فلما أشرق نوره صلى الله عليه وسلم في الوجود أذعن لله بالسجود ولم يخلق مثله مولود ثم أومأ بإصبعه إلى العلا فولد مختوناً مكحلاً مدهوناً معطراً مكرماً ، وخرج من ثغره نور أضاء له قصور بصرى من أرض الشام وخرت لهيبته جميع الصلبان والأصنام وأصبح كل جبار بعد عزته قليلاً ومنعت الشياطين أن تسترق السمع فلم تجد بعد ذلك إلى السماء وصولا ، فلما مدت أنوار غرته البهية وأشرقت شمس طلعته العلوية أضاءت بمولده ظلم الحنادس وانشق إيوان كسرى وخمدت نار فارس وكسرت الصلبان تعظيماً لقدومه وتوقيراً ونادى المنادي في الأكوان تنبيهاً لأمته على كرامته وتذكيراً : " يا أيها النبي إنا أرسلناك شاهدا ومبشرا ونذيرا وداعياً إلى الله بإذنه وسراجاً منيرا وبشر المؤمنين بأن لهم من الله فضلا كبيرا " .
أشرق البدر علينا
فاختفت منه البدور
مثل حسنك ما رأينا
قط يا وجه السرور
أنت شمس أنت بدر
أنت نور فوق نور
أنت إكسير وغالي
أنت مصباح الصدور
فسبحان من أبرز في شهر ربيع الأول طلعة قمر الوجود ، فما أجملها من طلعة وأبهاها وما أحسنها من محاسن وأحلاها ، حملت به آمنة فجاءها آدم وهناها ووقف نوح وناداها وأتاها الخليل يبشرها بما أتاها وقصد حلتها موسى الكليم وسلم عليها وحياها ، كل ذلك لأجل هذا المولود الذي تشرفت به الأرض وثراها ، وجاءت الطيور من أوكارها بشجاها وخرجت الحور العين وعليهن خلع السرور وحلاها وينادين : ما هذا النور الذي ملأ البقاع وكساها ، فقال جبريل : قد ولد من فاق البرية وما عداها وخرت لمولده الأصنام وهدمت صوامع الكهان وزال بناها ، وحمله جبريل على يديه وهو يقبل بين عينيه ويقول : أنت حم أنت يس أنت طه أنت ولي النفوس المؤمنة أنت مولاها .
بدت لنا في ربيع طلعة القمر
من وجه من فاق كل البدو والحضر
جلوه في الكون والأملاك تحجبه
في طلعة الحسن بين التيه والخفر
وكان في مثل هذا الشهر مولده
أكرم بمولد خير الخلق والبشر
تجمع الحسن فيه فهو واحده
جلوه في صورة فاقت على الصور
متى أرى ربعه يا سعد أسع له
سعياً على الرآس بل سعياً على البصر
إن لم أزر قبره يا سعد في عمري
من بعد هذا الجفا يا ضيعة العمر
تقسم الحب فيه كل جارحة
فالوجد للقلب والأجفان للسهر
صلى عليه إله العرش ما صدحت
حمائم الورق في الآصال والبكر
قالت آمنة رضي الله عنها : لما وضعت ولدي محمداً صلى الله عليه وسلم نظرت إليه فإذا هو ساجد قد رفع إصبعيه إلى السماء كالمتضرع المبتهل ، ثم رأيت سحابة بيضاء قد أقبلت إلى السماء حتى غشيته فغيبته عني وسمعت منادياً ينادي : طوفوا به مشارق الأرض ومغاربها وأدخلوه البحار ليعرفوه باسمه ونعته وصورته ويعلمون أنه يسمى فيها الماحي لا يبقى شيء من الشرك إلا محي في زمنه ، ثم انجلت عنه في أسرع وقت ، وعن الشفا : لما ولدت آمنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وقع على يدي فاستهل فسمعت قائلاً يقول : رحمك الله ، وأضاء لي ما بين المشرق والمغرب ثم نظرت إلى بعض قصور الروم ، وعن فاطمة بنت عبد الله الثقفية : لما حضرت ولادة رسول الله صلى الله عليه وسلم رأيت البيت حين وقع قد امتلأ نوراً والنجوم تدنو حتى ظننت أنها ستقع علي ، وعن آمنة : لقد رأيت ليلة وضعه عليه السلام نوراً أضاءت له قصور الشام حتى رأيتها .
ولد الحبيب ونوره يتوقد
وعليه تيجان القبول تنضد
ولد الذي لولاه ما كان التقى
كلا ولا ذكر الحمى والمعهد
جبريل نادى في محاسن وصفه
هذا مليح الكون هذا المفرد
هذا كحيل الطرف هذا المصطفى
هذا جميل الوجه هذا الأوحد
هذا جليل النعت هذا المرتضى
هذا حبيب الله هذا السيد
بشرى لآمنة برؤيا وجهه
هذا هو الجاه العريض الأزيد
في وجهه نور كما في خده
ورد كما في الشعر ليل أسود
يا مولد المختار كم لك من سنا
ومدائح تعلو وذكر يوجد
يا ليت طول الدهر عندي ذكره
يا ليت طول العمر عندي مولد
كرر علي حديثه فأنا الذي
من بعده ولبعده لا أرقد
صلى عليه الله ما هب الصبا
سحراً وما دام المحصب يقصد