موقع د. محمود صبيح

منتدى موقع د. محمود صبيح

جميع الأوقات تستخدم GMT + ساعتين



إرسال موضوع جديد الرد على الموضوع  [ 196 مشاركة ]  الانتقال إلى صفحة السابق  1 ... 6, 7, 8, 9, 10, 11, 12 ... 14  التالي
الكاتب رسالة
 عنوان المشاركة: Re: تجميع لكتب المولد النبوي الشريف
مشاركة غير مقروءةمرسل: السبت ديسمبر 13, 2014 11:17 am 
غير متصل

اشترك في: الثلاثاء أكتوبر 30, 2007 4:26 pm
مشاركات: 3907
مكان: في حضن الكرام

الفصل الرابع

في وقت الحمل به صلى الله عليه وسلم ومدته وما ظهر عند ذلك من دلائل نبوته

اعلم هداني الله وإياك لصالح الأعمال أن وقت الحمل به صلى الله عليه وسلم كان ليلة الجمعة أول ليلة من رجب ، روى الخطيب البغدادي عن سهل بن عبد الله التستري قال : لما أراد الله تعالى خلق سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم في بطن أمه ليلة رجب وكانت ليلة جمعة أمر الله تعالى في تلك الليلة رضوان خازن الجنة أن يفتح الفردوس وأن ينادي مناد في السموات والأرض ألا إن النور المخزون المكنون الذي يكون منه النبي الهادي في هذه الليلة يستقر في بطن أمه الذي يتم فيه خلقه ويخرج إلى الناس بشيراً ونذيراً ، انتهى .

وكان ذلك حين دخل السيد / عبد الله رضي الله عنه بالسيدة / آمنة رضي الله عنها ، قالوا : لما نحرت الإبل عن سيدنا عبد الله مر على امرأة من بني أسد بن عبد العزى اسمها قتيلة بنت نوفل أخت ورقة بن نوفل وكانت تسمع من أخيها ورقة أنه كائن في هذه الأمة نبي وأن من دلائله أن يكون نوره في وجه أبيه كالكوكب الدري فنظرت إلى نور النبي صلى الله عليه وسلم يتلألأ في وجهه مع ما كان عليه من الحسن والجمال فإنه كان أحسن رجل رؤي في قريش حتى إن نساء قريش شغفن به ولقى منهن عناء ومشقة كما لقى سيدنا يوسف عليه السلام من زليخا ، روي عن العباس أنه لما بنى عبد الله بآمنة أحصوا مائتي امرأة من بني مخزوم وبني عبد مناف متن ولم يتزوجن أسفاً على ما فاتهن من عبد الله وأنه لم تبق امرأة في قريش إلا مرضت ليلة دخل عبد الله بآمنة ، فقالت قتيلة : لك مثل الإبل التي نحرت عنك وقع علي الآن تريد منه الجماع ورجت أن تحمل بهذا النبي الكريم صلى الله عليه وسلم فقال لها : أنا مع أبي الآن لا أستطيع خلافه ولا فراقه وانصرف ، فأتى به أبوه إلى وهب بن عبد مناف سيد بني زهرة نسباً وشرفاً فزوجه ابنته آمنة وهي يومئذ أفضل امرأة من قريش نسباً وموضعاً فدخل بها حين أملك فوقع عليها من فوره فحملت برسول الله صلى الله عليه وسلم وانتقل نوره إليها وأقام عندها ثلاثة أيام على عادتهم إذا دخل الرجل على امرأته عند أهلها ثم خرج من عندها فجاء أخت ورقة يريد أن يتعرف السبب الذي دعاها إلى بذل ذلك القدر الكثير في مقابلة هذا الشيء على خلاف عادة النساء مع الرجال فلما رأته لم تقبل عليه فقال : مالك لا تعرضين علي ما كنت عرضت ؟ قالت له : من أنت ؟ قال : أنا فلان ، قالت : ما أنت هو ، لقد رأيت بين عينيك نوراً ما أراه الآن ما صنعت بعدي ؟ فأخبرها فقالت : والله ما أنا بصاحبة ريبة ولكن رأيت في وجهك نوراً فأردت أن يكون في وأبى الله إلا أن يجعله حيث أراد اذهب فأخبرها أنها حملت بخير أهل الأرض .

وأما مدة حمله به صلى الله عليه وسلم فكانت تسعة أشهر على الأصح المشهور ، وأما ما ظهر عند الحمل به من دلائل نبوته صلى الله عليه وسلم ، فقد روى أبو نعيم عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما قال : كان من دلالة حمل آمنة بسيدنا محمد صلى الله عليه وسلم أن كل دابة لقريش نطقت تلك الليلة وقالت حمل برسول الله صلى الله عليه وسلم ورب الكعبة وهو إمام الدنيا وسراج أهلها ولم تبق كاهنة في قريش ولا في قبيلة من قبائل العرب إلا حجبت عن صاحبها ( أي تابعها ) من الجن وانتزع علم الكهانة منها ولم يبق سرير لملك من ملوك الدنيا إلا أصبح منكوساً وأصبح كل ملك أخرس لا ينطق يومه ذلك وفرت وحوش المشرق إلى وحوش المغرب بالبشارات وكذلك أهل البحار يبشر بعضهم بعضاً ( أي بقدومه صلى الله عليه وسلم ) ، وله في كل شهر من شهور حمله نداء في الأرض ونداء في السماء أن أبشروا فقد آن أن يظهر أبو القاسم صلى الله عليه وسلم ميموناً مباركاً ، وروي عن كعب الأحبار أنه نودي تلك الليلة في السماء وصفاحها والأرض وبقاعها أن النور المكنون الذي منه رسول الله صلى الله عليه وسلم يستقر الليلة في بطن أمه فيا طوبى لها ثم يا طوبى ، وأصبحت أصنام الدنيا منكوسة وكانت قريش في جدب شديد وضيق عظيم فاخضرت الأرض وحملت الأشجار وأتاهم الرفد من كل جانب فسميت تلك السنة التي حمل فيها برسول الله صلى الله عليه وسلم سنة الفتح والابتهاج ، وروى ابن اسحق أن آمنة كانت تحدث أنها أتيت ( أي في المنام ) حين حملت به صلى الله عليه وسلم فقيل لها : أنك حملت بسيد هذه الأمة ، وفي رواية عنه أيضاً أنها قالت : ما شعرت ( أي ما علمت ) أني حملت به ولا وجدت له ثقلاً ولا وحماً كما تجد النساء إلا أني أنكرت حيضتي وأتاني آت وأنا بين النوم واليقظة فقال : هل شعرت بأنك حملت بسيد الأنام ( أي الخلق قاطبة ) ثم أمهلني حتى إذا دنت ولادتي أتاني فقال : قولي ( أي إذا وضعتيه ) أعيذه بالواحد من شر كل حاسد ثم سميه محمدا.

ولما تم للسيدة آمنة من حملها شهران توفي سيدنا عبد الله بن عبد المطلب وهو ابن ثمان عشرة سنة على الصحيح وكان قد ذهب مع قريش إلى غزة في تجارتهم ورجع ضعيفاً فلما مروا بالمدينة تخلف عند أخوال أبيه بني عدي بن النجار فأقام عندهم مريضاً شهراً فلما قدم أصحابه مكة سألهم عبد المطلب عنه فقالوا : خلفناه مريضاً عند أخواله فبعث إليه أخاه الحرث فوجده قد توفي ودفن في دار التابعة وفيه صلى الله عليه وسلم خلف من كل مفقود وبعروج مواسمه بزغت كواكب السرور والسعود ، وما ألطف ما قال الأستاذ الحلواني وإلى الله عليه مواسم التهاني :



أهلاً بعرف البشر جاء مبشراً

بالمصطفى عين الصفا خير الورى


رقى السعود على منابر مجده

من ليلة الحمل الشريف وكبرا


وبكل فج في العوالم قد سرى

بين الورى أرج السرور معطرا


وأتى كريم الأمر رضوان العلا

أن يفتح الفردوس عالية الذرى


وسرى النداء بأن نور المصطفى

في أمه الفضلى يبيت مقررا


وبذا تصايحت الدواب وأعلنت

بالحمل ناطقة هديت بلا امترا


واستبشرت كل الوحوش وبشرت

كذوي البحار وحق أن تستبشرا


وغدا المنادي في جميع شهوره

بظهوره في العالمين مبشرا


وتنكست الأصنام والأرض ازدهت

والرفد عم ونوره قد أزهرا


فعليه صلى ثم سلم ربه

وعلى جميع الآل ما سار سرى



وصل اللهم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه صلاة ترضيك وترضيه وترضى بها عنا وسلم كذلك والحمد لله رب العالمين .


_________________
( بسم الله الرحمن الرحيم ) قل هو الله أحد . الله الصمد . لم يلد ولم يولد . ولم يكن له كفوا أحد .
قل أعوذ برب الفلق . من شر ما خلق . ومن شر غاسق إذا وقب . ومن شر النفاثات في العقد . ومن شر حاسد إذا حسد .


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة: Re: تجميع لكتب المولد النبوي الشريف
مشاركة غير مقروءةمرسل: الأحد ديسمبر 14, 2014 9:56 am 
غير متصل

اشترك في: الثلاثاء أكتوبر 30, 2007 4:26 pm
مشاركات: 3907
مكان: في حضن الكرام

الفصل الخامس

في بيان وقت المولد الشريف ومكانه وباهر آياته وما كان عليه المصطفى عند ولادته من محاسن صفاته صلى الله عليه وسلم

قد اختلفت العلماء في عام المولد الشريف وفي شهره وفي أنه لكم ليلة منه وفي أنه هل كان ليلاً أو نهاراً وفي أنه أي ليلة أو يوم كان وفي مكانه على أقوال كثيرة ولنذكر المختار في ذلك كله : أما العام فعام الفيل أي ولد صلى الله عليه وسلم في العام الذي حبس فيه الفيل عن دخول مكة بعد يوم الفيل بخمسين يوماً على ما صححه بعضهم ، وأما الشهر فربيع الأول على الصواب ، وأما أنه لكم ليلة منه فلإثنتي عشرة منه ، وأما أنه هل كل ليلاً أو نهاراً فالذي انحط عليه كلامهم أنه ولد بعد الفجر لكن الذي جزم به الغوث الدباغ من طريق الكشف أنه ولد آخر الليل قبل الفجر بمدة وأن خلاص أمه تأخر إلى طلوع الفجر وأن المدة التي بينهما هي ساعة الإجابة الليلية التي فخمت الأحاديث أمرها لكنه حاول في المواكب الجمع بين هذا وما قبله فليراجع ، وأما أنه أي ليلة أو يوم كان فاليوم يوم الإثنين والليلة ليلته ، وأما مكانه فهو بمكة ببيت بآخر شعب بني هاشم في سوق الليل وقد بنته الخيزران أم هارون الرشيد مسجداً فهو يتبرك به إلى الآن .

تنبيه : جرت العادة بقيام الناس إذا ذكر المولد الشريف ولا بأس به بل هو بدعة مستحبة لما فيه من تعظيمه صلى الله عليه وسلم وظهور الفرح والسرور بقدومه صلى الله عليه وسلم ولعمري إذا لم يقم لقدومه صلى الله عليه وسلم ولو المتخيل بذكر ولادته فلمن يقام ، فينبغي تأكده بل أفتى المولى أبو السعود بكفر من يتركه حين يقوم الناس لإشعاره بضد ما تقدم ، هذا واعلم أنه قد نوه جماعة من الأحبار بليلة المولد الشريف وأيقنوا بذهاب النبوة من بني إسرائيل لذلك السر اللطيف فقد قالت عائشة رضي الله تعالى عنها : كان يهودي قد سكن مكة يتجر فيها فلما كانت الليلة التي ولد فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : يا معشر قريش هل ولد فيكم الليلة مولود ؟ قالوا : لا نعلم ، قال : انظروا فإنه ولد في هذه الليلة نبي هذه الأمة الأخيرة بين كتفيه علامة فيها شعرات متواترات كأنهن عرف فرس ، فانصرفوا فسألوا فقيل لهم : قد ولد لعبد الله بن عبد المطلب غلام فذهب اليهودي معهم إلى أمه فقالوا : أخرجي المولود ابنك فأخرجته لهم وكشفوا عن ظهره ، فلما رأى اليهودي العلامة خر مغشياً عليه ، فلما أفاق قيل له : ويلك مالك ؟! قال : ذهبت النبوة من بني إسرائيل أما والله ليسطون عليكم سطوة يخرج خبرها المشرق والمغرب ، وعن حسان بن ثابت رضي الله تعالى عنه قال : إني لغلام ابن سبع سنين أو ثمان أعقل ما رأيت وسمعت إذا يهودي يصرخ ( أي بالمدينة ) ذات غداة : يا معشر يهود ، فاجتمعوا عليه وأنا أسمع ما يتكلمون به ، قالوا : يا ويلك مالك ؟! قال : طلع نجم أحمد الذي ولد به في هذه الليلة ( رواه ابن اسحق ) وفي لفظ قال : هذا كوكب أحمر وهو لا يطلع إلا بالنبوة ولم يبق من الأنبياء إلا أحمد ، وروي أن عيصا الراهب الشامي الذي كان يمر الظهر أن كان يلزم صومعة له وكان يدخل مكة أحياناً فيلقى الناس فيقول : يوشك أن يولد فيكم يا أهل مكة مولود تدين له العرب ويملك العجم هذا زمانه فمن أدركه واتبعه أصاب حاجته ومن أدركه وخالفه أخطأ حاجته وتالله ما تركت أرض الخمر والخمير والأمن ولا حللت أرض البؤس والجوع والخوف إلا في طلبه ، فكان لا يولد في مكة مولود إلا سألوه عنه فيقول : ما جاء بعد ( أي لم يجيء إلى الآن ) فلما كان صبيحة اليوم الذي ولد فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج عبد المطلب حتى أتى عيصا فوقف في أصل صومعته فناداه فقال : من هذا ؟ فقال : أنا عبد المطلب ، فأشرف عليه فقال : كن أباه فقد ولد ذلك المولود الذي كنت أحدثكم عنه يوم الإثنين ويبعث يوم الإثنين ويموت يوم الإثنين ، قال : ولد لي الليلة مع الصبح مولود ، قال : فما سميته ؟ قال : محمدا ، قال : والله لقد كنت أتشهى هذا المولود فيكم يا أهل هذا البيت بثلاث خصال نعرفه فقد أتى عليهن منها : أنه طلع نجمه البارحة وأنه ولد اليوم وأن اسمه محمد .

ثم في ليلة المولد الشريف ظهرت آيات باهرة ففيها فتحت أبواب السماء كلها وأبواب الجنان وألبست الشمس يومها نوراً عظيماً وفيها تزلزلت الكعبة ثم لم تسكن ثلاثة أيام ولياليهن طرباً وفرحاً بقدومه صلى الله عليه وسلم ، وروي عن عبد المطلب قال : ليلة ولد سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم كنت في الطواف فلما مضى نصف الليل رأيت الكعبة سجدت نحو مقام إبراهيم وسمعت صوت التكبير الله أكبر الله أكبر الآن طهرت من أنجاس المشركين وأرجاس الجاهلية ، وفيها تنكست الأصنام وانقلبت على وجهها وتوالت بشرى الهواتف به صلى الله عليه وسلم فقد كان نفر من قريش يجتمعون إلى صنم فدخلوا عليه ليلة ولد صلى الله عليه وسلم فرأوه منكساً على وجهه فأنكروا ذلك وردوه إلى حاله فانقلب انقلاباً عنيفاً فردوه كذلك فانقلب ثلاث مرات فقالوا : إن هذا لأمر حدث ثم أنشده أحدهم أبياتاً يتعجب من أمره ويسأله ما السبب ؟ فسمعوا من جوفه هاتفاً يجيب بصوت جهير قائلاً

:

تردى لمولود أضاءت بنوره

جميع فجاج الأرض بالشرق والغرب



وهتف هاتف حين ولد صلى الله عليه وسلم على الجحون منشداً :

فأقسم ما أنثى من الناس أنجبت

ولا ولدت أنثى من الناس واحدة


كما ولدت زهرية ذات مفخر

مجنبة لؤم القبائل ماجدة



وهتف آخر على أبي قبيس بأربعة أبيات تتضمن ذلك المعنى وزيادة ولذا قال البوصيري رضي الله عنه :

وتوالت بشرى الهواتف أن قد

ولد المصطفى وحق الهناء



وفيها اضطرب ( أي ارتج ) إيوان كسرى أنوشروان وانشق سقفه طولاً لأنه كان عقداً وارتجس ( أي صوت بشدة عند شقه ) لمتانة بنائه وسقط من شرفاته أربع عشرة شرفة وكانت اثنتين وعشرين ، ولم يقع ذلك لخلل في بنائه لأنه لم يبن أحكم منه إذ كسرى مع قوة سلطانه مكث في بنائه نيفاً وعشرين سنة فكان لا تعمل فيه المعاول إذ هو مع شقه باق إلى الآن ، وإنما إرادة الله تعالى أن يكون آية للمصطفى صلى الله عليه وسلم باقية مدى الدهر ، وفيها خمدت نار الفرس التي كانوا يعبدونها وكانت لم تخمد قبل ذلك بألف عام بل كانت توقد أشد الإيقاد ليلاً ونهاراً فلم يقدر أحد تلك الليلة على إيقاد شيء منها بوجه من الوجوه ، وفيها غاضت ونشفت بحيرة ساوة مع عظمها إذ كانت أكثر من ستة فراسخ في الطول والعرض تركب فيها السفن ويسافر إلى ما حولها من البلاد فأصبحت يابسة كأن لم يكن بها ماء قط وبني موضعها مدينة ساوة الباقية إلى الآن ، ونقصت بحيرة طبرية التي في الشام نقصاً ظاهراً ، وفيها فاض وادي السماوة ، ولما وقع بإيوان كسرى ما وقع راعه ذلك لأنه لما أصبح تصبر تشجعاً ثم رأى أن لا يكتم هذا الأمر عن وزرائه ومرازبته فلبس تاجه وجلس على سريره ثم بعث إليهم فلما اجتمعوا قال : أتدرون فيم بعثت إليكم ؟ قالوا : لا إلا أن يخبرنا الملك ، فبينما هم كذلك إذ ورد عليهم كتاب بخمود النيران وآخر بغيض بحيرة ساوة وآخر بعدم جريان بحيرة طبرية وآخر بفيضان وادي السماوة فلما وردت هذه الكتب إزداد غماً إلى غمه ثم أخبرهم بما هاله وكان الموبذان حاضراً فقال : وأنا أصلح الله الملك قد رأيت في هذه الليلة رؤيا ، رأيت إبلاً صعاباً تقود خيلاً عراباً قد قطعت دجلة وانتشرت في بلاد فارس ، فقال : أي شيء هذا يا موبذان ؟ قال : حدث عظيم يكون من ناحية العرب فابعث إلى عاملك بالحيرة يوجه إليك رجلاً من علمائهم فإنهم أصحاب علم بالحدثان فكتب إلى النعمان بن المنذر ملك العرب أن وجه إلي برجل عالم بما أريد أن أسأله عنه فوجه إليه بعبد المسيح بن عمرو الغساني وكان كاهناً عاش أكثر من ثلثمائة وخمسين سنة فلما ورد عليه قال له : ألك علم بما أريد أن أسألك عنه ؟ فقال : ليسألني الملك عما أحب فإن كان عندي علم أعلمته وإلا أخبرته بمن يعلمه فأخبره بالذي وجه إليه فيه ، فقال : علم ذلك عند خال لي يسكن مشارف الشام يقال له سطيح ، قال : فأته فاسأله ثم ائتني ، فجاءه وهو محتضر وعمره ثلثمائة سنة وقيل سبعمائة فسلم عليه وكلمه فلم يرد عليه فقال أبياتاً يستجوبه بها فلما سمعها تحرك وقال : عبد المسيح من بلد نزيح على جمل مشيح جاء إلى سطيح وقد أوفى على الضريح ، بعثك ملك ساسان لارتجاس الإيوان وخمود النيران ورؤيا الموبذان ، رأى إبلاً صعابا تقود خيلاً عرابا قد قطعت دجلة وانتشرت في فارس ، يا عبد المسيح إذا كثرت التلاوة وظهر صاحب الهراوة وغاضت بحيرة ساوة وخمدت نار فارس وفاض وادي السماوة فليست بابل للفرس مقاماً ولا الشام لسطيح شاماً يملك منهم ملوك وملكات بعدد الشرفات وكل ما هو آت آت ، ثم مات من ساعته وقدم عبد المسيح على كسرى فأخبره فقال : إلى أن يملك منا أربعة عشر ملكاً كانت أمور وأمور ، وفيها رن إبليس لعنه الله رنة عظيمة كما رن عند الحمل وتنكس عرشه ووكل به ملك على رأسه يغطسه في مضيق البحار أربعين صباحاً حتى صار أسود محترقاً ، وفيها زيد في حراسة السماء بالشهب ومنعت الجن من استراق السمع بالكلية ، ولقد أحسن الشقراطسي حيث قال :



ضاءت لمولده الآفاق واتصلت

بشرى الهواتف في الإشراق والطفل


وصرح كسرى تداعى من قواعده

وانقض منكسر الأرجاء ذا ميل


ونار فارس لم توقد وما خمدت

مذ ألف عام ونهر القوم لم يسل


خرت لمبعثه الأوثان وانبعثت

ثواقب الشهب ترمي الجن بالشعل



ولما آن أوان إشراق الكائنات بظهور نور مظهر التجليات صلى الله عليه وسلم حصل للسيدة آمنة رضي الله تعالى عنها ما كانت تحدث به عن نفسها كما رواه أبو نعيم عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما وأبو سعيد النيسابوري عن كعب الأحبار ونقله الحفاظ وسكتوا عليه وذلك أنها كانت تقول : لقد أخذني ما يأخذ النساء ( أي من الطلق ) ولم يعلم بي أحد من قرابتي لا ذكر ولا أنثى وإني لوحيدة في المنزل وعبد المطلب في طوافه ، فسمعت وجبة عظيمة وأمراً عظيماً فهالني ذلك وذلك يوم الإثنين فرأيت كأن جناح طير أبيض مسح على فؤادي فذهب عني الروع وكل وحشة كنت أجدها ثم التفت فإذا أنا بشربة بيضاء فيها لبن فتناولتها فشربتها فأضاء مني نورها ثم رأيت نسوة كالنخل طوالاً كأنهن من بنات عبد مناف يحدقن بي فبينا أنا أعجب من ذلك وأقول : واغوثاه من أين علمن بي ؟ فقلن لي : نحن آسية أمرأة فرعون ومريم بنت عمران وهؤلاء الحور العين ، فاشتد الأمر بي وأنا أسمع الوجبة في كل ساعة أعظم وأهول مما تقدم فبينا أنا كذلك إذا أنا بديباج أبيض قد مد بين السماء والأرض ، وفي لفظ : رأيت علماً من سندس على قضيب من ياقوت قد ضرب بين السماء والأرض وإذا قائل يقول : خذوه عن أعين الناس ( أي إذا ولد ) ورأيت رجالاً قد وقفوا في الهواء بأيديهم أباريق من فضة وإناء يرشح منه عرق كالجمان أطيب ريحاً من المسك الأذفر وأنا أقول : يا ليت عبد المطلب قد دخل علي ، وعبد المطلب ناء عني ، فرأيت قطعة من الطير قد أقبلت من حيث لا أشعر حتى غطت حجرتي مناقيرها من الزمرد وأجنحتها من الياقوت ، فكشف الله عن بصري فأبصرت ساعتي تلك مشارق الأرض ومغاربها ورأيت ثلاثة أعلام مضروبات علماً في المشرق وعلماً في المغرب وعلماً على ظهر الكعبة ، فأخذني المخاض واشتد الأمر جداً فكنت كأني مستندة إلى أركان النساء وكثرن علي حتى كأنهن معي في البيت وأنا لا أرى شيئاً فولدت محمداً صلى الله عليه وسلم ، وحينئذ يستحب القيام كما تقدم تعظيماً له صلى الله عليه وسلم ، قالت رضي الله عنها : فلما خرج من بطني درت فنظرت إليه فإذا هو ساجد قد رفع إصبعيه إلى السماء كالمتضرع المبتهل ثم رأيت سحابة بيضاء قد أقبلت من السماء نزلت حتى غشيته فغيب عن وجهي برهة فسمعت منادياً ينادي ويقول : طوفوا بمحمد صلى الله عليه وسلم شرق الأرض وغربها وأدخلوه البحار كلها ليعرفوه باسمه ونعته وصورته ويعلمون أنه سمي فيها الماحي ولا يبقى شيء من الشرك إلا محي به في زمنه ثم تجلت السحابة عنه في أسرع وقت فإذا أنا به مدرج في ثوب صوف أشد بياضاً من اللبن وتحته حريرة خضراء وقد قبض على ثلاثة مفاتيح من اللؤلؤ الرطب الأبيض وإذا قائل يقول : قبض محمد صلى الله عليه وسلم على مفتاح النصر ومفتاح الذكر ومفتاح النبوة ثم أقبلت سحابة أخرى أعظم من الأولى لها نور يسمع فيها صهيل الخيل وخفقان الأجنحة من كل مكان وكلام الرجال حتى غشيته فغيب عن عيني أكثر وأطول من المدة الأولى فسمعت منادياً ينادي : طوفوا بمحمد صلى الله عليه وسلم الشرق والغرب وعلى موالد النبيين واعرضوه على كل روحاني من الجن والإنس والملائكة والطيور والسباع وأعطوه خلق آدم ومعرفة شيث وشجاعة نوح وخلة إبراهيم ولسان إسماعيل ورضا إسحق وفصاحة صالح وحكمة لوط وبشرى يعقوب وجمال يوسف وشدة موسى وصبر أيوب وطاعة يونس وجهاد يوشع وصوت داود وحب دانيال ووقار إلياس وعصمة يحيى وزهد عيسى وأغمسوه في أخلاق النبيين ثم تجلت عنه في أسرع من طرفة عين فإذا أنا به قد قبض على حريرة خضراء مطوية طياً شديداً ينبع من تلك الحريرة ماء معين وإذا قائل يقول : بخ بخ قبض محمد صلى الله عليه وسلم على الدنيا كلها لم يبق خلق من أهلها إلا دخل في قبضته طائعاً بإذن الله عز وجل ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم القادر على ما يريد ، وفي رواية : ثم نظرت إليه وإذا به كالقمر وريحه يسطع كالمسك الأذفر فبينا أنا أتعجب إذا بثلاثة نفر ظننت أن الشمس تخرج من خلال وجوههم في يد أحدهم إبريق من فضة وفي ذلك الإبريق ريح المسك وفي يد الثاني طست من زمرد أخضر عليها أربع نواح في كل ناحية من نواحيها لؤلؤة بيضاء وإذا قائل يقول : هذه الدنيا شرقها وغربها برها وبحرها فاقبض يا حبيب الله على أي ناحية شئت ، قالت : فدرت لأنظر من أين قبض من الطست فإذا هو قد قبض على وسطها فسمعت قائلاً يقول : قبض على الكعبة ورب الكعبة ، أما إن الله تبارك وتعالى قد جعلها له قبلة ومسكناً مباركاً ورأيت في يد الثالث حريرة بيضاء مطوية طياً شديداً فنشرها فأخرج منها خاتماً تحار أبصار الناظرين دونه ثم حمل ابني فناوله صاحب الطست وأنا أنظر إليه فغسله من ذلك الإبريق سبع مرات ثم ختم بين كتفيه بالخاتم ختماً واحداً ولفه في الحريرة واستدر عليه خيطاً من المسك الأذفر ثم احتمله فأدخله تحت أجنحته ساعة وقال في أذنه كلاماً كثيراً لم أفهمه وقبل بين عينيه ثم قال : أبشر يا محمد فما بقي لنبي علم إلا وقد أعطيته فأنت أكثرهم علماً وأشجعهم قلباً معك مفاتيح النصرة وقد ألبست الخوف والرعب فلا يسمع أحد بذكرك إلا وجل فؤاده وخاف قلبه وإن لم يرك يا رسول الله ، ثم رأيت رجلاً قد أقبل نحوه حتى وضع فاه على فيه فجعل يزقه كما تزق الحمام فرخها فكنت أنظر إلى إبني يشير بإصبعه يقول : زدني زدني ، فزقه ساعة ثم قال : أبشر يا حبيب الله فما بقي لنبي حلم إلا وقد أوتيته ثم احتمله فغيبه عني فجزع فؤادي وذهل قلبي فقلت : ويح قريش والويل لها ماتت كلها أنا في ليلتي وفي ولادتي أرى ما أرى ويصنع بولدي ما يصنع ولا يقربني أحد من قومي إن هذا لهو العجب العجاب ، فبينا أنا كذلك إذا به قد رد علي كالبدور وريحه يسطع كالمسك وهو يقول : خذيه فقد طافوا به الشرق والغرب وعلى موالد النبيين أجمعين والساعة كان عند أبيه آدم فضمه إليه وقبل بين عينيه وقال : أبشر يا حبيبي فأنت سيد الأولين والآخرين ومضى ( أي آدم ) وجعل يلتفت ويقول : أبشر يا عز الدنيا وشرف الآخرة فقد استمسكت بالعروة الوثقى فمن قال بمقالتك وشهد بشهادتك حشر غداً يوم القيامة تحت لوائك وفي زمرتك وناولنيه ومضى ولم أره بعد تلك المرة .

وكانت القابلة له صلى الله عليه وسلم الشفاء الزهرية لكن إنما حضرت آخر الأمر وأسلمت في أول الناس لما رأت من آيات الميلاد الشريف ويقال : كانت القابلة آسية ، هذا وقد دلت الروايات على اتصافه صلى الله عليه وسلم عند ولادته بصفات سنية تليق بسامي مرتبته العلية منها : أنه ولد كسائر الأنبياء من تحت السرة لا من الموضع المعتاد تنزيها عن محل القذر ، ومنها أنه ولد نظيفاً لا قذر معه ، ومنها أنه خرج معه نور عم البيت والدار بل الكون حتى رأت أمه قصور الشام ، ومنها أنه حفظ من مس الشيطان ( أي نخسه ) الذي يقع للمولودين ، ومنها أنه لما وقع على يد الشفاء استهل فسمعت قائلاً يقول : يرحمك ربك ، ومنها أنه تكلم حين خرج من بطن أمه فقال : الله أكبر كبيراً والحمد لله كثيراً وسبحان الله بكرة وأصيلاً ، ومنها أنه ولد مختوناً بخاتم النبوة بين كتفيه مائلاً إلى أعلى كتفه الأيسر على الصحيح وكان أحمر ينم مسكاً وبتلألأ نوراً يحار الناظر دونه وكان يزيد وينقص فتارة يكون قدر بيضة الحمامة وتارة يكون أكبر من ذلك وحوله شعرات ولم يثبت كتابة شيء عليه فلا يجوز اعتقاد ذلك ولا يغتر بما روي فيه ، ومنها أنه ولد مختوناً ( أي بلا قلفة ) وحكمته تكميل النظافة ولذة الجماع ولم يكن بفعل البشر لئلا يروا سوأته قال صلى الله عليه وسلم : من كرامتي على ربي أني ولدت مختوناً ولم ير أحد سوأتي ، ومنها أنه ولد مكحولاً مدهوناً مسروراً أي مقطوع السر أي الخلاص ، ومنها أنه ولد مستقيماً على قدميه لا منكوساً على العادة إشارة إلى خرقة العادة بشدة استقامة ذاته وصفاته وشريعته " وإنك لتهدي إلى صراط مستقيم " ولله در الأستاذ البوصيري حيث قال وأجاد :



ومحيا كالشمس منك مضيء

أسفرت عنه ليلة غراء


ليلة المولد الذي كان للدين

سرور بيومه وازدهاء


وتوالت بشرى الهواتف أن قد

ولد المصطفى وحق الهناء


وتداعى إيوان كسرى ولولا

آية منك ما تداعى البناء


وغدا كل بيت نار وفيه

كربة من خمودها وبلاء


وعيون للفرس غارت فهل كان

لنيرانهم بها إطفاء


مولد كان منه طالع الكفر

وبال عليهم ووباء


فهنيئاً به لآمنة الفضل

الذي شرفت به حواء


من لحواء أنها حملت أحمد

أو أنها به نفساء


يوم نالت بوضعه ابنة وهب

من فخار ما لم تنه النساء


وأتت قومها بأفضل مما

حملت قبل مريم العذراء


شمتته الأملاك إذ وضعته

وشفتنا بقولها الشفاء


رافعاً رأسه وفي ذلك الرفع

إلى كل سؤدد إيماء


رامقاً طرفه السماء ومرمى

عين من شأنه العلو لعلاء


وتدلت زهر النجوم إليه

فأضاءت بضوئها الأرجاء


وتراءت قصور قيصر بالروم

يراها من داره البطحاء



وصل اللهم على سيدنا محمد إمام الأنبياء وسيد الأصفياء وعلى آله وصحبه عدد معلوماتك ومداد كلماتك وسلم كذلك والحمد لله رب العالمين .


_________________
( بسم الله الرحمن الرحيم ) قل هو الله أحد . الله الصمد . لم يلد ولم يولد . ولم يكن له كفوا أحد .
قل أعوذ برب الفلق . من شر ما خلق . ومن شر غاسق إذا وقب . ومن شر النفاثات في العقد . ومن شر حاسد إذا حسد .


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة: Re: تجميع لكتب المولد النبوي الشريف
مشاركة غير مقروءةمرسل: الأحد ديسمبر 14, 2014 7:28 pm 
غير متصل

اشترك في: الثلاثاء أكتوبر 30, 2007 4:26 pm
مشاركات: 3907
مكان: في حضن الكرام

الفصل السادس

في رضاعه وما نشأ عليه من جميل طباعه صلى الله عليه وسلم وشرف وكرم

اعلم وفقنا الله لما يرضاه ومكن من قلوبنا محبة مصطفاه أنه كان من عادات العرب إذا ولد لهم مولود أن يلتمسوا له مرضعة من غير قبيلته ، قيل : لأنهم كانوا يرون غاية العار على المرأة أن تستقل برضاع ولدها ، وقيل : ليكون أنجب له وأفصح إذا نشأ غريباً ولذا كان صلى الله عليه وسلم يقول لأصحابه : أنا أعربكم ( أي أفصحكم عربية ) أنا قرشي واسترضعت في بني سعد ، وقال له الصديق رضي الله تعالى عنه : ما رأيت أفصح منك يا رسول الله ، فقال : وما يمنعني وأنا من قريش وأرضعت في بني سعد ، ولأجل ما ذكر كانت نساء القبائل التي حول مكة ونواحي الحرم يأتين مكة كل عام مرتين ربيعاً وخريفاً يأخذن الرضعاء فيذهبن بهم إلى بلادهن حتى تتم الرضاعة وقد سبق في علمه تعالى وإرادته الأزلية أن مرضعة حبيبه لا تكون إلا حليمة السعدية لما روي عن مجاهد قال : قلت لابن عباس رضي الله عنهما : تنازعت الطيور في إرضاع سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم قال : أي والله وكل نساء وذلك أنه لما نادى الملك في السماء الدنيا : هذا محمد سيد الأنبياء طوبى لثدي أرضعه فتنافست الجن والطير في إرضاعه فنوديت أن كفوا فقد أجرى الله ذلك على أيدي الإنس فخص بتلك السعادة وشرف بذلك الشرف حليمة ، ذكره في الخميس ، وهي حليمة بنت أبي ذؤيب المكناة بأم كبشة السعدية نسبة لبني سعد بن بكر بن هوازن قبيلة مشهورة في العرب بالكمال وتمام الشرف ، ولم يرضعه صلى الله عليه وسلم قبلها إلا أمه وثوبية مولاة أبي لهب ، فأما أمه فأرضعته ثلاثة أيام وقيل تسعة وقيل سبعة ، وثوبية أرضعته أياماً قلائل بلبن ابنها مسروح ، وأرضعه صلى الله عليه وسلم غير هؤلاء الثلاثة ، قال الزرقاني : إن جميع مرضعاته صلى الله عليه وسلم عشر ( أي من شرب منهن ) ولو اتفاقياً من غير استقلال بإرضاعه صلى الله عليه وسلم إذ لم يستقل بذلك إلا ثوبية وإن قلت أيامها وحليمة رضي الله عنهما ولذلك اقتصر في المواهب عليهما ، ولم ترضعه صلى الله عليه وسلم واحدة إلا رزقت الإسلام ببركته صلى الله عليه وسلم .

وقد وردت قصة السيدة حليمة من عدة طرق أصحها ما ذكره ابن إسحق وأخرجه الأئمة بعده بأسانيد مدارها عليه وذلك أنها قالت : خرجت في نسوة من بني سعد بن بكر نلتمس الرضعاء بمكة على أتان قمراء في سنة شهباء لم تبق لنا شيئاً ومعي زوجي ومعنا شارف لنا ( أي ناقة مسنة ) والله إنها ما تنبض بقطرة من لبن ومعي صبي لي لن ننام ليلنا من بكائه ، ما في ثديي ما يغنيه ولا في شارفنا ما يغذيه ، فلما قدمنا مكة استقبلني عبد المطلب فقال : من أنت ؟ فقلت : إمرأة من بني سعد ، فقال : ما اسمك ؟ قلت : حليمة ، فتبسم وقال : بخ بخ سعد وحلم خصلتان فيهما خير الدهر وعز الأبد ، يا حليمة إن عندي غلاماً فهل لك أن ترضعيه فعسى أن تسعدي به ؟ فقلت : ألا تذرني حتى أشاور صاحبي ، فانصرفت إلى صاحبي فأخبرته فكأن الله قذف في قلبه فرحاً وسروراً فقال : يا حليمة خذيه ، فرجعت إلى عبد المطلب فوجدته قاعداً ينتظرني فقلت : هلم بالصبي ، فاستهل وجهه فرحاً فأخذني وأدخلني بيت آمنة فإذا هي إمرأة هلالية بدرية كأن الكوكب الدري ضرب بين أسارير جبهتها فلما رأتني قالت : أهلاً وسهلاً يا حليمة ثم أخذت بيدي وأدخلتني البيت الذي فيه سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم فإذا هو مدرج في ثوب صوف أبيض من اللبن يفوح منه ريح المسك وتحته حريرة خضراء راقد على قفاه يغط تفوح منه رائحة المسك فأشفقت أن أوقظه من نومه لحسنه وجماله فدنوت منه رويداً فوضعت يدي على صدره فتبسم ضاحكاً وفتح عينيه لينظر إلي فخرج من عينيه نور حتى دخل خلال السماء وأنا أنظر فقبلته بين عينيه وأعطيته ثديي الأيمن فأقبل عليه بما شاء من لبن فحولته إلى الأيسر فأبى وكانت تلك حالته بعد فروي ثم روي أخوه فأخذته بما هو عليه إلى أن جئت به رحلي فأقبل عليه ثدياي بما شاء من لبن فشرب حتى روي وشرب أخوه حتى روي فقام صاحبي إلى شارفنا تلك فإذا لبنها لحافل فحلب ما شرب وشربت حتى روينا وبتنا بخير ليلة ، فقال صاحبي : يا حليمة والله إني لأراك قد أخذت نسمة مباركة ألم تري ما بتنا به الليلة من البركة والخير حين أخذناه ، قالت حليمة : فلم يزل الله تعالى يزيدنا خيراً ، فودعت النساء بعضهن وودعت أنا أم النبي صلى الله عليه وسلم ثم ركبت أتاني وأخذت سيدنا محمداً صلى الله عليه وسلم بين يدي فنظرت إلى الأتان وقد سجدت نحو الكعبة ثلاث سجدات ورفعت رأسها إلى السماء ثم مشت حتى سبقت دواب الناس الذين كانوا معي وصار الناس يتعجبون مني ويقلن النساء لي وهن ورائي : يا بنت أبي ذؤيب أهذه أتانك التي كنت عليها وأنت جائية معنا تخفضك طوراً وترفعك أخرى ؟! فأقول : تالله إنها لهي ، فيتعجبن منها ويقلن إن لها لشأناً عظيماً ، قالت : فكنت أسمع أتاني تنطق وتقول : والله إن لي لشأناً ثم شأناً بعثني الله بعد موتي ورد علي سمني بعد هزلي ويحكن يا نساء بني سعد إنكن لفي غفلة وهل تدرين من على ظهري ؟ على ظهري خيار النبيين وسيد المرسلين وخير الأولين والآخرين وحبيب رب العالمين ، وجعلت الأتان لا تمر بموضع إلا اخضر بإذن الله تعالى ولا زالت الأتان تسبق دوابهم إلى أن غابت عنهم والأرض قد كسيت خضرة والأتان لا تلحق ، فلما دخلت به صلى الله عليه وسلم إلى منزلي لم يبق منزل من منازل بني سعد إلا شممنا منه ريح المسك ، وفي رواية : قدمنا منازل بني سعد ولا أعلم أرضاً من أرض الله اجدب منها فكانت غنمي تروح علي حين قدمنا به صلى الله عليه وسلم شباعاً لبناً فنحلب ونشرب وما يحلب إنسان قطرة لبن ولا يجدها في ضرع حتى كان الحاضر من قومنا يقول لرعاتهم : اسرحوا حيث يسرح راعي غنم بنت أبي ذؤيب فيسرحون في الشعب الذي يسرح فيه فتروح أغنامهم جياعاً ما بها لبن وتروح غنمي لبناً حفلاً ، قالت : فلم يزل الله تعالى يرينا البركة ونتعرفها ببركته صلى الله عليه وسلم وألقى الله محبته في القلوب حتى أن أحدهم إذا نزل به أذى في جسده أخذ كفه صلى الله عليه وسلم فيضعها على موضع الأذى فيبرأ بإذن الله تعالى ومن نزل به ضر في عينيه مسح بكفه صلى الله عليه وسلم عليهما فيبرأن بإذن الله سبحانه سريعاً وكذلك إذا اعتل لهم دابة فيأخذون بيده صلى الله عليه وسلم فيمرون بها على موضع الأذى منها أو على كلها فتبرأ بإذن الله عز وجل ، ولقد كان صلى الله عليه وسلم يمس ضرع الشاة للقوم فتحلب غبوقاً وصبوحاً وما على الأرض شيء تأكله دابة ، وانبت الله ببركته العشب فأعشب الوادي ، وعنها أنها قالت : إنه لفي حجري ذات يوم إذ مرت به غنيماتي فأقبلت واحدة منهن حتى سجدت له وقبلت رأسه ثم ذهبت إلى صواحبها ، وعنها أنها قالت : كان صلى الله عليه وسلم يشب شباباً لا يشبه الغلمان يشب في اليوم شباب الصبي في شهر ويشب في الشهر شباب الصبي في سنة فوالله ما بلغ سنتيه حتى كان غلاماً جفراً ، وفي شواهد النبوة : أنه صلى الله عليه وسلم لما صار ابن شهرين كان يتزحلف مع الصبيان إلى كل جانب وفي ثلاثة أشهر كان يقوم على قدميه وفي أربعة أشهر كان يمسك الجدار ويمشي وفي خمسة قوي على المشي وفي ستة كان يسرع المشي وفي سبعة كان يسعى ويعدو إلى كل جانب وفي ثمانية كان يتكلم بحيث يفهم كلامه وفي تسعة كان يتكلم بالكلام الفصيح وفي عشرة كان يرمي السهام مع الصبيان ، ولما فصلته حليمة حين بلغ سنتين قدمت به على أمه صلى الله عليه وسلم وهي مضمرة أن ترجع به فكلمت أمه في ذلك ولم تزل بها حتى ردته معها فكانت حليمة بعد رجوعها من مكة لا تدعه يذهب إلى مكان بعيد فغفلت عنه يوماً في الظهيرة فخرجت تطلبه فوجدته قد خرج مع أخته الشيماء إلى البهم فقالت : في هذا الحر تخرجين به ، فقالت أخته : يا أمه ما وجد أخي حراً رأيت غمامة تظلل عليه إذا وقف وقفت وإذا سار سارت ، قالت حليمة : فمكث عندنا شهرين فبينما هو وأخوه يوماً خلف البيوت إذ جاء أخوه يشتد فقال لي ولأبيه : أدركا أخي القرشي ، قد جاء رجلان فأضجعاه وشقا بطنه فخرجنا فانتهينا إليه وهو قائم منتقع لونه فاعتنقه أبوه واعتنقته وقلنا له : أي بني مالك ؟ قال : أتاني رجلان عليهما ثياب بيض فأضجعاني ثم شقا بطني فوالله ما أدري ما صنعا ، وأخرج أبو نعيم وأبو يعلى وابن عساكر أنه صلى الله عليه وسلم قال : كنت مسترضعاً في بني سعد بن بكر فبينما أنا ذات يوم في بطن واد مع أتراب لي من الصبيان إذا أنا برهط ثلاثة معهم طست من ذهب مليء ثلجاً فأخذوني من بين أصحابي وانطلق الصبيان هراباً مسرعين إلى الحي فعمد أحدهم فأضجعني على الأرض إضجاعاً لطيفاً ثم شق ما بين مفرق صدري إلى منتهى عانتي وأنا أنظر إليه لم أجد لذلك مساً ثم أخرج أحشاء بطني ثم غسلها بذلك الثلج فأنعم غسلها ثم أعادها مكانها ثم قام الثاني فقال لصاحبه تنح ثم أدخل يده في جوفي وأخرج قلبي وأنا أنظر إليه وصدعه ثم أخرج منه مضغة سوداء فرمى بها ثم قال بيده يمنة ويسرة كأنه يتناول شيئاً فإذا بخاتم في يده من نور يحار الناظر دونه فختم به قلبي فامتلأ نوراً وذلك نور النبوة والحكمة ثم أعاده مكانه فوجدت برد ذلك الخاتم في قلبي دهراً ثم قال الثالث لصاحبه تنح فأمر يده بين مفرق صدري إلى منتهى عانتي فالتأم ذلك الشق بإذن الله تعالى ثم أخذ بيدي فأنهضني من مكاني إنهاضاً لطيفاً ثم قال الأول للثالث زنه بعشرة من أمته فرجحتهم ثم قال زنه بمائة فرجحتهم ثم قال زنه بألف فرجحتهم فقال : دعوه فلو وزنتموه بأمته كلها لرجحهم ، ثم ضموني إلى صدورهم وقبلوا رأسي وما بين عيني وقالوا : يا حبيب الله لن تراع إنك لو تدري ما يراد بك من الخير لقرت عيناك . أهـ .

وهذه إحدى مرات شق صدره الأربع ، والثانية وهو ابن عشر سنين والثالثة عند بعثته في غار حراء والرابعة عند الإسراء ، رجعنا إلى سياق حديث حليمة رضي الله تعالى عنها قالت : فاحتملناه صلى الله عليه وسلم ورجعنا به منازل بني سعد فيما يعلم الله ما بقي منزل من منازل بني سعد إلا وقد شممنا منه ريح المسك الأذفر ، وكان كل يوم ينزل عليه رجلان أبيضان فيغيبان في ثيابه ولا يظهران ، فقال أبوه : يا حليمة لقد خشيت أن يكون ابني أصيب فانطلقي فلنرده إلى أهله قبل أن يظهر به ما نتخوف ، فرجعنا به إلى أمه قالت : ما ردكما وقد كنتما حريصين عليه ، قلت : لا والله إنا قد كفلناه وأدينا الحق الذي يجب علينا فيه ثم نتخوف الأحداث عليه فقلنا يكون في أهله قالت أمه : والله ما ذاك بكما فأخبراني خبركما وخبره ، فوالله ما زالت بنا حتى أخبرناها خبره ، قالت : أتخوفتما عليه الشيطان كلا والله ما للشيطان عليه سبيل وإنه كائن لإبني هذا شأن ثم قالت : دعاه والحقا بشأنكما ، وروي أن السيدة حليمة قدمت عليه صلى الله عليه وسلم أيام خديجة فشكت له جدب البلاد فكلم خديجة فأعتطها أربعين شاة وبعير وأجل من هذا أنها جاءته يوم حنين فبسط لها رداءه فجلست عليه ثم جاء أبا بكر ففعل كذلك ثم عمر ففعل كذلك ، وروي عن ابن عباس وغيره أنه لما بلغ صلى الله عليه وسلم ست سنين وأياماً خرجت به أمه إلى أخواله بني عدي بن النجار بالمدينة فأقامت عندهم شهراً وكان قوم من اليهود يختلفون ينظرون إليه ، قالت أم أيمن : فسمعت أحدهم يقول : هو نبي هذه الأمة وهذه دار هجرته فوعيت ذلك كله من كلامهم ثم رجعت به أمه إلى مكة فلما كانت بالأبواء توفيت ودفنت فيها على المشهور الأصح ، وقيل بالحجون ، ويشهد له روايات كثيرة وكون العمل عليه ، وعند موتها نظرت إلى وجهه صلى الله عليه وسلم وهو عند رأسها وقالت :



بارك فيك الله من غلام

يا ابن الذي من حومة الحمام


نجا بعون الملك العلام

فودي غداة الضرب بالسهام


بمائة من إبل سوام

إن صح ما أبصرت في المنام


فأنت مبعوث إلى الأنام

تبعث في الحل وفي الحرام


تبعث في التحقيق والإسلام

دين أبيك البر إبراهام


فالله أنهاك عن الأصنام

أن لا تواليها مع الأقوام



ثم قالت : كل حي ميت وكل جديد بال وكل كبير يفنى وأنا ميتة وذكري باق وقد تركت خيراً وولدت طهراً ثم ماتت رضي الله تعالى عنها ، وكان بعد أمه في كفالة جده عبد المطلب وكان له عليه حنو ورقة لم يرقها على ولده وكان يقربه ويدخله عليه إذا خلا وإذا نام ويجلسه على فراشه وقد كان لا يجلس عليه أحد من أولاده ولا من أشراف قريش إجلالاً له ، وكانوا يؤخرونه صلى الله عليه وسلم عنه فيقول : دعوا إبني ويمسح على ظهره بيده ويقول : إن لإبني هذا لشأناً ، فلما بلغ ثمان سنين على الراجح مات جده ، فكان صلى الله عليه وسلم يبكي خلف سريره ، ودفن بالحجون عند جده قصي ، فكفله صلى الله عليه وسلم بعد جده عمه شقيق أبيه أبو طالب بوصية من جده ، ولما بلغ صلى الله عليه وسلم تسع سنين وقيل ثنتي عشرة سنة وشهرين وعشرة أيام خرج مع أبي طالب في أشياخ قريش إلى الشام حتى بلغ بصرى فعرفه الراهب بحيراء فخرج إليهم وكان قبل ذلك يمرون به فلا يخرج إليهم ، فجعل يتخللهم حتى جاء فأخذ بيده صلى الله عليه وسلم فقال : هذا سيد المرسلين هذا سيد العالمين هذا يبعثه الله رحمة للعالمين ثم صنع لهم طعاماً كرامة للمصطفى صلى الله عليه وسلم ثم قال : ارجعوا به لئلا تقتله الروم ، فالتفت فإذا سبعة قد أقبلوا من الروم فقال : ما جاء بكم ؟ قالوا : إن هذا النبي خارج في هذا الشهر فلم يبق طريق إلا بعث ملكنا إليها بناس ، قال : أفرأيتم أمراً أراد الله أن يقضيه هل يستطيع أحد من الناس رده ؟ قالوا : لا ، فبايعوه على عدم أذية المصطفى صلى الله عليه وسلم وأمر أبا طالب أن يرجع به فرجع به إلى مكة ، ولما بلغ صلى الله عليه وسلم خمساً وعشرين سنة خرج إلى سوق بصرى ومعه ميسرة غلام خديجة بنت خويلد بن أسد بن عبد العزى بن قصي في تجارة لها فنزل تحت شجرة يابسة نجر عودها قريباً من صومعة الراهب نسطوري فلما اطمأن تحتها اخضرت ونورت واعشوشب ما حولها وأينع ثمرها وتدلت أغصانها ترفرف على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال الراهب : ما نزل تحت هذه الشجرة إلا نبي ثم قال لميسرة : أفي عينيه حمرة ؟ قال : نعم لا تفارقه ، فقال : هو هو ، وهو آخر النبيين ويا ليت أني أدركه حين يؤمر بالخروج ، فوعى ذلك ميسرة ثم دنا إليه نسطوري سراً من ميسرة وقبل رأسه وقدميه وقال : آمنت بك وأنا أشهد أنك الذي ذكره الله في التوراة ثم قال : يا محمد قد عرفت فيك العلامات كلها خلا خصلة واحدة فأوضح لي عن كتفك ، فأوضح له فإذا بخاتم النبوة يتلألأ فأقبل يقبله ويشهد له بالرسالة ، وحضر صلى الله عليه وسلم السوق فباع واشترى وكان بينه وبين رجل اختلاف في سلعة ، فقال الرجل : احلف باللات والعزى ، فقال صلى الله عليه وسلم : ما حلفت بهما قط ، فقال الرجل : القول قولك ثم قال لميسرة وقد خلا به : هذا نبي والذي نفسي بيده إنه لهو الذي تجده أحبارنا منعوتاً في كتبهم ، ثم باعوا تجارتهم فربحوا فيها ضعف ما كانوا يربحون ، وكان ميسرة يرى في الهاجرة ملكين يظلانه صلى الله عليه وسلم من الشمس ، ورأت خديجة أيضاً لما رجعوا فأرته النساء التي عندها ومن حولها ، وأخبرها صلى الله عليه وسلم بالربح ، وأخبرها ميسرة بما رأى وبما أخبر به نسطوري وغيره ، فبعثها ذلك على أن تتزوج به صلى الله عليه وسلم فتزوجها صلى الله عليه وسلم بعد رجوعه بنحو ثلاثة أشهر وعمرها إذ ذاك أربعون سنة وهي يومئذ أوسط قريش نسباً وأعظمهم شرفاً وأكثرهم مالاً وكل قومها كان حريصاً على نكاحها لو قدر على ذلك قد طلبوها وبذلوا لها الأموال ، وأصدقها صلى الله عليه وسلم ما عاجله وآجله من الذهب ثنتا عشرة أوقية ونصف ، ولما بلغ صلى الله عليه وسلم خمساً وثلاثين سنة بنت قريش الكعبة فكان صلى الله عليه وسلم ينقل معهم الحجارة من أجياد واختصموا فيمن يضع الحجر الأسود موضعه لما في ذلك من الفخر حتى هموا بالقتال ثم حكموه صلى الله عليه وسلم في ذلك فأمر صلى الله عليه وسلم بثوب فوضع الحجر الأسود في وسطه وأمر كل قبيلة أن تأخذ بطرف من الثوب فرفعوه حتى قربوا من محله فأخذه صلى الله عليه وسلم فوضعه بيده الشريفة ، ولما بلغ صلى الله عليه وسلم أربعين سنة بعثه الله تعالى رسولاً إلى الخلق أجمعين ورحمة عامة لكافة العالمين ، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أجمعين .

ولنتخم لك هذا الفصل بشيء من شمائله صلى الله عليه وسلم فنقول : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم عظيماً في نفسه معظماً عند غيره لا يستطيع أحد ترك تعظيمه ولو حرص عليه ، يتلألأ وجهه تلألؤ القمر ليلة تمامه ، ليس بالطويل البائن ولا بالقصير بل كان أطول من المتوسط ، وكان صلى الله عليه وسلم حسن الجسم معتدل الخلق متناسب الأعضاء سميناً سمناً متوسطاً وكان مع سمنه متماسكاً ( أي ليس بمسترخ بل يمسك بعضه بعضاً من غير ترجرج ) حتى إنه كان في السن الذي شأنه استرخاء البدن كالشاب ، وكان صلى الله عليه وسلم عظيم الرأس وهو علامة النجابة يجاوز شعره شحمة أذنيه من غير جعودة شديدة ( أي التواء شديد ) ولا استرسال شديد بل كان شعره صلى الله عليه وسلم متوسطاً بين الجعودة والاسترسال ، وكان صلى الله عليه وسلم سهل الخدين فكان في وجهه طول مع استدارة لطيفة ، وكان صلى الله عليه وسلم أزج الحاجبين مفتوحهما وكان بينهما عرق يدره الغضب ، أقنى الأنف أدعج العينين أشكلهما ، طويل الأهداب ضليع الفم مفلج الأسنان كث اللحية ( أي عظيمها ) ضخم الكراديس واسع ما بين المنكبين عريض الصدر ضخم الكفين والقدمين ، وكانت كفاه صلى الله عليه وسلم مع ضخامتها ألين من الديباج رحب الراحة ( أي واسعها ) طويل الزندين طويل المسربة كثير شعر الذراعين والمنكبين وأعالي الصدر خمصان الأخمصين ، وكان لونه صلى الله عليه وسلم أحسن الألوان كان بياضاً مشرباً بحمرة ، وكان صلى الله عليه وسلم إذا مشى مشى بقوة كأنما ينحدر من مكان عال ، قال أبو هريرة رضي الله تعالى عنه : ما رأيت شيئاً أحسن من رسول الله صلى الله عليه وسلم كأن الشمس تجري في وجهه ولا رأيت أحداً أسرع في مشيته من رسول الله صلى الله عليه وسلم كأنما الأرض تطوى له ، إنا لنجهد أنفسنا وإنه لغير مكترث بل يمشي على هينة فيقطع من غير جهد ما لا نقطعه بالجهد ، وكان صلى الله عليه وسلم إذا التفت لا يلوي عنقه يمنة ولا يسرة بل كان يلتفت بجميع أجزائه مرة واحدة ، وكان صلى الله عليه وسلم خافض الطرف نظره إلى الأرض أطول من نظره إلى السماء جل نظره الملاحظة فكان لا يملأ عينيه من الأشياء لا سيما الدنيا وزخارفها ، وعن جابر بن سمرة قال : رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم في ليلة إضحيان وعليه حلة حمراء فجعلت أنظر إليه وإلى القمر فلهو عندي أحسن من القمر ، وروي عن عائشة أنها قالت : ما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يسرد كسردكم هذا ولكن كان يتكلم بكلام بين فصل يحفظه من جلس إليه ، وكان صلى الله عليه وسلم يتكلم بجوامع الكلم وكان يعيد الكلمة ثلاثاً لتعقل عنه ، ووصفه صلى الله عليه وسلم بعض الصحابة فقال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم متواصل الأحزان دائم الفكرة ليست له راحة طويل السكت لا يتكلم في غير حاجة يفتتح الكلام ويختتمه باسم الله تعالى ويتكلم بجوامع الكلم كلامه فصل لا فضول ولا تقصير ، ليس بالجافي الطبع السيء الخلق ولا الهين ، يعظم النعمة وإن دقت لا يذم منها شيئاً غير أنه لم يكن يذم ذواقاً ولا يمدحه ولا تغضبه الدنيا ولا ما كان لها فإذا تعدى الحق لم يقم لغضبه شيء حتى ينتصر له ولا يغضب لنفسه ولا ينتصر لها ، إذا أشار أشار بكفه كلها وإذا تعجب قلبها وإذا تحدث اتصل بها وضرب براحته اليمنى بطن إبهامه اليسرى وإذا غضب أعرض وأشاح وإذا فرح غض طرفه جل ضحكه التبسم يفتر عن مثل حب الغمام ، وبالجملة فهو صلى الله عليه وسلم الجامع لكل خلق وخلق جميل .



ولله در سيدنا حسان بن ثابت رضي الله تعالى عنه حيث قال :

وأحسن منك لم تر قط عيني

وأجمل منك لم تلد النساء


خلقت مبرأ من كل عيب

كأنك قد خلقت كما تشاء



فهو صلى الله عليه وسلم قمر الحسن وشمس الكمال صلى الله عليه وسلم ، قال الأستاذ الحلواني مخمساً البيتين المارين :

ألا يا خير أهل النشأتين

ومشهور العلا في الخافقين


لأنت ضياء أتى ثم أبغى


وأحسن منك لم تر قط عيني

وأجمل منك لم تلد النساء


حبيب الله أنت بغير ريب

فخصك بالحلى من عهد غيب


ولما رحت منه بخير سيب


خلقت مبرأ من كل عيب

كأنك قد خلقت كما تشاء


_________________
( بسم الله الرحمن الرحيم ) قل هو الله أحد . الله الصمد . لم يلد ولم يولد . ولم يكن له كفوا أحد .
قل أعوذ برب الفلق . من شر ما خلق . ومن شر غاسق إذا وقب . ومن شر النفاثات في العقد . ومن شر حاسد إذا حسد .


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة: Re: تجميع لكتب المولد النبوي الشريف
مشاركة غير مقروءةمرسل: الاثنين ديسمبر 15, 2014 12:28 am 
غير متصل

اشترك في: الأربعاء فبراير 03, 2010 12:20 am
مشاركات: 7636
اللهم صل على سيدنا محمد وآله وسلم
متابعة لامقاطعة
جزاكم الله خيرا
وصلى الله على سيدنا محمد وآله وسلم

_________________
صلوات الله تعالى تترى دوما تتوالى ترضي طه والآلا مع صحب رسول الله


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة: Re: تجميع لكتب المولد النبوي الشريف
مشاركة غير مقروءةمرسل: الاثنين ديسمبر 15, 2014 9:27 am 
غير متصل

اشترك في: الثلاثاء أكتوبر 30, 2007 4:26 pm
مشاركات: 3907
مكان: في حضن الكرام

الفصل السابع

في فضل قراءة قصة المولد الشريف وما للمتسبب فيها من الخير المنيف

اعلم جعلني الله وإياك من المحبوبين المحبين أن أول من أحدث الفرح بمولده صلى الله عليه وسلم الملك المظفر صاحب إربل المتوفي سنة ثلاثين وستمائة فأقره عليه أفاضل العلماء وعامة الصلحاء وكان يطلق عليهم فيه العطايا ويخلع عليهم الخلع السنية ويبالغ فيما يفعله فيه من الخيرات ، قال في مرآة الزمان : حكى من رأى سماط الملك المظفر في بعض الموالد أنه عد في ذلك السماط خمسة آلاف رأس غنم مشوي وعشرة آلاف دجاجة ومائة ألف زبدية حامضة وثلاثين ألف صحن حلوى ، انتهى . وكان يصرف عليه في كل سنة ثلثمائة ألف دينار ، وصنف له ابن دحية كتاباً في المولد سماه التنوير بمولد البشير النذير وقرأه بنفسه فأجازه عليه ألف دينار ، وكان الإمام أبو شامة شيخ النووي يكثر الثناء عليه لكثرة عنايته بذلك ثم لا زال أهل الإسلام من سائر الأقطار في القرى والأمصار يعملون ذلك ويعتنون به ويظهر عليهم من بركاته كل فضل عظيم وخير عميم ، فالاعتناء به من أعظم القربات وإذا كان الحق سبحانه خفف عن أبي لهب كل ليلة اثنين بسبب فرحه بمولد المصطفى صلى الله عليه وسلم وإعتاقه من بشرته بذلك مع أنه كافر قطعاً فما بالك بالموحد من أمة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم يفرح بمولده ويعطي بسماحة ما تصل إليه القدرة من الصدقات في محبته صلى الله عليه وسلم ، فلعمري إنما يكون جزاؤه من المولى الكريم أن يسهل له أموره في الدنيا ويدخله في الآخرة جنات النعيم ، وقد رأى بعض الصالحين المصطفى صلى الله عليه وسلم في النوم فقال له : حبيبي ما لمن يصنع لك مولداً ويفرح به ؟ فقال : من فرح بنا فرحنا به ، انتهى . وفرح النبي صلى الله عليه وسلم بالشخص رضاه عنه ويلزم منه رضا الله سبحانه ، وأي جزاء أعظم من رضا الله ورسوله ، وقد استدل الحافظ ابن حجر العسقلاني لندب عمل المولد بأصل ثابت في السنة معتبر وهو ما ثبت في الصحيحين من أن النبي صلى الله عليه وسلم لما قدم المدينة وجد اليهود يصومون يوم عاشوراء فسألهم فقالوا : هذا يوم أغرق الله فيه فرعون ونجى موسى ونحن نصومه ( أي شكراً لله تعالى ) فقال صلى الله عليه وسلم : أنا أحق بموسى منكم فصامه وأمر بصيامه ، فيؤخذ منه ندب الشكر لله على ما أنعم به في يوم معين من إيصال نعمة أو دفع نقمة وأن يعاد ذلك في نظير ذلك اليوم كما أن صوم يوم عاشوراء يعاد كل سنة ، وأي نعمة لدينا أعظم من ظهوره صلى الله عليه وسلم فالفرح بمولده أولى والشكر عليه أحرى والشكر لله يحصل بأنواع العبادة كالصلاة والصيام وإطعام الطعام وقراءة القرآن وذكر الله تعالى والصلاة والسلام على سيد ولد عدنان صلى الله عليه وسلم وذكر القصائد النبوية إلى غير ذلك مما لا يشتمل على شيء من المحرمات أو المكروهات أو خلاف الأولى ، وأنكر بعض علماء المغرب الصيام لقياسه ذلك على يوم العيد ولكل وجهة هو موليها ، وينبغي تحري وقت ولادته صلى الله عليه وسلم ومراعاة الخلاف فيه ولذا كان الملك المظفر يعمله سنة في الثامن من شهر ربيع وسنة في الثاني عشر منه وذلك لاختلاف الروايات في يوم ولادته صلى الله عليه وسلم لكن توسع قوم فنقلوه إلى أي يوم أو ليلة من السنة وهو حسن لكن التخصيص أفضل .

تنبيه : يجب تنزيه المولد الشريف عن المحرمات كقراءة القصص التي أكثرها كذب وكإشراف الرجال على النساء ونظرهم إليهن وعكسه إذ المعتمد في مذهبنا أنه حرام وقيل مكروه وذلك حيث لا شهوة ولا خوف فتنة وإلا حرم اتفاقاً وهذا في النظر وحده فما ظنك إذا اختلطت الرجال بالنسوان والمرد الحسان ، فيجب على كل من علم شيئاً من تلك المنكرات أن ينكره ويزيله إن قدر وإلا وجب عليه مفارقة محل المعصية مطلقاً على المعتمد ، وقيل بل إذا غلب على ظنه أنه يلحقه عصيانهم وإلا ندب إذا احتمل ذلك أو قطع بعدمه بالأولى ، ولا يترك الشخص نحو عمل المولد الشريف من القربات لما يقترن به من المنكرات بل يفعله وعليه إنكار ما يحصل من المنكر كما يتبع الجنائز ويصلي عليها وإن كان معها نحو نائحة وعليه الإنكار ويزور القبور والموالد الأحمدية وإن اختلطت الرجال بالنساء وعليه الإنكار كما في فتوى العلامة ابن حجر وعناية الشهاب الخفاجي ، قال صلى الله عليه وسلم : لا يحرم الحرام الحلال .

والحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله ، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه ومن والاه .

وكان الفراغ من تبييضه يوم الإثنين تاسع ربيع الثاني سنة أربع وتسعين ومائتين وألف من هجرة المصطفى صلى الله عليه وسلم .



يقول خادم تصحيح العلوم بدار الطباعة البهية ببولاق مصر المعزية ، الفقير إلى الله تعالى محمد الحسيني أعانه الله على أداء واجبه الكفائي والعيني :

بحمد الله تم نظم هذا العقد البهيج ووشي هذا الطراز المحكم النسيج ، وانتهى طبع هذا المنمق البديع حسن الصنيع ألا وهو المولد الجليل عذب المنهل السلسبيل الآتي من سيره صلى الله عليه وسلم ومولده الشريف على النص والحقيقة بعبارة فائقة رائقة دقيقة تأليف النحرير الأوحد الملاذ الأسعد المتحلي بحلى الفضل الأستاذ الشيخ رضوان بن العدل لما كان بهجة للنفوس تشتاق إلى استماعه اشتياق العرس إلى العروس انتهض مؤلفه حفظه الله إلى طبعه رغبة في عموم نفعه بالمطبعة الزاهية الزاهرة ببولاق مصر القاهرة فجاء بحمد الله رشيق القوام مهفهف الأعطاف لطيف الانسجام في ظل الحضرة الفخيمة الخديوية وعهد الطلعة المهيبة الداورية من بلغت به رعيته غاية الأماني أفندينا المعظم عباس باشا حلمي الثاني أدام الله أيامه ووالى على رعيته إنعامه ملحوظاً هذا الطبع الجميل بنظر من عليه أخلاقه تثنى حضرة وكيل المطبعة الأميرية محمد بك حسني في أواخر شهر جمادى الأولى عام ثلاثة عشر بعد ثلثمائة وألف من هجرة من خلقه الله على أكمل وصف ، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم وشرف وكرم .

تم المولد الشريف وبالخير عم ولله الحمد والمنة ، ونستتبع ذلك المولد الشريف إحتفالاً وابتهاجاً بقدوم هلال شهر ربيع الأول شهر الحب والرحمة والبركات ، بالمولد الثاني لسيدي الإمام الدردير ( وهو مولد شعري غير المولد النثري السابق ) ، وهو ولله الحمد لم ينزل على الشبكة العنكبوتية حتى الآن ، فنسأل الله أن يحيي قلوبنا بمحبته صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم وأن يقر أعيننا برؤيته كرماً وطمعاً في كرم صاحب الجناب العالي مولانا وسيدنا الشفيع محمد صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم ..



سيدي الشيخ فراج يعقوب
دمت بخير وإن شاء الله سبحانه متابعة لا قطعنا الله جميعاً عن حضرته صلوات الله وسلامه عليه وآله وصحبه ..

_________________
( بسم الله الرحمن الرحيم ) قل هو الله أحد . الله الصمد . لم يلد ولم يولد . ولم يكن له كفوا أحد .
قل أعوذ برب الفلق . من شر ما خلق . ومن شر غاسق إذا وقب . ومن شر النفاثات في العقد . ومن شر حاسد إذا حسد .


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة: Re: تجميع لكتب المولد النبوي الشريف
مشاركة غير مقروءةمرسل: الثلاثاء ديسمبر 16, 2014 12:42 pm 
غير متصل

اشترك في: الثلاثاء أكتوبر 30, 2007 4:26 pm
مشاركات: 3907
مكان: في حضن الكرام
هي نفحة محمدية وهمة علية من الإمام الدردير قدس الله سره إلى أحد المريدين حيث أذن له بنظم مولده الشريف ( النثري ) ، فقام هذا المريد المحبوب ( ولا أعرف عنه شيئاً فمن يعرفه يشرفنا بأي تعريف له وأظن أنه بينه وبين الإمام رجلاً واحداً والله تعالى أعلى وأعلم ) بعمل هذا التخميس الجليل ليتضمن مولد شيخه الإمام الدردير رضي الله تعالى عنه وأرخ ذلك في آخر شطر من التخميس ، فقمت بحسابته فعلمت أنه قد كتبه عام 1297 هـ أي بعد انتقال الإمام الدردير إلى الرفيق الأعلى بستة وتسعون عاماً .

وقد وجدت هذا التخميس في أحد الكتيبات القديمة منسوباً للإمام الدردير وليس له وإنما هو لأحد أتباعه كما هو مبين في آخر الأبيات وكما هو موضح من التأريخ ، وهو ولله الحمد لم ينزل على الشبكة العنكبوتية إلا الآن ، نسأل الله سبحانه أن يجعله ويتقبله احتفالاً وابتهاجاً وشكراً لمولد الحبيب المحبوب سيدنا ومولانا محمد صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم ..

محب الدين / الصوفي



الحمد لله القديم الأول

ذو الجود والإيجاد والقدر العلي


وعن أصول أو فروع منجلي


وهو الجليل والجميل والولي

قد جل عن توالد أو نسل



سبحانه من نوره قد قبضا

قبضته وقال كوني المرتضى


وما بدا شيء يكون أو مضى


بل أول الأشياء نوراً أومضا

وكل ما كون من ذا الأصل



فالعرش والكرسي والأملاك

والشمس والنجوم والأفلاك


والعلم والتوفيق والإدراك


وزاخر البحار والأسماك

من نوره كالأنبيا والرسل



فأول الكرام آدم بدا

من طينة سراً خفياً أوجدا


بخلقة شريفة تأيدا


تبارك الذي بإبداع هدى

من غير سابق حكيم عدل



أقام أربعين عاماً طيناً

وأربعين حمأ مسنونا


كذلك الصلصال أربعينا


لمائة وبعدها عشرونا

قد صار نفخ الروح طبق النقل



سرت لعينيه فألفى الجسدا

من طينة جل الذي قد أوجدا


حتى انتهى لخيشم سر بدا


عطاسه وباللسان حمدا

رباً بإلهام له بالعقل



إجابة الأملاك في ذا المشهد

يرحمك الله أبا محمد


وتلك سنة لنسل يقتدى


فمن يكون عاطساً ويبتدى

بالحمد فهو آمن من هول



ثم سرت للنصف بالتعديل

فهم أن يقوم بالتعجيل


فلم يطق إلا مع التكميل


من أجل ذا قد جاء في التنزيل

تنبيهنا لخلقنا من عجل



وأودع الإله نور المصطفى

في ظهره منوراً بلا خفا


فوقف الأملاك حيث وقفا


وراء ظهره صفوفاً ألفا

يشاهدون نوره للفضل



فقال آدم إلهي انتمي

أن تجعل الأنوار في مقدمي


لكي أرى الأملا بالتيمم


فصار في الوجه البهي المكرم

فكان لا يراه حيث أعلى



فقال ربي أبتغي يكون

في موضع تبصره العيون


فصار في سبابة يزين


ونور صحبه به مقرون

بأربع وقد سرى في الكل



فخصت الوسطى بنور الأول

وعمر لبنصر وما يلي


لنور ذي النورين عثمان الجلي


وخص بالإبهام ذو الفضل علي

فكان يسمو للغيوم مجلي



وقال للأملاك إني جاعل

خليفة في الأرض عنكم يفضل


قالوا وكيف المفسدين تجعل


من يسفكون للدما أن يقتلوا

ونحن أولى منهم بالفضل



فقال إني للغيوب أعلم

منكم وسري عنكموا مكتم


ونال تعليم الأسامي آدم


وقال مولاه له انبئهموا

عن إسمهم لوصمهم بالجهل



وأمر الأملاك بالسجود

أمر الإله المالك المعبود


لآدم تحية الوفود


فبادروه ما عدا المبعود

إبليس أضحى عاصياً للأمر



فطرد الملعون وهو يدحر

ومقسم والغيظ فيه يمخر


ليغوين جمعهم ما قرروا


فقال ربي إنني لأغفر

ما استغفروا ولو أتوا كالرمل



وقام في الجنان آدم مشى

وكان دائماً بها مستوحشا


وللإله حكمة فيما يشا


فنام نومة بها قد أنعشا

فأخرجت حوا بوجه سهل



فقام من منامه رآها

بجاره ومشرق ضياها


فرام قربه لها يهواها


نادت له الأملاك لا تغشاها

حتى تؤدي مهرها بالفعل



قال لا أدري لها مهراً سوى

إني وجدتها بحالتي سوا


قالوا صلاة المصطفى هي الدوا


عشرين أو ثلاثة كما روى

فقال واستباحها للوصل



وقد أبيح لهما النعيم

إلا لحنطة بها التحريم


حتى أتى إبليس الرجيم


أغواهما في أكلها الذميم

بقسم لسابق في الأصل



بكا وناحا حيث أحزنتهما

نياحة فأتيا ليعلما


فسألاه قال أي عليكما


إذ موجبات الخلد قد تركتما

مزيناً إضلاله بالعدل



فصدقاه ثم منها أكلا

ومن جنان للأراضي نزلا


وفي المعاش اجتهدا وحصلا


وخلفت عشرين بطناً كملا

بأربعين ولداً في الأصل



وحملت شيثاً ببطن واحدا

كرامة لنور طه أحمدا


حتى إذا جاءت وفاته ابتدا


وصية لمن به النور بدا

أن يودع النور بطهر النسل



ولن تزال هذه الوصية

يعنى لها بهذه الكيفية


من طيب الأصول في البرية


لطاهرات الرحم الزكية

منزهات عن سفاح الجهل



إلى وصوله لعبد الله

بغاية الكمال والتناهي


في عقد سؤدد بديع باهي


بمثله رب العلى يباهي

لما حواه من بديع الفضل



فهو ابن عبد الله عبد المطلب

وهاشم عبد مناف يقترب


قصيهم كلاب مرة حسب


كعب لؤي غالب فهر نسب

ومالك نضر بديع الشكل



كنانة خزيمة ومدركة

إلياس ابن مضر قد أدركه


ابن نذار من معد شاركه


عدنان خاتم لذي المباركة

وما يليه فيه خلف النقل



حتى أراد الله أفشا المضمر

في ظهره المكنون عقد الجوهر


من عالم الخفا لهذا المظهر


ليكمل الصفو الذي به جرى

ويشرق الإسلام بين الأهل



ألهم عبد المطلب أن يذهبا

لوهب الشريف حقاً نسبا


وابنته آمنة قد خطبا


وإنها أعلى قريش حسبا

للنجل عبد الله خير بعل



فنالها برغبة قوية

لتجتلى أنواره البهية


وللإله حكمة خفية


يخص من يشاء بالعطية

بلا وجوب بل بمحض الفضل



بنى بها في شعب جد المصطفى

فحملت به ووقتها صفا


وفي السماء والأراضي وصفا


وكم بشير باسمه قد هتفا

ونكست أصنام أهل الذل



ونكست أسرة الأكابر

وفرت الوحوش بالبشائر


وأفصحت بهائم العشائر


بحمله وأقسمت بالقادر

والذر والحيتان مثل النمل



كذا الأراضي عمها اخضرار

وحملت فوق الربا الأشجار


وغردت بوصفه الأطيار


وأينعت في عامه الأثمار

وعم طيب العيش بعد المحل



فكان عام الفتح ذاك العام

والابتهاج إذ بدا يرام


وجاءها آت له احترام


قال لها لما اعترى المنام

لآمنة بشرى بخير حمل



تقول ما شعرت إذ حملت

وثقلاً كالغير ما وجدت


ووحم النساء قد عدمت


وفي النعاس ثانياً رأيت

أيضاً مبشراً بخير نجل



ومات عبد الله حيث رجعا

من غزة الشام كبدر لمعا


بطيبة والبعض بالأبوا دعى


فضجت الأملاك حزناً سمعا

لموت والد له من قبل



تقول ربي قد بقى يتيم

نبيك المفضل العظيم


فقال ربنا أنا الرحيم


والكون كله له خديم

يكفيه فضلي إنني ذو الكفل



وكل شهر قد ينادى في السما

والأرض أن قدره حقاً سما


وقائل بحسن تبشير نما


أن أبشروا فذا أوانه انتما

وللغيوم نوره سيجلى



وجاءني قبيل وضعي مرشدي

معلماً تعويذه من حاسد


وقائم وقاعد وراقد


ونافث وعائد وعاقد

وسمه محمداً كالفعل



وليلة الميلاد ما أجلها

كل الوجود بالسرور قد زها


والوحي للأملاك حقاً نالها


أن افتحوا الأبواب إجلالاً لها

من السماء والجنان الكل



وألبست شمس النهار نورا

وكان يوماً بالهنا مغمورا


وجملة النسا أتت ذكورا


وكل خير لم يكن مذكورا

بدا واخفى كل أمر سفلي



تقول أمه بإخبار جلي

لما أتاني الطلق بالتجول


وجده لدى طواف مشغل


وإنني وحيدة في منزل

فريدة عن جيرتي وأهلي



سمعت وجبة وأمراً هالني

ومثل ريش طائر قد مسني


فزال روعي والأمان نالني


ثم التفت لكي أرى من يسقني

إذا بشربة كشهد النحل



شربتها فنلت كل المطلب

ثم رأيت نسوة احطن بي


فبينما ازداد في تعجبي


أقول من أين علمن مأربي

أجبنني بسرعة لا مهل



فقلن نحن آسية ومريم

وهؤلاء من جنان يمموا


ومد ديباج الحرير يعلم


من السماء والأراضي يرسم

وذاك أصل في اصطناع السدل



ثم رأيت كالرجال في الهوى

معهم أباريق كفضة سوا


وقطعة الطيور منزلي حوى


منقارها مثل الزمرد النوى

والريش كالياقوت حكم النقل



وكشف الحجاب عن أبصاري

حتى رأيت مشرق الأقطار


كذاك مغرب وفيها ساري


نور النبي معدن الأنوار

فخلت رايات بحسن شكل



فراية في مشرق والثانية

في مغرب ليست علي خافية


ثالثة بظهر بيت عالية


والكون يجلى كالعروس الباهية

وأشرقت شمس الضحى بالليل



وضعته كالبدر في التمام

فزال عني غيهب الظلام


منزهاً عن بلة الأجسام


وساجداً للواحد العلام

بإصبع يشير كالمبتهل



يا حسنه لما استهل حامدا

وللإله شاكراً وساجدا


فكان حقاً حيث يدعى أحمدا


ولبت الأملاك تشميتاً بدا

يرحمك الرحمن يا ذا العدل



برفع راس للسماء يجري

إشارة حقاً لرفع القدر


ختانه كذاك قطع السر


والنور قد أبدى بناء القصر

في الشام يعلو كارتفاع النخل



كذا النجوم الزهر قد تدلت

وبحلا البهاء قد تحلت


حتى يظن أنها تجلت


بداخل البيت أو استقلت

فهل لمثله أتى في القول



وأقبلت سحابة من العلا

بيضاء غيبته عن عين الملا


وقد سررت إذ سمعت قائلاً


طوفوا به شرقاً وغرباً في الفلا

وفي البحار صرحوا بالفضل



كي يعرفوه باسمه وبصورته

وأنه الماحي لغير ملته


كذاك تأشير بدا من قبضته


أن الورى جميعهم في طاعته

ملوكهم تعنوا له بالذل



وارتج إيوان لكسرى وانصدع

وكم شرافات سقوطها وقع


ونار فارس لهيبها امتنع


وغاض ماء ساوة وما نبع

وجف كل موضع مبتل



ونكست أسرة الأصنام

وأينعت حدائق الإسلام


وعبقت روائح الآكام


ونشرت لطائف الأعلام

لنصرة الدين الذي قد أعلى



فجاء رحمة لكل الخلق

مؤيداً وناصراً للحق


يجلو غياهباً بسيف المحق


ومخمداً نيران أهل السحق

وخاتماً للأنبيا والرسل



صلى عليهم الإله في العلا

لا سيما روح الوجود الأكملا


والآل والأصحاب ما عبد تلا


عقداً بالازدواج مشرق الحلا

في مولد الهادي عديم المثل



ضمنته لقصة الدردير

أستاذنا ملاذنا النحرير


فإنه في نظمه أميري


مصرحاً بالإذن والتقرير

فجاء من أسراره بالسهل



وغاية الأمور جئت ناسخاً

بقلم الآداب لست شامخاً


مضمناً بمسكه مضمخاً


وقلت يا أخا الهدى مؤرخاً

هذاك مولد سمي الشكل



تم التخميس بفضل الله سبحانه



ونتذكر مولد الحاج أحمد أبو الحسن حتى نجمع جميع الموالد الشريفة في مكان واحد فتعم الفائدة بإذن الله سبحانه وهو على هذا الرابط :

viewtopic.php?f=7&t=9181&hilit=%D9%85%D9%88%D9%84%D8%AF+%D8%AE%D9%8A%D8%B1+%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%B1%D9%8A%D8%A9


ويليه بمشيئة الله سبحانه قصة المولد الشريف لسيدي الشيخ التلباني رحمه الله تعالى وهو مولد نادر لم ينزل أيضاً على الشبكة العنكبوتية من قبل ونتشرف بكتابته من نسخة قديمة ، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين ..


_________________
( بسم الله الرحمن الرحيم ) قل هو الله أحد . الله الصمد . لم يلد ولم يولد . ولم يكن له كفوا أحد .
قل أعوذ برب الفلق . من شر ما خلق . ومن شر غاسق إذا وقب . ومن شر النفاثات في العقد . ومن شر حاسد إذا حسد .


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة: Re: تجميع لكتب المولد النبوي الشريف
مشاركة غير مقروءةمرسل: السبت ديسمبر 20, 2014 12:35 pm 
غير متصل

اشترك في: الثلاثاء أكتوبر 30, 2007 4:26 pm
مشاركات: 3907
مكان: في حضن الكرام
تعريف مختصر بجامع المولد الشريف :

صاحب جمع هذا المولد هو العالم العلامة الأزهري الشيخ نافع بن الجوهري بن سليمان بن حسن بن مصطفى بن أحمد الخفاجي التلباني ( من بني خفاجة ) أي أنه من السادة الأشراف .

ولد عام 1250 هـ / 1838م في قرية تلبانة من أعمال الدقهلية وحفظ كتاب الله القرآن الكريم ، ودرس بالأزهر الشريف فنال العالمية عام 1283هـ ، وأقام ببلدته وسلك طريق الصوفية حيث كان شاذلي المشرب ، وله العديد من المؤلفات قد قاربت المائة في التصوف والفقه والشعر وغير ذلك ، ورغم كثرة مؤلفاته إلا أنها لم تطبع ، حتى هذا المولد الشريف طبع قديماً وأعتقد أن كثيراً من الناس لا يعرفوه ولا يعرفون حتى مؤلفه ..

وانتقل الشيخ عام 1330 هـ / 1912 م ، رحمه الله تعالى ورضي عنه وجزاه عنا خير الجزاء ..

ونبدأ المولد بمقدمة صغيرة للأستاذ محمد عبد المنعم خفاجى الأستاذ بكلية اللغة العربية بالأزهر الشريف والقائم على مراجعة هذا المولد العظيم ..

مقدمة لقصة المولد النبوي الشريف

النور الأعظم



ذلك النور السماوي العظيم ، الذي كان يظهر بين الحين والحين ، مبشراً برسالة سماوية جديدة فيها خير الحياة والوجود ، لابد أن يظهر مرة أخرى على الأرض ليبدد الظلمات ويحارب الأوهام والضلالات ، ويمحو ما ران على قلوب الناس من أباطيل وأساطير وجمود وجهل وعصبية أثيمة كاذبة .

وذلك الناموس الذي كان ينزل على إبراهيم وموسى وعيسى والأنبياء من قبل ، لابد أن ينزل على رسول كريم من جديد ليدعو الناس إلى أمثل الأخلاق وأكرم الآداب وأفضل الشرائع .

بهذا كان أهل الكتاب يتحدثون وبه كانوا يؤمنون ، تصديقاً لبشارة الأنبياء والكتب السماوية بظهور إمام الأنبياء وخاتم المرسلين .

ومرت الأيام بطيئة مسرفة في بطئها والظلام يشتد والظلم والاستبداد والطغيان ينتشر والوثنية والشرك يصبحان عقيدة الناس في الحياة ، وتوالت البشارات تجدد الأمل وتحيي الرجاء وتؤمن الناس على مستقبل الإنسانية وتنبئهم بقرب بزوغ نور الفجر الجديد .

لابد أن ينهار ملك كسرى وقيصر لأنه يقوم على أسوأ النظم والشرائع والعقائد ولأن عهد استعمارهما للعالم لابد أن ينقرض ، والحرية الكبرى من ذا يصد تيارها الزاخر القوي المندفع بقوة الله ؟!

وهؤلاء الباحثون عن الحقيقة الكبرى : ورقة بن نوفل الأسدي ، وزيد بن عمرو بن نفيل العدوي ، وعثمان بن الحويرث الأسدي ، وعبيد الله بن جحش ، يجتمعون في الجزيرة العربية في يوم عيد لهم فيقول بعضهم لبعض : تعلمن والله ما قومكم على شيء لقد أخطأوا دين أبيهم إبراهيم ما حجر نطيف به لا يبصر ولا يضر ولا ينفع ؟ يا قوم التمسوا لأنفسكم فإنكم والله ما أنتم على شيء .. وذهبوا يطوفون في البلاد يلتمسون الحنيفية دين إبراهيم ..

وكان زيد يسند ظهره إلى الكعبة ويقول : يا معشر قريش والذي نفس زيد بيده ما أصبح أحد منكم على دين إبراهيم غيري ، ثم يقول : والله لو أني أعلم أحب الوجوه إليك عبدتك به ولكني لا أعلمه ثم يسجد على راحته .

وفي مكة في صباح يوم خالد ميمون ، ولد محمد بن عبد الله بن عبد المطلب ، تسبقه إرهاصات وتحف بمولده الكريم معجزات وكرامات وتسير معه يوماً بعد يوم بشريات وأي بشريات ، ويحفظ الناس ما ذاع من ذكريات مولده ونشأته الكريمة العطرة ، وبدأ النور الإلهي يظهر في الأفق وأخذ الناموس السماوي يستعد لآخر رحلة له إلى الأرض .

وشب الغلام ونما نبيلاً شريفاً وسيداً سرياً وفتى زكياً ، ولقى قومه وقوم مرضعته النماء والخير على وجهه الأغر ، وقدمت به حليمة السعدية على أمه بعد فصاله ترجو أن تطيل لبث فتاها عندها متعللة بوباء مكة ، فقبلت آمنة بنت وهب ورجعت حليمة فرحة مستبشرة .

وبعد شهور كان محمد غلام يلعب ومعه ابن حليمة خلف الرحال ، وبعد قليل جاء أخوه يشتد وهو يقول : ذاك أخي القرشي قد أخذه رجلان فأضجعاه فشقا بطنه فهما يسوطانه ، فخرجت حليمة وزوجها نحوه فوجدته قائماً منتقعاً وجهه فالتزمته هي وزوجها وقالت : مالك بني ؟ قال : جاءني رجلان عليهما ثياب بيض فأضجعاني وشقا بطني فالتمسا شيئاً لا أدري ما هو ، فتخوفت عليه حليمة وقدمت به على أمه وقصت عليها القصص ، فقالت آمنة : إن لبني لشأناً أفلا أخبرك خبره ؟ قالت حليمة : بلى ، قالت : رأيت حين حملت به أنه خرج مني نور أضاء لي به قصور بصرى من أرض الشام ، ثم حملت به فوالله ما رأيت من حمل قط كان أخف ولا أيسر منه ، ووقع حين ولدته وإنه لواضع يديه بالأرض رافع رأسه إلى السماء ، دعيه عنك وانطلقي راشدة .

وما أصدق ما يقول محمد بعد ذلك : أنا دعوة أبي إبراهيم وبشرى عيسى .

ورأى بحيرا الراهب محمداً الغلام في بصرى بأرض الشام مع عمه أبي طالب فرأى المعجزة الكبرى قريبة منه فأخذ يحدث محمداً ويسأله ثم قال لعمه : اذهب بابن أخيك إلى بلده واحذر عليه فإن له لشأناً عظيماً .

وسمع ورقة بن نوفل ما كانت تتحدث به خديجة بنت خويلد عن محمد وشأنه وكان عالماً بالديانات والكتب السماوية فقال لها : لئن كان هذا حقاً يا خديجة إن محمداً لنبي هذه الأمة وقد عرفت أنه كائن لهذه الأمة نبي ينتظر هذا زمانه .. وجعل ورقة يستبطيء مرور الأيام ويقول : حتى متى رسالة الله ؟

وبينما كان محمد يتعبد بغار حراء جاءه جبريل بما جاءه من كرامة الله يبلغه رسالة الله ويحمله أمانته .

ورأى محمد ما رأى من الآيات الكبرى وسمع الصوت الإلهي يناديه من كل مكان : يا محمد أنت رسول الله وأنا جبريل ، ورجع إلى خديجة ينبئها النبأ فقالت : أبشر يا ابن عم واثبت فوالذي نفس خديجة بيده إني لأرجو أن تكون نبي هذه الأمة ، ثم انطلقت إلى ابن عمها ورقة بن نوفل تقص عليه القصص فقال ورقة : قدوس قدوس والذي نفس ورقة بيده لئن كنت صدقتني يا خديجة لقد جاءه الناموس الأكبر الذي كان يأتي موسى وإنه لنبي هذه الأمة .. ولقيه ورقة في الكعبة وهو يطوف بها فقال : يا ابن أخي والذي نفسي بيده إنك لنبي هذه الأمة ولقد جاءك الناموس الأكبر الذي جاء موسى .

ونزل القرآن الكريم دستور هذه الرسالة المحمدية العظمى وجاهد الرسول ومن آمن معه جهاد الأبطال ليبلغ رسالة ربه إلى الناس كافة وليحمي حرية الدعوة إلى الدين من أذى المشركين وطغيانهم .

وقبيل الهجرة بينما رسول الله صلوات الله عليه نائم في بيت أم هانيء بنت عمه إذ جاء جبريل وملائكة معه فأضجع محمداً وشق صدره وأسري به إلى بيت المقدس فصلى بالأنبياء والرسل إماماً ثم أتي بثلاثة آنية من لبن وخمر وماء فأخذ إناء اللبن فشرب منه فقال له جبريل : هَدَيِتَ وَهَدَيِتْ أمتك يا محمد ، ثم عرج إلى السماء فاستقبلته الملائكة والرسل والنبيون حتى إذا كان بالأفق الأعلى وقف أمام ربه يناجيه وثبته الله بالقول الصادق والإيمان الحق واليقين النبوي العظيم .

وهاجر محمد إلى المدينة وأنقذ الدعوة من خطر المشركين وأذاهم وصدهم فذاعت في كل مكان ودعا إليها الناس كافة وأرسل بنبئها الرسل إلى الأمراء والملوك والأقيال .

ثم اختاره الله إلى جواره الكريم بعد أن أنشأ أمة وأسس دولة ونشر شريعة الله ودينه الحق في العالم كله .

صلوات الله وسلامه عليه يوم ولد ويوم مات ويوم يبعث حياً وصلوات الله عليه كلما ذكره الذاكرون وحمده الحامدون .

وخفقت أعلام الإسلام وبنوده في كل مكان وانطلق هداته ودعاته في كل قطر يبشرون بحريات الناس والشعوب ويطلقون الأمم من إسارها ويرفعون عنها الأغلال التي قيدها بها الملوك المستبدون والقياصرة المتكبرون ويمحون ظلال الاستعمار والاستعباد والاضطهاد من الأرض ويبطلون ما تعارفت عليه الأجيال من آراء زائفة وأفكار باطلة وتقاليد ضالة ، فليس الحاكم ظل الله في الأرض وليست الأمم ملكاً لملك وليس الحكم مغنماً لأمير وليست هناك وصاية على أمة ولا حجر على جماعة ولا استغلال ولا نهب لمرافق طائفة من الناس لحساب طائفة أخرى ..

الحكم شورى ولا يجوز أن يستعبد الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحراراً .. العدالة والإنصاف والمساواة والإخاء والحرية حق لكل إنسان في الحياة .

وبعد قليل كانت الجامعات الإسلامية في قرطبة وطليطلة وغرناطة وفي القيروان والمهدية وفي الفسطاط والقاهرة وفي دمشق وحلب وفي بغداد والبصرة والكوفة وفي بخارى وخوارزم وقزوين وفي كل مكان .. كانت تعج بالطلاب والأساتذة وتنشر العلم والثقافة والنور في كل ناحية وتقوم على حرية البحث والفكر والرأي وعلى الإخلاص في خدمة الحقيقة وعلى التعاون الإنساني بين شتى العناصر والألوان والأجناس والشعوب لخدمة الإنسانية والرقي بالحياة .

بينما كانت أوربا تنام في الظلام وتعيش على الأوهام وتحيا على الجهل والجمود والقذارة والحجر على الحريات وتنتقل من عصور الرق البائدة إلى عهود الإقطاع القاسية المستبدة .

فمن مثل محمد في عظمته وجليل أثره على الدنيا وعظيم أياديه على الحياة ؟ ومن مثله من الدعاة والمصلحين والزعماء والفاتحين نجح في رسالته ذلك النجاح المنقطع النظير ؟ ومن مثله كان يعمل لأغراض إنسانية عالية فينسى نفسه وأهله وقومه ويجاهد لتحطيم رؤوس الضلال وشياطين الظلام في كل مكان ؟ ومن مثله كان مع هذا السلطان العظيم والنفوذ الضخم يعيش مع الفقراء ويحيا مع المساكين ويعمل في مهنة أهله ويأكل التمر ويقنع بالخبز مع حسن العشرة والأدب والتواضع والرحمة والرأفة والوفاء وحسن العهد وصلة الرحم والعدل والعفة والأمانة والصدق والإخلاص لله رب العالمين ؟ ومن مثله حطم رؤوس الاستعمار في كل مكان وهدم الاستبداد في شتى صوره وأشكاله وأقام للحرية مناراً عالياً يفيء إلى ظله كل إنسان ؟

إنه لرسول الله إلى الناس كافة ونبي البشرية الذي أنقذ الدنيا من ظلمات الجاهلية الأولى وقائد العالم إلى النور والعدالة والخير والمساواة وخاتم الأنبياء والمرسلين .. وصدق الله العظيم : " ما كان محمد أبا أحد من رجالكم ولكن رسول الله وخاتم النبيين وكان الله بكل شيء عليما " .

محمد عبد المنعم خفاجى
الأستاذ بكلية اللغة العربية


_________________
( بسم الله الرحمن الرحيم ) قل هو الله أحد . الله الصمد . لم يلد ولم يولد . ولم يكن له كفوا أحد .
قل أعوذ برب الفلق . من شر ما خلق . ومن شر غاسق إذا وقب . ومن شر النفاثات في العقد . ومن شر حاسد إذا حسد .


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة: Re: تجميع لكتب المولد النبوي الشريف
مشاركة غير مقروءةمرسل: الثلاثاء ديسمبر 23, 2014 11:57 am 
غير متصل

اشترك في: الثلاثاء أكتوبر 30, 2007 4:26 pm
مشاركات: 3907
مكان: في حضن الكرام

قصة المولد الشريف
للشيخ نافع الجوهري الخفاجي الشافعي الشاذلي التلباني
رحمه الله تعالى

مدحة نبوية كريمة للمؤلف



قف استمع ذكر من أنواره لمعت

في الكائنات كشمس في السما سطعت


أصغ لمدح نبي جل خالقه

لولاه ما كانت الأنوار قد سطعت


لولاه ما كان ملك الله منتظماً

دنيا وأخرى به كل قد افتتحت


قد كان نوراً ولا لوح ولا قلم

ولا سماء به إلا وقد رفعت


ولا جنان ولا نار الجحيم ولا

عرش وفرش ولا حجب قد انتصبت


ولا نجوم ولا شمس ولا قمر

ولا سحاب ولا أرض قد انبسطت


ولا جبال ولا بر ولا شجر

ولا رياح جرت في سهلها وسرت


ولا دواب ولا أنس ولا ملك

ولا وحوش سعت في وعرها ودبت


فالكل من ونوره الرحمن أوجده

لولاه ما كانت الآفاق قد نظمت


مذ جاءنا المصطفى بان الأمان لنا

والكائنات من الأنوار قد ملئت


يا مولد المصطفى هيجت مهجتنا

أسقيتنا من عيون منك قد نبعت


يا مولد المصطفى شرفت مسمعنا

بمقالة ذكرها يحلو إذا تليت


يا مولد المصطفى فرجت كربتنا

كسوتنا خلعة من نورك انتسجت


يا رب عفواً بجاه المصطفى كرماً

واستر عيوبي إذا الأموات قد بعثت


فإن دهري انقضى في الخسر واأسفي

ولاح شيبي وأيام الصبا ذهبت


ولم يكن لي في الخيرات من عمل

إلا الخطايا على ظهري قد احتملت


يا رب هب للخفاجي منك مغفرة

واكشف كروباً به يا رب قد نزلت



بسم الله الرحمن الرحيم
تمهيد بقلم المؤلف
الحمد لله الذي افتتح إغلاق الوجود بوجود صاحب المقام الأعلى ، وكمل السعود بأكرم مولود حوى شرفاً وفضلا ، وشرف به الآباء والجدود وملأ الوجود بجوده عدلا ، وجعله أعظم الأنبياء قدراً وأعلى وأكبرهم همة وفخراً وفضلا ، لولاه ما خلق الله ملكاً ولا أدار فلكا ولا كان نور يجلى ، فاز برؤية ربه ليلة الإسراء وتملى وطاف به جبريل شرقاً وغرباً ووعراً وسهلا ، حملته أمه آمنة فلم تجد لحمله ألماً ولا ثقلا ، ووضعته صلى الله عليه وسلم مختوناً مكحلاً في خلع الوقار والمهابة يجلى ، وولد نبينا محمد صلى الله عليه وسلم بوجه ما يرى أحسن منه ولا أحلى ، بنور كالشمس بل هو أضوأ وأجلى ، وزينه مولاه بخاتم النبوة الذي فاق مسكاً ولؤلؤاً بل هو أعلا وأغلى ، وجعل دينه على الدوام عالياً لا مستعلى وذكره على مر الأيام يكرر ويتلى ، أشرقت بمولده ظلم الحنادس وفاض الماء في القفار نهلا ، وخرت لمولده الأصنام من أعلا المجالس خضوعاً وذلا ، وارتج إيوان كسرى وهو جالس فعدم القوم نطقاً وعقلا ، وخمدت نيران فارس وتبدد منهم جمعاً وشملا ، وزخرفت الجنان ليلة مولده واطلع الحق وتجلى ، ونادت الكائنات من جميع الجهات أهلاً وسهلا ثم أهلاً وسهلا .



بشر ربيع قد بدا نوره الأعلى

فيا حبذا بدر بذاك الحمى يجلى


أضاءت له الأكوان شرقاً ومغربا

وأهل السما قالوا له مرحباً أهلا


وألبس ثوب النور عزاً ورفعة

فما مثله في خلقه الحسن يستجلى


فلما رآه البدر حار لحسنه

وشاهد منه بهجة تسلب العقلا


وأطفيء نور الشمس من نور وجهه

فلله ما أبهى ولله ما أحلى


أيا مولد المختار ما زلت مشرقاً

بأكرم مولود حوى الجود والفضلا


نبي رقى نحو السماء مشرفاً

وفضله الباري وألهمه العدلا


عليه سلام الله ما سرت الصبا

وما لاح نور من محاسنه يجلى


وصلى على مسك الختام محمد

أتم صلاة تملأ الحزن والسهلا



فسبحان من اصطفى سيدنا محمداً صلى الله عليه وسلم نبيه المبعوث بالدين الواصب الموصوف بأحسن الأوصاف وأجل المناقب ، الذي شرف الله به الوجود وكمل به السعود وبلغه أسنى المراتب ، أوجده في شهر ربيع الأول وأخرجه مطهراً سالماً من جميع المعايب ، خمدت لولادته النيران وخرت لمبعثه الأوثان وانشق إيوان كسرى ورمي بالمحن والمصائب ، ومنعت الشياطين من الصعود إلى السماء وصمت آذانهم عن سماع العجائب ، لا يسمعون إلى الملأ الأعلى ويقذفون من كل جانب دحوراً ولهم عذاب واصب .


_________________
( بسم الله الرحمن الرحيم ) قل هو الله أحد . الله الصمد . لم يلد ولم يولد . ولم يكن له كفوا أحد .
قل أعوذ برب الفلق . من شر ما خلق . ومن شر غاسق إذا وقب . ومن شر النفاثات في العقد . ومن شر حاسد إذا حسد .


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة: Re: تجميع لكتب المولد النبوي الشريف
مشاركة غير مقروءةمرسل: الأحد ديسمبر 28, 2014 6:51 pm 
غير متصل

اشترك في: الثلاثاء أكتوبر 30, 2007 4:26 pm
مشاركات: 3907
مكان: في حضن الكرام

فهو النبي الكريم والرسول العظيم المنزل عليه من الآيات والذكر الحكيم " إنا زينا السماء الدنيا بزينة الكواكب " ، نبي استخرجه الله من عنصر لؤي بن غالب وفضله على أهل المشارق والمغارب ، سمعه يسمع صرير القلم بصره إلى السبع الطباق ثاقب ، لسانه ما نطق بالهوى ولا تحدث قط بحديث كاذب ، يداه بركاتها في المطاعم والمشارب ، قلبه لا يغفل ولا ينام ولكن للخدمة على الدوام مراقب ، قدمه قبلها البعير فزال عنه ما شكاه من المخاوف والمعاطب ، آمن به الضب وسلمت عليه الأشجار وخاطبته الأحجار وحن إليه الجزع حنين حزين نادب ، يا له من نبي كلما حن إليه المشتاق قطع السباسب وسار على ظهور النجائب وكلما حدى الحادي ولاحت الأعلام والمضارب بادر الكئيب المستهام وقد زاد به الوجد والغرام إلى لقيا الحبائب :



حداة العيس رفقاً بالنجائب

فقلبي سار في إثر الركائب


وجسمي ذاب من سقم ووجد

ومن شوق إلى لقيا الحبائب


فهل لي من سبيل للتلاقي

فدمعي قد غدا مثل السحائب


لئن سمح الزمان بطيب وصل

وبلغت المقاصد والمآرب


لألتثمن ذاك الترب جهراً

وأرويه بأدمعي السواكب


وأحظى بالبقيع وساكنيه

ومن قد حل في تلك المضارب


قباب قد حوت بدراً منيراً

إذا ما ماس في تلك الذوائب


تخر له بدور الحسن طوعاً

سجوداً في المشارق والمغارب


حبيب فاق كل الخلق طراً

فلا تحصى مفاخره السحائب


نبي ما له في الرسل شبه

له فخر تسامى بالمناقب


فقل ما شئت عمن ليس تحصى

فضائله بحصر أو بكاتب


فمن ذا يستطيع له انحصارا

أيحصى القطر أو رمل الكتائب


عليه من المهيمن كل وقت

صلاة ما بدا نور الكواكب


وخص الآل والأصحاب جهراً

جميعهم وعترته الأطايب



ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له الذي أبرز بقدرته من غرة عروس الحضرة صبحاً مستنيراً ، وأطلع في أفلاك الكمال من بروج الجمال شمساً وقمراً منيراً ، وأخرج من جلال سبحات القوة قمر النبوة ولم يجعل له في العالمين نظيراً ، ورفع الرايات الأبدية لظهور الدولة المحمدية فمن صار تحتها كان مؤيداً منصوراً ، وكمل السعود بأشرف مولود حوى شرفاً وفضلاً غزيراً واختار في القدم سيدنا محمداً صلى الله عليه وسلم نبياً ورسولاً وصفياً وحبيباً ونجياً وبشيرا ، وأخذ له العهود على سائر مخلوقات الوجود تعظيماً له وتوقيرا ، وخلق لجلال جمال كمال بهاء غرته بطوناً اختارها لحمله وظهورا ، وجعلها لصون صدفة درة بهجة مهجة لؤلؤ جوهرة نفسه النفيسة بحورا ، ثم جعل منها ماء عذباً فراتاً ولم يجعل ملحاً أجاجاً حكمة منه وتقديرا ، واجتباه وحماه وصانه من الدنس والرجس وطهره تطهيرا ، ثم نقله من الأصلاب الطاهرة من الأنبياء من آدم إلى شيث ومن شيث إلى نوح ومن نوح إلى هود ومن هود إلى إبراهيم ومن إبراهيم إلى إسماعيل وكل نبي غدا به مستجيرا ، وما منهم من أحد إلا من أخذ عليه العهود والمواثيق ليؤمنن به ولينصرنه وكان ذلك في الكتاب مسطورا ، فآدم لأجله تاب الله عليه وإدريس بسببه رفعه الله إليه ونوح في الفلك به توسل وهود في دعائه عليه عول والخليل به تشفع وإسماعيل به تضرع وموسى بن عمران أعلم قومه بمكالمته وسأل ربه أن يكون من أمته ويكون له وزيرا ، وعيسى بن مريم بشر بوجوده وطلب المهلة إلى زمانه وسأل ربه أن يكون من أمته وله نصيرا ، وأضحى به الإنجيل مذكورا ، والأحبار به أخبرت والكهان به بشرت والرهبان بظهوره أعلنت والجن برسالته آمنت والهواتف باسمه هتفت والآيات بذكره نطقت ونار فارس من نوره خمدت والأكاسرة بملوكها لظهوره تزلزلت والتيجان عن رؤوس أربابها سقطت لهيبة المبعوث بالحق بشيراً ونذيرا ، وبحيرة ساوة ليلة مولده انشقت وغارت وانقطع وادي سماوة وكم من عين نبعت وفارت وانكسر إيوان كسرى وشرفاته تساقطت وهالت وملائكة السبع السموات بمولده تباشرت والسماء إكراماً له حرست والشهب إجلالاً له لمسترق السمع رجمت وإبليس اللعين صاح ونادى في الكائنات على نفسه من خوفه ويلاً وثبورا ، ورأت آمنة على رأسها فلكاً من الجمال مستنيرا ، وأطلع الله ليلة ولادته لسيادته اقماراً وبدوراً وفرح البيت الحرام بمولد سيد الأنام وامتلأ الحرم نورا ، وأشرق الصفا بنور المصطفى وأصبح موطن الإيمان معمورا ، وخرت الأصنام ذلاً وعاد كل منها من بعد عزه حقيرا ، واضطرب الكون عند ولادته واستطال ضياء ونورا ، ونثر السعد على الوجود نثورا ، وأمر الجليل جل جلاله جبريل أن ينادي في الكائنات من سائر الجهات أن يا أمة الهادي طيبوا فرحاً وسرورا ، ووضعته أمه آمنة مكحولاً مختوناً مطيباً مدهوناً معطراً مسروراً وأهوى ساجداً لربه عند وضعه وأومأ بأصبعه إلى السماء مشيرا ، وحمله جبريل وتبرك به ميكائيل وحفت به الملائكة بالتكبير والتهليل وأضحى كل منهم بجمال طلعته فرحاً مسرورا ، وقام إسرافيل على صوامع القدس للملائكة بشيراً وهنأ جبريل حملة العرش لما نشق من شذاه عنبراً وعبيرا ، وجاء بشير الوحي إلى الأكوان فانشرحت صدور أهل الإيمان وامتلأت العيون نورا ، وأمر الله رضوان أن يزخرف من الجنان غرفاً وقصوراً وينادي المنادي أن قد ولد النبي الهادي الذي من صلى عليه مرة واحدة صلى الله بها عليه عشراً وضاعف له أجورا ، ورقص الكون فرحاً وماج الكرسي موجاً واهتز العرش ليلة ولادته وتجلى الحق على بريته فكم جبر كسيراً ورحم مسكيناً وأغنى فقيرا ، وشرف بمحاسن هذا النبي المكرم توراة وإنجيلاً وفرقاناً وزبورا ، ونوه الله بذكره تشريفاً لقدره وتوقيراً وأطفأ به للمشركين ناراً وناداه العلي الأعلى وأسمع في الأقطار جمعاً غفيرا " يا أيها النبي إنا أرسلناك شاهداً ومبشراً ونذيراً وداعياً إلى الله بإذنه وسراجاً منيراً وبشر المؤمنين بأن لهم من الله فضلاً كبيرا .



لم تلق عيني للحبيب نظيرا

فجماله حسن تراه منيرا


فلكم له من آية مشهورة

نص الكتاب بها غدا مشهورا


أضحى الوجود لحسن طلعة وجهه

مذ حل فيه متوجاً محبورا


خمدت له نار المجوس ونكست

أصنامهم ودعوا هناك ثبورا


وأتى يبشر بالهداية والتقى

فلذاك يدعى هادياً وبشيرا


وأزال ظلمة ليل كفر عندما

وافى سراجاً للأنام منيرا


آيات أحمد لا تحد لواصف

ولو أنه أملى وعاش دهورا


لما تشفع آدم من ذنبه

غفر الإله له وكان غفورا


وكذاك نوح في السفينة قد نجا

بمحمد فاسأل بذاك خبيرا


وبه الخليل نجا من النار التي

كانت لنمرود اللعين ضرورا


وبه الذبيح فدى بذبح نعامة

لما رآه على البلاء صبورا


لولاه ما كان الكليم مخاطباً

في الطور لما أن أراد أمورا


لولاه ما رفع المسيح إلى السما

ولينزلن مجاهداً ونذيرا


والأنبياء جميعهم قد بشروا

بظهور أحمد مورداً وصدورا


أخبار أحمد في الكتاب تواترت

ولقد أباح بسر ذاك بحيرا


صلى عليك الله يا علم الهدى

قد جئت فينا هادياً وبشيرا



الحمد لله الذي أنار الوجود بوجود صاحب المقام الأعلى ..


_________________
( بسم الله الرحمن الرحيم ) قل هو الله أحد . الله الصمد . لم يلد ولم يولد . ولم يكن له كفوا أحد .
قل أعوذ برب الفلق . من شر ما خلق . ومن شر غاسق إذا وقب . ومن شر النفاثات في العقد . ومن شر حاسد إذا حسد .


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة: Re: تجميع لكتب المولد النبوي الشريف
مشاركة غير مقروءةمرسل: الجمعة يناير 16, 2015 7:36 pm 
غير متصل

اشترك في: الثلاثاء أكتوبر 30, 2007 4:26 pm
مشاركات: 3907
مكان: في حضن الكرام

ونشهد أن سيدنا ونبينا محمداً صلى الله عليه وسلم عبده ورسوله تتمة عقد أنبيائه وفريدة سمط أصفيائه هالة بدر الكمال ومركز دوائر الولاية والجلال وقطب فلك السعادة والنوال إنسان نوع الإنسان وتاج رأس الزمان جرثوم الوجود الخلقي مرآة الوجود الحقي لسان العزة الأقدسية أمين الأسرار الإلهية مجلى الذات مظهر الأسماء والصفات سر حياة العالم علة السجود لآدم روح الأرواح الساري في جميع الأشباح صاحب الشرف والمجد حامل لواء الحمد آدم فمن سواه إلا تحت لوائه ، سلم الرضى رفرف الاصطفا سدرة الانتها شمس العلم نجم الهداية جوهرة الكون بدر سماء العوارف وشمس فلك المعارف أكمل المظاهر المنبئ عن الله قبل العناصر ، المتجلى بأحسن الصفات المتحلى بأعلا المقامات السارب في أقصى ساعات القرب الشارب من أصفى راحات الحب المخصوص من الله برؤية الذات الغريق فيه وإن لاحظ آثار الصفات الذي دمغ بقدمه هام الشرك الأظلم ورفع بكرمه قوام الدين الأحكم فشخصت له أبصار بصائر الخلق لجلال جماله وحنت أرواح رؤساء الأنبياء إلى مشاهدة كماله وتلفتت لفتات أنفس الملأ الأعلى إلى نفائس نفحاته وتطاولت أعناق العقول إلى أعين لمحاته ولحظاته فأبهر الجميع على كوكب سعوده الأعلى وأخجل البدور بعض ضياء حسنه الأجلى وصار الجميع لمعرفة اسمه الكريم فقرا فطلعت جنود عزه بين الورى وعقدت ألوية فخره تيجان البشرى ونادى لسان حضرته الكريمة جهرا : أنا سيد ولد آدم ولا فخر ، فقامت رؤساء الملائكة في معارج الجلال على أرجل الإجلال وهامت أرواح العشاق من مقامات الأشواق وخطب خطيب قلوب أبناء الهوى على مراقي منبر الغرام الأقدس يدعو لكمال محاسن الحبيب الأكبر فترنحت بسلاف راح الارتياح نفائس الأرواح وتمايلت بمطربات ألحان الحنين إلى جمال المحبوب كرائم الأشباح فتوجه ربه تعالى بتاج الوقار ونور به جميع الأقطار وشرف به مضر ونزار وجعل كل حرف من حروف المعجم يشهد له برفيع الرتبة والمقدار قوم ألف قامته فأشرقت بباء بهجته الشموس والأقمار حرسه بتاء التأييد من كل شيطان مريد وثبته في سائر الحركات بثاء الثبات فعدل وما جار ، توجه بجيم الجود والوفا وحباه بحاء الحلم والاصطفا وخصه بخاء الاختصاص والصفا من سائر الأكدار داواه بدال دوام الإحسان فخرت لهيبته الأصنام والأوثان وأصبحت بذال الذل والهوان في انتكاس واحتقار أرسله براء الرحمة والطاعة وزينه بزاي الزهادة والقناعة وميزه بسين السيادة وشين الشفاعة في أهل الذنوب والأوزار صانه بصاد الصيانة وقلده بسيف الأمانة وأتحفه بضاد الضياء والأنوار فتح له طريق الإقبال وأنقذ أمته من ظاء الظلم والضلال وعفا عنهم بعين عفوه وغين غفرانه لا محال فأصبحت بفاء الفرح والاستبشار وشرفه بقاف قاب قوسين وأكرمه بكاف كلامه المنزه عن الرين والمين ولاطفه بلام لطفه المقدس عن الشك والشين ومن عليه بميم منه فأطلعه على الأسرار أخمد لنوره نار فارس وأذل لهاء هيبته الفرسان العوابس وتوجه بواو الوقار وميزه في العالمين بياء اليقين وختم به النبيين وتمم به المرسلين وأنزل في كتابه المبين تشريفاً له ولأصحابه الأخيار : " محمد رسول الله والذين معه أشداء على الكفار "



ألف أيا خير الأنام الهادي

أهل الضلالة بالكتاب الهادي


باء بها أظهرت صدق محبتي

وبذلك الجاه العظيم عمادي


تاء ترى أني أزور ضريحه

وأبث ما عندي له وأنادي


ثاء ثنائي ليس يحصر فضله

متضاعفاً كتضاعف الأعداد


جيم جلا كل الضلالة والعمى

فابيض وجه الأرض بعد سواد


حاء حمى الدين الحنيف بسيفه

شرفاً وأحرز سبق كل جهاد


خاء خصصت بمعجزات أبهرت

فحفظت من أشرار كل عناد


دال دحضت لكل شرك باطل

فانقاد أهل البغي والإلحاد


ذال ذراع الشاة أفصح مخبرا

عما يحاذر ضره بنفاد


راء رميت المشركين بقبضة

فتهشموا وعموا بسفح الوادي


زاي زعيم بالوجاهة والعلا

بملاحم قصمت فؤاد العادي


سين سقى الجيش العظيم بكفه

نهراً أزال غليل كل فؤاد


شين شريف المجد فهو المجتبى

نور الزمان وواحد الآحاد


صاد صعدت إلى السموات العلا

والعرش فيما صح من إسناد


ضاد ضياء الكون من أنواره

قمر الأنام ومصلح الإفساد


طاء طليق الوجه لا متعبس

طوق السماح وأجود الأجواد


ظاء ظهير بالشريعة والهدى

ظل ظليل للضلالة هادي


عين علا ذكر افتخارك وارتقى

عن مشبه من حاضر أو بادي


غين غمام قد علاك مظللا

يمشي بمشيك دائماً ويحادي


فاء فصاحتك البليغة أعجزت

كل الورى إذ نلت كل مراد


قاف قواعد صرح كسرى زلزلت

بولادة أوهت قوى الحساد


كاف كفيل بالشفاعة في غد

للخلق إن حشروا إلى الميعاد


لام لدعوتك السحائب أمطرت

فسقى البلاد برائح أو غادي


ميم محا دين الضلالة بالهدى

واختصه المولى بخير أياد


نون نبي قال سيده له

سل ما تحب فأنت خير عبادي


هاء هو المأمول في يوم اللقا

هو عمدتي هو عدتي وعبادي


واو وفي بالعهود وربه

قد خصه بالنور والإرشاد


لا لا أخاف وفيض كفك هاطل

تروي بكوثرك الغليل الصادي


ياء يلوذ غداً بظل لوائه

كل الورى والرسل والأشهاد


يا سيد الكونين يا من حبه

حقاً أقام بمهجتي وفؤادي


وعريض جاهك يا محمد عصمتي

وكفايتي وهدايتي ورشادي


فاعطف علي بنفحة نبوية

لأنال غاية مطلبي ومرادي


يا رب صل على النبي محمد

ما سار مشتاق بليل هاد


وعلى صحابته الكرام الزهر ما

نادى بحي على الصلاة منادي



صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وأزواجه وذريته وآل بيته صلاة وسلاماً دائمين متلازمين إلى يوم الدين .


_________________
( بسم الله الرحمن الرحيم ) قل هو الله أحد . الله الصمد . لم يلد ولم يولد . ولم يكن له كفوا أحد .
قل أعوذ برب الفلق . من شر ما خلق . ومن شر غاسق إذا وقب . ومن شر النفاثات في العقد . ومن شر حاسد إذا حسد .


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة: Re: تجميع لكتب المولد النبوي الشريف
مشاركة غير مقروءةمرسل: الأحد يناير 18, 2015 9:59 am 
غير متصل

اشترك في: الثلاثاء أكتوبر 30, 2007 4:26 pm
مشاركات: 3907
مكان: في حضن الكرام

باب بدء خلقه صلى الله عليه وسلم

أخرج البيهقي بسنده عن جابر رضي الله تعالى عنه قال : سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أول شيء خلقه الله تعالى ؟ قال : هو نور نبيك يا جابر ، خلقه وخلق منه كل خير وخلق بعده كل شيء وحين خلقه أقامه قدامه مقام القرب اثنا عشر ألف سنة ثم جعله أربعة أقسام فخلق العرش من قسم والكرسي من قسم وحملة العرش وخزنة الكرسي من قسم وأقام القسم الرابع في مقام الحياء اثنا عشر ألف سنة ثم جعله أربعة أقسام فخلق العلم من قسم واللوح من قسم والجنة من قسم وأقام القسم الرابع في مقام الخوف اثنا عشر ألف سنة ثم جعله أربعة أجزاء فخلق الملائكة من جزء وخلق الشمس من جزء وخلق القمر والكواكب من جزء وأقام الجزء الرابع في مقام الرجاء اثنا عشر ألف سنة ثم جعله أربعة أجزاء فخلق العقل من جزء والحلم والعلم من جزء والعصمة والتوفيق من جزء وأقام الجزء الرابع في مقام القرب اثنا عشر ألف سنة ثم نظر الله سبحانه وتعالى إليه فرشح ذلك النور عرقاً فقطرت منه مائة ألف وعشرون ألفاً وأربعة آلاف قطرة من النور فخلق الله سبحانه وتعالى من كل قطرة روح نبي أو رسول ثم تنفست أرواح الأنبياء فخلق الله من أنفاسهم نور الأولياء والسعداء والشهداء والمطيعين من المؤمنين إلى يوم القيامة فالعرش والكرسي من نوري والكروبيون من نوري والروحانيون من الملائكة من نوري وملائكة السموات السبع من نوري والجنة وما فيها من النعيم من نوري والشمس والقمر والكواكب من نوري والعقل والعلم والتوفيق من نوري وأرواح الأنبياء والرسل من نوري والشهداء والصالحون من نتائج نوري ثم خلق الله سبحانه وتعالى اثنا عشر حجاباً فأقام ذلك النور وهو الجزء الرابع في كل حجاب ألف سنة وهي مقامات العبودية وهي حجاب الكرامة والسعادة والهيبة والوقار والسكينة والصبر والصدق واليقين فعبد الله ذلك النور في كل حجاب ألف سنة فلما خرج النور من الحجب ركبه الله في الأرض وكان يضيء منه ما بين المشرق والمغرب كالسراج في الليل المظلم ، ثم خلق الله آدم في الأرض وركب النور في جبينه ثم انتقل منه إلى شيث ومنه إلى يانش وهكذا كان ينتقل من طاهر إلى طيب إلى أن أوصله الله إلى صلب عبد الله بن عبد المطلب ومنه إلى رحم آمنة ثم أخرجني إلى الدنيا فجعلني سيد المرسلين وخاتم النبيين ورحمة للعالمين وقائد الغر المحجلين .. هكذا بدء خلق نبيك يا جابر .



روح الوجود حياة من هو واجد

لولاه ما تم الوجود لمن وجد


عيسى وآدم والصدور جميعهم

هم أعين هو نورها لما ورد


لو أبصر الشيطان طلعة نوره

في وجه آدم كان أول من سجد


أو لو رأى النمرود نور جماله

عبد الجليل مع الخليل وما عند


عين الوفا معنى الصفا سر الندا

نور الهدى روح النهى جد الرشد


قطب النهى غوث العوالم كلها

أعلا علاه بحمد أحمد من حمد


هو للصلاة من السلام المرتضى

الجامع المخصوص ما دام الأبد



ويروى أن الله تعالى خلق من نور سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم اثنا عشر حجاباً أولها حجاب القدرة ثم حجاب العظمة ثم حجاب المنة ثم حجاب الرحمة ثم حجاب الهداية ثم حجاب النبوة ثم حجاب الكرامة ثم حجاب الهيبة ثم حجاب الرفعة ثم حجاب المنزلة ثم حجاب السعادة ثم حجاب الشفاعة ثم أمره الله تعالى أن ينغمس في تلك الحجب فدخل في حجاب القدرة فسبح الله تعالى فيه اثنا عشر ألف سنة ثم نقله في حجاب العظمة فسبح الله تعالى فيه إحدى عشر ألف سنة ثم نقله إلى حجاب المنة فسبح الله تعالى فيه عشرة آلاف سنة ثم إلى حجاب الرحمة فسبح الله تعالى فيه تسعة آلاف سنة ثم نقله إلى حجاب الهداية فسبح الله تعالى فيه ثمانية آلاف سنة ثم نقله إلى حجاب النبوة فسبح الله تعالى فيه سبعة آلاف سنة ثم نقله إلى حجاب الكرامة فسبح الله تعالى فيه ستة آلاف سنة ثم نقله إلى حجاب الهيبة فسبح الله تعالى فيه خمسة آلاف سنة ثم نقله إلى حجاب الرفعة فسبح الله تعالى أربعة آلاف سنة ثم نقله إلى حجاب المنزلة فسبح الله تعالى ثلاثة آلاف سنة ثم نقله إلى حجاب السعادة فسبح الله تعالى فيه ألفي سنة ثم نقله إلى حجاب الشفاعة فسبح الله تعالى فيه ألف سنة ، ففي حجاب القدرة أعطي النصر والظفر على الأعداء ، قال الله تعالى : " ولقد نصركم الله ببدر وأنتم أذلة .. " الآية ، وفي حجاب العظمة أعطي محاسن الأخلاق ، قال الله تعالى : " وإنك لعلى خلق عظيم " ، وفي حجاب المنة من الله تعالى على هذه الأمة ، قال الله تعالى : " لقد من الله على المؤمنين .. " الآية ، وفي حجاب الرحمة أودع الله تعالى في قلبه الرأفة والرحمة ، قال تعالى : " وكان بالمؤمنين رحيما " ، وفي حجاب الهداية أعطاه الله الاستقامة ، قال الله تعالى : " ويهديك صراطا مستقيما " ، وفي حجاب النبوة أعطاه الله النبوة العظمى ، قال الله تعالى : " يا أيها النبي حسبك الله ومن اتبعك من المؤمنين " ، وفي حجاب الكرامة أعطاه الله السبع المثاني ، قال تعالى : " ولقد أتيناك سبعاً من المثاني .. " الآية ، وفي حجاب الهيبة أعطاه الله الرعب في قلوب الأعداء ، قال تعالى : " سنلقي في قلوب الذين كفروا الرعب " ، وفي حجاب الرفعة أعطاه الله تعالى الرفعة ، قال تعالى : " ورفعنا لك ذكرك " ، وفي حجاب المنزلة أعطاه الله الدنو من الرتبة ، قال تعالى : " ثم دنا فتدلى " ، وفي حجاب السعادة أعطاه الله الفوز لمن أطاعه ، قال تعالى : " ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزاً عظيما " ، وفي حجاب الشفاعة أعطاه الله الشفاعة العظمى " عسى أن يبعثك ربك مقاما محمودا " .



أعلمت من حاز المحاسن والسنا

وعلا بناء الناس مرفوع البنا


ذاك ابن عبد الله أشرف من أتى

يهدي الأنام وكان مولده هنا


قمر تكامل من بدور طلع

لكنها لولاه ما حازت سنا


العاقب الماحي بسيف جهاده

أهل النفاق وكل من قد أوثنا


سادت به الدنيا مع الأخرى وقد

شرف الزمان ببعثه وتزينا


ودعى ببعثته الأنام لربهم

وفم الزمان على الدعا قد أمنا


وأتت لنا الكتب القديمة باسمه

وبنعته نطقت وبينت الكنى


وبوجهه الدنيا استنار ظلامها

وبطيبة افتخر الوجود وزينا


يا أعظم الرسل الكرام ومن به

رب البرية قد هدانا سبلنا


جئناك نسعى والقلوب على شفا

جرف من الذنب العظيم توهنا


ويود عبدك لو أتى سعياً على

أحداقه لو من حماك تمكنا


أو ليس أنك أعظم الثقلين بل

والعالمين وخير مبعوث لنا


أو ليس قد أوتيت علم أوائل

وأواخر في العالمين تفطنا


وأجبت كلاً في الورى بلغاتهم

تاالله حسبك أن تجيب الألسنا


وعليك صلى الله يا علم الهدى

ما لاح نجم في السماء وأعلنا


_________________
( بسم الله الرحمن الرحيم ) قل هو الله أحد . الله الصمد . لم يلد ولم يولد . ولم يكن له كفوا أحد .
قل أعوذ برب الفلق . من شر ما خلق . ومن شر غاسق إذا وقب . ومن شر النفاثات في العقد . ومن شر حاسد إذا حسد .


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة: Re: تجميع لكتب المولد النبوي الشريف
مشاركة غير مقروءةمرسل: الأحد يناير 18, 2015 9:32 pm 
غير متصل

اشترك في: الثلاثاء أكتوبر 30, 2007 4:26 pm
مشاركات: 3907
مكان: في حضن الكرام

ثم خلق الله تعالى من نور حبيبنا محمد صلى الله عليه وسلم ثلاثين بحراً من نور أولها بحر الصدق وبحر الصفا وبحر الرجا وبحر الوفا وبحر السخا وبحر الخشوع وبحر الخضوع وبحر التواضع وبحر المعرفة وبحر العز وبحر الرحمة وبحر الحكمة وبحر المحبة والرحمة وبحر السكينة وبحر العلم وبحر الحلم وبحر العقل وبحر الرفق وبحر الصبر وبحر التقوى وبحر اليقين وبحر الهدى وبحر الكرم وبحر اللطف وبحر الإيمان وبحر الشوق وبحر الخوف وبحر الزهد وبحر الرضا ، ثم أوقفه الله تعالى بين يديه وأودعه الأسرار وحفه بالأنوار وقال : يا محمد أنت خيرتي من خلقي ونخبتي من بريتي وأنت أكرم المخلوقين علي ، ثم أمره الله تعالى أن ينغمس في تلك البحار كلها فصار يتقلب من بحر إلى بحر كما ينتقل الجنين في بطن أمه إلى أن انغمس فيها كلها ، فلما أن خرج منها ألهمه الله تعالى أن يجري فجرى حيث شاء الله تعالى فقطرت منه مائة ألف وأربعة وعشرون قطرة فخلق الله من كل قطرة نبياً ومن عرق كل نبي ولياً ، ثم أمره الله تعالى أن يطوف حول العرش فطاف بهم وهو يقول وهم يقولون معه : سبحان من هو قائم لا يلهو سبحان من هو دائم لا يسهو سبحان من هو ملك لا يزول ، ثم أمر الله ذلك النور المكنون أن يسكن في ساق العرش فمكث فيه ثلاثاً وتسعين ألف سنة ثم نقله إلى الكرسي فعبد الله فيه ستين ألف سنة ثم نقله إلى سدرة المنتهى فعبد الله خمسين ألف سنة ثم نقله إلى السماء السابعة فعبد الله فيها أربعين ألف سنة ثم نقله إلى السماء السادسة فعبد الله فيها ثلاثين ألف سنة ثم نقله إلى السماء الخامسة فعبد الله فيها عشرين ألف سنة ثم نقله إلى السماء الرابعة فعبد الله فيها عشرة آلاف سنة ثم نقله إلى السماء الثالثة فعبد الله فيها خمسة آلاف سنة ثم نقله إلى السماء الثانية فعبد الله فيها أربعة آلاف سنة ثم نقله إلى السماء الدنيا فعبد الله فيها ثلاثة آلاف سنة .. ثم إن الله تعالى جمع أرواح الأنبياء في خزانة من خزائن العرش ووضع لروح سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم قبة من الياقوت الأحمر فكان يسبح الله فيها ويقول : سبحان الحي الذي لا يموت سبوح قدوس رب الملائكة والروح ، وقد روي أن من سبح بهذا التسبيح ثلاث مرات كتب الله تعالى له ألف حسنة ومحى عنه ألف سيئة وبنى له قصراً في الجنة .



هو النبي الذي جاءت بشائره

الهاشمي الذي طابت عناصره


هو الرسول الذي شاعت رسالته

في الخلق طراً وقد عمت مآثره


هو الطبيب لداء الناس كلهم

يشفي السقيم وللمكسور جابره


سر الإله الذي للخلق أبرزه

نوراً وكان فؤاد الغيب يظهره


به معد تسامى للعلا وبه

حاز المكارم واعتزت عشائره


فليس يخذل في يوم الحساب فتى

والمصطفى أحمد المأمول ناصره


أسمى النبيين قدراً نوره أبدا

يزيد حسناً على الأقمار باهره


وأفضل الرسل من عرب ومن عجم

زادت على الرمل أضعافاً مفاخره


إن كان للرسل عقد وهو آخرهم

نظماً فقد زان عقد الرسل آخره


السيد البر من تأتي الملوك له

على الرؤوس فيا لله زائره


يا سيدي يا رسول الله خذ بيدي

حاشاك تكسر قلباً أنت جابره


أنت الكريم ومدحي فيك يشفع لي

هل يشتكي خذلاً من أنت ناصره


إن لم تكن شفيعاً في المعاد فيا

ذلي فلولاك ما يلقى بشائره


لا يشتكي وحشة من أنت مؤنسه

ولا يخيب عبد أنت ذاكره


صلى عليه إله العرش ما طلعت

شمس وما ناخ فوق الغصن طائره



قال ابن عباس رضي الله عنهما : كان في رسول الله صلى الله عليه وسلم اثنا عشر علامة ، علامة فوق رأسه وعلامة في جبينه وعلامة في عينيه وعلامة في أنفه وعلامة في أذنيه وعلامة في لسانه وعلامة في ريقه وعلامة في كفه وعلامة في أصابعه وعلامة بين كتفيه وعلامة في طوله وعلامة في قدميه ، فأما العلامة التي في رأسه فكان إذا مشى تظله الغمامة وأما العلامة التي في جبينه فكان إذا أراد زيارة قوم تسبقه الأنوار وأما العلامة التي في عينيه فكان ينظر من خلفه كما ينظر من أمامه وأما العلامة التي في أنفه فكان يشم الرائحة الطيبة ولا يشم الرائحة الكريهة وأما العلامة التي في أذنيه فكان يسمع صريف القلم في اللوح المحفوظ وأما العلامة التي في لسانه فكان لا يقول إلا حقاً ولا ينطق إلا صدقاً وأما العلامة التي في ريقه فكان إذا تفل في الماء المالح يصير عذباً وأما العلامة التي في كفه فكان الحصى يسبح في راحتيه وأما العلامة التي بين كتفيه فهو خاتم النبوة وهو سطران مكتوبان بالنور : لا إله إلا الله محمد رسول الله وأما العلامة التي في طوله فكان إذا مشى مع الطويل ساواه وإذا مشى مع القصير حاذاه وأما العلامة التي في قدميه فكان إذا مشى على الرمل لم يظهر له أثر وإذا مشى على الصخر غاصت قدماه .



كملت صفاتك أيها المزمل

فلك الكمال ونور وجهك أجمل


يا سيد السادات أنت المصطفى

أنت الحبيب لك الولاء الأول


ولك الشفاعة والوسيلة واللوا

والجاه والقدر العظيم الأكمل


والذكر والحوض الذي مثله

تسقي بكفك من تريد وتشمل


الله أكبر إن حبك واجب

فرض على كل العباد منزل


صلى عليك الله يا علم الهدى

ما سار ركب في القفار يهرول


_________________
( بسم الله الرحمن الرحيم ) قل هو الله أحد . الله الصمد . لم يلد ولم يولد . ولم يكن له كفوا أحد .
قل أعوذ برب الفلق . من شر ما خلق . ومن شر غاسق إذا وقب . ومن شر النفاثات في العقد . ومن شر حاسد إذا حسد .


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة: Re: تجميع لكتب المولد النبوي الشريف
مشاركة غير مقروءةمرسل: الاثنين يناير 19, 2015 8:50 pm 
غير متصل

اشترك في: الثلاثاء أكتوبر 30, 2007 4:26 pm
مشاركات: 3907
مكان: في حضن الكرام

باب انتقال نوره الشريف إلى آدم عليه السلام

لما كان نبينا محمد صلى الله عليه وسلم مصباح ظلمة الكون وروح جسد الوجود وأراد الله أن يظهر جسده الشريف ويعطر الكون بعنصره المنيف ، أمر جبريل أن يهبط إلى الأرض ويأتيه بالطينة البيضاء التي هي في قلب الأرض ليخلق منها جسده صلى الله عليه وسلم ، فهبط جبريل في ملائكة الفردوس المقربين الكروبيين وملائكة الرفيع الأعلى فقبض قبضته من موضع قبر النبي صلى الله عليه وسلم وهي يومئذ بيضاء نقية حيث نظر الله تعالى من الأرض وأحب البقاع إلى الله لم يمسها قدم إبليس وأصلها من محل الكعبة الذي كان قبل آدم من إلى محل تربته صلى الله عليه وسلم ومدفنه بالمدينة فكانت طينته صلى الله عليه وسلم مخلوقة من موضع الكعبة التي هي محل الإيمان بالله تعالى فعجنت تلك الطينة بماء التسنيم ورعرعت ثم غمست في أنهار الجنة كلها حتى صارت كالدرة البيضاء وسطع لها شعاع عظيم ثم طافت بها الملائكة حول العرش والكرسي وفي أقطار السموات والأرض والبحار والجنة فعرفت الملائكة وجميع المخلوقات سيدنا محمداً صلى الله عليه وسلم وأنه سيد المرسلين والآخرين قبل أن تعرف آدم عليه السلام بألف عام ، ثم أودع في تلك الطينة روحه الشريفة صلى الله عليه وسلم وهو النور الذي خلق منه الأشياء وسلخ منه العوالم كلها ثم عجنت طينته التي هي جسده الشريف بطينة آدم عليه السلام ثم لما صور الله آدم من طين استخرج منه نبينا محمد صلى الله عليه وسلم ونبيء وأخذ عليه الميثاق قبل الأنبياء فهو صلى الله عليه وسلم أول من خرج من ظهر آدم لأخذ الميثاق وأول من أجاب بالتلبية ، وقد أفاض عليه وصف النبوة ثم أعيد إلى ظهر آدم فخلق الله تعالى آدم على صورة اسمه لأن اسمه محمد ، فرأس آدم دائرة بتدويرة على صورة الميم الأولى من اسمه وإرسال يده مع جنبه على صورة الحاء وبطنه على صورة الميم الثانية ورجلاه انفتاحهما على صورة الدال فكمل خلق آدم على صورة اسم محمد صلى الله عليه وسلم ، ثم نفخت في آدم الروح وجعل ذلك النور في ظهره فكان يلمع في جبينه فيغلب على سائر نوره ، قال جعفر بن محمد : مكثت الروح في رأس آدم مائة عام وفي صدره مائة عام ثم علمه الله تعالى أسماء المخلوقات علويها وسفليها وعلمه أسماء ذريته من وقت آدم إلى انقراض الدنيا وعلمه أسماء كل شيء من الحيوانات والجمادات والطيور والوحوش وأسماء المدن والقرى والبلاد وأسماء النجوم والأشجار والنبات وكل شيء في السماء والأرض من المطعومات والمشروبات وكل نعيم في الجنة وجميع الصنائع واللغات حتى لغة الحيتان والضفادع وعلمه أسماء ما كان وما يكون إلى يوم القيامة ، ولما ظهر فضله على الملائكة بالعلم أمرهم الله تعالى بالسجود له سجود تعظيم وتحية لا سجود عبادة فسجدوا إلا إبليس استكبر وأبى فكان أول من عصى الله فطرد من رحمته ولعنه وأهبطه من الجنة مذموماً مخذولاً .



فيا عبد الإله وأنت عاصي

أتدري ما جزاء قوى المعاصي


سعير للعصاة بها ثبور

فويل يوم يؤخذ بالنواصي


وفيما قد جنيت من الخطايا

هتكت الستر فاجهد في الخلاص


وخالف أمر نفسك من هواها

وخف رب السما يوم القصاص


أبى إبليس لم يسجد لآدم

فأوقعه التكبر في المعاصي



ثم إن الله تعالى أسكن آدم الجنة وكان نور سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم ظاهراً في ظهر آدم فكانت الملائكة تقف خلف آدم صفوفاً ينظرون إلى نور محمد صلى الله عليه وسلم ويصلون عليه فقال آدم : يا رب ما لهؤلاء الملائكة يقفون صفوفاً صفوفاً ينظرون من خلفي إلى ظهري ؟ قال الله تعالى : يا آدم ينظرون إلى نور حبيبي وصفوتي من خلقي محمد خاتم الأنبياء الذي أخرجه من ظهرك ، فألهم الله آدم أن قال : يا رب لم كتبتني أبا محمد وقد خلقتني من نوره ؟ فقال الله تعالى : يا آدم ارفع رأسك ، فرفع رأسه فرأى اسمه صلى الله عليه وسلم مكتوباً على سرادق العرش مقروناً باسمه تعالى " لا إله إلا الله محمد رسول الله " فقال آدم : يا رب من هذا الذي قرنت اسمه باسمك ؟ فقال الله تعالى : يا آدم هو صاحب الراية البيضاء والشفاعة الكبرى سراج أهل الجنة ونور الدنيا من تعلق بنوره نجا وكان معه في الجنة جاراً له وهو خاصة عبادي ما ألقي اسمه على شيء إلا جعلت معه النصر والسلامة معروف في السموات والأرض والبحار سميته في السماء أحمد وفي الأرض محمداً ما خلقت خلقاً أكرم منه ، قال آدم : وما محمد يا رب ؟ قال : هو نبي أخرجه من ظهرك سميته في البحار الماحي ، قال آدم : وما الماحي يا رب ؟ قال : يا آدم أمحو به كل كفر وشرك وهو أول الأنبياء وآخرهم بعثاً ولولاه ما خلقتك ولا خلقت سماء ولا أرضاً ، فقال آدم : يا رب اجعل نوره في مقدمي حتى تستقبلني الملائكة ولا يستدبرونني فنقل الله ذلك النور في جبهة آدم فكان يلمع في جبينه فيغلب على سائر نوره بل وعلى جميع نور الأنبياء والأولياء وصارت الملائكة يقفون قبالة آدم صفوفاً ويسلمون على نور محمد صلى الله عليه وسلم ويصلون عليه ويتنعمون بالنظر إليه وهو يشرق في جبهة آدم عليه السلام كالشمس في دائرة الفلك وكأن القمر في ضوئه في ليلة مظلمة ، ثم قال آدم : أريد أن يكون لي نصيب من هذا النور كما للملائكة فاجعله مني في مكان أراه بعيني فنقل الله ذلك النور من جبهته إلى إصبعه السبابة من يده اليمنى فكانت الملائكة تسبح فيسبح الله نور محمد صلى الله عليه وسلم في إصبع آدم عليه السلام فلذلك سميت تلك الأصبع المسبحة وكان آدم ينظر إلى حسن ذلك النور فقال : يا رب هل بقي من هذا النور شيء ؟ قال : بلى بقي نور خواص أصحابه ، فقال آدم : يا رب اجعله في بقية أصابعي ، فجعل الله تعالى نور أبا بكر في أصبعه الوسطى ونور عمر في البنصر ونور عثمان في الخنصر ونور علي في الإبهام فكانت هذه الأنوار تتلألأ في خلال أصابع آدم عليه السلام طول إقامته في الجنة خمسمائة عام حتى أكل من الشجرة وعوتب بذلك فرد الله تلك الأنوار كلها إلى ظهره ، وكان آدم في الجنة أول ما دخلها وحيداً فريداً لم يكن معه من يجالسه ويؤانسه من جنسه فألقى الله تعالى عليه النوم فخلق الله تعالى حواء من ضلع آدم الأيسر وهو نائم لم يشعر بذلك ثم إن الله تعالى ألبسها من لباس الجنة وزينها بأنواع الزينة وأجلسها عند رأسه فلما استيقظ آدم من نومه ورآها سكن إليها ومال قلبه لها فأراد أن يمد يده إليها فزجرته الملائكة فقال : قد خلقها الله تعالى لي فلم تمنعوني عنها ؟ فقالت الملائكة : حتى تؤدي مهرها قالوا : أن تصلي على محمد صلى الله عليه وسلم مائة مرة في نفس واحد فضاق نفسه عند تمام السبعين فقيل له : لا تخش من ذلك فما فعلته فهو مقدم الصداق وما بقي فهو المؤخر فصار ذلك سنة في بني آدم ، فلما خلى آدم بحواء سبح العرش والكرسي وسبحت الملائكة وسبح نور محمد صلى الله عليه وسلم وآدم يسمع تسبيحهم ، فقال آدم : يا رب لو أذنت للملائكة أن يخفضوا أصواتهم حتى أسمع تسبيح هذا الملك ، قال : يا آدم ما هذا تسبيح ملك وإنما هو تسبيح نور حبيبي صلى الله عليه وسلم ما خلقت خلقاً أبهى ولا أعبد ولا أكرم من محمد ، فقال آدم : يا رب اجمع بيني وبينه ، فقال الله تعالى : سأشرفك به واجعله من ذريتك ، وقد كان نور نبينا محمد صلى الله عليه وسلم في جبين آدم كالشمس في دائرة فلكها ، فقالت الملائكة : لقد تشرفت حين صار نور محمد فيك وصار محمد من أولادك ، فقال الله تعالى : يا ملائكتي لا تكنوا آدم إلا أبا محمد صلى الله عليه وسلم .



من مثل أحمد في الكونين نهواه

بدر جميع الورى في حسنه تاهوا


من مثله وإله العرش شرفه

بالخلق والخلق إن الله أعطاه


والشمس تخجل من أنوار طلعته

حارت عقول الورى في وصف معناه


تبارك الله ما أحلى شمائله

حاز الجمال فما أبهى محياه


يا عرب وادي النقا يا أهل كاظمة

في حيكم قمر في القلب مأواه


هذا مليح وكل الناس تهواه

وسائر الخلق في أوصافه تاهوا


صلى عليه إله العرش ما طلعت

شمس وما غابت حياء من محياه



وحوى آدم نعيم الجنة إلا شجرة الحنطة فنهاه عن الأكل منها فتحايل إبليس حتى دخل الجنة وأتى إليهما وناح نياحة عظيمة أحزنتهما فقالا له : ما يبكيك ؟ قال : أبكي عليكما تموتان وتفقدان النعيم المقيم ، ألا أدلكما على شجرة الخلد وملك لا يبلى فكلا منها فإنها شجرة الخلد وقاسمهما إني لكما لمن الناصحين فلما غرهما وأكلا منها وظنا أن لا أحد يحلف بالله كاذباً ، قال الله تعالى : يا آدم ألم يكن لك فيما أبحت لك من الجنة غنى عن هذه الشجرة ؟ قال : بلى يا رب وعزتك وجلالك ما ظننت أن أحداً يحلف بك كاذباً وأنت أعلم ، وأنشد لسان الحال :



يا آدم الفضل أنشأناك إنساناً

خلقاً سوياً وأمددناك إحسانا


يا آدم الفضل أسكناك دار علاً

كانت بها الحور والولدان سكانا


يا آدم الفضل قلنا للملائكة اسجدوا

لآدم أوليناك رضوانا


يا آدم الفضل أعطيناك منزلة

رفيعة قدرها يسمو وسلطانا


يا آدم الفضل ألبسناك من حلل

خضر ثياباً وأخلعناك برهانا


يا آدم الفضل متعناك في نعم

لا تنقضي أبداً معنى وأعيانا


يا آدم الفضل أهديناك مكرمة

فبينها وفعال منك شتانا


يا آدم الفضل سامحناك من خطأ

مناً وفضلاً وأوسعناك غفرانا


يا واسع اللطف يا من شأنه كرم

اغفر فقد جئت بهتاناً وعصيانا


من الخفاجي إذ قامت قيامته

وجاء يوم اللقا في الحشر حيرانا


بجاه من أشرقت في الكون طلعته

المصطفى المرتضى من بالهدى جانا



قال ابن عباس : قال الله تعالى : يا آدم ما حملك على ما صنعت ؟ فوعزتي وجلالي لأهبطك إلى الأرض لا تنال العيش منها إلا كدا ، ولما أكل آدم من الشجرة طار التاج المكلل بالزمرد واليواقيت من على رأس آدم وتناثرت الحلل وانتفض السرير وخرج من تحتهما وقال : إني أستحي من الله أن أكون سرير من عصاه وتساقط ما عليها من سوار وخلخال وغيرهما ونزع عنهما وبدت عورتهما ففزعا وولى هارباً ونودي في الجنة : عصى آدم ربه فغوى وتغير عليهما كل شيء في الجنة فطافا بأشجار الجنة يسألانها ورقة يغطيان بها عورتهما فلم يمرا بشجر ولا نهر إلا زجرهما ونادى : عصى آدم ربه ، حتى انتهيا إلى سدرة المنتهى هاربين فتعلقت بهما الشجرة وقالت : أين من الله المهرب ؟ فمد آدم يده ليتناول ورقة من أوراقها ليستر بها عورته فارتفعت الورقة فبكى فما قصدا شجرة ليأخذا من أوراقها إلا امتنعت عنهما وقالت : ما كنت لأستر من كشفه الله ، وقال الله تعالى : أفراراً مني يا آدم ؟ قال : بل حياء منك يا رب ، فدعتهما شجرة التين إلى نفسها فأخذا من ورقها وطفقا يخصفان عليهما من ورق الجنة فأهبطهما الله إلى الأرض .



ولما قضى الرحمن ما هو كائن

جرى حكمه المقدور والوعد سابق


قضى بهبوط من جنان لآدم

وذلك أمر الله والأمر صادق



قال وهب بن منبه : لما هبط آدم إلى الأرض مكث يبكي ثلاثمائة عام لا يرتفع له دمع ، وكان هبوطهما لحكمة باطنية وذلك أنه لا يمكن التوالد والتناسل لمن هو قاطن بالجنة ، فلو لم يكن فيه إلا إيجاد نبينا في أمته لكفى في الحكمة ، وقد ظن إبليس الخبيث إيذاء آدم وما درى أنه يرجع بأولاده الألوف على أكمل حال إلى الجنة وهذه غاية الغباوة والغفلة ، ثم إن الله تعالى أرسل لآدم وحواء فاغتسل آدم وغشي حواء فولدت له أربعين ولداً في عشرين بطناً في كل بطن ذكر وأنثى ووضعت شيثاً وحده كرامة لمن أطلع الله بالنبوة سعده ، ولما ولد شيث انتقل النور المحمدي إلى ظهره وكان يتلألأ في جبينه كالقمر ليلة البدر فكان يفتخر على إخوته ، ولما انقضى أجل آدم وأدركته الوفاة أوصى شيثاً على أولاده وأوصاه أن لا يودع هذا النور إلا في المطهرات من النساء .


_________________
( بسم الله الرحمن الرحيم ) قل هو الله أحد . الله الصمد . لم يلد ولم يولد . ولم يكن له كفوا أحد .
قل أعوذ برب الفلق . من شر ما خلق . ومن شر غاسق إذا وقب . ومن شر النفاثات في العقد . ومن شر حاسد إذا حسد .


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة: Re: تجميع لكتب المولد النبوي الشريف
مشاركة غير مقروءةمرسل: الأربعاء يناير 21, 2015 12:17 pm 
غير متصل

اشترك في: الثلاثاء أكتوبر 30, 2007 4:26 pm
مشاركات: 3907
مكان: في حضن الكرام

باب في نسبه الشريف وطهارة عنصره المنيف

لما أراد الله عز وجل ظهور خير خلقه محمد صلى الله عليه وسلم وأمر جبريل أن يقبض طينته من مكان قبره الكريم فقبضها ثم طاف بها في جنات النعيم وغمسها في أنهار التسنيم وأقبل بها بين يدي الله العلي العظيم ولها عرق يسيل فخلق الله من ذلك العرق نور كل نبي جليل ، فجميع الأنبياء خلقوا من نور محمد صلى الله عليه وسلم ، ثم أودعت تلك الطينة في ظهر آدم وألقي فيها النور الذي سبق فخره وتقادم ، فوقعت هنالك طوائف الملائكة المقربين سجوداً لآدم ثم أخذ الله تعالى على آدم المواثيق والعهود حين أمر الملائكة له بالسجود أن لا يودع ذلك النور إلا في أهل الكرم والجود المطهرين من الدنس والجحود ، وقال الله تعالى : يا آدم إني قد جعلتك مستودع نور حبيبي محمد صلى الله عليه وسلم فاعرف قدر ما أودعت عندك من السر ، يا آدم تطهر وسبح وقدس واغش زوجتك حواء على طهارة منك ومنها فإني مخرج منكما نور حبيبي محمد صلى الله عليه وسلم ففعل آدم ما أمره به ربه فنقل الله ذلك النور من صلب آدم إلى حواء وكان يرى في جبهتهما دائرة كدائرة الشمس ثم وضعت شيثاً وحده كرامة لمن أطلع الله بالنبوة سعده ، فانتقل ذلك النور إلى جبينه فلما كبر شيث وأخذ هذا الميراث أقبل آدم عليه وقال : يا بني عليك بتقوى الله فإنها العروة الوثقى وإذا ذكرت الله تعالى فاذكر إلى جنبه اسم محمد صلى الله عليه وسلم فإني رأيت اسمه مكتوباً على العرش وأنا بين الروح والطين ثم إني طفت السموات فلم أر فيها موضعاً إلا رأيت اسم محمد مكتوباً عليه وإن ربي أسكنني الجنة فلم أر في الجنة قصراً ولا غرفة إلا رأيت اسم محمداً مكتوباً عليه ، ولقد رأيت اسم محمد مكتوباً على صدور الحور العين وورق قصب الجنة وعلى حلي الجنة وعلى ورق شجرة طوبى وعلى ورق سدرة المنتهى وعلى أطراف الحجب وبين أعين الملائكة فأكثر من ذكره فإن الملائكة الكرام المطهرين تذكره في كل ساعاتها ، وإني أعاهدك بالله العظيم أن لا تضع هذا النور المحمدي إلا في المطهرات من النساء ليصل إلى المطهرين من الرجال ، فعاهده على ذلك وأخذ آدم عليه العهود والمواثيق أن يوصي من انتقل إليه النور من أولاده بذلك ، ولم تزل هذه الوصية يعمل بها في القرون الماضية ، وما زال ذلك النور ينتقل من ظهور الأخيار إلى بطون الأطهار ، فانتقل ذلك النور من شيث إلى أنوش ثم إلى ولده قينان فأشرقت أنواره في الأكوان ، ثم إلى يرد فأكثر من التسبيح للواحد المنان ثم إلى أخنوخ وهو إدريس عليه السلام فظهر سره وبان ، ثم إلى متوشلخ ثم إلى لامك ثم إلى نوح النبي عليه السلام فنجا ببركته من الطوفان ، ثم إلى سام ثم إلى أرفخشذ فقام بالحق والبرهان ، ثم إلى قينن ثم إلى شالخ ثم إلى عابر وهو هود عليه السلام ثم إلى مكيصدق ثم إلى فالخ ثم إلى أرغو الذي تبلبل في زمنه كل لسان ، ثم إلى شاروخ ثم إلى ناجور ثم إلى ثارح فنال به كل القصد والمرام ، وما زال نور المصطفى ينتقل بالتعظيم والتبجيل حتى وصل إبراهيم الخليل عليه السلام وهو الذي بنى بيت الله الحرام ، ثم انتقل النور المحمدي من إبراهيم إلى إسماعيل عليهما السلام ثم إلى قيدار ثم إلى حمل ثم إلى نابت ثم إلى يعرب ثم إلى تيرح ثم إلى ناحور ثم إلى مقوم ثم إلى أدد ثم إلى أدى ثم إلى عدنان ثم إلى معد الفارس الكرار ثم إلى نزار ثم إلى مضر فظهرت في جبهته الأنوار ثم إلى إلياس ثم إلى مدركة فأدرك جميع الأقطار ثم إلى خزيمة ثم إلى كنانة فكان ذا هيبة ووقار ثم إلى النضر ثم إلى مالك ثم إلى فهر فهان ما تعسر من الأمور الكبار ثم إلى غالب فغلب الصناديد من الكفار ثم إلى لؤي ثم إلى كعب فأعلن قرب مولد أحمد المختار ثم إلى مرة فزال عنه الأضرار ثم إلى كلاب ثم إلى قصي فاطمأنت قريش في زمنه بالديار ثم إلى عبد مناف ثم إلى هاشم فكان في عز وافتخار ثم إلى عبد المطلب فظهرت له الكرامات الكبار وحاق بأبرهة وجيشه الوبال والنكال ثم إلى عبد الله فظهرت له الدلائل وسطعت على عزته الأنوار ، وكان نور المصطفى ينتقل من ظهور الأخيار إلى بطون الأحرار حتى وصلت يد الشرف والمكارم إلى عبد الله بن عبد المطلب بن هاشم ، وقد قيل :



بدت شموس الهدى من حسن قامته

وأشرق الكون من أنوار غرته


والكائنات لأجل المصطفى خلقت

دنيا وأخرى جميعاً من ملاحته


هو أول الخلق سر العالمين به

كذا جميع البرايا من بدايته


لولاه ما أوجد الله الوجود ولا

قد كان ما كان فيها من كرامته


حازت به الأنبيا مجداً ومكرمة

ونالت الرسل عزاً من هدايته


علا به آدم أسنى العلا رتباً

وللقبول جنى في ظل حرمته


له ملائكة الرحمن قد سجدت

سجود عز وتشريف لهيبته


مذ لاح في ظهره نور النبي وما

بدا السجود له إلا للمعته


إدريس لما دعا لولاه ما ارتفعت

عند المهيمن أقدار لرتبته


ويونس الفضل لما بالحبيب دعا

أنجاه مولى الورى من سجن غمته


به توسل نوح فاستجيب له

وقد نجا معه من في سفينته


نجى من النار إبراهيم ساعة إذ

ألقاه نمروده أسنى حمايته


وللذبيح فداً من عند خالقنا

جاء الأمين به فخراً لصفوته


يعقوب نادى به من كربة نزلت

عافاه رب السما منها ببهجته


ورد يوسف مولاه عليه كذا

الابصار عاد له من بعد ظلمته


أيوب من ضره لما استجار به

أبرأه رب الورى من داء بلوته


داود من سره لان الحديد له

وأوتي الحكم تشريفاً لحكمته


به سليمان نال الملك منفرداً

إنساً وجناً وريحاً طوع خدمته


موسى على الطور ناجاه الكريم

وما كان الخطاب له إلا بحضرته


وقد كفى الله عيسى مكر ما مكرت

به اليهود له رفع برفعته


لولاه لولاه ما قد رسا وعلا

وما ارتقى الرسل إلا من مزيته


والأنبياء به جلت مراتبهم

وما حووا مجدهم إلا بقدرته


بجاهه يا إلهي أرنا وجهه أرنا

وامنن علينا بتعزيز بطلعته


واسمح لنا بالرضا وانعم بمرحمة

فؤادنا أرويه من صافي مودته


واغفر لنا ما مضى واستر فضائحنا

وتب علينا ووفقنا لسنته


وارحم بفضلك عبداً ما له عمد

سواك يا عالماً أسرار حالته


وهو الخفاجي أوزار له كثرت

يرجو رضاك لتعفو عن خطيئته


ووالديه وأولاداً وإخوته

والآل والصحب جمعاً مع قرابته


فاختم بخير لكل المسلمين ولا

تحرمهم يوم حشر من شفاعته


***



إن رمت أن تحظى بنسبة أحمد

فهو ابن عبد الله من ساد الورى


أعني ابن آمنة وهو عبد المطلب

وهو ابن هاشم ذي المكارم والقرى


وهو ابن عبد مناف بن قصي ابن

الخير من يدعى حكيماً خيرا


وهو ابن مرة بن كعب ينتمي

للؤي ابن البر غالب من يرى


وهو ابن فهر وابن مالك الفتى النضر

الذي هو من كنانة ذخرا


أعني به ابن خزيمة خزم العدا

وهو ابن مدركة أتاك مبشرا


وهو ابن إلياس الذي من صلبه

سمع النبي مهللاً ومكبرا


مضر الكريم الكل من أبنائه

أيضاً نزار معدهم ثم الذرى


عدنان آخر نسبة لنبينا

نجل الذبيح فلا تزد عما ترى


فإليه ينتسب النبي فثق به

فبحفظه ينجو فصنه موقرا


نسب تشرف كوننا بنظامه

وبه تسر قلوبنا إذ قررا


يا فوز من يفدونه بنفوسهم

وعيالهم طرباً لمن قد عطرا



وقال صلى الله عليه وسلم : إن الله خلق الخلق فجعلني في خيرهم ثم تخير القبائل فجعلني في خير قبيلة ثم تخير البيوت فجعلني في خير بيوتهم ، فأنا خيرهم نفساً وخيرهم بيتاً .



ويرحم الله من قال :

تنقلت في أصلاب أرباب سؤدد

كذا الشمس في أبراجها تنتقل


وسرت سرياً في بطون تشرفت

بحمل عليه في الأمور المعول


هنيئاً لقوم أنت فيهم ومنهمو

بدا منك بدر بالجمال مسربل


ولله وقت جئت فيه وطالع

سعيد على أهل الوجود ومقبل


فجد يا رسول الله منك برحمة

فإني أسير بالذنوب مكبل


عليك صلاة الله ثم سلامه

بتعداد ما قطر من السحب ينزل


_________________
( بسم الله الرحمن الرحيم ) قل هو الله أحد . الله الصمد . لم يلد ولم يولد . ولم يكن له كفوا أحد .
قل أعوذ برب الفلق . من شر ما خلق . ومن شر غاسق إذا وقب . ومن شر النفاثات في العقد . ومن شر حاسد إذا حسد .


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة: Re: تجميع لكتب المولد النبوي الشريف
مشاركة غير مقروءةمرسل: الخميس يناير 22, 2015 1:15 pm 
غير متصل

اشترك في: الثلاثاء أكتوبر 30, 2007 4:26 pm
مشاركات: 3907
مكان: في حضن الكرام

باب في ذكر انتقال النور المحمدي إلى جده عبد المطلب بن هاشم ووالده عبد الله ذي المفاخر والمكارم
وفي ذكر والدته الشريفة وما ظهر من الآيات المنيفة ..

قال العلماء : لما أراد الله تعالى إبراز هذا السر المصون الساري في الظهور والبطون من عالم الخفاء إلى عالم الظهور ليتم بذلك مزيد الصفا وكمال السرور ، ووصل نوره صلى الله عليه وسلم إلى عبد المطلب بن هاشم وقد أدرك وبلغ مبلغ الرجال ، نام يوماً في الحجر فانتبه مكحولاً مدهوناً قد كسي حلة البهاء والجمال فبقي متحيراً لا يدري من فعل به ذلك فأخذ أبوه بيده ثم انطلق به إلى كهنة قريش فأخبرهم بذلك ، فقالوا له : اعلم أن إله السموات قد أذن لهذا الغلام أن يتزوج ، وكان عبد المطلب يفوح منه رائحة المسك الأذفر ونور رسول الله صلى الله عليه وسلم يضيء في غرته ويزداد تلألأ في جبهته ، وكانت قريش إذا أصابها قحط تأخذ بيد عبد المطلب فتخرج به إلى جبل ثبير بين مكة والمدينة فيتقربون به إلى الله تعالى ويسألونه أن يسقيهم الغيث فكان يغيثهم ويسقيهم ببركة نور محمد صلى الله عليه وسلم غيثاً عظيماً ثم نام عبد المطلب في الحجر فرأى مناماً عظيماً فانتبه فزعاً مرعوباً وأتى كهنة قريش فقال لهم : رأيت كأن سلسلة من فضة بيضاء خرجت من ظهري لها أربعة أطراف ، طرف قد بلغ مشارق الأرض وطرف قد بلغ مغاربها وطرف قد جاوز عنان السماء وطرف قد جاوز الثرى فبينا أنا أنظر إليها إذ عادت كأنها شجرة خضراء قد نال رأسها السماء وضربت بأغصانها المشرق والمغرب لم ير نور أزهر منها على كل ورق ومنها نور عظيم يزيد على نور الشمس سبعين ضعفاً ، ورأينا العرب والعجم ساجدين لها وهي تزداد كل ساعة عظماً ونوراً وارتفاعاً ساعة تختفي وساعة تظهر وإذا أهل المشرق والمغرب يتعلقون بها ، ورأيت جماعة من قريش قد تعلقوا بأغصانها وإذا قوم آخرون من قريش يريدون قطعها فإذا دنوا منها أخرهم شاب لم ير أحسن منه وجهاً ولا أطيب منه ريحاً فيكسر ظهرهم ويقلع أعينهم ، قال عبد المطلب : فرفعت يدي لأتناول منها نصيباً وأتعلق منها بغصن فلم أنله ، وقيل لي : ليس لك منها نصيب ، فبينا أنا كذلك قام علي شيخان فقلت لأحدهما : من أنت ؟ قال : أنا إبراهيم خليل رب العالمين ، وقلت للآخر : من أنت ؟ قال : أنا نوح نبي رب العالمين ثم انتبهت ، فلما فرغ إذا وجه الكهنة قد تغير ثم قالوا له : لئن صدقت رؤياك ليخرجن من ظهرك نبي يؤمن به أهل السموات والأرض ويملك المشرق والمغرب وليكونن في الناس علماً عظيماً ودلت السلسلة على كثرة أتباعه وأنصاره وقوتهم لتداخل حلق السلسلة ورجوعها شجرة ثانية يدل على ثبات أمره وعلو ذكره وسيهلك من لم يؤمن به كما هلك قوم نوح وستظهر به ملة إبراهيم ، فتزوج عبد المطلب فاطمة بنت عمرو المخزومي وجعل مهرها مائة ناقة كوماء وعشرة أواق من الذهب فولدت له أبا طالب وعبد الله والد النبي صلى الله عليه وسلم فظهر ذلك النور في جبهته ، وكان نور المصطفى يضيء في غرته ووجهه كالكوكب الدري ، وكان عبد الله أحسن رجل في قريش خلقاً وخلقاً فلما انتهى وأخذ في حدود الرجال كان يخبر أباه بما يرى من العجائب يقول يا أبت : إني إذا خرجت إلى بطحاء مكة وصرت على جبل ثبير يخرج من ظهري نوران يأخذ أحدهما شرق الأرض ويأخذ الثاني مغربها ثم يستديران حتى يصيرا كالسحابة ثم تنفرج لهما السماء فيدخلان فيها ثم يخرجان ثم يرجعان إلى ظهري كأسرع من طرفة عين ، وأني لأجلس في الموضع فأسمع فيه من تحتي سلام عليك أيها المستودع ظهره نور محمد صلى الله عليه وسلم وأني لأجلس في الموضع اليابس أو تحت الشجرة اليابسة فتخضر وتلقي علي أغصانها فإذا قمت وتركتها عادت إلى ما كانت ، فقال له عبد المطلب : سر يا بني فإني أرجو أن يخرج الله من ظهرك المستودع المكرم فإنا قد وعدنا بذلك ، وكان عبد الله كلما أصبح وذهب ليدخل على صنمهم الأكبر وهو اللات والعزى صاح كما تصيح الهرة ونطق وهو يقول : ما لنا ولك أيها المستودع ظهره نور محمد الذي يكون هلاكنا وهلاك أصنام الدنيا على يديه ، فكانت الكهان تقول : يا عبد الله إنه سيخرج من ظهرك من هو أكرم العالمين ، وكان عبد الله أجمل قريش ، وكان من أمره أنه طلبه أهل مكة وبنات الملوك فلم يزوجه والده فافتتن به كل النساء والبنات من قريش وكدن أن تذهل عقولهن فلقى عبد الله في زمنه من النساء ما لقي يوسف في زمنه من إمرأة العزيز حتى كانت نساء الحرم يتزين ويتطيبن ويجلسن على الطريق انتظاراً لعبد الله فإذا مر بهن تقدمت كل واحدة منهن تعرض نفسها عليه ، تقول : يا عبد الله تزوج بي عسى أن يكون محمد ولدي ، وكان إذا مر بالنساء نهاراً شممن منه رائحة المسك والطيب وإذا مر عليهن ليلاً يشرق نوره عليهن وقد سطح كالمصباح حتى سمينه مصباح الحرم ، وكانت النساء يتصفحن باب الحرم ينتظرن قدوم عبد الله حتى لقي منهن عناء وتعباً فشكى ذلك لأبيه عبد المطلب فألقى الله في قلبه أن يزوجه ، فقال عبد الله لأمه : أريد منك أن تخطبي لي إمرأة ذات حسن وجمال وقد واعتدال وبهاء وكمال وحسن ونسب عال ، قالت : حباً وكرامة ، ثم إنها دارت في أحياء قريش وبنات العرب فلم يعجبها واحدة إلا آمنة بنت وهب الزهري ، ثم نظرت إليها ثانياً فإذا هي تضيء كأنها الكوكب الدري فخطبها عبد المطلب لولده عبد الله وجعل صداقها أوقية من ذهب وأوقية من فضة ومائة من الأبل ومثلها من البقر والغنم وذبح الذبائح وأصلح طعاماً كثيراً ، وأقام الناس في وليمة عبد الله تسعة أيام فلما تم الزواج دخل بها عبد الله يوم الإثنين في شعب أبي طالب وكان سنه إذ ذاك ثماني عشرة سنة ، ولما دخل عبد الله لم تبق إمرأة من قريش إلا مرضت تلك الليلة وماتت منهن مائة إمرأة وخرجن من الدنيا أسفاً على ما فاتهن من حسنه وجماله وبقي عبد الله في ضجة عظيمة وكانت آمنة يومئذ أفضل إمرأة من قريش نسباً وشرفاً من جهة الأب ومن جهة الأم وأعطاها الله من الجمال والكمال ما كانت تدعي به حليمة قومها فبقيت مع عبد الله مدة سنين لا يؤذن لنور رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يخرج من عبد الله إلى آمنة وقد طالت العبرة وانقطع أخبار السماء واندرس ذكر النبوة فلا أمير ينتخب ولا رسول يصطفى برسالات ربه والأرض مشوبة بالأصنام وقد نبذ الناس الطاعة واقتدوا بالظلم والجهالة منهمكين في عبادة الأوثان :



تبارك من عم الأنام بفضله

وخصصنا فضلاً ببعث محمد


فلا رأت الراؤون مثل جماله

ولا صعد المعراج مثل محمد


ولا ولدت حواء من نسل آدم

نسباً كنسل الهاشمي محمد


ولا كان في الكونين مثل كماله

ولا في جنان الخلد مثل محمد


لقد أخذ الميثاق من كل مرسل

وقد شهدوا حقاً بفضل محمد


كما أقسم الباري بحق حياته

وقد أشرق الأنوار فضل محمد


أما أنزل القرآن في وسط داره

وجاء به جبريل نحو محمد ؟


أما نبع الماء من أصابع كفه

وأسقى عطاش الجيش جود محمد ؟


وأكرمه المولى بظل غمامة

وعاد لها قدراً بظل محمد


فإن قلت بدراً فهو بدر كامل

وإن قلت شمساً تلك شمس محمد


تهلل وجه الكون من فرح به

وعبق في الدارين عطر محمد


تفاخرت الأرضون عجباً بوصفه

وتم لها فخر بقبر محمد


فصلى عليه الله جل جلاله

ما سارت الركبان نحو محمد


_________________
( بسم الله الرحمن الرحيم ) قل هو الله أحد . الله الصمد . لم يلد ولم يولد . ولم يكن له كفوا أحد .
قل أعوذ برب الفلق . من شر ما خلق . ومن شر غاسق إذا وقب . ومن شر النفاثات في العقد . ومن شر حاسد إذا حسد .


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
عرض مشاركات سابقة منذ:  مرتبة بواسطة  
إرسال موضوع جديد الرد على الموضوع  [ 196 مشاركة ]  الانتقال إلى صفحة السابق  1 ... 6, 7, 8, 9, 10, 11, 12 ... 14  التالي

جميع الأوقات تستخدم GMT + ساعتين


الموجودون الآن

المستخدمون المتصفحون لهذا المنتدى: لا يوجد أعضاء مسجلين متصلين و 18 زائر/زوار


لا تستطيع كتابة مواضيع جديدة في هذا المنتدى
لا تستطيع كتابة ردود في هذا المنتدى
لا تستطيع تعديل مشاركاتك في هذا المنتدى
لا تستطيع حذف مشاركاتك في هذا المنتدى
لا تستطيع إرفاق ملف في هذا المنتدى

البحث عن:
الانتقال الى:  
© 2011 www.msobieh.com

جميع المواضيع والآراء والتعليقات والردود والصور المنشورة في المنتديات تعبر عن رأي أصحابها فقط