باب في نسبه الشريف وطهارة عنصره المنيف
لما أراد الله عز وجل ظهور خير خلقه محمد صلى الله عليه وسلم وأمر جبريل أن يقبض طينته من مكان قبره الكريم فقبضها ثم طاف بها في جنات النعيم وغمسها في أنهار التسنيم وأقبل بها بين يدي الله العلي العظيم ولها عرق يسيل فخلق الله من ذلك العرق نور كل نبي جليل ، فجميع الأنبياء خلقوا من نور محمد صلى الله عليه وسلم ، ثم أودعت تلك الطينة في ظهر آدم وألقي فيها النور الذي سبق فخره وتقادم ، فوقعت هنالك طوائف الملائكة المقربين سجوداً لآدم ثم أخذ الله تعالى على آدم المواثيق والعهود حين أمر الملائكة له بالسجود أن لا يودع ذلك النور إلا في أهل الكرم والجود المطهرين من الدنس والجحود ، وقال الله تعالى : يا آدم إني قد جعلتك مستودع نور حبيبي محمد صلى الله عليه وسلم فاعرف قدر ما أودعت عندك من السر ، يا آدم تطهر وسبح وقدس واغش زوجتك حواء على طهارة منك ومنها فإني مخرج منكما نور حبيبي محمد صلى الله عليه وسلم ففعل آدم ما أمره به ربه فنقل الله ذلك النور من صلب آدم إلى حواء وكان يرى في جبهتهما دائرة كدائرة الشمس ثم وضعت شيثاً وحده كرامة لمن أطلع الله بالنبوة سعده ، فانتقل ذلك النور إلى جبينه فلما كبر شيث وأخذ هذا الميراث أقبل آدم عليه وقال : يا بني عليك بتقوى الله فإنها العروة الوثقى وإذا ذكرت الله تعالى فاذكر إلى جنبه اسم محمد صلى الله عليه وسلم فإني رأيت اسمه مكتوباً على العرش وأنا بين الروح والطين ثم إني طفت السموات فلم أر فيها موضعاً إلا رأيت اسم محمد مكتوباً عليه وإن ربي أسكنني الجنة فلم أر في الجنة قصراً ولا غرفة إلا رأيت اسم محمداً مكتوباً عليه ، ولقد رأيت اسم محمد مكتوباً على صدور الحور العين وورق قصب الجنة وعلى حلي الجنة وعلى ورق شجرة طوبى وعلى ورق سدرة المنتهى وعلى أطراف الحجب وبين أعين الملائكة فأكثر من ذكره فإن الملائكة الكرام المطهرين تذكره في كل ساعاتها ، وإني أعاهدك بالله العظيم أن لا تضع هذا النور المحمدي إلا في المطهرات من النساء ليصل إلى المطهرين من الرجال ، فعاهده على ذلك وأخذ آدم عليه العهود والمواثيق أن يوصي من انتقل إليه النور من أولاده بذلك ، ولم تزل هذه الوصية يعمل بها في القرون الماضية ، وما زال ذلك النور ينتقل من ظهور الأخيار إلى بطون الأطهار ، فانتقل ذلك النور من شيث إلى أنوش ثم إلى ولده قينان فأشرقت أنواره في الأكوان ، ثم إلى يرد فأكثر من التسبيح للواحد المنان ثم إلى أخنوخ وهو إدريس عليه السلام فظهر سره وبان ، ثم إلى متوشلخ ثم إلى لامك ثم إلى نوح النبي عليه السلام فنجا ببركته من الطوفان ، ثم إلى سام ثم إلى أرفخشذ فقام بالحق والبرهان ، ثم إلى قينن ثم إلى شالخ ثم إلى عابر وهو هود عليه السلام ثم إلى مكيصدق ثم إلى فالخ ثم إلى أرغو الذي تبلبل في زمنه كل لسان ، ثم إلى شاروخ ثم إلى ناجور ثم إلى ثارح فنال به كل القصد والمرام ، وما زال نور المصطفى ينتقل بالتعظيم والتبجيل حتى وصل إبراهيم الخليل عليه السلام وهو الذي بنى بيت الله الحرام ، ثم انتقل النور المحمدي من إبراهيم إلى إسماعيل عليهما السلام ثم إلى قيدار ثم إلى حمل ثم إلى نابت ثم إلى يعرب ثم إلى تيرح ثم إلى ناحور ثم إلى مقوم ثم إلى أدد ثم إلى أدى ثم إلى عدنان ثم إلى معد الفارس الكرار ثم إلى نزار ثم إلى مضر فظهرت في جبهته الأنوار ثم إلى إلياس ثم إلى مدركة فأدرك جميع الأقطار ثم إلى خزيمة ثم إلى كنانة فكان ذا هيبة ووقار ثم إلى النضر ثم إلى مالك ثم إلى فهر فهان ما تعسر من الأمور الكبار ثم إلى غالب فغلب الصناديد من الكفار ثم إلى لؤي ثم إلى كعب فأعلن قرب مولد أحمد المختار ثم إلى مرة فزال عنه الأضرار ثم إلى كلاب ثم إلى قصي فاطمأنت قريش في زمنه بالديار ثم إلى عبد مناف ثم إلى هاشم فكان في عز وافتخار ثم إلى عبد المطلب فظهرت له الكرامات الكبار وحاق بأبرهة وجيشه الوبال والنكال ثم إلى عبد الله فظهرت له الدلائل وسطعت على عزته الأنوار ، وكان نور المصطفى ينتقل من ظهور الأخيار إلى بطون الأحرار حتى وصلت يد الشرف والمكارم إلى عبد الله بن عبد المطلب بن هاشم ، وقد قيل :
بدت شموس الهدى من حسن قامته
وأشرق الكون من أنوار غرته
والكائنات لأجل المصطفى خلقت
دنيا وأخرى جميعاً من ملاحته
هو أول الخلق سر العالمين به
كذا جميع البرايا من بدايته
لولاه ما أوجد الله الوجود ولا
قد كان ما كان فيها من كرامته
حازت به الأنبيا مجداً ومكرمة
ونالت الرسل عزاً من هدايته
علا به آدم أسنى العلا رتباً
وللقبول جنى في ظل حرمته
له ملائكة الرحمن قد سجدت
سجود عز وتشريف لهيبته
مذ لاح في ظهره نور النبي وما
بدا السجود له إلا للمعته
إدريس لما دعا لولاه ما ارتفعت
عند المهيمن أقدار لرتبته
ويونس الفضل لما بالحبيب دعا
أنجاه مولى الورى من سجن غمته
به توسل نوح فاستجيب له
وقد نجا معه من في سفينته
نجى من النار إبراهيم ساعة إذ
ألقاه نمروده أسنى حمايته
وللذبيح فداً من عند خالقنا
جاء الأمين به فخراً لصفوته
يعقوب نادى به من كربة نزلت
عافاه رب السما منها ببهجته
ورد يوسف مولاه عليه كذا
الابصار عاد له من بعد ظلمته
أيوب من ضره لما استجار به
أبرأه رب الورى من داء بلوته
داود من سره لان الحديد له
وأوتي الحكم تشريفاً لحكمته
به سليمان نال الملك منفرداً
إنساً وجناً وريحاً طوع خدمته
موسى على الطور ناجاه الكريم
وما كان الخطاب له إلا بحضرته
وقد كفى الله عيسى مكر ما مكرت
به اليهود له رفع برفعته
لولاه لولاه ما قد رسا وعلا
وما ارتقى الرسل إلا من مزيته
والأنبياء به جلت مراتبهم
وما حووا مجدهم إلا بقدرته
بجاهه يا إلهي أرنا وجهه أرنا
وامنن علينا بتعزيز بطلعته
واسمح لنا بالرضا وانعم بمرحمة
فؤادنا أرويه من صافي مودته
واغفر لنا ما مضى واستر فضائحنا
وتب علينا ووفقنا لسنته
وارحم بفضلك عبداً ما له عمد
سواك يا عالماً أسرار حالته
وهو الخفاجي أوزار له كثرت
يرجو رضاك لتعفو عن خطيئته
ووالديه وأولاداً وإخوته
والآل والصحب جمعاً مع قرابته
فاختم بخير لكل المسلمين ولا
تحرمهم يوم حشر من شفاعته
***
إن رمت أن تحظى بنسبة أحمد
فهو ابن عبد الله من ساد الورى
أعني ابن آمنة وهو عبد المطلب
وهو ابن هاشم ذي المكارم والقرى
وهو ابن عبد مناف بن قصي ابن
الخير من يدعى حكيماً خيرا
وهو ابن مرة بن كعب ينتمي
للؤي ابن البر غالب من يرى
وهو ابن فهر وابن مالك الفتى النضر
الذي هو من كنانة ذخرا
أعني به ابن خزيمة خزم العدا
وهو ابن مدركة أتاك مبشرا
وهو ابن إلياس الذي من صلبه
سمع النبي مهللاً ومكبرا
مضر الكريم الكل من أبنائه
أيضاً نزار معدهم ثم الذرى
عدنان آخر نسبة لنبينا
نجل الذبيح فلا تزد عما ترى
فإليه ينتسب النبي فثق به
فبحفظه ينجو فصنه موقرا
نسب تشرف كوننا بنظامه
وبه تسر قلوبنا إذ قررا
يا فوز من يفدونه بنفوسهم
وعيالهم طرباً لمن قد عطرا
وقال صلى الله عليه وسلم : إن الله خلق الخلق فجعلني في خيرهم ثم تخير القبائل فجعلني في خير قبيلة ثم تخير البيوت فجعلني في خير بيوتهم ، فأنا خيرهم نفساً وخيرهم بيتاً .
ويرحم الله من قال :
تنقلت في أصلاب أرباب سؤدد
كذا الشمس في أبراجها تنتقل
وسرت سرياً في بطون تشرفت
بحمل عليه في الأمور المعول
هنيئاً لقوم أنت فيهم ومنهمو
بدا منك بدر بالجمال مسربل
ولله وقت جئت فيه وطالع
سعيد على أهل الوجود ومقبل
فجد يا رسول الله منك برحمة
فإني أسير بالذنوب مكبل
عليك صلاة الله ثم سلامه
بتعداد ما قطر من السحب ينزل