلّت القدم


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة:
مشاركة غير مقروءةمرسل: الثلاثاء أكتوبر 18, 2005 4:01 pm 
غير متصل

اشترك في: السبت فبراير 21, 2004 10:56 pm
مشاركات: 1245
مكان: يا رب مع الحبيب و آله صلى الله عليه و آله وصحبه وسلم
[align=center]كتاب ترتيب الأوراد وتفصيل إحياء الليل
وهو الكتاب العاشر من إحياء علوم الدين وبه اختتام ربع العبادات نفع الله به المسلمين
بسم الله الرحمن الرحيم
[/align]


نحمد الله على آلائه حمداً كثيراً ونذكره ذكراً لا يغادر في القلب استكباراً ولا نفوراً ونشكره إذ جعل الليل والنهار خلفة لمن أراد أن يذكر أو أراد شكوراً ونصلي على نبيه الذي بعثه بالحق بشيراً ونذيراً وعلى آله الطاهرين وصحبه الأكرمين الذين اجتهدوا في عبادة الله غدوة وعشياً وبكرة وأصيلاً حتى أصبح كل واحد منهم نجماً في الدين هادياً وسراجاً منيراً.
أما بعد: فإن الله تعالى جعل الأرض ذلولاً لعباده لا ليستقروا في مناكبها بل ليتخذوها منزلاً فيتزودوا منها زاداً يحملهم في سفرهم إلى أوطانهم ويكتنزون منها تحفاً لنفوسهم عملاً وفضلاً محترزين من مصايدها ومعاطبها ويتحققون أن العمر يسير بهم سير السفينة براكبها. فالناس في هذا العالم سفر وأول منازلهم المهد وآخرها اللحد والوطن هو الجنة أو النار. والعمر مسافة السفر؛ فسنوه مراحله، وشهوره فراسخه، وأيامه أمياله وأنفاسه خطواته وطاعته بضاعته وأوقاته رءوس أمواله، وشهواته وأغراضه قطاع طريقه، وربحه الفوز بلقاء الله تعالى في دا السلام مع الملك الكبير والنعيم المقيم، وخسرانه البعد من الله تعالى مع الأنكال والأغلال والعذاب الأليم في دركات الجحيم. فالغافل في نفس من أنفاسه حتى ينقضي في غير طاعة تقربه إلى الله زلفى متعرض في يوم التغابن لغبينة وحسرة ما لها منتهى ولهذا الخطر العظيم والخطب الهائل شمر الموفقون عن ساق الجد ودعوا بالكلية ملاذ النفس واغتنموا بقايا العمر. ورتبوا بحسب تكرر الأوقات وظائف الأوراد حرصاً على إحياء الليل والنهار في طلب القرب من الملك الجبار والسعي إلى دار القرار فصار من مهمات علم طريق الآخرة تفصيل القول في كيفية قسمة الأوراد وتوزيع العبادات التي سبق شرحها على مقادير الأوقات ويتضح هذا المهم بذكر بابين. الباب الأول في فضيلة الأوراد وترتيبها في الليل والنهار. الباب الثاني في كيفية إحياء الليل وفضيلته وما يتعلق به

[align=center][B]الباب الأول
في فضيلة الأوراد وترتيبها وأحكامها
فضيلة الأوراد
وبيان أن المواظبة عليها هي الطريق إلى الله تعالى
[/align]

اعلم أن الناظرين بنور البصيرة علموا أنه لا نجاة إلا في لقاء الله تعالى وأنه لا سبيل إلى اللقاء إلا بأن يموت العبد محباً لله تعالى وعارفاً بالله سبحانه. وأن المحبة والأنس لا تحصل إلا من دوام ذكر المحبوب والمواظبة عليه. وأن المعرفة به لا تحصل إلا بدوام الفكر فيه وفي صفاته وأفعاله. وليس في الوجود سوى الله تعالى وأفعاله. ولن يتيسر دوام الذكر والفكر إلا بوداع الدنيا وشهواتها والاجتزاء منها بقدر البلغة والضرورة وكل ذلك لا يتم إلا باستغراق أوقات الليل والنهار في وظائف الأذكار والأفكار. والنفس لما جبلت عليه من السآمة والملال لا تصبر على فن واحد من الأسباب المعينة على الذكر والفكر بل إذا ردت إلى نمط واحد أظهرت الملال والاستثقال وأن الله تعالى لا يمل حتى تملوا. فمن ضرورة اللطف بها أن تروح بالتنقل من فن إلى فن ومن نوع إلى نوع بحسب كل وقت لتغرز بالانتقال لذتها وتعظم باللذة رغبتها وتدوم بدوام الرغبة مواظبتها. فلذلك تقسم الأوراد قسمة مختلفة فالذكر والفكر ينبغي أن يستغرقا جميع الأوقات أو أكثرها فإن النفس بطبعها مائلة إلى ملاذ الدنيا. فإن صرف العبد شطر أوقاته إلى تدبيرات الدنيا وشهواتها المباحة مثلاً والشطر الآخر إلى العبادات رجح جانب الميل إلى الدنيا لموافقتها الطبع إذ يكون الوقت متساوياً؛ فأنى يتقاومان والطبع لأحدهما مرجح إذ الظاهر والباطن يتساعدان على أمور الدنيا ويصفو في طلبها القلب ويتجرد. وأما الرد إلى العبادات فمتكلف ولا يسلم إخلاص القلب فيه وحضوره إلا في بعض الأوقات فمن أراد أن يدخل الجنة بغير حساب فليستغرق أوقاته في الطاعة. ومن أراد أن تترجح كفة حسناته وتثقل موازين خيراته فليستوعب في الطاعة أكثر أوقاته فإن خلط عملاً صالحاً وآخر سيئاً فأمره محظر ولكن الرجاء غير منقطع والعفو من كرم الله منتظر فعسى الله تعالى أن يغفر له بجوده وكرمه؛ فهذا ما انكشف للناظرين بنور البصيرة؛ فإن لم تكن من أهله فانظر إلى خطاب الله تعالى لرسوله واقتبسه بنور الإيمان فقد قال الله تعالى لأقرب عباده إليه وأرفعهم درجة لديه "إن لك في النهار سبحاً طويلاً واذكر اسم ربك وتبتل إليه تبتيلاً" وقال تعالى "واذكر اسم ربك بكرة وأصيلاً ومن الليل فاسجد له وسبحه ليلاً طويلاً" وقال تعالى "وسبح بحمد ربك قبل طلوع الشمس وقبل الغروب ومن الليل فسبحه وأدبار السجود" وقال سبحانه "وسبح بحمد ربك حين تقوم ومن الليل فسبحه وإدبار النجوم" وقال تعالى "إن ناشئة الليل هي أشد وطأ وأقوم قيلاً" وقال تعالى "ومن آناء الليل فسبح وأطراف النهار لعلك ترضى" وقال عز وجل "وأقم الصلاة طرفي الليل وزلفاً من الليل إن الحسنات يذهبن السيئات" ثم انظر كيف وصف الفائزين من عباده وبماذا وصفهم فقال تعالى "أمن هو قانت آناء الليل ساجداً وقائماً يحذر الآخرة ويرجو رحمة ربه قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون" وقال تعالى "تتجافى جنوبهم عن المضاجع يدعون ربهم خوفاً وطمعاً" وقال عز وجل "والذين يبيتون لربهم سجداً وقياماً" وقال عز وجل "كانوا قليلاً من الليل ما يهجعون وبالأسحار هم يستغفرون" وقال عز وجل "فسبحان الله حين تمسون وحين تصبحون" وقال تعالى "ولا تطرد الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه" فهذا كله يبين لك أن الطريق إلى الله تعالى مراقبة الأوقات وعمارتها بالأوراد على سبيل الدوام. ولذلك قال صلى الله عليه وسلم "أحب عباد الله إلى الله الذين يراعون الشمس والقمر والأظلة لذكر الله تعالى" وقد قال تعالى "الشمس والقمر بحسبان" وقال تعالى "ألم تر إلى ربك كيف مد الظل ولو شاء لجعله ساكناً ثم جعلنا الشمس عليه دليلاً ثم قبضناه إلينا قبضاً يسيراً" وقال تعالى "والقمر قدرناه منازل" وقال تعالى "وهو الذي جعل لكم النجوم لتهتدوا بها في ظلمات البر والبحر" فلا تظنن أن المقصود من سير الشمس والقمر بحسبان منظوم مرتب ومن خلق الظل والنور والنجوم أن يستعان بها على أمور الدنيا بل لتعرف بها مقادير الأوقات فتشتغل فيها بالطاعات والتجارة للدار الآخرة يدلك عليه قوله تعالى "وهو الذي جعل الليل والنهار خلفة لمن أراد أن يذكر أو أراد شكوراً" أي يخلف أحدهما الآخر ليتدارك في أحدهما ما فات في الآخر وبين أن ذلك للذكر والشكر لا غير. وقال تعالى "وجعلنا الليل والنهار آيتين فمحونا آية الليل وجعلنا آية النهار مبصرة لتبتغوا فضلاً من ربكم ولتعلموا عدد السنين والحساب" وإنما الفعل المبتغى هو الثواب والمغفرة ونسأل الله حسن التوفيق لما يرضيه.
بيان أعداد الأوراد وترتيبها اعلم أن أوراد النهار سبعة: فما بين طلوع الصبح إلى طلوع قرص الشمس ورد، وما بين طلوع الشمس إلى الزوال وردان، وما بين الزوال إلى وقت العصر وردان، وما بين العصر إلى المغرب وردان. والليل ينقسم إلى أربعة أوراد: وردان من المغرب إلى وقت نوم الناس، ووردان من النصف الأخير من الليل إلى طلوع الفجر. فلنذكر فضيلة كل ورد ووظيفته وما يتعلق به.
فالورد الأول: ما بين طلوع الصبح إلى طلوع الشمس وهو وقت شريف ويدل على شرفه وفضله إقسام الله تعالى به إذ قال "والصبح إذا تنفس" وقدحه به إذ قال "فالق الإصباح" وقال تعالى "قل أعوذ برب الفلق" وإظهاره القدرة بقبض الظل فيه إذ قال تعالى "ثم قبضناه إلينا قبضاً يسيراً" وهو وقت قبض ظل الليل ببسط نور الشمس وإرشاده الناس إلى التسبيح فيه بقوله تعالى "فسبحان الله حين تمسون وحين تصبحون" وبقوله تعالى "فسبح بحمد ربك قبل طلوع الشمس وقبل غروبها" وقوله عز وجل "ومن آناء الليل فسبح وأطراف النهار لعلك ترضى" وقوله تعالى "واذكر اسم ربك بكرة وأصيلاً".
فأما ترتيبه: فليأخذ من وقت انتباهه من النوم فإذا انتبه فينبغي أن يبتدىء بذكر الله تعالى فيقول الحمد لله الذي أحيانا بعد ما أماتنا وإليه النشور إلى آخر الأدعية والآيات التي ذكرناها في دعاء الاستيقاظ من كتاب الدعوات وليلبس ثوبه وهو في الدعاء وينوي به ستر عورته امتثالاً لأمر الله تعالى واستعانة به على عبادته من غير قصد رياء ولا رعونة ثم يتوجه إلى بيت الماء إن كان به حاجة إلى بيت الماء ويدخل أولاً رجله اليسرى ويدعو بالأدعية التي ذكرناها فيه في كتاب الطهارة عند الدخول والخروج. ثم يستاك على السنة - كما سبق - ويتوضأ مراعياً لجميع السنن والأدعية التي ذكرناها في الطهارة فإنا إنما قدمنا آحاد العبادات لكي نذكر في هذا الكتاب وجه التركيب والترتيب فقط. فإذا فرغ من الوضوء صلى ركعتي الفجر أعني السنة في منزله كذلك كان يفعل رسول الله صلى الله عليه وسلم ويقرأ بعد الركعتين سواء أداهما في البيت أو المسجد الدعاء الذي رواه ابن عباس رضي الله عنهما ويقول "اللهم إني أسألك رحمة من عندك تهدي بها قلبي إلى آخر الدعاء..." ثم يخرج من البيت متوجهاً إلى المسجد ولا ينسى دعاء الخروج إلى المسجد ولا يسعى إلى الصلاة سعياً بل يمشي وعليه السكينة والوقار كما ورد به الخبر ولا يشبك بين أصابعه. ويدخل المسجد ويقدم رجله اليمنى ويدعو بالدعاء المأثور لدخول المسجد ثم يطلب من المسجد الصف الأول إن وجد متسعاً ولا يتخطى رقاب الناس ولا يزاحم - كما سبق ذكره في كتاب الجمعة - ثم يصلي ركعتي الفجر إن لم يكن صلاهما في البيت ويشتغل بالدعاء المذكور بعدهما. وإن كان قد صلى ركعتي الفجر صلى ركعتي التحية وجلس منتظراً للجماعة. والأحب التغليس بالجماعة فقد كان صلى الله عليه وسلم يغلس بالصبح ولا ينبغي أن يدع الجماعة في الصلاة عامة وفي الصبح والعشاء خاصة فلهما زيادة فضل. فقد روى أنس بن مالك رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال في صلاة الصبح "من توضأ ثم توجه إلى المسجد ليصلي فيه الصلاة كان له بكل خطوة حسنة ومحي عنه سيئة والحسنة بعشر أمثالها، فإذا صلى ثم انصراف عند طلوع الشمس كتب له بكل شعرة في جسده حسنة وانقلب بحجة مبرورة فإن جلس حتى يركع الضحى كتب له بكل ركعة ألفا ألف حسنة، ومن صلى العتمة فله مثل ذلك وانقلب بعمرة مبرورة" وكان من عادة السلف دخول المسجد قبل طلوع الفجر. قال رجل من التابعين "دخلت المسجد قبل طلوع الفجر فلقيت أبا هريرة قد سبقني فقال لي: يا ابن أخي لأي شيء خرجت من منزلك في هذه الساعة؟ فقلت: لصلاة الغداة فقال: أبشر فإنا كنا نعد خروجنا وقعودنا في المسجد في هذه الساعة بمنزلة غزوة في سبيل الله تعالى - أو قال - مع رسول الله صلى الله عليه وسلم. وعن علي رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم طرقه وفاطمة رضي الله عنهما وهما نائمان فقال: ألا تصليان قال علي: فقلت يا رسول الله إنما أنفسنا بيد الله تعالى فإذا شاء أن يبعثها بعثها فانصرف صلى الله عليه وسلم فسمعته وهو منصرف يضرب فخذه ويقول: وكان الإنسان أكثر شيء جدلاً. ثم ينبغي أن يشتغل بعد ركعتي الفجر ودعائه بالاستغفار والتسبيح إلى أن تقام الصلاة فيقول: أستغفر الله الذي لا إله إلا هو الحي القيوم وأتوب إليه سبعين مرة وسبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر مائة مرة ثم يصلي الفريضة مراعياً جميع ما ذكرناه من الآداب الباطنة والظاهرة في الصلاة والقدوة. فإذا فرغ منها قعد في المسجد إلى طلوع الشمس في ذكر الله تعالى كما سنرتب فقد قال صلى الله عليه وسلم "لأن أقعد في مجلسي أذكر الله تعالى فيه من صلاة الغداة إلى طلوع المس أحب إلي من أن أعتق أربع رقاب" وروي "أنه صلى الله عليه وسلم كان إذا صلى الغداة قعد في مصلاه حتى تطلع الشمس - وفي بعضها - ويصلي ركعتين" أي بعد الطلوع وقد ورد في فضل ذلك ما لا يحصى. وروى الحسن "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان فيما يذكره من رحمة ربه يقول إنه قال: يا ابن آدم اذكرني بعد صلاة الفجر ساعة وبعد صلاة العصر ساعة أكفك ما بينهما" وإذا ظهر فضل ذلك فليقعد ولا يتكلم إلى طلوع الشمس بل ينبغي أن تكون صلاة العصر ساعة أكفك ما بينهما" وإذا ظهر فضل ذلك فليقعد ولا يتكلم إلى طلوع الشمس بل ينبغي أن تكون وظيفته إلى الطلوع أربعة أنواع أدعية وأذكار ويكررها في سبحة وقراءة قرآن وتفكر. أما الأدعية: فكلما يفرع من صلاته فليبدأ وليقل "اللهم صل عىل محمد وعلى آل محمد وسلم اللهم أنت السلام ومنك السلام وإليك يعود السلام حينا ربنا بالسلام وأدخلنا دار السلام تباركت يا ذا الجلال والإكرام" ثم يفتتح الدعاء بما كان يفتتح به رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو قوله "سبحان ربي العلي الأعلى الوهاب لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد يحيي ويميت وهو على كل شيء قدير لا إله إلا الله أهل النعمة والفضل والثناء الحسن لا إله إلا الله ولا نعبد إلا إياه مخلصين له الدين ولو كره الكافرو" ثم يبدأ بالأدعية التي أوردناها في الباب الثالث والرابع من كتاب الأدعية فيدعو بجميعها إن قدر عليه أو يحفظ من جملتها ما يراه أو وفق بحاله وأرق لقلبه وأخف على لسانه.
وأما الأذكار المكررة فهي كلمات ورد في تكرارها فضائل لم نطول بإيرادها وأقل ما ينبغي أن يكرر كل واحد منها ثلاثاً أو سبعاً وأكثره مائة أو سبعون وأوسطه عشر. فليكررها بقدر فراغه وسعة وقته وفضل الأكثر أكثر. والأوسط الأقصد أن يكررها عشر مرات فهو أجدر بأن يدوم عليه وخير الأمور أدومها وإن قل. وكل وظيفة لا يمكن المواظبةعلى كثيرها فقليلها مع المداومة أفضل وأشد تأثيراً في القلب مع كثيرها مع الفترة. ومثال القليل الدائم كقطرات ماء تتقاطر على الأرض على التوالي فتحدث فيها حفيرة ولو وقع ذلك على الحجر. ومثال الكثير المتفرق ماء يصب دفعة أو دفعات متفرقة متباعدة الأوقات فلا يبين لها أثر ظاهر وهذه الكلمات عشرة الأولى قوله: لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد يحيي ويميت وهو حي لا يموت بيده الخير وهو على كل شيء قدير الثانية قوله: سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم الثالثة قوله: سبوح قدوس رب الملائكة والروح. الرابعة قوله: سبحان الله العظيم وبحمده الخامسة قوله: أستغفر الله العظيم الذي لا إله غلا هو الحي القيوم وأسأله التوبة السادسة قوله: اللهم لا مانع لما أعطيت ولا معطي لما منعت ولا ينفع ذا الجد منك الجد السابعة قوله: لا إله إلا الله الملك الحق المبين الثامنة قوله: بسم الله الذي لا يضر مع اسمه شيء في الأرض ولا في السماء وهو السميع العليم التاسعة اللهم صل على محمد عبدك ونبيك ورسولك النبي الأمي وعلى آله وصحبه وسلم العاشرة قوله: أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم رب أعوذ بك من همزات الشياطين وأعوذ بك رب أن يحضرون فهذه العشر كلمات إذا كرر كل واحدة عشر مرات حصل له مائة مرة "فهو أفضل من أن يكرر ذكراً واحداً مائة مرة" لأن لكل واحدة من هؤلاء الكلمات فضلاً على حياله وللقلب بكل واحد نوع تنبه وتلذذ وللنفس في الانتقال من كلمة إلى كلمة نوع استراحة وأمن من الملل. فأما القراءة فيستحب له قراءة جملة من الآيات وردت الأخبار بفضلها وهو أن يقرأ سورة الحمد وآية الكرسي وخاتمة البقرة من قوله آمن الرسول وشهد الله وقل اللهم مالك الملك الآيتين وقوله تعالى لقد جاءكم رسول من أنفسكم إلى آخرها وقوله تعالى لقد صدق الله رسوله الرؤيا بالحق إلى آخرها وقوله سبحانه الحمد لله لم يتخذ ولداً الآية وخمس آيات من أول الحديد وثلاثاً من آخر سورة الحشر وإن قرأ المسبعات العشر التي أهداها الخضر عليه السلام إلى إبراهيم التيمي رحمه الله ووصاه أن يقولها غدوة وعشية فقد استكمل الفضل وجمع له ذلك فضيلة جملة الأدعية المذكورة. فقد روي عن كرز بن وبرة رحمه الله وكان من الأبدال قال "أتاني أخ لي من أهل الشام فأهدى لي هدية وقال: يا كرز اقبل مني هذه الهدية فإنها نعمت الهدية" فقلت: يا أخي ومن أهدى لك هذه الهدية؟ قال: أعطانيها إبراهيم التيمي، قلت أفلم تسأل إبراهيم من أعطاه إياها؟ قال: كنت جالساً في فناء الكعبة وأنا في التهليل والتسبيح والتحميد والتمجيد فجاءني رجل فسلم علي وجلس عن يميني فلم أر في زماني أحسن منه وجهاً ولا أحسن منه ثياباً ولا أشد بياضاً ولا أطيب ريحاً مه فقلت يا عبد الله من أنت ومن أين جئت؟ فقال: أنا الخضر، فقلت: في أي شيء جئتني؟ فقال: جئتك للسلام عليك وحباً لك في الله وعندي هدية أريد أن أهديها لك فقلت: ما هي؟ قال: أن تقول قبل طلوع الشمس وقبل انبساطها على الأرض وقبل الغروب سورة الحمد وقل أعوذ برب الناس وقل أعوذ برب الفلق وقل هو الله أحد وقل يا أيها الكافرون وآية الكرسي كل واحدة سبع مرات وتقول: سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر سبعاً وتصلي على النبي صلى الله عليه وسلم سبعاً وتستغفر لنفسك ولوالديك وللمؤمنن والمؤمنات سبعاً وتقول: اللهم افعل بي وبهم عاجلاً وآجلاً في الدين والدنيا والآخرة ما أنت له أهل ولا تفعل بنا يا مولانا ما نحن له أهل إنك غفور حليم جواد كريم رءوف رحيم سبع مرات وانظر أن لا تدع ذلك غدوة وعشية فقلت: أحب أن تخبرني من أعطاك هذه العطية العظيمة؟ فقال: أعطانيها محمد صلى الله عليه وسلم فقلت: أخبرني بثواب ذلك؟ فقال: إذا لقيت محمداً صلى الله عليه وسلم فاسأله عن ثوابه فإنه يخبرك بذلك، فذكر إبراهيم التيمي: أنه رأى ذات يوم في منامه كأن الملائكة جاءته فاحتملته حتى أدخلوه الجنة فرأى مافيها ووصف أموراً عظيمة مما رآه في الجنة قال. فسألت الملائكة فقلت: لمن هذا؟ فقالوا: الذي يعمل مثل عملك وذكر أنه أكل من ثمرها وسقوه من شرابها قال: فأتاني النبي صلى الله عليه وسلم ومعه سبعون نبياً وسبعون صفاً من الملائكة كل صف مثل ما بين المشرقو المغرب فسلم علي وأخذ بيدي فقلت: يا رسول الله الخضر أخبرني أنه سمع منك هذا الحديث فقال: صدق الخضر صدق الخضر وكل ما يحكيه فهو حق وهو عالم أهل الأرض وهو رئيس الأبدال وهو من جنود الله تعالى في الأرض فقلت يا رسول الله فمن فعل هذا أو عمله ولم ير مثل الذي رأيت في منامي هل يعطى شيئاً مما أعطيته؟ فقال والذي بعثني بالحق نبياً إنه ليعطى العامل بهذا وإن لم يرني ولم ير الجنة إنه ليغفر له جميع الكبائر التي عملها ويرفع الله تعالى عنه غضبه ومقته ويأمر صاحب الشمال أن لا يكتب عليه خطيئة من السيئات إلى سنة والذي بعثني بالحق نبياً ما يعمل بهذا إلا من خلقه الله سعيداً ولا يتركه إلا من خلقه الله شقياً" وكان إبراهيم التيمي يمكث أربعة أشهر لم يطعم ولم يشرب فلعله كان بعد هذه الرؤيا. فهذه وظيفة القراءة؛ فإن أضاف إليها شيئاً مما انتهى إليه ورده من القرآن أو اقتصر عليه فهو حسن فإن القرآن جامع لفضل الذكر والفكر والدعاء مهما كان بتدبر كما ذكرنا فضله وآدابه في باب التلاوة. وأما الأفكار: فليكن ذلك إحدى وظائفه - وسيأتي تفصيل ما يتفكر فيه وكيفيته في كتاب التفكر من ربع المنجيات - ولكن مجامعة ترجع إلى فنين؛ أحدهما: أن يتفكر فيما ينفعه من المعاملة بأن يحاسب نفسه فيما سبق من تقصيره ويرتب وظائفه في يومه الذي بين يديه ويدبر في دفع الصوارف والعوائق الشاغلة له عن الخير ويتذكر تقصيره وما يتطرق إليه الخلل من أعماله ليصلحه ويحضر في قلبه النيات الصالحة من أعماله في نفسه وفي معاملته للمسلمين. والفن الثاني: فيما ينفعه في علم المكاشفة وذلك بأن يتفكر مرة في نعم الله تعالى وتواتر آلاته الظاهرة والباطنة لتزيد معرفته بها ويكثر شكره عليها أو في عقوباته ونقماته لتزيد معرفته بقدرة الإله واستغنائه ويزيد خوفه منها. ولكل واحد من هذه الأمور شعب كثيرة يتسع التفكر فيها على بعض الخلق دون البعض وإنما نستقضي ذلك في كتاب التفكر. ومهما تيسير الفكر فهو أشرف العبادات إذ فيه معنى الذكر لله تعالى وزيادة أمرين، أحدهما: زيادة المعرفة إذ الفكر مفتاح المعرفة والكشف. والثاني: زيادة المحبة إذ لا يحب القلب إلا من اعتقد تعظيمه ولا تنكشف عظمة الله سبحانه وجلاله إلا بمعرفة صفاته ومعرفة قدرته وعجائب أفعاله. فيحصل من الفكر المعرفة ومن المعرفة التعظيم ومن التعظيم المحبة. والذكر أيضاً يورث الأنس وهو نوع من المحبة ولكن المحبة التي سببها المعرفة أقوى وأثبت وأعظم. ونسبة محبة العارف إلى أنس الذاكر من غير تمام الاستبصار كنسبة عشق من شاهد جمال شخص بالعين واطلع على حسن أخلاقه وأفعاله وفضائله وخصاله الحميدة بالتجربة إلى أنس من كرر على سمعه وصف شخص غائب عن عينه بالحسن في الخلق والخلق مطلقاً من غير تفصيل وجوه الحسن فيهما فليس محبته له كمحبة المشاهد وليس الخبر كالمعاينة. فالعباد المواظبون على ذكر الله بالقلب واللسان الذين يصدقون بما جاءت به الرسل بالإيمان التقليدي ليس معهم من محاسن صفات الله تعالى إلا أمور جميلة اعتقدوها بتصديق عن وصفها لهم. والعارفون هم الذين شاهدوا ذلك الجلال والجمال بعين البصيرة الباطنة التي هي أقوى من البصر الظاهر لأن أحداً لم يحط بكنه جلاله وجماله فإن ذلك غير مقدور لأحد من الخلق ولكن كل واحد شاهد بقدر ما رفع له من الحجاب ولا نهاية لجمال حضرة الربوبية ولا لحجبها. وإنما عدد حجبها التي استحقت أن تسمى نوراً وكاد يظن الواصل إليها أنه قد تم وصوله إلى الأصل سبعون حجاباً. قال صلى الله عليه وسلم "إن لله سبعين حجاباً من نور لو كشفها لأحرقت سبحات وجهه كل ما أدرك بصره" وتلك الحجب أيضاً مترتبة وتلك الأنوار متفاوتة في الرتب تفاوت الشمس والقمر والكواكب ويبدو في الأول أصغرها ثم ما يليه وعليه أول بعض الصوفية درجات ما كان يظهر لإبراهيم الخليل صلى الله عليه وسلم في ترقيه وقال "فلما جن عليه الليل" أي أظلم عليه الأمر "رأى كوكباً" أي وصل إلى حجاب من حجب النور فعبر عنه بالكوكب وما أريد به هذه الأجسام المضيئة فإن آحاد العوام لا يخفى عليهم أن الربوبية لا تليق بالأجسام بل يدركون ذلك بأوائل نظرهم فما لا يضلل العوام لا يضلل الخليل عليه السلام. والحجب المسماة أنواراً ما أريد بها الضوء المحسوس بالبصر بل أريد بها ما أريد بقوله تعالى "الله نور السموات والأرض مثل نوره كمشكاة فيها مصباح" الآية ولنتجاوز هذه المعاني فإنها خارجة عن علم المعاملة ولا يوصل إلى حقائقها إلا الكشف التابع للفكر الصافي وقل م ينفتح له بابه والمتيسر على جماهير الخلائق الفكر فيما يفيد في علم المعاملة وذلك أيضاً مما تغزر فائدته ويعظم نفعه. فهذه الوظائف الأربعة أعني: الدعاء والذكر والقراءة والفكر، ينبغي أن تكون وظيفة المريد بعد صلاة الصبح بل في كل ورد بعد الفراغ من وظيفة الصلاة فليس بعد الصلاة وظيفة سوى هذه الأربع" ويقوى على ذلك بأن يأخذ سلاحه ومجنته والصوم هو الجنة التي تضيق مجاري الشيطان المعادي الصارف له عن سبيل الرشاد. وليس بعد طلوع الصبح صلاة سوى ركعتي الفجر وفرض الصبح إلى طلوع الشمس كان رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه رضي الله عنهم يشتغلون في هذا الوقت بالأذكار وهو الأولى إلى أن يغلبه النوم قبل الفرض ولم يندفع إلا بالصلاة فلو صلى لذلك فلا بأس به.
الورد الثاني: ما بين طلوع الشمس إلى ضحوة النهار وأعني بالضحوة منتصف ما بين طلوع الشمس إلى الزوال وذلك بمضي ثلاث ساعات من النهار إذا فرض النهار اثنتي عشرة ساعة وهو الربع. وفي هذا الربع من النهار وظيفتان زائدتان؛ إحداهما: صلاة الضحى - وقد ذكرناها في كتاب الصلاة - وأن الأولى أن يصلي ركعتين عند الإشراق وذلك إذا انبسطت الشمس وارتفعت قدر نصف رمح ويصلي أربعاً أو ستاً أو ثمانياً إذا رمضت الفصال وضحيت الأقدام بحر الشمس. فوقت الركعتين هو الذي أراد الله تعالى بقوله "يسبحن بالعشي والإشراق" فإنه وقت إشراق الشمس وهو ظهور تمام نورها بارتفاعها عن موازات البخارات والغبارات التي على وجه الأرض فإنها تمنع إشراقها التام، ووقت الركعات الأربع هو الضحى الأعلى الذي أقسم الله تعالى به فقال "والضحى والليل إذا سجى" وخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم على أصحابه وهم يصلون عند الإشراق فنادى بأعلى صوته: ألا إن صلاة الأوابين إذا رمضت الفصال" فلذلك نقول إذا كان يقتصر على مرة واحدة في الصلاة فهذا الوقت أفضل لصلاة الضحى وإن كان أصل الفضل يحصل بالصلاة بين طرفي وقت الكراهة وهو ما بين ارتفاع الشمس بطلوع نصف رمح بالتقريب إلى ما قبل الزوال في ساعة الاستواء. واسم الضحى ينطلق على الكل وكأن ركعتي الإشراق تقع في مبتدأ وقت الإذن في الصلاة وانقضاء الكراهة إذ قال صلى الله عليه وسلم "إن الشمس تطلع ومعها قرن الشيطان فإذا ارتفعت فارقها" فأقل ارتفاعها أن ترتفع عن بخارات الأرض وغبارها وهذا يراعى بالتقريب.



[saa]يتبع بإذن الله[/saa]

_________________

يا خير من دفنت في التراب أعظمه فطاب من طيبهن القاع الأكم
نفسي الفداء لقبر أنت ساكنه فيه العفاف وفيه الجود والكرم
أنت الشفيع الذي ترجى شفاعته عند الصراط إذا ما زلّت القدم


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة:
مشاركة غير مقروءةمرسل: الثلاثاء أكتوبر 18, 2005 4:01 pm 
غير متصل

اشترك في: السبت فبراير 21, 2004 10:56 pm
مشاركات: 1245
مكان: يا رب مع الحبيب و آله صلى الله عليه و آله وصحبه وسلم
[align=center]كتاب ترتيب الأوراد وتفصيل إحياء الليل
وهو الكتاب العاشر من إحياء علوم الدين وبه اختتام ربع العبادات نفع الله به المسلمين
بسم الله الرحمن الرحيم
[/align]


نحمد الله على آلائه حمداً كثيراً ونذكره ذكراً لا يغادر في القلب استكباراً ولا نفوراً ونشكره إذ جعل الليل والنهار خلفة لمن أراد أن يذكر أو أراد شكوراً ونصلي على نبيه الذي بعثه بالحق بشيراً ونذيراً وعلى آله الطاهرين وصحبه الأكرمين الذين اجتهدوا في عبادة الله غدوة وعشياً وبكرة وأصيلاً حتى أصبح كل واحد منهم نجماً في الدين هادياً وسراجاً منيراً.
أما بعد: فإن الله تعالى جعل الأرض ذلولاً لعباده لا ليستقروا في مناكبها بل ليتخذوها منزلاً فيتزودوا منها زاداً يحملهم في سفرهم إلى أوطانهم ويكتنزون منها تحفاً لنفوسهم عملاً وفضلاً محترزين من مصايدها ومعاطبها ويتحققون أن العمر يسير بهم سير السفينة براكبها. فالناس في هذا العالم سفر وأول منازلهم المهد وآخرها اللحد والوطن هو الجنة أو النار. والعمر مسافة السفر؛ فسنوه مراحله، وشهوره فراسخه، وأيامه أمياله وأنفاسه خطواته وطاعته بضاعته وأوقاته رءوس أمواله، وشهواته وأغراضه قطاع طريقه، وربحه الفوز بلقاء الله تعالى في دا السلام مع الملك الكبير والنعيم المقيم، وخسرانه البعد من الله تعالى مع الأنكال والأغلال والعذاب الأليم في دركات الجحيم. فالغافل في نفس من أنفاسه حتى ينقضي في غير طاعة تقربه إلى الله زلفى متعرض في يوم التغابن لغبينة وحسرة ما لها منتهى ولهذا الخطر العظيم والخطب الهائل شمر الموفقون عن ساق الجد ودعوا بالكلية ملاذ النفس واغتنموا بقايا العمر. ورتبوا بحسب تكرر الأوقات وظائف الأوراد حرصاً على إحياء الليل والنهار في طلب القرب من الملك الجبار والسعي إلى دار القرار فصار من مهمات علم طريق الآخرة تفصيل القول في كيفية قسمة الأوراد وتوزيع العبادات التي سبق شرحها على مقادير الأوقات ويتضح هذا المهم بذكر بابين. الباب الأول في فضيلة الأوراد وترتيبها في الليل والنهار. الباب الثاني في كيفية إحياء الليل وفضيلته وما يتعلق به

[align=center][B]الباب الأول
في فضيلة الأوراد وترتيبها وأحكامها
فضيلة الأوراد
وبيان أن المواظبة عليها هي الطريق إلى الله تعالى
[/align]

اعلم أن الناظرين بنور البصيرة علموا أنه لا نجاة إلا في لقاء الله تعالى وأنه لا سبيل إلى اللقاء إلا بأن يموت العبد محباً لله تعالى وعارفاً بالله سبحانه. وأن المحبة والأنس لا تحصل إلا من دوام ذكر المحبوب والمواظبة عليه. وأن المعرفة به لا تحصل إلا بدوام الفكر فيه وفي صفاته وأفعاله. وليس في الوجود سوى الله تعالى وأفعاله. ولن يتيسر دوام الذكر والفكر إلا بوداع الدنيا وشهواتها والاجتزاء منها بقدر البلغة والضرورة وكل ذلك لا يتم إلا باستغراق أوقات الليل والنهار في وظائف الأذكار والأفكار. والنفس لما جبلت عليه من السآمة والملال لا تصبر على فن واحد من الأسباب المعينة على الذكر والفكر بل إذا ردت إلى نمط واحد أظهرت الملال والاستثقال وأن الله تعالى لا يمل حتى تملوا. فمن ضرورة اللطف بها أن تروح بالتنقل من فن إلى فن ومن نوع إلى نوع بحسب كل وقت لتغرز بالانتقال لذتها وتعظم باللذة رغبتها وتدوم بدوام الرغبة مواظبتها. فلذلك تقسم الأوراد قسمة مختلفة فالذكر والفكر ينبغي أن يستغرقا جميع الأوقات أو أكثرها فإن النفس بطبعها مائلة إلى ملاذ الدنيا. فإن صرف العبد شطر أوقاته إلى تدبيرات الدنيا وشهواتها المباحة مثلاً والشطر الآخر إلى العبادات رجح جانب الميل إلى الدنيا لموافقتها الطبع إذ يكون الوقت متساوياً؛ فأنى يتقاومان والطبع لأحدهما مرجح إذ الظاهر والباطن يتساعدان على أمور الدنيا ويصفو في طلبها القلب ويتجرد. وأما الرد إلى العبادات فمتكلف ولا يسلم إخلاص القلب فيه وحضوره إلا في بعض الأوقات فمن أراد أن يدخل الجنة بغير حساب فليستغرق أوقاته في الطاعة. ومن أراد أن تترجح كفة حسناته وتثقل موازين خيراته فليستوعب في الطاعة أكثر أوقاته فإن خلط عملاً صالحاً وآخر سيئاً فأمره محظر ولكن الرجاء غير منقطع والعفو من كرم الله منتظر فعسى الله تعالى أن يغفر له بجوده وكرمه؛ فهذا ما انكشف للناظرين بنور البصيرة؛ فإن لم تكن من أهله فانظر إلى خطاب الله تعالى لرسوله واقتبسه بنور الإيمان فقد قال الله تعالى لأقرب عباده إليه وأرفعهم درجة لديه "إن لك في النهار سبحاً طويلاً واذكر اسم ربك وتبتل إليه تبتيلاً" وقال تعالى "واذكر اسم ربك بكرة وأصيلاً ومن الليل فاسجد له وسبحه ليلاً طويلاً" وقال تعالى "وسبح بحمد ربك قبل طلوع الشمس وقبل الغروب ومن الليل فسبحه وأدبار السجود" وقال سبحانه "وسبح بحمد ربك حين تقوم ومن الليل فسبحه وإدبار النجوم" وقال تعالى "إن ناشئة الليل هي أشد وطأ وأقوم قيلاً" وقال تعالى "ومن آناء الليل فسبح وأطراف النهار لعلك ترضى" وقال عز وجل "وأقم الصلاة طرفي الليل وزلفاً من الليل إن الحسنات يذهبن السيئات" ثم انظر كيف وصف الفائزين من عباده وبماذا وصفهم فقال تعالى "أمن هو قانت آناء الليل ساجداً وقائماً يحذر الآخرة ويرجو رحمة ربه قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون" وقال تعالى "تتجافى جنوبهم عن المضاجع يدعون ربهم خوفاً وطمعاً" وقال عز وجل "والذين يبيتون لربهم سجداً وقياماً" وقال عز وجل "كانوا قليلاً من الليل ما يهجعون وبالأسحار هم يستغفرون" وقال عز وجل "فسبحان الله حين تمسون وحين تصبحون" وقال تعالى "ولا تطرد الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه" فهذا كله يبين لك أن الطريق إلى الله تعالى مراقبة الأوقات وعمارتها بالأوراد على سبيل الدوام. ولذلك قال صلى الله عليه وسلم "أحب عباد الله إلى الله الذين يراعون الشمس والقمر والأظلة لذكر الله تعالى" وقد قال تعالى "الشمس والقمر بحسبان" وقال تعالى "ألم تر إلى ربك كيف مد الظل ولو شاء لجعله ساكناً ثم جعلنا الشمس عليه دليلاً ثم قبضناه إلينا قبضاً يسيراً" وقال تعالى "والقمر قدرناه منازل" وقال تعالى "وهو الذي جعل لكم النجوم لتهتدوا بها في ظلمات البر والبحر" فلا تظنن أن المقصود من سير الشمس والقمر بحسبان منظوم مرتب ومن خلق الظل والنور والنجوم أن يستعان بها على أمور الدنيا بل لتعرف بها مقادير الأوقات فتشتغل فيها بالطاعات والتجارة للدار الآخرة يدلك عليه قوله تعالى "وهو الذي جعل الليل والنهار خلفة لمن أراد أن يذكر أو أراد شكوراً" أي يخلف أحدهما الآخر ليتدارك في أحدهما ما فات في الآخر وبين أن ذلك للذكر والشكر لا غير. وقال تعالى "وجعلنا الليل والنهار آيتين فمحونا آية الليل وجعلنا آية النهار مبصرة لتبتغوا فضلاً من ربكم ولتعلموا عدد السنين والحساب" وإنما الفعل المبتغى هو الثواب والمغفرة ونسأل الله حسن التوفيق لما يرضيه.
بيان أعداد الأوراد وترتيبها اعلم أن أوراد النهار سبعة: فما بين طلوع الصبح إلى طلوع قرص الشمس ورد، وما بين طلوع الشمس إلى الزوال وردان، وما بين الزوال إلى وقت العصر وردان، وما بين العصر إلى المغرب وردان. والليل ينقسم إلى أربعة أوراد: وردان من المغرب إلى وقت نوم الناس، ووردان من النصف الأخير من الليل إلى طلوع الفجر. فلنذكر فضيلة كل ورد ووظيفته وما يتعلق به.
فالورد الأول: ما بين طلوع الصبح إلى طلوع الشمس وهو وقت شريف ويدل على شرفه وفضله إقسام الله تعالى به إذ قال "والصبح إذا تنفس" وقدحه به إذ قال "فالق الإصباح" وقال تعالى "قل أعوذ برب الفلق" وإظهاره القدرة بقبض الظل فيه إذ قال تعالى "ثم قبضناه إلينا قبضاً يسيراً" وهو وقت قبض ظل الليل ببسط نور الشمس وإرشاده الناس إلى التسبيح فيه بقوله تعالى "فسبحان الله حين تمسون وحين تصبحون" وبقوله تعالى "فسبح بحمد ربك قبل طلوع الشمس وقبل غروبها" وقوله عز وجل "ومن آناء الليل فسبح وأطراف النهار لعلك ترضى" وقوله تعالى "واذكر اسم ربك بكرة وأصيلاً".
فأما ترتيبه: فليأخذ من وقت انتباهه من النوم فإذا انتبه فينبغي أن يبتدىء بذكر الله تعالى فيقول الحمد لله الذي أحيانا بعد ما أماتنا وإليه النشور إلى آخر الأدعية والآيات التي ذكرناها في دعاء الاستيقاظ من كتاب الدعوات وليلبس ثوبه وهو في الدعاء وينوي به ستر عورته امتثالاً لأمر الله تعالى واستعانة به على عبادته من غير قصد رياء ولا رعونة ثم يتوجه إلى بيت الماء إن كان به حاجة إلى بيت الماء ويدخل أولاً رجله اليسرى ويدعو بالأدعية التي ذكرناها فيه في كتاب الطهارة عند الدخول والخروج. ثم يستاك على السنة - كما سبق - ويتوضأ مراعياً لجميع السنن والأدعية التي ذكرناها في الطهارة فإنا إنما قدمنا آحاد العبادات لكي نذكر في هذا الكتاب وجه التركيب والترتيب فقط. فإذا فرغ من الوضوء صلى ركعتي الفجر أعني السنة في منزله كذلك كان يفعل رسول الله صلى الله عليه وسلم ويقرأ بعد الركعتين سواء أداهما في البيت أو المسجد الدعاء الذي رواه ابن عباس رضي الله عنهما ويقول "اللهم إني أسألك رحمة من عندك تهدي بها قلبي إلى آخر الدعاء..." ثم يخرج من البيت متوجهاً إلى المسجد ولا ينسى دعاء الخروج إلى المسجد ولا يسعى إلى الصلاة سعياً بل يمشي وعليه السكينة والوقار كما ورد به الخبر ولا يشبك بين أصابعه. ويدخل المسجد ويقدم رجله اليمنى ويدعو بالدعاء المأثور لدخول المسجد ثم يطلب من المسجد الصف الأول إن وجد متسعاً ولا يتخطى رقاب الناس ولا يزاحم - كما سبق ذكره في كتاب الجمعة - ثم يصلي ركعتي الفجر إن لم يكن صلاهما في البيت ويشتغل بالدعاء المذكور بعدهما. وإن كان قد صلى ركعتي الفجر صلى ركعتي التحية وجلس منتظراً للجماعة. والأحب التغليس بالجماعة فقد كان صلى الله عليه وسلم يغلس بالصبح ولا ينبغي أن يدع الجماعة في الصلاة عامة وفي الصبح والعشاء خاصة فلهما زيادة فضل. فقد روى أنس بن مالك رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال في صلاة الصبح "من توضأ ثم توجه إلى المسجد ليصلي فيه الصلاة كان له بكل خطوة حسنة ومحي عنه سيئة والحسنة بعشر أمثالها، فإذا صلى ثم انصراف عند طلوع الشمس كتب له بكل شعرة في جسده حسنة وانقلب بحجة مبرورة فإن جلس حتى يركع الضحى كتب له بكل ركعة ألفا ألف حسنة، ومن صلى العتمة فله مثل ذلك وانقلب بعمرة مبرورة" وكان من عادة السلف دخول المسجد قبل طلوع الفجر. قال رجل من التابعين "دخلت المسجد قبل طلوع الفجر فلقيت أبا هريرة قد سبقني فقال لي: يا ابن أخي لأي شيء خرجت من منزلك في هذه الساعة؟ فقلت: لصلاة الغداة فقال: أبشر فإنا كنا نعد خروجنا وقعودنا في المسجد في هذه الساعة بمنزلة غزوة في سبيل الله تعالى - أو قال - مع رسول الله صلى الله عليه وسلم. وعن علي رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم طرقه وفاطمة رضي الله عنهما وهما نائمان فقال: ألا تصليان قال علي: فقلت يا رسول الله إنما أنفسنا بيد الله تعالى فإذا شاء أن يبعثها بعثها فانصرف صلى الله عليه وسلم فسمعته وهو منصرف يضرب فخذه ويقول: وكان الإنسان أكثر شيء جدلاً. ثم ينبغي أن يشتغل بعد ركعتي الفجر ودعائه بالاستغفار والتسبيح إلى أن تقام الصلاة فيقول: أستغفر الله الذي لا إله إلا هو الحي القيوم وأتوب إليه سبعين مرة وسبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر مائة مرة ثم يصلي الفريضة مراعياً جميع ما ذكرناه من الآداب الباطنة والظاهرة في الصلاة والقدوة. فإذا فرغ منها قعد في المسجد إلى طلوع الشمس في ذكر الله تعالى كما سنرتب فقد قال صلى الله عليه وسلم "لأن أقعد في مجلسي أذكر الله تعالى فيه من صلاة الغداة إلى طلوع المس أحب إلي من أن أعتق أربع رقاب" وروي "أنه صلى الله عليه وسلم كان إذا صلى الغداة قعد في مصلاه حتى تطلع الشمس - وفي بعضها - ويصلي ركعتين" أي بعد الطلوع وقد ورد في فضل ذلك ما لا يحصى. وروى الحسن "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان فيما يذكره من رحمة ربه يقول إنه قال: يا ابن آدم اذكرني بعد صلاة الفجر ساعة وبعد صلاة العصر ساعة أكفك ما بينهما" وإذا ظهر فضل ذلك فليقعد ولا يتكلم إلى طلوع الشمس بل ينبغي أن تكون صلاة العصر ساعة أكفك ما بينهما" وإذا ظهر فضل ذلك فليقعد ولا يتكلم إلى طلوع الشمس بل ينبغي أن تكون وظيفته إلى الطلوع أربعة أنواع أدعية وأذكار ويكررها في سبحة وقراءة قرآن وتفكر. أما الأدعية: فكلما يفرع من صلاته فليبدأ وليقل "اللهم صل عىل محمد وعلى آل محمد وسلم اللهم أنت السلام ومنك السلام وإليك يعود السلام حينا ربنا بالسلام وأدخلنا دار السلام تباركت يا ذا الجلال والإكرام" ثم يفتتح الدعاء بما كان يفتتح به رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو قوله "سبحان ربي العلي الأعلى الوهاب لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد يحيي ويميت وهو على كل شيء قدير لا إله إلا الله أهل النعمة والفضل والثناء الحسن لا إله إلا الله ولا نعبد إلا إياه مخلصين له الدين ولو كره الكافرو" ثم يبدأ بالأدعية التي أوردناها في الباب الثالث والرابع من كتاب الأدعية فيدعو بجميعها إن قدر عليه أو يحفظ من جملتها ما يراه أو وفق بحاله وأرق لقلبه وأخف على لسانه.
وأما الأذكار المكررة فهي كلمات ورد في تكرارها فضائل لم نطول بإيرادها وأقل ما ينبغي أن يكرر كل واحد منها ثلاثاً أو سبعاً وأكثره مائة أو سبعون وأوسطه عشر. فليكررها بقدر فراغه وسعة وقته وفضل الأكثر أكثر. والأوسط الأقصد أن يكررها عشر مرات فهو أجدر بأن يدوم عليه وخير الأمور أدومها وإن قل. وكل وظيفة لا يمكن المواظبةعلى كثيرها فقليلها مع المداومة أفضل وأشد تأثيراً في القلب مع كثيرها مع الفترة. ومثال القليل الدائم كقطرات ماء تتقاطر على الأرض على التوالي فتحدث فيها حفيرة ولو وقع ذلك على الحجر. ومثال الكثير المتفرق ماء يصب دفعة أو دفعات متفرقة متباعدة الأوقات فلا يبين لها أثر ظاهر وهذه الكلمات عشرة الأولى قوله: لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد يحيي ويميت وهو حي لا يموت بيده الخير وهو على كل شيء قدير الثانية قوله: سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم الثالثة قوله: سبوح قدوس رب الملائكة والروح. الرابعة قوله: سبحان الله العظيم وبحمده الخامسة قوله: أستغفر الله العظيم الذي لا إله غلا هو الحي القيوم وأسأله التوبة السادسة قوله: اللهم لا مانع لما أعطيت ولا معطي لما منعت ولا ينفع ذا الجد منك الجد السابعة قوله: لا إله إلا الله الملك الحق المبين الثامنة قوله: بسم الله الذي لا يضر مع اسمه شيء في الأرض ولا في السماء وهو السميع العليم التاسعة اللهم صل على محمد عبدك ونبيك ورسولك النبي الأمي وعلى آله وصحبه وسلم العاشرة قوله: أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم رب أعوذ بك من همزات الشياطين وأعوذ بك رب أن يحضرون فهذه العشر كلمات إذا كرر كل واحدة عشر مرات حصل له مائة مرة "فهو أفضل من أن يكرر ذكراً واحداً مائة مرة" لأن لكل واحدة من هؤلاء الكلمات فضلاً على حياله وللقلب بكل واحد نوع تنبه وتلذذ وللنفس في الانتقال من كلمة إلى كلمة نوع استراحة وأمن من الملل. فأما القراءة فيستحب له قراءة جملة من الآيات وردت الأخبار بفضلها وهو أن يقرأ سورة الحمد وآية الكرسي وخاتمة البقرة من قوله آمن الرسول وشهد الله وقل اللهم مالك الملك الآيتين وقوله تعالى لقد جاءكم رسول من أنفسكم إلى آخرها وقوله تعالى لقد صدق الله رسوله الرؤيا بالحق إلى آخرها وقوله سبحانه الحمد لله لم يتخذ ولداً الآية وخمس آيات من أول الحديد وثلاثاً من آخر سورة الحشر وإن قرأ المسبعات العشر التي أهداها الخضر عليه السلام إلى إبراهيم التيمي رحمه الله ووصاه أن يقولها غدوة وعشية فقد استكمل الفضل وجمع له ذلك فضيلة جملة الأدعية المذكورة. فقد روي عن كرز بن وبرة رحمه الله وكان من الأبدال قال "أتاني أخ لي من أهل الشام فأهدى لي هدية وقال: يا كرز اقبل مني هذه الهدية فإنها نعمت الهدية" فقلت: يا أخي ومن أهدى لك هذه الهدية؟ قال: أعطانيها إبراهيم التيمي، قلت أفلم تسأل إبراهيم من أعطاه إياها؟ قال: كنت جالساً في فناء الكعبة وأنا في التهليل والتسبيح والتحميد والتمجيد فجاءني رجل فسلم علي وجلس عن يميني فلم أر في زماني أحسن منه وجهاً ولا أحسن منه ثياباً ولا أشد بياضاً ولا أطيب ريحاً مه فقلت يا عبد الله من أنت ومن أين جئت؟ فقال: أنا الخضر، فقلت: في أي شيء جئتني؟ فقال: جئتك للسلام عليك وحباً لك في الله وعندي هدية أريد أن أهديها لك فقلت: ما هي؟ قال: أن تقول قبل طلوع الشمس وقبل انبساطها على الأرض وقبل الغروب سورة الحمد وقل أعوذ برب الناس وقل أعوذ برب الفلق وقل هو الله أحد وقل يا أيها الكافرون وآية الكرسي كل واحدة سبع مرات وتقول: سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر سبعاً وتصلي على النبي صلى الله عليه وسلم سبعاً وتستغفر لنفسك ولوالديك وللمؤمنن والمؤمنات سبعاً وتقول: اللهم افعل بي وبهم عاجلاً وآجلاً في الدين والدنيا والآخرة ما أنت له أهل ولا تفعل بنا يا مولانا ما نحن له أهل إنك غفور حليم جواد كريم رءوف رحيم سبع مرات وانظر أن لا تدع ذلك غدوة وعشية فقلت: أحب أن تخبرني من أعطاك هذه العطية العظيمة؟ فقال: أعطانيها محمد صلى الله عليه وسلم فقلت: أخبرني بثواب ذلك؟ فقال: إذا لقيت محمداً صلى الله عليه وسلم فاسأله عن ثوابه فإنه يخبرك بذلك، فذكر إبراهيم التيمي: أنه رأى ذات يوم في منامه كأن الملائكة جاءته فاحتملته حتى أدخلوه الجنة فرأى مافيها ووصف أموراً عظيمة مما رآه في الجنة قال. فسألت الملائكة فقلت: لمن هذا؟ فقالوا: الذي يعمل مثل عملك وذكر أنه أكل من ثمرها وسقوه من شرابها قال: فأتاني النبي صلى الله عليه وسلم ومعه سبعون نبياً وسبعون صفاً من الملائكة كل صف مثل ما بين المشرقو المغرب فسلم علي وأخذ بيدي فقلت: يا رسول الله الخضر أخبرني أنه سمع منك هذا الحديث فقال: صدق الخضر صدق الخضر وكل ما يحكيه فهو حق وهو عالم أهل الأرض وهو رئيس الأبدال وهو من جنود الله تعالى في الأرض فقلت يا رسول الله فمن فعل هذا أو عمله ولم ير مثل الذي رأيت في منامي هل يعطى شيئاً مما أعطيته؟ فقال والذي بعثني بالحق نبياً إنه ليعطى العامل بهذا وإن لم يرني ولم ير الجنة إنه ليغفر له جميع الكبائر التي عملها ويرفع الله تعالى عنه غضبه ومقته ويأمر صاحب الشمال أن لا يكتب عليه خطيئة من السيئات إلى سنة والذي بعثني بالحق نبياً ما يعمل بهذا إلا من خلقه الله سعيداً ولا يتركه إلا من خلقه الله شقياً" وكان إبراهيم التيمي يمكث أربعة أشهر لم يطعم ولم يشرب فلعله كان بعد هذه الرؤيا. فهذه وظيفة القراءة؛ فإن أضاف إليها شيئاً مما انتهى إليه ورده من القرآن أو اقتصر عليه فهو حسن فإن القرآن جامع لفضل الذكر والفكر والدعاء مهما كان بتدبر كما ذكرنا فضله وآدابه في باب التلاوة. وأما الأفكار: فليكن ذلك إحدى وظائفه - وسيأتي تفصيل ما يتفكر فيه وكيفيته في كتاب التفكر من ربع المنجيات - ولكن مجامعة ترجع إلى فنين؛ أحدهما: أن يتفكر فيما ينفعه من المعاملة بأن يحاسب نفسه فيما سبق من تقصيره ويرتب وظائفه في يومه الذي بين يديه ويدبر في دفع الصوارف والعوائق الشاغلة له عن الخير ويتذكر تقصيره وما يتطرق إليه الخلل من أعماله ليصلحه ويحضر في قلبه النيات الصالحة من أعماله في نفسه وفي معاملته للمسلمين. والفن الثاني: فيما ينفعه في علم المكاشفة وذلك بأن يتفكر مرة في نعم الله تعالى وتواتر آلاته الظاهرة والباطنة لتزيد معرفته بها ويكثر شكره عليها أو في عقوباته ونقماته لتزيد معرفته بقدرة الإله واستغنائه ويزيد خوفه منها. ولكل واحد من هذه الأمور شعب كثيرة يتسع التفكر فيها على بعض الخلق دون البعض وإنما نستقضي ذلك في كتاب التفكر. ومهما تيسير الفكر فهو أشرف العبادات إذ فيه معنى الذكر لله تعالى وزيادة أمرين، أحدهما: زيادة المعرفة إذ الفكر مفتاح المعرفة والكشف. والثاني: زيادة المحبة إذ لا يحب القلب إلا من اعتقد تعظيمه ولا تنكشف عظمة الله سبحانه وجلاله إلا بمعرفة صفاته ومعرفة قدرته وعجائب أفعاله. فيحصل من الفكر المعرفة ومن المعرفة التعظيم ومن التعظيم المحبة. والذكر أيضاً يورث الأنس وهو نوع من المحبة ولكن المحبة التي سببها المعرفة أقوى وأثبت وأعظم. ونسبة محبة العارف إلى أنس الذاكر من غير تمام الاستبصار كنسبة عشق من شاهد جمال شخص بالعين واطلع على حسن أخلاقه وأفعاله وفضائله وخصاله الحميدة بالتجربة إلى أنس من كرر على سمعه وصف شخص غائب عن عينه بالحسن في الخلق والخلق مطلقاً من غير تفصيل وجوه الحسن فيهما فليس محبته له كمحبة المشاهد وليس الخبر كالمعاينة. فالعباد المواظبون على ذكر الله بالقلب واللسان الذين يصدقون بما جاءت به الرسل بالإيمان التقليدي ليس معهم من محاسن صفات الله تعالى إلا أمور جميلة اعتقدوها بتصديق عن وصفها لهم. والعارفون هم الذين شاهدوا ذلك الجلال والجمال بعين البصيرة الباطنة التي هي أقوى من البصر الظاهر لأن أحداً لم يحط بكنه جلاله وجماله فإن ذلك غير مقدور لأحد من الخلق ولكن كل واحد شاهد بقدر ما رفع له من الحجاب ولا نهاية لجمال حضرة الربوبية ولا لحجبها. وإنما عدد حجبها التي استحقت أن تسمى نوراً وكاد يظن الواصل إليها أنه قد تم وصوله إلى الأصل سبعون حجاباً. قال صلى الله عليه وسلم "إن لله سبعين حجاباً من نور لو كشفها لأحرقت سبحات وجهه كل ما أدرك بصره" وتلك الحجب أيضاً مترتبة وتلك الأنوار متفاوتة في الرتب تفاوت الشمس والقمر والكواكب ويبدو في الأول أصغرها ثم ما يليه وعليه أول بعض الصوفية درجات ما كان يظهر لإبراهيم الخليل صلى الله عليه وسلم في ترقيه وقال "فلما جن عليه الليل" أي أظلم عليه الأمر "رأى كوكباً" أي وصل إلى حجاب من حجب النور فعبر عنه بالكوكب وما أريد به هذه الأجسام المضيئة فإن آحاد العوام لا يخفى عليهم أن الربوبية لا تليق بالأجسام بل يدركون ذلك بأوائل نظرهم فما لا يضلل العوام لا يضلل الخليل عليه السلام. والحجب المسماة أنواراً ما أريد بها الضوء المحسوس بالبصر بل أريد بها ما أريد بقوله تعالى "الله نور السموات والأرض مثل نوره كمشكاة فيها مصباح" الآية ولنتجاوز هذه المعاني فإنها خارجة عن علم المعاملة ولا يوصل إلى حقائقها إلا الكشف التابع للفكر الصافي وقل م ينفتح له بابه والمتيسر على جماهير الخلائق الفكر فيما يفيد في علم المعاملة وذلك أيضاً مما تغزر فائدته ويعظم نفعه. فهذه الوظائف الأربعة أعني: الدعاء والذكر والقراءة والفكر، ينبغي أن تكون وظيفة المريد بعد صلاة الصبح بل في كل ورد بعد الفراغ من وظيفة الصلاة فليس بعد الصلاة وظيفة سوى هذه الأربع" ويقوى على ذلك بأن يأخذ سلاحه ومجنته والصوم هو الجنة التي تضيق مجاري الشيطان المعادي الصارف له عن سبيل الرشاد. وليس بعد طلوع الصبح صلاة سوى ركعتي الفجر وفرض الصبح إلى طلوع الشمس كان رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه رضي الله عنهم يشتغلون في هذا الوقت بالأذكار وهو الأولى إلى أن يغلبه النوم قبل الفرض ولم يندفع إلا بالصلاة فلو صلى لذلك فلا بأس به.
الورد الثاني: ما بين طلوع الشمس إلى ضحوة النهار وأعني بالضحوة منتصف ما بين طلوع الشمس إلى الزوال وذلك بمضي ثلاث ساعات من النهار إذا فرض النهار اثنتي عشرة ساعة وهو الربع. وفي هذا الربع من النهار وظيفتان زائدتان؛ إحداهما: صلاة الضحى - وقد ذكرناها في كتاب الصلاة - وأن الأولى أن يصلي ركعتين عند الإشراق وذلك إذا انبسطت الشمس وارتفعت قدر نصف رمح ويصلي أربعاً أو ستاً أو ثمانياً إذا رمضت الفصال وضحيت الأقدام بحر الشمس. فوقت الركعتين هو الذي أراد الله تعالى بقوله "يسبحن بالعشي والإشراق" فإنه وقت إشراق الشمس وهو ظهور تمام نورها بارتفاعها عن موازات البخارات والغبارات التي على وجه الأرض فإنها تمنع إشراقها التام، ووقت الركعات الأربع هو الضحى الأعلى الذي أقسم الله تعالى به فقال "والضحى والليل إذا سجى" وخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم على أصحابه وهم يصلون عند الإشراق فنادى بأعلى صوته: ألا إن صلاة الأوابين إذا رمضت الفصال" فلذلك نقول إذا كان يقتصر على مرة واحدة في الصلاة فهذا الوقت أفضل لصلاة الضحى وإن كان أصل الفضل يحصل بالصلاة بين طرفي وقت الكراهة وهو ما بين ارتفاع الشمس بطلوع نصف رمح بالتقريب إلى ما قبل الزوال في ساعة الاستواء. واسم الضحى ينطلق على الكل وكأن ركعتي الإشراق تقع في مبتدأ وقت الإذن في الصلاة وانقضاء الكراهة إذ قال صلى الله عليه وسلم "إن الشمس تطلع ومعها قرن الشيطان فإذا ارتفعت فارقها" فأقل ارتفاعها أن ترتفع عن بخارات الأرض وغبارها وهذا يراعى بالتقريب.



[saa]يتبع بإذن الله[/saa]

_________________

يا خير من دفنت في التراب أعظمه فطاب من طيبهن القاع الأكم
نفسي الفداء لقبر أنت ساكنه فيه العفاف وفيه الجود والكرم
أنت الشفيع الذي ترجى شفاعته عند الصراط إذا ما زلّت القدم


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة:
مشاركة غير مقروءةمرسل: الأربعاء أكتوبر 19, 2005 2:42 pm 
غير متصل

اشترك في: السبت فبراير 21, 2004 10:56 pm
مشاركات: 1245
مكان: يا رب مع الحبيب و آله صلى الله عليه و آله وصحبه وسلم
[align=center]تابع الباب الأول
في فضيلة الأوراد وترتيبها وأحكامها
فضيلة الأوراد
وبيان أن المواظبة عليها هي الطريق إلى الله تعالى
[/align]

الوظيفة الثانية في هذا الوقت: الخيرات المتعلقة بالناس التي جرت بها العادات بكرة من عيادة مريض وتشييع جنازة ومعاونة على بر وتقوى وحضور مجلس علم وما يجري مجراه من قضاء حاجة لمسلم وغيرها. فإن لم يكن شيء من ذلك عاد إلى الوظائف الأربع - التي قدمناها من الأدعية والذكر والقراءة والفكر والصلوات - المتطوع بها إن شاء فإنها مكروهة بعد صلاة الصبح وليست مكروهة الآن. فتصير الصلاة قسماً خامساً من جملة وظائف هذا الوقت لمن أراده أما بعد فريضة الصبح فتكره كل صلاة لا سبب لها. وبعد الصبح الأحب أن يقتصر على ركعتي الفجر وتحية المسجد ولا يشتغل بالصلاة بل بالأذكار والقراءة والدعاء والفكر.
الورد الثالث: من ضحوة النهار إلى الزوال ونعني بالضحوة المنتصف وما قبله بقليل، وإن كان بعد كل ثلاث ساعات أمر بصلاة فإذا انقضى ثلاث ساعات بعد الطلوع فعندها وقبل مضيها صلاة الضحى. فإذا مضت ثلاث ساعات أخرى فالظهر. فإذا مضت ثلاث ساعات أخرى فالعصر. فإذا مضت ثلاث أخرى فالمغرب. ومنزلة الضحى بين الزوال والطلوع كمنزلة العصر بين الزوال والغروب، إلا أن الضحى لم تفرض لأنه وقت انكباب الناس على أشغالهم فخفف عنهم. الوظيفة الرابعة: في هذا الوقت الأقسام الأربعة، وزيد أمران: أحدهما؟ الاشتغال بالكسب وتدبير المعيشة وحضور السوق. فإن كان تاجراً فينبغي أن يتجر بصدقو أمانة وإن كان صاحب صناعة فبنصح وشفقة ولا ينسى ذكر الله تعالى في جميع أشغاله ويقتصر من الكسب على قدر حاجته ليومه مهما قدر على أن يكتسب في كل يوم لقوته. فإذا حصل كفاية يومه فليرجع إلى بيت ربه وليتزود لآخرته فإن الحاجة إلى زاد الآخرة أشد والتمتع به أدوم فاشتغاله بكسبه أهم من طلب الزيادة على حاجة الوقت. فقد قيل: لا يوجد المؤمن إلا في ثلاث مواطن مسجد يعمره أو بيت يستره أو حاجة لابد له منها. وقل من يعرف القدر فيما لابد منه بل أكثر الناس يقدرون فيما عنه بد أنه لابد لهم منه وذلك لأن الشيطان يعدهم الفقر ويأمرهم بالفحشاء فيصغون إليه ويجمعون ما لا يأكلون خيفة الفقر والله يعدهم مغفرة منه وفضلاً فيعرضون عنه ولا يرغبون فيه. الأمر الثاني: القيلولة وهي سنة يستعان بها على قيام الليل كما أن التسحر سنة يستعان به على صيام النهار. فإن كان لا يقوم بالليل لكن لو لم ينم لم يشتغل بخير وربما خالط أهل الغفلة وتحدث معهم فالنوم أحب له إذا ان لا ينبعث نشاطه للرجوع إلى الأذكار والوظائف المذكورة إذ في النوم الصمت والسلامة، وقد قال بعضهم: يأتي على الناس زمان الصمت والنوم فيه أفضل أعمالهم. وكم من عابد أحسن أحواله النوم وذلك إذا كان يرائي بعبادته ولا يخلص فيها فكيف بالغافل الفاسق؟ قال سفيان الثوري رحمه الله: كان يعجبهم إذا تفرغوا أن يناموا طلباً للسلامة فإذا كان نومه على قصد طلب السلامة ونية قيام الليل كان نومه قربة. ولكن ينبغي أن يتنبه قبل الزوال بقدر الاستعداد للصلاة بالوضوء وحضور المسجد قبل دخول وقت الصلاة فإن ذلك من فضائل الأعمال وإن لم ينم ولم يشتغل بالكسب واشتغل بالصلاة والذكر فهو أفضل أعمال النهار لأنه وقت غفلة الناس عن الله عز وجل واشتغالهم بهموم الدنيا فالقلب المتفرغ لخدمة ربه عند إعراض العبيد عن بابه جدير بأن يزكيه الله تعالى ويصطفيه لقربه ومعرفته. وفضل ذلك كفضل إحياء الليل فإن الليل وقت الغفلة بالنوم وهذا وقت الغفلة باتباع الهوى والاشتغال بهموم الدنيا وأحد معنى قوله تعالى: "وهو الذي جعل الليل والنهار خلفة لمن أراد أن يذكر" أي يخلف أحدهما الآخر في الفضل والثاني: أنه يخلفه فيتدارك فيه ما فات في أحدهما.
الورد الرابع: ما بين الزوال إلى الفراغ من صلاة الظهر وراتبته وهذا أقصر أوراد النهار وأفضلها: فإذا كان قد توضأ قبل الزوال وحضر المسجد فهمهما زالت الشمس وابتدأ المؤذن الأذان فليصبر إلى الفراغ من جواب أذانه ثم ليقم إلى إحياء ما بين الأذان والإقامة فهو وقت الإظهار الذي أراده الله تعالى بقوله "وحين تظهرون" وليصل في هذا الوقت أربع ركعات لا يفصل بينهن بتسليمة واحدة وهذه الصلاة وحدها من بين سائر صلوات النهار نقل بعض العلماء أنه يصليها بتسليمة واحدة ولكن طعن في تلك الرواية، ومذهب الشافعي رضي الله عنه أنه يصلي مثنى مثنى كسائر النوافل ويفصل بتسليمة وهو الذي صحت به الأخبار وليطول هذه الركعات إذ فيها تفتح أبواب السماء كما أوردنا الخبر فيه في باب صلاة التطوع وليقرأ فيها سورة البقرة أو سورة من المئين أو أربعاً من المثاني فهذه ساعات يستجاب فيها الدعاء. وأحب رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يرتفع له فيها عمل، ثم يصلي الظهر بجماعة بعد أربع ركعات طويلة - كما سبق - أو قصيرة لا ينبغي أن يدعها. ثم ليصل بعد الظهر ركعتين ثم أربعاً فقد كره ابن مسعود أن تتبع الفريضة بمثلها من غير فاصل. ويستحب أن يقرأ في هذه النافلة آية الكرسي وخر سورة البقرة والآيات التي أوردناها في الورد الأول ليكون ذلك جامعاً له بين الدعاء والذكر والقراءة والصلاة والتحميد والتسبيح مع شرف الوقت.
الورد الخامس: ما بعد ذلك إلى العصر ويستحب فيه العكوف في المسجد مشتغلاً بالذكر والصلاة أو فنون الخير ويكون في انتظار الصلاة معتكفاً. فمن فضائل الأعمال انتظار الصلاة بعد الصلاة وكان ذلك سنة السلف. كان الداخل يدخل المسجد بين الظهر والعصر فيسمع المصلين دوياً كدوي النحل من التلاوة. فإن كان بيته أسلم لدينه وأجمع لهمه فالبيت أفضل في حقه فإحياء هذا الورد وهو أيضاً وقت غفلة الناس كإحياء الورد الثالث في الفضل. وفي هذا الوقت يكره النوم لم نام قبل الزوال إذ يكره نومتان بالنهار. قال بعض العلماء: ثلاث يمقت الله عليها، الضحك بغير عجب والأكل من غير جوع والنوم بالنهار من غير سهر بالليل. والحد في النوم أن الليل والنهار أربع وعشرون ساعة فالاعتدال في نومه ثمان ساعات في الليل والنهار جميعاً فإن نام هذا القدر بالليل فلا معنى للنوم بالنهار، وإن نقص منه مقداراً استوفاه بالنهار فحسب ابن آدم إن عاش ستين سنة أن ينقص من عمره عشرون سنة. ومهما نام ثمان ساعات وهو الثلث فقد نقص من عمره الثلث ولكن لما كان النوم غذاء الروح كما أن الطعام غذاء الأبدان وكما أن العلم والذكر غذاء القلب لم يمكن قطعه عنه وقدر الاعتدال هذا والنقصان منه ربما يفضي إلى اضطراب البدن إلا من يتعود السهر تدريجاً فقد يمرن نفسه عليه من غير اضطراب. وهذا الورد من أطول الأوراد وأمتعها للعباد وهو أحد الآصال التي ذكرها الله تعالى إذ قال "ولله يسجد من في السموات والأرض طوعاً وكرهاً وظلالهم بالغدو والآصال" وإذا سجد لله عز وجل الجمادات فكيف يجوز أن يغفل العبد العاقل عن أنواع العبادات؟ الورد السادس: إذا دخل وقت العصر دخل وقت الورد السادس وهو الذي أقسم الله تعالى به فقال تعالى "والعصر" هذا أحد معنيي الآية وهو المراد بالآصال في أحد التفسيرين وهو العشي المذكور في قوله "وعشياً" وفي قوله "بالعشي والإشراق" وليس في هذا الورد صلاة إلا أربع ركعات بين الأذان والإقامة - كما سبق في الظهر - ثم يصلي الفرض ويشتغل بالأقسام الأربعة المذكورة في الورد الأول إلى أن ترتفع الشمس إلى رءوس الحيطان وتصفر. والأفضل فيه إذ منع عن الصلاة تلاوة القرآن بتدبر وتفهم إذ يجمع ذلك بين الذكر والدعاء والفكر فيندرج في هذا القسم أكثر مقاصد الأقسام الثلاثة.
الورد السابع: إذا اصفرت الشمس بأن تقرب من الأرض بحيث يغطي نورها العبارات والبخارات التي على وجه الأرض ويرى صفرة في ضوئها دخل وقت هذا الورد وهو مثل الورد الأول من طلوع الفجر إلى طلوع الشمس لأنه قبل الغروب كما أن ذلك قبل الطلوع وهو المراد بقوله تعالى "فسبحان الله حين تمسون وحين تصبحون" وهذا هو الطرف الثاني المراد بقوله تعالى "فسبح وأطراف النهار" قال الحسن. كانوا أشد تعظيماً للعشي منهم لأول النهار. وقال بعض السلف: كانوا يجعلون أول النهار للدنيا وآخره للآخرة: فيستحب في هذا الوقت التسبيح والاستغفار خاصة وسائر ما ذكرناه في الورد الأول مثل أن يقول: أستغفر الله الذي لا إله إلا هو الحي القيوم وأسأله التوبة وسبحان الله العظيم وبحمده، مأخوذ من قوله تعالى "واستغفر لذنبك وسبح بحمد ربك بالعشي والإبكار" والاستغفار على الأسماء التي في القرآن أحب كقوله "أستغفر الله إنه كان غفاراً - أستغفر الله إنه كان تواباً - رب اغفر وارحم وأنت خير الراحمين - فاغفر لنا وارحمنا وأنت خير الراحمين - فاغفر لنا وارحمنا وأنت خير الغافرين " ويستحب أن يقرأ قبل غروب الشمس: والشمس وضحاها والليل إذا يغشى والمعوذتين. ولتغرب الشمس عليه وهو في الاستغفار فإذا سمع الأذان قال، اللهم هذا إقبال ليلك وإدبار نهارك وأصوات دعاتك - كما سبق - ثم يجيب المؤذن ويشتغل بصلاة المغرب. وبالغروب قد انتهت أوراد النهار فينبغي أن يلاحظ العبد أحواله ويحاسب نفسه فقد انقضى من طريقه مرحلة، فإن ساوى يومه أمسه فيكون مغبوناً وإن كان شراً منه فيكون ملعوناً فقد قال صلى الله عليه وسلم "لا بورك لي في وم لا أزداد فيه خيراً" فإن رأى نفسه متوفراً على الخير جميع نهاره مترفهاً عن التجشم كانت بشارة فليشكر الله تعالى على توفيقه وتسديده إياه لطريقه وإن تكن الأخرى فالليل خلقة النهار فليعزم على تلافي ما سبق من تفريطه فإن الحسنات يذهبن السيئات. وليشكر الله تعالى على صحة جسمه وبقاء بقية من عمره طول ليله ليشتغل بتدارك تقصيره وليحضر في قلبه أن نهار العمر له آخر تغرب فيه شمس الحياة فلا يكون لها بعدها طلوع. وعند ذلك يغلق باب التدارك والاعتذار فليس العمر إلا أياماً معدودة تنقضي لا محالة جملتها بانقضاء آحادها.
بيان أوراد الليل وهي خمسة الأول: إذا غربت الشمس صلى المغرب واشتغل بإحياء ما بين العشاءين فآخر هذا الورد عند غيبوبة الشفق أعني الحمرة التي بغيبوبتها يدخل وقت العتمة وقد أقسم الله تعالى به فقال "فلا أقسم بالشفق" والصلاة فيه هي ناشئة الليل لأنه أول نشو ساعاته وهو آن من الآناء المذكورة في قوله تعالى "ومن آناء الليل فسبح" وهي صلاة الأوابين. وهي المراد بقوله تعالى "تتجافى جنوبهم عن المضاجع" روي ذلك عن الحسن وأسنده ابن أبي زياد إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم "أنه سئل عن هذه الآية فقال صلى الله عليه وسلم: الصلاة بين العشاءين، ثم قال صلى الله عليه وسلم: عليكم بالصلاة بين العشاءين فإنها تذهب بملاغات النهار وتهذب آخره" والملاغات جمع ملغاة من اللغو. وسئل أنس رحمه الله عمن ينام بين العشاءين فقال: لا تفعل فإنها الساعة المعنية بقوله تعالى "تتجافى جنوبهم عن المضاجع" وسيأتي فضل إحياء ما بين العشاءين في الباب الثاني. وترتيب هذا الورد أن يصلي بعد المغرب ركعتين أولاً يقرأ فيهما قل يا أيها الكافرون وقل هو الله أحد ويصليهما عقيب المغرب من غير تخلل كلام ولا شغل ثم يصلي أربعاً يطيلها ثم يصلي إلى غيبوبة الشفق ما تيسر له. وإن كان المسجد قريباً من المنزل فلابأس أن يصليها في بيته إن لم يكن عزمه العكوف في المسجد وإن عزم عن العكوف في انتظار العتمة فهو الأفضل إذا كان آمناً من التصنع والرياء.
والورد الثاني: يدخل بدخول وقت العشاء الآخرة إلى حد نومة الناس وهو أول استحكام الظلام وقد أقسم الله تعالى به إذ قال "والليل وما وسق" أي وما جمع من ظلمته وقال "إلى غسق الليل" فهناك يغسق الليل وتستوسق ظلمته. وترتيب هذا الورد بمراعاة ثلاثة أمور الأول أن يصلي سوى فرض العشاء عشر ركعات: أربعاً قبل الفرض إحياء لما بين الأذانين وستاً بعد الفرض ركعتين ثم أربعاً ويقرأ فيها من القرآن الآيات المخصوصة كآخر البقرة وآية الكرسي وأول الحديد وآخر الحشر وغيرها. والثاني أن يصلي ثلاث عشرة ركعة آخرهن الوتر فإنه أكثر ما روي أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى بها من الليل والأكياس يأخذون أوقاتهم من أول الليل والأقوياء من آخره. والحزم التقديم فإنه ربما لا يستيقظ أو يثقل عليه القيام إلا إذا صار ذلك عادة له فآخر الليل أفضل. ثم ليقرأ في هذه الصلاة قدر ثلثمائة آية من السور المخصوصة التي كان النبي صلى الله عليه وسلم يكثر قراءتها مثل يس وسجدة لقمان وسورة الدخان وتبارك الملك والزمر والواقعة فإن لم يصل فلا يدع قراءة هذه السور أو بعضها قبل النوم فقد روي في ثلاث أحاديث ما كان يقرؤه رسول الله صلى الله عليه وسلم في كل ليلة أشهرها: السجدة وتبارك الملك والزمر والواقعة وفي رواية: الزمر وبني إسرائيل وفي أخرى: أنه كان يقرأ المسبحات في كل ليلة ويقول فيها آية أفضل من ألف آية وكان العلماء يجعلونها ستاً فيزيدون سبح اسم ربك الأعلى إذ في الخبر "أنه صلى الله عليه وسلم كان يحب سبح اسم ربك الأعلى. وكان يقرأ في ثلاث ركعات الوتر ثلاث سور سبح اسم ربك الأعلى وقل يا أيها الكافرون والإخلاص فإذا فرغ قال: سبحان الملك القدوس ثلاث مرات" الثالث الوتر: وليوتر قبل النوم إن لم يكن عادته القيام قال أبو هريرة رضي الله عنه: أوصاني رسول الله صلى الله عليه وسلم أن لا أنام إلا على وتر وإن كان معتاداً صلاة الليل فالتأخير أفضل. قال صلى الله عليه وسلم "صلاة الليل مثنى مثنى فإذا خفت الصبح فأوتر بركعة" وقالت عائشة رضي الله عنها "أوتر رسول الله صلى الله عليه وسلم أول الليل وأوسطه وآخره وانتهى وتره إلى السحر" وقال علي رضي الله عنه: الوتر على ثلاثة أنحاء إن شئت أوترت أول الليل ثم صليت ركعتين ركعتين يعني أنه يصير وتراً بما مضى وإن شئت أوترت بركعة فإذا استيقظت شفعت إليها أخرى ثم أوترت من آخر الليل وإن شئت أخرت الوتر ليكون آخر صلاتك، هذا ما روي عنه والطريق الأول والثالث لابأس به وأما نقض الوتر فقد صح فيه نهي فلا ينبغي أن ينقض وروي مطلقاً أنه صلى الله عليه وسلم قال "لا وتران في ليلة" ولمن يتردد في استيقاظه تلطف استحسنه بعض العلماء وهو أن يصلي بعد الوتر ركعتين جالساً على فراشه عند النوم كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يزحف إلى فراشه ويصليهما ويقرأ فيهما إذا زلزت وألهاكم لما فيهما من التحذير والوعيد وفي رواية قل يا أيها الكافرون لما فيها من التبرئة وإفراد العبادة لله تعالى، فقيل إن استيقظ قامتا مقام ركعة واحدة وكان له أن يوتر بواحدة في آخر صلاة الليل وكأنه صار ما مضى شفعا بهما. وحسن استئناف الوتر واستحسن هذا أبو طالب المكي وقال فيه ثلاثة أعمال قصر الأمل وتحصيل الوتر والوتر آخر الليل، وهو كما ذكره لكن ربما يخطر أنهما لو شفعتا ما مضى لكان كذلك، وإن لم يستيقظ وأبطل وتره الأول فكونه شافعاً إن استيقظ غير مشفع إن نام فيه نظر إلا أن يصح من رسول الله صلى الله عليه وسلم إيتاره قبلهما وإعادته الوتر فيفهم منه أن الركعتين شفع بصورتهما وتر بمعناهما فيحسب وتراً إن لم يستيقظ وشفعاً إن استيقظ. ثم يستحب بعد التسليم من الوتر أن يقول سبحان الملك القدوس رب الملائكة والروح جللت السموات والأرض بالعظمة والجبروت، وتعززت بالقدرة وقهرت العباد بالموت روي "أنه صلى الله عليه وسلم ما مات حتى كان أكثر صلاته جالساً إلا المكتوبة وقد قال "للقاعد نصف أجر القائم وللنائم نصف أجر القاعد" وذلك يدل على صحة النافلة دائماً.
الورد الثالث: النوم ولابأس أن يعد ذلك في الأوراد فإنه إذا روعيت آدابه احتسب عبادة فقد قيل: إن للعبد إذا نام على طهارة وذكر الله تعالى يكتب مصلياً حتى يستيقظ ويدخل في شعاره ملك فإن تحرك في نومه فذكر الله تعالى دعا له الملك واستغفر له الله" وفي الخبر "إذا نام على طهارة رفع روحه إلى العرش" هذا في العوام فكيف بالخواص والعلماء وأرباب القلوب الصافية؟ فإنهم يكاشفون بالأسرار في النوم ولذلك قال صلى الله عليه وسلم "نوم العالم عبادة ونفسه تسبيح" وقال معاذ لأبي موسى: كيف تصنع في قيام الليل؟ فقال أقوم الليل أجمع لا أنام منه شيئاً وأتفوق القرآن فيه تفوقاً قال معاذ: لكني أنا أنام ثم أقوم واحتسب في نومتي ما أحتسب في قومتي. فذكرا ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: معاذ أفقه منك وآداب النوم عشرة الأول الطهارة والسواك: قال صلى الله عليه وسلم "إذا نام العبد على طهارة عرج بروحه إلى العرش فكانت رؤياه صادقة وإن لم ينم على طهارة قصرت روحه عن البلوغ فتلك المنامات أضغاث أحلام لا تصدق" وهذا أريد به طهارة الظاهر والباطن جميعاً، وطهارة الباطن هي المؤثرة في انكشاف حجب الغيب الثاني أن يعد عنه رأسه سواكه وطهوره وينوي القيام للعبادة عند التيقظ وكلما يتنبه يستاك؛ كذلك كان يفعله بعض السلف. وروي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم "أنه كان يستاك في كل ليلة مراراً عند كل نومة وعند التنبه منها وإن لم يتسير له الطهارة يستحب له مسح الأعضاء بالماء فإن لم يجد فليقعد وليستقبل القبلة وليشتغل بالذكر والدعاء والتفكر في آلاء الله تعالى وقدرته فذلك يقوم مقام قيام الليل. وقال صلى الله عليه وسلم "من أتى فراشه وهو ينوي أن يقوم يصلي من الليل فغلبته عيناه حتى يصبح كتب له ما نوى وكان نومه صدقة عليه من الله تعالى" الثالث أن لا يبيت من له وصية إلا ووصيته مكتوبة عند رأسه فإنه لا يأمن القبض في النوم فإن من مات من غير وصية لم يؤذن له في الكلام بالبرزخ إلى يوم القيامة، يتزاوره الأموات ويتحدثون وهو لا يتكلم فيقول بعضهم لبعض هذا المسكين مات من غير وصية، وذلك مستحب خوف موت الفجأة وموت الفجأة تخفيف إلا لمن ليس مستعداً للموت بكونه مثقل الظهر بالمظالم الرابع أن ينام تائباً من كل ذنب سليم القلب لجميع السملمين لا يحدث نفسه بظلم أحد، ولا يعزم على معصية إن استيقظ، قال صلى الله عليه وآله وسلم "من أوى إلى فراشه لا ينوي ظلم أحد ولا يحدق على أحد غفر له ما اجترم" الخامس أن لا يتنعم بتمهيد الفرش الناعمة بل يترك ذلك أو يقتصد فيه. كان بعض السلف يكره التمهيد للنوم ويرى ذلك تكلفاً. وكان أهل الصفة لا يجعلون بينهم وبين التراب حاجزاً ويقولون منها خلقنا وإليها نرد وكانوا يرون ذلك أرق لقلوبهم وأجدر بتواضع نفوسهم فمن لم تسمح بذلك نفسه فليقتصد السادس أن لا ينام ما لم يغلبه النوم ولا يتكلف استجلابه إلا إذا قصد به الاستعانة على القيام في آخر الليل فقد كان نومهم غلبة وأكلهم فاقة وكلامهم ضرورة ولذلك وصفوا بأنهم كانوا قليلاً من الليل ما يهجعون وإن غلبة النوم عن الصلاة والذكر وصار لا يدري ما يقول فلينم حتى يعقل ما يقول. وكان ابن عباس رضي الله عنه يكره النوم قاعداً وفي الخبر "لا تكابدوا الليل" وقيل لرسول الله صلى الله عليه وسلم "إن فلانة تصلي بالليل فإذا غلبها النوم تعلقت بحبل فنهى عن ذلك وقال: ليصل أحدكم من الليل ما تيسر له فإذا غلبه النوم فليرقد" وقال صلى الله عليه وسلم "تكلفوا من العمل ما تطيقون فإن الله لن يمل حتى تملوا" وقال صلى الله عليه وسلم "خير هذا الدين أيسره" وقيل له صلى الله عليه وسلم "إن فلاناً يصلي ف لا ينام ويصوم فلا يفطر فقال لكني أصلي وأنام وأصوم وأفطر هذه سنتي فمن رغب عنها فليس مني" وقال صلى الله عليه وسلم "لا تشادوا هذا الدين فإنه متين فمن يشاده يغلبه فلا تبغض إلى نفسك عبادة الله" السابع أن ينام مستقبل القبلة. والاستقبال على ضربين أحدهما. استقبال المحتضر - وهو المستلقي على قفاه - فاستقباله أن يكون وجهه وأخمصاه إلى القبلة. والثاني: استقبال اللحد وهو أن ينام على جنب بأن يكون وجهه إليها مع قبالة بدنه إذا نام على شقه الأيمن الثامن الدعاء عند النوم فيقول باسمك ربي وضعت جنبي وباسمك أرفعه إلى آخر الدعوات المأثورة التي أوردناها في كتاب الدعوات ويستحب أن يقرأ الآيات المخصوصة مثل آية الكرسي وآخر البقرة وغيرهما وقوله تعاالى "وإلهكم إله واحد لا إله إلا هو" إلى قوله "لقوم يعقلون" يقال إن من قرأها عند النوم حفظ الله عليه القرآن فلم ينسه ويقرأ من سورة الأعراف هذه الآية "إن ربكم الله الذي خلق السموات والأرض في ستة أيام" إلى قوله "قريب من المحسنين" وآخر بني آسرائيل "قل ادعوا اله" الآيتين فإنه يدخل في شعاره ملك يوكل بحفظه فيستغفر له ويقرأ المعوذتين وينفث بهن في يديه ويمسح بهما وجهه وسائر جسده، كذلك روي من فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم وليقرأ عشراً من أول الكهف وعشراً من آخرها وهذه الآي للاستيقاظ لقيام الليل. وكان علي كرم الله وجهه يقول: ما أرى أن رجلاً مستكملاً عقله ينام قبل أن يقرأ الآيتين من آخر سورة البقرة وليقل خمساً وعشرين مرة: سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر. ليكون مجموع هذه الكلمات الأربع مائة مرة التاسع أن يتذكر عند النوم أن النوم نوع وفاة والتيقظ نوع بعث قال الله تعالى "الله يتوفى الأنفس حين موتها والتي لم تمت في منامها" وقال "وهو الذي يتوفاكم بالليل" فسماه توفياً وكما أن المستيقظ تنكشف له مشاهدات لا تناسب أحواله في النوم فكذلك المبعوث يرى ما لم يخطر قط بباله ولا شاهده حسه. ومثل النوم بين الحياة والموت مثل البرزخ بين الدنيا والآخرة. وقال لقمان لابنه: يا بني إن كنت تشك في الموت فلا تنم فكما أنك تنام كذلك تموت، وإن كنت تشك في البعث فلا تنتبه فكما أنك تنتبه فكما أنك تنتبه بعد نومك فكذك تبعث بعد موتك. وقال كعب الأحبار: إذا نمت فاضطجع على شقك الأيمن واستقبل القبلة بوجهك فإنها وفاة. وقالت عائشة رضي الله عنها: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم آخر ما يقول حين ينام وهو واضع خده على يده اليمنى وهو يرى أنه ميت في ليلته تلك اللهم رب السموات السبع ورب العرش العظيم ربنا ورب كل شيء ومليكه" الدعاء إلى آخره كما ذكرناه في كتاب الدعوات. فحق على العبد أن يفتش عن ثلاثة عند نومه: أنه على ماذا ينام وما الغالب عليه حب الله تعالى وحب لقائه أو حب الدنيا؟ وليتحقق أنه يتوفى على ما هو الغالب عليه ويحشر على ما يتوفى عليه فإن المرء مع من أحب ومع ما أحب العاشر الدعاء عند التنبه فليقل في تيقظاته وتقلباته مهما كان يقوله رسول الله صلى الله عليه وسلم "لا إله إلا الله الواحد القهار رب السموات والأرض وما بينهما العزيز الغفار" وليجتهد أن يكون آخر ما يجري على قلبه عند النوم ذكر الله تعالى وأول ما يريد على قلبه عند التيقظ ذكر الله تعالى فهو علامة الحب. ولا يلازم القلب وإنما استحبت هذه الأذكار لتستجر القلب إلى ذكر الله تعالى، فإذا استيقظ ليقوم قال: الحمد لله الذي أحيانا بعد ما أماتنا وإليه النشور. إلى آخر ما أوردناه من أدعية التيقظ.
الورد الرابع: يدخل بمضي النصف الأول من الليل إلى أن يبقى من الليل سدسه وعد ذلك يقوم العبد المتهجد. فاسم التهجد يختص بما بعد الهجود والهجوع وهو النوم وهذا وسط الليل ويشبه الورد الذي بعد الزوال وهو وسط النهار وبه أقسم الله تعالى فقال "والليل إذا سجى" أذ إذا سكن وسكونه هدوه في هذا الوقت فلا تبقى عين إلا نائمة سوى الحي القيوم الذي لا تأخذه سنة ولا نوم. وقيل إذا سجى إذا امتد وطال وقيل إذا أظلم. وسئل رسول الله صلى الله عليه وسلم "أي الليل أسمع؟ فقال جوف الليل" وقال داود صلى الله عليه وسلم: إلهي إني أحب أن أتعبد لك فأي وقت أفضل؟ فأوحى الله تعالى إليه يا داود لا تقم أول الليل ولا آخره، فإن من قام أوله نام آخره، ومن قام آخره لم يقم أوله، ولكن قم وسط الليل حتى تخلو بي وأخلو بك، وارفع إلي حوائجك وسئل رسول الله صلى الله عليه وسلم "أي الليل أفضل؟ فقال: نصف الليل الغابر" يعني الباقي وفي آخر الليل وردت الأخبار باهتزاز العرش وانتشار الرياح من جنات عدن ومن نزول الجبار تعالى إلى سماء الدنيا وغير ذلك من الأخبار. وترتيب هذا الورد أنه بعد الفراغ من الأدعية التي للاستيقاظ ويتوضأ وضوءاً - كما سبق - بسننه وآدابه وأدعيته. ثم يتوجه إلى مصلاه ويقوم مستقبلا القبلة، ويقول "الله أكبر كبيراً والحمد لله كثيراً وسبحان الله بكرة وأصيلاً" ثم يسبح عشراً وليحمد الله عشراً ويهلل عشراً وليقل "الله أكبر ذو الملكوت والجبروت والكبرياء والعظمة والجلال والقدرة" وليقل هذه الكلمات فإنها مأثورة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في قيامه للتهجد "اللهم لك الحمد أنت نور السموات والأرض ولك الحمد أنت بهاء السموات والأرض ولك الحمد أنت رب السموات والأرض ولك الحمد أنت قيوم السموات والأرض ومن فيهن ومن عليهن أنت الحق ومنك الحق ولقاؤك حق والجنة حق والنار حق والنشور حق والنبيون حق ومحمد صلى الله عليه وسلم حق. اللهم لك أسلمت وبك آمنت وعليك توكلت وإليك أنبت وبك خاصمت وإليك حاكمت فاغفر لي ما قدمت وما أخرت وما أسررت وما أعلنت وأسرفت أنت المقدم وأنت المؤخر لا إله إلا أنت اللهم آت نفسي تقواها وزكها أنت خير من زكاها أنت وليها ومولاها اللهم اهدني لأحسن الأعمال لا يهدي لأحسنها إلا أنت واصرف عني سيئها لا يصرف عني سيئها إلا أنت أسألك مسألة البائس المسكين وأدعوك دعاء المفتقر الذليل فلا تجعلني بدعائك رب شقياً وكن بي رءوفاً رحيماً يا خير المسئولين وأكرم المعطين وقالت عائشة رضي الله عنها "كان صلى الله عليه وسلم إذا قام من الليل الفتتح صلاته قال: اللهم رب جبريل وميكائيل وإسرافيل فاطر السموات والأرض عالم الغيب والشهادة أنت تحكم بين عبادك فيما كانوا فيه يختلفون اهدني لما اختلف فيه من الحق بإذنك إنك تهدي من تشاء إلى صراط مستقيم" ثم يفتتح الصلاة ويصلي ركعتين خفيفتين. ثم يصلي مثنى مثنى ما تيسر له ويختم بالوتر إن لم يكن قد صلى الوتر. ويستحب أن يفصل بين الصلاتين عند تسليمه بمائة تسبيحة ليستريح ويزيد نشاطه للصلاة وقد صح في صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم بالليل أنه صلى أولاً ركعتين خفيفتين ثم ركعتين طويلتين ثم ركعتين دون اللتين قبلهما ثم لم يزل يقصر بالتدريج إلى ثلاث عشرة ركعة وسئلت عائشة رضي الله عنها "أكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يجهر في قيام الليل أم يسر؟ فقالت: ربما جهر وربما أسر وقال صلى الله عليه وسلم "صلاة الليل مثنى مثنى فإذا خفت الصبح فأوتر بركعة" وقال "صلاة المغرب أوترت صلاة النهار فأوتروا صلاة الليل" وأكثر ما صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في قيام الليل ثلاث عشرة ركعة ويقرأ في هذه الركعات من ورده من القرآن أو من السور المخصوصة ما خف عليه وهو في حكم هذا الورد قريب من السدس الأخير من الليل.
الورد الخامس: السدس الأخير من الليل وهو وقت السحر فإن الله تعالى قال "وبالأسحار هم يستغفرون" قيل يصلون لما فيها من الاستغفار وهو مقارب للفجر الذي هو وقت انصراف ملائكة الليل وإقبال ملائكة النهار وقد أمر بهذا الورد سلمان أخاه أبا الدرداء رضي الله عنهما ليلة زاره في حديث طويل قال في آخره "فلما كان الليل ذهب أبو الدرداء ليقوم فقال له سلمان: نم فنام ثم ذهب ليقوم فقال له: نم فنام فلما كان عند الصبح قال له سلمان: قم الآن، فقاما فصليا فقال: إن لنفسك عليك حقاً وإن لضيفك عليك حقاً وإن لأهلك عليك حقاً فأعط كل ذي حق حقه، وذلك أن امرأة أبي الدرداء أخبرت سلمان أنه لا ينام الليل قال: فأتيا النبي صلى الله عليه وسلم فذكرا ذلك له فقال: صدق سلمان. وهذا هو الورد الخامس وفيه يستحب السحور وذلك عند خوف طلوع الفجر والوظيفة في هذين الوردين الصلاة. فإذا طلع الفجر انقضت أوراد الليل ودخلت أوراد النهار فيقوم ويصلي ركعتي الفجر وهو المراد بقوله تعالى "ومن الليل فسبحه وإدبار النجوم" ثم يقرأ "شهد الله أنه لا إله إلا هو والملائكة" إلى آخرها. ثم يقول وأنا أشهد بما شهد الله به لنفسه وشهدت به ملائكته وأولو العلم من خلقه وأستودع الله هذه الشهادة وهي لي عند الله تعالى وديعة وأسأله حفظها حتى يتوفاني عليها. اللم احطط عني بها وزراً واجعلها لي عندك ذخراً واحفظها علي وتوفني عليها حتى ألقاك بها غير مبدل تبديلاً. فهذا ترتيب الأوراد للعباد وقد كانوا يستحبون أن يجمعوا مع ذلك في كل يوم بين أربعة أمور صوم وصدقة وإن قلت وعيادة مريض وشهود جنازة ففي الخبر "من جمع بين هذه الأربع في يوم غفر له" وفي رواية "دخل الجنة" فإن أنفق بعضها وعجز عن الآخر كان له أجر الجميع بحسب نيته وكانوا يكرهون أن ينقضي اليوم ولم يتصدقوا فيه بصدقة ولو بتمرة أو بصلة أو كسرة خبز لقوله صلى الله عليه وسلم "الرجل في صدقته حتى يقضى بين الناس" ولقوله صلى الله عليه وسلم "اتقوا النار ولو بشق تمرة" ودفعت عائشة رضي الله عنها إلى سائل عنبة واحدة فأخذها فنظر من كان عندها بعضهم إلى بعض فقالت: ما لكم إن فيها لمثاقيل ذر كثير؟ وكانوا لا يستحبون رد السائل إذ كان من أخلاق رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك ما سأله أحد شيئاً فقال: لا، ولكنه إن لم يقدر عليه سكت وفي الخبر "يصبح ابن آدم وعلى كل سلامى من جسده صدقة يعني المفصل وفي جسده ثلثمائة وستون مفصلاً فأمرك بالمعروف صدقة ونهيك عن المنكر صدقة وحملك عن الضعيف صدقة وهدايتك إلى الطريق صدقة وإماطتك الأذى صدقة حتى ذكر التسبيح والتهليل. ثم قال وركعتا الضحى تأتي على ذلك كله أو تجمعن لك ذلك كله".


[align=center]بيان اختلاف الأوراد باختلاف الأحوال [/align]

اعلم أن المريد لحرث الآخرة السالك لطريقها لا يخلو عن ستة أحوال فإنه: إما عابد وإما عالم وإما متعلم وإما وال وإما محترف وإما موحد مستغرق بالواحد الصمد عن غيره الأول العابد: وهو المتجرد للعبادة الذي لا شغل له غيرها أصلاً ولو ترك العبادة لجلس بطالاً فترتيب أوراده ما ذكرناه، نعم لا يبعد أن تختلف وظائفه بأن يستغرق أكثر أوقاته إما في الصلاة أو القراءة أو التسبيحات فقد كان في الصحابة رضي الله عنهم من ورده في اليوم اثنا عشر ألف تسبيحة. وكان فيهم من ورده ثلاثون ألفاً. وكان فيهم من ورده ثلثمائة ركعة إلى ستمائة وإلى ألف ركعة. وأقل ما نقل في أورادهم من الصلاة مائة ركعة في اليوم والليلة. وكان بعضهم أكثر ورده القرآن وكان يختم الواحد منهم في اليوم مرة وروى مرتين عن بعضهم: وكان بعضهم يقضي اليوم أو الليل في التفكر في آية واحدة يرددها. وكان كرز بن وبرة مقيماً بمكة فكان يطوف في كل يوم سبعين أسبوعاً وفي كل ليلة سبعين أسبوعاً وكان مع ذلك يختم القرآن في اليوم والليلة مرتين. فحسب ذلك فكان عشرة فراسخ ويكون مع كل أسبوع ركعتان فهو مائتان وثمانون ركعة ةختمتان وعشرة فراسخ. فإن قلت: فما الأولى أن يصرف إليه أكثر الأوقات من هذه الأوراد فاعلم أن قراءة القرآن في الصلاة قائماً مع التدبر يجمع الجميع ولكن ربما تعسر المواظبة عليه فالأفضل يختلف باختلاف حال الشخص ومقصود الأوراد تزكية القلب وتطهيره وتحليته بذكر الله تعالى وإيناسه به فلينظر المريد إلى قلبه فما يراه أشد تأثيراً فيه فليواظب عليه. فإذا أحس بملالة منه فلينتقل إلى غيره ولذلك نرى الأصوب لأكثر الخلق توزيع هذه الخيرات المختلفة على الأوقات - كما سبق - والانتقال فيها من نوع إلى نوع لأن الملال هو الغالب على الطبع وأحوال الشخص الواحد في ذلك أيضاً تختلف. ولكن إذا فهم فقه الأوراد وسرها فليتبع المعنى فإن سمع تسبيحة مثلاً وأحس لها بوقع قلبه فليواظب على تكرارها مادام يجد لها وقعاً. وقد روي عن إبراهيم بن أدهم عن بعض الأبدال أنه قام ذات ليلة يصلي على شاطىء البحر فسمع صوتاً عالياً بالتسبيح ولم ير أحداً فقال من أنت أسمع صوتك ولا أرى شخصك؟ فقال: أنا ملك من الملائكة موكل بهذا البحر أسبح الله تعالى بهذا التسبيح منذ خلقت قلت: فما اسمك؟ قال: مهلهيائيل قلت: فما ثواب من قاله؟ قال: من قاله مائة مرة لم يمت حتى يرى مقعده من الجنة أو يرى له. والتسبيح هو قوله "سبحان الله العي الديان سبحان الله الشديد الأركان سبحان من يذهب بالليل ويأتي بالنهار سبحان من لا يشغله شأن عن شأن سبحان الله الحنان المنان سبحان الله المسبح في كل مكان" فهذا وأمثاله إذا سمعه المريد ووجد له في قلبه وقعاً فيلازمه. وأياً ما وجد القلب عنده وفتح له فيه خير فليواظب عليه الثاني العالم الذي ينفع الناس بعلمه في فتوى أو تدريس أو تصنيف فترتيبه الأوراد يخالف ترتيب العابد؛ فإنه يحتاج إلى المطالعة للكتب وإلى التصنيف والإفادة، ويحتاج إلى مدة لها لا محالة فإن أمكنه استغراق الأوقات فيه فهو أفضل ما يشتغل به بعد المكتوبات ورواتبها. ويدل على ذلك جميع ما ذكرناه في فضيلة التعليم والتعلم في كتاب العلم. وكيف لا يكون كذلك وفي العلم المواظبة على ذكر الله تعالى؟ وتأمل ما قال الله تعالى وقال رسوله. وفيه منفعة الخلق وهدايتهم إلى طريق الآخرة ورب مسألة واحدة يتعلمها المتعلم فيصلح بها عبادة عمره ولو لم يتعلمها لكان سعيه ضائعاً. وإنما نعني بالعلم المقدم على العبادة العلم الذي يرغب الناس في الآخرة ويزهدهم في الدنيا أو العلم الذي يعينهم على سلوك طريق الآخرة إذا تعلموه على قصد الاستعانة به على السلوك" دون العلوم التي تزيد بها الرغبة في المال والجاه وقبول الخلق والأولى بالعالم أن يقسم أوقاته أيضاً فإن استغراق الأوقات في ترتيب العلم لا يحتمله الطبع. فينبغي أن يخصص ما بعد الصبح إلى طلوع الشمس بالأذكار والأوراد كما ذكرناه في الورد الأول. وبعد الطلوع إلى ضحوة النهار في الإفادة والتعليم إن كان عنده من يستفيد علماً لأجل الآخرة، وإن لم يكن فيصرفه إلى الفكر ويتفكر فيما يشكل عليه من علوم الدين فإن صفاء القلب بعد الفراغ من الذكر وقبل الاشتغال بهموم الدنيا يعين على التفطن للمشكلات. ومن ضحوة النهار إلى العصر للتصنيف والمطالعة لا يتركها إلا في وقت أكل وطهارة ومكتوبة وقيلولة خفيفة إن طال النهار. ومن العصر إلى الاصفرار يشتغل بسماع ما يقرأ بين يديه من تفسير أو حديث أو علم نافع. ومن الاصفرار إلى الغروب يشتغل بالذكر والاستغفار والتسبيح فيكون ورده الأول قبل طلوع الشمس في عمل اللسان. وورده الثاني في عمل القلب بالفكر إلى الضحوة. وورده الثالث إلى العصر في عمل العين واليد بالمطالعة والكتابة. وورده الرابع بعد العصر في عمل السمع ليروح فيه العين واليد فإن المطالعة والكتابة بعد العصر ربما أضر بالعين. وعند الاصفرار يعود إلى ذكر اللسان فلا يخلو جزء من النهار عن عمل له بالجوارح مع حضور القلب في الجميع. وأما الليل فأحسن قسم فيه قسمة الشافعي رضي الله عنه إذ كان يقسم الليل ثلاثة أجزاء: ثلثاً للمطالعة وترتيب العلم وهو الأول وثلثاً للصلاة وهو الوسط وثلثاً للنوم وهو الأخير. وهذا يتيسر في ليالي الشتاء، والصيف ربما لا يحتمل ذلك إلا إذا كان أكثر النوم بالنهار فهذا ما نستحبه من ترتيب أوراد العالم الثالث المتعلم: والاشتغال بالتعلم أفضل من الاشتغال بالأذكار والنوافل فحكمه حكم العالم في ترتيب الأوراد ولكن يشتغل بالاستفادة حيث يشتغل العالم بالإفادة وبالتعليق والنسخ حيث يشتغل العالم بالتصنيف ويرتب أوقاته كما ذكرنا. وكل ما ذكرناه في فضيلة التعلم والعلم من كتاب العلم يدل على أن ذلك أفضل. بل إن لم يكن متعلماً على معنى أنه يعلق ويحصل ليصير عالماً. بل كان من العوام فحضوره مجالس الذكر والوعظ والعلم أفضل من اشتغاله بالأوراد التي ذكرناها بعد الصبح وبعد الطلوع وفي سائر الأوقات. ففي حديث أبي ذر رضي الله عنه "أن حضور مجلس ذكر أفضل من صلاة ألف ركعة وشهود ألف جنازة وعيادة ألف مريض" وقال رضي الله عنه "إذا رأيتم رياض الجنة فارتعوا فيها فقيل يا رسول الله وما رياض الجنة؟ قال حلق الذكر" وقال كعب الأحبار رضي الله عنه: لو أن ثواب مجالس العلماء بدا للناس لاقتتلوا عليه حتى يترك كل ذي إمارة إمارته وكل ذي سوق سوقه. وقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: إن الرجل ليخرج من منزله وعليه من الذنوب مثل جبال تهامة، فإذا سمع العالم خاف واسترجع عن ذنوبه وانصرف إلى منزله وليس عليه ذنب، فلا تفارقوا مجالس العلماء فإن الله عز وجل لم يخلق على وجه الأرض تربة أكرم من مجالس العلماء. وقال رجل للحسن رحمه الله أشكو إليك قساوة قلبي فقال: أدنه من مجالس الذكر.
ورأى عمار الزاهدي مسكينة الطفاوية في المنام وكانت من المواظبات على حلق الذكر فقال: مرحباً يا مسكينة فقالت: هيهات هيهات ذهبت المسكينة وجاء الغنى! فقال: هيه! فقالت: ما تسأل عمن أبيح لها الجنة بحذافيرها؟ قال: وبم ذلك؟ قالت: بمجالسة أهل الذكر. وعلى الجملة فما ينجل عن القلب من عقد حب الدنيا بقول واعظ حسن الكلام زكي السيرة أشرف وأنفع من ركعات كثيرة مع اشتمال القلب على حب الدنيا الرابع المحترف الذي يحتاج إلى الكسب لعياله فليس له أن يضيع العيال ويستغرق الأوقات في العبادات بل ورده في وقت الصناعة حضور السوق والاشتغال بالكسب ولكن ينبغي أن لا ينسى ذكر الله تعالى في صناعته بل يواظب على التسبيحات الأذكار وقراءة القرآن فإن ذلك يمكن أن يجمع إلى العمل. وإنما لا يتيسر مع العمل الصلاة إلا أن يكون ناظوراً فإنه لا يعجز عن إقامة أوراد الصلاة معه. ثم مهما فرغ من كفايته ينبغي أن يعود إلى ترتيب الأوراد. وإن داود على الكسب وتصدق بما فضل عن حاجته فهو أفضل من سائر الأوراد التي ذكرناها لأن العبادات المتعدية فائدتها أنفع من اللازمة والصدقة والكسب على هذه النية عبادة له في نفسه تقربه إلى الله تعالى ثم يحصل به فائدة للغير وتتجذب إليه بركات دعوات المسلمين ويتضاعف به الأجر الخامس الوالي: مثل الإمام والقاضي والمتولي في أمور المسلمين فقيامه بحاجات المسلمين وأغراضهم على وفق الشرع وقصد الإخلاص أفضل من الأوراد المذكورة فحقه أن يشتغل بحقوق الناس نهاراً ويقتصر على المكتوبة ويقيم الأوراد المذكورة بالليل، كما كان عمر رضي الله عنه يفعله إذ قال: مالي وللنوم فلو نمت بالنهار ضيعت المسلمين ولو نمت بالليل ضيعت نفسي. وقد فهمت بما ذكرناه أنه يقدم على العبادات البدنية أمران أحدهما: العلم، والآخر: الرفق بالمسلمين، لأن كل واحد من العلم وفعل المعروف عمل في نفسه وعبادة تفضل سائر العبادات يتعدى فائدته وانتشار جدواه فكانا مقدمين عليه السادس الموحد المستغرق بالواحد الصمد الذي أصبح وهمومه هم واحد فلا يحب إلا الله تعالى ولا يخاف إلا منه ولا يتوقع الرزق من غيره ولا ينظر في شيء إلا ويرى الله تعالى فيه. فمن ارتفعت رتبته إلى هذه الدرجة لم يفتقر إلى تنويع الأوراد واختلافها بل كان ورده بعد المكتوبات واحد وهو حضور القلب مع الله تعالى في كل حال، فلا يخطر بقلوبهم أمر ولا يقرع سمعهم قارع ولا يلوح لأبصارهم لائح إلا كان لهم فيه عبرة وفكر ومزيد، فلا محرك لهم ولا مسكن إلا الله عز وجل كما قال تعالى "لعلكم تذكرون ففروا إلى الله" وتحقق فيها قوله تعالى "وإذ اعتزلتموهم وما يعبدون إلا الله فأووا إلى الكهف ينشر لكم ربكم من رحمته" وإليه الإشارة بقوله "إني ذاهب إلى ربي سيهدين" وهذه منتهى درجات الصديقين ولا وصول إليها إلا بعد ترتيب الأوراد والمواظبة عليها دهراً طويلاً فلا ينبغي أن يغتر المريد بما سمعه من ذلك فيدعيه لنفسه ويفتر عن وظائف عبادته فذلك علامته أن لا يهجس في قلبه وسواس ولا يخطر في قلبه معصية ولا تزعجه هواجم الأهوال ولا تستفزه عظائم الأشغال. وأنى ترزق هذه الرتبة لكل أحد. فيتعين على الكافة ترتيب الأوراد كما ذكرناه وجميع ما ذكرناه طرق إلى الله تعالى قال تعالى "قل كل يعمل على شاكلته فربكم أعلم بمن هو أهدى سبيلاً" فكلهم مهتدون وبعضهم أهدى من بعض. وفي الخبر "الإيمان ثلاث وثلاثون وثلثمائة طريقة من لقي الله تعالى على طريق منها دخل الجنة" وقال بعض العلماء: الإيمان ثلثمائة وثلاثة عشر خلقاً بعدد الرسل فكل مؤمن على خلق منها فهو سالك الطريق إلى الله. فإذن الناس وإن اختلفت طرقهم في العبادة فكلهم على الصواب "أولئك الذين يدعون يبتغون إلى ربهم الوسيلة أيهم أقرب" وإنما يتفاوتون في درجات القرب لا في أصله، وأقربهم إلى الله تعالى أعرفهم به، وأعرفهم به لابد وأن يكون أعبدهم له؛ فمن عرفه لم يعبد غيره. والأصل في الأوراد في حق كل صنف من الناس المداومة فإن المراد منه تغيير الصفات الباطنة. وآحاد الأعمال يقل آثارها بل لا يحس بآثارها وإنما يترتب الأثر على المجموع فإذا لم يعقب العمل الواحد أثراً محسوساً ولم يردف بثان وثالث على القرب انمحى الأثر الأول وكان كالفقيه يريد أن يكون فقيه النفس فإنه لا يصير فقيه النفس إلا بتكرار كثير؛ فلو بالغ ليلة في التكرار وترك شهراً أو أسبوعاً ثم عاد وبالغ ليلة لم يؤثر هذا فيه. ولو وزع ذلك القدر على الليالي المتواصلة لأثر فيه. ولهذا السر قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "أحب الأعمال إلى الله أدومها وإن قل". وسئلت عائشة رضي الله عنها عن عمل رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فقالت: "كان عمله ديمة وكان إذا عمل عملاً أثبته" ولذلك قال صلى الله عليه وسلم "من عوده الله عبادة فتركها ملالة مقته الله" وهذا كان السبب في صلاة بعد العصر تداركاً لما فاته من ركعتين شغله عنهما الوفد ثم لم يزل بعد ذلك يصليهما بعد العصر ولكن في منزله لا في المسجد كيلا يقتدى به روته عائشة وأم سلمة رضي الله عنهما. فإن قلت: فهل لغيره أن يقتدي به في ذلك مع أن الوقت وقت كراهية؟ فاعلم أن المعاني الثلاثة التي ذكرناها في الكراهية من الاحتراز عن التشبه بعبدة الشمس أو السجود وقت ظهور قرن الشيطان أو الاستراحة عن العبادة حذراً من الملال لا يتحقق في حقه فلا يقاس عليه في ذلك غيره. ويشهد لذلك فعله في المنزل حتى لا يقتدى به صلى الله عليه وسلم.


[saa]يتبع بإذن الله[/saa]

_________________

يا خير من دفنت في التراب أعظمه فطاب من طيبهن القاع الأكم
نفسي الفداء لقبر أنت ساكنه فيه العفاف وفيه الجود والكرم
أنت الشفيع الذي ترجى شفاعته عند الصراط إذا ما زلّت القدم


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة:
مشاركة غير مقروءةمرسل: الخميس أكتوبر 20, 2005 2:23 pm 
غير متصل

اشترك في: السبت فبراير 21, 2004 10:56 pm
مشاركات: 1245
مكان: يا رب مع الحبيب و آله صلى الله عليه و آله وصحبه وسلم
[align=center]الباب الثاني
في الأسباب الميسرة لقيام الليل
وفي الليالي التي يستحب إحياؤها وفي فضيلة إحياء الليل وما بين العشاءين وكيفية قسمة الليل
فضيلة إحياء ما بين العشاءين
[/align]

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما روت عائشة رضي الله عنها "إن أفضل الصوات عند الله صلاة المغرب لم يحطها عن مسافر ولا عن مقيم فتح بها صلاة الليل وختم بها صلاة النهار فمن صلى المغرب وصلى بعدها ركعتين بنى الله له قصر في الجنة" وقال الراوي: لا أدري من ذهب أو فضة؟ "ومن صلى بعدها أربع ركعات غفر له ذنب عشرين سنة أو قال أربعين سنة" وروت أم سلمة وأبو هريرة رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال "من صلى ست ركعات بعد المغرب عدلت له عبادة سنة كاملة أو كأنه صلى ليلة القدر" وعن سعيد بن جبير عن ثوبان قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "من عكف نفسه فيما بين المغرب والعشاء في مسجد جماعة لم يتكلم إلا بصلاة أو قرآن كان حقاً على الله أن يبني له قصرين في الجنة مسيرة كل قصر منهما مائة عام ويغرس له بينهما غراساً لو طافه أهل الدنيا لوسعهم" وقال صلى الله عليه وسلم "من ركع عشر ركعات ما بين المغرب والعشاء بنى الله له قصراً في الجنة فقال عمر رضي الله عنه: إذاً تكثر قصورنا يا رسول الله فقال: الله أكثر وأفضل - أو قال - أطيب" وعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "من صلى المغرب في جماعة ثم صلى بعدها ركعتين ولم يتكلم بشيء فيما بين ذلك من أمر الدنيا ويقرأ في الركعة الأولى فاتحة الكتاب وعشر آيات من أول سورة البقرة وآيتين من وسطها وإلهكم إله واحد لا إله إلا هو الرحمن الرحيم إن في خلق السموات والأرض إلى آخر الآية وقل هو الله أحد خمس عشرة مرة ثم يركع ويسجد فغذا قام في الركعة الثانية قرأ فاتحة الكتاب وآية الكرسي وآيتين بعدها إلى قوله "أولئك أصحاب النار هم فيها خالدون" وثلاث آيات من آخر سورة البقرة من قوله لله ما في السموات وما في الأرض إلى آخرها وقل هو الله أحد خمس عشرة مرة" وصف من ثوابه في الحديث ما يخرج عن الحصر وقال كرز بن وبرة وهو من الأبدال: قلت للخضر عليه السلام علمني شيئاً أعمله في كل ليلة فقال إذا صليت المغرب فقم إلى وقت صلاة العشاء مصلياً من غير أن تكلم أحداً وأقبل على صلاتك التي أنت فيها وسلم من كل ركعتين واقرأ في كل ركعة فاتحة الكتاب مرة وقل هو الله أحد - ثلاثاً - فإن فرغت من صلاتك انصرف إلى منزلك ولا تكلم أحداً وصل ركعتين واقرأ فاتحة الكتاب وقل هو الله أحد سبع مرات في كل ركعة ثم اسجد بعد تسليمك واستغفر الله تعالى سبع مرات وقل سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا اله والله أكبر ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم سبع مرات، ثم ارفع رأسك من اسجود واستو جالساً وارفع يديك وقل يا حي يا قيوم يا ذا الجلال والإكرام يا إله الأولين والآخرين يا رحمن الدنيا والآخرة ورحيمهما يا رب يا رب يا رب يا الله يا الله يا الله، ثم قم وأنت رافع يديك وادع بهذا الدعاء، ثم نم حيث شئت مستقبل القبلة على يمينك وصل على النبي صلى الله عليه وسلم وأدم الصلاة عليه حتى يذهب بك النوم. فقلت له: أحب أن تعلمني ممن سمعت هذا؟ فقال: إني حضرت محمداً صلى الله عليه وسلم حيث علم هذا الدعاء وأوحي إليه به فكنت عنده وكان ذلك بمحضر مني فتعلمته ممن علمه إياه ويقال إن هذا الدعاء وهذه الصلاة من دوام عليهما بحسن يقين وصدق نية رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم في منامه قبل أن يخرج من الدنيا؛ وقد فعل ذلك بعض الناس فرأى أنه أدخل الجنة ورأى فيها الأنبياء ورأى فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم وكلمه وعلمه. وعلى الجملة ما ورد في فضل إحياء ما بين العشاءين كثير حتى قيل لعبيد الله مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم: هل كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمر بصلاة غير المكتوبة؟ قال: ما بين المغرب والعشاء" وقال صلى الله عليه وسلم "من صلى ما بين المغرب والعشاء تلك صلاة الأوابين" وقال الأسود ما أتيت ابن مسعود رضي الله عنه في هذا الوقت إلا ورأيته يصلي فسألته فقال: نعم هي ساعة الغفلة: وكان أنس رضي الله عنه يواظب عليها ويقول: هي ناشئة الليل، ويقول: فيها نزل قوله تعالى "تتجافى جنوبهم عن المضاجع" وقال أحمد بن أبي الحواري: قلت لأبي سليمان الداراني أصوم النهار وأتعشى بين المغرب والعشاء أحب إليك أو أفطر بالنهار وأحيي ما بينهما؟ فقال: اجمع بينهما، فقلت: إن لم يتيسر؟ قال أفطر وصل ما بينهما.

[align=center]فضيلة قيام الليل[/align]

أما من الآيات: فقوله تعالى "إن ربك يعلم أنك تقوم أدنى من ثلثي الليل" الآية وقوله تعالى "إن ناشئة الليل هي أشد وطأ وأقوم قيلاً" وقوله سبحانه وتعالى "تتجافى جنوبهم عن المضاجع" وقوله تعالى "أمن هو قانت آناء الليل" الآية وقوله عز وجل "والذين يبيتون لربهم سجداً وقياماً" وقوله تعالى "واستعينوا بالصبر والصلاة" قيل هي قيام الليل يستعان بالصبر عليه على مجاهدة النفس. ومن الأخبار: قوله صلى الله عليه وسلم "يعقد الشيطان على قافية رأس أحدكم إذا هو نام ثلاث عقد يضرب مكان كل عقدة عليك ليل طويل فارقد فإن استيقظ وذكر الله تعالى انحلت عقدة فإن توضأ انحلت عقدة فإن صلى انحلت عقدة فأصبح نشيطاً طيب النفس وإلا أصبح خبيث النفس كسلان" وفي الخبر "أنه ذكر عنده رجل ينام كل الليل حتى يصبح فقال: ذاك رجل بال الشيطان في أذنه" وفي الخبر "إن للشيطان سعوطاً ولعوقاً وذروراً فإذا أسعط العبد ساء خلقه وغذا ألعقه ذرب لسانه بالشر وإذا ذره نام الليل حتى يصبح" وقال صلى الله عليه وسلم "ركعتان يركعهما العبد في جوف الليل خير له من الدنيا وما فيها ولولا أن أشق على أمتي لفرضتهما عليهم" وفي الصيحح عن جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال "إن من الليل ساعة لا يوافقها عبد مسلم يسأل الله تعالى خيراً إلا أعطاه إياه" وفي رواية "يسأل الله تعالى خيراً من الدنيا والآخرة وذلك في كل ليلة" وقال المغيرة بن شعبة: قام رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى تفطرت قدماه فقيل له: أما قد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر؟ فقال: أفلا أكون عبداً شكوراً ويظهر من معناه أن ذلك كناية عن زيادة الرتبة فإن الشكر سبب المزيد قال تعالى "لئن شكرتم لأزيدنكم" وقال صلى الله عليه وسلم "يا أبا هريرة أتريد أن تكون رحمة الله عليك حياً وميتاً ومقبوراً ومبعوثاً من الليل فصل وأنت تريد رضا ربك يا أبا هريرة صل في زوايا بيتك يكن نور بيتك في السماء كنور الكواكب والنجم عند أهل الدنيا" وقال صلى الله عليه وسلم "عليكم بقيام الليل فإنه دأب الصالحين قبلكم. فإن قيام الليل قربة إلى الله عز وجل وتكفير للذنوب ومطردة للداء عن الجسد ومنهاة عن الإثم" وقال صلى الله عليه وسلم "ما من امرىء تكون له صلاة بالليل فغله عليها النوم إلا كتب له أجر صلاته وكان نومه صدقة عليه" وقال صلى الله عليه وسلم لأبي ذر "لو أردت سفراً أعددت له عدة؟ قال: نعم، قال: فكيف سفر طريق القيامة ألا أنبئك يا أبا ذر بما ينفعك ذلك اليوم؟ قال: بلى بأبي أنت وأمي، قال: صم يوماً شديد الحر ليوم النشور وصل ركعتين في ظلمة الليل لوحشة القبور وحج حجة لعظائم الأمور وتصدق بصدقة على مسكين أو كلمة حتى تقولها أو كلمة شر تسكت عنها" وروي "أنه كان على عهد النبي صلى الله عليه وسلم رجل إذا أخذ الناس مضاجعهم وهدأت العيون قام يصلي ويقرأ القرآن ويقول: يا رب النار أجرني منها، فذكر ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فقال: إذا كان ذلك فآذنوني فأتاه فاستمع فلما أصبح قال: يا فلان هلا سألت الله الجنة؟ قال: يا رسول الله إني لست هناك ولا يبلغ عملي ذاك فلم يلبث إلا يسيراً حتى نزل جبرائيل عليه السلام وقال: أخبر فلاناً أن الله قد أجاره من النار وأدخله الجنة" ويروى "أن جبرائيل عليه السلام قال للنبي صلى الله عليه وسلم: نعم الرجل ابن عمر لو كان يصلي بالليل، فأخبره النبي صلى الله عليه وسلم بذلك فكان يداوم بعده على قيام الليل" قال نافع: كان يصلي بالليل ثم يقول: يا نافع أسحرنا؟ فأقول: لا، فيقوم لصلاته ثم يقول يا نافع أسحرنا؟ فأقول: نعم، فيقعد فيستغفر الله تعالى حتى يطلع الفجر. وقال علي بن أبي طالب شبع يحيى بن زكريا عليهما السلام من خبز شعير فنام على ورده حتى أصبح فأوحى الله تعالى إليه: يا يحيى أوجدت داراً خيراً ك من داري؟ أم وجدت جواراً خيراً لك من جواري؟ فوعزتي وجلالي يا يحيى لو اطلعت إلى الفردوس اطلاعه لذاب شحمك ولزهقت نفسك اشتياقاً ولو اطلعت إلى جهنم اطلاعة لذاب شحمك ولبكيت الصديد بعد الدموع ولبست الجلد بعد المسوح". وقيل لرسول الله صلى الله عليه وسلم: إن فلاناً يصلي بالليل فإذا أصبح سرق فقال: سينهاه ما يعمل" وقال صلى الله عليه وسلم "رحم الله رجلاً قام من الليل فصلى ثم أيقظ امرأته فصلت فإن أبت نضح في وجهها الماء" وقال صلى الله عليه وسلم "من استيقظ من الليل وأيقظ امرأته فصليا ركعتين كتبا من الذاكرين الله كثيراً والذاكرات" وقال صلى الله عليه وسلم "أفضل الصلاة بعد المكتوبة قيام الليل" وقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: قال صلى الله عليه وسلم "من نام عن حزبه أو عن شيء منه بالليل فقرأه بين صلاة الفجر والظهر كتب له كأنما قرأه من الليل" الآثار: روي أن عمر رضي الله عنه كان يمر بالآية من ورده بالليل فيسقط حتى يعاد منها أياماً كثيرة كما يعاد المريض. وكان ابن معسود رضي الله عنه إذا هدأت العيون قام فيسمع له دوي كدوي النحل حتى يصبح ويقال: إن سفيان الثوري رحمه الله شبع ليلة فقال: إن الحمار إذا زيد في علفه زيد في عمله فقام تلك الليلة حتى أصبح. وكان طاوس رحمه الله إذا اضطجع على فراشه يتقلى عليه كما تتقلى الحبة على المقلاة ثم يثب ويصلي إلى الصباح ثم يقول: طير ذكر جهنم نوم العابدين. وقال الحسن رحمه الله: ما نعلم عملاً أشد من مكابدة الليل ونفقة هذا المال فقيل له: ما بال المتهجدين من أحسن الناس وجوهاً؟ قال: لأنهم خلوا بالرحمن فألبسهم نوراً من نوره. وقدم بعض الصالحين من سفره فمهد له فراش فنام عليه حتى فاته ورده فحلف ألا ينام بعدها على فراش أبداً. وكان عبد العزيز بن رواد إذا جن عليه الليل يأتي فراشه فيمد يده عليه ويقول: إنك للين ووالله إن في الجنة لألين منك ولا يزال يصلي الليل كله. وقال الفضيل: إني لأستقبل الليل من أوله فيهولني طوله فأفتتح القرآن فأصبح وما قضيت نهمتي. وقال الحسن: إن الرجل ليذنب الذنب فيحرم به قيام الليل. وقال الفضيل: إذا لم تقدر على قيام الليل وصيام النهار فاعلم أنك محروم وقد كثرت خطيئتك. وكان صلة بن أشيم رحمه الله يصلي الليل كله فإذا كان في السحر قال: إلهي ليس مثلي يطلب الجنة ولكن أجرني برحمتك من النار. وقال رجل لبعض الحكماء: إني لأضعف عن قيام الليل، فقال له "يا أخي لا تعص الله تعالى ولا تقم بالليل. وكان للحسن بن صالح جارية فباعها من قوم فلما كان في جوف الليل قامت الجارية فقالت؛ يا أهل الدار الصلاة الصلاة! فقالوا: أصبحنا أطلع الفجر؟ فقالت: وما تصلون إلا المكتوبة؟ قالوا: نعم؛ فرجعت إلى الحسن فقالت: يا مولاي بعتني من قوم لا يصلون إلا المكتوبة؟ ردني. فردها، وقال الربيع: بت في منزل الشافعي رضي الله عنه ليالي كثيرة فلم يكن ينام من الليل إلا يسيراً. وقال أبو الجويرية. لقد صحبت أبا حنيفة رضي الله عنه ستة أشهر فما فيها ليلة وضع جنبه على الأرض. وكان أبو حنيفة يحيي نصف الليل فمر بقوم فقالوا: إن هذا يحيي الليل كله: فقال: إني أستحيي أن أوصف بما لا أفعل فكان بعد ذلك يحيي اليل كله. ويروى أنه ما كان له فراش بالليل. ويقال: إن مالك بن دينار رضي الله عنه بات يردد هذه الآية ليلة حتى أصبح "أم حسب الذين اجترحوا السيئات أن نجعلهم كالذين آمنوا وعملوا الصالحات" الآية: وقال المغيرة بن حبيب رمقت مالك بن دينار فتوضأ بعد العشاء ثم قام إلى مصلاه فقبض على لحيته فخنقته العبرة فجعل يقول حرم شيبة مالك على النار إلهي قد علمت ساكن الجنة من ساكن النار فأي الرجلين مالك؟ وأي الدارين دار مالك؟ فلم يزل ذلك قوله حتى طلع الفجر. وقال مالك بن دينار: سهوت ليلة عن وردي ونمت فإذا أنا في المنام بجارية كأحسن ما يكون وفي يدها رقعة فقالت لي: أتحسن تقرأ؟ فقلت: نعم، فدفعت إلي الرقعة فإذا فيها: أألهتك الـلـذائذ والأمـانـي عن البيض الأوانس في الجنان

[poet font="Tahoma,4,teal,normal,normal" bkcolor="transparent" bkimage="backgrounds/9.gif" border="none,4,gray" type=0 line=200% align=center use=ex length=0 char="" num="0,black" filter=""]
تعيش مخلداً لا مـوت فـيهـا وتلهو في الجنان مع الحسـان
تنبه من مـنـامـك إن خـيراً من النوم التهجد بـالـقـران
[/poet]

وقيل حج مسروق فما بات ليلة إلا ساجداً. ويروى عن أزهر بن مغيث وكان من القوامين أنه قال: رأيت في المنام امرأة لا تشبه نساء أهل الدنيا فقلت لها: من أنت؟ قالت: حوراء؛ فقلت: زوجيني نفسك؛ فقالت اخطبني إلى سيدي وأمهرني؛ فقلت: وما مهرك؟ قالت: طول التهجد. وقال يوسف بن مهران: بلغني أن تحت العرش ملكاً في صورة ديك براثنه من لؤلؤ وصئصئه من زبرجد أخضر فإذا مضى ثلث الليل الأول ضرب بجناحيه وزقا وقال: ليقم القائمون فإذا مضى نصف الليل ضرب بجناحيه وزقا وقال: ليقم المتهجدون؛ فإذا مضى ثلثا الليل ضرب بجناحيه وزقا وقال: ليقم المصلون؛ فإذا طلع الفجر ضرب بجناحيه وزقا وقال: ليقم الغافلون وعليهم أوزارهم. وقيل إن وهب بن منبه اليماني ما وضع جنبه إلى الأرض ثلاثين سنة وكان يقول: لأن أرى في بيتي شيطاناً أحب إلي من أن أرى في بيتي وسادة لأنها تدعو إلى النوم، وكانت له مسورة من أدم إذا غلبه النوم وضع صدره عليها وخفق خفقات ثم يفزع إلى الصلاة. وقال بعضهم: رأيت رب العزة في النوم فسمعته يقول: وعزتي وجلالي لأكرمن مثوى سليمان التيمي فإنه صلى لي الغدا بوضوء العشاء أربعين سنة. ويقال كان مذهبه أن النوم إذا خامر القلب بطل الوضوء، وروي في بعض الكتب القديمة عن الله تعالى أنه قال: إن عبدي الذي هو عبدي حقاً الذي لا ينتظر بقيامه صياح الديكة.
بيان الأسباب التي بها يتيسر قيام الليل اعلم أن قيام الليل عسير عن الخلق إلا على من وفق للقيام بشروطه الميسرة له ظاهراً وباطناً فأما الظاهرة فأربعة أمور الأول أن لا يكثر الأكل فيكثر الشرب فيغلبه النوم ويثقل عليه القيام. كان بعض الشيوخ يقف على المائدة كل ليلة ويقول: معاشر المريدين لا تأكلوا كثيراً فتشربوا كثيراً فترقدوا كثيراً فتتحسروا عند الموت كثيراً. وهذا هو الأصل الكبير وهو تخفيف المعدة عن ثقل الطعام الثاني أن لا يتعب نفسه بالنهار في الأعمال التي تعيا بها الجوارح وتضعف بها الأعصاب فإن ذلك أيضاً مجلبة للنوم الثالث أن لا يترك القيلولة بالنهار فإنها سنة للاستعانة على قيام الليل الرابع أن لا يحتقب الأوزار بالنهار فإن ذلك مما يقسي القلب ويحول بينه وبين أسباب الرحمة. قال رجل للحسن: يا أبا سعيد إني أبيت معافى وأحب قيام الليل وأعد طهوري فما بالي لا أقوم؟ فقال: ذنوبك قيدتك. وكان الحسن رحمه الله إذا دخل السوق فسمع لغطهم ولغوهم يقول: أظن أن ليل هؤلاء ليل سوء فإنهم لا يقيلون. وقال الثوري: حرمت قيام الليل خمسة أشهر بذنب أذنبته، قيل وما ذاك الذنب؟ فقال: ذنوبك قيدتك. وكان الحسن رحمه الله إذا دخل السوق فسمع لغطهم ولغوهم يقول: أظن أن ليل هؤلاء ليل سوء فإنهم لا يقيلون. وقال الثوري: حرمت قيام الليل خمسة أشهر بذنب أذنبته، قيل وما ذاك الذنب؟ قال: رأيت رجلاً يبكي فقلت في نفسي هذا مراء وقال بعضهم: دخلت على كرز بن وبرة وهو يبكي فقلت أتاك نعي بعض أهلك؟ فقال: اشد؛ فقلت: وجع يؤلمك؟ قال: أشد؛ قلت: فما ذاك؟ قال: بابي مغلق وستري مسبل ولم أقرأ حزبي البارحة وما ذاك إلا بذنب أحدثته. وهذا لأن الخير يدعو إلى الخير والشر يدعو إلى الشر والقليل من كل واحد منهما يجر إلى الكثير. ولذلك قال أبو سليمان الداراني: لا تفوت أحداً صلاة الجماعة إلا بذنب وكان يقول الاحتلام بالليل عقوبة والجنابة بعد. وقال بعض العلماء: إذا صمت يا مسكين فانظر عند من تفطر وعلى أي شيء تفطر فإن العبد ليأكل أكلة فينقلب قلبه عما كان عليه ولا يعود إلى حالته الأولى. فالذنوب كلها تورث قساوة القلب وتمنع من قيام الليل، وأخصها بالتأثير تناول الحرام. وتؤثر اللقمة الحلال في تصفية القلب وتحريكه إلى الخير ما لا يؤثر غيرها ويعرف ذلك أهل المراقبة للقلوب بالتجربة بعد شهادة الشرع له. ولذلك قال بعضهم: كم من أكلة منعت قيام ليلة وكم من نظرة منعت قراءة سورة؟ وإن العبد ليأكل أكلة أو يفعل فعلة فيحرم بها قيام سنة. وكما أن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر فكذلك الفحشاء تنهى عن الصلاة وسائر الخيرات. وقال بعض السجانين كنت سجاناً نيفاً وثلاثين سنة أسأل كل مأخوذ بالليل أنه هل صلى العشاء في جماعة فكانوا يقولون: لا؟ وهذا تنبيه على أن بركة الجماعة تنهى عن تعاطي الفحشاء والمنكر.
وأما الميسرات الباطنة فأربعة أمور: الأول سلامة القلب عن الحقد على المسلمين وعن البدع وعن فضول هموم الدنيا فالمستغرق الهم بتدبير الدنيا لا يتيسر له القيام، وإن قام فلا يتفكر في صلاته إلا في مهماته ولا يجول إلا في وساوسه وفي مثل ذلك يقال: يخبرني البـواب أنـك نـائم وأنت إذا استيقظت أيضاً فنائم
الثاني: خوف غالب يلزم القلب مع قصر الأمل فإنه إذا تفكر في أهوال الآخرة ودركات جهنم طار نومه وعظم حذره كما قال طاوس: إن ذكر جهنم طير نوم العابدين. وكما حكي أن غلاماً بالبصرة اسمه صهيب كان يقوم الليل كله فقالت له سيدته: إن قيامك بالليل يضر بعملك بالنهار، فقال: إن صهيباً إذا ذكر النار لا يأتيه النوم وقيل لغلام آخر وهو يقوم كل الليل فقال: إذا ذكرت النار اشتد خوفي وإذا ذكرت الجنة اشتد شوقي فلا أقدر أن أنام وقال ذو النون المصري رحمه الله:


[poet font="Andalus,4,crimson,normal,normal" bkcolor="transparent" bkimage="backgrounds/8.gif" border="none,4,gray" type=0 line=200% align=center use=ex length=0 char="" num="0,black" filter=""]
منع القرآن بوعـده ووعـيده مقل العيون بليلها أن تهجعـا
فهموا عن الملك الجليل كلامه فرقابهم ذلت إليه تخضـعـا
[/poet]

وأنشدوا أيضاً:

[poet font="Andalus,4,seagreen,normal,normal" bkcolor="transparent" bkimage="backgrounds/7.gif" border="none,4,gray" type=0 line=200% align=center use=ex length=0 char="" num="0,black" filter=""]
يا طويل الرقاد والغفـلات كثرة النوم تورث الحسرات
إن في القبر إن نزلت إلـيه لرقاداً يطول بعد الممـات
ومهاداً ممهـداً لـك فـيه بذنوب عملت أو حسنـات
أأمنت البيات من ملك المـو ت وكم نال آمنـاً بـبـيات
[/poet]

وقال ابن المبارك:

[poet font="Andalus,4,indigo,normal,normal" bkcolor="transparent" bkimage="backgrounds/1.gif" border="none,4,gray" type=0 line=200% align=center use=ex length=0 char="" num="0,black" filter=""]
إذا ما الليل أظلم كابدوه فيسفر عنهم وهم ركوع
أطار الخوف نومهم فقامـوا وأهل الأمن في الدنيا هجوع
[/poet]

الثالث أن يعرف فضل قيام الليل بسماع الآيات والأخبار والآثار حتى يستحكم به رجاؤه وشوقه إلى ثوابه فيهيجه الشوق لطلب المزيد والرغبة في درجات الجنان؛ كما حكي أن بعض الصالحين رجع من غزوته فمهدت امرأته فراشها وجلست تنتظره فدخل المسجد ولم يزل يصلي حتى أصبح فقالت له زوجته: كنا ننتظرك مدة فلما قدمت صليت إلى الصبح؟ قال: والله إني كنت أتفكر في حوراء من حور الجنة طول الليل فنسيت الزوجة والمنزل فقمت طول ليلتي شوقاً إليها.
الرابع وهو أشرف البواعث؛ الحب لله وقوة الإيمان بأنه في قيامه لا يتكلم بحرف إلا وهو مناج ربه وهو مطلع عليه مع مشاهدة ما يخطر بقلبه وأن تلك الخطرات من الله تعالى خطاب معه، فإذا أحب الله تعالى أحب لا محالة الخلوة به وتلذذ بالمناجاة فتحمله لذة المناجاة بالحبيب على طول القيام. ولا ينبغي أن يستبعد هذه اللذة إذ يشهد لها العقل والنقل. فأما العقل فليعتبر حال المحب لشخص بسبب جماله أو الملك بسبب إنعامه وأمواله أنه كيف يتلذذ به في الخلوة ومناجاته حتى لا يأتيه النوم طول ليله. فإن قلت: إن الجميل يتلذذ بالنظر إليه وإن الله تعالى لا يرى؟ فاعلم أنه لو كان الجميل المحبوب وراء ستر أو كان في بيت مظلم لكان المحب يتلذذ بمجاورته المجردة دون النظر ودون الطمع في أمر آخر سواه. وكان يتنعم بإظهار حبه عليه وذكره بلسانه بمسمع منه وإن كان ذلك أيضاً معلوماً عنده. فإن قلت: إنه ينتظر جوابه فليتلذذ بسماع جوابه وليس يسمع كلام الله تعالى؟ فاعلم أنه إن كان يعلم أنه لا يجيبه ويسكت عنه فقد بقيت له أيضاً لذة في عرض أحواله عليه ورفع سريرته إليه كيف والموقن يسمع من الله تعالى كل ما يرد على خاطره في أثناء مناجاته فيتلذذ به؟ وكذا الذي يخلو بالملك ويعرض عليه حاجاته في جنح الليل يتلذذ به في رجاء إنعامه. والرجاء في حق الله تعالى أصدق وما عند الله خير وأبقى وأنفع مما عند غيره فكيف لا يتلذذ بعرض الحاجات عليه في الخلوات؟
وأما النقل فيشهد له أحوال قوام الليل في تلذذهم بقيام الليل واستقصارهم له كما يستقصر المحب ليلة وصال الحبيب حتى قيل لبعضهم: كيف أنت والليل؟ قال: ما راعيته قط يريني وجهه ثم ينصرف وما تأملته بعد. وقال آخر: أنا والليل فرسا رهان مرة يسبقني إلى الفجر ومرة يقطعني عن الفكر. وقيل لبعضهم: كيف الليل عليك؟ فقال: ساعة أنا فيها بين حالتين أفرح بظلمته إذا جاء وأغتم بفجره إذا طلع، ما تم فرحي به قط وقال علي بن بكار: منذ أربعين سنة ما أحزنني شيء سوى طلوع الفجر. وقال الفضيل بن عياض: إذا غربت الشمس فرحت بالظلام لخلوتي بربي وإذا طلعت حزنت لدخول الناس علي. وقال أبو سليمان: أهل الليل في ليلهم ألذ من أهل اللهو في لهوهم ولولا الليل ما أحببت البقاء في الدنيا. وقال أيضاً: لو عوض الله أهل الليل من ثواب أعمالهم ما يجدونه من اللذة لكان ذلك أكثر من ثواب أعمالهم. وقال بعض العلماء: ليس في الدنيا وقت يشبه نعيم أهل الجنة إلا ما يجده أهل التملق في قلوبهم بالليل من حلاوة المناجاة. وقال بعضهم: لذة المناجاة ليست من الدنيا إنما هي من الجنة أظهرها الله تعالى لأوليائه لا يجدها سواهم، وقال ابن المنكدر: ما بقي من لذات الدنيا إلا ثلاث قيام لليل ولقاء الإخوان والصلاة في الجماعة. وقال بعض العارفين: إن الله تعالى ينظر بالأسحار إلى قلوب المتيقظين فيملؤها أنواراً فترد الفوائد على قلوبهم فتستنير ثم تنتشر من قلوبهم العوافي إلى قلوب الغافلين. وقال بعض العلماء من القدماء: إن الله تعالى أوحى إلى بعض الصديقين إن لي عباداً من عبادي أحبهم ويحبونني ويشتاقون إلي وأشتاق إليهم ويذكرونني وأذكرهم وينظرون إلي وأنظر إليهم فإن حذوت طريقهم أحببتك وإن عدلت عنهم مقتك، قال يا رب وما علامتهم؟ قال يراعون الظلال بالنهار كما يراعي الراعي غنمه ويحنون إلى غروب الشمس كما تحن الطير إلى أوكارها فإذا جنهم الليل واختلط الظلام وخلا كل حبيب بحبيبه نصبوا إلى أقدامهم وافترشوا إلى وجوههم وناجوني بكلامي وتملقوا إلي بإنعامي فبين صارخ وباكي وبين متأوه وشاكي بعيني ما يتحملون من أجلي وبسمعي ما يشتكون من حبي أول ما أعطيهم أقذف من نوري في قلوبهم فيخبرون عني كما أخبر عنهم. والثانية: لو كانت السموات السبع والأرضون السبع وما فيهما في موازينهم لاستقللتها لهم. والثالثة: أقبل بوجهي عليهم أفترى من أقبلت بوجهي عليه أيعلم أحد ما أريد أن أعطيه؟ وقال مالك بن دينار رحمه الله إذا قام العبد يتهجد من الليل قرب منه الجبار عز وجل. وكانوا يرون ما يجدون من الرقة والحلاوة في قلوبهم والأنوار من قرب الرب تعالى من القلب وهذا له سر وتحقيق ستأتي الإشارة إليه في كتاب المحبة. وفي الأخبار عن الله عز وجل "أي عبدي أنا الله الذي اقتربت من قلبك وبالغيب رأيت نوري" وشكا بعض المريدين إلى أستاذه طول سهر الليل وطلب حيلة يجلب بها النوم فقال أستاذه: يا بني إن لله نفحات في الليل والنهار تصيب القلوب المتيقظة وتخطىء القلوب النائمة فتعرض لتلك النفحات؛ فقال: يا سيدي تركتني لا أنام بالليل ولا بالنهار.
واعلم أن هذه النفحات بالليل أرجى لما في قيام الليل من صفاء القلب واندفاع الشواغل وفي الخبر الصحيح عن جابر بن عبد الله عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال "إن من الليل ساعة لا يوافقها عبد مسلم يسأل الله تعالى خيراً إلا أعطاه إياه" وفي رواية أخرى "يسأل الله خيراً من أمر الدنيا والآخرة إلا أعطاه وذلك كل ليلة" ومطلوب القائمين تلك الساعة وهي مهمة في جملة الليل كليلة القدر في شهر رمضان وكساعة يوم الجمعة وهي ساعة النفحات المذكورة والله أعلم.


بيان طرق القسمة لأجزاء الليل :

اعلم أن إحياء الليل من حيث المقدار له سبع مراتب الأولى إحياء الليل وهذا شأن الأقوياء الذين تجردوا لعبادة الليل وتلذذوا بمناجاته وصار ذلك غذاء لهم وحياة لقلوبهم فلم يتعبوا بطول القيام وردوا المنام إلى النهار وفي وقت اشتغال الناس، وقد كان ذلك طريق جماعة من السلف كانوا يصلون الصبح بوضوء العشاء. حكى أبو طالب المكي أن ذلك حكي على سبيل التواتر والاشتهار عن أربعين من التابعين وكان فيهم من واظب عليه أربعين سنة، قال: منهم سعيد بن المسيب وصفوان بن سليم - المدنيان - وفضيل بن عياض ووهيب بن الورد - المكيان - وطاوس ووهب بن منبه - اليمانيان - والربيع بن خيثم والحكم - الكوفيان - وأبو سليمان الداراني وعلي بن بكار - الشاميان - وأبو عبد الله الخواص وأبو عاصم - العباديان - وحبيب أبو محمد وأبو جابر السلماني - الفارسيان - ومالك بن دينار سليمان التيمي ويزيد الرقاشي وحبيب بن أبي ثابت ويحيى البكاء - البصريون - وكهمس بن المنهال وكان يختم في الشهر تسعين ختمة وما لم يفهمه رجع وقرأه مرة أخرى.
وأيضاً من أهل المدينة: أبو حازم ومحمد بن المنكدر في جماعة يكثر عددهم المرتبة الثانية أن يقوم نصف الليل: وهذا لا ينحصر عدد المواظبين عليه من السلف. وأحسن فيه أن ينام الثلث الأول من الليل والسدس الأخير منه حتى يقع قيامه في جوف الليل ووسطه فهو الأفضل المرتبة الثالثة أن يقوم ثلث الليل: فينبغي أن ينام النصف الأول والسدس الأخير، وبالجملة نوم آخر الليل محبوب لأنه يذهب النعاس بالغداة، وكانوا يكرهون ذلك، ويقلل صفرة الوجه والشهرة به فلو قام أكثر الليل ونام سحراً قلت صفرة وجهه وقل نعاسه. وقالت عائشة رضي الله عنها "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أوتر من آخر الليل فإن كانت له حاجة إلى أهله دنا منهن وإلا اضطجع في مصلاه حتى يأتيه بلال فيؤذنه للصلاة" وقالت أيضاً رضي الله عنها "ما ألفيته بعد السحر إلا نائماً" حتى قال بعض السلف: هذه الضجعة قبل الصبح سنة، منهم أبو هريرة رضي الله عنه. وكان نوم هذا الوقت سبباً للمكاشفة والمشاهدة من وراء حجب الغيب وذلك لأرباب القلوب وفيه استراحة تعين على الورد الأول من أوراد النهار وقيام ثلث الليل من النصف الأخير. ونوم السدس الأخير قيام داود صلى الله عليه وسلم المرتبة الرابعة أن يقوم سدس الليل أو خمسه وأفضله أن يكون في النصف الأخير وقبل السدس الأخير منه المرتبة الخامسة أن لا يراعي التقدير فإن ذلك إنما يتيسر لنبي يوحى إليه أو لمن يعرف منازل القمر ويوكل به من يراقبه ويواظبه ويوقظه ثم ربما يضطرب في ليالي الغيم، ولكنه يقوم من أول الليل إلى أن يغلبه النوم فإذا انتبه قام فإذا غلبه النوم عاد إلى النوم.
فيكون له في الليل نومتان وقومتان وهو من مكابدة الليل وأشد الأعمال وأفضلها، وقد كان هذا من أخلاق رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو طريقة ابن عمر وأولي العزم من الصحابة وجماعة من التابعين رضي الله عنهم. وكان بعض السلف يقول: هي أول نومة فإذا انتبهت ثم عدت إلى النوم فلا أنام الله لي عيناً. فأما قيام رسول الله صلى الله عليه وسلم من حيث المقدار فلم يكن على ترتيب واحد بل ربما كان يقوم نصف الليل أو ثلثه أو سدسه يختلف ذلك في الليالي ودل عليه قوله تعالى في الموضعين من سورة المزمل "إن ربك يعلم أنك تقوم أدنى من ثلثي الليل ونصفه وثلثه" فأدنى من ثلثي الليل كأنه نصفه ونصف سدسه فإن كسر قوله "ونصفه وثلثه" كان نصف الثلثين وثلثه فيقرب من الثلث والربع. وإن نصب كان نصف الليل وقالت عائشة رضي الله عنها كان صلى الله عليه وسلم يقوم إذا سمع الصارخ" يعني الديك وهذا يكون السدس فما دونه. وروى غير واحد أنه قال "راعيت صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم في السفر ليلاً فنام بعد العشاء زماناً ثم استيقظ فنظر في الأفق فقال "ربنا ما خلقت هذا باطلاً" حتى بلغ "إنك لا تخلف الميعاد" ثم استل من فراشه سواكاً فاستاك به وتوضأ وصلى حتى قلت: صلى مثل الذي نام. ثم اضطجع حتى قلت نام مثل ما صلى. ثم استيقظ فقال ما قال أول مرة وفعل ما فعل أول مرة" المرتبة السادسة وهي الأقل: أن يقوم مقدار أربع ركعات أو ركعتين أو تتعذر عليه الطهارة فيجلس مستقبل القبلة ساعة مشتغلاً بالذكر والدعاء فيكتب في جملة قوام الليل برحمة الله وفضله. وقد جاء في الأثر: صل من الليل ولو قدر حلب شاة فهذه طرق القسمة فليختر المريد لنفسه ما يراه أيسر عليه. وحيث يتعذر عليه القيام في وسط الليل فلا ينبغي أن يهمل إحياء ما بين العشاءين والورد الذي بعد العشاء. ثم يقوم قبل الصبح وقت السحر فلا يدركه الصبح نائماً ويقوم بطرفي الليل "وهذه هي المرتبة السابعة ومهما كان النظر إلى المقدار فترتيب هذه المراتب بحسب طول الوقت وقصره: وأما في الرتبة الخامسة والسابعة لم ينظر فيهما إلى القدر فليس يجري أمرهما في التقدم والتأخر على الترتيب المذكور إذ السابعة ليست دون ما ذكرناه في السادسة، ولا الخامسة دون الرابعة.
بيان الليالي والأيام الفاضلة اعلم أن الليالي المخصوصة بمزيد الفضل التي يتأكد فيها استحباب الإحياء في السنة خمس عشرة ليلة لا ينبغي أن يغفل المريد عنها فإنها مواسم الخيرات ومظان التجارات. ومتى غفل التاجر عن المواسم لم يربح ومتى غفل المريد عن فضائل الأوقات لم ينجح. فستة من هذه الليالي في شهر رمضان: خمس في أوتار العشر الأخير إذ فيها يطلب ليلة القدر. وليلة سبع عشرة من رمضان - فهي ليلة صبيحتها يوم الفرقان يوم التقى الجمعان، فيه كانت وقعة بدر، وقال ابن الزبير رحمه الله: هي ليلة القدر - وأما التسع الأخر: فأول ليلة من المحرم. وليلة عاشوراء وأول ليلة من رجب وليلة النصف منه. وليلة سبع وعشرين منه وهي ليلة المعراج وفيها صلاة مأثورة فقد قال صلى الله عليه وسلم "للعامل في هذه الليلة حسنات مائة سنة" فمن صلى في هذه الليلة اثنتي عشرة ركعة يقرأ في كل ركعة فاتحة الكتاب وسورة من القرآن ويتشهد في كل ركعتين ويسلم في آخرهن ثم يقول "سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر مائة مرة ثم يستغفر الله مائة مرة ويصلي على النبي صلى الله عليه وسلم مائة مرة ويدعو لنفسه بما شاء من أمر دنياه وآخرته ويصبح صائماً فإن الله يستجيب دعاءه كله إلا أن يدعو في معصية - وليلة النصف من شعبان - ففيها مائة ركعة يقرأ في كل ركعة بعد الفاتحة سورة الإخلاص عشر مرات كانوا لا يتركونها كما أوردناه في صلاة التطوع - وليلة عرفة. وليلتا العيدين: قال صلى الله عليه وسلم "من أحيا ليلتي العيدين لم يمت قلبه يوم تموت القلوب".
وأما الأيام الفاضلة فتسعة عشر يستحب مواصلة الأوراد فيها: يوم عرفة. ويوم عاشوراء. ويوم سبعة وعشرين من رجب - له شرف عظيم روى أبو هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال "من صام يوم سبع وعشرين من رجب كتب الله له صيام ستين شهراً" وهو اليوم الذي أهبط الله فيه جبرائيل عليه السلام على محمد صلى الله عليه وسلم بالرسالة - ويوم سبعة عشر من رمضان - وهو يوم وقعة بدر - ويوم النصف من شعبان. ويوم الجمعة، ويوما العيدين والأيام المعلومات وهي عشر من ذي الحجة. والأيام المعدودات وهي أيام التشريق. وقد روى أنس عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال "إذا سلم يوم الجمعة سلمت الأيام وإذا سلم شهر رمضان سلمت السنة" وقال بعض العلماء: من أخذه مهناة في الأيام الخمسة في الدنيا لم ينل مهناة في الآخرة وأراد به العيدين والجمعة وعرفة وعاشوراء ومن فواضل الأيام في الأسبوع يوم الخميس والاثنين ترفع فيهما الأعمال إلى الله تعالى: وقد ذكرنا فضائل الأشهر والأيام للصيام في كتاب الصوم فلا حاجة إلى الإعادة والله أعلم، وصلى الله على كل عبد مصطفى من كل العالمين

[saa]يتبع بإذن الله[/saa]

_________________

يا خير من دفنت في التراب أعظمه فطاب من طيبهن القاع الأكم
نفسي الفداء لقبر أنت ساكنه فيه العفاف وفيه الجود والكرم
أنت الشفيع الذي ترجى شفاعته عند الصراط إذا ما زلّت القدم


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة:
مشاركة غير مقروءةمرسل: الأحد أكتوبر 23, 2005 2:52 pm 
غير متصل

اشترك في: السبت فبراير 21, 2004 10:56 pm
مشاركات: 1245
مكان: يا رب مع الحبيب و آله صلى الله عليه و آله وصحبه وسلم
[align=center]كتاب آداب الأكل
وهو الكتاب الأول من ربع العادات من كتاب إحياء العلوم [/align]


الحمد لله الذي أحسن تدبير الكائنات، فخلق الأرض والسموات. وأنزل الماء الفرات من المعصرات، فأخرج به الحب والنبات. والصلاة على محمد ذي المعجزات الباهرات، وعلى آله وأصحابه صلاة تتوالى على ممر الأوقات وتتضاعف بتعاقب الساعات، وسلم تسليماً كثيراً.
أما بعد،فإن مقصد ذوي الألباب لقاء الله تعالى في دار الثواب، ولا طريق إلى الوصول للقاء الله إلا بالعلم والعمل ولا تمكن المواظبة عليها إلا بسلامة البدن ولا تصفو سلامة البدن إلا بالأطعمة والأقوات، والتناول منها بقدر الحاجة على تكرار الأوقات، فمن هذا الوجه قال بعض السلف الصالحين: إن الأكل من الدين، وعليه نبه رب العالمين بقوله وهو أصدق القائلين "كلوا من الطيبات واعملوا صالحا" فمن يقدم على الأكل ليستعين به على العلم والعمل ويقوي به على التقوى فلا ينبغي أن يترك نفسه مهملاً سدى، يسترسل في الأكل استرسال البهائم في المرعى، فإن ما هو ذريعة إلى الدين ووسيلة إليه ينبغي أن تظهر أنوار الدين عليه. وإنما أنوار الدين آدابه وسننه التي يزم العبد بزمامها ويلجم المتقي بلجامها، حتى يتزن بميزان الشرع شهوة الطعام في إقدامها وإحجامها، فيصير بسببها مدفعة للوزر ومجلبة للأجر وإن كان فيها أوفى حظ للنفس. قال صلى الله عليه وسلم "إن الرجل ليؤجر حتى في اللقمة يرفعها إلى فيه وإلى في امرأته" وإنما ذلك إذا رفعها بالدين وللدين مراعياً فيه آدابه ووظائفه.
وها نحن نرشد إلى وظائف الدين في الأكل فرائضها وسننها وآدابها ومروءاتها وهيئاتها في أربعة أبواب، وفصل في آخرها. -الباب الأول- فيما لا بد للآكل من مراعاته وإن انفرد بالأكل -الباب الثاني- فيما يزيد من الآداب بسبب الاجتماع على الأكل -الباب الثالث- فيما يخص تقديم الطعام إلى الإخوان الزائرين -الباب الرابع- فيما يخص الدعوة والضيافة وأشباهها.


[align=center]الباب الأول
فيما لابد للمنفرد منه
[/align]


وهو ثلاثة أقسام: قسم قبل الأكل، وقسم مع الأكل، وقسم بعد الفراغ منه:

[align=center]القسم الأول
في الآداب التي تتقدم على الأكل[/align]


وهي سبعة:

الأول:
أن يكون الطعام بعد كونه حلالاً في نفسه طيباً في جهة مكسبه موافقاً للسنة والورع لم يكتسب بسبب مكروه في الشرع ولا بحكم هوى ومداهنة في دين - على ما سيأتي في معنى الطيب المطلق في كتاب الحلال والحرام - وقد أمر الله تعالى بأكل الطيب وهو الحلال وقدم النهي عن الأكل بالباطل على القتل تفخيماً لأمر الحرام وتعظيماً لبركة الحلال فقال تعالى "يا أيها الذين آمنوا لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل" إلى قوله "ولا تقتلوا أنفسكم" الآية، فالأصل في الطعام كونه طيباً وهو من الفرائض وأصول الدين.

الثاني:
غسل اليد قال صلى الله عليه وسلم "الوضوء قبل الطعام ينفي الفقر وبعده ينفي اللمم"وفي رواية "ينفي الفقر قبل الطعام وبعده" ولأن لا تخلو عن لوث في تعاطي الأعمال فغسلها أقرب إلى النظافة والنزاهة. ولأن الأكل لقصد الاستعانة على الدين عبادة فهو جدير بأن يقدم عليه ما يجري منه مجرى الطهارة من الصلاة.

الثالث:
أن يوضع الطعام على السفرة الموضوعة على الأرض فهو أقرب إلى فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم من رفعه على المائدة كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أتى بطعام وضعه على الأرض فهذا أقرب إلى التواضع فإن لم يكن فعلى السفرة فإنها تذكر السفر ويتذكر من السفر سفر الآخرة وحاجته إلى زاد التقوى. وقال أنس بن مالك رحمه الله "ما أكل رسول الله صلى الله عليه وسلم على خوان ولا في سكرجة" قيل فعلى ماذا كنتم تأكلون؟ قال على السفرة. وقيل: أربع أحدثت بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم: الموائد والمناخل والأشنان والشبع واعلم أن وإن قلنا الأكل على السفرة أولى فلسنا نقول الأكل على المائدة منهي عنه كراهة أو تحريم إذا لم يثبت فيه نهي. وما يقال إنه أبدع بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم فليس كل ما أبدع منهياً، بل المنهي بدعة تضاد سنة ثابتة وترفع أمراً من الشرع مع بقاء علته، بل الإبداع قد يجب في بعض الأحوال إذا تغيرت الأسباب وليس في المائدة إلا رفع الطعام عن الأرض لتيسير الأكل وأمثال ذلك مما لا كراهة فيه. والأربع التي جمعت في أنها مبدعة ليست متساوية بل الأشنان حسن لما فيه من النظافة فإن الغسل مستحب للنظافة والأشنان أتم في التنظيف، وكانوا لا يستعملونه لأنه ربما كان لا يعتاد عندهم أو لا يتيسر، أو كانوا مشغولين بأمور أهم من المبالغة في النظافة فقد كانوا لا يغسلون اليد أيضاً، وكانت مناديلهم أخمص أقدامهم وذلك لا يمنع كون الغسل مستحباً. وأما المنخل فالمقصود منه تطييب الطعام وذلك مباح ما لم ينتهي إلى التنعم المفرط. وأما المائدة فتيسير للأكل وهو أيضاً مباح ما لم ينتهي إلى الكبر والتعاظم. وأما الشبع فهو أشد هذه الأربعة فإنه يدعو إلى تهييج الشهوات وتحريك الأدواء في البدن فلتدرك التفرقة بين هذه المبدعات.

الرابع:
أن يحسن الجلسة على السفرة في أول جلوسه ويستديمها كذلك، كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ربما جثا للأكل على ركبتيه وجلس على ظهر قدميه وربما نصب رجله اليمنى وجلس على اليسرى وكان يقول "لا آكل متكئاً إنما أنا عبد آكل كما يأكل العبد وأجلس كما يجلس العبد" والشرب متكئاً مكروه للمعدة أيضاً ويكره الأكل نائماً ومتكئاً إلا ما يتنقل به من الحبوب. روى عن علي كرم الله وجهه أنه أكل كعكعاً على ترس وهو مضطجع ويقال منبطح على بطنه والعرب قد تفعله.

الخامس:
أن ينوي بأكله أن يتقوى به على طاعة الله تعالى ليكون مطيعاً بأكل ولا يقصد التلذذ والتنعم بالأكل. قال إبراهيم بن شيبان: منذ ثمانين سنة ما أكلت شيئاً لشهوتي. ويعزم مع ذلك على تقليل الأكل فإنه إذا أكل لأجل قوة العبادة لم تصدق نيته إلا بأكل مادون الشبع فإن الشبع يمنع من العبادة ولا يقوى عليها فمن ضرورة هذه النية كسر الشهوة وإيثار القناعة على الإتساع. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "ما ملأ آدمي وعاء شراً من بطنه حسب ابن آدم لقيمات يقمن صلبه فإن لم يفعل فثلث طعام وثلث شراب وثلث للنفس" ومن ضرورة هذه النية أن لا يمد اليد إلى الطعام إلا وهو جائع فيكون الجوع أحد ما لابد من تقديمه على الأكل. ثم ينبغي أن يرفع اليد قبل الشبع ومن فعل ذلك استغنى عن الطبيب وسيأتي فائدة قلة الأكل وكيفية التدريج في التقليل منه في كتاب كسر شهوة الطعام من ربع المهلكات .

السادس:
أن يرضى بالموجود من الرزق والحاضر من الطعام ولا يجتهد في التنعم وطلب الزيادة وانتظار الأدم بل من كرامة الخبز أن لا ينتظر به الأدم وقد ورد الأمر بإكرام الخبز فكل ما يديم الرمق ويقوي على العبادة فهو خير كثير لا ينبغي أن يستحقر بل لا ينتظر بالخبز الصلاة إن حضر وقتها إذا كان في الوقت متسع. قال صلى الله عليه وسلم "إذا حضر العشاء والعشاء فابدؤوا بالعشاء" وكان ابن عمر رضي الله عنهما ربما سمع قراءة الإمام ولا يقوم من عشائه. ومهما كانت النفس لا تتوق إلى الطعام ولم يكن في تأخير الطعام ضرر فالأولى تقديم الصلاة. فأما إذا حضر الطعام وأقيمت الصلاة وكان في التأخير ما يبرد الطعام أو يشوش أمره فتقديمه أحب عند اتساع الوقت، تاقت النفس أو لم تتق، لعموم الخير ولأن القلب لا يخلو عن الإلتفات إلى الطعام الموضوع وإن لم يكن الجوع غالباً.

السابع:
أن يجتهد في تكثير الأيدي على الطعام ولو من أهله وولده. قال صلى الله عليه وسلم "اجتمعوا على طعامكم يبارك لكم فيه" وقال أنس رضي الله عنه "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يأكل وحده وقال صلى الله عليه وسلم "خير الطعام ما كثرت عليه الأيدي".

[align=center]القسم الثاني
في آداب حالة الأكل[/align]
.

وهو أن يبدأ ب "بسم الله" في أوله وب "الحمد لله" في أخره. ولو قال مع كل لقمة "بسم الله" فهو حسن حتى لا يشغله الشره عن ذكر الله تعالى. ويقول مع القمة الأولى "بسم الله الرحمن الرحيم" ومع الثالثة "بسم الله الرحمن الرحيم" ويجهر به ليذكر غيره. ويأكل باليمنى ويبدأ بالملح ويختم به ويصغر اللقمة ويجود مضغها وما لم يبتلعها لم يمد اليد إلى الأخرى فإن ذلك عجلة في الأكل وأن لا يذم مأكولاً "كان صلى الله عليه وسلم لا يعيب مأكولاً كان إذا أعجبه أكله وإلا يتركه" وأن يأكل مما يليه إلا الفاكهة فإن له أن يجيل يده فيها قال صلى الله عليه وسلم "كل مما يليك" ثم كان صلى الله عليه وسلم يدور على الفاكهة، فقيل له في ذلك فقال "ليس هو نوعاً واحداً" وأن لا يأكل من دورة القصعة ولا من وسط الطعام بل يأكل من استدارة الرغيف إلا إذا قل الخبز فيكسر الخبز ولا يقطع بالسكين ولا يقطع اللحم أيضاً فقد نهى عنه وقال " انهشوه نهشاً" ولا يضع على الخبز ولا غيرها إلا ما يأكل به قال صلى الله عليه وسلم "أكرموا الخبز فإن الله تعالى أنزله من بركات السماء" وال يمسح يده بالخبز. وقال صلى الله عليه وسلم "إذا وقعت لقمة أحدكم فليأخذها وليمط ما كان بها من أذى ولا يدعها للشيطان ولا يمسح يده بالمنديل حتى يلعق أصابعه فإنه لا يدري في أي طعامه البركة" ولا ينفخ في الطعام الحار فهو منهي عنه بل يصبر إلى إن يسهل أكله ويأكل من التمر وتراً سبعاً أو إحدى عشرة أو إحدى وعشرين أو ما اتفق ولا يجمع بين التمر والنوى في طبق ولا يجمع في كفه بل يضع النواة من فيه على ظهر كفه ثم يلقيها، وكذا كل ما له عجم وثفل. وأن لا يكثر الشرب في أثناء الطعام إلا إذا غص بلقمة أو صدق عطشه فقد قيل إن ذلك مستحب في الطب وإنه دباغ المعدة.
وأما الشرب؛ فأدبه أن يأخذ الكوز بيمينه ويقول "بسم الله" ويشربه مصاً لا عباً قال صلى الله عليه وسلم "مصوا الماء مصاً ولا تعبوه عباً فإن الكباد من العب" ولا يشرب قائماً ولا مضطجعاً فإنه صلى الله عليه وسلم نهى عن الشرب قائماً وروي أنه صلى الله عليه وسلم شرب قائما ولعله لعذر. ويراعي أسفل الكوز حتى لا يقطر عليه وينظر في الكوز قبل الشرب ولا يتجشأ ولا يتنفس في الكوز بل ينحيه عن فمه بالحمد ويرده بالتسمية. وقد قال صلى الله عليه وسلم بعد الشرب "الحمد لله الذي جعله عذباً فراتاً برحمته ولم يجعله ملحاً أجاجاً بذنوبنا" والكوز وكل ما يدار على القوم يدار يمنة وقد شرب رسول الله صلى الله عليه وسلم لبناً وأبو بكر رضي الله عنه على يمينه شماله وأعرابي عن يمينه وعمر ناحيته فقال عمر رضي الله عنه" أعط أبا بكر فناول الأعرابي وقال الأيمن فالأيمن ويشب في ثلاثة أنفاس يحمد الله في أواخرها ويسمي الله في أوائلها ويقول في آخر النفس الأول "الحمد لله" وفي الثاني يزيد "رب العالمين" وفي الثالث يزيد "الرحمن الرحيم" فهذا قريب من عشرين أدباً في حالة الأكل والشرب دلت عليه الأخبار والآثار.


[align=center]القسم الثالث
ما يستحب بعد الطعام[/align]


وهو أن يمسك قبل الشبع ويلعق أصابعه ثم يمسح بالمنديل ثم يغسلها ويلتقط فتات الطعام قال صلى الله عليه وسلم "من أكل ما يسقط من المائدة عاش في سعة وعوفي في ولده" ويخلل ولا يبتلع كل ما يخرج من بين أسنانه بالخلال إلا ما يجمع من أصول أسنانه بلسانه أما المخرج بالخلال فيرميه وليتمضمض بعد الخلال ففيه أثر عن أهل البيت عليهم السلام. وأن يلعق القصعة ويشرب ماءها. ويقال: من لعق القصعة وغسلها وشرب ماءها كان له عتق رقبة. وأن التقاط الفتات مهور الحور العين وأن يشكر الله تعالى بقلبه على ما أطعمه فيرى الطعام نعمة منه قال الله تعالى "كلوا من طيبات ما رزقناكم واشكروا لله" ومهما أكل حلالاً قال: "الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات وتنزل البركات اللهم أطعمنا طيباً واستعملنا صالحاً". وإن أكل شبهة فليقل: "الحمد لله على كل حال اللهم لا تجعله قوة لنا على معصيتك،ويقرأ بعد الطعام قل هو الله أحد ولإيلاف قريش. ولا يقوم عن المائدة حتى ترفع أولاً فإن أكل طعام الغير فليدع له وليقل: اللهم أكثر خيره وبارك له فيما رزقته ويسر له أن يفعل فيه خيراً وقنعه بما أعطيته واجعلنا وإياه من الشاكرين. وإن أفطر عند قوم فليقل: أفطر عندكم الصائمون وأكل طعامكم الأبرار وصلت عليكم الملائكة. وليكثر الإستغفار والحزن على ما أكل من شبهة ليطفئ بدموعه وحزنه حر النار التي تعرض لها لقوله صلى الله عليه وسلم "كل لحم نبت من حرام فالنار أولى به" وليس من يأكل ويبكي كمن يأكل ويلهو. ولقل إذا أكل لبناً: اللهم بارك لنا فيما رزقتنا وزدنا منه فإن أكل غيره قال: "اللهم بارك لنا فيما رزقتنا وارزقنا خيراً منه"، فذلك الدعاء مما خص به رسول الله صلى الله عليه وسلم اللبن لعموم نفعه. ويستحب عقب الطعام أن يقول: "الحمد لله الذي أطعمنا وسقانا وكفانا وآوانا سيدنا ومولانا كافي من كل شيء ولا يكفى منه شيء أطعمت من جوع وآمنت من خوف فلك الحمد آويت من يتم وهديت من ضلالة وأغنيت من عيلة فلك الحمد حمداً كثيراً دائماً طيباً نافعاً مباركاً فيه كما أنت أهله ومستحقه اللهم أطعمنا طيباً فاستعملنا صالحاً واجعله عوناً لنا عن طاعتك ونعوذ بك أن نستعين به على معصيتك"، وأما غسل اليدين بالأشنان فيكفيه أن يجعل الأشنان في كفه اليسرى ويغسل الأصابع الثلاث من اليمنى أول، ويضرب أصابعه على الأشنان اليابس فيمسح به شفتيه، ثم ينعم غسل الفم بإصبعه ويدلك ظاهر أسنانه وباطنها والحنك واللسان، ثم يغسل أصابعه من ذلك بالماء ثم يدلك ببقية الأشنان اليابس أصابعه ظهراً وبطناً ويستغني بذلك عن إعادة الأشنان إلى الفم وإعادة غسله.

[saa]يتبع بإذن الله[/saa]

_________________

يا خير من دفنت في التراب أعظمه فطاب من طيبهن القاع الأكم
نفسي الفداء لقبر أنت ساكنه فيه العفاف وفيه الجود والكرم
أنت الشفيع الذي ترجى شفاعته عند الصراط إذا ما زلّت القدم


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
عرض مشاركات سابقة منذ:  مرتبة بواسطة  
إرسال موضوع جديد الرد على الموضوع  [ 167 مشاركة ]  الانتقال إلى صفحة السابق  1, 2, 3, 4, 5, 6, 7, 8 ... 12  التالي

جميع الأوقات تستخدم GMT + ساعتين


الموجودون الآن

المستخدمون المتصفحون لهذا المنتدى: لا يوجد أعضاء مسجلين متصلين و 16 زائر/زوار


لا تستطيع كتابة مواضيع جديدة في هذا المنتدى
لا تستطيع كتابة ردود في هذا المنتدى
لا تستطيع تعديل مشاركاتك في هذا المنتدى
لا تستطيع حذف مشاركاتك في هذا المنتدى
لا تستطيع إرفاق ملف في هذا المنتدى

البحث عن:
الانتقال الى:  
© 2011 www.msobieh.com

جميع المواضيع والآراء والتعليقات والردود والصور المنشورة في المنتديات تعبر عن رأي أصحابها فقط