موقع د. محمود صبيح

منتدى موقع د. محمود صبيح

جميع الأوقات تستخدم GMT + ساعتين



إرسال موضوع جديد الرد على الموضوع  [ 167 مشاركة ]  الانتقال إلى صفحة السابق  1, 2, 3, 4, 5, 6, 7 ... 12  التالي
الكاتب رسالة
 عنوان المشاركة:
مشاركة غير مقروءةمرسل: الاثنين أغسطس 22, 2005 4:20 pm 
غير متصل

اشترك في: السبت فبراير 21, 2004 10:56 pm
مشاركات: 1245
مكان: يا رب مع الحبيب و آله صلى الله عليه و آله وصحبه وسلم
[align=center]بيان تفصيل ما ينبغي أن يحضر في القلب
عند كل ركن وشرط - من أعمال الصلاة [/align]


فنقول: حقك إن كنت من المريدين للآخرة أن لا تغفل أولاً عن التنبيهات التي في شروط الصلاة وأركانها. أما الشروط السوابق فهي الأذان والطهارة وستر العورة واستقبال القبلة والانتصاب قائماً والنية. فإذا سمعت نداء المؤذن فأحضر في قلبك هول النداء يوم القيامة وتشمر بظاهرك وباطنك للإجابة والمسارعة؛ فإن المسارعين إلى هذا النداء هم الذين ينادون باللطف يوم العرض الأكبر فاعرض قلبك على هذا النداء فإن وجدته مملوءاً بالفرح والاستبشار مشحوناً بالرغبة إلى الابتدار فاعلم أنه يأتيك النداء بالبشرى والفوز يوم القضاء. ولذلك قال صلى الله عليه وسلم "أرحنا يا بلال" أي أرحنا بها وبالنداء إليها إذ كان قرة عينه فيها صلى الله عليه وسلم. وأما الطهارة فإذا أتيت بها في مكانك وهو ظرفك الأبعد ثم في ثيابك وهي غلافك الأقرب، ثم في بشرتك وهي قشرك الأدنى فلا تغفل عن لبك الذي هو ذاتك وهو قلبك فاجتهد له تطهيراً بالتوبة والندم على ما فرطت وتصميم العزم على الترك في المستقبل فطهر بها باطنك فإنه موضع نظر معبودك. وأما ستر العورة فاعلم أن معناه تغطية مقابح بدنك عن أبصار الخلق فإن ظاهر بدنك موقع لنظر الخلق فما بالك في عورات باطنك وفضائح سرائرك التي لا يطلع عليها إلا ربك عز وجل؟ فأحضر تلك الفضائح ببالك وطالب نفسك بسترها وتحقق أنه لا يستر عن عين الله سبحانه ساتر. وإنما يغفرها الندم والحياء والخوف فتستفيد بإحضارها في قلبك انبعاث جنود الخوف والحياء من مكامنهما فتدل بها بنفسك ويستكين تحت الخجلة قلبك وتقوم بين يدي الله عز وجل قيام العبد المجرم المسيء الآبق الذي ندم فرجع إلى مولاه ناكساً رأسه من الحياء والخوف
وأما الاستقبال فهو صرف ظاهر وجهك عن سائر الجهات إلى جهة بيت الله تعالى، أفترى أن صرف القلب عن سائر الأمور إلى الله عز وجل ليس مطلوباً منك هيهات فلا مطلوب سواه. وإنما هذه الظواهر تحريكات للبواطن وضبط للجوارح وتسكين لها بالإثبات في جهة واحدة حتى لا تبيغ على القلب فإنها إذا بغت وظلمت في حركاتها والتفاتها إلى جهاتها استتبعت القلب وانقلبت به عن وجه الله عز وجل فليكن وجه قلبك مع وجه بدنك. فاعلم أنه كما لا يتوجه الوجه إلى جهة البيت إلا بالانصراف عن غيرها فلا ينصرف القلب إلى الله عز وجل إلا بالتفرغ عما سواه وقد قال صلى الله عليه وسلم "إذا قام العبد إلى صلاته فكان هواه ووجهه وقلبه إلى الله عز وجل انصرف كيوم ولدته أمه" وأما الاعتدال قائماً فإنما هو مثول بالشخص والقلب بين يدي الله عز وجل، فليكن رأسك الذي هو أرفع أعضائك مطرقاً مطأطئاً متنكساً، وليكن وضع الرأس عن ارتفاعه تنبيهاً على إلزام القلب التواضع والتذلل والتبري عن الترؤس والتكبر، وليكن على ذكرك ههنا خطر القيام بين يدي الله عز وجل في هول المطلع عند العرض للسؤال. واعلم في الحال أنك قائم بين يدي الله عز وجل وهو مطلع عليك فقم بين يديه قيامك بين يدي بعض ملوك الزمان إن كنت تعجز عن معرفة كنه جلاله بل قدر في دوام قيامك في صلاتك أنك ملحوظ ومرقوب بعين كالئة من رجل صالح من أهلك أو ممن ترغب في أن يعرفك بالصلاح، فإنه تهدأ عند ذلك أطرافك وتخشع جوارحك وتسكن جميع أجزائك خيفة أن ينسبك ذلك العاجز المسكين إلى قلة الخشوع، وإذا أحسست من نفسك بالتماسك عند ملاحظة عبد مسكين فعاتب نفسك وقل لها: إنك تدعين معرفة الله وحبه أفلا تستحين من استجرائك عليه مع توقيرك عبداً من عباده أو تخشين الناس ولا تخشينه وهو أحق أن يخشى؟ ولذلك لما قال أبو هريرة "كيف الحياء من الله فقال صلى الله عليه وسلم تستحي منه كما تستحي من الرجل الصالح من قومك" وروي "من أهلك" وأما النية فاعزم على إجابة الله عز وجل في امتثال أمره بالصلا وإتمامها والكف عن نواقضها ومفسداتها وإخلاص جميع ذلك لوجه الله سبحانه رجاء لثوابه وخوفاً من عقابه وطلباً للقربة منه متقلداً للمنة منه بإذنه إياك في المناجاة مع سوء أدبك وكثرة عصيانك، وعظم في نفسك قدر مناجاته وانظر من تناجي وكيف تناجي وبماذا تناجي؟ وعند هذا ينبغي أن يعرق جبينك من الخجل وترتعد فرائصك من الهيبة ويصفر وجهك من الخوف. وأما التكبير فإذا نطق به لسانك فينبغي أن لا يكذبه قلبك فإن كان في قلبك شيء هو أكبر من الله سبحانه فالله يشهد إنك لكاذب وإن كان الكلام صدقاً كما شهد على المنافقين في قولهم: إنه صلى الله عليه وسلم رسول الله. فإن كان هواك أغلب عليك من أمر الله عز وجل فأنت أطوع له منك لله تعالى فقد اتخذته إلهك وكبرته فيوشك أن يكون قولك "الله أكبر" كلاماً باللسان المجرد وقد تخلف القلب عن مساعدته؛ وما أعظم الخطر في ذلك لولا التوبة والاستغفار وحسن الظن بكرم الله تعالى وعفوه
وأما دعاء الاستفتاح فأول كلماته قولك "وجهت وجهي للذي فطر السموات والأرض" وليس المراد بالوجه الوجه الظاهر فإنك إنما وجهته إلى جهة القبلة والله سبحانه يتقدس عن أن تحده الجهات حتى تقبل بوجه بدنك عليه. وإنما وجه القلب هو الذي تتوجه به إلى فاطر السموات والأرض فانظر إليه أمتوجه هو إلى أمانيه وهمه في البيت والسوق متبع للشهوات أو مقبل على فاطر السموات؟ وإياك أن تكون أول مفاتحتك للمناجاة بالكذب والاختلاق. ولن ينصرف الوجه إلى الله تعالى إلا بانصرافه عما سواه فاجتهد في الحال في صرفه إليه وإن عجزت عنه على الدوام فليكن قولك في الحال صادقاً. وإذا قلت "حنيفاً مسلماً" فينبغي أن يخطر ببالك أن المسلم هو الذي سلم المسلمون من لسانه ويده فإن لم تكن كذلك كنت كاذباً فاجتهد في أن تعزم عليه في الاستقبال وتندم على ما سبق من الأحوال. وإذا قلت "وما أنا من المشركين" فأخطر ببالك الشرك الخفي فإن قوله تعالى "فمن كان يرجو لقاء ربه فليعمل عملاً صالحاً ولا يشرك بعبادة ربه أحداً" نزل فيمن يقصد بعبادته وجه الله وحمد الناس وكن حذراً مشفقاً من هذا الشرك، واستشعر الخجلة في قلبك إن وصفت نفسك بأنك لست من المشركين من غير براءة عن هذا الشرك فإن اسم الشرك يقع على القليل والكثير منه. وإذا قلت "محياي ومماتي لله" فاعلم أن هذا حال عبد مفقود لنفسه موجود لسيده وأنه إن صدر ممن رضاه غضبه وقيامه وقعوده ورغبته في الحياة ورهبته من الموت لأمور الدنيا لم يكن ملائماً للحال. وإذا قلت "أعوذ بالله من الشيطان الرجيم" فاعلم أنه عدوك ومترصد لصرف قلبك عن الله عز وجل حسداً لك على مناجاتك مع الله عز وجل وسجودك له مع أنه لعن بسبب سجدة واحدة تركها ولم يوفق لها، وأن استعاذتك بالله سبحانه منه بترك ما يحبه وتبديله بما يحب الله عز وجل لا بمجرد قولك، فإن من قصده سبع أو عدو ليفرسه أو يقتله فقال: أعوذ منك بذلك الحصن الحصين وهو ثابت على مكانه، فإن ذلك لا ينفعه، بل لا يعيذه إلا تبديل المكان؛ فكذلك من يتبع الشهوات التي هي محاب الشيطان ومكاره الرحمن فلا يغنيه مجرد القول فليقترن قوله بالعزم على التعوذ بحصن الله عز وجل عن شر الشيطان وحصنه "لا إله إلا الله" إذ قال عز وجل فيما أخبر عنه نبينا صلى الله عليه وسلم "لا إله إلا الله حصني فمن دخل حصني أمن من عذابي" والمتحصن به لا معبود له سوى الله سبحانه فأما من اتخذ إلهه هواه فهو في ميدان الشيطان لا في حصن الله عز وجل.
واعلم أن من مكايده أن يشغلك في صلاتك بذكر الآخرة وتدبير فعل الخيرات ليمنعك عن فهم ما تقرأ. فاعلم أن كل ما يشغلك عن فهم معاني قراءتك فهو وسواس فإن حركة اللسان غير مقصودة بل المقصود معانيها: فأما القراءة فالناس فيها ثلاثة، رجل يتحرك لسانه وقلبه غافل ورجل يتحرك لسانه وقلبه يتبع اللسان فيفهم ويسمع منه كأنه يسمعه من غيره وهي درجات أصحاب اليمين، ورجل يسبق قلبه إلى المعاني أولاً ثم يخدم اللسان القلب فيترجمه. ففرق بين أن يكون السان ترجمان القلب أو يكون معلم القلب والمقربون لسانهم ترجمان يتبع القلب ولا يتبعه القلب. وتفصيل ترجمة المعاني أنك إذا قلت "بسم الله الرحمن الرحيم" فانو به التبرك لابتداء القراءة لكلام الله سبحانه، وافهم أن الأمور كلها بالله سبحانه. وأن المراد بالاسم ههنا هو المسمى. وإذا كانت الأمور بالله سبحانه فلا جرم كان "الحمد لله" ومعناه أن الشكر لله إذ النعم من الله. ومن يرى من غير الله نعمة أو يقصد غير الله سبحانه بشكر لا من حيث إنه مسخر من الله عز وجل ففي تسميته وتحميده نقصان بقدر التفاته إلى غير الله تعالى. فإذا قلت "الرحمن الرحيم" فأحضر في قلبك جميع أنواع لطفه لتتضح لك رحمته فينبغث بها رجاؤك. ثم استثر من قلبك التعظيم والخوف بقولك "مالك يوم الدين" أما العظمة فلأنه لا ملك إلا له وأما الخوف فلهول يوم الجزاء والحساب الذي هو مالكه. ثم جدد الإخرص بقولك "إياك نعبد" وجدد العجز والاحتياج والتبري من الحول والقوة بقولك و "إياك نستعين" وتحقق أنه ما تيسرت طاعتك إلا بإعانته وأن له المنة إذ وفقك لطاعته واستخدمك لعبادته وجعلك أهلاً لمناجاته. ولو حرمك التوفيق لكنت من المطرودين مع الشيطان اللعين.

ثم إذا فرغت من التعوذ ومن قولك "بسم الله الرحمن الرحيم" ومن التحميد ومن إظهار الحاجة إلى الإعانة مطلقاً فعين سؤالك ولا تطلب إلا أهم حاجاتك وقل "إهدا الصراط المستقيم" الذي يسوقنا إلى جوارك ويفضي بنا إلى مرضاتك. وزده شرحاً وتفصيلاً وتأكيداً واستشهاداً بالذين أفاض عليهم نعمة الهداية من النبيين والصدقين والشهداء والصالحين دون الذين غضب عليهم من الكفار والزائغين من اليهود والنصارى والصابئين ثم التمس الإجابة وقل "آمين" فإذا تلوت الفاتحة كذلك فيشبه أن تكون من الذين قال الله تعالى فيهم فيما أخبر عنه النبي صلى الله عليه وسلم "قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين نصفها لي ونصفها لعبدي ولعبدي ما سأل" يقول العبد "الحمد لله رب العالمين" فيقول الله عز وجل: حمدني عبدي وأثنى علي. وهو معنى قوله "سمع الله لمن حمده... الحديث الخ" فلو لم يكن لك من صلاتك حظ سوى ذكر الله لك في جلاله وعظمته فناهيك بذلك غنيمة فكيف بما ترجوه من ثوابه وفضله؟ وكذلك ينبغي أن تفهم ما تقرؤه من السور - كما سيأتي في كتاب تلاوة القرآن - فلا تغفل عن أمره ونهيه ووعده ووعيده ومواعظه وأخبار أنبيائه وذكر مننه وإحسانه. ولكل واحد حق فالرجاء حق الوعد؛ والخوف حق الوعيد؛ والعزم حق الأمر والنهي؛ والاتعاظ حق الموعظة، والشكر حق ذكر المنة، والاعتبار حق إخبار الأنبياء. وروي أن زرارة بن أوفى لما انتهى إلى قوله تعالى "فإذا نقر في الناقور" خر ميتاً وكان إبراهيم النخعي إذا سمع قوله تعالى "إذا السماء انشقت" اضطرب حتى تضطرب أوصاله. وقال عبد الله بن واقد: رأيت ابن عمر يصلي مغلوباً عليه؛ وحق له أن يحترق قلبه بوعد سيده ووعيده فإنه عبد مذنب ذليل بين يدي جبار قاهر. وتكون هذه المعاني بحسب درجات الفهم ويكون الفهم بحسب وفور العلم وصفاء القلب. ودرجات ذلك لا تنحصر. والصلاة مفتاح القلوب فيها تنكشف أسرار الكلمات فهذا حق القراءة وهو حق الأذكار والتسبيحات أيضاً. ثم يراعي الهيبة في القراءة فيرتل ولا يسرد فإن ذلك أيسر للتأمل. ويفرق بين نغماته في آية الرحمة والعذاب والوعد والوعيد والتحميد والتعظيم والتمجيد. كان النخعي إذا مر بمثل قوله عز وجل "ما اتخذ الله من ولد وما كان معه من إله" يخفض صوته كالمستحي عن أن يذكره بكل شيء لا يليق به. وروي أنه يقال لقارىء القرآن "اقرأ وارق ورتل كما كنت ترتل في الدنيا" وأما دوام القيام فإنه تنبيه على إقامة القلب مع الله عز وجل على نعت واحد من الحضور قال صلى الله عليه وسلم "إن الله عز وجل مقبل على المصلي ما لم يلتفت" وكما تجب حراسة الرأس والعين عن الالتفات إلى الجهات فكذلك تجب حراسة السر عن الالتفات إلى غير الصلاة. فإذا التفت إلى غيره فذكره باطلاع الله عليه وبقبح التهاون بالمناجي عند غفلة المناجي ليعود إليه. وألزم لخشوع القلب فإن الخلاص عن الالتفات باطناً وظاهراً ثمرة الخشوع. ومهما خشع الباطن خشع الظاهر قال صلى الله عليه وسلم وقد رأى رجلاً مصلياً يعبث بلحيته "أما هذا لو خشع قلبه لخشعت جوارحه" فإن الرعية بحكم الراعي. ولهذا ورد في الدعاء "اللهم أصلح الراعي والرعية" وهو القلب والجوارح. وكان الصديق رضي الله عنه في صلاته كأنه وتد. وابن الزبير رضي الله عنه كأنه عود. وبعضهم كان يسكن في ركوعه بحيث تقع العصافير عليه كأنه جماد، وكل ذلك يقتضيه الطبع بين يدي من يعظم من أبناء الدنيا فكيف لا يتقاضاه بين يدي ملك الملوك عند من يعرف ملك الملوك؟ وكل من يطمئن بين يدي غير الله عز وجل خاشعاً وتضطرب أطرافه بين يدي الله عابثاً فذلك لقصور معرفته عن جلال الله عز وجل وعن إطلاعه على سره وضميره. وقال عكرمة في قوله عز وجل "الذي يراك حين تقوم وتقلبك في الساجدين" قال: قيامه وركوعه وسجوده وجلوسه. وأما الركوع والسجود فينبغي أن تجدد عندهما ذكر كبرياء الله سبحانه وترفع يديك مستجيراً بعفو الله عز وجل من عقابه بتجديد نية ومتبعاً سنة نبيه صلى الله عليه وسلم. ثم تستأنف له ذلاً وتواضعاً بركوعك وتجتهد في ترقيق قلبك وتجديد خشوعك وتستشعر ذلك وعز مولاك واتضاعك وعلو ربك. وتستعين على تقرير ذلك في قلبك بلسانك فتسبح ربك وتشهد له بالعظمة وأنه أعظم من كل عظيم وتكرر ذلك على قلبك لتؤكده بالتكرار. ثم ترتفع من ركوعك راجياً أنه راحم لك ومؤكداً للرجاء في نفسك بقولك "سمع الله لمن حمده" أي أجاب لمن شكره. ثم تردف ذلك الشكر المتقاضي للمزيد فتقول "ربنا لك الحمد" وتكثر الحمد بقولك "ملء السموات وملء الأرض" ثم تهوي إلى السجود وهو أعلى درجات الاستكانة فتمكن أعز أعضائك وهو الوجه من أذل الأشياء وهو التراب. وإن أمكنك أنلا تجعل بينهما حائلاً فتسجد على الأرض فافعل فإنه أجلب للخشوع وأدل على الذل. وإذا وضعت نفسك موضع الذل فاعلم أنك وضعتها موضعها ورددت الفرع إلى أصله فإنك من التراب خلقت وإليه تعود فعند هذا جدد على قلبك عظمة الله وقل "سبحان ربي الأعلى" وأكده بالتكرار فإن الكرة الواحدة ضعيفة الأثر فإذا رق قلبك وظهر ذلك فلتصدق رجاءك في رحمة الله فإن رحمته تتسارع إلى الضعف والذل لا إلى التكبر والبطر فارفع رأسك مكبراً وسائلاً حاجتك وقائلاً "رب اغفر وارحم وتجاوز عما تعلم" أو ما أردت من الدعاء. ثم أكد التواضع بالتكرار فعد إلى السجود ثانياً كذلك. وأما التشهد فإذا جلست له فاجلس متأدباً وصرح بأن جميع ما تدلي به من الصلوات والطيبات أي من الأخلاق الطاهرة لله. وكذلك الملك لله وهو معنى "التحيات" وأحضر في قلبك النبي صلى الله عليه وسلم وشخصه الكريم وقل "سلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته" وليصدق أملك في أنه يبلغه ويرد عليك ما هو أوفى منه. ثم تسلم على نفسك وعلى جميع عباد الله الصالحين. ثم تأمل أن يرد الله سبحانه عليك سلاماً وافياً بعدد عباده الصالحين. ثم تشهد له تعالى بالوحدانية ولمحمد نبيه صلى الله عليه وسلم بالرسالة مجدداً عهد الله سبحانه بإعادة كلمتي الشهادة ومستأنفاً للتحصن بها. ثم ادع في آخر صلاتك بالدعاء المأثور مع التواضع والخشوع والضراعة والابتهال وصدق الرجاء بالإجابة. وأشرك في دعائك أبويك وسائر المؤمنين. واقصد عند التسليم السلام على الملائكة والحاضرين وانو ختم الصلاة به. واستشعر شكر الله سبحانه على توفيقه لإتمام هذه الطاعة. وتوهم أنك مودع لصلاتك هذه وأنك ربما لا تعيش لمثلها. وقال صلى الله عليه وسلم للذي أوصاه "صل صلاة مودع" ثم أشعر قلبك الوجل والحياء من التقصير في الصلاة، وخف أن لا تقبل صلاتك وأن تكون ممقوتاً بذنب ظاهر أو باطن فترد صلاتك في وجهك، وترجو مع ذلك أن يقبلها بكرمه وفضله. كان يحيى بن وثاب إذا صلى مكث ما شاء الله تعرف عليه كآبة الصلاة. وكان إبراهيم يمكث بعد الصلاة ساعة كأنه مريض. فهذا تفصيل صلاة الخاشعين، الذين هم في صلاتهم خاشعون... والذين هم على صلواتهم يحافظون... والذين هم على صلاتهم دائمون. والذين هم يناجون الله على قدر استطاعتهم في العبودية فليعرض الإنسان نفسه على هذه الصلاة، فبالقدر الذي يسر له منه ينبغي أن يفرح وعلى ما يفوته ينبغي أن يتحسر وفي مداراة ذلك ينبغي أن يجتهد. وأما صلاة الغافلين فهي محظرة إلا أن يتغمده الله برحمته والرحمة واسعة والكرم فائض فنسأل الله أن يتغمدنا برحمته ويغمرنا بمغفرته إذ لا وسيلة لنا إلا الاعتراف بالعجز عن القيام بطاعته. واعلم ان تخليص الصلاة عن الآفات وإخلاصها لوجه الله عز وجل وأداءها بالشروط الباطنة التي ذكرناها من الخشوع والتعظيم والحياء سبب لحصول أنوار في القلب تكون تلك الأنوار مفاتيح علوم المكاشفة. فأولياء الله المكاشفون بملكوت السموات والأرض وأسرار الربوبية إنما يكاشفون في الصلاة لاسيما في السجود إذ يتقرب العبد من ربه عز وجل بالسجود. ولذلك قال تعالى "واسجد واقترب" وإنما تكون مكاشفة كل مصل على قدر صفائه عن كدورات الدنيا، ويختلف ذلك بالقوة والضعف والقلة والكثرة وبالجلاء والخفاء حتى ينكشف لبعضهم الشيء بعينه وينكشف لبعضهم الشيء بمثاله، كما كشف لبعضهم الدنيا في صورة جيفة والشيطان في صورة كلب جاثم عليها يدعو إليها. ويختلف أيضاً بما فيه المكاشفة فبعضهم ينكشف له من صفات الله تعالى وجلاله ولبعضهم من أفعاله ولبعضهم من دقائق علوم المعاملة. ويكون لتعين تلك المعاني في كل وقت أسباب خفية لا تحصى وأشدها مناسبة الهمة فإنها إذا كانت مصروفة إلى شيء معين كان ذلك أولى بالانكشاف ولما كانت هذه الأمور لا تتراءى إلا في المرائي الصقيلة وكانت المرآة صدئة فاحتجبت عنها الهداية لا لبخل من جهة المنعم بالهداية بل لخبث متراكم الصدإ على مصب الهداية تسارعت الألسنة إلى إنكار مثل ذلك، إذ الطبع مجبول على إنكار غير الحاضر، ولو كان للجنين عقل لأنكر إمكان وجود الإنسان في متسع الهواء، ولو كان للطفل تمييز ما ربما أنكر ما يزعم العقلاء إدراكه من ملكوت السموات والأرض، وهكذا الإنسان في كل طور يكاد ينكر ما بعده. ومن أنكر طور الولاية لزمه أن ينكر طور النبوة، وقد خلق الخلق أطواراً فلا ينبغي أن ينكر كل واحد ما وراء درجته، نعم لما طلبوا هذا من المجادلة والمباحثة المشوشة ولم يطلبوها من تصفية القلوب عما سوى الله عز وجل فقدوه فأنكروه. ومن لم يكن من أهل المكاشفة فلا أقل من أن يؤمن بالغيب ويصدق به إلى أن يشاهد بالتجربة ففي الخبر "إن العبد إذا قام في الصلاة رفع الله سبحانه الحجاب بينه وبين عبده وواجهه بوجهه وقامت الملائكة من لدن منكبيه إلى الهواء بصلاته ويؤمنون على دعائه - وإن المصلي لينثر عليه البر من عنان السماء إلى مفرق رأسه وينادي مناد: لو علم هذا المناجي ما التفت. وإن أبواب السماء تفتح للمصلين. وإن الله عز وجل يباهي ملائكته بعبده المصلي" ففتح أبواب السماء ومواجهة الله تعالى إياه بوجهه كناية عن الكشف الذي ذكرناه. وفي التوراة مكتوب: يا ابن آدم لا تعجز أن تقوم بين يدي مصلياً باكياً فأنا الله الذي اقتربت من قلبك وبالغيب رأيت نوري، قال: فكنا نرى أن تلك الرقة والبكاء والفتوح الذي يجده المصلي في قلبه من دنو الرب سبحانه من القلب. وإذا لم يكن هذا الدنو هو القرب بالمكان فلا معنى له إلا الدنو بالهداية والرحمة وكشف الحجاب. ويقال إن العبد إذا صلى ركعتين عجب منه عشرة صفوف من الملائكة كل صف منهم عشرة آلاف وباهى الله به مائة ألف ملك. وذلك أن العبد قد جمع في الصلاة بين القيام والقعود والركوع والسجود وقد فرق الله ذلك على أربعين ألف ملك، فالقائمون لا يركعون إلى يوم القيامة والساجدون لا يرفعون إلى يوم القيامة، وهكذا الراكعون والقاعدون، فإن ما رزق تعالى الملائكة من القرب والرتبة لازم مستمر على حال واحد لا يزيد ولا ينقص لذلك أخبر الله عنهم أنهم قالوا "وما منا إلا له مقام معلوم" وفارق الإنسان الملائكة في الترقي من درجة إلى درجة فإنه لا يزال يتقرب إلى الله تعالى فيستفيد مزيد قربه وباب المزيد مسدود على الملائكة عليهم السلام وليس لكل واحد إلا رتبته التي هي وقف عليه. وعبادته التي هو مشغول بها لا ينتقل إلى غيرها ولا يفتر عنها "لا يستكبرون عن عبادته ولا يستحسرون يسبحون الليل والنهار لا يفترون" ومفتاح مزيد الدرجات هي الصلوات. قال الله عز وجل "قد أفلح المؤمنون الذين هم في صلاتهم خاشعون" فمدحهم بعد الإيمان بصلاة مخصوصة وهي المقرونة بالخشوع. ثم ختم أوصاف المفليحن بالصلاة أيضاً فقال تعالى "والذين هم على صلواتهم يحافظون" ثم قال تعالى في ثمرة تلك الصفات "أولئك هم الوارثون الذين يرثون الفردوس هم فيها خالدون" فوصفهم بالفلاح أولاً وبوراثة الفردوس آخراً، وما عندي أن هذرمة اللسان مع غفلة القلب تنتهي إلى هذا الحد ولذلك قال الله عز وجل في أضدادهم "ما سلككم في سقر قالوا لم نك من المصلين" فالمصلون هم ورثة الفردوس وهم المشاهدون لنور الله تعالى والمتمتعون بقربه ودنوه من قلوبهم. نسأل الله أن يجعلنا منهم وأن يعيذنا من عقوبة من تزينت أقواله وقبحت أفعاله إنه الكريم المنان القديم الإحسان وصلى الله على كل عبد مصطفى.الطبع مجبول على إنكار غير الحاضر، ولو كان للجنين عقل لأنكر إمكان وجود الإنسان في متسع الهواء، ولو كان للطفل تمييز ما ربما أنكر ما يزعم العقلاء إدراكه من ملكوت السموات والأرض، وهكذا الإنسان في كل طور يكاد ينكر ما بعده. ومن أنكر طور الولاية لزمه أن ينكر طور النبوة، وقد خلق الخلق أطواراً فلا ينبغي أن ينكر كل واحد ما وراء درجته، نعم لما طلبوا هذا من المجادلة والمباحثة المشوشة ولم يطلبوها من تصفية القلوب عما سوى الله عز وجل فقدوه فأنكروه. ومن لم يكن من أهل المكاشفة فلا أقل من أن يؤمن بالغيب ويصدق به إلى أن يشاهد بالتجربة ففي الخبر "إن العبد إذا قام في الصلاة رفع الله سبحانه الحجاب بينه وبين عبده وواجهه بوجهه وقامت الملائكة من لدن منكبيه إلى الهواء بصلاته ويؤمنون على دعائه - وإن المصلي لينثر عليه البر من عنان السماء إلى مفرق رأسه وينادي مناد: لو علم هذا المناجي ما التفت. وإن أبواب السماء تفتح للمصلين. وإن الله عز وجل يباهي ملائكته بعبده المصلي" ففتح أبواب السماء ومواجهة الله تعالى إياه بوجهه كناية عن الكشف الذي ذكرناه. وفي التوراة مكتوب: يا ابن آدم لا تعجز أن تقوم بين يدي مصلياً باكياً فأنا الله الذي اقتربت من قلبك وبالغيب رأيت نوري، قال: فكنا نرى أن تلك الرقة والبكاء والفتوح الذي يجده المصلي في قلبه من دنو الرب سبحانه من القلب. وإذا لم يكن هذا الدنو هو القرب بالمكان فلا معنى له إلا الدنو بالهداية والرحمة وكشف الحجاب. ويقال إن العبد إذا صلى ركعتين عجب منه عشرة صفوف من الملائكة كل صف منهم عشرة آلاف وباهى الله به مائة ألف ملك. وذلك أن العبد قد جمع في الصلاة بين القيام والقعود والركوع والسجود وقد فرق الله ذلك على أربعين ألف ملك، فالقائمون لا يركعون إلى يوم القيامة والساجدون لا يرفعون إلى يوم القيامة، وهكذا الراكعون والقاعدون، فإن ما رزق تعالى الملائكة من القرب والرتبة لازم مستمر على حال واحد لا يزيد ولا ينقص لذلك أخبر الله عنهم أنهم قالوا "وما منا إلا له مقام معلوم" وفارق الإنسان الملائكة في الترقي من درجة إلى درجة فإنه لا يزال يتقرب إلى الله تعالى فيستفيد مزيد قربه وباب المزيد مسدود على الملائكة عليهم السلام وليس لكل واحد إلا رتبته التي هي وقف عليه. وعبادته التي هو مشغول بها لا ينتقل إلى غيرها ولا يفتر عنها "لا يستكبرون عن عبادته ولا يستحسرون يسبحون الليل والنهار لا يفترون" ومفتاح مزيد الدرجات هي الصلوات. قال الله عز وجل "قد أفلح المؤمنون الذين هم في صلاتهم خاشعون" فمدحهم بعد الإيمان بصلاة مخصوصة وهي المقرونة بالخشوع. ثم ختم أوصاف المفليحن بالصلاة أيضاً فقال تعالى "والذين هم على صلواتهم يحافظون" ثم قال تعالى في ثمرة تلك الصفات "أولئك هم الوارثون الذين يرثون الفردوس هم فيها خالدون" فوصفهم بالفلاح أولاً وبوراثة الفردوس آخراً، وما عندي أن هذرمة اللسان مع غفلة القلب تنتهي إلى هذا الحد ولذلك قال الله عز وجل في أضدادهم "ما سلككم في سقر قالوا لم نك من المصلين" فالمصلون هم ورثة الفردوس وهم المشاهدون لنور الله تعالى والمتمتعون بقربه ودنوه من قلوبهم. نسأل الله أن يجعلنا منهم وأن يعيذنا من عقوبة من تزينت أقواله وقبحت أفعاله إنه الكريم المنان القديم الإحسان وصلى الله على كل عبد مصطفى.


[saa]يتبع بإذن الله[/saa]

_________________

يا خير من دفنت في التراب أعظمه فطاب من طيبهن القاع الأكم
نفسي الفداء لقبر أنت ساكنه فيه العفاف وفيه الجود والكرم
أنت الشفيع الذي ترجى شفاعته عند الصراط إذا ما زلّت القدم


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة:
مشاركة غير مقروءةمرسل: الاثنين سبتمبر 05, 2005 4:12 pm 
غير متصل

اشترك في: السبت فبراير 21, 2004 10:56 pm
مشاركات: 1245
مكان: يا رب مع الحبيب و آله صلى الله عليه و آله وصحبه وسلم
[align=center]حكايات وأخبار في صلاة الخاشعين
رضي الله عنهم
[/align]

اعلم أن الخشوع ثمرة الإيمان ونتيجة اليقين الحاصل بجلال الله عز وجل ومن رزق ذلك فإنه يكون خاشعاً في الصلاة وفي غير الصلاة بل في خلوته وفي بيت المال عند الحاجة، فإن موجب الخشوع معرفة اطلاع الله تعالى على العبد ومعرفة جلاله ومعرفة تقصير العبد. فمن هذه المعارف يتولد الخشوع وليست مختصة بالصلاة ولذلك روى عن بعضهم أنه لم يرفع رأسه إلى السماء أربعين سنة حياء من الله سبحانه وخشوعاً له، وكان الربيع بن خيثم من شدة غضه لبصره وإطراقه يظن بعض الناس أنه أعمى، وكان يختلف إلى منزل ابن مسعود عشرين سنة فإذا رأته جاريته قالت لابن مسعود: صديقك الأعمى قد جاء، فكان يضحك ابن مسعود من قولها، وكان إذا دق الباب تخرج الجارية إليه فتراه مطرقاً غاضاً بصره، وكان ابن مسعود إذا نظر إليه يقول "وبشر المخبتين" أما والله لو رآك محمد صلى الله عليه وسلم لفرح بك - وفي لفظ آخر: لأحبك وفي لفظ آخر: لضحك - ومشى ذات يوم مع ابن مسعود في الحدادين فلما نظر إلى الأكوار تنفخ وغلى النار تلتهب صعق وسقط مغشياً عليه إلى مثل الساعة التي صعق فيها ففاتته خمس صلوات وابن مسعود عند رأسه يقول: هذا والله هو الخوف. وكان الربيع يقول، ما دخلت في صلاة قط فأهمني فيها إلا ما أقول وما يقال لي، وكان عامر بن عبد الله من خاشعي المصلين وكان إذ صلى ربما ضربت ابنته بالدف وتحدث النساء بما يردن في البيت ولم يكن يسمع ذل ولا يعقله، وقيل له ذات يوم هل تحدثك نفسك في الصلاة بشيء؟ قال: نعم بوقوفي بين يدي الله عز وجل ومنصرفي إحدى الدارين، قيل: فهل تجد شيئاً مما نجد من أمور الدنيا؟ فقال: لأن تختلف الأسنة في أحب إلي من أن أجد في صلاتي ما تجدون وكان يقول: لو كشف الغطاء ما ازددت يقيناً. وقد كان مسلم بن يسار منهم، وقد نقلنا أنه لم يشعر بسقوط اسطوانة في المسجد وهو في الصلاة. وتأكل طرف من أطراف بعضهم واحتيج فيه إلى القطع فلم يمكن منه فقيل: إنه في الصلاة لا يحس بما يجري عليه؛ فقطع وهو في الصلاة. وقال بعضهم: الصلاة من الآخرة فإذا دخلت فيها خرجت من الدنيا وقيل لآخر: هل تحدث نفسك بشيء من الدنيا في الصلاة؟ فقال: لا في الصلاة ولا في غيرها. وسئل بعضهم هل تذكر في الصلاة شيئاً؟ فقال: وهل شيء أحب إلي من الصلاة فأذكره فيها؟ وكان أبو الدرداء رضي الله عنه يقول: من فقه الرجل أن يبدأ بحاجته قبل دخوله في الصلاة ليدخل في الصلاة وقلبه فارغ. وكان بعضهم يخفف الصلاة خيفة الوسواس، وروي أن عمار بن ياسر صلى صلاة فأخفها فقيل له: خففت يا أبا اليقظان فقال: هل رأيتموني نقصت من حدودها شيئاً؟ قالوا: لا: قال: إني بادرت سهو الشيطان، إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال "إن العبد ليصلي الصلاة لا يكتب له نصفها. ولا ثلثها ولا ربعها ولا خمسها ولا سدسها ولا عشرها" وكان يقول "إنما يكتب للعبد من صلاته ما عقل منها" ويقال إن طلحة والزبير وطائفة من الصحابة رضي الله عنهم كانوا أخف الناس صلاة، وقالوا نبادر بها وسوسة الشيطان. وروي أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال على المنبر: إن الرجل ليشيب عارضاه في الإسلام وما أكمل لله تعالى صلاة، قيل: وكيف ذلك؟ قال: لا يتم خشوعها وتواضعها وإقباله على الله عز وجل فيها: وسئل أبو العالية عن قوله تعالى "الذين هم عن صلاتهم ساهون" قال هو الذي يسهو في صلاته فلا يدري على كم ينصرف أعلى شفع أم على وتر؟ وقال الحسن: هو الذي يسهو عن وقت الصلاة حتى تخرج وقال بعضهم: هو الذي إن صلاها في أول الوقت لم يفرح وإن أخرها عن الوقت لم يحزن فلا يرى تعجيلها خيراً ولا تأخيرها إثماً، واعلم أن الصلاة قد يحسب بعضها ويكتب بعضها دون بعض كما دلت الأخبار عليه وإن كان الفقيه يقول: إن الصلاة في الصحة لا تتجزأ، ولكن ذلك له معنى آخر ذكرناه وهذا المعنى دلت عليه الأحاديث إذ ورد جبر نقصان الفرائض بالنوافل وفي الخبر "قال عيسى عليه السلام: يقول الله تعالى بالفرائض نجا مني عبدي وبالنوافل تقرب إلى عبدي" وقال النبي صلى الله عليه وسلم "قال الله تعالى لا ينجو مني عبدي إلا بأداء ما افترضته عليه" وروي أن النبي صلى الله عليه وسلم، صلى صلاة فترك من قراءتها آية فلما انفتل قال ماذا قرأت فسكت القوم؛ فسأل أبي بن كعب رضي الله عنه فقال: قرأت سورة كذا وتركت آية كذا فما ندري أنسخت أم رفعت؟

فقال: أنت لها يا أبي، ثم أقبل على الآخرين فقال: ما بال أقوام يحضرون صلاتهم ويتمون صفوفهم ونبيهم بين أيديهم لا يدرون ما يتلو عليهم من كتاب ربهم؟ ألا إن بني إسرائيل كذا فعلوا فأوحى الله عز وجل إلى نبيهم أن قل لقومك تحضروني أبدانكم وتعطوني ألسنتكم وتغيبون عني بقلوبكم باطل ما تذهبون إليه" وهذا يدل على أن استماع ما يقرأ الإمام وفهمه بدل عن قراءة السورة بنفسه: وقال بعضهم إن الرجل يسجد السجدة عنده أنه تقرب بها إلى الله عز وجل ولو قسمت ذنوبه في سجدته على أهل مدينته لهلكوا: قيل وكيف يكون ذلك؟ قال. يكون ساجداً عند الله وقلبه مصغ إلى هوى ومشاهد لباطل قد استولى عليه. فهذه صفة الخاشعين. فدلت هذه الحكايات والأخبار مع ما سبق على أن الأصل في الصلاة الخشوع وحضور القلب وأن مجرد الحركات مع الغفلة قليل الجدوى في المعاد والله أعلم. نسأل الله حسن التوفيق

[saa]يتبع بإذن الله[/saa]

_________________

يا خير من دفنت في التراب أعظمه فطاب من طيبهن القاع الأكم
نفسي الفداء لقبر أنت ساكنه فيه العفاف وفيه الجود والكرم
أنت الشفيع الذي ترجى شفاعته عند الصراط إذا ما زلّت القدم


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة:
مشاركة غير مقروءةمرسل: الثلاثاء سبتمبر 06, 2005 3:37 pm 
غير متصل

اشترك في: السبت فبراير 21, 2004 10:56 pm
مشاركات: 1245
مكان: يا رب مع الحبيب و آله صلى الله عليه و آله وصحبه وسلم
[align=center]الباب الرابع
في الإمامة والقدوة
وعلى الإمام وظائف قبل الصلاة
وفي القراءة وفي أركان الصلاة وبعد السلام
[/align]

أما الوظائف التي هي قبل الصلاة فستة أولها أن لا يتقدم للإمامة على قوم يكرهونه فإن اختلفوا كان النظر إلى الأكثرين، فإن كان الأقلون هم أهل الخير والدين فالنظر إليهم أولى وفي الحديث "ثلاثة لا تجاوز صلاتهم رءوسهم: العبد الآبق وامرأة زوجها ساخط عليها وإمام أم قوماً وهم له كارهون" وكما ينهى عن تقدمه مع كراهيتهم فكذلك ينهى عن التقدمة إن كان وراءه من هو أفقه منه إلا إذا امتنع من هو أولى منه فله التقدم، فإن لم يكن شيء من ذلك فليتقدم مهما قدم وعرف من نفسه القيام بشروط الإمامة. ويكره عند ذلك المدافعة فقد قيل إن قوماً تدافعوا الإمامة بعد إقامة الصلاة فخسف بهم. وما روى من مدافعة الإمامة بين الصحابة رضي الله عنهم فسببه إيثارهم من رأوه أنه أولى بذلك أو أخوفهم على أنفسهم السهو وخطر ضمان صلاتهم، فإن الأئمة ضمناء وكأن من لم يتعود ذلك ربما يشتغل قلبه ويتشوش عليه الإخلاص في صلاته حياء من المقتدين لاسيما في جهره بالقراءة، فكان لاحتراز من احترز أسباب من هذا الجنس. الثانية إذا خير المرء بين الأذان والإمامة فينبغي أن يختار الإمامة فإن لكل واحد منهما فضلاً ولكن الجمع مكروه بل ينبغي أن يكون الإمام غير المؤذن، وإذا تعذر الجمع فالإمامة أولى. وقال قائلون: الأذان أولى لما نقلناه من فضيلة الأذان ولقوله صلى الله عليه وسلم "الإمام ضامن والمؤذن مؤتمن" فقالوا، فيها خطر الضمان. وقال صلى الله عليه وسلم "الإمام أمين فإذا ركع فاركعوا وإذا سجد فاسجدوا" وفي الحديث "فإن أتم فله ولهم وإن نقص فعليه لا عليهم" ولأنه صلى الله عليه وسلم قال "اللهم أرشد الأئمة واغفر للمؤذنين" والمغفرة أولى بالطلب فإن الرشد يراد للمغفرة وفي الخبر "من أم في مسجد سبع سنين وجبت له الجنة بلا حساب ومن أذن أربعين عاماً دخل الجنة بغير حساب" ولذلك نقل عن الصحابة رضي الله عنهم أنهم كانوا يتدافعون الإمامة: والصحيح أن الإمامة أفضل إذ واظب عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر وعمر رضي الله عنهما والأئمة بعدهم. نعم فيها خطر الضمان والفضيلة مع الخطر كما أن رتبة الإمارة أفضل لقوله صلى الله عليه وسلم "ليوم من سلطان عادل أفضل من عبادة سبعين سنة" ولكن فيها خطر ولذلك وجب تقديم الأفضل والأفقه فقد قال صلى الله عليه وسلم "أئمتكم شفعاؤكم - أو قال وفدكم إلى الله - فإن أردتم أن تزكوا صلاتكم فقدموا خياركم" وقال بعض السلف. ليس بعد الأنبياء أفضل من العلماء ولا بعد العلماء أفضل من الأئمة المصلين لأن هؤلاء قاموا بين يدي الله عز وجل وبين خلقه هذا بالنبوة وهذا بالعلم وهذا بعماد الدين وهو الصلاة. وبهذه الحجة احتج الصحابة في تقديم أبي بكر الصديق رضي الله عنه وعنهم للخلافة، إذ قالوا نظرنا فإذا الصلاة عماد الدين فاخترنا لدنيانا من رضيه رسول الله صلى الله عليه وسلم لديننا وما قدموا بلالاً احتجاجاً بأنه رضيه للأذان وما روي "أنه قال له رجل: يا رسول الله دلني على عمل أدخل به الجنة قال: كن مؤذناً، قال لا أستطيع، قال: كن إماماً، قال: لا أستطيع، فقال: صل بإزاء الإمام" فلعله ظن أنه لا يرضى بإمامته إذ الأذان إليه والإمامة إلى الجماعة وتقديمهم له. ثم بعد ذلك توهم أنه ربما يقدر عليها الثالثة أن يراعي الإمام أوقات الصلوات فيصلي في أوائلها ليدرك رضوان الله سبحانه ففضل أول الوقت على آخره كفضل الآخرة على الدنيا هكذا روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي الحديث "إن العبد ليصلي الصلاة في آخر وقتها ولم تفته، ولما فاته من أول وقتها خير لهمن الدنيا وما فيها" ولا ينبغي أن يؤخر الصلاة لانتظار كثرة الجماعة بل عليهم المبادرة لحيازة فضيلة أول الوقت فهي أفضل من كثرة الجماعة ومن تطويل السورة. وقد قيل كانوا إذا حضر اثنان في الجماعة لم ينتظروا الثالث، وإذا حضر أربعة في الجنازة لم ينتظروا الخامس "وقد تأخر رسول الله صلى الله عليه وسلم عن صلاة الفجر وكانوا في سفر وإنما تأخر للطهارة فلم ينتظر وقدم عبد الرحمن بن عوف فصلى بهم حتى فاتت رسول الله صلى الله عليه وسلم ركعة فقام يقضيها. قال: فأشفقنا من ذلك، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم "قد أحسنتم هكذا فافعلوا" وقد تأخر في صلاة الظهر فقدموا أبا بكر رضي الله عنه حتى جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو في الصلاة فقام إلى جانبه" وليس على الإمام انتظار المؤذن وإنما على المؤذن انتظار الإمام للإقامة فإذا حضر فلا ينتظر غيره الرابعة أن يؤم مخلصاً لله عز وجل ومؤدياً أمانة الله تعالى في طهارته وجميع شروط صلاته.

أما الإخلاص فبأن لا يأخذ عليها أجرة فقد أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم عثمان بن أبي العاص الثقفي وقال "اتخذ مؤذناً لا يأخذ على الأذان أجراً" فالأذان طريق إلى الصلاة فهي أولى بأن لا يؤخذ عليها أجر، فإن أخذ رزقاً من مسجد قد وقف على من يقوم بإمامته أو من السلطان أو آحاد الناس فلا يحكم بتحريمه ولكنه مكروه. والكراهية في الفرائض أشد منها في التراويح "وتكون في أجرة له على مداومته على حضور الموضع ومراقبة مصالح المسجد في إقامة الجماعة لا على نفس الصلاة. وأما الأمانة فهي الطهارة باطناً عن الفسق والكبائر والإصرار على الصغائر فالمترشح للإمامة ينبغي أن يحترز عن ذلك بجهده فإنه كالوفد والشفيع للقوم فينبغي أن يكون خير القوم وكذا الطهارة ظاهراً عن الحدث والخبث فإنه لا يطلع عليه سواه، فإن تذكر في أثناء صلاته حدثاً أو خرج منه ريح فلا ينبغي أن يستحي بل يأخذ بيد من يقرب منه ويستخلفه "فقد ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم الجنابة في أثناء الصلاة فاستخلف واغتسل ثم رجع ودخل في الصلاة" وقال سفيان: صل خلف كل بر وفاجر إلا مدمن خمر أو معلن بالفسوق أو عاق لوالديه أو صاحب بدعة أو عبد آبق الخامسة أن لا يكبر حتى تستوي الصفوف فليلتفت يميناً وشمالاً فإن رأى خللاً أمر بالتسوية. فيل كانوا يتحاذون بالمناكب ويتضامون بالكعاب. ولا يكبر حتى يفرغ المؤذن من الإقامة. والمؤذن يؤخر الإقامة عن الأذان بقدر استعداد الناس في الصلاة. ففي الخبر "ليتمهل المؤذن بين الأذان والإقامة بقدر ما يفرغ الآكل من طعامه والمعتصر من اعتصاره" وذلك لأنه نهى عن مدافعة الأخبثين وأمر بتقديم العشاء على العشاء طلباً لفراغ القلب السادسة أن يرفع صوته بتكبيرة الإحرام وسائر التكبيرات ولا يرفع المأموم صوته إلا بقدر ما يسمع نفسه. وينوي الإمام لينال الفضل فإن لم ينو صحت صلاته وصلاة القوة إذا نووا الاقتداء. ونالوا فضل القدوة وهو لا ينال فضل الإمامة، وليؤخر المأموم تكبيره عن تكبيرة الإمام فيبتدىء بعد فراغه والله أعلم. وأما وظائف القراءة فثلاثة أولها أن يسر بدعاء الاستفتاح والتعوذ كالمنفرد ويجهر بالفاتحة والسورة بعدها في جميع الصبح وأولي العشاء والمغرب وكذلك المنفرد. ويجهر بقوله "آمين" في الصلاة الجهرية وكذا المأموم ويقرن المأمون تأمينه بتأمين الإمام معاً لا تعقيباً ويجهر ب "بسم الله الرحمن الرحيم" والأخبار فيه متعارضة واختيار الشافعي رضي الله عنه الجهر الثانية أن يكون للإمام في القيام ثلاث سكتات هكذا رواه سمرة بن جندب وعمران بن الحصين عن رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ أولاهن: إذا كبر وهي الطولى منهن مقدار ما يقرأ من خلفه فاتحة الكتاب وذلك وقت قراءته لدعاء الاستفتاح فإنه لم يسكت يفوتهم الاستماع فيكون عليه ما نقص من صلاتهم، فإن لم يقرءوا الفاتحة في سكوته واشتغلوا بغيرها فذلك علية لا عليهم. السكنة الثانية: إذا فرغ من الفاتحة ليتم من يقرأ الفاتحة في السكتة الأولى فاتحته وهي كنصف السكتة الأولى. السكنة الثالثة: إذا فرغ من السورة قبل أن يركع وهي أخفها وذلك بقدر ما تنفصل القراءة عن التكبير فقد نهى عن الوصل فيه. ولا يقرأ المأموم وراء الإمام إلا الفاتحة فإن لم يسكت الإمام قرأ فاتحة الكتاب معه والمقصر هو الإمام. وإن لم يسمع المأموم في الجهرية لبعده أو كان في السرية فلابأس بقراءة السورة الوظيفة الثالثة أن يقرأ في الصبح سورتين من المثاني مادون المائة فإن الإطالة في قراءة الفجر والتغليس بها سنة، ولا يضره الخروج منها مع الإسفار، ولابأس بأن يقرأ في الثانية بأواخر السور نحو الثلاثين أو العشرين إلى أن يختمها لأن ذلك لا يتكرر على الأسماع كثيراً فيكون أبلغ في الوعظ وأدعى إلى التفكر، وإنما كره بعض العلماء قراءة بعض أول السور وقطعها. وقد روي أنه صلى الله عليه وسلم قرأ بعض سورة يونس فلما انتهى إلى ذكر موسى وفرعون قطع فركع وروي أنه صلى الله عليه وسلم قرأ في الفجر آية من البقرة وهي قوله "قولوا آمنا بالله وما أنزل إلينا" وفي الثانية "ربنا آمنا بما أنزلت" وسمع بلالاً يقرأ من ههنا وهنا؛ فسأله عن ذلك فقال: أخلط الطيب بالطيب، فقال: أحسنت ويقرأ في الظهر بطوال المفصل إلى ثلاثين آية وفي العصر بنصف ذلك وفي المغرب بأواخر المفصل. وآخر صلاة صلاها
رسول الله صلى الله عليه وسلم: المغرب؛ قرأ فيها سورة المرسلات ما صلى بعدها حتى قبض. وبالجملة التخفيف أولى لاسيما إذا كثير الجمع قال صلى الله عليه وسلم في هذه الرخصة "إذا صلى أحدكم بالناس فليخفف فإن فيهم الضعيف والكبير وذا الحاجة وإذا صلى لنفسه فليطول ما شاء" وقد كان معاذ بن جبل يصلي بقوم العشاء فقرأ البقرة فخرج رجل م الصلاة وأتم لنفسه، فقالوا: نافق الرجل، فتشاكيا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فزجر رسول الله صلى الله عليه وسلم معاذاً فقال "أفتان أنت يا معاذ اقرأ سورة سبح والسماء والطارق والشمس وضحاها" وأما وظائف الأركان فثلاثة؛ أولها: أن يخفف الركوع والسجود فلا يزيد في التسبيحات على ثلاث فقد روي عن أنس أنه قال "ما رأيت أخف صلاة من رسول الله صلى الله عليه وسلم في تمام" نعم روي أيضاً عن أنس بن مالك لما صلى خلف عمر بن عبد العزيز وكان أميراً بالمدينة قال "ما صليت وراء أحد أشبه صلاة بصلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم من هذا الشاب قال: وكنا نسبح وراءه عشراً عشراً" وروي مجملاً أنهم قالوا "كنا نسبح وراء رسول الله صلى الله عليه وسلم في الركوع والسجود عشراً عشراً" وذلك حسن ولكن الثلاث إذا كثر الجمع أحسن. فإذا لم يحضر إلا المتجردون للدين فلابأس بالعشر، هذا وجه الجمع بين الروايات. وينبغي أن يقول الإمام عند رفع رأسه من الركوع "سمع الله لمن حمده" الثانية: في المأموم؛ ينبغي أن لا يساوي الإمام في الركوع والسجود بل يتأخر فلا يهوي للسجود إلى إذا وصلت جبهة الإمام إلى المسجد، هكذا كان اقتداء الصحابة برسول الله صلى الله عليه وسلم ولا يهوي للركوع حتى يستوي الإمام راكعاً. وقد قيل إن الناس يخرجون من الصلاة على ثلاثة أقسام؛ طائفة بخمس وعشرين صلاة وهم الذين يكبرون ويركعون بعد الإمام: وطائفة بصلاة واحدة وهم الذين يساوونه، وطائفة بلا صلاة وهم الذين يسابقون الإمام. وقد اختلف في أن الإمام في الركوع هل ينتظر لحوق من يدخل لينال فضل الجماعة وإدراكهم لتلك الركعة؟ ولعل الأولى أن ذلك مع الإخلاص لابأس به إذا لم يظهر تفاوت ظاهر للحاضرين فإن حقهم مرعي في ترك التطويل عليهم. الثالثة: لا يزيد في دعاء التشهد على مقدار التشهد حذراً من التطويل ولا يخص نفسه في الدعاء بل يأتي بصيغة الجمع فيقول "اللهم اغفر لنا" ولا يقول "اغفر لي" فقد كره للإمام أن يخص نفسه ولابأس أن يستعيذ في التشهد بالكلمات الخمس المأثورة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فيقول "نعوذ بك من عذاب جهنم وعذاب القبر ونعوذ بك من فتنة المحيا والممات ومن فتنة المسيح الدجال وإذا أردت بقوم فتنة فاقبضنا إليك غير مفتونين" وقيل سمي مسيحاً لأنه يمسح الأرض بطولها وقيل لأنه ممسوح العين أي مطموسها، وأما وظائف التحلل فثلاثة، أولها: أن ينوي بالتسليمتين السلام على القوم والملائكة. الثانية: أن يثبت عقيب السلام كذلك فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر وعمر رضي الله عنهما فيصلي النافلة في موضع آخر. فإن كان خلفه نسوة لم يقم حتى ينصرفن وفي الخبر المشهور "أنه صلى الله عليه وسلم لم يكن يقعد إلا قدر قوله: اللهم أنت السلام ومنك السلام تبارك تيا ذا الجلال والإكرام" الثالثة: إذا وثبفينبغي أن يقبل بوجهه على الناس ويكره للمأموم القيام قبل انتقال الإمام. فقد روي عن طلحة والزبير رضي الله عنهما أنهما صليا خلف إمام فلما سلما قالا للإمام ما أحسن صلاتك وأتمها إلا شيئاً واحداً أنك لما سلمت لم تنفتل بوجهك. ثم قالا للناس: ما أحسن صلاتكم إلا أنكم انصرفتم قبل أن ينفتل إمامكم. ثم ينصرف الإمام حيث شاء من يمينه وشماله واليمين أحب. هذه وظيفة الصلوات، وأما الصبح فزيد فيها القنوت فيقول الإمام "اللهم اهدنا" ولا يقول اللهم اهدني ويؤمن المأمون فإذا انتهى إلى قوله "إنك تقضي ولا يقضى عليك" فلا يليق به التأمين وهو ثناء، فيقرأ معه فيقول مثل قوله أو يقول "بلى وأنا على ذلك من الشاهدين" أو "صدقت وبررت" وما أشبه ذلك. وقد روي حديث في رفع اليدين في القنوت فإذا صح الحديث استحب ذلك وإن كان على خلاف الدعوات في آخر التشهد إذ لا يرفع بسببها اليد بل التعويل على التوقيف وبينهما أيضاً فرق أن للأيدي وظيفة في التشهد وهو الوضوع على الفخذين على هيئة مخصوصة ولا وظيفة لهما ههنا، فلا يبعد أن يكون رفع اليدين هو الوظيفة في القنوت، فإنه لائق بالدعاء والله أعلم. فهذه جمل آداب القدوة والإمامة والله الموفق.

_________________

يا خير من دفنت في التراب أعظمه فطاب من طيبهن القاع الأكم
نفسي الفداء لقبر أنت ساكنه فيه العفاف وفيه الجود والكرم
أنت الشفيع الذي ترجى شفاعته عند الصراط إذا ما زلّت القدم


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة:
مشاركة غير مقروءةمرسل: الأربعاء سبتمبر 07, 2005 7:47 am 
غير متصل

اشترك في: السبت فبراير 21, 2004 10:56 pm
مشاركات: 1245
مكان: يا رب مع الحبيب و آله صلى الله عليه و آله وصحبه وسلم
[align=center]الباب الخامس
فضل الجمعة وآدابها وسننها وشروطها
فضيلة الجمعة
[/align]

إعلم أن هذا يوم عظيم عظم الله به الإسلام وخصص به المسلمين. قال الله تعالى "إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة فاسعوا إلى ذكر الله وذروا البيع" فحرم الاشتغال بأمور الدنيا وبكل صارف عن السعي إلى الجمعة. وقال صلى الله عليه وسلم "إن الله عز وجل فرض عليكم الجمعة في يومي هذا في مقامي هذا" وقال صلى الله عليه وسلم "من ترك الجمعة ثلاثاً من غير عذر طبع الله على قلبه" وفي لفظ آخر "فقد نبذ الإسلام وراء ظهره" واختلف رجل إلى ابن عباس يسأله عن رجل مات لم يكن يشهد جمعة ولا جماعة، فقال: في النار، فلم يزل يتردد إليه شهراً يسأله عن ذلك وهو يقول في النار وفي الخبر: إن أهل الكتابين أعطوا يوم الجمعة فاختلفوا فيه فصرفوا عنه وهدانا الله تعالى له وأخره لهذه الأمة وجعله عيداً لهم فهم أولى الناس به سبقاً وأهل الكتابين لهم تبع. وفي حديث أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال "أتاني جبريل عليه السلام في كفه مرآة بيضاء وقال: هذه الجمعة يفرضها عليك ربك لتكون لك عيداً ولأمتك من بعدك. قلت: فما لنا فيها؟ قال: لكم فيها خير ساعة من دعا فيها بخير قسم له أعطاه الله سبحانه إياه أو ليس له قسم ذخر له ما هو أعظم منه؛ أو تعوذ من شر مكتوب عليه إلا أعاذه الله عز وجل من أعظم منه وهو سيد الأيام عندنا ونحن ندعوه في الآخرة يوم المزيد، قلت: ولم؟ قال: إن ربك عز وجل اتخذ في الجنة وادياً أفيح من المسك أبيض فإذا كان يوم الجمعة نزل تعالى من عليين على كرسيه فيتجلى لهم حتى ينظروا إلى وجهه الكريم" وقال صلى الله عليه وسلم "خير يوم طلعت عليه الشمس يوم الجمعة، فيه خلق آدم عليه السلام وفيه أدخل الجنة وفيه أهبط إلى الأرض وفيه تيب عليه وفيه مات وفيه تقوم الساعة، وهو عند الله يوم المزيد كذلك تسميه الملائكة يوم السماء وهو يوم النظر إلى الله تعالى في الجنة" وفي الخبر "إن الله عز وجل في كل جمعة ستمائة ألف عتيق من النار" وفي حديث أنس رضي الله عنه أنه صلى الله عليه وسلم قال "إذا سلمت الجمعة سلمت الأيام" وقال صلى الله عليه وسلم "إن الجحيم تسعر في كل يوم قبل الزوال عند استواء الشمس في كبد السماء فلا تصلوا في هذه الساعة إلا يوم الجمعة فإنه صلاة كله وإن جهنم لا تسعر فيه" وقال كعب: إن الله عز وجل فضل من البلدان مكة ومن الشهور رمضان ومن الأيام الجمعة ومن الليالي ليلة القدر ويقال إن الطير والهوام يلقى بعضها بعضاً في يوم الجمعة فتقول: سلام سلام ويوم صالح وقال صلى الله عليه وسلم "من مات يوم الجمعة أو ليلة الجمعة كتب الله له أجر شهيد ووقي فتنة القبر"

[align=center]بيان شروط الجمعة[/align]

اعلم أنها تشارك جميع الصلوات في الشروط وتتميز عنها بستة شروط الأول الوقت: فإن وقعت تسليمة الإمام في وقت العصر فاتت الجمعة وعليه أن يتمها ظهراً أربعاً، والمسبوق إذا وقعت ركعته الأخيرة خارجاً من الوقت ففيه خلاف الثاني المكان: فلا تصح في الصحاري والبراري وبين الخيام بل لابد من بقعة جامعة لأبنية لا تنقل بجمع أربعين ممن تلزمهم الحلة والقرية فيه كالبلد، ولا يشترط فيه حضور السلطان ولا إذنه ولالكن الأحب استئذانه الثالث العدد: فلا تنعقد بأقل من أربعين ذكوراً مكلفين أحراراً مقيمين لا يظعنون عنها شتاء ولا صيفاً، فإن انفضوا حتى نقص العدد إما في الخطبة أو في الصلاة لم تصح الجمعة بل لابد منهم من الأول إلى الآخر الرابع الجماعة: فلو صلى أربعون في قرية أو في بلدن متفرقين لم تصح جمعتهم. ولكن المسبوق إذا أدرك الركعة الثانية جاز له الانفراد بالركعة الثانية. وإن لم يدرك ركوع الركعة الثانية اقتدى ونوى الظهر وإذا سلم الإمام تممها ظهراً الخامس أن لا تكون الجمعة مسبوقة بأخرى في ذلك البلد. فإن تعذر اجتماعهم في جامع واحد جاز في جامعين وثلاثة وأربعة بقدر الحاجة. وإن لم تكن حاجة فالصحيح الجمعة التي يقع بها التحريم أولاً. وإذا تحققت الحاجة فالأفضل الصلاة خلف الأفضل من الإمامين، فإن تساويا فالمسجد الأقدم، فإن تساويا ففي الأقرب، ولكثرة الناس أيضاً فضل يراعى السادس الخطبتان: فهما فريضتان والقيام فيهما فريضة والجلسة بينهما فريضة. وفي الأولى أربع فرائض: التحميد وأقله الحمد لله. والثانية: الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم والثالثة: الوصية بتقوى الله سبحانه وتعالى والرابعة: قراءة القرآن. وكذا فرائض الثانية أربعة إلا أنه يجب فيها الدعاء بدل القراءة. واستماع الخطبتين واجب من الأربعين. وأما السنن: فإذا زالت الشمس وأذن المؤذن وجلس الإمام على المنبر انقطعت الصلاة سوى التحية، والكلام لا ينقطع إلا بافتتاح الخطبة. ويسلم الخطيب على الناس إذا أقبل عليهم بوجهه ويدون عليه السلام فإذا فرغ المؤذن قام مقبلاً على الناس بوجهه لا يلتفت يميناً ولا شمالاً ويشغل يديه بقائم السيف أو العنزة والمنبر كي لا يعبث بهما أو يضع إحداهما على الأخرى. ويخطب خطبتين بينهما جلسة خفيفة. ولا يستعمل غريب اللغة ولا يمطط ولا يتغنى. وتكون الخطبة قصيرة بليغة جامعة. ويستحب أن يقرأ آية في الثانية أيضاً. ولا يسلم من دخل والخطيب يخطب فإن سلم لم يستحق جواباً، والإشارة بالجواب حسن، ولا يشمت العاطسين أيضاً. هذه شروط الصحة. فأما شروط الوجوب: فلا تجب الجمعة إلا على ذكر بالغ عاقل مسلم حر مقيم في قرية تشتمل على أربعين جامعين لهذه الصفات، أو في قرية من سواد البلد يبلغها نداء البلد من طرف بابها والأصوات ساكنة والمؤذن رفيع الصوت لقوله تعالى "إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة فاسعوا إلى ذكر الله وذروا البيع" ويرخص لهؤلاء في ترك الجمعة لعذر المطر والوحل والفزع والمرض والتمريض إذا لم يكن للمريض قيم غيره. ثم يستحب لهم - أعني أصحاب الأعذار - تأخير الظهر إلى أن يفرغ الناس من الجمعة، فإن حضر الجمعة مريض أو مسافر أو عبد أو امرأة صحت جمعتهم وأجزأت عن الظهر والله أعلم

[align=center]بيان آداب الجمعة على ترتيب العادة[/align]

وهي عشر جمل

الأول أن يستعد لها يوم الخميس عزماً عليها واستقبالاً لفضلها فيشتغل بالدعاء والاستغفار والتسبيح بعد العصر يوم الخميس لأنها ساعة قوبلت بالساعة المبهمة في يوم الجمعة. قال بعض السلف: إن لله عز وجل فضلاً سوى أرزاق العباد لا يعطى من ذلك الفضل إلا من سأله عشية الخميس ويوم الجمعة، ويغسل في هذا اليوم ثيابه ويبيضها ويعد الطيب إن لم يكن عنده، ويفرغ قلبه من الأشغال التي تمنعه من البكور إلى الجمعة، وينوي في هذه الليلة صوم يوم الجمعة فإن له فضلاً وليكن مضموماً إلى يوم الخميس أو السبت - لا مفرداً فإنه مكروه - ويشتغل بإحياء هذه الليلة بالصلاة وختم القرآن فلها فضل كثير وينسحب عليها فضل يوم الجمعة. ويجامع أهله في هذه الليلة أو في يوم الجمعة فقد استحب ذلك قوم حملوا عليه قوله صلى الله عليه وسلم "رحم الله من بكر وابتكر وغسل واغتسل" وهو حمل الأهل على الغسل. وقيل معناه غسل ثيابه - فروي بالتخفيف - واغتسل لجسده. وبهذا تتم آداب الاستقبال ويخرج من زمرة الغافلين الذين إذا أصبحوا قالوا ما هذا اليوم؟ قال بعض السلف: أوفى الناس نصيباً من الجمعة من انتظرها ورعاها من الأمس، وأخفهم نصيباً من إذا أصبح يقول: أيش اليوم؟ وكان بعضهم يبيت ليلة الجمعة في الجامع لأجلها الثاني إذا أصبح ابتدأ بالغسل بعد طلوع الفجر، وإن كان لا يبكر فأقر به إلى الرواح أحب ليكون أقرب عهداً بالنظافة، فالغسل مستحب استحباباً مؤكداً، وذهب بعض العلماء إلى وجوبه قال صلى الله عليه وسلم "غسل الجمعة واجب على كل محتلم" والمشهور من حديث نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما "من أتى الجمعة فلغتسل" وقال صلى الله عليه وسلم "من شهد الجمعة من الرجال والنساء فلغتسل" وكان أهل المدينة إذا تساب المتسابان يقول أحدهما للآخر: لأنت أشر ممن لا يغتسل يوم الجمعة. وقال عمر لعثمان رضي الله عنهما لما دخل وهو يخطب "أهذه الساعة؟ - منكراً عليه ترك البكور - فقال: ما زدت بعد أن سمعت الأذان على أن توضأت وخرجت فقال: والوضوء بوضوء عثمان رضي الله تعالى عنه وبما روي أنه صلى الله عليه وسلم قال "من توضأ يوم الجمعة فبها ونعمت ومن اغتسل فالغسل أفضل" ومن اغتسل للجنابة فليفض الماء على بدنه مرة أخرى على نية غسل الجمعة، فإن اكتفى بغسل واحد أجزأه وحصل له الفضل إذا نوى كليهما ودخل غسل الجمعة في غسل الجنابة. وقد دخل بعض الصحابة على ولده وقد اغتسل فقال له: أللجمعة؟ فقال: بل عن الجنابة، فقال: أعد غسلاً ثانياً، وروى الحديث في غسل الجمعة على كل محتلم.

وإنما أمره به لأنه لم يكن نواه. وكان لا يبعد أن يقال المقصود النظافة وقد حصلت دون النية، ولكن هذا ينقدح في الوضوء أيضاً وقد جعل في الشرع قربة فلا بد من طلب فضلها. ومن اغتسل ثم أحدث توضأ ولم يبطل غسله والأحب أن يحترز عن ذلك الثالثة الزينة، وهي مستحبة في هذا اليوم وهي ثلاثة: الكسوة والنظافة وتطييب الرائحة. أما النظافة فبالسواك وحلق الشعر وقلم الظفر وقص الشارب وسائر ما سبق في كتاب الطهارة. قال ابن مسعود: من قلم أظفاره يوم الجمعة أخرج الله عز وجل منه داء وأدخل فيه شفاء، فإن كان قد دخل الحمام في الخميس أو الأربعاء فقد حصل المقصود.فليتطيب في هذا اليوم بأطيب طيب عنده ليغلب بها الروائح الكريهة ويوصل بها الروح والرائحة إلى مشام الحاضرين في جواره "وأحب طيب الرجا ما ظهر ريحه وخفي لونه وطيب النساء ما ظهر لونه وخفي ريحه" وروي ذلك في الأثر. وقال الشافعي رضي الله عنه: من نظف ثوبه قل همه ومن طاب ريحه زاد عقله. وأما الكسوة فأحبها البياض من الثياب - إذ أحب الثياب إلى الله تعالى البيض - ولا يلبس ما فيه شهرة. ولبس السواد ليس من السنة ولا فيه فضل بل كره جماعة النظر إليه لأنه بدعة محدثة بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم والعمامة مستحبة في هذا اليوم. وروى واثلة بن الأسقع أن رسول الله صلى الله عليه وسلم "قال إن الله وملائكته يصلون على أصحاب العمائم يوم الجمعة" فإن أكربه الحر فلا بأس بنزعها قبل الصلاة وبعدها ولكن لا ينزع في وقت السعي من المنزل إلى الجمعة ولا في وقت الصلاة ولا عند صعود الإمام المنبر في خطبته الرابع البكور إلى الجامع: ويستحب أن يقصد الجامع من فرسخين وثلاث وليبكر ويدخل وقت البكور بطلوع الفجر وفضل البكور عظيم. وينبغي أن يكون في سعيه إلى الجمعة خاشعاً متواضعاً ناوياً للاعتكاف في المسجد إلى وقت الصلاة قاصداً للمبادرة إلى جواب نداء الله عز وجل إلى الجمعة إياه. والمسارعة إلى مغفرته ورضوانه وقد قال صلى الله عليه وسلم "من راح في الساعة الثالثة فكأنما قرب كبشاً أقرن ومن راح في الساعة الرابعة فكأنما أهدى دجاجة ومن راح في الساعة الخامسة فكأنما أهدى بيضة فإذا خرج الإمام طويت الصحف ورفعت الأقلام واجتمعت الملائكة عند المنبر يستمعون الذكر فمن جاء بعد ذلك فأنما جاء لحق الصلاة ليس له من الفضل شيء" والساعة الأولى إلى طلوع الشمس؛ والثانية إلى ارتفاعها، والثالثة إلى انبساطها حين ترمض الأقدام، والرابعة والخامسة بعد الضحى الأعلى إلى الزوال وفضلها قليل؛ ووقت الزوال حق الصلاة ولا فضل فيه. وقال صلى الله عليه وسلم "ثلاث لو يعلم الناس ما فيهن لركضوا ركض الإبل في طلبهن؛ الأذان والصف الأول والغدو إلى الجمعة" وقال أحمد بن حنبل رضي الله عنه: أفضلهن الغدو إلى الجمعة. وفي الخبر "إذا كان يوم الجمعة قعدت الملائكة على أبواب المساجد بأيديهم صحف من فضة وأقلام من ذهب يكتبون الأول فالأول على مراتبهم" وجاء في الخبر "إن الملائكة يتفقدون الرجل إذا تأخر عن وقته يوم الجمعة فيسأل بعضهم بعضاً عنه: ما فعل فلان وما الذي أخره عن وقته؟ فيقولون: اللهم إن كان أخره فقر فأغنه وإن كان أخره مرض فاشفه وإن كان أخره شغل ففرغه لعبادتك وإن كان أخره لهو فأقبل بقلبه إلى طاعتك" وكان يرى في القرن الأول سحراً وبعد الفجر الطرقات مملوءة من الناس يمشون في السرج ويزدحمون بها إلى الجامع كأيام العيد حتى اندرس ذلك فقيل: أول بدعة حدثت في الإسلام ترك البكور إلى الجامع. وكيف لا يستحي المسلمون من اليهود والنصارى وهم يبكرون إلى البيع والكنائس يوم السبت والأحد؟ وطلاب الدنيا كيف يبكرون إلى رحاب الأسواق للبيع والشراء والربح فلم لا يسابقهم طلاب الآخرة؟ ويقال: إن الناس يكونون في قربهم عند النظر إلى وجه الله سبحانه وتعالى على قدر بكورهم إلى الجمعة. ودخل ابن مسعود رضي الله عنه بكرة الجامع فرأى ثلاثة نفر قد سبقوه بالبكور فاغتم لذلك وجعل يقول في نفسه معاتباً لها رابع أربعة: وما رابع أربعة من البكور ببعيد الخامس في هيئة الدخول: ينبغي أن لا يتخطى رقاب الناس ولا يمر بين أيديهم والبكور يسهل ذلك عليه فقد ورد وعيد شديد في تخطي الرقاب وهو أنه يجعل جسراً يوم القيام يتخطاه الناس" وروى ابن جريج مرسلاً "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بينما
هو يخطب يوم الجمعة إذ رأى رجلاً يتخطى رقاب الناس حتى تقدم فجلس فلما قضى النبي صلى الله عليه وسلم عارض الرجل حتى لقيه فقال: يا فلان ما منعك أن تجمع اليوم معنا؟ قال: يا نبي الله قد جمعت معكم: فقال النبي صلى الله عليه وسلم" ألم نرك تتخطى رقاب الناس" أشار به إلى أنه أحبط عمله. وفي حديث مسند أنه قال "ما منعك أن تصلي معنا؟ قال: أو لم ترني يا رسول الله، فقال صلى الله عليه وسلم؛ رأيتك تأنيت وذيت" أي تأخرت عن البكور وآذيت الحضور. ومهما كان الصف الأول متروكاً خالياً فله أن يتخطى رقاب الناس لأنهم ضيعوا حقهم وتركوا موضع الفضيلة. قال الحسن: تخطوا رقاب الناس الذين يقعدون على أبواب الجوامع يوم الجمعة فإنه لا حرمة لهم. وإذا لم يكن في المسجد إلا من يصلي فينبغي أن لا يسلم لأنه تكليف جواب في غير محله السادس أن لا يمر بين يدي الناس ويجلس حيث هو إلى أقرب أسطوانة أو حائط حتى لا يمرون بين يديه أعني بين يدي المصلي فإن ذلك لا يقطع الصلاة ولكنه منهي عنه قال صلى الله عليه وسلم "لأن يقف أربعين عاماً خير له من أن يمر بين يدي المصلي" وقال صلى الله عليه وسلم "لأن يكون الرجل رماداً أو رميماً تذروه الرياح خير من أن يمر بين يدي المصلي" وقد روي في حديث آخر في المار والمصلي حيث صلى على الطريق أو قصر في الدفع فقال "لو يعلم المار بين يدي المصلى والمصلي ما عليهما في ذلك لكان أن يقف أربعين سنة خيراً له من أن يمر بين يديه" والأسطوانة والحائط والمصلى المفروش حد للمصلي فمن اجتاز به فينبغي أن يدفعه قال صلى الله عليه وسلم "ليدفعه فإن أبى فليدفعه فإن أبى فليقاتله فإنه شيطان" وكان أبو سعيد الخدري رضي الله عنه يدفع من يمر بين يديه حتى يصرعه، فربما تعلق به الرجل فاستعدى عليه عند مروان فيخبره أن النبي صلى الله عليه وسلم أمره بذلك. فإن لم يجد أسطوانة فلينصب بين يديه شيئاً طوله قدر ذراع ليكون ذلك علامة لحدة السابع أن يطلب الصف الأول فإن فضله كثير كما رويناه وفي الحديث "من غسل واغتسل وبكر وابتكر ودنا من الإمام واستمع كان ذلك له كفارة لما بين الجمعتين وزيادة ثلاثة أيام" وفي لفظ آخر "غفر الله له إلى الجمعة الأخرى - وقد اشترط في بعضها - ولم يتخط رقاب الناس" ولا يغفل في طلب الصف الأول عن ثلاثة أمور، أولها: أنه إذا كان يرى بقرب الخطيب منكراً يعجز عن تغييره - من لبس حرير من الإمام أو غيره أو صلى في سلاح كثير ثقيل شاغل أو سلاح مذهب أو غير ذلك - مما يجب فيه الإنكار فالتأخر له أسلم وأجمع للهم، فعل ذلك جماعة من العلماء طلباً للسلامة. قيل لبشر بن الحرث: نراك تبكر وتصلي في آخر الصفوف، فقال: إنما يراد قرب القلوب لا قرب الأجساد. وأشار به إلى أن ذلك أقرب لسلامة قلبه. ونظر سفيان الثوري إلى شعيب بن حرب عند المنبر يسمع إلى الخطبة من أبي جعفر المنصور فلما فرغ من الصلاة قال: شغل قلبي قربك من هذا هل أمنت أن تسمع كلاماً يجيب عليك إنكاره فلا تقوم به؟ ثم ذكر ما أحدثوا من لبس السواد فقال: يا أبا عبد الله أليس في الخبر "أدن واستمع" فقال: ويحج ذاك للخلفاء الراشدين المهديين، فأما هؤلاء فكلما بعدت عنهم ولم تنظر إليهم كان أقرب إلى الله عز وجل. وقال سعيد بن عامر "صليت إلى جنب أبي الدرداء فجعل يتأخر في الصفوف حتى كنا في آخر صف؛ فلما صلينا قلت له: أليس يقال خير الصفوف أولها؟ قال: نعلم إلا أن هذه الأمة مرحومة منظور إليها من بين الأمم فإن الله تعالى إذا نظر إلى عبد في الصلاة غفر له ولمن وراءه من الناس فإنما تأخرت رجاء أن يغفر لي بواحد منهم ينظر الله إليه. وروى بعض الرواة أنه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ذلك، فمن تأخر على هذه النية إيثاراً وإظهاراً لحسن الخلق فلابأس، وعند هذا يقال "الأعمال بالنيات" ثانيها: إن لم تكن مقصورة عند الخطيب مقتطعة عن المسجد للسلاطين فالصف الأول محبوب وإلا فقد كره بعض العلماء دخول المقصورة. كان الحسن وبكر المزني لا يصليان في المقصورة ورأيا أنها قصرت على السلاطين وهي بدعة أحدثت بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم في المساجد. والمسجد مطلق لجميع الناس وقد اقتطع ذلك على خلافة. وصلى أنس بن مالك وعمران بن حصين في المقصورة ولم يكرها ذلك لطلب القرب. ولعل الكراهية تختص بحالة التخصيص والمنع فأما مجرد المقصورة إذا لم يكن منع فلا يوجد كراهة وثالثها: أن المنبر يقطع بعض الصفوف وإنما الصف الأول الواحد المتصل الذي في فناء المنبر وما على طرفيه مقطوع. وكان الثوري يقول: الصف الأول هو الخارج بين يدي المنبر وهو متجه لأنه متصل ولأن الجالس فيه يقابل الخطيب ويسمع منه. ولا يبعد أن يقال الأقرب إلى القبلة هو الصف الأول ولا يراعى هذا المعنى. وتكره الصلاة في الأسواق والرحاب الخارجة عن المسجد وكان بعض الصحابة يضرب الناس ويقيمهم من الرحاب الثامن أن يقطع الصلاة عند خروج الإمام ويقطع الكلام أيضاً بل يشتغل بجواب المؤذن ثم باستماع الخطبة. وقد جرت عادة بعض العوام بالسجود عند قيام المؤذنين ولم يثبت له أصل في أثر ولا خبر، ولكنه إن وافق سجود تلاوة فلا بأس بها للدعاء لأنه وقت فاضل: ولا يحكم بتحريم هذا السجود فإنه لا سبب لتحريمه، وقد روي عن علي وعثمان رضي الله عنهما أنهما قالا: من استمع وأنصت فله أجران ومن لم يستمع وأنصت فله أجر ومن سمع ولغا فعليه وزران ومن لم يستمع ولغا فعليه وزر واحد. وقال صلى الله عليه وسلم "من قال لصاحبه والإمام يخطب أنصت أو مه فقد لغا ومن لغا والإمام يخطب فلا جمعة له" وهذا يدل على أن الإسكات ينبغي أن يكون بإشارة أو رمي حصاة لا بالنطق. وفي حديث أبي ذر "أنه لما سأل أبياً والنبيصلى الله عليه وسلم يخطب فقال: متى أنزلت هذه السورة؟ فأومأ إليه أن أسكت: فلما نزل رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له أبي: اذهب فلا جمعة لك، فشكاه أبو ذر إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: صدق أبي" وإن كان بعيداً من الإمام فلا ينبغي أن يتكلم في العلم وغيره بل يسكت لأن كل ذلك يتسلل ويفضي إلى هنيمة حتى ينتهي إلى المستمعين ولا يجلس في حلقة من يتكلم فمن عجز عن الاستماع بالبعد فلينصت فهو المستحب. وإذا كان تكره الصلاة في وقت خطبة الإمام فالكلام أولى بالكراهية. وقال علي كرم الله وجهه: تكره الصلاة في أربع ساعات؛ بعد الفجر وبعد العصر ونصف النهار والصلاة والإمام يخطب التاسع أن يراعي في قدوة الجمعة ما ذكرناه في غيرها فإذا سمع قراءة الإمام لم يقرأ سوى الفاتحة. فإذا فرغ من الجمعة قرأ "الحمد لله" سبع مرات قبل أن يتكلم "وقل هو الله أحد والمعوذتين" سبعاً سبعاً وروى بعض السلف أن من فعله عصم من الجمعة إلى الجمعة وكان حرزاً له من الشيطان ويستحب أن يقول بعد الجمعة "اللهم يا غني ياحميد يا مبدىء يا معيد يا رحيم يا ودود أغنني بحلالك عن حرامك وبفضلك عمن سواك" يقال من داوم على هذا الدعاء أغناه الله سبحانه عن خلقه ورزقه من حيث لا يحتسب، ثم يصلي بعد الجمعة ست ركعات، فقد روى ابن عمر رضي الله عنهما أنه صلى الله عليه وسلم كان يصلي بعد الجمعة ركعتين" وروى أبو هريرة أربعاً "وروى علي وعبد الله ابن عباس رضي الله عنهم ستاً والكل صحيح في أحوال مختلفة، والأكمل أفضل العاشر أن يلازم المسجد حتى يصلي العصر فإن أقام إلى المغرب فهو الأفضل. يقال من صلى العصر في الجامع كان له ثواب الحج ومن صلى المغرب فله ثواب حجة وعمرة فإن لم يأمن التصبع ودخول الآفة عليه من نظر الخلق إلى اعتكافه أو خاف الخوض فيما لا يعنى فالأفضل أن يرجع إلى بيته ذاكراً الله عز وجل مفكراً في آلائه شاكراً لله تعالى على توفيقه خائفاً من تقصيره مراقباً لقلبه ولسانه إلى غروب الشمس حتى لا تفوته الساعة الشريفة. ولا ينبغي أن يتكلم في الجامع وغيره من المساجد بحديث الدنيا قال صلى الله عليه وسلم "يأتي على الناس زمان يكون حديثهم في مساجدهم أمر دنياهم ليس لله تعالى فيهم حاجة فلا تجالسوهم".


[saa]يتبع بإذن الله[/saa]

_________________

يا خير من دفنت في التراب أعظمه فطاب من طيبهن القاع الأكم
نفسي الفداء لقبر أنت ساكنه فيه العفاف وفيه الجود والكرم
أنت الشفيع الذي ترجى شفاعته عند الصراط إذا ما زلّت القدم


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة:
مشاركة غير مقروءةمرسل: الخميس سبتمبر 08, 2005 3:20 pm 
غير متصل

اشترك في: السبت فبراير 21, 2004 10:56 pm
مشاركات: 1245
مكان: يا رب مع الحبيب و آله صلى الله عليه و آله وصحبه وسلم
[align=center]بيان الآداب والسنن الخارجة عن الترتيب السابق
الذي يعم جميع النهار وهي سبعة أمور
[/align]


الأول أن يحضر مجالس العلم بكرة أو بعد العصر ولا يحضر مجالس القصاص فلا خير في كلامهم. ولا ينبغي أن يخلو المريد في جميع يوم الجمعة عن الخيرات والدعوات حتى توافيه الساعة الشريفة وهو في خير ولا ينبغي أن يحضر الحلق قبل الصلاة. وروى عبد الله بن عمر رضي الله عنهما "أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن التحلق يوم الجمعة قبل الصلاة" إلا أن يكون عالماً بالله يذكر بأيام الله ويفقه في دين الله يتكلم في الجامع بالغداة فيجلس إليه فيكون جامعاً بين البكور وبين الاستماع. واستماع العلم النافع في الآخرة أفضل من اشتغاله بالنوافل فقد روى أبو ذر "إن حضور مجلس علم أفضل من صلاة ألف ركعة" قال أنس بن مالك في قوله تعالى "فإذا قضيت الصلاة فانتشروا في الأرض وابتغوا من فضل الله" أما إنه ليس بطلب دنيا لكن عيادة مريض وشهود جنازة وتعلم علم وزيارة أخ في الله عز وجل. وقد سمى الله عز وجل فضلاً في مواضع قال تعالى "وعلمك ما لم تكن تعلم وكان فضل الله عليك عظيماً" وقال تعالى "ولقد آتينا داود منا فضلاً" يعني العلم فتعلم العلم في هذا اليوم وتعليمه من أفضل القربات. والصلاة أفضل من مجالس القصاص إذ كانوا يرونه بدعة ويخرجون القصاص من الجامع: بكر ابن عمر رضي الله عنهما إلى مجلسه في المسجد الجامع فإذا قاص في موضعه فقال: قم عن مجلسي! فقال: لا أقوم وقد جلست وسبقتك إليه، فأرسل ابن عمر إلى صاحب الشرطة فأقامه. فلو كان ذلك من السنة لما جازت إقامته فقد قال صلى الله عليه وسلم "لا يقيمن أحدكم أخاه من مجلسه ثم يجلس فيه ولكن تفسحوا وتوسعوا" وكان ابن عمر إذا قام الرجل له من مجلسه لم يجلس فيه حتى يعود إليه. وروي أن قاصاً كان يجلس بفناء حجرة عائشة رضي الله عنها فأرسلت إلى ابن عمر: إن هذا قد آذاني بقصصه وشغلني عن سبحتي، فضربه ابن عمر حتى كسر عصاه على ظهره ثم طرده الثاني أن يكون حسن المراقبة للساعة الشريفة ففي الخبر المشهور "إن في الجمعة ساعة لا يوافقها عبد مسلم يسأل الله عز وجل فيها شيئاً إلا أعطاه" وفي خبر آخر "لا يصادفها عبد يصلي" واختلف فيها فقيل إنها عند طلوع الشمس وقيل عند الزوال وقيل مع الأذان وقيل إذا صعد الإمام المنبر وأخذ في الخطبة وقيل إذا قام الناس إلى الصلاة وقيل آخر وقت العصر - أعني وقت الاختيار - وقيل قبل غروب الشمس "وكانت فاطمة رضي الله عنها تراعي ذلك الوقت وتأمر خادمتها أن تنظر إلى الشمس فتؤذها بسقوطها فتأخذ في الدعاء والاستغفار إلى أن تغرب الشمس، وتخبر بأن تلك الساعة هي المنتظرة وتؤثره عن أبيها صلى الله عليه وسلم وعليها" وقال بعض العلماء: هي مبهمة في جميع اليوم مثل ليلة القدر تتوفر الدواعي على مراقبتها. وقيل إنها تنتقل في ساعات يوم الجمعة كتنقل ليلة القدر وهذا هو الأشبه، وله سر لا يليق بعلم المعاملة ذكره ولكن ينبغي أن يصدق بما قال صلى الله عليه وسلم "إن لربكم في أيام دهركم نفحات ألا فتعرضوا لها" ويوم الجمعة من جملة تلك الأيام فينبغي أن يكون العبد في جميع نهاره متعرضاً لها بإحضار القلب وملازمة الذكر والنزوع عن وساوس الدنيا فعساه يحظى بشيء من تلك النفحات. وقد قال كعب الأحبار: إنها في آخر ساعة من يوم الجمعة وذلك عند الغروب، فقال أبو هريرة: وكيف تكون آخر ساعة وقد سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لا يوافقها عبد يصلي ولات حين صلاة! فقال كعب: ألم يقل رسول الله صلى الله عليه وسلم من قعد ينتظر الصلاة فهو في الصلاة قال: بلى، قال: فذلك صلاة؟ فسكت أبو هريرة. وكان كعب مائلاً إلى أنها رحمة من الله سبحانه للقائمين بحق هذا اليوم وأوان إرسالها عند الفراغ من تمام العمل. وبالجملة هذا وقت شريف مع وقت صعود الإمام المنبر فليكثر الدعاء فيهما الثالث يستحب أن يكثر الصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذا اليوم فقد قال صلى الله عليه وسلم "من صلى علي في يوم الجمعة ثمانين مرة غفر الله له ذنوب ثمانين سنة قيل يا رسول الله كيف الصلاة عليك؟ قال تقول اللهم صل على محمد عبدك ونبيك ورسولك النبي الأمي، وتعقد واحدة، وإن قلت اللهم صلي على محمد وعلى آل محمد صلاة تكون لك رضاء ولحقه أداء وأعطه الوسيلة وابعثه المقام المحمود الذي وعدته واجزه عنا ما هو أهله واجزه أفضل ما جازيت نبياً عن أمته وصل عليه وعلى جميع إخوانه من النبيين والصالحين يا أرحم الراحمين" تقول هذا سبع مرات فقد قيل من قالها في سبع جمع في كل جمعة سبع مرات وجبت له شفاعته صلى الله عليه وسلم. وإن أراد أن يزيد أتى بالصلاة المأثورة فقال "اللهم اجعل فضائل صلواتك ونوامي بركاتك وشرائف زكواتك ورأفتك ورحمتك وتحيتك على محمد سيد المرسلين وإمام المتقين وخاتم النبيين ورسول رب العالمين قائد الخير وفاتح البر ونبي الرحمة وسيد الأمة اللهم ابعثه مقاماً محموداً تزلف به قربه وتقر به عينه يغبطه به الأولون وألاخرون اللهم أعطه الفضل والفضيلة والشرف والوسيلة والدرجة الرفيعة والمنزلة الشامخة المنيفة اللهم أعط محمداً سؤله وبلغه مأموله واجعله أول شافع وأول مشفع اللهم عظم برهانه وثقل ميزانه وأبلج حجته وارفع في أعلى المقربين درجته اللهم احشرنا في زمرته واجعلنا من أهل شفاعته وأحينا على سنته وتوفنا على ملته وأوردنا حوضه واسقنا بكأسه غير خزايا ولا نادمين ولا شاكين ولا مبدلين ولا فاتنين ولا مفتونين آمين يارب العالمين" وعلى الجملة فكل ما أتى به من ألفاظ الصلاة ولو بالمشهورة في التشهد كان مصلياً. وينبغي أن يضيف إليه الاستغفار فإن ذلك أيضاً مستحب في هذا اليوم الرابع قراءة القرآن فليكثر منه وليقرأ سورة الكهف خاصة. فقد روي عن ابن عباس وأبي هريرة رضي الله عنهما "أن من قرأ سورة الكهف ليلة الجمعة أو يوم الجمعة أعطي نوراً من حيث يقرؤها إلى مكة وغفر له إلى يوم الجمعة الأخرى وفضل ثلاثة أيام وصلى عليه سبعون ألف ملك حتى يصح وعوفي من الداء والدبيلة وذات الحنب والبرص والجذام وفتنة الدجال" ويستحب أن يختم القرآن في يوم الجمعة وليلتها إن قدر، وليكن ختمه للقرآن في ركعتي الفجر إن قرأ بالليل أو في ركعتي المغرب أو بين الإذان والإقامة للجمعة فله فضل عظيم. وكان العابدون يستحبون أن يقرءوا يوم الجمعة قل هو الله أحد ألف مرة. ويقال إن من قرأها في عشر ركعات أو عشرين فهو أفضل من ختمة وكانوا يصلون على النبي صلى الله عليه وسلم ألف مرة وكانوا يقولون "سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر" ألف مرة وإن قرأ المسبعات الست في يوم الجمعة أو ليلتها فحسن. وليس يروى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يقرأ سوراً بأعيانها إلا في يوم الجمعة وليلتها كان يقرأ في صلاة المغرب ليلة الجمعة "قل يا أيها الكافرون. وقل هو الله أحد" وكان يقرأ في صلاة العشاء الآخرة ليلة الجمعة: سورة الجمعة والمافقين وروي أنه صلى الله عليه وسلم كان يقرؤهما في ركعتي الجمعة. وكان يقرأ في الصبح يوم الجمعة. سورة سجدة لقمان وسورة هل أتى على الإنسان الخامس الصلوات يستحب إذا دخل الجامع أن لا يجلس حتى يصلي أربع ركعات يقرأ فيهن "قل هو الله أحد" مائتي مرة في كل ركعة خمسين مرة فقد نقل عن رسول الله صلى الله عليه وسلم "أن من فعله لم يمت حتى يرى مقعده من الجنة أو يرى له" ولا يدع ركعتي التحية وإن كان الإمام يخطب ولكن يخفف. أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بذلك وفي حديث غريب "أنه صلى الله عليه وسلم سكت للداخل حتى صلاهما" فقال الكوفيون: إن سكت له الإمام صلاهما. ويستحب في هذا اليوم أو في ليلته أن يصلي أربع ركعات بأربع سور: الأنعام والكهف وطه ويس. فإن لم يحسن قرأ يس وسورة سجدة لقمان وسورة الدخان وسورة الملك ولا يدع قراءة هذه الأربع سور في ليلة الجمعة ففيها فضل كثير. ومن لا يحسن القرآن قرأ ما يحسن فهو له بمنزلة الختمة. ويكثر من قراءة سورة الإخلاص. ويستحب أن يصلي صلاة التسبيح - كما سيأتي في باب التطوعات كيفيتها - لأنه صلى الله عليه وسلم قال لعمه العباس "صلها في كل جمعة وكان ابن عباس رضي الله عنهما لا يدع هذه الصلاة يوم الجمعة بعد الزوال وكان يخبر عن جلالة فضلها. والأحسن أن يجعل وقته إلى الزوال للصلاة وبعد صلاة الجمعة إلى العصر لاستماع العلم وبعد العصر إلى المغرب للتسبيح والاستغفار. السادس الصدقة مستحبة في هذا اليوم خاصة فإنها تتضاعف إلا على من سأل والإمام يخطب وكان يتكلم في كلام الإمام فهذا مكروه. وقال صالح بن محمد: سأل مسكين يوم الجمعة والإمام يخطب - وكان إلى جانب أبي - فأعطى رجل أبي قطعة ليناوله إياها فلم يأخذها منه أبي. وقال ابن مسعود إذا سأل الرجل في المسجد فقد استحق أن لا يعطى وإذا سأل على القرآن فلا تعطوه. ومن العلماء من كره الصدقة على السؤال في الجامع الذين يتخطون رقاب الناس؛ إلا أن يسأل قائماً أو قاعداً في مكانه من غير تخط. وقال كعب الأحبار: من شهد الجمعة ثم انصرف فتصدق بشيئين مختلفين من الصدقة ثم رجع فركع ركعتين يتم ركوعهما وسجودهما وخشوعهما ثم يقول: اللهم إني أسألك باسمك بسم الله الرحمن الرحيم وباسمك الذي لا إله إلا اله هو الحي القيوم الذي لا تأخذه سنة ولا نوم، ولم يسأل الله تعالى شيئاً إلا أعطاه. وقال بعض السلف. من أطعم مسكيناً يوم الجمعة ثم غدا وابتكر ولم يؤذ أحداً ثم قال حين يسلم الإمام "بسم الله الرحمن الرحيم الحي القيوم أسألك أن تغفر لي وترحمي وتعافيني من النار" ثم دعا بما بدا له استجيب له السابع أن يجعل يوم الجمعة للآخرة فيكف فيه عن جميع أشغال الدنيا ويكثر فيه الأوراد ولا يبتدىء فيه السفر فقد روي "أنه من سافر في ليلة الجمعة دعا عليه ملكاه" وهو بعد طلوع الفجر حرام إلا إذا كانت الرفقة تفوت. وكره بعض السلف شراء الماء في المسجد من السقاء ليشربه أو يسبله حتى لا يكون مبتاعاً في المسجد فإن البيع والشراء في المسجد مكروه. وقالوا: لابأس لو أعطى القطعة خارج المسجد ثم شرب أو سبل في المسجد. وبالجملة ينبغي أن يزيد في الجمعة في أوراده وأنواع خيراته فإن الله سبحانه إذا أحب عبداً استعمله في الأوقات الفاضلة بفواضل الأعمال وإذا مقته استعمله في الأوقات الفاضلة بسيء الأعمال ليكون ذلك أوجع في عقابه وأشد لمقته لحرمانه بركة الوقت وانتهاكه حرمة الوقت. ويستحب في الجمعة دعوات، وسيأتي ذكرها في كتاب الدعوات إن شاء الله تعالى. وصلى الله على كل عبد مصطفى.


[saa]يتبع بإذن الله[/saa]

_________________

يا خير من دفنت في التراب أعظمه فطاب من طيبهن القاع الأكم
نفسي الفداء لقبر أنت ساكنه فيه العفاف وفيه الجود والكرم
أنت الشفيع الذي ترجى شفاعته عند الصراط إذا ما زلّت القدم


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة:
مشاركة غير مقروءةمرسل: الأحد سبتمبر 11, 2005 3:28 pm 
غير متصل

اشترك في: السبت فبراير 21, 2004 10:56 pm
مشاركات: 1245
مكان: يا رب مع الحبيب و آله صلى الله عليه و آله وصحبه وسلم
[align=center]الباب السادس
في مسائل متفرقة تعم بها البلوى
ويحتاج المريد إلى معرفتها
فأما المسائل التي تقع نادرة فقد استقصيناها
في كتب الفقه
[/align]

مسألة الفعل القليل وإن كان لا يبطل الصلاة فهو مكروه إلا لحاجة وذلك في دفع المار وقتل العقرب التي تخاف ويمكن قتلها بضربة أو ضربتين فإذا صارت ثلاثاً فقد كثرت وبطلت الصلاة، وكذلك القملة والبرغوث مهما تأذى بهما كان له دفعهما، وكذلك حاجته إلى الحك الذي يشوش عليه الخشوع. كان معاذ يأذ القملة والبرغوث في الصلاة. وابن عمر كان يقتل القملة في الصلاة حتى يظهر الدم على يده. وقال النخعي: يأخذها وبوهنها ولا شيء عليه إن قتلها. وقال ابن المسيب: يأخذها ويخدرها ثم يطرحها. وقال مجاهد: الأحب إلى أن يدعها إلا أن تؤذيه فتشغله عن صلاته فيوهنها قدر ما لا تؤذي ثم يلقيها. وهذه رخصة وإلا فالكمال الاحتراز عن الفعل وإن قل. ولذلك كان بعضهم لا يطرد الذباب وقال: لا أعود نفسي ذلك فأفسح على صلاتي. وقد سمعت أن الفساق بين يدي الملوك يصبرون على أذى كثير ولا يتحركون. ومهما تثاءب فلابأس أن يضع يده على فيه وهو الأولى. وإن عطس حمد الله عز وجل في نفسه ولا يحرك لسانه. وإن تجشأ فينبغي أن لا يرفع رأسه إلى السماء وإن سقط رداؤه فلا ينبغي أن يسويه وكذلك أطراف عمامته فكل ذلك مكروه إلا لضرورة.
مسألة الصلاة في النعلين جائزة وإن كان نزع النعلين سهلاً، وليست الرخصة في الخف لعسر النزع بل هذه النجاسة معفو عنها. وفي معناها المداس "صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم في نعليه، ثم نزع فنزع الناس نعالهم فقال: لم خلعتم نعالكم؟ قالوا: رأيناك خلعت فخلعنا فقال صلى الله عليه وسلم: إن جبرائيل عليه السلام أتاني فأخبرني أن بهما خبثاً فإذا أراد أحدكم المسجد فليقلب نعليه ولينظر فيهما فإن رأى خبثاً فليمسحه بالأرض وليصل فيهما" وقال بعضهم: الصلاة في النعلين أفضل لأنه صلى الله عليه وسلم قال "لم خلعتم نعالكم؟" وهذه مبالغة فإنه صلى الله عليه وسلم سألهم ليبين لهم سبب خلعه إذ علم أنهم خلعوا على موافقته. وقد روى عبد الله بن السائب "أن النبي صلى الله عليه وسلم خلع نعليه" فإذن قد فعل كليهما فمن خلع فلا ينبغي أن يضعهما عن يمينه ويساره فيضيق الموضع ويقطع الصف بل يضعهما بين يديه ولا يتركهما وراءه فيكون قلبه ملتفتاً إليهما. ولعل من رأى الصلاة فيهما أفضل راعي هذا المعنى وهو التفات القلب إليهما. روى أبو هريرة رضي الله عنه. أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إذا صلى أحدكم فليجعل نعليه بين رجليه" وقال أبو هريرة لغيره: اجعلهما بين رجليك ولا تؤذ بهما مسلماً. ووضعهما رسول الله صلى الله عليه وسلم على يساره وكان إماماً فللإمام أن يفعل ذلك إذ لا يقف أحد على يساره. والأولى أن لا يضعهما بين قدميه فتشغلانه ولكن قدام قدميه، ولعله المارد بالحديث. وقد قال جبير بن مطعم. وضع الرجل نعليه بين قدميه بدعة.
مسألة إذا بزق في صلاته لم تبطل صلاته لأنه فعل قليل. وما لا يحصل به صوت لا يعد كلاماً وليس على شكل حروف الكلام إلا أنه مكروه فينبغي أن يحترز منه إلا كما أذن رسول الله صلى الله عليه وسلم فيه إذ روى بعض الصحابة "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى في القبلة نخامة فغضب غضباً شديداً ثم حكها بعرجون كان في يده وقال: ائتوني بعبير، فلطخ أثرها بزعفران ثم التفت إلينا وقال: أيكم يحب أن يبزق في وجهه؟ فقلنا: لا أحد، قال: فإن أحدكم إذا دخل في الصلاة فإن الله عز وجل بينه وبين القبلة" وفي لفظ آخر "واجهه الله تعالى فلا يبزقن أحدكم تلقاء وجهه ولا عن يمينه ولكن عن شماله أو تحت قدمه اليسرى فإن بدرته بادرة فليبصق في ثوبه وليقل به هكذا ودلك بعضه ببعض"
مسألة لوقوف المقتدى: سنة وفرض؛ أما السنة: فأن يقف الواحد عن يمين الإمام متأخراً عنه قليلاً، والمرأة الواحدة تقف خلف الإمام؛ فإن وقفت بجنب الإمام لم يضر ذلك ولكن خالفت السنة. فإن كان معها رجل وقف الرجل عن يمين الإمام وهي خلف الرجل. ولا يقف أحد خلف الصف منفرداً بل يدخل في الصف أو يجر إلى نفسه واحداً من الصف. فإن وقف منفرداً صحت صلاته مع الكراهية. وأما الفرض. فاتصال الصف وهو أن يكون بين المقتدي والإمام رابطة جامعة فإنهما في جماعة فإن كانا في مسجد كفى ذلك جامعاً لأنه بنى له فلا يحتاج إلى اتصال صف بل إلى أن يعرف أفعال الإمام، صلى أبو هريرة رضي الله عنه على ظهر المسجد بصلاة الإمام. وإذا كان الماموم على فناء المسجد في طريق أو صحراء مشتركة وليس بينهما اختلاف بناء مفرق فيكفي القرب بقدر غلوة سهم وكفى بها رابطة إذ يصل فعل أحدهما إلى الآخر. وإنما يشترط إذا وقف في صحن دار على يمين المسجد أو يساره وبابها لاطىء في المسجد فالشرط أن يمد صف المسجد في دهليزها من غير انقطاع إلى الصحن. ثم تصح صلاة من في ذلك الصف ومن خلفه دون من تقدم عليه وهكذا حكم الأبنية المختلفة فأما البناء الواحد والعرصة الواحدة فكالصحراء.
مسألة المسبوق إذا أدرك آخر صلاة الإمام فهو أول صلاته فليوافق الإمام وليبن عليه وليقنت في الصبح في آخر صلاة نفسه. وإن قنت مع الإمام وإن أدرك مع الإمام بعض القيام فلا يشتغل بالدعاء وليبدأ بالفاتحة وليخففها. فإن ركع الإمام قبل تمامها وقدر على لحوقه في اعتداله من الركوع فليتم. فإن عجز وافق الإمام وركع وكان لبعض الفاتحة حكم جميعها فتسقط عنه بالسبق. وإن ركع الإمام وهو في السورة فليقطعها. وإن أدرك الإمام في السجود أو التشهد كبر للإحرام ثم جلس ولم يكبر بخلاف ما إذا أدركه في الركوع فإنه يكبر ثانياً في الهوى لأن ذلك انتقال محسوب له. والتكبيرات للانتقالات الأصلية في الصلاة لا للعوارض بسبب القدوة. ولا يكون مدركاً للركعة ما لم يطمئن راكعاً في الركوع والإمام بعد في حد الراكعين. فإن لم يتم طمأنينته إلا بعد مجاوزة الإمام حد الراكعين فاته تلك الركعة.
مسألة من فاتته صلاة الظهر إلى وقت العصر فليصل الظهر أولاً ثم العصر، فإن ابتدأ بالعصر أجزأه ولكن ترك الأولى واقتح شبهة الخلاف. فإن وجد إماماً فليصل العصر ثم ليصل الظهر بعده فإن الجماعة بالأداء أولى. فإن صلى منفرداً في أول الوقت ثم أدرك جماعة صلى في الجماعة ونوى صلاة الوقت والله يحتسب أيهما شاء. فإن نوى فائتة أو تطوعا جاز. وإن كان قد صلى في الجماعة فأدرك جماعة أخرى فلينو الفائتة أو النافلة فإعادة المؤداة بالجماعة مرة أخرى لا وجه له وإنما احتمل ذلك لدرك فضيلة الجماعة.
مسألة من صلى ثم رأى على ثوبه نجاسة فالأحب قضاء الصلاة ولا يلزمه. ولو رأى النجاسة في أثناء الصلاة رمى بالثوب وأتم والأحب الاستئناف. وأصل هذا قصة خلع النعلين حين أخبر جبرائيل عليه السلام رسول الله صلى الله عليه وسلم بأن عليهما نجاسة فإنه صلى الله عليه وسلم لم يستأنف الصلاة.
مسألة من ترك التشهد الأول أو القنوت أو ترك الصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم في التشهد الأول أو فعل فعلاً سهواً وكانت تبطل الصلاة بتعمده أو شك فلا يدر أصلى ثلاثاً أو أربعاً: أخذ باليقين وسجد سجدتي السهو قبل السلام. فإن نسي فبعد السلام مهما تذكر على القرب. فإن سجد بعد السلام وبعد أن أحدث بطلت صلاته. فإنه لما دخل في السجود كأنه جعل سلامه نسياناً في غير محله فلا يحصل التحلل به وعاد إلى الصلاة فلذلك يستأنف السلام بعد السجود. فإن تذكر سجود السهو بعد خروجه من المسجد أو بعد طول الفصل فقد فات.

مسألة الوسوسة في نية الصلاة سببها خبل في العقل أو جهل بالشرع لأن امتثال أمر الله عز وجل مثل امتثال أمر غيره وتعظيمه كتعظيم غيره في حق القصد. ومن دخل عليه عالم فقام له فلو قال: نويت أن أنتصب قائماً تعظيماً لدخول زيد الفاضل لأجل فضله مقبلاً عليه بوجهي، كان سفهاً في عقله بل كما يراه ويعلم فضله تنبعث داعية التعظيم فتقيمه ويكون معظماً إلا إذا قام لشغل آخر أو في غفلة. واشتراط كون الصلاة ظهراً أداء فرضاً في كونه امتثالاً كاشتراط كون القيام مقروناً بالدخول مع الإقبال بالوجه على الداخل وانتفاء باعث آخر سواه. وقصد التعظيم به ليكون تعظيماً. فإنه لو قام مدبراً عنه أو صبر فقام بعد ذلك بمدة لم يكن معظماً. ثم هذه الصفات لابد وأن تكون معلومة وأن تكون مقصودة ثم لا يطول حضورها في النفس في لحظة واحدة وإنما يطول نظم الألفاظ الدالة عليها إما تلفظاً باللسان وإما تفكراً بالقلب. فمن لم يفهم نية الصلاة على هذا الوجه فكأنه لم يفهم النية. فليس فيه إلا أنك دعيت إلى أن تصلي في وقت فأجبت وقمت فالوسوسة محض الجهل. فإن هذه القصود وهذه العلوم تجتمع في النفس في حالة واحدة ولا تكون مفصلة الآحاد في الذهن بحيث تطالعها النفس وتتأملها. وفرق بين حضور الشيء في النفس وبين تفصيله بالفكر. والحضور مضاد للعزوب والغفلة، وإن لم يكن مفصلاً. فإن من علم الحادث مثلاً فيعلمه بعلم واحد في حالة واحدة وهذا العلم يتضمن علوماً هي حاضرة وإن لم تكن مفصلة فإن من علم الحادث فقد علم الموجود والمعدوم والتقدم والتأخر والزمان، وأن التقدم للعدم وأن التأخر للوجود، فهذه العلوم منطوية تحت العلم بالحادث، بدليل أن العالم بالحادث إذا لم يعلم غيره لو قيل له هل علمت التقدم فقط أو التأخر أو العدم أو تقدم العدم أو تأخر الوجود أو الزمان المنقسم إلى المتقدم والمتأخر؟ فقال ما عرفته قط كان كاذباً وكان قوله مناقضاً لقوله: إني أعلم الحادث. ومن الجهل بهذه الدقيقة يثور الوسواس فإن الموسوس يكلف نفسه أن يحضر في قلبه الظهرية والأدائية والفرضية في حالة واحدة مفصلة بألفاظها وهو يطالعها وذلك محال. ولو كلف نفسه ذلك في القيام لأجل العالم لتعذر عليه. فبهذه المعرفة يندفع الوسواس وهو أن امتثال أمر الله سبحانه في النية كامتثال أمر غيره ثم أزيد على سبيل التسهيل والترخيص وأقول. لو لم يفهم الموسوس النية إلا بإحضار هذه امور مفصلة ولم يمثل في نفسه الامتثال دفعة واحدة وأحضر جملة ذلك في أثناء التكبير من أوله إلى آخره بحيث لا يفرغ من التكبير إلا وقد حصلت النية كفاه ذلك. ولا نكلفه أن يقرن الجميع بأول التكبير أو آخره فإن ذلك تكليف شطط. ولو كان مأموراً به لوقع للأولين سؤال عنه ولوسوس واحد من الصحابة في النية، فعدم وقوع ذلك دليل على أن الأمر على التساهل، فكيفما تيسرت النية للموسوس ينبغي أن يقنع به حتى يتعود ذلك وتفارقه الوسوسة، ولا يطالب نفسه بتحقيق ذلك فإن التحقيق يزيد في الوسوسة. وقد ذكرنا في الفتاوي وجوهاً من التحقيق في تحقيق العلوم. والقصود المتعلقة بالنية تفتقر العلماء إلى معرفتها أما العامة فربما ضرها سماعها ويهيج عليها الوسواس فلذلك تركناها.
مسألة ينبغي أن لا يتقدم المأموم على الإمام في الركوع والسجود والرفع منهما ولا في سائر الأعمال ولا ينبغي أن يساويه بل يتبعه ويقفو أثره فهذا معنى الاقتداء، فإن ساواه عمداً لم تبطل صلاته كما لو وقف بجنبه غير متأخر عنه. فإن تقدم عليه ففي بطلان صلاته خلاف، ولا يبعد أن يقضي بالبطلان تشبيهاً بما لو تقدم في الموقف على الإمام؛ بل هذا أولى لأن الجماعة اقتداء في الفعل لا في الموقف فالتبعية في الفعل أهم. وإنما شرط ترك التقدم في الموقف تسهيلاً للمتابعة في الفعل وتحصيلاً لصورة التبعية إذ اللائق بالمقتدى به أن يتقدم فالتقدم عليه في الفعل لا وجه له إلا أن يكون سهواً. ولذلك شدد رسول الله صلى الله عليه وسلم النكير فيه فقال "أما يخشى الذي يرفع رأسه قبل الإمام أن يحول الله رأسه رأس حمار" وأما التاخر عنه بركن واحد فلا يبطل الصلاة، وذلك بأن يعتدل الإمام عن ركوعه وهو بعد لم يركع ولكن التأخر إلى هذا الحد مكروه فإن وضع الإمام جبهته على الأرض وهو بعد لم ينته إلى حد الراكعين بطلت صلاته. وكذا إن وضع الإمام جبهته للسجود الثاني وهو بعد لم يسجد السجود الأول.
مسألة حق على من حضر الصلاة إذا رأى من غيره إساءة في صلاته أن يغيره وينكر عليه. وإن صدر من جاهل رفق بالجاهل وعلمه. فمن ذلك الأمر بتسوية الصفوف ومنع المنفرد بالوقوف خارج الصف، والإنكار على من يرفع رأسه قبل الإمام إلى غير ذلك من الأمور. فقد قال صلى الله عليه وسلم "ويل للعالم من الجاهل حيث لا يعلمه" وقال ابن مسعود رضي الله عنه: من رأى من يسيء صلاته فلم ينهه فهو شريكه في وزرها. وعن بلال بن سعد أنه قال: الخطيئة إذا أخفيت لم تضر إلا صاحبها فإذا أظهرت فلم تغير أضرت بالعامة. وجاء في الحديث "أن بلالاً كان يسوي الصفوف ويضرب عراقيبهم بالدرة" وعن عمر رضي الله عنه قال: تفقدوا إخوانكم في الصلاة فإذا فقدتموهم فإن كانوا مرضى فعودوهم وإن كانوا أصحاء فعاتبوهم. والعتاب إنكار على من ترك الجماعة ولا ينبغي أن يتساهل فيه. وقد كان الأولون يبالغون فيه حتى كان بعضهم يحمل الجنازة إلى بعض من تخلف عن الجماعة إشارة إلى أن الميت هو الذي يتأخر عن الجماعة دون الحي. ومن دخل المسجد ينبغي أن يقصد يمين الصف؛ ولذلك تزاحم الناس عليه في زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى قيل له: تعطلت الميسرة فقال صلى الله عليه وسلم "من عمر ميسرة المسجد كان له كفلان من الأجر" ومهما وجد غلاماً في الصف ولم يجد لنفسه مكاناً فله أن يخرجه إلى خلف ويدخل فيه - أعني إذا لم يكن بالغاً - وهذا ما أردنا أن نذكره من المسائل التي تعم بها البلوى. وسيأتي أحكام الصلوات المتفرقة في كتاب الأوراد إن شاء الله تعالى.



[saa]يتبع بإذن الله[/saa]

_________________

يا خير من دفنت في التراب أعظمه فطاب من طيبهن القاع الأكم
نفسي الفداء لقبر أنت ساكنه فيه العفاف وفيه الجود والكرم
أنت الشفيع الذي ترجى شفاعته عند الصراط إذا ما زلّت القدم


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة:
مشاركة غير مقروءةمرسل: الخميس سبتمبر 15, 2005 3:52 pm 
غير متصل

اشترك في: السبت فبراير 21, 2004 10:56 pm
مشاركات: 1245
مكان: يا رب مع الحبيب و آله صلى الله عليه و آله وصحبه وسلم
[align=center]الباب السابع
في النوافل من الصلوات
[/align]


اعلم أن ما عدا الفرائض من الصلوات ينقسم إلى ثلاثة أقسام: سنن ومستحبات وتطوعات. ونعني بالسنن ما نقل عن رسول الله صلى الله عليه وسلم المواظبة عليه كالرواتب عقيب الصلوات وصلاة الضحى والوتر والتهجد وغيرها؛ لأن السنة عبارة عن الطريق المسلوكة. ونعني بالمستحبات ما ورد الخبر بفضله ولم ينقل المواظبة عليه - كما سننقله في صلوات الأيام والليالي في الأسبوع - وكالصلاة عند الخروج من المنزل والدخول فيه وأمثاله. ونعني بالتطوعات ما وراء ذلك مما لم يرد في عينه أثر ولكنه تطوع به العبد من حيث رغب في مناجاة الله عز وجل بالصلاة التي ورد الشرع بفضلها مطلقاً؛ فكأنه متبرع به إذا لم يندب إلى تلك الصلاة بعينها وإن ندب إلى الصلاة مطلقاً، والتطوع عبارة عن التبرع. وسميت الأقسام الثلاثة نوافل من حيث إن النفل هو الزيادة وجملتها زائد على الفرائض. فلفظ: النافلة والسنة والمستحب والتطوع؛ أردنا الاصطلاح عليه لتعريف هذه المقاصد. ولا حرج على من يغير هذا الاصطلاح فلا مشاحة في الألفاظ بعد فهم المقاصد. وكل قسم من هذه الأقسام تتفاوت درجاته في الفضل بحسب ما ورد فيها من الأخبار والآثار المعرفة لفضلها وبحسب طول مواظبة رسول الله صلى الله عليه وسلم عليها وبحسب صحة الأخبار الواردة فيها واشتهارها، ولذلك يقال سنن الجماعات أفضل من سنن الانفراد. وأفضل سنن الجماعات: صلاة العيد ثم الكسوف ثم الاستسقاء. وأفضل سنن الانفراد: الوتر ثم ركعتا الفجر ثم ما بعدهما من الرواتب على تفاوتها. واعلم أن النوافل باعتبار الإضافة إلى معلقاتها تنقسم إلى ما يتعلق بأسباب كالكسوف والاستسقاء وإلى ما يتعلق بأوقات، والمتعلق بالأوقات ينقسم إلى ما يتكرر بتكرر اليوم والليلة أو بتكرر الأسبوع أو بتكرر السنة فالجملة أربع أقسام.

[align=center]القسم الأول
ما يتكرر بتكرر الأيام والليالي
[/align]


وهي ثمانية، خمسة هي رواتب الصلوات الخمس، وثلاثة وراءها وهي صلاة الضحى وإحياء ما بين العشاءين والتهجد


الأولى

راتبة الصبح وهي ركعتان قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "ركعتا الفجر خير من الدنيا وما فيها" ويدخل وقتها بطلول الفجر الصادق وهو المستطير دون المستطيل. وإدراك ذلك بالمشاهدة عسير في أوله إلا أن يتعلم منازل القمر أو يعلم اقتراع طلوعه بالكواكب الظاهرة للبصر. فيستدل بالكواكب عليه. ويعرف بالقمر في ليلتين من الشهر فإن القمر يطلع مع الفجر ليلة ست وعشرين، ويطلع الصبح مع غروب القمر ليلة اثني عشر من الشهر هذا هو الغالب، ويتطرق إليه تفاوت في بعض البروج وشرح ذلك يطول. وتعلم منازل القمر من المهمات للمريد حتى يطلع به على مقادير الأوقات بالليل وعلى الصبح، ويفوت وقت ركعتي الفجر بفوات وقت فريضة الصبح وهو طلوع الشمس، ولكن السنة أداؤهما قبل الفرض. فإن دخل المسجد وقد قامت الصلاة فليشتغل بالمكتوبة فإنه صلى الله عليه وسلم قال "إذا أقيمت الصلاة فلا صلاة إلا المكتوبة" ثم إذا فرغ من المكتوبة قام إليهما وصلاهما. والصحيح أنهما أداء ما وقعتا قبل طلوع الشمس لأنهما تابعتان للفرض في وقته وإنما الترتيب بينهما سنة في التقديم والتأخير إذا لم يصادف جماعة. فإذا صادف جماعة انقلب الترتيب وبقيتا أداء. والمستحب أن يصليهما في المنزل ويخففهما، ثم يدخل المسجد ويصلي ركعتين تحية المسجد، ثم يجلس ولا يصلي إلى أن يصلي المكتوبة. وفيما بين الصبح إلى طلوع الشمس الأحب فيه الذكر والفكر والاقتصار على ركعتي الفجر

والفريضة الثانية

راتبة الظهر وهي ست ركعات: ركعتان بعدها وهي أيضاً سنة مؤكدة، وأربع قبلها وهي أيضاً سنة وإن كانت دون الركعتين الأخيرتين. روى أبو هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال "من صلى أربع ركعات بعد زوال الشمس يحسن قراءتهن وركوعهن وسجودهن صلى معه سبعون ألف ملك يستغفرون له حتى الليل" وكان صلى الله عليه وسلم لا يدع أربعاً بعد الزوال يطيلهن ويقول إن أبواب السماء تفتح في هذه الساعة فأحب أن يرفع لي فيها عمل" رواه أبو أيوب الأنصاري وتفرد به، ودل عليه أيضاً ما روت أم حبيبة زوج النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال "من صلى في كل يوم اثنتي عشرة ركعة غير المكتوبة بني له بيت في الجنة ركعتين قبل الفجر وأربعاً قبل الظهر وركعتين بعدها وركعتين قبل العصر وركعتين بعد المغرب" وقال ابن عمر رضي الله عنهما: حفظت من رسول الله صلى الله عليه وسلم في كل يوم عشر ركعات فذكر ما ذكرته أم حبيبة رضي الله عنها إلا ركعتي الفجر فإنه قال: تلك ساعة لم يكن يدخل فيها على رسول الله صلى الله عليه وسلم ولكن حدثتني أختي حفصة رضي الله عنها أنه صلى الله عليه وسلم كان يصلي ركعتين في بيتها ثم يخرج. وقال في حديثه: ركعتين قبل الظهر وركعتين بعد العشاء. فصارت الركعتان قبل الظهر آكد من جملة الأربعة. ويدخل وقت ذلك بالزوال. والزوال يعرف بزيادة ظل الأشخاص المنتصبة مائلة إلى جهة الشرق، إذ يقع للشخص ظل عند الطلوع في جانب المغرب يستطيل فلا تزال الشمس ترتفع والظل ينقص وينحرف عن جهة المغرب إلى أن تبلغ الشمس منتهى ارتفاعها وهو قوس نصف النهار فيكون ذلك منتهى نقصان الظل. فإذا زالت الشمس عن منتهى الارتفاع أخذ الظل في الزيادة فمن حيث صارت الزيادة مدركة بالحس دخل وقت الظهر. ويعلم قطعاً أن الزوال في علم الله سبحانه وقع قبله ولكن التكاليف لا ترتبط إلا بما يدخل تحت الحس. والقدر الباقي من الظل الذي منه يأخذ في الزيادة يطول في الشتاء ويقصر في الصيف، ومنتهى طوله بلوغ الشمس أول الجدي، ومنتهى قصره بلوغها أول السرطان. ويعرف ذلك بالأقدام والموازين. ومن الطرق القريبة من التحقيق لمن أحسن مراعاته أن يلاحظ القطب الشمالي بالليل ويضع على الأرض لوحاً مربعاً وضعاً مستوياً بحيث يكون أحد أضلاعه من جانب القطب، بحيث لو توهمت سقوط حجر من القطب إلى الأرض ثم توهمت خطاً من مسقط الحجر إلى الضلع الذي يليه من اللوح لقام الخط على الضلع على زاويتين قائمتين أي لا يكون الخط مائلاً إلى أحد الضلعين، ثم تنصب عموداً على اللوح نصباً مستوياً في موضع علامة 5 وهو بإزاء القطب فيقع ظله على اللوح في أول النهار مائلاً إلى جهة المغرب في صوب خط أ ثم لا يزال يميل إلى أن ينطبق على خط ب، بحيث لو مد رأسه لانتهى على الاستقامة إلى مسقط الحجر، ويكون موازياً للضلع الشرقي والغربي غير مائل إلى أحدهما، فإذا بطل ميله إلى الجانب الغربي فالشمس في منتهى الارتفاع، فإذا انحرف الظل عن الخط الذي على اللوح إلى جانب الشرق فقد زالت الشمس. وهذا يدرك بالحس تحقيقاً في وقت هو قريب من أول الزوال في علم الله تعالى، ثم يعلم على رأس الظل عند انحرافه علامة، فإذا صار الظل من تلك العلامة مثل العمود دخل وقت العصر فهذا القدر لابأس بمعرفته في علم الزوال وهذه صورته.

الثالثة

راتبة العصر وهي أربع ركعات قبل العصر. روى أبو هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال "رحم الله عبداً صلى قبل العصر أربعاً" ففعل ذلك على رجاء الدخول في دعوة رسول الله صلى الله عليه وسلم مستحب استحباباً مؤكداً فإن دعوته تستجاب لا محالة له. ولم تكن مواظبته على السنة قبل العصر كمواظبته على ركعتين قبل الظهر

الرابعة

راتبة المغرب وهما ركعتان بعد الفريضة لم تختلف الرواية فيهما، وأما ركعتان قبلها بين أذان المؤذن وإقامة المؤذن على سبيل المبادرة فقد نقل عن جماعة من الصحابة كأبي بن كعب وعبادة بن الصامت وأبي ذر وزيد بن ثابت وغيرهم قال عبادة أو غيره: كان المؤذن إذا أذن لصلاة المغرب ابتدر أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم السواري يصلون ركعتين وقال بعضهم: كنا نصلي الركعتين قبل المغرب حتى يدخل الداخل فيحسب أنا صلينا فيسأل أصليتم المغرب؟ وذلك يدخل في عموم قوله صلى الله عليه وسلم "بين كل أذانين صلاة لمن شاء" وكان أحمد بن حنبل يصليهما فعابه الناس فتركهما فقيل له في ذلك فقال: لم أر الناس يصلونهما، فتركتهما وقال: لئن صلاهما الرجل في بيته أو حيث لا يراه الناس فحسن. ويدخل وقت المغرب بغيبوبة الشمس عن الأبصار في الأراضي المستوية التي ليست محفوفة بالجبال فإن كانت محفوفة بها في جهة المغرب فيتوقف إلى أن يرى إقبال السواد من جانب المشرق قال صلى الله عليه وسلم "إذا أقبل الليل من ههنا وأدبر النهار من ههنا فقد أفطر الصائم" والأحب المبادرة في صلاة المغرب خاصة وإن أخرت وصليت قبل غيبوبة الشفق الأحمر وقعت أداء ولكنه مكروه. وأخر عمر رضي الله عنه صلاة المغرب ليلة حتى طلع نجم فأعتق رقبة وأخرها ابن عمر حتى طلع كوكبان فأعتق رقبتين

الخامسة

راتبة العشاء الآخرة أربع ركعات بعد الفريضة. قالت عائشة رضي الله عنها "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي بعد العشاء الآخرة أربع ركعات ثم ينام" واختار بعض العلماء من مجموع الأخبار أن يكون عدد الرواتب سبع عشرة كعدد المكتوبة: ركعتان قبل الصبح وأربع قبل الظهر وركعتان بعدها وأربع قبل العصر وركعتان بعد المغرب وثلاث بعد العشاء الآخرة وهي الوتر ومهما عرفت الأحاديث الواردة فيه فلا معنى للتقدير فقد قال صلى الله عليه وسلم "الصلاة خير موضع فمن شاء أكثر ومن شاء أقل" فإذاً اختيار كل مريد من هذه الصلاة بقدر رغبته في الخير فقد ظهر فيما ذكرناه أن بعضها آكد من بعض، وترك الآكد أبعد لاسيما والفرائض تكمل بالنوافل فمن لم يستكثر منها يوشك أن لا تسلم له فريضة من غير جابر السادسة الوتر: قال أنس بن مالك "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يوتر بعد العشاء بثلاث ركعات، يقرأ في الأولى سبح اسم ربك الأعلى وفي الثانية قل يا أيها الكافرون وفي الثالثة قل هو الله أحد" وجاء في الخبر "أنه صلى الله عليه وسلم كان يصلي بعد الوتر ركعتين جالساً وفي بعضها متربعاً" وفي بعض الأخبار "إذا أراد أن يدخل فراشه زحف إليه وصلى فوقه ركعتين قبل أن يرقد يقرأ فيهما إذا زلزلت الأرض وسورة التكاثر" وفي رواية أخرى قل يا أيها الكافرون ويجوز الوتر مفصولاً وموصولاً، بتسليمة واحدة وتسليمتين: وقد أوتر رسول الله صلى الله عليه وسلم بركعة وثلاث وخمس وهكذا بالأوتار إلى إحدى عشرة ركعة والرواية مترددة في ثلاث عشرة وفي حديث شاذ "سبع عشرة ركعة" وكانت هذه الركعات - أعني ما سمينا جملتها وتراً - صلاة بالليل وهو التهجد والتهجد بالليل سنة مؤكدة - وسيأتي ذكر فضلها في كتاب الأوراد وفي الأفضل خلاف فقيل إن الإيتار بركعة فردة أفضل إذ صح أنه صلى الله عليه وسلم كان يواظب على الإيتار بركعة فردة وقيل الموصولة أفضل للخروج عن شبهة الخلاف لاسيما الإمام إذ قد يقتدي به من لا يرى الركعة الفردة صلاة، فإن صلى موصولاً نوى بالجميع الوتر وإن اقتصر على ركعة واحدة بعد ركعتي العشاء أو بعد فرض العشاء نوى اوتر وصح. لأن شرط الوتر أن يكون في نفسه وتراً وأن يكون موتراً لغيره مما سبق قبله وقد أوتر الفرض ولو أوتر قبل العشاء لم يصح أي لا ينال فضيلة الوتر الذي هو خير له من حمر النعم كما ورد به الخبر. وإلا فركع فردة صحيحة في أي وقت كان وإنما لم يصح قبل العشاء لأنه خرق إجماع الخلق في الفعل ولأنه لم يتقدم ما يصير به وتراً.
فأما إذا أراد أن يوتر بثلاث مفصولة ففي نيته في الركعتين نظر. فإنه إن نوى بهما التهجد أو سنة العشاء لم يكن هو من الوتر. وإن وى الوتر لم يكن هو في نفسه وتراً. وإنما الوتر ما بعده. ولكن الأظهر أن ينوي الوتر كما ينوي في الثلاث الموصولة الوتر. ولكن للوتر معنيان، أحدهما: أن يكون في نفسه وتراً، والآخر أن ينشأ ليجعل وتراً بما بعده فيكون مجموع الثلاثة وتراً، والركعتان من جملة الثلاث إلا أن وتريته موقوفة على الركعة الثالثة. وإذا كان هو على عزم أن يوترهما بثالثة كان له أن ينوي بهما الوتر. والركعة الثالثة وتر بنفسها وموترة لغيرها. والركعتان لا يوتران غيرهما وليستا وتراً بأنفسهما ولكنهما موترتان بغيرهما. والوتر ينبغي أن يكون آخر صلاة الليل فيقع بعد التهجد. وسيأتي فضائل الوتر والتهجد وكيفية الترتيب بينهما في كتاب ترتيب الأوراد السابعة صلاة الضحى: فالمواظبة عليها من عزائم الأفعال وفواضلها، أما عدد ركعاتها فأكثر ما نقل فيه ثمان ركعات. روت أم هانىء أخت علي بن أبي طالب رضي الله عنهما "أنه صلى الله عليه وسلم صلى الضحى ثماني ركعات أطالهن وحسنهن" ولم ينقل هذا القدر غيرها. فأما عائشة رضي الله عنها فإنها ذكرت "أنه صلى الله عليه وسلم كان يصلي الضحى أربعاً ويزيد ما شاء الله سبحانه" فلم تحد الزيادة أي أنه كان يواظب على الأربعة ولا ينقص منها وقد يزيد زيادات. وروي في حديث مفرد أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي الضحى ست ركعات" وأما وقتها فقد روى علي رضي الله عنه "أنه صلى الله عليه وسلم كان يصلي الضحى ستاً في وقتين، إذا أشرقت الشمس وارتفعت قام وصلى ركعتين - وهو أول لورد الثاني من أوراد النهار كما سيأتي - وإذا انبسطت الشمس وكانت في ربع السماء من جانب الشرق صلى أربعاً" فالأول إنما يكون إذا ارتفعت الشمس قيد نصف رمح والثاني إذا مضى من النهار ربعه بإزاء صلاة العصر فإن وقته أن يبقى من النهار ربعه، والظهر على منتصف النهار، ويكون الضحى على منتصف ما بين طلوع الشمس إلى الزوال، كما أن العصر على منتصف ما بين الزوال إلى الغروب. وهذا أفضل الأوقات. ومن وقت ارتفاع الشمس إلى ما قبل الزوال وقت للضحى على الجملة. الثامنة إحياء ما بين العشاءين وهي سنة مؤكدة ومما نقل عدده من فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم بين العشاءين ست ركعات ولهذه الصلاة فضل عظيم. وقيل إنها المراد بقوله عز وجل "تتجافى جنوبهم عن المضاجع" وقد روي عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال "من صلى بين المغرب والعشاء فإنها من صلاة الأوابين" وقال صلى الله عليه وسلم "من عكف نفسه فيما بين المغرب والعشاء في مسجد جماعة لم يتكلم إلا بصلاة أو بقرآن كان حقاً على الله أن يبني له قصرين في الجنة مسيرة كل قصر منهما مائة عام ويغرس له بينهما غراساً لو طافه أهل الأرض لوسعهم" وسيأتي بقية فضائلها في كتاب الأوراد إن شاء الله تعالى.


[align=center]القسم الثاني
ما يتكرر بتكرر الأسابيع
[/align]

وهي صلاة أيام الأسبوع ولياليه لكل يوم ولكل ليلة أما الأيام فنبدأ فيها بيوم الأحد.

يوم الأحد:

روى أبو هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال "من صلى يوم الأحد أربع ركعات يقرأ في كل ركعة بفاتحة الكتاب وآمن الرسول مرة كتب الله له بعدد كل نصراني ونصراينة حسنات وأعطاه الله ثواب نبي وكتب له حجة وعمرة وكتب له بكل ركعة ألف صلاة وأعطاه الله في الجنة بكل حرف مدينة من مسك أذفر" وروي عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال "وحدوا الله بكثرة الصلاة يوم الأحد فإنه سبحانه واحد لا شريك له فمن صلى يوم الأحد بعد صلاة الظهر أربع ركعات بعد الفريضة والسنة يقرأ في الأولى فاتحة الكتاب وتنزيل السجدة، وفي الثانية فاتحة الكتاب وتبار الملك ثم تشهد وسلم ثم قام فصلى ركعتين أخريين يقرأ فيهما فاتحة الكتاب وسورة الجمعة وسأل الله سبحانه حاجته كان حقاً على الله أن يقضي حاجته".

يوم الاثنين:

روى جابر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال "من صلى يوم الاثنين عند ارتفاع النهار ركعتين يقرأ في كل ركعة فاتحة الكتاب مرة وآية الكرسي مرة وقل هو الله أحد والمعوذتين مرة مرة فإذا سلم استغفر الله عشر مرات وصلى على النبي صلى الله عليه وسلم عشر مرات غفر الله تعالى له ذنوبه كلها" وروى أنس ابن مالك عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال "من صلى يوم الاثنين ثنتي عشرة ركعة يقرأ في كل ركعة فاتحة الكتاب وآية الكرسي مرة فإذا فرغ قرأ قل هو الله أحد اثنتي عشرة واستغفر اثنتين عشرة مرة ينادى به يوم القيامة: أين فلان بن فلان ليقم فليأخذ ثوابه من الله عز وجل؟ فأول ما يعطى من الثواب ألف حلة ويتوج ويقال له ادخل الجنة فيستقبله مائة ألف ملك مع كل ملك هدية يشيعونه حتى يدور على ألف قصر من نور يتلألأ"

يوم الثلاثاء:

روى يزيد الرقاشي عن أنس بن مالك قال "قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من صلى يوم الثلاثاء عشر ركعات عند انتصاف النهار" وفي حديث آخر "عند ارتفاع النهار يقرأ في كل ركعة فاتحة الكتاب وآية الكرسي مرة وقل هو الله أحد ثلاث مرات لم تكتب عليه خطيئة إلى سبعين يوماً فإن مات إلى سبعين يوماً مات شهيداً وغفر له ذنوب سبعين سنة.

يوم الأربعاء:

روى أبو إدريس الخولاني عن معاذ بن جبل رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "من صلى يوم الأربعاء ثنتي عشرة ركعة عند ارتفاع النهار يقرأ في كل ركعة فاتحة الكتاب وآية الكرسي مرة وقل هو الله أحد ثلاث مرات والمعوذتين ثلاث مرات نادى مناد عند العرش: يا عبد الله استأنف العمل فقد غفر لك ما تقدم من ذنبك ورفع الله سبحانه عنك عذاب القبر وضيقه وظلمته ورفع عنك شدائد القيامة، ورفع له من يومه عمل نبي".

يوم الخميس:

عن عكرمة عن ابن عباس قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من صلى يوم الخميس بين الظهر والعصر ركعتين يقرأ في الأولى فاتحة الكتاب وآية الكرسي مائة مرة وفي الثانية فاتحة الكتاب وقل هو الله أحد مائة مرة ويصلي على محمد مائة مرة أعطاه الله ثواب من صام رجب وشعبان ورمضان وكان له من الثواب مثل حاج البيت وكتب له بعدد كل من آمن بالله سبحانه وتوكل عليه حسنه"

يوم الجمعة،

روي عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال "يوم الجمعة صلاة كله ما من عبد مؤمن قام إذا استقلت الشمس وارتفعت قدر رمح أو أكثر من ذلك فتوضأ ثم أسبغ الوضوء فصلى سبحة الضحى ركعتين إيماناً واحتساباً إلا كتب الله له مائتي حسنة ومحا عنه مائتي سيئة ومن صلى أربع ركعات رفع الله سبحانه له في الجنة أربعمائة درجة ومن صلى ثماني ركعات رفع الله تعالى له في الجنة ثمانمائة درجة وغفر له ذنوبه كلها ومن صلى ثنتي عشرة ركعة كتب الله له ألفين ومائتي حسنة ومحا عنه ألفين ومائتي سيئة ورفع له في الجنة ألفين ومائتي درجة" وعن نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال "من دخل الجامع يوم الجمعة فصلى أربع ركعات قبل صلاة الجمعة يقرأ في كل ركعة الحمد لله وقل هو الله أحد خمسين مرة لم يمت حتى يرى مقعده من الجنة أو يرى له".

يوم السبت:

روى أبو هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال "من صلى يوم السبت أربع ركعات يقرأ في كل ركعة فاتحة الكتاب مرة وقل هو الله أحد ثلاث مرات فإذا فرغ قرأ آية الكرسي كتب الله له بكل حرف حجة وعمرة ورفع له بكل حرف أجر سنة صيام نهارها وقيام ليلها وأعطاه الله عز وجل بكل حرف ثواب شهيد وكان تحت ظل عرش الله مع النبيين والشهداء".

[align=center]وأما الليالي[/align]


ليلة الأحد:

روى أنس بن مالك في ليلة الأحد أنه صلى الله عليه وسلم قال "من صلى ليلة الأحد عشرين ركعة يقرأ في كل ركعة فاتحة الكتاب وقل هو الله أحد خمسين مرة والمعوذتين مرة مرة واستغفر الله عز وجل مائة مرة واستغفر لنفسه ولوالديه مائة مرة وصلى على النبي صلى الله عليه وسلم مائة مرة وتبرأ من حوله وقوته والتجأ إلى الله ثم قال: أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن آدم صفوة الله وفطرته وإبراهيم خليل الله وموسى كليم الله وعيسى روح الله ومحمداً حبيب الله كان له من الثواب بعدد من دعا لله ولداً ومن لم يدع لله ولداً وبعثه الله عز وجل يوم القيامة مع الآمنين وكان حقاً على الله تعالى أن يدخله الجنة مع النبيين".

ليلة الإثنين:

روى الأعمش عن أنس قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "من صلى ليلة الإثنين أربع ركعات يقرأ في الركعة الأولى الحمد لله وقل هو الله أحد عشر مرات، وفي الركعة الثانية الحمد لله وقل هو الله أحد عشرين مرة، وفي الثالثة الحمد لله وقل هو الله أحد ثلاثين مرة، وفي الرابعة الحمد لله وقل هو الله أحد أربعين مرة ثم يسلم ويقرأ هو الله أحد خمساً وسبعين مرة واستغفر الله لنفسه ولوالديه خمساً وسبعين مرة ثم سأل الله حاجته كا حقاً على الله أن يعطيه سؤله ما سأل" وهي صلاة الحاجة.

ليلة الثلاثاء:

من صلى ركعتين يقرأ في كل ركعة فاتحة الكتاب وقل هو الله أحد والمعوذتين خمس عشرة مرة، ويقرأ بعد التسليم خمس عشرة مرة آية الكرسي واستغفر الله تعالى خمس عشرة مرة كان له ثواب عظيم وأجر جسيم. وروي عن عمر رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال "من صلى ليلة الثلاثاء ركعتين يقرأ في كل ركعة فاتحة الكتاب مرة وإنا أنزلناه وقل هو الله أحد سبع مرات أعتق الله رقبته من النار ويكون يوم القيامة قائده ودليله إلى الجنة".

ليلة الأربعاء:

روت فاطمة رضي الله عنها عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال "من صلى ليلة الأربعاء ركعتين يقرأ في الأول فاتحة الكتاب وقل أعوذ برب الفلق عشر مرات، وفي الثانية بعد الفاتحة قل أعوذ برب الناس عشر مرات ثم إذا سلم استغفر الله عشر مارت ثم يصلي على محمد صلى الله عليه وسلم عشر مرات نزل من كل سماء سبعون ألف ملك يكتبون ثوابه إلى يوم القيامة" وفي حديث آخر "ست عشرة ركعة يقرأ بعد الفاتحة ما شاء الله ويقرأ في آخر الركعتين آية الكرسي ثلاثين مرة وفي الأوليين ثلاثين مرة قل هو الله أحد يشفع في عشرة من أهل بيته كلهم وجبت عليهم النار" وروت فاطمة رضي الله عنها أنها قالت "قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من صلى ليلة الأربعاء ست ركعات قرأ في ركعة بعد الفاتحة قل اللهم مالك الملك إلى آخر الآية فإذا فرغ من صلاته يقول جزى الله محمداً عنا ما هو أهله غفر له ذنوب سبعين سنة وكتب له براءة من النار".

ليلة الخميس:

قال أبو هريرة رضي الله عنه "قال النبي صلى الله عليه وسلم: من صلى ليلة الخميس ما بين المغرب والعشاء ركعتين يقرأ في كل ركعة فاتحة الكتاب وآية الكرسي خمس مرات وقل هو الله أحد خمس مرات والمعوذتين خمس مرات فإذا فرغ من صلاته استغفر الله تعالى خمس عشر مرة وجعل ثوابه لوالديه فقد أدى حق والديه عليه وإن كان عاقاً لهما وأعطاه الله تعالى ما يعطي الصديقين والشهداء".

ليلة الجمعة:

قال جابر "قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من صلى ليلة الجمعة بين المغرب والعشاء اثنتي عشرة ركعة يقرأ في كل ركعة فاتحة الكتاب مرة وقل هو الله أحد إحدى عشرة مرة فكأنما عبد الله تعالى اثنتي عشرة سنة صيام نهارها وقيام ليلها" وقال أنس "قال النبي صلى الله عليه وسلم: من صلى ليلة الجمعة صلاة العشاء الآخرة في جماعة وصلى ركعتي السنة ثم صلى بعدهما عشر ركعات قرأ في كل ركعة فاتحة الكتاب وقل هو الله أحد والمعوذتين مرة مرة ثم أوتر بثلاث ركعات ونام على جنبه الأيمن تتوجهه إلى القبلة فكأنما أحيا ليلة القدر" وقال صلى الله عليه وسلم "أكثروا من الصلاة علي في الليلة الغراء واليوم الأزهر ليلة الجمعة ويوم الجمعة".

ليلة السبت:

قال أنس "قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من صلى ليلة السبت بين المغرب والعشاء اثنتي عشرة ركعة بنى له قصر في الجنة وكأنما تصدق على كل مؤمن ومؤمنة وتبرا من اليهود وكان حقاً على الله أن يغفر له".


[saa]يتبع بإذن الله[/saa]


_________________

يا خير من دفنت في التراب أعظمه فطاب من طيبهن القاع الأكم
نفسي الفداء لقبر أنت ساكنه فيه العفاف وفيه الجود والكرم
أنت الشفيع الذي ترجى شفاعته عند الصراط إذا ما زلّت القدم


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة:
مشاركة غير مقروءةمرسل: الأحد سبتمبر 18, 2005 3:26 pm 
غير متصل

اشترك في: السبت فبراير 21, 2004 10:56 pm
مشاركات: 1245
مكان: يا رب مع الحبيب و آله صلى الله عليه و آله وصحبه وسلم
[align=center]القسم الثالث
ما يتكرر بتكرر السنين
[/align]


وهي أربعة: صلاة العيدين والتراويح وصلاة رجب وشعبان الأولى صلاة العيدين: وهي سنة مؤكدة وشعار من شعائر الدين وينبغي أن يراعى فيها سبعة أمور؛ التكبير ثلاثاً نسقاً فيقول "الله أكبر الله أكبر الله أكبر كبيراً والحمد لله كثيراً وسبحان الله بكرة وأصيلاً لا إله إلا الله وحده لا شريك له مخلصين له الدين ولو كره الكافرون" يفتتح بالتكبير ليلة الفطر إلى الشروع في صلاة العيد، وفي العيد الثاني يفتتح التكبير عقيب الصبح يوم عرفة إلى آخر النهار يوم الثالث عشر، وهذا أكمل الأقاويل. ويكبر عقيب الصلوات المفروضة وعقيب النوافل وهو عقيب الفرائض آكد: الثاني: إذا أصبح يوم العيد يغتسل ويتزين ويتطيب كما ذكرناه في الجمعة والرداء والعمامة هو الأفضل للرجال، وليجنب الصبيان الحرير والعجائز التزين عند الخروج. الثالث: أن يخرج من طريق ويرجع من طريق آخر هكذا فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان صلى الله عليه وسلم "يأمر بإخراج العواتق وذوات الخدور". الرابع المستحب الخروج إلى الصحراء إلا بمكة وبيت المقدس، فإن كان يوم مطر فلابأس بالصلاة في المسجد، ويجوز في يوم الصحو أن يأمر الإمام رجلاً يصلي بالضعفة في المسجد ويخرج بالأقوياء مكبرين. الخامس: يراعي الوقت فوقت صلاة العيد ما بين طلوع الشمس إلى الزوال. ووقت الذبح للضحايا ما بين ارتفاع الشمس بقدر خطبتين وركعتين إلى آخر اليوم الثالث عشر. ويستحب تعجيل صلاة الأضحى لأجل الذبح وتأخير صلاة الفطر لأجل تفريق صدقة الفطر قبلها. هذه سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم . السادس: في كيفية الصلاة فليخرج الناس مكبرين في الطريق. وإذا بلغ الإمام المصلى لم يجلس ولم يتنفل ويقطع الناس التنفل. ثم ينادي مناد: الصلاة جامعة. ويصلي الإمام بهم ركعتين يكبر في الأولى سوى تكبيرة الإحرام والركوع سبع تكبيرات يقول بين كل تكبيرتين "سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر" ويقول "وجهت وجهي للذي فطر السموات والأرض" عقيب تكبيرة الافتتاح ويؤخر الاستعاذة إلى ما وراء الثامنة ويقرأ "سورة ق" في الأولى بعد الفاتحة "واقتربت" في الثانية. والتكبيرات الزائدة في الثانية خمس سوى تكبيرتي القيام والركوع. وبين كل تكبيرتين ما ذكرناه. ثم يخطب خطبتين بينهما جلسة ومن فاتته صلاة العيد قضاها، السابع: أن يضحي بكبش "ضحى رسول الله صلى الله عليه وسلم بكبشين أملحين وذبح بيده وقال "بسم الله والله أكبر هذا عني وعمن لم يضح من أمتي" وقال صلى الله عليه وسلم: "من رأى هلال ذي الحجة وأراد أن يضحي فلا يأخذ من شعره ولا من أظفاره شيئاً" قال أبو أيوب الأنصاري: كان الرجل يضحي على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم بالشاة عن أهل بيته ويأكلون ويطعمون. وله أن يأكل من الضحية بعد ثلاثة أيام فما فوق، وردت فيه الرخصة بعد النهي عنه. وقال سفيان الثوري: يستحب أن يصلي بعد عيد الفطر اثنتي عشرة ركعة وبعد عيد الأضحى ست ركعات وقال هو من السنة الثانية التراويح: وهي عشرون ركعة وكيفيتها مشهورة وهي سنة مؤكدة وإن كانت دون العيدين واختلفوا في أن الجماعة فيها أفضل أم الانفراد؟ وقد خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم فيها ليلتين أو ثلاثاً للجماعة ثم لم يخرج وقال "أخاف أن توجب عليكم" وجمع عمر رضي الله عنه الناس عليها في الجماعة حيث أمن من الوجوب بانقطاع الوحي؛ فقيل إن الجماعة أفضل لفعل عمر رضي الله عنه ولأن الاجتماع بركة وله فضيلة بدليل الفرائض ولأنه ربما يكسل في الانفراد وينشط عند مشاهدة الجمع. وقيل الانفراد أفضل لأن هذه سنة ليست من الشعائر كالعيدين فإلحاقها بصلاة الضحى وتحية المسجد أولى ولم تشرع فيها جماعة. وقد جرت العادة بأن يدخل المسجد جمعاً معاً ثم لم يصلوا التحية بالجماعة ولقوله صلى الله عليه وسلم "فضل صلاة التطوع في بيته على صلاته في المسجد كفضل صلاة المكتوبة في المسجد على صلاته في البيت" وروي أنه صلى الله عليه وسلم قال "صلاة في مسجدي هذا أفضل من مائة صلاة في غيره من المساجد وصلاة في المسجد الحرام أفضل من ألف صلاة في مسجدي، وأفضل من ذلك كله رجل يصلي في زاوية بيته ركعتين لا يعلمها إلا الله عز وجل" وهذا لأن الرياء والتصنع ربما يتطرق إليه في الجمع ويأمن منه في الواحدة فهذا ما قيل فيه. والمختار أن الجماعة أفضل كما رآه عمر رضي الله عنه. فإن بعض النوافل قد شرعت فيها الجماعة وهذا جدير بأن يكون من الشعائر التي تظهر. وأما الالتفات إلى الرياء في الجمع والكسل في الإنفراد عدول عن مقصود النظر في فضيلة الجمع من حيث إنه جماعة، وكأن قائله يقول: الصلاة خير من تركها بالكسل والإخلاص خير من الرياء. فلنفرض المسألة فيمن يثق بنفسه أنه لا يكسل لو انفرد ولا يرائي لو حضر الجمع فأيهما أفضل له؟ فيدور النظر بين بكرة الجمع وبين مزيد قوة الإخلاص وحضور القلب في الوحدة، فيجوز أن يكون في تفضيل أحدهما على الآخر تردد مما يستحب القنوت في الوتر في النصف الأخير من رمضان. أما صلاة رجب: فقد روي بإسناد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال "ما من أحد يصوم أول خميس من رجب ثم يصلي فيما بين العشاء والعتمة اثنتي عشرة ركعة يفصل بين كل ركعتين بتسليمة يقرأ في كل ركعة بفاتحة الكتاب مرة وإنا أنزلناه في ليلة القدر ثلاث مرات وقل هو الله أحد اثنتي عشرة مرة، فإذا فرغ من صلاته صلى علي سبعين مرة يقول: اللهم صل على محمد النبي الأمي وعلى آله ثم يسجد ويقول في سجوده سبعين مرة: سبوح قدوس رب الملائكة والروح، ثم يرفع رأسه ويقول سبعين مرة: رب اغفر وارحم وتجاوز عما تعلم إنك أنت الأعز الأكرم، ثم يسجد سجدة أخرى ويقول فيها مثل ما قال في السجدة الأولى ثم يسأل حاجته في سجوده فإنها تقضى" قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "لا يصلي أحد هذه الصلاة إلا غفر الله تعالى له جميع ذنوبه ولو كانت مثل زبد البحر وعدد الرمل ووزن الجبال وورق الأشجار ويشفع يوم القيامة في سبعمائة من أهل بيته ممن قد استوجب النار" فهذه صلاة مستحبة، وإنما أوردناها في هذا القسم لأنها تتكرر بتكرر السنين وإن كانت رتبتها لا تبلغ رتبة التراويح وصلاة العيد لأن هذه الصلاة نقلها الآحاد، ولكني رأيت أهل القدس بأجمعهم يواظبون عليها ولا يسمحون بتركها فأحببت إيرادها. وأما صلاة شعبان: فليلة الخامس عشر منه يصلي مائة ركعة كل ركعتين بتسليمة يقرأ في كل ركعة بعد الفاتحة قل هو الله أحد إحدى عشرة مرة، وإن شاء صلى عشر ركعات يقرأ في كل ركعة بعد الفاتحة مائة مرة قل هو الله أحد، فهذا أيضاً مروي في جملة الصلوات كان السلف يصلون هذه الصلاة ويسمونها صلاة الخير ويجتمعون فيها وربما صلوها جماعة. روي عن الحسن أنه قال: حدثني ثلاثون من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أن من صلى هذه الصلاة هذه الليلة نظر الله إليه سبعين نظرة وقضى له بكل نظرة سبعين حاجة أدناها المغفرة

[align=center]القسم الرابع من النوافل
ما يتعلق بأسباب عارضية ولا يتعلق بالمواقيت
[/align]


وهي تسعة صلاة الخسوف والكسوف والاستسقاء وتحية المسجد وركعتي الوضوء وركعتين بين الأذان والإقامة وركعتين عند الخروج من المنزل والدخول فيه. ونظائر ذلك فنذكر منها ما يحضرنا الآن الأولى صلاة الخسوف: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله لا يخسفان لموت أحد ولا لحياته فإذا رأيتم ذلك فافزعوا إلى ذكر الله والصلاة" قال ذلك لما مات ولده إبراهيم صلى الله عليه وسلم وكسفت الشمس فقال الناس. إنما كسفت لموته. والنظر في كيفيتها ووقتها، أما الكيفية: فإذا كسفت الشمس في وقت الصلاة فيه مكروهة أو غير مكروهة نودي "الصلاة جامعة" وصلى الإمام بالناس في المسجد ركعتين وركع في كل ركعة ركوعين أوائلهما أطول من أواخرهما. ولا يجهر فيقرأ في الأولى من قيام الركعة الأولى الفاتحة والبقرة؛ وفي الثانية الفاتحة وآل عمران، وفي الثالثة الفاتحة وسورة النساء، وفي الرابعة الفاتحة وسروة المائدة، أو مقدار ذلك من القرآن من حيث أراد، ولو اقتصر على الفاتحة في كل قيام أجزأه ولو اقتصر على سور قصار فلابأس. ومقصود التطويل دوام الصلاة إلى الإنجلاء. ويسبح في الركوع الأول قدر مائة آية، وفي الثاني قدر ثمانين، وفي الثالث قدر سبعين، وفي الرابع قدر خمسين. وليكن السجود على قدر الركوع في كل ركعة. ثم يخطب خطبتين بعد الصلاة بينهما جلسة ويأمر الناس بالصدقة والعتق والتوبة. وكذلك يفعل بخسوف القمر إلا أنه يجهر فيها لأنها ليلية. فأما وقتها فعند ابتداء الكسوف إلى تمام الإنجلاء ويخرج وقتها بأن تغرب الشمس كاسفة.
وتفوت صلاة خسوف القمر بأن يطلع قرص الشمس إذ يبطل سلطان الليل ولا تفوت بغروب القمر خاسفاً لأن الليل كله سلطان القمر، فإن انجلى في أثناء الصلاة أتمها مخففة. ومن أدرك الركوع الثاني مع الإمام فقد فاتته تلك الركعة لأن الأصل هو الركوع الأول الثانية صلاة الاستسقاء: فإذا غارت الأنهار وانقطعت الأمطار أو إنهارت قناة فيستحب للإمام أن يأمر الناس أولاً بالصيام ثلاثة أيام وما أطاقوا من الصدقة والخروج من المظالم والتوبة من المعاصي، ثم يخرج بهم في اليوم الرابع والعجائز والصبيان متنظفين في ثياب بذلة واستكانة متواضعين - بخلاف العيد - وقيل يستحب إخراج الدواب لمشاركتها في الحاجة ولقوله صلى الله عليه وسلم "لولا صبيان رضع ومشايخ ركع وبهائم رتع لصب عليكم العذاب صباً" ولو خرج أهل الذمة أيضاً متميزين لم يمنعوا فإذا اجتمعوا في المصلى الواصل من الصحراء نودي "الصلاة جامعة" فصلى بهم الإمام ركعتين مثل صلاة العيد - بغير تكبير - ثم يخطب خطبتين وبينهما جلسة خفيفة، وليكن الاستغفار معظم الخطبتين، وينبغي في وسط الخطبة الثانية، أن يستدبر الناس ويستقبل القبلة ويحول رداءه في هذه الساعة تفاؤلاً بتحويل الحال. هكذا فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم فيجعل أعلاه أسفله وما على اليمين على الشمال وما على الشمال على اليمين. وكذلك يفعل الناس ويدعون في هذه الساعة سراً، ثم يستقبلهم فيختم الخطبة ويدعون أرديتهم محولة كما هي حتى ينزعوها متى نزعوا الثياب. ويقول في الدعاء: اللهم إنك أمرتنا بدعائك ووعدتنا إجابتك فقد دعوناك كما أمرتنا فأجبنا كما وعدتنا اللهم فامنن علينا بمغفرة ما قارفنا وإجابتك في سقيانا وسعة أرزاقنا. ولابأس بالدعاء أدبار الصلوات في الأيام الثلاثة قبل الخروج ولهذا الدعاء آداب وشروط باطنة من التوبة ورد المظالم وغيرها، وسيأتي ذلك في كتاب الدعوات الثالثة صلاة الجنائز: وكيفيتها مشهورة وأجمع دعاء مأثور ما روي في الصحيح عن عوف بن مالك قال "رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى على جنازة فحفظت من دعائه: اللهم اغفر له وارحمه وعافه واعف عنه وأكرم نزله ووسع مدخله واغسله بالماء والثلج والبرد ونقه من الخطايا كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس وأبدله داراً خيراً من داره وأهلاً خيراً من أهله وزوجاً خيراً من زوجه وأدخله الجنة وأعذه من عذاب القبر ومن عذاب النار" حتى قال عوف: تمنيت أن أكون أنا ذلك الميت. ومن أدرك التكبيرة الثانية فينبغي أن يراعي ترتيب الصلاة في نفسه ويكبر مع تكبيرات الإمام فإذا سلم الإمام قضى تكبيرة الذي فات كفعل المسبوق، فإنه لو بادر التكبيرات لم تبق للقدوة في هذه الصلاة معنى، فالتكبيرات هي الأركان الظاهرة، وجدير بأن تقام مقام الركعات في سائر الصلوات، هذا هو الأوجه عندي وإن كان غيره محتملاً والأخبار الواردة في فضل صلاة الجنازة وتشييعها مشهورة فلا نطيل بإيرادها، وكيف لا يعظم فضلها وهي من فرائض الكفايات؟ وإنما تصير نفلاً في حق من لم تتعين عليه بحضور غيره، ثم ينال بها فضل فرض الكفاية وإن لم يتعين لأنهم بجملتهم قاموا بما هو فرض الكفاية وأسقطوا الحرج عن غيرهم، فلا يكون ذلك كنفل لا يسقط به فرض عن أحد، ويستحب طلب كثرة الجمع تبركاً بكثرة الهمم والأدعية واشتماله على ذي دعوة مستجابة لما روى كريب عن ابن عباس: أنه مات له ابن فقال: يا كريب أنظر مااجتمع له الناس قال: فخرجت فإذا ناس قد اجتمعوا له فأخبرته فقال: تقول هم أربعون قلت: نعم، قال: أخرجوه فإنس سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول "ما من رجل مسلم يموت فيقوم على جنازته أربعون رجلاً لا يشركون بالله شيئاً إلا شفعهم الله عز وجل فيه" وإذا شيع الجنازة فوصل المقابر أو دخلها ابتداء قال: السلام عليكم أهل هذه الديار من المؤمنين والمسلمين ويرحم الله المستقدمين منا والمستأخرين وإنا إن شاء الله بكم لاحقون. والأولى أن لا ينصرف حتى يدفن الميت فإذا سوي على الميت قبره قام عليه وقال: اللهم عبدك رد إليك فارأف به وارحمه اللهم جاف الأرض عن جنبيه وافتح أبواب السماء لروحه وتقبله منك بقول حسن اللهم إن كان محسناً فضاعف له في إحسانه وإن كان مسيئاً فتجاوز عنه الرابعة تحية المسجد: ركعتان فصاعداً سنة مؤكدة حتى أنها لا تسقط وإن كان الإمام يخطب يوم الجمعة مع تؤكد وجوب الإصغاء إلى الخطيب. وإن اشتغل بفرض أو قضاء تأدى به التحية وحصل الفضل إذ المقصود أن لا يخلو ابتداء دخوله عن العبادة الخاصة بالمسجد قياماً بحق المسجد. ولهذا يكره أن يدخل المسجد على غير وضوء فإن دخل لعبور أو جلوس فليقل "سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر" يقولها أربع مرات يقال إنها عدل ركعتين في الفضل. ومذهب الشافعي رحمه الله أنه لا تكره التحية في أوقات الكراهية: وهي بعد العصر وبعد الصبح ووقت الزوال ووقت الطلوع والغروب، لما روي "أنه صلى الله عليه وسلم صلى ركعتين بعد العصر فقيل له أما نهيتنا عن هذا؟ فقال: هما ركعتان كنت أصليهما بعد الظهر فشغلني عنهما الوفد" فأفاد هذا الحديث فائدتين إحداهما؛ أن الكراهية مقصورة على صلاة لا سبب لها ومن أضعف الأسباب قضاء النوافل إذ اختلف العلماء في أن النوافل هل تقضى وإذا فعل مثل ما فاته هل يكون قضاء؟ وإذا انتفت الكراهية بأضعف الأسباب فبأحرى أن تنتفي بدخول المسجد وهو سبب قوي. ولذلك لا تكره صلاة الجنازة إذ حضرت ولا صلاة الخسوف والاستسقاء في هذه الأوقات لأن لها أسباباً.
الفائدة الثانية: قضاء النوافل إذا قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك ولنا فيه أسوة حسنة. وقالت عائشة رضي الله عنها "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا غلبه نوم أو مرض فلم يقم تلك الليلة صلى من أول النهار اثنتي عشرة ركعة" وقد قال العلماء: من كان في الصلاة ففاته جواب المؤذن فإذا سلم قضى وأجاب وإن كان المؤذن سكت، ولا معنى الآن لقول من يقول: إن ذلك مثل الأول وليس يقضي، إذ لو كان كذلك لما صلاها رسول الله صلى الله عليه وسلم في وقت الكراهة. نعم من كان له ورد فعاقه عن ذلك عذر فينبغي أن لا يرخص لنفسه في تركه. بل يتداركه في وقت آخر حتى لا تميل نفسه إلى الدعة والرفاهية. وتداركه حسن على سبيل مجاهدة النفس ولأنه صلى الله عليه وسلم قال "أحب الأعمال إلى الله تعالى أدومها وإن قل" فيقصد به أن لا يفتر في دوام عمله وروت عائشة رضي الله عنها عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال "من عبد الله عز وجل بعبادة ثم تركها ملالة مقته الله عز وجل" فليحذر أن يدخل تحت الوعيد. وتحقيق هذا الخبر. أنه مقته الله تعالى بتركها ملالة فلولا المقت والإبعاد لما سلطت الملالة عليه الخامسة ركعتان بعد الوضوء مستحبتان لأن الوضوء قربة ومقصودها الصلاة والأحداث عارضة فربما يطرأ الحدث قبل صلاة فينتقض الوضوء ويضيع السعي فالمبادرة إلى ركعتين استيفاء لمقصود الوضوء قبل الفوات. وعرف ذلك بحديث بلال إذ قال صلى الله عليه وسلم "دخلت الجنة فرأيت بلالاً فيها فقلت لبلال بم سبقتني إلى الجنة؟ فقال بلال لا أعرف شيئاً إلا أني لاأحدث وضوءاً إلا أصلي عقيبه ركعتين" السادسة ركعتان عند دخول المنزل وعند الخروج منه: روى أبو هريرة رضي الله عنه قال "قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا خرجت من منزلك فصل ركعتين يمنعانك مخرج السوء وإذا دخلت إلى منزلك فصل ركعتين يمنعانك مدخل السوء" وفي معنى هذا كل أمر يبتدأ به مما له وقع، ولذلك ورد ركعتان عند الإحرام وركعتان عند ابتداء السفر وركعتان عند الرجوع من السفر في المسجد قبل دخول البيت فكل ذلك مأثور من فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم. وكان بعض الصالحين إذا أكل أكلة صلى ركعتين وإذا شرب شربة صلى ركعتين، وكذلك في كل أمر يحدثه. وبداية الأمور ينبغي أن يتبرك فيها بذكر الله عز وجل وهي على ثلاث مراتب: بعضها يتكرر مراراً كالأكل والشرب فيبدأ فيه باسم الله عز وجل وقال صلى الله عليه وسلم "كل أمر ذي بال لا يبدأ فيه ببسم الله الرحمن الرحيم فهو أبتر" الثانية: ما لا يكثر تكرره وله وقع كعقد النكاح وابتداء النصيحة والمشورة فالمستحب فيها أن يصدر بحمد الله فيقول المزوج "الحمد لله والصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم زوجتك ابنتي" ويقول القابل "الحمد لله والصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم قبلت النكاح" وكانت عادة الصحابة رضي الله عنهم في ابتداء أداء الرسالة والنصيحة والمشورة تقديم التحميد. الثالثة: ما لا يتكرر كثيراً وإذا وقع دام وكان له وقع كالسفر وشراء دار جديدة والإحرام وما يجري مجراه فيستحب تقديم ركعتين عليه وأدناه الخروج من المنزل والدخول إليه فإنه نوع سفر قريب السابعة صلاة الاستخارة: فمن هم بأمر وكان لا يدري عاقبته ولا يعرف أن الخير في تركه أو في الإقدام عليه فقد أمره رسول الله صلى الله عليه وسلم "بأن يصلي ركعتين يقرأ في الأولى فاتحة الكتاب وقل يا أيها الكافرون، وفي الثانية الفاتحة وقل هو الله أحد، فإذا فرغ دعا وقال اللهم إني أستخيرك بعلمك وأستقدرك بقدرتك وأسألك من فضلك العظيم فإنك تقدر ولا أقدر وتعلم ولا أعلم وأنت علام الغيوب اللهم إن كنت تعلم أن هذا الأمر خير لي في ديني ودنياي وعاقبة أمري وعاجله وآجله فاقدره لي وبارك لي فيه ثم يسره لي وإن كنت تعلم أن هذا الأمر شر لي في ديني ودنياي وعاقبة أمري وعاجله وآجله فاصرفني عنه واصرفه عني واقدر لي الخير أينما كان إنك على كل شيء قدير" رواه جابر بن عبد الله قال "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعلمنا الاستخارة في الأمور كلها كما يعلمنا السورة من القرآن" وقال صلى الله عليه وسلم "إذا هم أحدكم بأمر فليصل ركعتين ثم ليسم الأمر ويدعو بما ذكرناه، وقال بعض الحكماء من أعطي أربعاً لم يمنع أربعاًن من أعطي الشكر لم يمنع المزيد ومن أعطي التوبة لم يمنع القبول ومن أعطي الاستخارة لم يمنع الخيرة ومن أعطي المشورة لم يمنع الصواب الثامنة صلاة الحاجة فمن ضاق عليه الأمر ومسته حاجة في صلاح دينه ودنياه إلى أمر تعذر عليه فليصل هذه الصلاة فقد روي عن وهيب بن الورد أنه قال: إن من الدعاء الذي لا يرد أن يصلي العبد ثنتي عشرة ركعة يقرأ في كل ركعة بأم الكتاب وآية الكرسي وقل هو الله أحد فإذا فرغ خر ساجداً ثم قال "سبحان الذي لبس العز وقال به سبحان الذي تعطف بالمجد وتكرم به سبحان الذي أحصى كل شيء بعلمه سبحان الذي لا ينبغي التسبيح إلا له سبحان ذي المن والفضل سبحان ذي العز والكرم سبحان ذي الطول أسألك بمعاقد العز من عرشك ومنتهى الرحمة من كتابك وباسمك الأعظم وجدك الأعلى وكلماتك التامات العامات التي لا يجاوزهن بر ولا فاجر أن تصلي على محمد وعلى آل محمد" ثم يسال حاجته التي لا معصية فيها فيجاب إن شاء الله عز وجل.

قال وهيب: بلغنا أنه كان يقال: لا تعلموها لسفهائكم فيتعاونون بها على معصية الله عز وجل التاسعة صلاة التسبيح: وهذه الصلاة مأثورة على وجهها ولا تختص بوقت ولا بسبب ويستحب أن لا يخلو الأسبوع عنها مرة واحدة أو الشهر مرة. فقد روى عكرمة عن ابن عباس رضي الله عنهما "أنه صلى الله عليه وسلم قال للعباس بن عبد المطلب: ألا أعطيك ألا أمنحك ألا أحبوك بشيء إذا أنت فعلته غفر الله لك ذنبك أوله وآخره قديمه وحديثه خطأه وعمده سره وعلانيته تصلي أربع ركعات تقرأ في كل ركعة فاتحة الكتاب وسورة، فإذا فرغت من القراءة في أول ركعة وأنت قائم تقول: سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر. خمس عشرة مرة ثم تركع فتقولها وأنت راكع عشر مرات، ثم ترفع من الركوع فتقولها وأنت ساجد عشراً، ثم ترفع من السجود فتقولها عشراً، فذلك خمس وسبعون في كل ركعة تفعل ذلك في أربع ركعات إن استطعت أن تصليها في كل يوم مرة فافعل فإن لم تفعل ففي كل جمعة مرة فإن لم تفعل ففي كل شهر مرة فإن لم تفعل ففي السنة مرة" وفي رواية أخرى "أنه يقول في أول الصلاة سبحانك اللهم وبحمدك وتبارك اسمك وتعالى جدك وتقدست أسماؤك ولا إله غيرك، ثم يسبح خمس عشرة تسبيحة قبل القراءة وعشراً بعد القراءة والباقي كما سبق عشراً عشراً ولا يسبح بعد السجود الأخير قاعداًن وهذا هو الأحسن وهو اختيار ابن المبارك. والمجموع من الروايتين ثلثمائة تسبيحة فإن صلاها نهاراً فبتسليمة واحدة وإن صلاها ليلاً فبتسليمتين أحسن؛ إذ ورد. أن صلاة الليل مثنى مثنى" وإن راد بعد التسبيح قوله "لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم" فهو حسن فقد ورد ذلك في بعض الروايات فهذه الصلوات المأثورة. ولا يستحب شيء من هذه النوافل في الأوقات المكروهة إلا تحية المسجد "وما أوردناه بعد التحية من ركعتي الوضوء وصلاة السفر والخروج من المنزل والاستخار فلأن النهي مؤكد وهذه الأسباب ضعيفة فلا تبلغ درجة الخسوف والاستسقاء والتحية. وقد رأيت بعض المتصوفة يصلي في الأوقات المكروهة ركعتي الوضوء وهو في غاية البعد لأن الوضوء لا يكون سبباً للصلاة بل الصلاة سبب الوضوء. فينبغي أن يتوضأ ليصلي لا أنه يصلي لأنه توضأ. وكل محدث يريد أن يصلي في وقت الكراهية فلا سبيل له إلا أن يتوضأ ويصلي فلا يبقى للكراهية معنى. ولا ينبغي أن ينوي ركعتي الوضوء كما ينوي ركعتي التحية بل إذا توضأ صلى ركعتين تطوعاً كيلا يتعطل وضوءه كما كان يفعله بلال فهو تطوع محض يقع عقيب الوضوء. وحديث بلال لم يدل على أن الوضوء سبب كالخسوف والتحية حتى ينوي ركعتي الوضوء فيستحيل أن ينوي بالصلاة الوضوء بل ينبغي أن ينوي بالوضوء الصلاة. وكيف ينتظم أن يقول في وضوئه أتوضأ لصلاتي وفي صلاته يقول أصلي لوضوئي، بل من أراد أن يحرس وضوءه عن التعطيل في وقت الكراهية فلينو قضاء إن كان يجوز أن يكون في ذمته صلاة تطرق إليها خلل لسبب من الأسباب فإن قضاء الصلوات في أوقات الكراهية غير مكروه "فأما نية التطوع فلا وجه لها. ففي النهي في أوقات الكراهية مهمات ثلاثة أحدها التوقي في مضاهاة عبدة الشمس، والثاني: الاحتراز من انتشار الشياطين إذ قال صلى الله عليه وسلم "إن الشمس لتطلع ومعها قرن الشيطان فإذا طلعت قارنها وإذا ارتفعت فارقها فإن استوت قارنها فإذا زالت فارقها فإذا تضيفت للغروب قارنها فإذا غربت فارقها" ونهى عن الصلوات في هذه الأوقات ونبه على العلة، والثالث: أن سالكي طريق الآخرة لا يزالون يواظبون على الصلوات في جميع الأوقات. والمواظبة على نمط واحد من العبادات يورث الملل. ومهما منع منها ساعة زاد النشاط وانبعثت الدواعي، والإنسان حريص على ما منع منه ففي تعطيل هذه الأوقات زيادة تحريض وبعث على انتظار انقضاء الوقت، فخصصت هذه الأوقات بالتسبيح والاستغفار حذراً من الملل بالمداومة وتفرجاً بالانتقال من نوع عبادة إلى نوع آخر. ففي الاستطراف والاستجداد لذة ونشاط وفي الاستمرار على شيء واحد استثقال وملال. ولذلك لم تكن الصلاة سجوداً مجرداً ولا ركوعاً مجرداً ولا قياماً مجرداً بل رتبت العبادات من أعمال مختلفة وأذكار متباينة، فإن القلب يدرك من كل عمل منهما لذة جديدة عند الانتقال إليها ولو واظب على الشيء الواحد لتسارع إليه الملل. فإذا كانت هذه أموراً مهمة في النهي عن ارتكاب أوقات الكراهة إلى غير ذلك من أسرار أخر ليس في قوة البشر الاطلاع عليها والله ورسوله أعلم بها. فهذه المهمات لا تترك إلا بأسباب مهمة في الشرع مثل قضاء الصلوات وصلاة الاستسقاء والخسوف وتحية المسجد. فأما ما ضعف عنها فلا ينبغي أن يصادم به مقصود النهي. هذا هو الأوجه عندنا والله أعلم.
كمل كتاب: أسرار الصلاة من كتاب إحياء علوم الدين. يتلوه إن شاء الله كتاب أسرار الزكاة بحمد الله وعونه وحسن توفيقه. والحمد لله وحده وصلاته على خير خلقه محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.


[saa]يتبع بإذن الله تعالى[/saa]

_________________

يا خير من دفنت في التراب أعظمه فطاب من طيبهن القاع الأكم
نفسي الفداء لقبر أنت ساكنه فيه العفاف وفيه الجود والكرم
أنت الشفيع الذي ترجى شفاعته عند الصراط إذا ما زلّت القدم


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة:
مشاركة غير مقروءةمرسل: الاثنين سبتمبر 19, 2005 3:48 pm 
غير متصل

اشترك في: السبت فبراير 21, 2004 10:56 pm
مشاركات: 1245
مكان: يا رب مع الحبيب و آله صلى الله عليه و آله وصحبه وسلم
[align=center]كتاب أسرار الزكاة
بسم الله الرحمن الرحيم
[/align]

الحمد لله الذي أسعد وأشقى وأمات وأحيا وأضحك وأبكى وأوجد وأفنى وأفقر وأغنى وأضر وأقنى الذي خلق الحيوان من نطفة تمنى، ثم تفرد عن الخلق بوصف الغنى، ثم خصص بعض عباده بالحسنى فأفاض عليهم من نعمة ما أيسر به من شاء واستغنى وأحود إليه من أخفق في رزقه وأكدى إظهاراً للامتحان والابتلا. ثم جعل الزكاة للدين أساساً ومبنى وبين أن بفضله تزكى من عباده من تزكى ومن غناه وكى ماله من زكى والصلاة على محمد المصطفى سيد الورى وشمس الهدى وعلى آله واصحابه المخصوصين بالعلم والتقى.
أما بعد: فإن الله تعالى جعل الزكاة إحدى مباني الإسلام وأردف بذكرها الصلاة التي هي أعلى الأعلام فقال تعالى "وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة" وقال صلى الله عليه وسلم "بني الإسلام على خمس: شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً عبده ورسوله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة" وشدد الوعيد على المقصرين فيها فقال "والذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها في سبيل الله فبشرهم بعذاب أليم" ومعنى الإنفاق في سبيل الله إخراج حق الزكاة قال الأحنف بن قيس: كنت في نفر من قريش فمر أبو ذر فقال بشر الكانزين بكي في ظهورهم يخرج من جنوبهم وبكي في أقفائهم يخرج من جباههم. وفي رواية أنه يوضع على حلمة ثدي أحدهم فيخرج من نغض كتفيه ويوضع على نغض كتفيه حتى يخرج من حلمة ثدييه يتزلزل - وقال أبو ذر: انتهيت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو جالس في ظل الكعبة فلما رآني قال "هم الأخسرون ورب الكعبة فقلت ومن هم: قال: الأكثرون أموالاً إلا من قال هكذا وهكذا من بين يديه ومن خلفه وعن يمينه وعن شماله وقليل ما هم، ما من صاحب إبل ولا بقر ولا غنم لا يؤدي زكاتها إلا جاءت يوم القيامة أعظم ما كانت وأسمنه تنطحه بقرونها وتطؤه بأظلافها كلما نفدت أخراها عادت عليه أولاها حتى يقضى بين الناس" وإذا كان هذا التشديد مخرجاً في الصحيحين فقد صار من مهمات الدين الكشف على أسرار الزكاة وشروطها الجلية والخفية ومعانيها الظاهرة والباطنة مع الاقتصار على ما لا يستغنى عن معرفته مؤدي الزكاة وقابضها وينكشف ذلك في أربعة فصول الفصل الأول في أنواع الزكاة وأسباب وجوبها الثاني آدابها وشروطها الباطنة والظاهرة الثالث في القابض وشروط استحقاقه وآداب قبضه الرابع في صدقة التطوع وفضلها .


[align=center]الفصل الأول
في أنواع الزكاة وأسباب وجوبها
[/align]


والزكوات باعتبار متعلقاتها ستة أنواع زكاة النعم والنقدين والتجارة وزكاة الركاز والمعادن وزكاة المعشرات وزكاة الفطر


[align=center]النوع الأول
زكاة النعم[/align]


ولا تجب هذه الزكاة وغيرها إلا على حر مسلم. ولا يشترط البلوغ بل تجب في مال الصبي والمجنون هذا شرط من عليه. وأما المال فشروطه خمسة: أن يكون نعماً سائمة باقية حولاً نصاباً كاملاً مملوكاً على الكمال الشرط الأول كونه نعماً فلا زكاة إلا في الإبل والبقر والغنم. أما الخيل والبغال والحمير والمتولد من بين الظباء والغنم فلا زكاة فيها الثاني السوم: فلا زكاة في معلوفة وإذا أسيمت في وقت وعلفت في وقت تظهر بذلك مؤنتها فلا زكاة فيها الثالث الحول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "لا زكاة في مال حتى يحول عليه الحول" ويستثنى من هذا نتاج الحول الرابع كمال الملك والتصرف: فتجب الزكاة في الماشية المرهونة لأنه الذي حجر على نفسه فيه ولا تجب في الضال والمغصوب إلا إذا عاد بجميع نمائه فيجب زكاة ما مضى عند عوده ولو كان عليه دين يستغرق ماله فلا زكاة عليه فإنه ليس غنياً به إذ الغنى ما يفضل عن الحاجة. الخامس كمال النصاب.
أما الإبل فلا شيء فيها حتى تبلغ خمساً ففيها جذعة من الضأن والجذعة هي التي تكون في السنة الثانية، أو ثنية من المعز وهي التي تكون في السنة الثالثة. وفي عشر شاتان، وفي خمس عشرة ثلاث شياه. وفي عشرين أربع شياه. وفي خمس وعشرين بنت مخاض وهي التي في السنة الثانية، فإن لم يكن في ماله بنت مخاض فابن لبون ذكر وهو الذي في السنة الثالثة يؤخذ إن كان قادراً على شرائها. وفي ست وثلاثين ابنة لبون. ثم إذا بلغت ستاً وأربعين ففيها حقة وهي التي في السنة الرابعة. فإذا صارت إحدى وستين ففيها جذعة وهي التي في السنة الخامسة، فإذا صارت ستاً وسبعين ففيها بنتا لبون. فإذا صارت إحدى وتسعين ففيها حقتان. فإذا صارت إحدى وعشرين ومائة ففيها ثلاث بنات لبون. فإذا صارت مائة وثلاثين فقد استقر الحساب؛ ففي كل خمسي حقة، وفي كل أربعين بنت لبون.
وأما البقر فلا شيء فيها حتى تبلغ ثلاثين ففيها تبيع وهو الذي في السنة الثانية. ثم في أربعين مسنة وهي التي في السنة الثالثة. ثم في ستين تبيعان. واستقر الحساب بعد ذلك. ففي كل أربعين مسنة. وفي كل ثلاثين تبيع.
وأما الغنم فلا زكاة فيها حتى تبلغ أربعين ففيها شاة جذعة من الضأن أو ثنية من المعز. ثم لا شيء فيها حتى تبلغ مائة وعشرين وواحدة ففيها شاتان. إلى مائتي شاة وواحدة فيها ثلاث شياه إلى أربعمائة ففيها أربع شياه. ثم استقر الحساب في كل مائة شاة. وصدقة الخليطين كصدقة المالك الواحد في النصاب فإذا كان بين رجلين أربعون من الغنم ففيها شاة. وإن كان بين ثلاثة نفر مائة شاة وعشرون ففيها شاة واحدة. على جميعهم. وخلطة الجوار كخلطة الشيوع ولكن يشترط أن يريحا معاً ويسقيا معاً ويحلبا معاً ويسرحا معاً ويكون المرعى معاً ويكون إنزاء الفحل معاً. وأن يكونا جميعاً من أهل الزكاة ولا حكم للخلطة مع الذمي والمكاتب. ومهما نزل في واجب الإبل عن سن إلى سن فهو جائز ما لم يجاوز بنت مخاض في النزول. ولكن تضم إليه جبران السن لسنة واحدة شاتين أو عشرين درهماً. ولسنتين أربع شياه أو أربعين درهماً. وله أن يصعد في السن ما لم يجاوز الجذعة في الصعود ويأخذ الجبران من الساعين من بيت المال. ولا تؤخذ في الزكاة مريضة إذا كان بعض المال صحيحاً ولو واحدة. ويؤخذ من الكرائم كريمة ومن اللئام لئيمة. ولا يؤخذ من المال الأكولة ولا الماخض ولا الربا ولا الفحل ولا غراء المال.


[align=center]النوع الثاني
زكاة المعشرات
[/align]

فيجب العشر في كل مستنبت مقتات بلغ ثمانمائة من ولا شيء فيما دونها ولا في الفواكه والقطن، ولكن في الحبوب التي تقتات وفي التمر والزبيب. ويعتبر أن تكون ثمانمائة من تمراً أو زبيباً لا رطباً وعنباً، ويخرج من ذلك بعد التجفيف. ويكمل مال أحد الخليطين بمال الآخر في خلطة الشيوع كالبستان المشترك بين ورثة لجميعهم ثمانمائة من من زبيب، فيجب على جميعهم ثمانون مناً من زبيب بقدر حصصهم. ولا يعتبر خلطة الجوار فيه. ولا يكمل نصاب الحنطة بالشعير. ويكمل نصاب الشعير بالسلت فإنه نوع منه، هذا قدر الواجب إن كان يسقى بسيح أو قناة فإن كان يسقى بنضح أو دالية فيجب نصف العشر، فإن اجتمعا فالأغلب يعتبر. وأما صفة الواجب فالتمر والزبيب اليابس والحب اليابس بعد التنقية. ولا يؤخذ عنب ولا رطب إلا إذا حلت بالأشجار آفة وكانت المصلحة في قطعها قبل تمام الإدراك، فيؤخذ الرطب فيكال تسعة للمالك وواد للفقير. ولا يمنع من هذه القسمة قولنا: إن القسمة بيع، بل يرخص في مثل هذا للحاجة. ووقت الوجوب أن يبدو الصلاح في الثمار وأن يشتد الحب. ووقت الأداء بعد الجفاف.

[align=center]النوع الثالث
زكاة النقدين
[/align]


فإذا تم الحول على وزن مائتي درهم بوزن مكة نقرة خالصة ففيها خمسة دراهم، وهو ربع العشر، وما زاد فبحسابه ولو درهماً. ونصاب الذهب عشرون مثقالاً خالصاً بوزن مكة ففيها ربع العشر، وما زاد فبحسابه وإن نقص من النصاب حبة فلا زكاة. وتجب على من معه دراهم مغشوشة إذا كان فيها هذا المقدار من النقرة الخالصة. وتجب الزكاة في التبر وفي الحلي المحظور كأواني الذهب والفضة ومراكب الذهب للرجال. ولا تجب في الحلي المباح. وتجب في الدين الذي هو على ملىء ولكن تجب عند الاستيفاء وإن كان مؤجلاً فلا تجب إلا عند حلول الأجل.

[align=center]النوع الرابع
زكاة التجارة
[/align]


وهي كزكاة النقدين، وإنما ينعقد الحول من وقت ملك النقد الذي به اشترى البضاعة إن كان النقد نصاباً؛ فإن كان ناقصاً أو اشترى بعرض على نية التجارة فالحول من وقت الشراء. وتؤدى الزكاة من نقد البلد وبه يقوم. فإن كان ما به الشراء نقداً وكان نصاباً كاملاً كان التقويم به أولى من نقد البلد. ومن نوى التجارة من مال قنية فلا ينعقد الحول بمجرد نيته حتى يشتري به شيئاً ومهما قطع نية التجارة قبل تمام الحول سقطت الزكاة. والأولى أن تؤدى زكاة تلك السنة، وما كان من ربح في السلعة في آخر الحول وجبت الزكاة فيه بحول رأس المال ولم يستأنف له حولاً كما في النتاج. وأموال الصيارفة لا ينقطع حولها بالمبادلة الجارية بينهم كسائر التجارات وزكاة ربح مال القراض على العامل وإن كان قبل القسمة؛ هذا هو الأقيس.

[align=center]النوع الخامس
الركاز والمعدن
[/align]

والركاز مال دفن في الجاهلية ووجد في أرض لم يجر عليها في الإسلام ملك، فعلى واجده في الذهب والفضة منه الخمس والحول غير معتبر. فالأولى أن لا يعتبر النصاب أيضاً لأن إيجاب الخمس يؤكد شبهه بالغنيمة. واعتباره أيضاً ليس ببعيد لأن مصرف الزكاة ولذلك يخصص على الصحيح بالنقدين.
وأما المعادن فلا زكاة فيما استخرج منها سوى الذهب والفضة؛ ففيها بعد الطحن والتخليص ربع العشر على أصح القولين، وعلى هذا يعتبر النصاب. وفي الحول قولان، وفقي قول: يجب الخمس؛ فعلى هذا لا يعتبر. وفي النصاب قولان والأشبه - والعلم عند الله تعالى - أن يلحق في قدر الواجب بزكاة التجارة فإنه نوع اكتساب. وفي الحول بالمعشرات فلا يعتبر لأنه عين الرفق ويعتبر النصاب كالمعشرات، والاحتياط أن يخرج الخمس من القليل والكثير، ومن عين النقدين أيضاً خروجاً عن شبهة هذه الاختلافات فإنها ظنون قريبة من التعارض وجزم الفتوى فيها خطر لتعارض الاشتباه.


[align=center]النوع السادس
في صدقة الفطر
[/align]

وهي واجبة - على لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم - على كل مسلم فضل عن قوته وقوت من يقوته يوم الفطر وليلته صاع مما يقتات بصاع رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو منوان وثلاً من، يخرجه من جنس قوته أو من أفضل منه. فإن اقتات بالحنطة لم يجز الشعير. وإن اقتات حبوباً مختلفة اختار خيرها ومن أيها أخرج أجزأه. وقسمتها كقسمة زكاة الأموال فيجب فيها استيعاب الأصناف ولا يجوز إخراج الدقيق والسويق. ويجب على الرجل المسلم فطرة زوجته ومماليكه وأولاده وكل قريب هو في نفقته أعني من تجب عليه نفقته من الآباء والأمهات والأولاد. قال صلى الله عليه وسلم "أدوا صدقة الفطر عمن تمونون" وتجب صدقة العبد المشترك على الشريكين ولا تجب صدقة العبد الكافر وإن تبرعت الزوجة بالإخراج عن نفسها أجزأها وللزوج الإخراج عنها دون إذنها. وإن فضل عنه ما يؤدى عن بعضهم أدى عن بعضهم، وأولاهم بالتقديم من كانت نفقته آكد. وقد قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم نفقة اللد على نفقة الزوجة ونفقتها على نفقة الخادم فهذه أحكام فقهية لابد للغني من معرفتها، وقد تعرض له وقائع نادرة خارجة عن هذا فله أن يتكل فيها على الاستفتاء عند نزول الواقعة بعد إحاطته بهذا المقدار.

[saa]يتبع بإذن الله تعالى[/saa]

_________________

يا خير من دفنت في التراب أعظمه فطاب من طيبهن القاع الأكم
نفسي الفداء لقبر أنت ساكنه فيه العفاف وفيه الجود والكرم
أنت الشفيع الذي ترجى شفاعته عند الصراط إذا ما زلّت القدم


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة:
مشاركة غير مقروءةمرسل: الثلاثاء سبتمبر 20, 2005 4:14 pm 
غير متصل

اشترك في: السبت فبراير 21, 2004 10:56 pm
مشاركات: 1245
مكان: يا رب مع الحبيب و آله صلى الله عليه و آله وصحبه وسلم
[align=center]الفصل الثاني
في الأداء وشروطه الباطنة والظاهرة
[/align]

اعلم أنه يجب على مؤدى الزكاة خمسة أمور الأول النية: وهو أن ينوي بقلبه زكاة الفرض ويسن عليه تعيين الأموال. فإن كان له مال غائب فقال هذا عن مالي الغائب إن كان سالماً وإلا فهو نافلة جاز؛ لأنه إن لم يصرح به فكذلك يكون عند إطلاقه. ونية الولي تقوم مقام نية المجنون والصبي. ونية السلطان تقوم مقام نية المالك الممتنع عن الزكاة ولكن في ظاهر حكم الدنيا - أعني في قطع المطالبة عنه - أما في الآخرة فلا بل تبقى ذمته مشغولة إلى أن يستأنف الزكاة وإذا وكل بأداء الزكاة ونوى عند التوكل أو وكل بالنية كفاه لأن توكيله بالنية نية الثاني البدار عقيب الحول وفي زكاة الفطر لا يؤخرها عن يوم الفطر. ويدخل وقت وجوبها بغروب الشمس من آخر يوم من شهر رمضان. ووقت تعجيلها شهر رمضان كله. ومن أخر زكاة ماله مع التمكن عصى ولم يسقط عنه بتلف ماله وتمكنه بمصادفة المستحق. وإن أخر لعدم المستحق فتلف ماله سقطت الزكاة عنه. وتعجيل الزكاة جائز بشرط أن يقع بعد كما النصاب وانعقاد الحول. ويجوز تعجيل زكاة حولين. ومهما عجل فمات المسكين قبل الحول أو ارتد أو صار غنياً بغير ما عجل إليه أو تلف مال المالك أو مات، فالمدفوع ليس بزكاة واسترجاعه غير ممكن إلا إذا قدي الدفع بالاسترجاع فليكن المعجل مراقباً آخر الأمور وسلامة العاقبة الثالث أن لا يخرج بدلاً باعتبار القيمة بل يخرج المنصوص عليه، فلا يجزىء ورق عن ذهب ولا ذهب عن ورق وإن زاد عليه في القيمة. ولعل بعض من لا يدرك غرض الشافعي رضي الله عنه يتساهل في ذلك ويلاحظ المقصود من سد الخلة وما أبعده عن التحصيل، فإن سد الخلة مقصود وليس هو كل المقصود بل واجبات الشرع ثلاثة أقسام: قسم هو تعبد محصن لا مدخل للحظوظ والأغراض فيه. وذلك كرمي الجمرات مثلاً إذ لا حظ للجمرة في وصول الحصى إليها، فمقصود الشرع فيه الابتلاء بالعمل ليظهر العبد رقه وعبوديته بفعل ما لا يعقل له معنى، لأن ما يعقل معناه فقد يساعده الطبع عليه ويدعوه إليه فلا يظهر به خلوص الرق والعبودية، إذ العبودية تظهر بأن تكون الحركة لحق أمر المعبود فقط لا لمعنى آخر. وأكثر أعمال الحج كذلك ولذلك قال صلى الله عليه وسلم في إحرامه "لبيك بحجة حقاً تعبداً ورقاً" تنبيهاً على أن ذلك إظهار للعبودية بالانقياد لمجرد الأمر وامتثاله كما أمر من غير استئناس العقل منه بما يميل إليه ويحث عليه. القسم الثاني: من واجبات الشرع ما المقصود منه حظ معقول وليس يقصد منه التعبد كقضاء دين الآدميين ورد المغصوب فلا جرم لا يعتبر فيه فعله ونيته. ومهما وصل الحق إلى مستحقه بأخذ المستحق أو ببدل عنه عند رضاه تأدى الوجوب وسقط خطاب الشرع. فهذان قسمان لا تركيب فيهما يشترك في دركهما جميع الناس والقسم الثالث: هو المركب الذي يقصد منه الأمران جميعاً وهو حظ العباد وامتحان المكلف بالاستعباد، فيجتمع فيه تعبد رمي الجمار وحظ رد الحقوق فهذا قسم في نفسه معقول، فإن ورد الشرع به وجب الجمع بين المعنيين ولا ينبغي أن ينسى أدق المعنيين وهو التعبد والاسترقاق بسبب أجلاهما، ولعل الأدق هو الأهم والزكاة من هذا القبيل ولم ينتبه له غير الشافعي رضي الله عنه فحظ الفقير مقصود في سد الخلة وهو جلي سابق إلى الأفهام وحق التعبد في اتباع التفاصيل مقصود للشرع. وباعتباره صارت الزكاة قرينة للصلاة والحج في كونها من مباني الإسلام. ولاشك في أن على المكلف تعباً في تمييز أجناس ماله وإخراج حصة كل مال من نوعه وجنسه وصفته. ثم توزيعه على الأصناف الثمانية كما سيأتي. والتساهل فيه غير قادح في حظ الفقير لكنه قادح في التعبد. ويدل على أن التعبد مقصود بتعيين الأنواع أمور ذكرناها في كتب الخلاف من الفقيهات. ومن أوضحها أن الشرع أوجب في خمس من الإبل شاة فعدل من الإبل إلى الشاة ولم يعدل إلى النقدين والتقويم وإن قدر أن ذلك لقلة النقود في أيدي العرب بطل بذكره عشرين درهماً في الجبران مع الشاتين فلم يذكر في الجبران قدر النقصان من القيمة؟ ولم قدر بعشرين درهماً وشاتين؟ وإن كانت الثياب والأمتعة كلها في معناها. فهذا وأمثاله من التخصيصات يدل على أن الزكاة لم تترك خالية عن التعبدات كما في الحج ولكن جمع بين المعنيين. والأذهان الضعيفة تقصر عن درك المركبات فهذا شأن الغلط فيه الرابع أن لا ينقل الصدقة إلى بلد آخر فإن أعين المساكين في كل بلد تمتد إلى أموالها، وفي النقل تخييب للظنون. فإن فعل ذلك أجزأه في قول ولكن الخروج عن شبهة الخلاف أولى فليخرج زكاة كل مال في تلك البلدة. ثم لابأس أن يصرف إلى الغرباء في تلك البلدة الخامس أن يقسم ماله بعدد الأصناف الموجودين في بلده، فإن استيعاب الأصناف واجب وعليه يدل ظاهر قوله تعالى "إنما الصدقات للفقراء والمساكين" الآية فإنه يشبه قول المريض إنما ثلث مالي للفقراء والمساكين وذلك يقتضي التشريك في التمليك. والعبادات ينبغي أن يتوقى عن الهجوم فيها على الظواهر. وقد عدم من الثمانية صنفان في أكثر البلاد: وهم المؤلفة قلوبهم والعاملون على الزكاة. ويوجد في جميع البلاد أربعة أصناف: الفقراء والمساكين والغارمون والمسافرون - أعني أبناء السبيل - وصنفان يوجدان في بعض البلاد دون البعض: وهم الغزاة والمكاتبون. فإن وجد خمسة أصناف مثلاً قسم بينهم زكاة ماله بخمسة أقسام متساوية أو متقاربة وعين لكل صنف قسم. ثم قسم كل قسم ثلاثة أسهم فما فوقه إما متساوية أو متفاوتة وليس عليه التسوية بين آحاد الصنف فإن له أن يقسمه على عشرة وعشرين فينقص نصيب كل واحد. وأما الأصناف فلا تقبل الزيادة والنقصان فلا ينبغي أن ينقص في كل صنف عن ثلاثة إن وجد. ثم لو لم يجب إلا صاع للفطرة ووجد خمسة أصناف فعليه أن يوصله إلى خمسة عشر نفراً. ولو نقص منهم واحد مع الإمكان غرم نصيب ذلك الواحد. فإن عسر عليه ذلك لقلة الواجب فليتشارك جماعة ممن عليهم الزكاة وليخلط مال نفسه بمالهم وليجمع المستحقين وليسلم إليهم حتى يتساهموا فيه فإن ذلك لابد منه.

بيان دقائق الآداب الباطنة في الزكاة


اعلم أن على مريد طريق الآخرة بزكاته وظائف الوظيفة الأولى: فهم وجوب الزكاة ومعناها ووجه الامتحان فيها وأنها لم جعلت من مباني الإسلام مع أنها تصرف مالي وليست من عبادة الأبدان وفيه ثلاث معان؛ الأول: أن التلفظ بكلمتي الشهادة التزام للتوحيد وشهادة بإفراد المعبود وشرط تمام الوفاء به أن لا يبقى للموحد محبوب سوى الواحد الفرد فإن المحبة لا تقبل الشركة، والتوحيد باللسان قليل الجدوى وإنما يمتحن به درجة المحب بمفارقة المحبوب والأموال محبوبة عند الخلائق لأنها آلة تمتعهم بالدنيا وبسببها يأنسون بهذا العالم وينفرون عن الموت مع أن فيه لقاء المحبوب، فامتحنوا بتصديق دعواهم في المحبوب واستنزلوا عن المال الذي هو مرقومهم ومعشوقهم. ولذلك قال الله تعالى "إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة" وذلك بالجهاد وهو مسامحة بالمهجة شوقاً إلى لقاء الله عز وجل والمسامحة بالمال أهون. ولما فهم هذا المعنى في بذل الأموال انقسم الناس إلى ثلاثة أقسام: قسم صدقوا التوحيد ووفوا بعهدهم ونزلوا عن جميع أموالهم فلم يدخروا ديناراً ولا درهماً فأبوا أن يتعرضوا الوجوب الزكاة عليهم حتى قيل لبعضهم كم يجب من الزكاة في مائتي درهم؟ فقال: أما على العوام بحكم الشرع فخمسة دراهم، وأما نحن فيجب علينا بذل الجميع. ولهذا تصدق أبو بكر رضي الله عنه بجميع ماله وعمر رضي الله عنه بشطر ماله فقال صلى الله عليه وسلم "ما أبقيت لأهلك" فقال: مثله، وقال لأبي بكر رضي الله عنه "ما أبقيت لأهلك" قال الله ورسوله، فقال صلى الله عليه وسلم "بينكما ما بين كلمتيكما" فالصديق وفي بتمام الصدق فلم يمسك سوى المحبوب عنده وهو الله ورسوله. القسم الثاني: درجتهم دون درجة هذا وهم الممسكون أموالهم المراقبون لمواقيت الحاجات ومواسم الخيرات، فيكون قصدهم في الادخار الإنفاق على قدر الحاجة دون التنعم وصرف الفاضل عن الحاجة إلى وجوه البر مهما ظهر وجوهها، وهؤلاء لا يقتصرون على مقدار الزكاة. وقد ذهب جماعة من التابعين إلى أن في المال حقوقاً سوى الزكاة كالنخعي والشعبي وعطاء ومجاهد. قال الشعبي بعد أن قيل له هل في المال حق سوى الزكاة؟ قال: نعم أما سمعت قوله عز وجل "وآتى المال على حبه ذوي القربى" الآية واستدلوا بقوله عز وجل "ومما رزقناهم ينفقون" وبقوله تعالى "وأنفقوا مما رزقناكم" وزعموا أن ذلك غير منسوخ بآية الزكاة بل هو داخل في حق المسلم على المسلم، ومعناه أنه يجب على الموسر مهما وجد محتاجاً أن يزيل حاجته فضلاً عن مال الزكاة والذي يصح في الفقه من هذا الباب أنه مهما أرهقته حاجته كانت إزالتها فرض كفاية إذ لا يجوز تضييع مسلم، ولكن يحتمل أن يقال ليس على الموسر إلا تسليم ما يزيل الحاجة قرضاً ولا يلزمه بذله بعد أن أسقط الزكاة عن نفسه، ويحتمل أن يقال يلزمه بذله في الحال ولا يجوز له الاقتراض أي لا يجوز له تكليف الفقير قبول القرض وهذا مختلف فيه، والاقتراض نزول إلى الدرجة الأخيرة من درجات العوام وهي درجة القسم الثالث الذين يقتصرون على أداء الواجب فلا يزيدون عليه ولا ينقصون عنه وهي أقل الرتب وقد اقتصر جميع العوام عليه لبخلهم بالمال وميلهم إليه وضعف حبهم للآخرة قال الله تعالى "إن يسألكموها فيحفكم تبخلوا" يحفكم أي يستقص عليكم فكم بين عبد اشترى منه ماله ونفسه بأن له الجنة وبين عبد لا يستقصي عليه لبخله؛ فهذا أحد معاني أمر الله سبحانه عباده ببذل الأموال المعنى الثاني: التطهير من صفة البخل فإنه من المهلكات قال صلى الله عليه وسلم "ثلاث مهلكات شح مطاع وهوى متبع وإعجاب المرء بنفسه" وقال تعالى "ومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون" وسيأتي في ربع المهلكات وجه كونه مهلكاً وكيفية التقصي منه، وإنما تزول صفة البخل بأن تتعود بذل المال فحب الشيء لا ينقطع إلا بقهر النفس على مفارقته حتى يصير ذلك اعتياداً. فالزكاة بهذا المعنى طهرة أي تطهر صاحبها عن خبث البخل المهلك وإنما طهارته بقدر بذله وبقدر فرحه بإخراجه واستبشاره بصرفه إلى الله تعالى. المعنى الثالث: شكر النعمة فإن لله عز وجل على عبده نعمة في نفسه وفي ماله فالعبادات البدنية شكر لنعمة البدن والمالية شكر لنعمة المال. وما أخس من ينظر إلى الفقير وقد ضيق عليه الرزق وأحوج إليه ثم لا تسمح نفسه بأن يؤدي شكر الله تعالى على إغنائه عن السؤال وإحواج غيره إليه بربع العشر أو العشر من ماله.

الوظيفة الثانية: في وقت الأداء؛ ومن آداب ذوي الدين التعجيل عن وقت الوجوب إظهاراً للرغبة في الامتثال بإيصال السرور إلى قلوب الفقراء ومبادرة لعوائق الزمان أن تعوقه عن الخيرات وعلماً بأن في التأخير آفات مع ما يتعرض العبد له م العصيان لو أخر عن وقت الوجوب. ومهما ظهرت داعية الخير من الباطن فينبغي أن يغتنم فإن ذلك لمة الملك "وقل المؤمن بين أصبعين من أصابع الرحمن" فما أسرع تقلبه والشيطان يعد الفقر ويأمر بالفحشاء والمنكر. وله لمة عقيب لمة الملك فليغتنم الفرصة فيه وليعين لزكاتها إن كان يؤديها جميعاً شهراً معلوماً وليجتهد أن يكون من أفضل الأوقات ليكون ذلك سبباً لنماء قربته وتضاعف زكاته. وذلك كشهر المحرم فإنه أول السنة وهو من الأشهر الحرم أو رمضان فقد كان صلى الله عليه وسلم أجود الخلق وكان في رمضان كالريح المرسلة لا يمسك فيه شيئاً ولرمضان فضيلة ليلة القدر وأنه أنزل فيه القرآن. وكان مجاهد يقول: لا تقولوا رمضان فإنه اسم من أسماء الله تعالى ولكن قولوا شهر رمضان. وذو الحجة أيضاً من الشهور الكثيرة الفضل فإنه شهر حرام وفيه الحج الأكبر وفيه الأيام المعلومات وهي العشر الأول والأيام المعدودات وهي أيام التشريق. وأفضل أيام شهر رمضان العشر الأواخر. وأفضل أيام ذي الحجة العشر الأول.


الوظيفة الثالثة: الإسرار؛ فإن ذلك أبعد عن الرياء والسمعة قال صلى الله عليه وسلم "أفضل الصدقة جهد المقل إلى فقير في سر" وقال بعض العلماء. ثلاث من كنوز البر منها إخفاء الصدقة وقد روي أيضاً مسنداً. وقال صلى الله عليه وسلم "إن العبد ليعمل عملاً في السر فيكتبه الله له سراً فإن أظهره نقل من السر وكتب في العلانية فإن تحدث به نقل من السر والعلانية وكتب رياء وفي الحديث المشهور "سبعة يظلهم الله يوم لا ظل إلا ظله أحدهم رجل تصدق بصدقة فلم تعلم شماله بما أعطت يمينه" وف الخبر "صدقة السر تطفىء غضب الرب" وقال تعالى "وإن تخفوها وتؤتوها الفقراء فهو خير لكم" وفائدة الإخفاء الخلاص من آفات الرياء والسمعة فقد قال صلى الله عليه وسلم "لا يقبل الله من مسمع ولا مراء ولا منان والمتحدث بصدقته يطلب السمعة والمعطي في ملأ من الناس يبغي الرياء والإخفاء والسكوت هو المخلص منه" وقد بالغ في فضل الإخفاء جماعة حتى اجتهدوا أن لا يعرف القابض المعطي فكان بعضهم يلقيه في يد أعمى وبعضهم يلقيه في طريق الفقير وفي موضع جلوسه حيث يراه ولا يرى المعطي وبعضهم كان يصره في ثوب الفقير وهو نائم. وبعضهم كان يوصل إلى يد الفقير على يد غيره بحيث لا يعرف المعطي وكان يستكتم المتوسط شأنه ويوصيه بأن لا يفشيه: كل ذلك توصلاً إلى إطفاء غضب الرب سبحانه واحترازاً من الرياء والسمعة. ومهما لم يتمكن إلا بأن يعرفه شخص واحد فتسليمه إلى وكيل ليسلم إلى المسكين والمسكين لا يعرف أولى؛ إذ في معرفة المسكين الرياء والمنة جميعاً وليس في معرفة المتوسط إلا الرياء. ومهما كانت الشهرة مقصودة له حبط عمله لأن الزكاة إزالة للبخل وتضعيف لحب المال. وحب الجاه أشد استيلاء على النفس من حب المال وكل واحد منهما مهلك في الآخرة؛ ولكن صفة البخل تتقلب في القبر في حكم المثال عقرباً لادغاً، وصفة الرياء تقلب في القبر أفعى من الأفاعي وهو مأمور بتضعيفهما أو قتلهما لدفع أذاهما أو تخفيف أذاهما فمهما قصد الرياء والسمعة فكأنه جعل بعض أطراف العقرب مقوياً للحية فبقدر ما ضعف من العقرب زاد في قوة الحية ولو ترك الأمر كما كان لكان الأمر أهون عليه. وقوة هذه الصفات التي بها قوتها العمل بمقتضاها، وضعف هذه الصفات بمجاهدتها ومخالفتها والعمل بخلاف مقتضاها فأي فائدة في أن يخالف دواعي البخل ويجيب دواعي الرياء فيضعف الأدنى ويقوي الأقوى؟ وستأتي أسرار هذه المعاني في ربع المهلكات.

الوظيفة الرابعة: أن يظهر حيث يعلم أن في إظهاره ترغيباً للناس في الاقتداء ويحرس سره من داعية الرياء بالطريق الذي سنذكره في معالجة الرياء في كتاب الرياء فقد قال الله عز وجل "إن تبدوا الصدقات فنعما هي" وذلك حيث يقتضي الحال الإبداء إما للاقتداء وإما لأن السائل إنما سأل على ملأ من الناس فلا ينبغي أن يترك التصدق خيفة من الرياء في الإظهار بل ينبغي أن يتصدق ويحفظ سره عن الرياء بقدر الإمكان، وهذا لأن في الإظهار محذوراً ثالثاً سوى المن والرياء وهو هتك ستر الفقير "فإنه ربما يتأذى بأن يرى في صورة المحتاج فمن أظهر السؤال فهو الذي هتك ستر نفسه. فلا يحذر هذا المعنى في إظهاره وهو كإظهار الفسق على من تستر به فإنه محظور، والتجسس فيه والاعتياد بذكره منهي عنه: فأما من أظهره فإقامة الحد عليه إشاعة ولكن هو السبب فيها. وبمثل هذا المعنى قال صلى الله عليه وسلم "من ألقى جلباب الحياء فلا غيبة له" وقد قال الله تعالى "وأنفقوا مما رزقناهم سراً وعلانية" ندب إلى العلانية أيضاً لما فيها من فائدة الترغيب فليكن العبد دقيق التأمل في وزن هذه الفائدة بالمحذور الذي فيه فإن ذلك يختلف بالأحوال والأشخاص" فقد يكون الإعلان في بعض الأحوال لبعض الأشخاص أفضل. ومن عرف الفوائد والغوائل ولم ينظر بعين الشهوة اتضح له الأولى والأليق بكل حال.


الوظيفة الخامسة: أن لا يفسد صدقته بالمن والأذى قال الله تعالى "لا تبطلوا صدقاتكم بالمن والأذى" واختلفوا في حقيقة المن والأذى فقيل المن أن يذكرها والأذى أن يظهرها: وقال سفيان: من من فسدت صدقته فقيل له كيف المن، فقال: أن يذكره ويتحدث به. وقيل: المن أن يستخدمه بالعطاء، والأذى أن يعيره بالفقر. وقيل: المن أن يتكبر عليه لأجل عطائه، والأذى أن ينتهره أو يوبخه بالمسألة. وقد قال صلى الله عليه وسلم "لا يقبل الله صدقة منان" وعندي أن المن له أصل ومغرس وهو من أحوال القلب وصفاته: ثم يتفرع عليه أحوال ظاهرة على اللسان والجوارح فأصله أن يرى نفسه محسناً إليه ومنعماً عليه، وحقه أن يرى الفقير محسناً إليه بقبول حق الله عز وجل منه الذي هو طهرته ونجاته من النار، وأنه لو يقبله لبقي مرتهناً به فحقه أن يتقلد منه الفقير إذ جعل كفه نائباً عن الله عز وجل في قبض حق الله عز وجل. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "إن الصدقة تقع بيد الله عز وجل قبل أن تقع في يد السائل" فليتحقق أنه مسلم إلى عز وجل حقه والفقير آخذ من الله تعالى. رزقه بعد صيرورته إلى الله عز وجل. ولو كان عليه دين لإنسان فأحال به عبده أو خادمه الذي هو متكفل برزقه لكان اعتقاد مؤدى الدين كون القابض تحت منته سفهاً وجهلاً، فإن المحسن إليه هو المتكفل برزقه. أما هو فإنما يقضي الذي لزمه بشراء ما أحبه فهو ساع في حق نفسه فلم يمن به على غيره. ومهما عرف المعاني الثلاثة التي ذكرناها في فهم وجوب الزكاة أو أحدها لم ير نفسه محسناً إلا إلى نفسه؛ إما ببذل ما له إظهاراً لحب الله تعالى أو تطهيراً لنفسه عن رذيلة البخل أو شكراً على نعمة المال طلباً للمزيد. وكيفما كان فلا معاملة بينه وبين الفقير حتى يرى نفسه محسناً إليه، ومهما حصل هذا الجهل بأن رأى نفسه محسناً إليه تفرع منه على ظاهره ما ذكر في معنى المن وهو التحدث به وإظهاره وطلب المكافأة منه بالشكر والدعاء والخدمة والتوقير والتعظيم والقيام بالحقوق والتقديم في المجالس والمتابعة في الأمور؛ فهذه كلها ثمرات المنة، ومعنى المنة في الباطن ما ذكرناه. وأما الأذى: فظاهره التوبيخ والتعبير وتخشين الكلام وتقطيب الوجه وهتك الستر بالإظهار وفنون الاستخفاف، وباطنه وهو منبعه أمران؛ أحدهما: كراهيته لرفع اليد عن المال وشدة ذلك على نفسه فإن ذلك يضيق الخلق لا محالة. والثاني: رؤيته أنه خير من الفقير وأن الفقير لسبب حاجته أخس منه وكلاهما منشؤه الجهل. أما كراهية تسليم المال فهو حمق لأن من كره بذل درهم في مقابلة ما يساوي ألفاً فهو شديد الحمق. ومعلوم أنه يبذل المال لطلب رضا الله عز وجل والثواب في الدار الآخرة وذلك أشرف مما بذله أو يبذله لتطهير نفسه عن رذيلة البخل أو شكراً لطلب المزيد. وكيفما فرض فالكراهة لا وجه لها. وأما الثاني: فهو أيضاً جهل لأنه لو عرف فضل الفقر على الغنى وعرف خطر الأغنياء لما استحقر الفقير بل تبرك به وتمنى درجته، فصلحاء الأغنياء يدخلون الجنة بعد الفقراء بخمسمائة عام. ولذلك قال صلى الله عليه وسلم "هم الأخسرون ورب الكعبة فقال أبو ذر: من هم؟ قال: هم الأكثرون أمولاً" الحديث؟ ثم كيف يستحقر الفقير وقد جعله الله تعالى متجرة له؟ إذ يكتسب المال بجهده ويستكثر منه ويجتهد في حفظه بمقدار الحاجة وقد ألزم أن يسلم إلى الفقير قدر حاجته ويكف عنه الفاضل الذي يضره لو سلم إليه؛ فالغني مستخدم للسعي في رزق الفقير ويتميز عليه بتقليد المظالم والتزام المشاق وحراسة الفضلات إلى أن يموت فيأكله أعداؤه، فإن مهما انتقلت الكراهية وتبدلت بالسرور والفرح بتوفيق الله تعالى له أداء الواجب وتفضيله الفقير حتى يخلصه عن عهدته بقبوله منه انتفى الأذى والتوبيخ وتقطيب الوجه وتبدل بالاستبشار والثناء وقبول المنة فهذا منشأ المن والأذى. فإن قلت: فرؤيته نفسه في درجة المحسن أمر غامض فهل من علامة يمتحن بها قلبه فيعرف بها أنه لم ير نفسه محسناً؟ فاعلم أن علامة دقيقة واضحة وهو أن يقدر أن الفقير لو جنى عليه جناية أو مالاً عدوا له عليه مثلاً هل كان يزيد استنكاره واستبعاده له على استنكاره قبل التصدق؟ فإن زاد لم تخل صدقته عن شائبة المنة لأنه توقع بسببه ما لم يكن يتوقعه قبل ذلك. فإن قلت، فهذا أمر غامض ولا ينفك قلب أحد عنه فما دواؤه؟ فاعلم أن له دواء باطناً ودواء ظاهراً: أما الباطن: فالمعرفة بالحقائق التي ذكرناها في فهم الوجوب وأن الفقير هو المحسن إليه في تطهيره بالقبول. وأما الظاهر: فالأعمال التي يتعاطاها متقلد المنة فإن الأفعال التي تصدر عن الأخلاق تصبغ القلب بالأخلاق - كما سيأتي أسراره في الشطر الأخير من الكتاب - ولهذا كان بعضهم يضع الصدقة بين يدي الفقير ويتمثل قائماً بين يديه يسأله قبولها حتى يكون هو في صورة السائلين وهو يستشعر مع ذلك كراهية لو رده. وكان بعضهم يبسط كفه ليأخذ الفقير من كفه وتكون يد الفقير هي العليا. وكانت عائشة وأم سلمة رضي الله عنهما إذا أرسلتا معروفاً إلى فقير قالتا للرسول: احفظ ما يدعو به ثم كانتا تردان عليه مثل قوله، وتقولان: هذا بذاك حتى تخلص لنا صدقتنا. فكانوا لا يتوقعون الدعاء لأنه شبه المكافأة وكانوا يقابلون الدعاء بمثله. وهكذا فعل عمر بن الخطاب وابنه عبد الله رضي الله عنهما. وهكذا كان أرباب القلوب يداوون قلوبهم ولا دواء من حيث الظاهر إلا هذه الأعمال الدالة على التذلل والتواضع وقبول المنة ومن حيث الباطن المعارف التي ذكرناها؛ هذا من حيث العمل وذلك من حيث العلم. ولا يعالج القلب إلا بمعجون العلم والعمل، وهذه الشريطة من الزكوات تجري مجرى الخشوع من الصلاة وثبت ذلك بقوله صلى الله عليه وسلم "ليس للمرء من صلاته إلا ما عقل منها". وهذا كقوله صلى الله عليه وسلم "لا يتقبل الله صدقة من منان" وكقوله عز وجل "لا تبطلوا صدقاتكم بالمن والأذى" وأما فتوى الفقيه بوقوعها موقعها وبراءة ذمته عنها دون هذا الشرط فحديث آخر وقد أشرنا إلى معناه في كتاب الصلاة.


الوظيفة السادسة: أن يستصغر العطية فإنه إن استعظمها أعجب بها والعجب من المهلكات وهو محبط للأعمال قال تعالى "ويوم حنين إذ أعجبتكم كثرتكم فلم تغن عنكم شيئاً" ويقال إن الطاعة كلما استصغرت عظمت عند الله عز وجل. والمعصية كلما استعظمت صغرت عند الله عز وجل. وقيل لا يتم المعروف إلا بثلاثة أمور: تصغيره وتعجيله وستره. وليس الاستعظام هو المن والأذى، فإنه لو صرف ماله إلى عمارة مسجد أو رباط أمكن فيه الاستعظام ولا يمكن فيه المن والأذى بل العجب والاستعظام يجري في جميع العبادات ودواؤه علم وعمل. أما العلم: فهو أن يعلم أن العشر أو ربع العشر قليل من كثير وأنه قد قنع لنفسه بأخس درجات البذل - كما ذكرنا في فهم الوجوب - فهو جدير بأن يستحي منه فكيف يستعظمه؟ وإن ارتقى إلى الدرجة العليا فبذل كل ماله أو أكثره فليتأمل أنه من أين له المال وإلى ماذا يصرفه؟ فالمال لله عز وجل وله المنة عليه إذ أعطاه ووفقه لبذله فلم يستعظم في حق الله تعالى ما هو عين حق الله سبحانه؟ وإن كان مقامه يقتضي أن ينظر إلى الآخرة وأنه يبذله للثواب فلم يستعظم بذل ما ينتظر عليه أضعافه؟ وأما العمل: فهو أن يعطيه عطاء الخجل من بخله بإمساك بقية ماله عن الله عز وجل فتكون هيئته الانكسار والحياء، كهيئة من يطالب برد وديعة فيمسك بعضها ويرد البعض، لأن المال كله لله عز وجل وبذل جميعه هو الأحب عند الله سبحانه، وإنما لم يأمر به عبده لأنه يشق عليه بسبب بخله كما قال الله عز وجل "فيحفكم تبخلوا".

الوظيفة السابعة: أن ينتقي من ماله أجوده وأحبه إليه وأجله وأطيبه فإن الله تعالى طيب لا يقبل إلا طيباً. وإذا كان المخرج من شبهة فربما لا يكون ملكاً له مطلقاً فلا يقع الموقع. وفي حديث أبان عن أنس بن مالك "طوبى لعبد أنفق من مال اكتسبه من غير معصية" وإذا لم يكن المخرج من جيد المال فهو من سوء الأدب إذ قد يمسك الجيد لنفسه أو لعبده أو لأهله فيكون قد آثر على الله عز وجل غيره، ولو فعل هذا بضيفه وقدم إليه أردأ طعام في بيته لأوغر بذلك صدره، هذا إن كان نظره إلى الله عز وجل، وإن كان نظره إلى نفسه وثوابه في الآخرة فليس بعاقل من يؤثر غيره على نفسه، وليس له من ماله إلا ما تصدق به فأبقى أو أكل فأفنى، والذي يأكله قضاء وطر ف الحال فليس من العقل قصر النظر على العاجلة وترك الادخار وقد قال الله تعالى "يا أيها الذين آمنوا أنفقوا من طيبات ما كسبتم ومما أخرجنا لكم من الأرض ولا تيمموا الخبيث منه تنفقون ولستم بآخذيه إلا أن تغمضوا فيه" أي لا تأخذوه إلا مع كراهية وحياء وهو معنى الإغماض فلا تؤثروا به ربكم. وفي الخبر "سبق درهم مائة ألف درهم" وذلك بأن يخرجه الإنسان وهو من أحل ماله وأجوده فيصدر ذلك عن الرضا والفرح بالبذل، وقد يخرج مائة ألف درهم مما يكره من ماله فيدل ذلك على أنه ليس يؤثر الله عز وجل بشيء مما يحبه. وبذلك ذم الله تعالى قوماً جعلوا لله ما يكرهون فقال تعالى "ويجعلون لله ما يكرهون وتصف ألسنتهم الكذب أن لهم الحسنى لا" وقف بعض القراء على النفي تكذيباً لهم، ثم ابتدأ وقال "جرم أن لهم النار" أي كسب لهم جعلهم لله ما يكرهون النار.

الوظيفة الثامنة: أن يطلب لصدقته من تزكو به الصدقة ولا يكتفى بأن يكون من عموم الأصناف الثمانية فإن في عمومهم خصوص صفات فليراع خصوص تلك الصفات وهي ستة. الأولى: أن يطلب الأتقياء المعرضين عن الدنيا المتجردين لتجارة الآخرة قال صلى الله عليه وسلم "لا تأكل إلا طعام تقي ولا يأكل طعامك إلا تقي". وهذا لأن التقي يستعين به على التقوى فتكون شريكاً في طاعته بإعانتك إياه، وقال صلى الله عليه وسلم "أطعمعوا طعامكم الأتقياء وأولوا معروفكم المؤمنين" وفي لفظ آخر "أضف بطعامك من تحبه في الله تعالى" وكان بعض العلماء يؤثر بالطعام فقراء الصوفية دون غيرهم فقيل له: لو عممت بمعروفك جميع الفقراء لكان أفضل. فقال: لا هؤلاء قوم هممهم لله سبحانه فإذا طرقتهما فاقة تشتت هم أحدهم فلأن أرد همة واحد إلى الله عز وجل أحب إلي من أن أعطي ألفاً ممن همته الدنيا، فذكر هذا الكلام للجنيد فاستحسنه وقال: هذا ولي من أولياء الله تعالى وقال ما سمعت منذ زمان كلاماً أحسن من هذا، ثم حكى أن هذا الرجل اختل حاله وهم بترك الحانوت فبعث إليه الجنيد مالاً وقال: اجعله بضاعتك ولا تترك الحانوت فإن التجارة لا تضر مثلك، وكان هذا الرجل بقالاً لا يأخذ من الفقراء ثمن ما يبتاعون منه. الصفة الثانية: أن يكون من أهل العلم خاصة فإن ذلك إعانة له على العلم، والعلم أشرف العبادات مهما صحت فيه النية. وكان ابن المبارك يخصص بمعروفه أهل العلم فقيل له: لو عممت، فقال: إني لا أعرف بعد مقام النبوة أفضل من مقام العلماء فإذا اشتغل قلب أحدهم بحاجته لم يتفرغ للعلم ولم يقبل على التعلم فتفريغهم للعلم أفضل. الصفة الثالثة: أن يكون صادقاً في تقواه وعلمه بالتوحيد. وتوحيده أنه إذا أخذ العطاء حمد الله عز وجل وشكره ورأى أن النعمة منه ولم ينظر إلى واسطة فهذا هو أشكر العباد لله سبحانه وهو أن يرى أن النعمة كلها منه. وفي وصية لقمان لابنه: لا تجعل بينك وبين الله منعماً واعدد نعمة غيره عليك مغرماً. ومن شكر غير الله سبحانه فكأنه لم يعرف المنعم ولم يتيقن أن الواسطة مقهور مسخر بتسخير الله عز وجل إذ سلط الله تعالى عليه دواعي الفعل ويسر له الأسباب فأعطى وهو مقهور، ولو أراد تركه لم يقدر عليه بعد أن ألقى الله عز وجل في قلبه أن صلاح دينه ودنياه في فعله. فمهما قوي الباعث أوجب ذلك جزم الإرادة وانتهاض القدرة ولم يستطع العبد مخالفة الباعث القوي الذي لا تردد فيه والله عز وجل خالق للبواعث ومهيجها ومزيل للضعف والتردد عنها ومسخر القدرة للانتهاض بمقتضى البواعث. فمن تيقن هذا لم يكن له نظر إلا إلى مسبب الأسباب: وتيقن مثل هذا العبد أنفع للمعطي من ثناء غيره وشكره، فذلك حركة لسان يقل في الأكثر جدواه وإعانة مثل هذا العبد الموحد لا تضيع. وأما الذي يمدح بالعطاء ويدعو بالخير فسيذم بالمنع ويدعو بالشر عند الإيذاء وأحواله متفاوتة. وقد روي أنه صلى الله عليه وسلم بعث معروفاً إلى بعض الفقراء وقال للرسول احفظ ما يقول؛ فلما أخذ قال الحمد لله الذي لا ينسى من ذكره ولا يضيع من شكره. ثم قال اللهم إنك لم تنس فلاناً - يعني نفسه - فاجعل فلاناً لا ينساك - يعني بفلان نفسه - فاخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم بذلك فسر وقال صلى الله عليه وسلم: علمت أنه يقول ذلك" فانظر كيف قصر التفاته على الله وحده "وقال صلى الله عليه وسلم لرجل: تب فقال أتوب إلى الله وحده ولا أتوب إلى محمد فقال صلى الله عليه وسلم عرف الحق لأهله" ولما نزلت براءة عائشة رضي الله عنها في قصة الإفك قال أبو بكر رضي الله عنه: قومي فقبلي رأس رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت والله لا أفعل ولا أحمد إلا الله فقال صلى الله عليه وسلم: دعها يا أبا بكر"وفي لفظ آخر "أنها رضي الله عنها قالت لأبي بكر رضي الله عنه: بحمد الله لا بحمدك ولا بحمد صاحبك" فلم ينكر رسول الله صلى الله عليه وسلم عليها ذلك مع أن الوحي وصل إليها على لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم. ورؤية الأشياء من غير الله سبحانه وصف الكافرين قال الله تعالى "وإذا ذكر الله وحده اشمأزت قلوب الذين لا يؤمنون بالآخرة وإذا ذكر الذين من دونه إذا هم يستبشرون" ومن لم يصف باطنه عن رؤية الوسائط إلا من حيث إنهم وسائط فكأنه لم ينفك عن الشرك الخفي سره. فليتق الله سبحانه في تصفية توحيده عن كدورات الشرك وشوائبه. الصفة الرابعة: أن يكون مستتراً مخفياً حاجته لا يكثر البث والشكوى أو يكون من أهل المروءة ممن ذهبت نعمته وبقيت عادته فهو يتعيش في جلباب التجمل قال الله تعالى "يحسبهم الجاهل أغنياء من التعفف تعرفهم بسيماهم لا يسألون الناس إلحافاً" أي لا يلحون في السؤال لأنهم أغنياء بيقينهم أعزة بصبرهم، وهذا ينبغي أن يطلب بالتفحص عن أهل الدين في كل محلة ويستكشف عن بواطن أحوال أهل الخير والتجمل فثواب صرف المعروف إليهم أضعاف ما يصرف إلى المجاهرين بالسؤال. الصفة الخامسة: أن يكون معيلاً أو محبوساً بمرض أو بسبب من الأسباب فيوجد فيه معنى قوله عز وجل "للفقراء الذين أحصروا في سبيل الله" أي حبسوا في طريق الآخرة بعيلة أو ضيق معيشة أو إصلاح قلب "لا يستطيعون ضرباً في الأرض" لأنهم مقصوصو الجناح مقيدو الأطراف. فبهذه الأسباب كان عمر رضي الله عنه يعطي أهل البيت القطيع من الغنم - العشرة فما فوقها - وكان صلى الله عليه وسلم يعطي العطاء على مقدار العيلة وسأل عمر رضي الله عنه عن جهد البلاء فقال كثرة العيال وقلة المال. الصفة السادسة: أن يكون من الأقارب وذوي الأرحام فتكون صدقة وصلة رحم وفي صلة الرحم من الثواب ما لا يحصى. قال علي رضي الله عنه: لأن أصل أخاً من إخواني بدرهم أحب إلي من أن أتصدق بعشرين درهماً ولأن أصله بعشرين درهماً أحب إلي من أن أتصدق بمائة درهم ولأن أصله بمائة درهم أحب إلي من أن أعتق رقبة. والأصدقاء وإخوان الخير أيضاً يقدمون على المعارف كما يتقدم الأقارب على الأجانب؛ فليراع هذه الدقائق فهذه هي الصفات المطلوبة، وفي كل صفة درجات فينبغي أن يطلب أعلاها، فإن وجد من جمع جملة من هذه الصفات فهي الذخيرة الكبرى والغنيمة العظمى. ومهما اجتهد في ذلك وأصاب فله أجران وإن أخطأ فله أجر واحد، فإن أحد أجريه في الحال تطهيره نفسه عن صفة البخل وتأكيد حب الله عز وجل في قلبه واجتهاده في طاعته، وهذه الصفات هي التي تقوي في قلبه فتشوقه إلى لقاء الله عز وجل. والأجر الثاني ما يعود إليه من فائدة دعوة الآخذ وهمته فإن قلوب الأبرار لها آثار في الحال والمآل، فإن أصاب حصل الأجران وإن أخطأ حصل الأول دون الثاني فبهذا يضاعف أجر المصيب في الاجتهاد ههنا وفي سائر المواضع والله أعلم
.


[saa]يتبع بإذن الله[/saa]

_________________

يا خير من دفنت في التراب أعظمه فطاب من طيبهن القاع الأكم
نفسي الفداء لقبر أنت ساكنه فيه العفاف وفيه الجود والكرم
أنت الشفيع الذي ترجى شفاعته عند الصراط إذا ما زلّت القدم


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة:
مشاركة غير مقروءةمرسل: الأربعاء سبتمبر 21, 2005 3:00 pm 
غير متصل

اشترك في: السبت فبراير 21, 2004 10:56 pm
مشاركات: 1245
مكان: يا رب مع الحبيب و آله صلى الله عليه و آله وصحبه وسلم
[align=center]الفصل الثالث
في القابض وأسباب استحقاقه ووظائف قبضه
بيان أسباب الاستحقاق
[/align]



اعلم أنه لا يستحق الزكاة إلا حر مسلم ليس بهاشمي ولا مطلبي اتصف بصفة من صفات الأصناف الثمانية المذكورين في كتاب الله عز وجل. ولا تصرف زكاة إلى كافر ولا إلى عبد ولا إلى هاشمي ولا إلى مطلبي. أما الصبي والمجنون فيجوز الصرف إليهما إذا قبض وليهما فلنذكر صفات الأصناف الثمانية الصنف الأول الفقراء: والفقير هو الذي ليس له مال ولا قدرة على الكسب، فإن كان معه قوت يومه وكسوة حاله فليس بفقير ولكنه مسكين، وإن كان معه نصف قوت يومه فهو فقير، وإن كان معه قميص وليس معه منديل ولا خف ولا سراويل ولم تكن قيمة القميص بحيث تفي بجميع ذلك كما يليق بالفقراء فهو فقير، لأنه في الحال قد عدم ما هو محتاج إليه وما هو عاجز عنه فلا ينبغي أن يشترط في الفقير أن لا يكون له كسوة سوى ساتر العورة فإن هذا غلو، والغالب أنه لا يوجد مثله ولا يخرجه عن الفقر كونه معتاداً للسؤال، فلا يجعل السؤال كسباً بخلاف ما لو قدر على كسب فإن ذلك يخرجه عن الفقر فإن قدر على الكسب بآلة فهو فقير ويجوز أن يشتري له آلة. وإن قدر على كسب لا يليق بمروءته وبحال مثله فهو فقير، وإن كان متفقهاً ويمنعه الاشتغال بالكسب عن التفقه فهو فقير ولا تعتبر قدرته، وإن كان متعبداً يمنعه الكسب من وظائف العبادات وأوراد الأوقات فليكتسب لأن الكسب أولى من ذلك قال صلى الله عليه وسلم "طلب الحلال فريضة بعد الفريضة" وأراد به السعي في الاكتساب. وقال عمر رضي الله عنه: كسب في شبهة خير من مسألة. وإن كان مكتفياً بنفقة أبيه أو من تجب عليه نفقته فهذا أهون من الكسب فليس بفقير الصنف الثاني المساكين: والمسكين هو الذي لا يفي دخله بخرجه فقد يملك ألف درهم وهو مسكين وقد لا يملك إلا فأساً وحبلاً وهو غني، والدويرة التي يسكنها والثوب الذي يستره على قدر حاله لا يسلبه اسم المسكين، وكذا أثاث البيت - أعني ما يحتاج إليه - وذلك ما يليق به، وكذا كتب الفقه لا تخرجه عن المسكنة وإذا لم يملك إلا الكتب فلا تلزمه صدقة الفطر. وحكم الكتاب حكم الثوب وأثاث البيت فإنه محتاج إليه ولكن ينبغي أن يحتاط في قطع الحاجة بالكتاب، فالكتاب محتاج إليه لثلاثة أغراض: التعليم والاستفادة والتفرج بالمطالعة. أما حاجة التفرج فلا تعتبر كاقتناء كتب الأشعار وتواريخ الأخبار وأمثال ذلك مما لا ينفع في الآخرة ولا يجري في الدنيا إلا مجرى التفرج والاستئناس، فهذا يباع في الكفارة وزكاة الفطر وتمنع اسم المسكنة. وأما حاجة التعليم إن كان لأجل الكسب كالمؤدب والمعلم والمدرس بأجره فهذه آلته فلا تباع في الفطرة كأدوات الخياط وسائر المحترفين، وإن كان يدرس للقيام بفرض الكفاية فلا تباع ولا يسلبه ذلك اسم المسكين لأنها حاجة مهمة، وأما حاجة الاستفادة والتعلم من الكتاب كادخاره كتب طب ليعالج بها نفسه أو كتاب وعظ ليطالع فيه ويتعظ به فإن كان في البلد طبيب وواعظ فهذا مستغنى عنه وإن لم يكن فهو محتاج إليه. ثم ربما لا يحتاج إلى مطالعة الكتاب إلا بعد مدة فينبغي أن يضبط مدة الحاجة. والأقرب أن يقال ما لا يحتاج إليه في السنة فهو مستغنى عنه فإن من فضل من قوت يومه شيء لزمته الفطرة. فإذا قدرنا القوت باليوم فحاجة أثاث البيت وثياب البدن ينبغي أن تقدر بالسنة؛ فلا تباع ثياب الصيف في الشتاء والكتب بالثياب والأثاث أشبه وقد يكون له من كتاب نسختان فلا حاجة إلى إحداهما. فإن قال: إحداهما أصح والأخرى أحسن فأنا محتاج إليهما؟ قلنا: اكتف بالأصح وبع الأحسن ودع التفرج والترفه. وإن كان نسختان من علم واحد إحداهما بسيطة والأخرى وجيزة فإن كان مقصوده الاستفادة فليكتف بالبسيطة وإن كان قصده التدريس فيحتاج إليهما إذ في كل واحدة فائدة ليست في الأخرى. وأمثال هذه الصور لا تنحصر ولم يتعرض له في فن الفقه وإنما أوردناه لعموم البلوى والتنبيه بحسن هذا النظر على غيره. فإن استقصاء هذه الصور غير ممكن إذ يتعدى مثل هذا النظر في أثاث البيت في مقدارها وعددها ونوعها وفي ثياب البدن وفي الدار وسعتها وضيقها. وليس لهذه الأمور حدود محدودة ولكن الفقيه يجتهد فيها برأيه ويقرب في التحديدات بما يراه ويقتحم فيه خطر الشبهات. والمتورع يأخذ فيه بالأحوط ويدع ما يريبه إلى ما لا يريبه. والدرجات المتوسطة المشكلة بين الأطراف المتقابلة الجلية كثيرة ولا ينجي منها إلا الاحتياط والله أعلم. الصنف الثالث العاملون: وهم السعاة الذين يجمعون الزكوات سوى الخليفة والقاضي ويدخل فيه العريف والكاتب والمستوفى والحافظ والنقال ولا يزاد واحد منهم على أجرة المثل؛ فإن فضل شيء من الثمن عن أجر مثلهم رد على بقية الأصناف وإن نقص كمل من مال المصالح الصنف الرابع المؤلفة قلوبهم على الإسلام: وهم الأشراف الذين أسلموا وهم مطاعون في قومهم، وفي إعطائهم تقريرهم على الإسلام وترغيب نظائرهم وأتباعهم الصنف الخامس المكاتبون: فيدفع إلى السيد سهم المكاتب وإن دفع إلى المكاتب جاز ولا يدفع السيد زكاته إلى مكاتب نفسه لأنه يعد عبداً له. الصنف السادس الغارمون: والغارم هو الذي استقرض في طاعة أو مباح وهو فقير فإن استقرض في معصية فلا يعطى إلا إذا تاب، وإن كان غنياً لم يقض دينه إلا إذا كان قد استقرض لمصلحة أو إطفاء فتنة الصنف السابع الغزاة: الذين ليس لهم مرسوم في ديوان المرتزقة فيصرف إليهم سهم وإن كانوا أغنياء إعانة لهم على الغزو الصنف الثامن ابن السبيل: وهو الذي شخص من بلده ليسافر في غير معصية أو اجتاز بها فيعطى إن كان فقيراً وإن كان له مال ببلد آخر أعطي بقدر بلغته. فإن قلت: فبم تعرف هذه الصفات؟ قلنا: أما الفقر والمسكنة فبقول الآخذ ولا يطالب ببينة ولا يحلف بل يجوز اعتماد قوه إذا لم يعلم كذبه. وأما الغزو والسفر فهو أمر مستقبل فيعطى بقوله إني غاز فإن لم يف به استرد. وأما بقية الأصناف فلا بد فيها من البينة فهذه شروط الاستحقاق. وأما مقدار ما يصرف إلى كل واحد فسيأتي.

[align=center]بيان وظائف القابض وهي خمسة[/align]


الأولى أن يعلم أن الله عز وجل أوجب صرف الزكاة إليه ليكفي همه ويجعل همومه هماً واحداً. فقد تعبد الله عز وجل الخلق بأن يكون همهم واحداً وهو الله سبحانه واليوم الآخر وهو المعنى بقوله تعالى "وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون" ولكن لما اقتضت الحكمة أن يسلط على العبد الشهوات والحاجات وهي تفرق هما اقتضى الكرم إفاضة نعمة تكفي الحاجات فأكثر الأموال وصبها في أيدي عباده لتكون آلة لهم في دفع حاجاتهم ووسيلة لتفرغهم لطاعاتهم، فمنهم من أكثر ماله فتنة وبلية فأقحمه في الخطر ومنهم من أحبه فحماه عن الدنيا كما يحمي المشفق مريضه فزوى عنه فضولها وساق إليه قدر حاجته على يد الأغنياء ليكون سهل الكسب والتعب في الجمع والحفظ عليهم، وفائدته تنصب إلى الفقراء فيتجردون لعبادة الله والاستعداد لما بعد الموت فلا تصرفهم عنها فضول الدنيا ولا تشغلهم عن التأهب الفاقة وهذا منتهى النعمة. فحق الفقير أن يعرف قدر نعمة الفقر ويتحقق أن فضل الله عليه فيما زواه عنه أكثر من فضله فيما أعطاه - كما سيأتي في كتاب الفقر تحقيقه وبيانه إن شاء الله تعالى - فليأخذ ما يأخذه من الله سبحانه رزقاً له وعوناً له على الطاعة ولتكن نيته فيه أن يتقوى به على طاعة الله فإن لم يقدر عليه فليصرفه إلى ما أباحه الله عز وجل فإن استعان به على معصية الله كان كافراً لأنعم الله عز وجل مستحقاً للبعد والمقت من الله سبحانه الثانية أن يشكر المعطي ويدعو له ويثني عليه ويكون شكره ودعاؤه بحيث لا يخرجه عن كونه واسطة ولكنه طريق وصول نعمة الله سبحانه إليه، وللطريق حق من حيث جعله الله طريقاً وواسطة وذلك لا ينافي رؤية النعمة من الله سبحانه فقد قال صلى الله عليه وسلم "من لم يشكر الناس لم يشكر الله" وقد أثنى الله عز وجل على عباده في مواضع على أعمالهم وهو خالقها وفاطر القدرة عليها نحو قوله تعالى "نعم العبد إنه أواب" إلى غير ذلك. وليقل القابض في دعائه طهر الله قلبك في قلوب الأبرار وزكى عملك في عمل الأخيار وصلى على روحك في أرواح الشهداء وقد قال صلى الله عليه وسلم "من أسدى إليكم معروفاً فكافئوه فإن لم تستطيعوا فادعوا له حتى تعلموا أنكم قد كافأتموه" ومن تمام الشكر أن يستر عيوب العطاء إن كان فيه عيب ولا يحقره ولا يذمه ولا يعيره بالمنع إذا منع ويفخم عند نفسه وعند الناس صنيعه. فوظيفة المعطي الاستصغار ووظيفة القابض تقلد المنة والاستعظام. وعلى كل عبد القيام بحقه؛ وذلك لا تناقض فيه إذ موجبات التصغير والتعظيم تتعارض. والنافع للمعطي ملاحظة أسباب التصغير ويضره خلافه والآخذ بالعكس منه. وكل ذلك لا يناقض رؤية النعمة من الله عز وجل فإن من لا يرى الواسطة واسطة فقد جهل وإنما المنكر أن يرى الواسطة أصلاً الثالثة أن ينظر فيما يأخذه فإن لم يكن من حل تورع عنه "ومن يتق الله يجعل له مخرجاً ويرزقه من حيث لا يحتسب" ولن يعدم المتورع عن الحرام فتوحاً من الحلال. فلا يأخذ من أموال الأتراك والجنود وعمال السلاطين ومن أكثر كسبه من الحرام إلا إذا ضاق الأمر عليه وكان ما يسلم إليه لا يعرف له مالكاً معيناً فله أن يأخذ بقدر الحاجة؛ فإن فتوى الشرع في مثل هذا أن يتصدق به - على ما سيأتي بيانه في كتاب الحلال والحرام - وذلك إذا عجز عن الحلال فإذا أخذ لم يكن أخذه أخذ زكاة إذ لا يقع زكاة عن مؤديه وهو حرام الرابعة أن يتوقى مواقع الريبة والاشتباه في مقدار ما يأخذه فلا يأخذ إلا المقدار المباح ولا يأخذ إلا إذا تحقق أنه موصوف بصفة الاستحقاق. فإن كان يأخذه بالكتابة والغرامة فلا يزيد على مقدار الدين. وإن كان يأخذ بالعمل فلا يزيد على أجرة المثل. وإن أعطى زيادة أبى وامتنع إذ ليس المال للمعطي حتى يتبرع به. وإن كان مسافراً لم يزد على الزاد وكراء الدابة إلى مقصده. وإن كان غازياً لم يأخذ إلا ما يحتاج إليه للغزو خاصة من خيل وسلاح ونفقة. وتقدير ذلك بالاجتهاد وليس له حد، وكذا زاد السفر، والورع ترك ما يريبه إلى مالا يريبه. وإن أخذ بالمسكنة فلينظر أولاً إلى أثاث بيته وثيابه وكتبه هل فيها ما يستغنى عنه بعينه أو يستغنى عن نفاسته فيمكن أن يبدل بما يكفي ويفضل بعض قيمته؟ وكل ذلك إلى اجتهاده. وفيه طرف ظاهر يتحقق معه أنه مستحق وطرف آخر مقابل يتحقق معه أنه غير مستحق وبينهما أوساط مشتبهة، ومن حام حول الحمى يوشك أن يقع فيه، والاعتماد في هذا على قول الآخذ ظاهراً. والمحتاج في تقدير الحاجات مقامات في التضييق والتوسيع ولا تحصر مراتبه وميل الورع إلى التضييق وميل المتساهل إلى التوسيع حتى يرى نفسه محتاجاً إلى فنون من التوسع وهو ممقوت في الشرع. ثم إذا تحققت حاجته فلا يأخذن مالاً كثيراً بل ما يتمم كفايته من وقت أخذه إلى سنة. فهذا أقصى ما يرخص فيه من حيث أن السنة إذا تكررت تكررت أسباب الدخل. ومن حيث إن رسول الله صلى الله عليه وسلم ادخر لعياله قوت سنة فهذا أقرب ما يحد به حد الفقير والمسكين ولو اقتصر على حاجة شهره أو حاجة يومه فهو أقرب للتقوى. ومذاهب العلماء في قدر المأخوذ بحكم الزكاة والصدقة مختلفة فمن مبالغ في التقليل إلى حد أوجب الاقتصار على قدر قوت يومه وليلته وتمسكوا بما روى سهل بن الحنظيلية "أنه صلى الله عليه وسلم نهى عن السؤال مع الغنى فسئل عن غناه فقال صلى الله عليه وسلم غداؤه وعشاؤه" وقال آخرون: يأخذ إلى حد الغنى. حد الغنى نصاب الزكاة إذ لم يوجب الله تعالى الزكاة إلا على الأغنياء فقالوا له أن يأخذ بنفسه ولكل واحد من عياله نصاب زكاة. وقال آخرون: حد الغنى خمسون درهماً أو قيمتها من الذهب لما روى ابن مسعود أنه صلى الله عليه وسلم قال "من سال وله مال يغنيه جاء يوم القيامة وفي وجهه خموش فسئل وما غناء؟ قال خمسون درهماً أو قيمتها من الذهب" وقيل: رواية ليس بقوي وقال قوم: أربعون، لما رواه عطاء بن يسار منقطعاً أنه صلى الله عليه وسلم قال "من سأل وله أوقية فقد ألحف في السؤال" وبالغ آخرون في التوسيع فقالوا: له أن يأخذ مقداراً ما يشتري به ضيعة فيستغني به طول عمره أو يهيىء بضاعة ليتجر بها ويستغني بها طول عمره لأن هذا هو الغنى وقد قال عمر رضي الله عنه: إذا أعطيتم فأغنوا، حتى ذهب قوم إلى أن من افتقر فله أن يأخذ بقدر ما يعود به إلى مثل حاله ولو عشرة آلاف درهم إلا إذا خرج عن حد الاعتدال. ولما شغل أبو طلحة ببستانه عن الصلاة قال: جعلته صدقة. فقال صلى الله عليه وسلم "اجعله في قرابتك فهو خير لك" فأعطاه حسان وأبا قتادة. فحائط من نخل لرجلين كثير مغن وأعطى عمر رضي الله عنه أعرابياً ناقة معها ظئر لها، فهذا ما حكي فيه فأما التقليل إلى قوت اليوم أو الأوقية فذلك ورد في كراهية السؤال والتردد على الأبواب وذلك مستنكر وله حكم آخر، بل التجويز إلى أن يشتري ضيعة فسيتغني بها أقرب إلى الاحتمال وهو أيضاً مائل إلى الإسراف. والأقرب إلى الاعتدال كفاية سنة فما وراءه فيه خطر وفيما دونه تضييق. وهذه الأمور إذا لم يكن فيها تقدير جزم بالتوقيف فليس للمجتهد إلا الحكم بما يقع له. ثم يقال للورع "استفت قلبك وإن أفتوك وأفتوك" كما قاله صلى الله عليه وسلم إذ الإثم حزاز القلوب، فإذا وجد القابض في نفسه شيئاً مما يأخذه فليتق الله فيه ولا يترخص تعللاً بالفتوى من علماء الظاهر فإن لفتواهم قيوداً ومطلقات من الضرورات، وفيها تخمينات واقتحام شبهات. والتوقي من الشبهات من شيم ذوي الدين وعادات السالكين لطريق الآخرة الخامسة أن يسأل صاحب المال عن قدر الواجب عليه فإن كان ما يعطيه فوق الثمن فلا يأخذه منه فإنه لا يستحق مع شريكه إلا الثمن فلينقص من الثمن مقدار ما يصرف إلى اثنين من صنفه. وهذا السؤال واجب على أكثر الخلق فإنهم لا يراعون هذه القسمة إما لجهل وإما لتساهل، وإنما يجوز ترك السؤال عن مثل هذه الأمور إذا لم يغلب على الظن احتمال التحريم. وسيأتي ذكر مظان السؤال ودرجة الاحتمال في كتاب الحلال والحرام إن شاء الله تعالى.

[align=center]الفصل الرابع
في صدقة التطوع وفضلها وآداب أخذها وإعطائها
بيان فضيلة الصدقة
[/align]


من الأخبار: قوله صلى الله عليه وسلم "تصدقوا ولو بتمرة فإنها تسد من الجائع وتطفىء الخطيئة كما يطفىء الماء النار" وقال صلى الله عليه وسلم "اتقوا النار ولو بشق تمرة فإن لم تجدوا فبكلمة طيبة" وقال صلى الله عليه وسلم "ما من عبد مسلم يتصدق بصدقة من كسب طيب ولا يقبل الله إلا طيباً إلا كان اللهه آخذها بيمينه فيربيها كما يربي أحدكم فصيله حتى تبغل الثمرة مثل أحد" وقال صلى الله عليه وسلم لأبي الدرداء "إذا طبخت مرقة فأكثر ماءها ثم انظر إلى أهل بيت من جيرانك فأصبههم منه بمعروف" وقال صلى الله عليه وسلم "كل امرىء في ظل صدقته حتى يقضى بين الناس" وقال صلى الله عليه وسلم "الصدقة تسد سبعين باباً من الشر" وقال صلى الله عليه وسلم "صدقة السر تطفىء غضب الرب عز وجل وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم "ما الذي أعطى من سعة بأفضل أجراً من الذي يقبل من حاجة" ولعل المراد به الذي يقصد من دفع حاجته التفرغ للدين فيكون مساوياً للمعطي الذي يقصد بإعطائه عمارة دينه. وسئل رسول الله صلى الله عليه وسلم "أي الصدقة أفضل؟ قال: أن تصدق وأنت صحيح تأمل البقاء وتخشى الفاقة ولا تمهل حتى إذا بلغت الحلقوم قلت لفلان كذا ولفلان كذا وقد كان لفلان" وقد قال صلى الله عليه وسلم يوماً لأصحابه "تصدقوا فقال رجل إن عندي ديناراً فقال أنفقه على نفسك فقال: إن عندي آخر قال أنفقه على زوجتك قال إن عندي آخر قال أنفقه على ولدك قال إن عندي آخر قال أنفقه على خادمك قال إن عندي آخر قال صلى الله عليه وسلم أنت أبصر به" وقال صلى الله عليه وسلم "لا تحل الصدقة لآل محمد إنما هي أوساخ الناس" وقال "ردوا مذمة السائل ولو بمثل رأس الطائر من الطعام" وقال صلى الله عليه وسلم "لو صدق السائل ما أفلح من رده" وقال عيسى عليه السلام. من رد سائلاً خائباً من بيته لم تغش الملائكة ذلك البيت سبعة أيام وكان نبينا صلى الله عليه وسلم لا يكل خصلتين إلى غيره كان يضع طهوره بالليل ويخمره وكان يناول المسكين بيده" وقال صلى الله عليه وسلم "ليس المسكين الذي ترده التمرة والتمرتان واللقمة واللقمتان إنما المسكين المتعفف اقرءوا إن شئتم لا يسألون الناس إلحافاً" وقال صلى الله عليه وسلم "ما من مسلم يكسو مسلماً غلا كان في حفظ الله عز وجل مادامت عليه منه رقعة". الآثار: قال عروة بن الزبير لقد تصدقت عائشة رضي الله عنها بخمسين ألفاً وإن درعها لمرقع وقال مجاهد في قول الله عز وجل "ويطعمون الطعام على حبه مسكيناً ويتيماً وأسيراً" فقال: وهم يشتهونه وكان عمر رضي الله عنه يقول: اللهم اجعل الفضل عند خيارنا لعلهم يعودون به على ذوي الحاجة منا. وقال عمر عبد العزيز: الصلاة تبلغك نصف الطريق والصوم يبلغك باب الملك والصدقة تدخلك عليه. وقال ابن أبي الجعد: إن الصدقة لتدفع سبعين باباً من السوء وفضل سرها على علانيتها بسبعين ضفعاً وإنها لتفك لحيى سبعين شيطاناً. وقال ابن مسعود: إن رجلاً عبد الله سبعين سنة ثم أصاب فاحشة فأحبط عمله ثم مر بمسكين فتصدق عليه برغيف فغفر الله له ذنبه ورد عليه عمل السبعين سنة. وقال لقمان لابنه: إذا أخطأت خطيئة فأعط الصدقة. وقال يحيى بن معاذ ما أعرف حبة تزن جبال الدنيا إلا الحبة من الصدقة. وقال عبد العزيز بن أبي رواد: كان يقال ثلاثة من كنوز الجنة كتمان المرض وكتمان الصدقة وكتمان المصائب. وروى مسنداً وقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: إن الأعمال تباهت فقالت الصدقة أنا أفضلكن. وكان عبد الله بن عمر يتصدق بالسكر ويقول سمعت الله يقول "لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون" والله يعلم أني أحب السكر. وقال النخعي: إذا كان الشيء لله عز وجل لا يسرني أن يكون فيه عيب. وقال عبيد بن عمير: يحشر الناس يوم القيامة أجوع ما كانوا قط وأعطش ما كانوا قط وأعرى ما كانوا قط، فمن أطعم لله عز وجل أشبعه الله ومن سقى لله عز وجل سقاه الله ومن كسا لله عز وجل كساه الله، وقال الحسن: لو شاء الله لجعلكم أغنياء لا فقير فيكم ولكنه ابتلى بعضكم ببعض. وقال الشعبي: من لم ير نفسه إلى ثواب الصدقة أحوج من الفقير إلى صدقته فقد أبطل صدقته وضرب بها وجهه. وقال مالك: لا نرى بأساً بشرب المؤمن من الماء الذي يتصدق به ويسقى في المسجد لأنه إنما جعل للعطشان من كان، ولم يرد به أهل الحاجة والمسكنة على الخصوص ويقال: إن الحسن مر به نخاس ومعه جارية فقال للنخاس أترضى في ثمنها الدرهم والدرهمين؟ قال: لا، قال فاذهب فإن الله عز وجل رضي في الحور العين بالفلس واللقمة.
بيان إخفاء الصدقة وإظهارها قد اختلف طريق طلاب الإخلاص في ذلك فمال قوم إلى أن الإخفاء أفضل ومال قوم إلى أن الإظهار أفضل ونحن نشير إلى ما في كل واحد من المعاني والآفات ثم نكشف الغطاء عن الحق فيه.
أما الإخفاء ففيه خمسة معان الأول أنهه أبقى للستر على الآخذ فإن أخذه ظاهراً هتك لستر المروءة وكشف عن الحاجة وخروج عن هيئة التعفف والتصون المحبوب الذي يحسب الجاهل أهله أغنياء من التعفف. الثاني أنه أسلم لقلوب الناس وألسنتهم فإنهم ربما يحسدون أن ينكرون عليه أخذه ويظنون أنه آخذ مع الاستغناء أو ينسبونه إلى أخذ زيادة. والحسد وسوء الظن والغيبة من الذنوب الكبائر وصيانتهم عن هذه الجرائم أولى. وقال أبو أيوب السختياني: إني لأترك لبس الثوب الجديد خشية أن يحدث في جيراني حسداً. وقال بعض الزهاد: ربما تركت استعمال الشيء لأجل إخواني يقولون من أين له هذا؟ وعن إبراهيم التيمي: أنه رؤي عليه قميص جديد فقال بعض إخوانه من أين لك هذا؟ فقال كسانيه أخي خيثمة ولو علمت أن أهله علموا به ما قبلته. الثالث إعانة المعطي على إسرار العمل فإن فضل السر على الجهر في الإعطاء أكثر والإعانة على إتمام المعروف معروف، والكتمان لا يتم إلا باثنين فمهما أظهر هذا انكشف أمر المعطي. ودفع رجل إلى بعض العلماء شيئاً ظاهراً فرده إليه ودفع إليه آخر شيئاً في السر فقبله، فقيل له في ذلك فقال: إن هذا عمل الأدب في إخفاء معروفه فقبلته وذاك أساء أدبه في عمله فرددته عليه وأعطى رجل لبعض الصوفية شيئاً في الملأ فرده فقال له: لم ترد على الله عز وجل ما أعطاك؟ فقال: إنك أشركت غير الله سبحانه فيما كان لله تعالى ولم تقنع بالله عز وجل فرددت عليك شركك. وقبل بعض العارفين في السر شيئاً كان رده في العلانية فقيل له في ذلك؛ فقال عصيت الله بالجهر فلم أك عوناً لك على المعصية وأطعته بالإخفاء فأعنتك على برك. وقال الثوري: لو علمت أن أحدهم لا يذكر صدقة ولا يتحدث بها لقبلت صدقته. الرابع أن في إظهار الأخذ ذلاً وامتهاناً وليس للمؤمن أن يذل نفسه. كان بعض العلماء يأخذ في السر ولا يأخذ في العلانية ويقول: إن في إظهاره إذلالاً للعلم وامتهاناً لأهله فما كنت بالذي أرفع شيئاً من الدنيا بوضع العلم وإذلال أهله الخامس الاحتراز عن شبهة الشركة قال صلى الله عليه وسلم "من أهدي له هدية وعنده قوم فهم شركاؤه فيها" وبأن يكون ورقاً أو ذهباً لا يخرج عن كونه هدية قال صلى الله عليه وسلم "أفضل ما يهدي الرجل إلى أخيه ورقاً أو يطعمه خبزاً" فجعل الورق هدية بانفراده فما يعطى في الملأ مكروه إلا برضا جميعهم ولا يخلو عن شبهة، فإذا انفرد سلم من هذه الشبهة.
أما الإظهار والتحدث به ففيه معان أربعة الأول الإخلاص والصدق والسلامة عن تلبيس الحال والمراءاة والثاني إسقاط الجاه والمنزلة وإظهار العبودية والمسكنة والتبري عن الكبرياء ودعوى الاستغناء وإسقاط النفس من أعين الخلق. قال بعض العارفين لتلميذه: أظهر الأخذ على كل حال إن كنت آخذ فإنك لا تخلو عن أحد رجلين: رجل تسقط من قلبه إذا فعلت ذلك فذلك هو المراد لأنه أعلم لدينك وأقل لآفات نفسك، أو رجل تزداد في قلبه بإظهارك الصدق فذلك الذي يريده أخوك لأنه يزداد ثواباً بزيادة حبه لك وتعظيمه إياك فتؤجر أنت إذ كنت سبب مزيد ثوابه. الثالث هو أن العارف لا نظر له إلا إلى الله عز وجل والسر والعلانية في حقه واحد فاختلاف الحال شرك في التوحيد. قال بعضهم: كنا لا نعبأ بدعاء من يأخذ في السر ويرد في العلانية. والالتفات إلى الخلق حضروا أم غابوا نقصان في الحال، بل ينبغي أن يكون النظر مقصور على الواحد الفرد. حكي أن بعض الشيوخ كان كثير الميل إلى واحد من جملة المريدين فشق على الآخرين فأراد أن يظهر لهم فضيلة ذلك المريد، فأعطى كل واحد منهم دجاجة وقال: لينفرد كل واحد منكم بها وليذبحها حيث لا يراه أحد. فانفرد كل واحد وذبح إلا ذلك المريد فإنه رد الدجاجة، فسألهم فقالوا: فعلنا ما أمرنا به الشيخ، فقال الشيخ للمريد: مالك لم تذبح كما ذبح أصحابك؟ فقال ذلك المريد. لم أقدر على مكان لا يراني فيه أحد فإن الله يراني في كل موضع، فقال الشيخ: لهذا أميل إليه لأنه لا يلتفت لغير الله عز وجل. الرابع أن الإظهار إقامة لسنة الشكر وقد قال تعالى "وأما بنعمة ربك فحدث" والكتمان كفران النعمة وقد ذم الله عز وجل من كتم ما آتاه الله عز وجل وقرنه بالبخل فقال تعالى "الذين يبخلون ويأمرون الناس بالبخل ويكتمون ما آتاهم الله من فضله" وقال صلى الله عليه وسلم "إذا أنعم الله على عبد نعمة أحب أن ترى نعمته عليه" وأعطى رجل بعض الصالحين شيئاً في السر فرفع به يده وقال: هذا من الدنيا والعلانية فيها أفضل والسر في أمور الآخرة أفضل. ولذلك قال بعضهم. إذا أعطيت في الملأ فخذ ثم اردد في السر والشكر فيه محثوث عليه. قال صلى الله عليه وسلم "من لم يشكر الناس لم يشكر الله عز وجل" والشكر قائم مقام المكافأة حتى قال صلى الله عليه وسلم "من أسدى إليكم معروفاً فكافئوه فإن لم تستطيعوا فأثنوا عليه به خيراً وادعوا له حتى تعلموا أنكم قد كافأتموه" ولما قال المهاجرون في الشكر "يا رسول الله ما رأينا خيراً من قوم نزلنا عندهم قاسمونا الأموال حتى خفنا أن يذهبوا بالأجر كله فقال صلى الله عليه وسلم كل ما شكرتم لهم وأثنيتم عليهم به فهو مكافأة".
فالآن إذا عرفت هذه المعاني فاعلم أن ما نقل من اختلاف الناس فيه ليس اختلافاً في المسئلة بل هو اختلاف حال، فكشف الغطاء في هذا أنا لا نحكم حكماً بتاً بأن الإخفاء أفضل في كل حال أو الإظهار أفضل بل يختلف ذلك باختلاف النيات وتختلف النيات باختلاف الأحوال والأشخاص. فينبغي أن يكون المخلص مراقباً لنفسه حتى لا يتدلى بحبل الغرور ولا ينخدع بتلبيس الطبع ومكر الشيطان والمكر والخداع أغلب في معاني الإخفاء منه في الإظهار مع أن له دخلاً في كل واحد منهما. فأما مدخل الخداع في الإسرار فمن ميل الطبع إليه لما فيه من في خفض الجاه والمنزلة وسقوط القدر عن أعين الناس ونظر الخلق إليه بعين الازدراء وإلى المعطي بعين المنعم المحسن فهذا هو الداء الدفين ويستكن في النفس. والشيطان بواسطته يظهر معاني الخير حتى يتعلل بالمعاني الخمسة التي ذكرناها. ومعيار كل ذلك ومحكه أمر واحد وهو أن يكون تألمه بانكشاف أخذه الصدقة كتألمه بانكشاف صدقة أخذها بعض نظرائه وأمثاله، فإنه إن كان يبغي صيانة الناس عن الغيبة والحسد وسوء الظن أو يتقي انتهاك الستر أو إعانة المعطي على الإسرار أو صيانة العلم عن الابتذال فكل ذلك مما يحصل بانكشاف صدقة أخيه، فإن كان انكشاف أمره أثقل عليه من انكشاف أمر غيره فتقديره الحذر من هذه المعاني أغاليظ وأباطيل من مكر الشيطان وخدعه، فإن إذلال العلم محذور من حيث إنه علم لا من حيث إنه علم زيد أو علم عمرو. والغيبة محذورة من حيث إنها تعرض لعرض مصون لا من حيث إنها تعرض لعرض زيد على الخصوص ومن أحسن من ملاحظة مثل هذا ربما يعجز الشيطان عنه وإلا فلا يزال كثير العمل قليل الحظ. وأما جانب الإظهار فميل الطبع إليه من حيث إنه تطييب لقلب المعطي واستحثاث له على مثله وإظهاره عند غيره أنه من المبالغين في الشكر حتى يرغبوا في إكرامه وتفقده وهذا داء دفين في الباطن، والشيطان لا يقدر على المتدين إلا بأن يروج عليه هذا الخبث في معرض السنة ويقول له الشكر من السنة والإخفاء من الرياء ويورد عليه المعاني التي ذكرناها ليحمله على الإظهار وقصده الباطن ما ذكرناه ومعيار ذلك ومحكه أن ينظر إلى ميل نفسه إلى الشكر حيث لا ينتهي الخبر إلى المعطي ولا إلى من يرغب في عطائه؛ وبين يدي جماعة يكرهون إظهار العطية ويرغبون في إخفائها وعادتهم أنهم لا يعطون غلا من يخفي ولا يشكر. فإن استوت هذه الأحوال عنده فليعلم أن باعثه هو إقامة السنة في الشكر والتحدث بالنعمة وإلا فهو مغرور. ثم إذا علم أن باعثه السنة في الشكر فلا ينبغي أن يغفل عن قضاء حق المعطي فينظر فإن كان هو ممن يحب الشكر والنشر فينبغي أن يخفى ولا يشكر، لأن قضاء حقه أن لا ينصره على الظلم وطلبه الشكر ظلم. وإذا علم من حاله أنه لا يحب الشكر ولا يقصده فعند ذلك يشكره ويظهر صدقته. ولذلك قال صلى الله عليه وسلم للرجل الذي مدح بين يديه "ضربتم عنقه لو سمعها ما أفلح" مع أنه صلى الله عليه وسلم كان يثني على قوم في وجوههم لثقته بيقينهم وعلمه بأن ذلك لا يضرهم بل يزيد في رغبتهم في الخير فقال لواحد "إنه سيد أهل الوبر" وقال صلى الله عليه وسلم في آخر "إذا جاءكم كريم قوم فأكرموه" وسمع كلام رجل فأعجبه فقال صلى الله عليه وسلم "إن من البيان لسحراً" وقال صلى الله عليه وسلم "إذا علم أحدكم من أخيه خيراً فليخبره فإنه يزداد رغبة في الخير" وقال صلى الله عليه وسلم "إذا مدح المؤمن ربا الإيمان في قلبه" وقال الثوري: من عرف نفسه لم يضره مدح الناس. وقال أيضاً ليوسف بن أسباط: إذا أوليتك معروفاً كنت أنا أسر به منك ورأيت ذلك نعمة من الله عز وجل علي فاشكر وإلا فلا تشكر. ورقائق هذه المعاني ينبغي أن يلحظها من يراعي قلبه فإن أعمال الجوارح مع إهمال هذه الدقائق ضحكة للشيطان وشماته له لكثرة التعب وقلة النفع، ومثل هذا العلم هو الذي يقال فيه: إن تعلم مسألة واحدة منه أفضل من عبادة سنة إذ بهذا العلم تحيا عبادة العمل وبالجهل به تموت عبادة العمل كله وتتعطل. وعلى الجملة فالأخذ في الملأ والرد في السر أحسن المسالك وأسلمها، فلا ينبغي أن يدفع بالتزويقات إلا أن تكمل المعرفة بحيث يستوي السر والعلانية وذلك هو الكبريت الأحمر الذي يتحدث به ولا يرى. نسأل الله الكريم حسن العون والتوفيق.

بيان الأفضل من أخذ الصدقة أو الزكاة كان إبراهيم الخواص والجنيد وجماعة يرون أن الأخذ من الصدقة أفضل فإن في أخذ الزكاة مزاحمة للمساكين وتضييقاً عليهم ولأنه ربما لا يكمل في أخذه صفة الاستحقاق كما وصف في الكتاب العزيز وأما الصدقة فالأمر فيها أوسع. وقال قائلون: بأخذ الزكاة دون الصدقة لأنها إعانة على الواجب. ولو ترك المساكين كلهم أخذ الزكاة لأثموا: ولأن الزكاة لا منة فيها وإنما هو حق واجب لله سبحانه رزقاً لعباده المحتاجين. ولأنه أخذ بالحاجة والإنسان يعلم حاجة نفسه قطعاً. وأخذ الصدقة أخذ بالدين فإن الغالب أن المتصدق يعطي من يعتقد فيه خيراً؛ ولأن مرافقة المساكين أدخل في الذل والمسكنة وأبعد من التكبر؛ إذ قد يأخذ الإنسان الصدقة في معرض الهدية فلا تتميز عنه؛ وهذا تنصيص على ذل الآخذ وحاجته. والقول الحق في هذا يختلف بأحوال الشخص وما يغلب عليه وما يحضره من النية فإن كان في شبهة من اتصافه بصفة الاستحقاق فلا ينبغي أن يأخذ الزكاة. فإذا علم أنه مستحق قطعاً إذا حصل عليه دين صرفه إلى خير وليس له وجه في قضائه فهو مستحق قطعاً. إذا خير هذا بين الزكاة وبين الصدقة فإذا كان صاحب الصدقة لا يتصدق بذلك المال لو لم يأخذه هو فليأخذ الصدقة؛ فإن الزكاة الواجبة يصرفها صاحبها إلى مستحقها ففي ذلك تكثير للخير وتوسيع على المساكين. وإن كان المال معرضاً للصدقة ولم يكن في أخذ الزكاة تضييق على المساكين فهو مخير والأمر فيهما يتفاوت. وأخذ الزكاة أشد في كسر النفس وإذلالها في أغلب الأحوال والله أعلم.
كمل كتاب أسرار الزكاة بحمد الله وعونه وحسن توفيقه؛ ويتلوه إن شاء الله تعالى كتاب أسرار الصوم والحمد لله رب العالمين وصلى الله على سيدنا محمد وعلى جميع الأنبياء والمرسلين وعلى الملائكة والمقربين من أهل السموات والأرضين وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً دائماً إلى يوم الدين والحمد لله وحده وحسبنا الله ونعم الوكيل.


[saa]يتبع بإذن الله[/saa]

_________________

يا خير من دفنت في التراب أعظمه فطاب من طيبهن القاع الأكم
نفسي الفداء لقبر أنت ساكنه فيه العفاف وفيه الجود والكرم
أنت الشفيع الذي ترجى شفاعته عند الصراط إذا ما زلّت القدم


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة:
مشاركة غير مقروءةمرسل: الخميس سبتمبر 22, 2005 4:19 pm 
غير متصل

اشترك في: السبت فبراير 21, 2004 10:56 pm
مشاركات: 1245
مكان: يا رب مع الحبيب و آله صلى الله عليه و آله وصحبه وسلم
[align=center]كتاب أسرار الصوم
بسم الله الرحمن الرحيم
[/align]

الحمد لله الذي أعظم على عباده المنة، بما دفع عنهم كيد الشيطان وفنه، ورد أمله وخيب ظنه؛ إذ جعل الصوم حصناً لأوليائه وجنة، وفتح لهم به أبواب الجنة، وعرفهم أن وسيلة الشيطان إلى قلوبهم الشهوات المستكنة، وإن بقمعها تصبح النفس المطمئنة ظاهرة الشوكة في قصم خصمها قوية المنة، والصلاة على محمد قائد الخلق وممهد السنة وعلى آله وأصحابه ذوي الأبصار الثاقبة والعقول المرجحنة وسلم تسليماً كثيراً. أما بعد: فإن الصوم ربع الإيمان بمقتضى قوله صلى الله عليه وسلم "الصوم نصف الصبر" وبمقتضى قوله صلى الله عليه وسلم "الصبر نصف الإيمان" ثم هو متميز بخاصية النسبة إلى الله تعالى من بين سائر الأركان إذ قال الله تعالى فيما حكاه عنه نبيه صلى الله عليه وسلم "كل حسنة بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف إلا الصيام فإنه لي وأنا أجزي به" وقد قال الله تعالى "إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب" والصوم نصف الصبر فقفد جاوز ثوابه قانون التقدير والحساب وناهيك في معرفة فضله قوله صلى الله عليه وسلم "والذي نفسي بيده لخلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك يقول الله عز وجل إنما يذر شهوته وطعامه وشرابه لأجلي فالصوم لي وأنا أجزي به" وقال صلى الله عليه وسلم "للجنة باب يقال له الريان لا يدخله إلا الصائمون وهو موعود بلقاء الله تعالى في جزء صومه" وقال صلى الله عليه وسلم "للصائم فرحتان فرحة عند إفطاره وفرحة عند لقاء ربه" وقال صلى الله عليه وسلم "لكل شيء باب وباب العبادة الصوم" وقال صلى الله عليه وسلم "نوم الصائم عبادة" وروي أبو هريرة رضي الله عنه "أنه صلى الله عليه وسلم قال: إذا دخل شهر رمضان فتحت أبواب الجنة وغلقت أبواب النار وصفدت الشياطين ونادى مناد يا باغي الخير هلم ويا باغي الشر أقصر" وقال وكيع في قوله تعالى "كلوا واشربوا هنيئاً بما أسلفتم في الأيام الخالية" هي أيام الصيام إذ تركوا فيها الأكل والشرب وقد جمع رسول الله صلى الله عليه وسلم في رتبة المباهاة بين الزهد في الدنيا وبين الصوم فقال "إن الله تعالى يباهي ملائكته بالشاب العابد فيقول: أيها الشاب التارك شهوته لأجلي المبذل شبابه لي أنت عندي كبعض ملائكتي" وقال صلى الله عليه وسلم في الصائم "يقول الله عز وجل: انظروا يا ملائكتي إلى عبدي ترك شهوته ولذته وطعامه وشرابه من أجلي" وقيل في قوله تعالى "فلا تعلم نفس ما أخفي لهم من قرة أعين جزاء بما كانوا يعملون" قيل كان عملهم الصيام لأنه قال "إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب" فيفرغ للصائم جزاؤه إفراغاً ويجازف جزافاً فلا يدخل تحت وهم وتقدير، وجدير بأن يكون كذلك لأن الصوم إنما كان له ومشرفاً بالنسبة إليه وإن كانت العبادات كلها له كما شرف البيت بالنسبة إلى نفسه والأرض كلها له لمعنيين؛ أحدهما: أن الصوم كف وترك وهو في نفسه سر ليس فيه عمل يشاهد. وجميع أعمال الطاعات بمشهد من الخلق ومرأى والصوم لا يراه إلا الله عز وجل فإنه عمل في الباطن بالصبر المجرد. والثاني: أنه قهر لعدو الله عز وجل فإن وسيلة الشيطان لعنة الله الشهوات؛ وإنما تقوى الشهوات بالأكل والشرب. ولذلك قال صلى الله عليه وسلم "إن الشيطان ليجري من ابن آدم مجرى الدم فضيقوا مجاريه بالجوع" ولذلك قال صلى الله عليه وسلم لعائشة رضي الله عنها "داومي قرع باب الجنة؛ قالت: بماذا؟ قال صلى الله عليه وسلم: بالجوع" - وسيأتي فضل الجوع في كتاب: شره الطعام - وعلاجه من ربع المهلكات - فلما كان الصوم على الخصوص قمعاً للشيطان وسداً لمسالكه وتضييقاً لمجاريه استحق التخصيص بالنسبة إلى الله عز وجل ففي قمع عدو الله نصرة لله سبحانه وناصر الله تعالى موقوف على النصرة له قال الله تعالى "إن تنصروا الله ينصركم ويثبت أقدامكم" فالبداية بالجهد من العبد والجزاء بالهداية من الله عز وجل ولذلك قال تعالى "والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا" وقال تعالى "إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم" وإنما التغير تكثير الشهوات فهي مرتع الشياطين ومرعاهم فما دامت مخصبة لم ينقطع ترددهم وما داموا يترددون لم ينكشف للعبد جلال الله سبحانه وكان محجوباً عن لقائه. وقال صلى الله عليه وسلم "لولا أن الشياطين يحومون على قلوب بني آدم لنظروا إلى ملكوت السموات" فمن هذا الوجه صار الصوم باب العبادة وصار جنة وإذا عظمت فضيلته إلى هذا الحد فلابد من بيان شروطه الظاهرة والباطنة بذكر أركانه وسننه وشروطه الباطنة، ونبين ذلك بثلاثة فصول.

[align=center]الفصل الأول
في الواجبات والسنن الظاهرة واللوازم بإفساده
[/align]


أما الواجبات الظاهرة فستة

الأول مراقبة أول شهر رمضان وذلك برؤية الهلال فإن غم فاستكمال ثلاثين يوماً من شعبان. ونعني بالرؤية العلم ويحصل ذلك بقول عدل واحد. ولا يثبت هلال شوال إلا بقول عدلين احتياطاً للعبادة. ومن سمع عدلاً ووثق بقوله وغلب على ظنه صدقه لزمه الصوم وإن لم يقض القاضي به فليتبع كل عبد في عبادته موجب ظنه، وإذا رؤي الهلال ببلدة ولم ير بأخرى وكان بينهما أقل من مرحلتين وجب الصوم على الكل، وإن كان أكثر كان لكل بلدة حكمها ولا يتعدى الوجوب الثاني النية: ولابد لكل ليلة من نية مبينة معينة جازمة فلو نوى أن يصوم شهر رمضان دفعة واحدة لم يكفه، وهو الذي عنينا بقولنا بيتة ولو نوى الصوم مطلقاً أو الفرض مطلقاً لم يجزه حتى ينوي فريضة الله عز وجل صوم رمضان ولو نوى ليلة الشك أن يصوم غداً إن كان من رمضان لم يجزه فإنها ليست جازمة إلا أن تستند نيته إلى قول شاهد عدل، واحتمال غلط العدل أو كذبه لا يبطل الجزم أو يستند إلى استصحاب حال كالشك في الليلة الأخيرة من رمضان، فذلك لا يمنع جزم النية أو يستند إلى اجتهاد كالمحبوس في المطمورة إذا غلب على ظنه دخول رمضان باجتهاده فشكه لا يمنعه من النية. ومهما كان شاكاً ليلة الشك لم ينفعه جزمه النية باللسان فإن النية محلها القلب. ولا يتصور فيه جزم القصد مع الشك كما لو قال في وسط رمضان: أصوم غداً إن كان من رمضان فإن ذلك لا يضره لأنه ترديد لفظه ومحل النية لا يتصور فيه تردد بل هو قاطع بأنه من رمضان: ومن نوى ليلاً ثم أكل لم تفسد نيته ولو نوت امرأة في الحيض ثم طهرت قبل الفجر صح صومها الثالث الإمساك عن إيصال شيء إلى الجوف عمداً مع ذكر الصوم فيفسد صومه بالأكل والشرب والسعوط والحقنة. ولا يفسد بالفصد والحجامة والاكتحال وإدخال الميل في الأذن والإحليل إلا أن يقطر فيه ما يبلغ المثانة وما يصل بغير قصد من غبار الطريق أو ذبابة تسبق إلى جوفه أو ما يسبق إلى جوفه في المضمضة، فلا يفطر إلا إذا بالغ في المضمضة فيفطر لأنه مقصر وهو الذي أردنا بقولنا عمادً فأما ذكر الصوم فأردنا به الاحتراز عن الناسي فإنه لا يفطر. أما من أكل عامداً في طرفي النهار ثم ظهر له أنه أكل نهاراً بالتحقيق فعليه القضاء. وإن بقي على حكم ظنه واجتهاده فلا قضاء عليه ولا ينبغي أن يأكل في طرفي النهار إلا بنظر واجتهاد. الرابع الإمساك عن الجماع: وحده مغيب الحشفة وإن جامع ناسياً لم يفطر وإن جامع ليلاً أو احتلم فأصبح جنباً لم يفطر وإن طلع الفجر وهو مخالط أهله فنزع في الحال صح صومه فإن صبر فسد ولزمته الكفارة. الخامس الإمساك عن الاستمناء: وهو إخراج المني قصداً بجماع أو بغير جماع فإن ذلك يفطر ولا يفطر بقبلة زوجته ولا بمضاجعتها ما لم ينزل لكن يكره ذلك إلا أن يكون شيخاً أو مالكاً لإربه، فلا بأس بالتقبيل وتركه أولى. وإذا كان يخاف من التقبيل أن ينزل فقبل وسبق المني أفطر لتقصيره. السادس الإمساك عن إخراج القيء فالاستقاء يفسد الصوم وإن ذرعه القيء لم يفسد صومه، وإذا ابتلع نخامة حلقه أو صدره لم يفسد صومه رخصة لعموم البلوى به إلا أن يبتلعه بعد وصوله إلى فيه فإنه يفطر عند ذلك.

وأما لوازم الإفطار فأربعة

القضاء والكفارة والفدية وإمساك بقية النهار تشبيهاً بالصائمين. أما القضاء: فوجوبه عام على كل مسلم مكلف ترك الصوم بعذر أو بغير عذر، فالحائض تقضي الصوم وكذا المرتد. وأما الكافر والصبي والمجنون فلا قضاء عليهم ولا يشترط التتابع في قضاء رمضان ولكن يقضي كيف شاء متفرقاً ومجموعاً.
وأما الكفارة: فلا تجب إلا بالجماع. وأما الاستمناء والأكل والشرب وما عدا الجماع لا يجب به كفارة فالكفارة عتق رقبة فإن أعسر فصوم شهرين متتابعين وإن عجز فإطعام ستين مسكيناً مداً مداً.

وأما إمساك بقية النهار: فيجب على من عصى بالفطر أو قصر فيه. ولا يجب على الحائض إذا طهرت إمساك بقية نهارها ولا على المسافر إذا قدم مفطراً من سفر بلغ مرحلتين. ويجب الإمساك إذا شهد بالهلال عدل واحد يوم الشك. والصوم في السفر أفضل من الفطر إلا إذا لم يطق ولا يفطر يوم يخرج وكان مقيماً في أوله ولا يوم يقدم إذا قدم صائماً.
وأما الفدية: فتجب على الحامل والمرضع إذا أفطرتا خوفاً على ولديهما، لكل يوم مد حنطة لمسكين واحد مع القضاء والشيخ الهرم إذا لم يصم تصدق عن كل يوم مداً.
وأما السنن فست: تأخير السحور؛ وتعجيل الفطر بالتمر أو الماء قبل الصلاة، وترك السواك بعد الزوال، والجود في شهر رمضان لما سبق من فضائله في الزكاة، ومدارسة القرآن، والاعتكاف في المسجد، لاسيما في العشر الأخير فهو عادة رسول الله صلى الله عليه وسلم "كان إذا دخل العشر الأواخر طوى الفراش وشد المئزر ودأب وأدأب أهله" أي أداموا النصب في العبادة إذ فيها ليلة القدر والأغلب أنها في أوتارها وأشبه الأوتار ليلة إحدى وثلاث وخمس وسبع. والتتابع في هذا الاعتكاف أولى فإن نذر اعتكافاً متتابعاً أو نواه انقطع تتابعه بالخروج من غير ضرورة؛ كما لو خرج لعيادة أو شهادة أو جنازة أو زيارة أو تجديد طهارة، وإن خرج لقضاء الحاجة لم ينقطع. وله أن يتوضأ في البيت. ولا ينبغي أن يعرج على شغل آخر "كان صلى الله عليه وسلم لا يخرج إلا لحاجة الإنسان ولا يسأل عن المريض إلا ماراً" ويقطع التتابع بالجماع ولا ينقطع بالتقبيل. ولابأس في المسجد بالطيب وعقد النكاح وبالأكل والنوم وغسل اليد في الطست فكل ذلك قد يحتاج إليه في التتابع. ولا ينقطع التتابع بخروج بعض بدنه "كان صلى الله عليه وسلم يدني رأسه فترجله عائشة رضي الله عنها وهي في الحجرة" ومهما خرج المعتكف لقضاء حاجته فإذا عاد ينبغي أن يستأنف النية إلا إذا كان قد نوى أولاً عشرة أيام مثلاً. والأفضل مع ذلك التجديد.



[saa]يتبع بإذن الله[/saa]

_________________

يا خير من دفنت في التراب أعظمه فطاب من طيبهن القاع الأكم
نفسي الفداء لقبر أنت ساكنه فيه العفاف وفيه الجود والكرم
أنت الشفيع الذي ترجى شفاعته عند الصراط إذا ما زلّت القدم


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة:
مشاركة غير مقروءةمرسل: الخميس سبتمبر 22, 2005 4:20 pm 
غير متصل

اشترك في: السبت فبراير 21, 2004 10:56 pm
مشاركات: 1245
مكان: يا رب مع الحبيب و آله صلى الله عليه و آله وصحبه وسلم
[align=center]كتاب أسرار الصوم
بسم الله الرحمن الرحيم
[/align]

الحمد لله الذي أعظم على عباده المنة، بما دفع عنهم كيد الشيطان وفنه، ورد أمله وخيب ظنه؛ إذ جعل الصوم حصناً لأوليائه وجنة، وفتح لهم به أبواب الجنة، وعرفهم أن وسيلة الشيطان إلى قلوبهم الشهوات المستكنة، وإن بقمعها تصبح النفس المطمئنة ظاهرة الشوكة في قصم خصمها قوية المنة، والصلاة على محمد قائد الخلق وممهد السنة وعلى آله وأصحابه ذوي الأبصار الثاقبة والعقول المرجحنة وسلم تسليماً كثيراً. أما بعد: فإن الصوم ربع الإيمان بمقتضى قوله صلى الله عليه وسلم "الصوم نصف الصبر" وبمقتضى قوله صلى الله عليه وسلم "الصبر نصف الإيمان" ثم هو متميز بخاصية النسبة إلى الله تعالى من بين سائر الأركان إذ قال الله تعالى فيما حكاه عنه نبيه صلى الله عليه وسلم "كل حسنة بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف إلا الصيام فإنه لي وأنا أجزي به" وقد قال الله تعالى "إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب" والصوم نصف الصبر فقفد جاوز ثوابه قانون التقدير والحساب وناهيك في معرفة فضله قوله صلى الله عليه وسلم "والذي نفسي بيده لخلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك يقول الله عز وجل إنما يذر شهوته وطعامه وشرابه لأجلي فالصوم لي وأنا أجزي به" وقال صلى الله عليه وسلم "للجنة باب يقال له الريان لا يدخله إلا الصائمون وهو موعود بلقاء الله تعالى في جزء صومه" وقال صلى الله عليه وسلم "للصائم فرحتان فرحة عند إفطاره وفرحة عند لقاء ربه" وقال صلى الله عليه وسلم "لكل شيء باب وباب العبادة الصوم" وقال صلى الله عليه وسلم "نوم الصائم عبادة" وروي أبو هريرة رضي الله عنه "أنه صلى الله عليه وسلم قال: إذا دخل شهر رمضان فتحت أبواب الجنة وغلقت أبواب النار وصفدت الشياطين ونادى مناد يا باغي الخير هلم ويا باغي الشر أقصر" وقال وكيع في قوله تعالى "كلوا واشربوا هنيئاً بما أسلفتم في الأيام الخالية" هي أيام الصيام إذ تركوا فيها الأكل والشرب وقد جمع رسول الله صلى الله عليه وسلم في رتبة المباهاة بين الزهد في الدنيا وبين الصوم فقال "إن الله تعالى يباهي ملائكته بالشاب العابد فيقول: أيها الشاب التارك شهوته لأجلي المبذل شبابه لي أنت عندي كبعض ملائكتي" وقال صلى الله عليه وسلم في الصائم "يقول الله عز وجل: انظروا يا ملائكتي إلى عبدي ترك شهوته ولذته وطعامه وشرابه من أجلي" وقيل في قوله تعالى "فلا تعلم نفس ما أخفي لهم من قرة أعين جزاء بما كانوا يعملون" قيل كان عملهم الصيام لأنه قال "إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب" فيفرغ للصائم جزاؤه إفراغاً ويجازف جزافاً فلا يدخل تحت وهم وتقدير، وجدير بأن يكون كذلك لأن الصوم إنما كان له ومشرفاً بالنسبة إليه وإن كانت العبادات كلها له كما شرف البيت بالنسبة إلى نفسه والأرض كلها له لمعنيين؛ أحدهما: أن الصوم كف وترك وهو في نفسه سر ليس فيه عمل يشاهد. وجميع أعمال الطاعات بمشهد من الخلق ومرأى والصوم لا يراه إلا الله عز وجل فإنه عمل في الباطن بالصبر المجرد. والثاني: أنه قهر لعدو الله عز وجل فإن وسيلة الشيطان لعنة الله الشهوات؛ وإنما تقوى الشهوات بالأكل والشرب. ولذلك قال صلى الله عليه وسلم "إن الشيطان ليجري من ابن آدم مجرى الدم فضيقوا مجاريه بالجوع" ولذلك قال صلى الله عليه وسلم لعائشة رضي الله عنها "داومي قرع باب الجنة؛ قالت: بماذا؟ قال صلى الله عليه وسلم: بالجوع" - وسيأتي فضل الجوع في كتاب: شره الطعام - وعلاجه من ربع المهلكات - فلما كان الصوم على الخصوص قمعاً للشيطان وسداً لمسالكه وتضييقاً لمجاريه استحق التخصيص بالنسبة إلى الله عز وجل ففي قمع عدو الله نصرة لله سبحانه وناصر الله تعالى موقوف على النصرة له قال الله تعالى "إن تنصروا الله ينصركم ويثبت أقدامكم" فالبداية بالجهد من العبد والجزاء بالهداية من الله عز وجل ولذلك قال تعالى "والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا" وقال تعالى "إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم" وإنما التغير تكثير الشهوات فهي مرتع الشياطين ومرعاهم فما دامت مخصبة لم ينقطع ترددهم وما داموا يترددون لم ينكشف للعبد جلال الله سبحانه وكان محجوباً عن لقائه. وقال صلى الله عليه وسلم "لولا أن الشياطين يحومون على قلوب بني آدم لنظروا إلى ملكوت السموات" فمن هذا الوجه صار الصوم باب العبادة وصار جنة وإذا عظمت فضيلته إلى هذا الحد فلابد من بيان شروطه الظاهرة والباطنة بذكر أركانه وسننه وشروطه الباطنة، ونبين ذلك بثلاثة فصول.

[align=center]الفصل الأول
في الواجبات والسنن الظاهرة واللوازم بإفساده
[/align]


أما الواجبات الظاهرة فستة

الأول مراقبة أول شهر رمضان وذلك برؤية الهلال فإن غم فاستكمال ثلاثين يوماً من شعبان. ونعني بالرؤية العلم ويحصل ذلك بقول عدل واحد. ولا يثبت هلال شوال إلا بقول عدلين احتياطاً للعبادة. ومن سمع عدلاً ووثق بقوله وغلب على ظنه صدقه لزمه الصوم وإن لم يقض القاضي به فليتبع كل عبد في عبادته موجب ظنه، وإذا رؤي الهلال ببلدة ولم ير بأخرى وكان بينهما أقل من مرحلتين وجب الصوم على الكل، وإن كان أكثر كان لكل بلدة حكمها ولا يتعدى الوجوب الثاني النية: ولابد لكل ليلة من نية مبينة معينة جازمة فلو نوى أن يصوم شهر رمضان دفعة واحدة لم يكفه، وهو الذي عنينا بقولنا بيتة ولو نوى الصوم مطلقاً أو الفرض مطلقاً لم يجزه حتى ينوي فريضة الله عز وجل صوم رمضان ولو نوى ليلة الشك أن يصوم غداً إن كان من رمضان لم يجزه فإنها ليست جازمة إلا أن تستند نيته إلى قول شاهد عدل، واحتمال غلط العدل أو كذبه لا يبطل الجزم أو يستند إلى استصحاب حال كالشك في الليلة الأخيرة من رمضان، فذلك لا يمنع جزم النية أو يستند إلى اجتهاد كالمحبوس في المطمورة إذا غلب على ظنه دخول رمضان باجتهاده فشكه لا يمنعه من النية. ومهما كان شاكاً ليلة الشك لم ينفعه جزمه النية باللسان فإن النية محلها القلب. ولا يتصور فيه جزم القصد مع الشك كما لو قال في وسط رمضان: أصوم غداً إن كان من رمضان فإن ذلك لا يضره لأنه ترديد لفظه ومحل النية لا يتصور فيه تردد بل هو قاطع بأنه من رمضان: ومن نوى ليلاً ثم أكل لم تفسد نيته ولو نوت امرأة في الحيض ثم طهرت قبل الفجر صح صومها الثالث الإمساك عن إيصال شيء إلى الجوف عمداً مع ذكر الصوم فيفسد صومه بالأكل والشرب والسعوط والحقنة. ولا يفسد بالفصد والحجامة والاكتحال وإدخال الميل في الأذن والإحليل إلا أن يقطر فيه ما يبلغ المثانة وما يصل بغير قصد من غبار الطريق أو ذبابة تسبق إلى جوفه أو ما يسبق إلى جوفه في المضمضة، فلا يفطر إلا إذا بالغ في المضمضة فيفطر لأنه مقصر وهو الذي أردنا بقولنا عمادً فأما ذكر الصوم فأردنا به الاحتراز عن الناسي فإنه لا يفطر. أما من أكل عامداً في طرفي النهار ثم ظهر له أنه أكل نهاراً بالتحقيق فعليه القضاء. وإن بقي على حكم ظنه واجتهاده فلا قضاء عليه ولا ينبغي أن يأكل في طرفي النهار إلا بنظر واجتهاد. الرابع الإمساك عن الجماع: وحده مغيب الحشفة وإن جامع ناسياً لم يفطر وإن جامع ليلاً أو احتلم فأصبح جنباً لم يفطر وإن طلع الفجر وهو مخالط أهله فنزع في الحال صح صومه فإن صبر فسد ولزمته الكفارة. الخامس الإمساك عن الاستمناء: وهو إخراج المني قصداً بجماع أو بغير جماع فإن ذلك يفطر ولا يفطر بقبلة زوجته ولا بمضاجعتها ما لم ينزل لكن يكره ذلك إلا أن يكون شيخاً أو مالكاً لإربه، فلا بأس بالتقبيل وتركه أولى. وإذا كان يخاف من التقبيل أن ينزل فقبل وسبق المني أفطر لتقصيره. السادس الإمساك عن إخراج القيء فالاستقاء يفسد الصوم وإن ذرعه القيء لم يفسد صومه، وإذا ابتلع نخامة حلقه أو صدره لم يفسد صومه رخصة لعموم البلوى به إلا أن يبتلعه بعد وصوله إلى فيه فإنه يفطر عند ذلك.

وأما لوازم الإفطار فأربعة

القضاء والكفارة والفدية وإمساك بقية النهار تشبيهاً بالصائمين. أما القضاء: فوجوبه عام على كل مسلم مكلف ترك الصوم بعذر أو بغير عذر، فالحائض تقضي الصوم وكذا المرتد. وأما الكافر والصبي والمجنون فلا قضاء عليهم ولا يشترط التتابع في قضاء رمضان ولكن يقضي كيف شاء متفرقاً ومجموعاً.
وأما الكفارة: فلا تجب إلا بالجماع. وأما الاستمناء والأكل والشرب وما عدا الجماع لا يجب به كفارة فالكفارة عتق رقبة فإن أعسر فصوم شهرين متتابعين وإن عجز فإطعام ستين مسكيناً مداً مداً.

وأما إمساك بقية النهار: فيجب على من عصى بالفطر أو قصر فيه. ولا يجب على الحائض إذا طهرت إمساك بقية نهارها ولا على المسافر إذا قدم مفطراً من سفر بلغ مرحلتين. ويجب الإمساك إذا شهد بالهلال عدل واحد يوم الشك. والصوم في السفر أفضل من الفطر إلا إذا لم يطق ولا يفطر يوم يخرج وكان مقيماً في أوله ولا يوم يقدم إذا قدم صائماً.
وأما الفدية: فتجب على الحامل والمرضع إذا أفطرتا خوفاً على ولديهما، لكل يوم مد حنطة لمسكين واحد مع القضاء والشيخ الهرم إذا لم يصم تصدق عن كل يوم مداً.
وأما السنن فست: تأخير السحور؛ وتعجيل الفطر بالتمر أو الماء قبل الصلاة، وترك السواك بعد الزوال، والجود في شهر رمضان لما سبق من فضائله في الزكاة، ومدارسة القرآن، والاعتكاف في المسجد، لاسيما في العشر الأخير فهو عادة رسول الله صلى الله عليه وسلم "كان إذا دخل العشر الأواخر طوى الفراش وشد المئزر ودأب وأدأب أهله" أي أداموا النصب في العبادة إذ فيها ليلة القدر والأغلب أنها في أوتارها وأشبه الأوتار ليلة إحدى وثلاث وخمس وسبع. والتتابع في هذا الاعتكاف أولى فإن نذر اعتكافاً متتابعاً أو نواه انقطع تتابعه بالخروج من غير ضرورة؛ كما لو خرج لعيادة أو شهادة أو جنازة أو زيارة أو تجديد طهارة، وإن خرج لقضاء الحاجة لم ينقطع. وله أن يتوضأ في البيت. ولا ينبغي أن يعرج على شغل آخر "كان صلى الله عليه وسلم لا يخرج إلا لحاجة الإنسان ولا يسأل عن المريض إلا ماراً" ويقطع التتابع بالجماع ولا ينقطع بالتقبيل. ولابأس في المسجد بالطيب وعقد النكاح وبالأكل والنوم وغسل اليد في الطست فكل ذلك قد يحتاج إليه في التتابع. ولا ينقطع التتابع بخروج بعض بدنه "كان صلى الله عليه وسلم يدني رأسه فترجله عائشة رضي الله عنها وهي في الحجرة" ومهما خرج المعتكف لقضاء حاجته فإذا عاد ينبغي أن يستأنف النية إلا إذا كان قد نوى أولاً عشرة أيام مثلاً. والأفضل مع ذلك التجديد.



[saa]يتبع بإذن الله[/saa]

_________________

يا خير من دفنت في التراب أعظمه فطاب من طيبهن القاع الأكم
نفسي الفداء لقبر أنت ساكنه فيه العفاف وفيه الجود والكرم
أنت الشفيع الذي ترجى شفاعته عند الصراط إذا ما زلّت القدم


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة:
مشاركة غير مقروءةمرسل: الأحد سبتمبر 25, 2005 4:37 pm 
غير متصل

اشترك في: السبت فبراير 21, 2004 10:56 pm
مشاركات: 1245
مكان: يا رب مع الحبيب و آله صلى الله عليه و آله وصحبه وسلم
[align=center]الفصل الثاني
في أسرار الصوم وشروطه الباطنة
[/align]

اعلم أن الصوم ثلاث درجات: صوم العموم وصوم الخصوص وصوم خصوص الخصوص. أما صوم العمووم فهو كف البطن والفرج عن قضاء الشهوة كما سبق تفصيله. وأما صوم الخصوص فهو كف السمع والبصر واللسان واليد والرجل وسائر الجوارح عن الآثام. وأما صوم خصوص الخصوص فصوم القلب عن الهضم الدنية والأفكار الدنيوية وكفه عما سوى الله عز وجل بالكلية، ويحصل الفطر في هذا الصوم بالفكر فيما سوى الله عز وجل واليوم الآخر وبالفكر في الدنيا إلا دنيا تراد للدين، فإن ذلك من زاد الآخرة وليس من الدنيا حتى قال أرباب القلوب: من تحركت همته بالتصرف في نهاره لتدبير ما يفطر عليه كتبت عليه خطيئة، فإن ذلك من قلة الوثوق بفضل الله عز وجل وقلة اليقين برزقه الموعود، وهذه رتبة الأنبياء والصديقين والمقربين ولا يطول النظر في تفصيلها قولاً ولكن في تحقيقها عملاً، فإنه إقبال بكنه الهمة على الله عز وجل وانصراف عن غير الله سبحانه وتلبس بمعنى قوله عز وجل "قل الله ثم ذرهم في خوضهم يلعبون" وأما صوم الخصوص وهو صوم الصالحين فهو كف الجوارح عن الآثام وتمامه بستة أمور: الأول: غض البصر وكفه عن الاتساع في النظر إلى كل ما يذم ويكره وإلى كل ما يشغل القلب ويلهي عن ذكر الله عز وجل قال صلى الله عليه وسلم "النظرة سهم مسموم من سهام إبليس لعنه الله فمن تركها خوفاً من الله آتاه الله عز وجل إيماناً يجد حلاوته في قلبه" وروى جابر عن أنس عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال "خمس يفطرن الصائم الكذب والغيبة والنميمة واليمين الكاذبة والنظر بشهوة". الثاني: حفظ اللسان عن الهذيان والكذب والغيبة والنميمة والفحش والجفاء والخصومة والمراء، وإلزامه السكوت وشغله بذكر الله سبحانه وتلاوة القرآن فهذا صوم اللسان. وقد قال سفيان: الغيبة تفسد الصوم. رواه بشر بن الحارث عنه. وروى ليث عن مجاهد: خصلتان يفسدان الصيام الغيبة والكذب. وقال صلى الله عليه وسلم "إنما الصوم جنة فإذا كان أحدكم صائماً فلا يرفث ولا يجهل وإن امرؤ قاتله أو شاتمه فليقل إني صائم إني صائم" وجاء في الخبر "أن امرأتين صامتا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فأجهدهما الجوع والعطش من آخر النهار حتى كادتا أن تتلفا فبعثتا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يستأذناه في الإفطار فأرسل إليهما قدحاً وقال صلى الله عليه وسلم: قل لهما قيئا فيه ما أكلتما فقاءت إحداهما نصفه دماً عبيطاً ولحماً غريضاً وقاءت الأخرى مثل ذلك حتى ملأتاه فعجب الناس من ذلك فقال صلى الله عليه وسلم هاتان صامتا عما أحل الله لهما وأفطرتا على ما حرم الله تعالى عليهما. قعدت إحداهما إلى الأخرى فجعلتا يغتابان الناس فهذا ما أكلتا من لحومهم" الثالث: كف السمع عن الإصغاء إلى كل مكروه لأن كل ما حرم قوله حرم الإصغاء إليه ولذلك سوى الله عز وجل بين المستمع وآكل السحت فقال تعالى "سماعون للكذب أكالون للسحت" وقال عز وجل "لولا ينهاهم الربانيون والأحبار عن قولهم الإثم وأكلهم السحت" فالسكوت على الغيبة حرام وقال تعالى "إنكم إذاً مثلهم" ولذلك قال صلى الله عليه وسلم "المغتاب والمستمع شريكان في الإثم" الرابع: كف بقية الجوارح عن الآثام من اليد والرجل عن المكاره، وكف البطن عن الشبهات وقت الإفطار. فلا معنى للصوم وهو الكف عن الطعام الحلال ثم الإفطار على الحرام. فمثال هذا الصائم مثال من يبني قصراً ويهدم مصراً فإن الطعام الحلال إنما يضر بكثرته لا بنوعه، فالصوم لتقليله. وتارك الاستكثار من الدواء خوفاً من ضرره إذا عدل إلى تناول السم كان سفيهاً. والحرام سم مهلك للدين. والحلال دواء ينفع قليله ويضر كثيره. وقصد الصوم تقليله. وقد قال صلى الله عليه وسلم "كم من صائم ليس له من صومه إلا الجوع والعطش" فقيل هو الذي يفطر على الحرام، وقيل هو الذي يمسك عن الطعام الحلال ويفطر على لحوم الناس بالغيبة وهو حرام، وقيل هو الذي لا يحفظ جوارحه عن الآثام. الخامس: أن لا يستكثر من الطعام الحلال وقت الإفطار بحيث يمتلىء جوفه فما من وعاء أبغض إلى الله عز وجل من بطن مليء من حلال. وكيف يستفاد من الصوم قهر عدو الله وكسر الشهوة إذا تدارك الصائم عند فطره ما فاته ضحوة نهاره وربما يزيد عليه في ألوان الطعام؟ حتى استمرت العادات بأن تدخر جميع الأطعمة لرمضان فيؤكل من الأطعمة فيه ما لا يؤكل في عدة أشهر. ومعلوم أن مقصود الصوم الخواء وكسر الهوى لتقوى النفس على التقوى. وإذا دفعت المعدة من ضحوة نهار إلى العشاء حتى هاجت شهوتها وقويت رغبتها ثم أطعمت من اللذات وأشبعت زادت لذتها وتضاعفت قوتها وانبعث من الشهوات ما عساها كانت راكدة لو تركت على عادتها. فروح الصوم وسره تضعيف القوى التي هي وسائل الشيطان في العود إلى الشرور، ولن يحصل ذلك إلا بالتقليل وهو أن يأكل أكلته التي كان يأكلها كل ليلة لو لم يصم فأما إذا جمع ما كان يأكل ضحوة إلى ما كان يأكل ليلاً فلا ينتفع بصومه. بل من الآداب أن لا يكثر النوم بالنهار حتى يحس بالجوع والعطش ويستشعر ضعف القوي فيصفو عند ذلك قلبه ويستديم في كل ليلة قدراً من الضعف حتى يخف عليه تهجده وأوراده، فعسى الشيطان أن لا يحوم على قلبه فينظر إلى ملكوت السماء. وليلة القدر عبارة عن الليلة التي ينكشف فيها شيء من الملكوت وهو المراد بقوله تعالى "إنا أنزلناه في ليلة القدر" ومن جعل في قلبه وبين صدره مخلاة من الطعام فهو عنه محجوب. ومن أخلى معدته فلا يكفيه ذلك لرفع الحجاب ما لم يخل همته عن غير الله عز وجل. السادس: أن يكون قلبه بعد الإفطار معلقاً مضطرباً بين الخوف والرجاء إذ ليس يدري أيقبل صومه فهو من المقربين أو يرد عليه فهو من الممقوتين؟ وليكن كذلك في آخر كل عبادة يفرغ منها فقد روي عن الحسن بن أبي الحسن البصري أنه مر بقوم وهم يضحكون فقال: إن الله عز وجل جعل شهر رمضان مضماراً لخلقه يستبقون فيه لطاعته فسبق قوم ففازوا وتخلف أقوام فخابوا فالعجب كل العجب للضاحك اللاعب في اليوم الذي فاز فيه السابقون وخاب فيه المبطلون. أما والله لو كشف الغطاء لاشتغل المحسن بإحسانه والمسيء بإساءته أي كان سرور المقبول يشغله عن اللعب وحسرة المردود تسد عليه باب الضحك. وعن الأحنف بن قيس: أنه قيل له إنك شيخ كبير وإن الصيام يضعفك فقال: إني أعده لسفر طويل والصبر على طاعة الله سبحانه أهون من الصبر على عذابه. فهذه هي المعاني الباطنة في الصوم. فإن قلت: فمن اقتصر على كف شهوة البطن والفرج وترك هذه المعاني فقد قال الفقهاء. صومه صحيح فما معناه؟ فاعلم أن فقهاء الظاهر يثبتون شروط الظاهر بأدلة هي أضعف من هذه الأدلة التي أوردناها في هذه الشروط الباطنة لاسيما الغيبة وأمثالها، ولكن ليس إلى فقهاء الظاهر من التكليفات إلا ما يتيسر على عموم الغافلين المقبلين على الدنيا الدخول تحته. فأما علماء الآخرة فيعنون بالصحة القبول وبالقبول الوصول إلى المقصود. ويفهمون أن المقصود من الصوم التخلق بخلق من أخلاق الله عز وجل وهو الصمدية، والاقتداء بالملائكة في الكف عن الشهوات بحسب الإمكان فإنهم منزهون عن الشهوات. والإنسان رتبته فوق رتبة البهائم لقدرته بنور العقل على كسر شهوته ودون رتبة الملائكة لاستيلاء الشهوات عليه وكونه مبتلى بمجاهدتها، فكلما انهمك في الشهوات انحط إلى أسفل السافلين والتحق بغمار البهائم، وكلما قمع الشهوات ارتفع إلى أعلى عليين والتحق بأفق الملائكة. والملائكة مقربون من الله عز وجل والذي يقتدي بهم ويتشبه بأخلاقهم يقرب من الله عز وجل كقربهم، فإن الشبيه من القريب قريب، وليس القرب ثم بالمكان بل بالصفات. وإذا كان هذا سر الصوم عند أرباب الألباب وأصحاب القلوب فأي جدوى لتأخير أكلة وجمع أكلتين عند العشاء مع الانهماك في الشهوات الأخر طول النهار؟ ولو كان لمثله جدوى فأي معنى لقوله صلى الله عليه وسلم "كم من صائم ليس له من صومه إلا الجوع والعطش" ولهذا قال أبو الدرداء: يا حبذا نوم الأكياس وفطرهم كيف لا يعيبون صوم الحمقى وسهرهم! ولذرة من ذوي يقين وتقوى أفضل وأرجح من أمثال الجبال عبادة من المغتربين. ولذلك قال بعض العلماء كم من صائم مفطر وكم من مفطر صائم. والمفطر الصائم هو الذي يحفظ جوارحه عن الآثام ويأكل ويشرب، والصائم المفطر هو الذي يجوع ويعطش ويطلق جوارحه. ومن فهم معنى الصوم وسره علم أن مثل من كف عن الأكل والجماع وأفطر بمخالطة الآثام كمن مسح على عضو من أعضائه في الوضوء ثلاث مرات فقد وافق في الظاهر العدد إلا أنه ترك المهم وهو الغسل فصلاته مردودة عليه بجهله، ومثل من أفطر بالأكل وصام بجوارحه عن المكاره كمن غسل أعضاءه مرة مرة فصلاته متقبلة إن شاء الله لإحكامه الأصل وإن ترك الفضل.
ومثل من جمع بينهما كمن غسل كل عضو ثلاث مرات فجمع بين الأصل والفضل وهو الكمال. وقد قال صلى الله عليه وسلم "إن الصوم أمانة فليحفظ أحدكم أمانته" ولما تلا قوله عز وجل "إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها" وضع يده على سمعه وبصره فقال: السمع أمانة والبصر أمانة" ولولا أنه من أمانات الصوم لما قال صلى الله عليه وسلم "فليقل إني صائم" أي إني أودعت لساني لأحفظه فكيف أطلقه بجوابك؟ فإذن قد ظهر أن لكل عبادة ظاهراً وباطناً وقشراً ولباً ولقشرها درجات ولكل درجة طبقات. فإليك الخيرة الآن في أن تقنع بالقشر عن اللباب أو تتحيز إلى غمار أرباب الألباب.



[align=center]الفصل الثالث
في التطوع بالصيام وترتيب الأوراد فيه
[/align]


اعلم أن استحباب الصوم يتأكد في الأيام الفاضلة وفواضل الأيام بعضها يوجد في كل سنة وبعضها يوجد في كل شهر وبعضها في كل أسبوع. أما في السنة بعد أيام رمضان فيوم عرفة ويوم عاشوراء والعشر الأول من ذي الحجة والعشر الأول من المحرم. وجميع الأشهر الحرم مظان الصوم وهي أوقات فاضلة "وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يكثر صوم شعبان حتى كان يظن أنه في رمضان" وفي الخبر "أفضل الصيام بعد شهر رمضان شهر الله المحرم" لأنه ابتداء السنة فبناؤها على الخير أحب وأرجى لدوام بركته. وقال صلى الله عليه وسلم "صوم يوم من شهر حرام أفضل من ثلاثين من غيره وصوم يوم من رمضان أفضل من ثلاثين من شهر حرام" وفي الحديث "من صام ثلاثة أيام من شهر حرام الخميس والجمعة والسبت كتب الله له بكل يوم عبادة تسعمائة عام" وفي الخبر: إذا كان النصف من شعبان فلا صوم حتى رمضان ولهذا يستحب أن يفطر قبل رمضان أياماً فإن وصل شعبان برمضان فجائز فعل ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم مرة فصل مراراً كثيرة ولا يجوز استقبال رمضان بيومين أو ثلاثة إلا أن يوافق ورداً له وكره بعض الصحابة أن يصام رجب كله حتى لا يضاهى بشهر رمضان. فالأشهر الفاضلة: ذو الحجة والمحرم ورجب وشعبان. والأشهر الحرم: ذو القعدة وذو الحجة والمحرم ورجب، واحد فرد وثلاثة سرد. وأفضلها ذو الحجة لأن فيه الحج والأيام المعلومات والمعدودات. وذو القعدة من الأشهر الحرم وهو من أشهر الحج، وشوال من أشهر الحج وليس من الحرم "والمحرم ورجب ليسا من أشهر الحج. وفي الخبر "ما من أيام العمل فيهن أفضل وأحب إلى الله عز وجل من أيام عشر ذي الحجة إن صوم يوم منه يعدل صيام سنة وقيام ليلة منه تعدل قيام ليلة القدر" قيل: ولا الجهاد في سبيل الله تعالى، قال: ولا الجهاد في سبيل الله عز وجل إلا من عقر جواده وأهريق دمه" وأما ما يتكرر في الشهر: فأول الشهر وأوسطه وآخره، ووسطه الأيام البيض وهي الثالث عشر والرابع عشر والخامس عشر. وأما في الأسبوع: فالاثنين والخميس والجمعة فهذه هي الأيام الفاضلة فيستحب فيها الصيام وتكثير الخيرات لتضاعف أجورها ببركة هذه الأوقات. وأما صوم الدهر فإنه شامل للكل وزيادة وللسالكين فيه طرق فمنهم من كره ذلك إذ وردت أخبار تدل على كراهته. والصحيح أنه إنما يكره لشيئين؛ أحدهما: أن لا يفطر في العيدين وأيام التشريق فهو الدهر كله والآخر أن يرغب عن السنة في الإفطار ويجعل الصوم حجراً على نفسه مع أن الله سبحانه يحب أن تؤتى رخصه كما يحب أن تؤتى عزائمه. فإذا لم يكن شيء من ذلك ورأى صلاح نفسه في صوم الدهر فليفعل ذلك. فقد فعله جماعة من الصحابة والتابعين رضي الله عنهم. وقال صلى الله عليه وسلم فيما رواه أبو موسى الأشعري "من صام الدهر كله ضيقت عليه جهنم وعقد تسعين" ومعناه لم يكن له فيها موضع، ودونه درجة أخرى وهو صوم نصف الدهر بأن يصوم يوماً ويفطر يوماً وذلك أشد على النفس وأقوى في قهرها، وقد ورد في فضله أخبار كثيرة لأن العبد فيه بين صوم يوم وشكر يوم فقد قال صلى الله عليه وسلم "عرضت علي مفاتيح خزائن الدنيا وكنوز الأرض فرددتها وقلت أجوع يوماً وأشبع يوماً أحمدك إذا شبعت وأتضرع إليك إذا جعت" وقال صلى الله عليه وسلم "أفضل الصيام صوم أخي داود كان يصوم ويفطر يوماً" ومن ذلك "منازلته صلى الله عليه وسلم: لعبد الله بن عمرو رضي الله عنهما في الصوم وهو يقول؛ إني أطيق أكثر من ذلك، فقال صلى الله عليه وسلم: صم يوماً وأفطر يوماً، فقال: إني أريد أفضل من ذلك، فقال صلى الله عليه وسلم: لا أفضل من ذلك" وقد روي "أنه صلى الله عليه وسلم ما صام شهراً كاملاً قط إلا رمضان" بل كان يفطر منه ومن لا يقدر على صوم نصف الدهر فلا بأس بثلثه وهو أن يصوم ويفطر يومين. وإذا صام ثلاثة من أول الشهر وثلاثة من الوسط وثلاثة من الآخر فهو ثلث، وواقع في الأوقات الفاضلة. وإن صام الاثنين والخميس والجمعة فهو قريب من الثلث. وإذا ظهرت أوقات الفضيلة فالكمال في أن يفهم الإنسان معنى الصوم وأن مقصوده تصفية القلب وتفريغ الهم لله عز وجل. والفقيه بدقائق الباطن ينظر إلى أحواله فقد يقتضي حاله دوام الصوم وقد يقتضي دوام الفطر وقد يقتضي مزج الإفطار بالصوم. وإذا فهم المعنى وتحقق حده في سلوك طريق الآخرة بمراقبة القلب لم يخف عليه صلاح قلبه وذلك لا يوجب ترتيباً مستمراً. ولذلك روي أنه صلى الله عليه وسلم "كان يصوم حتى يقال لا يفطر ويفطر حتى يقال لا يصوم وينام حتى يقال لا يقوم ويقوم حتى يقال لا ينام" وكان ذلك بحسب ما ينكشف له بنور النبوة من القيام بحقوق الأوقات. وقد كره العلماء أن يوالى بين الإفطار أكثر من أربعة أيام تقديراً بيوم العيد وأيام التشريق وذكروا أن ذلك يقسي القلب ويولد رديء العادات ويفتح أبواب الشهوات ولعمري هو كذلك في حق أكثر الخلق لاسيما من يأكل في اليوم والليل مرتين. فهذا ما أردنا ذكره من ترتيب الصوم المتطوع به والله أعلم بالصواب.
تم كتاب: أسرار الصوم، والحمد لله بجميع محامده كلها ما علمنا منها وما لم نعلم على جميع نعمه كلها ما علمنا منها وما لم نعلم وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وكرم وعلى كل عبد مصطفى من أهل الأرض والسماء يتلوه إن شاء الله تعالى كتاب: أسرار الحج، والله المعين لا رب غيره وما توفيقي إلا بالله وحسبنا الله ونعم الوكيل.



[saa]يتبع بإذن الله[/saa]

_________________

يا خير من دفنت في التراب أعظمه فطاب من طيبهن القاع الأكم
نفسي الفداء لقبر أنت ساكنه فيه العفاف وفيه الجود والكرم
أنت الشفيع الذي ترجى شفاعته عند الصراط إذا ما زلّت القدم


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة:
مشاركة غير مقروءةمرسل: الاثنين سبتمبر 26, 2005 4:02 pm 
غير متصل

اشترك في: السبت فبراير 21, 2004 10:56 pm
مشاركات: 1245
مكان: يا رب مع الحبيب و آله صلى الله عليه و آله وصحبه وسلم
[align=center]كتاب أسرار الحج[/align]


[align=center]بسم الله الرحمن الرحيم [/align]


الحمد لله الذي جعل كلمة التوحيد لعباده حرزاً وحصناً. وجعل البيت العتيق مثابة للناس وأمناً، وأكرمه بالنسبة إلى نفسه تشريفاً وتحصيناً ومناً، وجعل زيارته والطواف به حجاباً بين العبد وبين العذاب ومجناً، والصلاة عى محمد نبي الرحمة وسيد الأمة وعلى آله وصحبه قادة الحق وسادة الخلق وسلم تسليماً كثيراً. أما بعد: فإن الحج من بين أركان الإسلام ومبانيه عبادة العمر وختام الأمر وتمام الإسلام وكمال الدين. فيه أنزل الله عز وجل "اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام ديناً" وفيه قال صلى الله عليه وسلم "من مات ولم يحج فليمت إن شاء يهودياً وإن شاء نصرانياً" فأعظم بعبادة يعدم الدين بفقدها الكمال ويساوي تاركها اليهود والنصارى في الضلال، وأجدر بها أن تصرف العناية إلى شرحها وتفصيل أركانها وسننها وآدابها وفضائلها وأسرارها. وجملة ذلك ينكشف بتوفيق الله عز وجل في ثلاثة أبواب:

[align=center]الباب الأول
في فضائلها وفضائل مكة والبيت العتيق
وجمل أركانها وشرائط وجوبها.

الفصل الأول
في فضائل الحج وفضيلة البيت ومكة والمدينة
حرسهما الله تعالى وشد الرحال إلى المساجد
[/align]


[align=center]فضيلة الحج [/align]


قال الله عز وجل "وأذن في الناس بالحج يأتوك رجالاً وعلى كل ضامر يأتين من كل فج عميق" وقال قتادة لما أمر الله عز وجل إبراهيم صلى الله عليه وسلم وعلى نبينا وعلى كل عبد مصطفى أن يؤذن في الناس بالحج نادى: يا أيها الناس إن الله عز وجل بنى بيتاً فحجوه وقال تعالى "ليشهدوا منافع لهم" قيل التجارة في الموسم والأجر في الآخرة. ولما سمع بعض السلف هذا قال: غفر لهم ورب الكعبة. وقيل في تفسير قوله عز وجل "لأقعدن لهم صراطك المستقيم" أي طريق مكة يقعد الشيطان عليها ليمنع الناس منها وقال صلى الله عليه وسلم "من حج البيت فلم يرفث ولم يفسق خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه" وقال أيضاً صلى الله عليه وسلم "ما رؤي الشيطان في يوم أصغر ولا أدحر و أحقر ولا أغيظ منه يوم عرفة" وما ذلك إلا لما يرى من نزول الرحمة وتجاوز الله سبحانه عن الذنوب العظام إذ يقال "إن من الذنوب ذنوباً لا يكفرها إلا الوقوف بعرفة" وقد أسنده جعفر بن محمد إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم. وذكر بعض المكاشفين من المقربين أن إبليس لعنة الله عليه ظهر له في صورة شخص بعرفة فإذا هو ناحل الجسم مصفر اللون باكي العين مقصوف الظهر فقال له: ما الذي أبكى عينك؟ قال: خروج الحاج إليه بلا تجارة، أقول قد قصدوه أخاف أن لا يخيبهم فيحزنني ذلك قال: فما الذي أنحل جسمك؛ قال: صهيل الخيل في سبيل الله عز وجل ولو كانت في سبيلي كان أحب إلي، قال: فما الذي غير لونك؟ قال تعاون الجماعة على الطاعة ولو تعاونوا على المعصية كان أحب إلي، قال: فما الذي قصف ظهرك؟ قال: قول العبد أسألك حسن الخاتمة، أقول يا ويلتى متى يعجب هذا بعمله أخاف أن يكون قد فطن؟ وقال صلى الله عليه وسلم "من خرج من بيته حاجاً أو معتمراً فمات أجري له أجر الحاج المعتمر إلى يوم القيامة ومن مات في أحد الحرمين لم يعرض ولم يحاسب وقيل له ادخل الجنة" وقال صلى الله عليه وسلم "حجة مبرورة خير من الدنيا وما فيها وحجة مبرورة ليس لها جزاء إلا الجنة" وقال صلى الله عليه وسلم "الحجاج والعمار وفد الله عز وجل وزواره إن سألوه أعطاهم وإن استغفروه غفر لهم وإن دعوا استجيب لهم وإن شفعوا شفعوا" وفي حديث مسند من طريق أهل البيت عليهم السلام "أعظم الناس ذنباً من وقف بعرفة فظن أن الله تعالى لم يغفر له" وروى ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال "ينزل على هذا البيت في كل يوم مائة وعشرون رحمة ستون للطائفين وأربعون للمصلين وعشرون للناظرين" وفي الخبر "استكثروا من الطواف بالبيت فإنه من أجل شيء تجدونه في صحفكم يوم القيامة وأغبط عمل تجدونه" ولهذا يستحب الطواف ابتداء من غير حج ولا عمرة وفي الخبر "من طاف أسبوعاً حافياً حاسراً كان له كعتق رقبة ومن طاف أسبوعاً في المطر غفر له ما سلف من ذنبه" ويقال: إن الله عز وجل إذا غفر لعبد ذنباً في الموقف غفره لكل من أصابه في ذلك الموقف. وقال بعض السلف: إذا وافق يوم عرفة يوم جمعة غفر لكل أهل عرفة وهو أفضل يوم في الدنيا" وفيه حج رسول الله صلى الله عليه وسلم حجة الوداع وكان واقفاً إذ نزل قوله عز وجل "اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام ديناً" قال أهل الكتاب. لو أنزلت هذه الآية علينا لجعلناها يوم عيد فقال عمر رضي الله عنه: أشهد لقد نزلت هذه الآية في يوم عيدين اثنين؛ يوم عرفة ويوم جمعة على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو واقف بعرفة. وقال صلى الله عليه وسلم "اللهم اغفر للحاج ولمن استغفر له الحاج" ويروى أن علي بن موفق حج عن رسول الله صلى الله عليه وسلم حججاً قال: فرأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم في المنام فقال لي: يا ابن موفق حججت عني؟ قلت: نعم، قال: ولبيت عني؟ قلت: نعم. قال: فإني أكافئك بها يوم القيامة آخذ بيدك في الموقف فأدخلك الجنة والخلائق في كرب الحساب. وقال مجاهد وغيره من العلماء: إن الحجاج إذا قدموا مكة تلقتهم الملائكة فسلموا على ركبان الإبل وصافحوا ركبان الحمر واعتنقوا المشاة اعتناقاً. وقال الحسن: من مات عقيب رمضان أو عقيب غزو أو عقيب حج مات شهيداً. وقال عمر رضي الله عنه: الحاج مغفور له ولمن يستغفر له في شهر ذي الحجة والمحرم وصفر وعشرين من ربيع الأول. وقد كان من سنة السلف رضي الله عنهم أن يشيعوا الغزاة وأن يستقبلوا الحاج ويقبلوا بين أعينهم ويسألوهم الدعاء ويبادرون ذلك قبل أن يتدنسوا بالآثام. ويروى عن علي بن موفق قال: حججت سنة فلما كان ليلة عرفة نمت بمنى في مسجد الخيف فرأيت في المنام كأن ملكين قد نزلا من السماء عليهما ثياب خضر فنادى أحدهما صاحبه: يا عبد الله فقال الآخر: لبيك يا عبد الله "قال: تدري كم حج بيت ربنا عز وجل في هذه السنة؟ قال: لا أدري قال: حج بيت ربنا ستمائة ألف أفتدري كم قبل منهم؟ قال: لا، قال: ستة أنفس، قال: ثم ارتفعا في الهواء فغابا عني فانتبهت فزعاً واغتممت غماً شديداً وأهمني أمري فقلت: إذا قبل حج ستة أنفس فأين أكون أنا في ستة أنفس؟ فلما أفضت من عرفة قمت عند المشعر الحرام فجعلت أفكر في كثرة الخلق وفي قلة من قبل منهم؛ فحملني النوم فإذا الشخصان قد نزلا على هيئتهما؛ فنادى أحدهما صاحبه وأعاد الكلام بعينه ثم قال: أتدري ماذا حكم ربنا عز وجل في هذه الليلة؟ قال: لا، قال: فإنه وهب لكل واحد من الستة مائة ألف، قال: فانتبهت وبي من السرور ما يجل عن الوصف. وعنه أيضاً رضي الله عنه قال: حججت سنة فلما قضيت مناسكي تفكرت فيمن لا يقبل حجه فقلت: اللهم إني قد وهبت حجتي وجعلت ثوابها لمن لم تقبل حجته قال: فرأيت رب العزة في النوم جل جلاله فقال لي: يا علي تتسخى علي وأنا خلقت السخاء والأسخياء وأنا أجود الأجودين وأكرم الأكرمين وأحق بالجود والكرم من العالمين قد وهبت كل من لم أقبل حجة لمن قبلته.

[align=center]فضيلة البيت ومكة المشرفة [/align]

قال صلى الله عليه وسلم "إن الله عز وجل قد وعد هذا البيت أن يحجه كل سنة ستمائة ألف فإن نقصوا أكملهم الله عز وجل من الملائكة" وإن الكعبة تحشر كالعروس المزفوفة وكل من حجها يتعلق بأستارها يسعون حولها حتى تدخل الجنة فيدخلون معها وفي الخبر "إن الحجر الأسود ياقوتة من يواقيت الجنة وإنه يبعث يوم القيامة له عينان ولسان ينطق به يشهد لكل من استلمه بحق وصدق" وكان صلى الله عليه وسلم يقبله كثيراً وروي أنه صلى الله عليه وسلم سجد عليه وكان يطوف على الراحلة فيضع المحجن عليه ثم يقبل طرف المحجن وقبله عمر رضي الله عنه ثم قال: إني لأعلم أنك حجر لا تضر ولا تنفع ولولا أني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقبلك ما قبلتك، ثم بكى حتى علا نشيجه فالتفت إلى ورائه فرأى علياً كرم الله وجهه ورضي الله عنه فقال: يا أبا الحسن ههنا تسكب العبرات وتستجاب الدعوات، فقال علي رضي الله عنه: يا أمير المؤمنين بل هو يضر وينفع، قال: وكيف؟ قال: إن الله تعالى لما أخذ الميثاق على الذرية كتب عليهم كتاباً ثم ألقمه هذا الحجر؛ فهو يشهد للمؤمن بالوفاء ويشهد على الكافر بالجحود. قيل: فذلك هو معنى قول الناس عند الاستلام "اللهم إيماناً بك وتصديقاً بكتابك ووفاء بعهدك" وروي عن الحسن البصري رضي الله عنه: أن صوم يوم فيها بمائة ألف يوم وصدقة درهم بمائة ألف درهم وكذلك كل حسنة بمائة الف ويقال: طواف سبعة أسابيع يعدل عمرة وثلاث عمر تعدل حجة. وفي الخبر الصحيح "عمرة في رمضان كحجة معي" وقال صلى الله عليه وسلم "أنا أول من تنشق عنه الأرض ثم آتي أهل البقيع فيحشرون معي ثم آتي أهل مكة فأحشر بين الحرمين" وفي الخبر "إن آدم صلى الله عليه وسلم لما قضى مناسكه لقيته الملائكة فقالوا: بر حجك يا آدم لقد حججنا هذا البيت قبلك بألفي عام" وجاء في الأثر: إن الله عز وجل ينظر في كل ليلة إلى أهل الأرض فأول من ينظر إليه أهل الحرم وأول من ينظر إليه من أهل الحرم أهل المسجد الحرام فمن رآه طائفاً غفر له ومن رآه مصلياً غفر له ومن رآه قائماً مستقبل الكعبة غفر له. وكوشف بعض الأولياء رضي الله عنهم قال: إني رأيت الثغور كلها تسجد لعبادان ورايت عبادان ساجدة لجدة. ويقال: لا تغرب الشمس من يوم إلا ويطوف بهذا البيت رجل من الأبدال، ولا يطلع الفجر من ليلة إلا طاف به واحد من الأوتاد، وإذا انقطع ذلك كان سبب رفعه من الأرض فيصبح الناس وقد رفعت الكعبة لا يرى الناس لها أثراً، وهذا إذا أتى عليها سبع سنين لم يحجها أحد. ثم يرفع القرآن من المصاحف فيصبح الناس فإذا الورق أبيض يلوح ليس فيه حرف، ثم ينسخ القرآن من القلوب فلا يذكر منه كلمة. ثم يرجع الناس إلى الأشعار والأغاني وأخبار الجاهلية. ثم يخرج الدجال وينزل عيسى عليه السلام فيقتله والساعة عند ذلك بمنزلة الحامل المقرب التي تتوقع ولادتها. وفي الخبر "استكثروا من الطواف بهذا البيت قبل أن يرفع فقد هدم مرتين ويرفع في الثالثة" وروي عن علي رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: قال الله تعالى "إذا أردت أن أخرب الدنيا بدأت ببيتي فخربته ثم خرب الدنيا على أثره".

[align=center]فضيلة المقام بمكة حرسها الله تعالى وكراهيته [/align]

كره الخائفون المحتاطون من العلماء المقام بمكة لمعان ثلاثة الأول خوف التبرم والأنس بالبيت، فإن ذلك ربما يؤثر في تسكين حرقة القلب في الاحترام، وهكذا كان عمر رضي الله عنه يضرب الحجاج إذا حجوا ويقول: يا أهل اليمن يمنكم ويا أهل الشام شامكم ويا أهل العراق عراقكم. ولذلك هم عمر رضي الله عنه بمنع الناس من كثرة الطواف، وقال: خشيت أن يأنس الناس بهذا البيت الثاني تهييج الشوق بالمفارقة لتنبعث داعية العودة فإن الله تعالى جعل البيت مثابة للناس وأمناً أي يثوبون ويعودون إليه مرة بعد أخرى ولا يقضون منه وطراً. وقال بعضهم تكون في بلد وقلبك مشتاق إلى مكة متعلق بهذا البيت خير لك من أن تكون فيه وأنت متبرم بالمقام وقلبك في بلد آخر. وقال بعض السلف: كم من رجل بخراسان وهو أقرب إلى هذا البيت ممن يطوف به؟ ويقال: إن لله تعالى عباداً تطوف بهم الكعبة تقرباً إلى الله عز وجل الثالث الخوف من ركوب الخطايا والذنوب بها، فإن ذلك مخطر وبالحري أن يورث مقت الله عز وجل لشرف الموضع. وروي عن وهيب بن الورد المكي قال: كنت ذات ليلة في الحجر أصلي فسمعت كلاماً بين الكعبة والأستار يقول إلى الله أشكو ثم إليك يا جبرائيل ما ألقى من الطائفين حولي من تفكرهم في الحديث ولغوهم ولهوهم لئن لم ينتهوا عن ذلك لأنتفضن انتفاضة يرجع كل حجر مني إلى الجبل الذي قطع منه. وقال ابن مسعود رضي الله عنه: ما من بلد يؤاخذ فيه العبد بالنية قبل العمل إلا مكة وتلا قوله تعالى "ومن يرد فيه بإلحاد بظلم نذقه من عذاب أليم" أي أنه على مجرد الإرادة. ويقال: إن السيئات تضاعف بها كما تضاعف الحسنات. وكان ابن عباس رضي الله عنه يقول: الاحتكار بمكة من الإلحاد في الحرم، وقيل: الكذب أيضاً وقال ابن عباس: لأن أذنب سبعين ذنباً بركية أحب إلي من أن أذنب ذنباً واحداً بمكة. وركية منزل بين مكة والطائف. والخوف ذلك انتهى بعض المقيمين إلى أن لم يقض حاجته في الحرم بل كان يخرج إلى الحل عند قضاء الحاجة. وبعضهم أقام شهراً وما وضع جنبه على الأرض. وللمنع من الإقامة كره بعض العلماء أجور دور مكة. ولا تظنن أن كراهة المقام يناقض فضل البقعة لأن هذه كراهة علتها ضعف الخلق وقصورهم عن القيام بحق الموضع فمعنى قولنا إن ترك المقام به أفضل أي بالإضافة إلى مقام مع التقصير والتبرم، أما أن يكون أفضل من المقام مع الوفاء بحقه فهيهات! وكيف لا ولما عاد رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى مكة استقبل الكعبة وقال "إنك لخير أرض الله عز وجل وأحب بلاد الله تعالى إلي ولولا أني أخرجت منك لما خرجت" وكيف لا والنظر إلى البيت عبادة والحسنات فيها مضاعفة كما ذكرناه.

[align=center]فضيلة المدينة الشريفة على سائر البلاد [/align]

ما بعد مكة بقعة أفضل من مدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم فالأعمال فيها أيضاً مضاعفة قال صلى الله عليه وسلم "صلاة في مسجدي هذا خير من ألف صلاة فيما سواه إلا المسجد الحرام" وكذلك كل عمل بالمدينة بألف وبعد مدينته الأرض المقدسة فإن الصلاة فيها بخمسمائة صلاة فيما سواها إلا المسجد الحرام، وكذلك سائر الأعمال. وروى ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال "صلاة في مسجد المدينة بعشرة آلاف صلاة وصلاة في المسجد الأقصى بألف صلاة وصلاة في المسجد الحرام بمائة ألف صلاة" وقال صلى الله عليه وسلم "من صبر على شدتها ولأوائها كنت له شفيعاً يوم القيامة" وقال صلى الله عليه وسلم "من استطاع أن يموت بالمدينة فليمت فإنه لن يموت بها أحد إلا كنت له شفيعاً يوم القيامة" وما بعد هذه البقاع الثلاث فالمواضع فيها متساوية إلا الثغور فإن المقام بها للمرابطة فيها فيه فضل عظيم. ولذلك قال صلى الله عليه وسلم "لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد: المسجد الحرام ومسجدي هذا والمسجد الأقصى" وقد ذهب بعض العلماء إلى الاستدلال بهذا الحديث في المنع من الرحلة لزيارة المشاهد وقبور العلماء والصلحاء. وما تبين لي أن الأمر كذلك بل الزيارة مأمور بها قال صلى الله عليه وسلم "كنت نهيتكم عن زيارة القبور فزوروها ولا تقولوا هجراً" والحديث إنما ورد في المساجد وليس في معناها المشاهد، لأن المساجد بعد المساجد الثلاثة متماثلة ولا بلد إلا وفيه مسجد فلا معنى للرحلة إلى مسجد آخر، وأما المشاهد فلا تتساوى بل بركة زيارتها على قدر درجاتهم عند الله عز وجل، نعم لو كان في موضع لا مسجد فيه فله أن يشد الرحال إلى موضع فيه مسجد وينتقل إليه بالكلية إن شاء ثم ليت شعري هل يمنع هذا القائل من شد الرحال إلى قبور الأنبياء عليهم السلام مثل إبراهيم وموسى ويحيى وغيرهم عليهم السلام، فالمنع من ذلك في غاية الإحالة، فإذا جوز هذا فقبور الأولياء والعلماء والصلحاء في معناها، فلا يبعد أن يكون ذلك من أغراض الرحلة كما أن زيارة العلماء في الحياة من المقاصد؛ هذا في الرحلة. أما في المقام فالأولى بالمريد أن يلازم مكانه إذا لم يكن قصده من السفر استفادة العلم مهما سلم له حاله في وطنه؛ فإن لم يسلم فيطلب من المواضع ما هو أقرب إلى الخمول وأسلم للدين وأفرغ للقلب وأيسر للعبادة فهو أفضل المواضع له، قال صلى الله عليه وسلم "البلاد بلاد الله عز وجل والخلق عباده فأي موضع رأيت فيه رفقاً فأقم واحمد الله تعالى" وفي الخبر "من بورك له في شيء فليلزمه ومن جعلت معيشته في شيء فلا ينتقل عنه حتى يتغير عليه" وقال أبو نعيم: رأيت سفيان الثوري وقد جعل جرابه على كتفه وأخذ نعليه بيده فقلت: إلى أين يا أبا عبد الله؟ قال: إلى بدل أملأ فيه جرابي بدرهم. وفي حكاية أخرى بلغني عن قرية فيها رخص أقيم فيها، قال فقلت: وتفعل هذا يا أبا عبد الله؟ فقال: نعم إذا سمعت برخص في بلد فاقصده فإنه أسلم لدينك وأقل لهمتك، وكان يقول هذا زمان سوء لا يؤمن فيه على الخاملين فكيف بالمشهورين؟ هذا زمان تنقل يتنقل الرجل من قرية إلى قرية يفر بدينه من الفتن. ويحكى عنه أنه قال: والله ما أدري أي البلاد أسكن؟ فقيل له: خراسان، فقال: مذاهب مختلفة وآراء فاسدة، قيل: فالشام، قال: يشار إليك بالأصابع - أراد الشهرة - قيل؟ فالعراق، قال: بلد الجبابرة، قيل: مكة، قال: مكة تذيب الكيس والبدن. وقال له رجل غريب: عزمت على المجاورة بمكة فأوصني، قال: أوصيك بثلاث: لا تصلين في الصف الأول ولا تصحبن قرشياً ولا تظهرن صدقة. وإنما كره الصف الأول لأنه يشتهر فيفتقد إذا غاب فيختلط بعمله التزين والتصنع.


[saa]يتبع بإذن الله[/saa]

_________________

يا خير من دفنت في التراب أعظمه فطاب من طيبهن القاع الأكم
نفسي الفداء لقبر أنت ساكنه فيه العفاف وفيه الجود والكرم
أنت الشفيع الذي ترجى شفاعته عند الصراط إذا ما زلّت القدم


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
عرض مشاركات سابقة منذ:  مرتبة بواسطة  
إرسال موضوع جديد الرد على الموضوع  [ 167 مشاركة ]  الانتقال إلى صفحة السابق  1, 2, 3, 4, 5, 6, 7 ... 12  التالي

جميع الأوقات تستخدم GMT + ساعتين


الموجودون الآن

المستخدمون المتصفحون لهذا المنتدى: لا يوجد أعضاء مسجلين متصلين و 22 زائر/زوار


لا تستطيع كتابة مواضيع جديدة في هذا المنتدى
لا تستطيع كتابة ردود في هذا المنتدى
لا تستطيع تعديل مشاركاتك في هذا المنتدى
لا تستطيع حذف مشاركاتك في هذا المنتدى
لا تستطيع إرفاق ملف في هذا المنتدى

البحث عن:
الانتقال الى:  
cron
© 2011 www.msobieh.com

جميع المواضيع والآراء والتعليقات والردود والصور المنشورة في المنتديات تعبر عن رأي أصحابها فقط