موقع د. محمود صبيح
http://www.msobieh.com/akhtaa/

شكاية أهل السّنة بحكاية مَا نالهم من المحنة
http://www.msobieh.com/akhtaa/viewtopic.php?f=7&t=31764
صفحة 1 من 1

الكاتب:  سهم النور [ الخميس سبتمبر 13, 2018 11:18 am ]
عنوان المشاركة:  شكاية أهل السّنة بحكاية مَا نالهم من المحنة

ذكر رِسَالَة الإمام القشيرى إِلَى الْبِلَاد الْمُسَمَّاة :‏

‏"شكاية أهل السّنة بحكاية مَا نالهم من المحنة."‏

والمقصود بها محنة الوزير الرافضي الخبيث "ابن الكندري"‏

ولتفصيلات تلك المحنة يرجى نظر الرابط التالي :‏

viewtopic.php?f=2&t=31763

قال الإمام العلامة شيخ الإسلام التاج السبكي في "طبقات الشافعية ‏الكبرى" (3/ 393: 423) [وَقد جالت هَذِه الرسَالَة فى الْبِلَاد ‏وانزعجت نفوس أهل الْعلم مِنْهَا وَقَامَ كل مِنْهُم بِحَسب قوته وَدخلت ‏بيهق فَوقف عَلَيْهَا الْحَافِظ البيهقى ولبى دعوتها وَكتب الرسَالَة إِلَى ‏العميد الَّتِى انفصلنا الْآن عَنْهَا ثمَّ دخلت بَغْدَاد فَكتب الشَّيْخ أَبُو ‏إِسْحَاق الشيرازى من الشَّافِعِيَّة والقاضى الدامغانى من الْحَنَفِيَّة وَغَيرهمَا ‏من الْفَرِيقَيْنِ مَا أدَّت الْقُدْرَة إِلَيْهِ.‏

وَقد أورد الْحَافِظ بعض هَذِه الرسَالَة فى كِتَابه وَنحن نرى أَن نوردها ‏كلهَا فَإِنَّهُ يخْشَى على مثلهَا الضّيَاع إِذا تَمَادى الزَّمَان فَإِن هَذَا شَأْن ‏المصنفات اللطاف لَا سِيمَا مَا يغِيظ أهل الْبَاطِل فَإِنَّهُم يبادرون إِلَى ‏إِعْمَال الْحِيلَة فى إعدامه لقد كَانَ عِنْد الشَّيْخ الإِمَام نُسْخَة من كتاب ‏تَبْيِين كذب المفترى لَا يحسن الرائى أَن يقْرَأ مِنْهَا حرفا لما هُوَ مَكْتُوب فى ‏حواشيها وَبَين أسطرها من أُمُور لَا تتَعَلَّق بِالْكتاب بِخَط بعض فضلاء ‏الْحَنَابِلَة الَّذين يَلْمِزُونَ بِبَعْض الأشاعرة فَسَأَلت الشَّيْخ الإِمَام فَقَالَ هَذِه ‏النُّسْخَة شريتها من تَرِكَة الْحَافِظ سعد الدّين الحارثى وَكَأَنَّهُم كَانُوا ‏يُرِيدُونَ إعدامها وَلَكِن كتاب التَّبْيِين كثير الْعدَد أهل السّنة بحكاية مَا ‏نالهم من المحنة تخبر عَن بثة مكروب ونفثة مغلوب وَشرح ملم مؤلم.‏

وذكر مهم موهم وَبَيَان خطب قَادِح وَشر سانح للقلوب جارح رَفعهَا ‏عبد الْكَرِيم ابْن هوَازن القشيرى رَحمَه الله إِلَى الْعلمَاء الْأَعْلَام لجَمِيع بِلَاد ‏الْإِسْلَام.‏


الكاتب:  سهم النور [ الخميس سبتمبر 13, 2018 11:20 am ]
عنوان المشاركة:  Re: شكاية أهل السّنة بحكاية مَا نالهم من المحنة

أما بعد :‏

فَإِن الله تَعَالَى إِذا أَرَادَ أمرا قدره فَمن ذَا الذى أمسك مَا سيره أَو قدم مَا ‏أَخّرهُ أَو عَارض حكمه فَغَيره أَو غَلبه على أَمر فقهره كلا بل هُوَ الله ‏الْوَاحِد القهار الْمَاجِد الْجَبَّار.‏

وَمِمَّا ظهر بِبِلَاد نيسابور من قضايا التَّقْدِير فى مفتتح سنة خمس وَأَرْبَعين ‏وَأَرْبَعمِائَة من الْهِجْرَة مَا دَعَا أهل الدّين إِلَى شقّ صُدُور صبرهم وكشف ‏قناع ضيرهم بل ظلت الْملَّة الحنيفية تَشْكُو غليلها وتبدى عويلها ‏وتنصب عزالى رَحْمَة الله على من يستمع شكوها وتصغى مَلَائِكَة السَّمَاء ‏حَتَّى تندب شجوها.‏

ذَلِك مِمَّا أحدث من لعن إِمَام الدّين وسراج ذوى الْيَقِين محيى السّنة ‏وقامع الْبِدْعَة وناصر الْحق وناصح الْخلق الزكى الرضى أَبى الْحسن ‏الأشعرى قدس الله روحه وَسَقَى بِالرَّحْمَةِ ضريحه وَهُوَ الذى ذب عَن ‏الدّين بأوضح حجج وسلك فى قمع الْمُعْتَزلَة وَسَائِر أَنْوَاع المبتدعة أبين ‏مَنْهَج واستنفد عمره فى النَّضْح عَن الْحق فأورث الْمُسلمين بعد وَفَاته ‏كتبه الشاهدة بِالصّدقِ.‏

وَلَقَد سَمِعت الْأُسْتَاذ الشَّهِيد أَبَا على الْحسن بن على الدقاق رَحْمَة الله ‏عَلَيْهِ يَقُول سَمِعت أَبَا على زَاهِر بن أَحْمد الْفَقِيه رَحْمَة الله عَلَيْهِ يَقُول ‏مَاتَ أَبُو الْحسن الأشعرى رَحمَه الله وَرَأسه فى حجرى وَكَانَ يَقُول متْنا ‏فى حَال نَزعه من دَاخل حلقه فأدنيت إِلَيْهِ رأسى وأصغيت إِلَى مَا كَانَ ‏يقرع سمعى وَكَانَ يَقُول لعن الله الْمُعْتَزلَة موهوا ومخرقوا.‏

وَإِنَّمَا كَانَ أَبُو الْحسن الأشعرى رَحمَه الله يتَكَلَّم فى أصُول الدّين على ‏جِهَة الرَّد على أهل الزيغ والبدع تأديا بِمَا أوجب الله سُبْحَانَهُ على ‏الْعلمَاء من النَّضْح عَن الدّين وكشف تمويه الْمُلْحِدِينَ والمبتدعين بِمَا ‏زَالُوا عَن النهج الْمُسْتَقيم.‏

وَلَقَد سَمِعت الْأُسْتَاذ أَبَا عبد الله مُحَمَّد بن عبد الله بن عبيد الله ‏الشيرازى الصوفى رَحمَه الله يَقُول سَمِعت بعض أَصْحَاب أَبى عبد الله بن ‏خَفِيف الشيرازى رَحْمَة الله عَلَيْهِم يَقُول سَمِعت أَبَا عبد الله بن خَفِيف ‏رَحمَه الله يَقُول دخلت الْبَصْرَة فى أَيَّام شبابى لأرى أَبَا الْحسن الأشعرى ‏رَحْمَة الله عَلَيْهِ لما بلغنى خَبره فَرَأَيْت شَيخا بهى المنظر فَقلت لَهُ أَيْن منزل ‏أَبى الْحسن الأشعرى فَقَالَ وَمَا الذى تُرِيدُ مِنْهُ فَقلت أحب أَن أَلْقَاهُ فَقَالَ ‏ابتكر غَدا إِلَى هَذَا الْموضع قَالَ فابتكرت فَلَمَّا رَأَيْته تَبعته فَدخل دَار ‏بعض وُجُوه الْبَلَد فَلَمَّا أبصروه أكْرمُوا مَحَله وَكَانَ هُنَاكَ جمع من الْعلمَاء ‏ومجلس نظر فأقعدوه فى الصَّدْر فَلَمَّا شرع فى الْكَلَام دخل هَذَا الشَّيْخ ‏فَأخذ يرد عَلَيْهِ ويناظره حَتَّى أَفْحَمَهُ فَقضيت الْعجب من علمه وفصاحته ‏فَقلت لبَعض من كَانَ عندى من هَذَا الشَّيْخ فَقَالَ أَبُو الْحسن الأشعرى ‏فَلَمَّا قَامُوا تَبعته فَالْتَفت إِلَى وَقَالَ يَا فَتى كَيفَ رَأَيْت الأشعرى فخدمته ‏وَقلت يَا سيدى كَمَا هُوَ فى مَحَله وَلَكِن مَسْأَلَة قَالَ قل يَا بنى فَقلت ‏مثلك فى فضلك وعلو منزلتك كَيفَ لم تسال وَيسْأل غَيْرك فَقَالَ أَنا لَا ‏أَتكَلّم مَعَ هَؤُلَاءِ ابْتِدَاء وَلَكِن إِذا خَاضُوا فى ذكر مَا لَا يجوز فى دين الله ‏رددنا عَلَيْهِم بِحكم مَا فرض الله علينا من الرَّد على مخالفى الْحق.


الكاتب:  سهم النور [ الخميس سبتمبر 13, 2018 11:21 am ]
عنوان المشاركة:  Re: شكاية أهل السّنة بحكاية مَا نالهم من المحنة

وعَلى هَذِه الْجُمْلَة سيرة السّلف أَصْحَاب الحَدِيث الْمُتَكَلِّمين مِنْهُم فى ‏الرَّد على الْمُخَالفين وَأهل الشّبَه والزيغ.‏

وَلما من الله الْكَرِيم على أهل الْإِسْلَام ببركات السُّلْطَان الْمُعظم الْمُحكم ‏بِالْقُوَّةِ السماوية فى رِقَاب الْأُمَم الْملك الْأَجَل شاهنشاه يَمِين خَليفَة الله ‏وغياث عباد الله طغرلبك أَبى طَالب مُحَمَّد بن مِيكَائِيل أَطَالَ الله عمره ‏موفقا مَعْصُوما بقاه وأدام بالتسديد نعماه وَقَامَ بإحياء السّنة والمناضلة ‏عَن الْملَّة حَتَّى لم يبْق من أَصْنَاف المبتدعة حزبا إِلَّا سل لاستئصالهم سَيْفا ‏عضبا وأذاقهم ذلا وخسفا وعقب لآثارهم نسفا حرجت صُدُور أهل ‏الزيغ عَن تحمل هَذِه النقم وضاق صدرهم عَن مقاساة هَذَا الْأَلَم ومنوا ‏بلعن أنفسهم على رُءُوس الأشهاد بألسنتهم وَضَاقَتْ عَلَيْهِم الأَرْض بِمَا ‏رَحبَتْ بانفرادهم بالوقوع فى مهواة محنتهم فسولت لَهُم أنفسهم أمرا ‏وظنوا أَنهم بِنَوْع تلبيس وَضرب تَدْلِيس يَجدونَ لعسرهم يسرا فسعوا ‏إِلَى عالى مجْلِس السُّلْطَان الْمُعظم أعز الله نَصره بِنَوْع نميمة ونسبوا ‏الأشعرى إِلَى مَذَاهِب ذميمة وحكوا عَنهُ مقالات لَا يُوجد فى كتبه مِنْهَا ‏حرف وَلم ير فى المقالات المصنفة للمتكلمين الموافقين والمخالفين من وَقت ‏الْأَوَائِل إِلَى زَمَاننَا هَذَا لشئ مِنْهَا حِكَايَة وَلَا وصف.‏

بل كل ذَلِك تَصْوِير بتزوير وبهتان بِغَيْر تَقْرِير وَإِن مِمَّا أدْرك النَّاس من ‏كَلَام النُّبُوَّة إِذا لم تستحى فَاصْنَعْ مَا شِئْت.‏

وَلما رفعنَا إِلَى الْمجْلس العالى زَاده الله إشراقا هَذِه الظلامة وكشفنا قناع ‏هَذِه الخطة وَذكرنَا أَن هَذِه المقالات لم تسمع من أَلْسِنَة هَذِه الزمرة وَلم ‏يُوجد شئ فى كتبهمْ من هَذِه الْجُمْلَة وَلَا حكى فى الْكتب المصنفة فى ‏مقالات الْمُتَكَلِّمين حرف من هَذِه الْأَقَاوِيل بل كَانَ الْجَواب إِنَّا إِنَّمَا ‏نوعز بلعن الأشعرى الذى قَالَ هَذِه المقالات على هَذِه الصّفة فَإِن لم ‏يبينوا بهَا وَلم يقل الأشعرى شَيْئا مِنْهَا فَلَا عَلَيْك مَا نقُول وَلَا يلحقكم ‏ضَرَر مِمَّا نصْنَع فَقُلْنَا الأشعرى الذى هُوَ مَا حكيتم وَكَانَ بِمَا ذكرْتُمْ لم ‏يخلقه الله بعد وَمَا مَحل هَذَا إِلَّا مَحل من حكى عَن أَئِمَّة السّلف أَنهم ‏دانوا بالبدع ونسبهم إِلَى الضلال وَالْخَطَأ فَإِذا قيل لَهُ فى ذَلِك يَقُول ‏إِنَّمَا أَقُول لفُلَان الذى قَالَ مَا نسبته إِلَيْهِ ودان بِهَذَا الذى قلت وَمَات ‏عَلَيْهِ الْكيس لَا يرضى مِنْهُ بذلك وَلَا يغضى على ذَلِك.‏

ثمَّ أَخذنَا فى سَبِيل الاستعطاف جَريا فى دفع السَّيئَة بالتى هى أحسن فَلم ‏تسمع لنا حجَّة وَلم تقض لنا حَاجَة وَلَا حِيلَة لنا فى التَّوَسُّط بَيْننَا على من ‏بعده فى مَذْهَب وَاحِد عصره فأغضينا على قذى الِاحْتِمَال واستنمنا إِلَى ‏مَعْهُود الْمُوَافقَة فى أصُول الدّين بَين الْفَرِيقَيْنِ فحضرنا مَجْلِسه وَلم نشك ‏أَنا لَا ننصرف إِلَّا وَشَمل الدّين مُنْتَظم وَشعب الْوِفَاق فى الْأُصُول ملتئم ‏وَأَن كلنا على قمع الْمُعْتَزلَة وقهر المبتدعة يَد وَاحِدَة وَأَن لَيْسَ بَين ‏الْفَرِيقَيْنِ فى الْأُصُول خلاف فَأول مَا سألناه بِأَن قُلْنَا هَل صَحَّ عِنْده عَن ‏الأشعرى هَذِه المقالات الَّتِى تحكى فَقَالَ لَا غير أَنى لَا أستجيز الْخَوْض فى ‏هَذِه الْمسَائِل الكلامية وَأَمْنَع النَّاس عَنْهَا وأنهى وَلَا يجوز اللَّعْن عندى ‏على أهل الْقبْلَة لشئ مِنْهَا وَصرح بِأَنَّهُ لَيْسَ يعلم أَنه قَالَ هَذِه الْمسَائِل ‏الَّتِى تحكى عَنهُ أم لَا ثمَّ قَالَ فى خلال كَلَامه إِن الأشعرى عندى مُبْتَدع ‏وَأَنه فى الْبِدْعَة يزِيد على الْمُعْتَزلَة فحين سمعنَا ذَلِك تحيرنا ونفينا وَسَمعنَا ‏غير مَا ظننا وشاهدنا مَا لَو أخبرنَا بِهِ مَا صدقنا ورأينا بالعيان مَا لَو رَأَيْنَاهُ ‏فى الْمَنَام لقلنا أضغاث أَحْلَام فسبحان الله كَيفَ صرح بِأَنَّهُ لَا يعرف ‏مَذْهَب رجل على الْحَقِيقَة وَصَحَّ عِنْده مقَالَته ثمَّ يبدعه من غير تحقق ‏بمقالته ثمَّ انصرفنا.


الكاتب:  سهم النور [ الخميس سبتمبر 13, 2018 11:22 am ]
عنوان المشاركة:  Re: شكاية أهل السّنة بحكاية مَا نالهم من المحنة

وَمَا نقموا من الأشعرى إِلَّا أَنه قَالَ بِإِثْبَات الْقدر لله خَيره وشره ونفعه ‏وضره وَإِثْبَات صِفَات الْجلَال لله من قدرته وَعلمه وإرادته وحياته وبقائه ‏وسَمعه وبصره وَكَلَامه وَوَجهه وَيَده وَأَن الْقُرْآن كَلَام الله غير مَخْلُوق ‏وَأَنه تَعَالَى مَوْجُود تجوز رُؤْيَته وَأَن إِرَادَته نَافِذَة فى مراداته وَمَا لَا يخفى ‏من مسَائِل الْأُصُول الَّتِى تخَالف طَرِيقه طَرِيق الْمُعْتَزلَة والمجسمة فِيهَا وَإِذا ‏لم يكن فى مَسْأَلَة لأهل الْقبْلَة غير قَول الْمُعْتَزلَة وَقَول الأشعرى قَول ‏زَائِد فَإِذا بَطل قَول الأشعرى فَهَل يتَعَيَّن بِالصِّحَّةِ أَقْوَال الْمُعْتَزلَة وَإِذا ‏بَطل الْقَوْلَانِ فَهَل هَذَا إِلَّا تَصْرِيح بِأَن الْحق مَعَ غير أهل الْقبْلَة وَإِذا لعن ‏الْمُعْتَزلَة والأشعرى فى مَسْأَلَة لَا يخرج قَول الْأمة عَن قوليهما فَهَل هَذَا إِلَّا ‏لعن جَمِيع أهل الْقبْلَة.‏

معاشر الْمُسلمين الغياث الغياث سعوا فى إبِْطَال الدّين وَرَأَوا هدم قَوَاعِد ‏الْمُسلمين وهيهات هَيْهَات {يُرِيدُونَ أَن يطفئوا نور الله بأفواههم ويأبى ‏الله إِلَّا أَن يتم نوره} وَقد وعد الله للحق نَصره وظهوره وللباطل محقه ‏وثبوره إِلَّا أَن كتب الأشعرى فى الْآفَاق مبثوثة ومذاهبه عِنْد أهل السّنة ‏من الْفَرِيقَيْنِ مَعْرُوفَة مَشْهُورَة فَمن وَصفه بالبدعة علم أَنه غير محق فى ‏دَعْوَاهُ وَجَمِيع أهل السّنة خَصمه فِيمَا افتراه.‏

فَأَما مَا حكى عَنهُ وَعَن أَصْحَابه أَنهم يَقُولُونَ إِن مُحَمَّدًا صلى الله عَلَيْهِ ‏وَسلم لَيْسَ بنبى فى قَبره وَلَا رَسُول بعد مَوته فبهتان عَظِيم وَكذب مَحْض ‏لم ينْطق مِنْهُم أحد وَلَا سمع فى مجْلِس مناظرة ذَلِك عَنْهُم وَلَا وجد ذَلِك فى ‏كتاب لَهُم وَكَيف يَصح ذَلِك وَعِنْدهم مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حى ‏فى قَبره قَالَ الله تَعَالَى {وَلَا تحسبن الَّذين قتلوا فِي سَبِيل الله أَمْوَاتًا بل ‏أَحيَاء عِنْد رَبهم يرْزقُونَ} فَأخْبر سُبْحَانَهُ بِأَن الشُّهَدَاء أَحيَاء عِنْد رَبهم ‏والأنبياء أولى بذلك لتقاصر رُتْبَة الشَّهِيد عَن دَرَجَة النُّبُوَّة قَالَ الله تَعَالَى ‏‏{فَأُولَئِك مَعَ الَّذين أنعم الله عَلَيْهِم من النَّبِيين وَالصديقين وَالشُّهَدَاء ‏وَالصَّالِحِينَ} فرتبة الشُّهَدَاء ثَالِث دَرَجَة النُّبُوَّة.‏


الكاتب:  سهم النور [ الخميس سبتمبر 13, 2018 11:24 am ]
عنوان المشاركة:  Re: شكاية أهل السّنة بحكاية مَا نالهم من المحنة

وَلَقَد وَردت الْأَخْبَار الصَّحِيحَة والْآثَار المروية بِمَا تدل الشَّهَادَة على ‏هَذِه الْجُمْلَة.‏

فَمن ذَلِك مَا أخبرنَا بِهِ أَبُو سعيد مُحَمَّد بن إِبْرَاهِيم بن عبد الله الأديب ‏حَدثنَا أَبُو إِسْحَاق إِبْرَاهِيم بن مُحَمَّد بن إِبْرَاهِيم بن حَاتِم حَدثنَا مُحَمَّد ‏بن إِسْحَاق بن الصَّباح الصاغانى حَدثنَا ابْن جعْشم عَن سُفْيَان عَن عبد ‏الله بن السَّائِب عَن زَاذَان عَن ابْن مَسْعُود عَن النبى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ‏قَالَ (إِن لله تَعَالَى مَلَائِكَة سياحين فى الأَرْض تبلغنى عَن أمتى السَّلَام) وَلَا ‏يبلغ السَّلَام إِلَّا وَيكون حَياً.‏

وَأخْبرنَا إِبْرَاهِيم بن مُحَمَّد الْفَقِيه أخبرنَا أَبُو الْقَاسِم عبد الله بن أَحْمد ‏النسوى حَدثنَا أَبُو الْعَبَّاس الْحسن بن سُفْيَان الشيبانى النسوى حَدثنَا ‏هِشَام ابْن خَالِد حَدثنَا الْحسن بن يحيى حَدثنَا سعيد بن عبد الْعَزِيز عَن ‏يزِيد بن أَبى مَالك عَن أنس بن مَالك قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ ‏وَسلم (مَا من نبى يَمُوت فيقيم فى قَبره إِلَّا أَرْبَعِينَ صباحا حَتَّى ترد إِلَيْهِ ‏روحه).‏

وَأخْبرنَا أَبُو عبد الله الْحُسَيْن بن مُحَمَّد بن الْحُسَيْن الثقفى أخبرنَا أَبُو ‏الْحُسَيْن هَارُون بن مُحَمَّد بن هَارُون الْعَطَّار حَدثنَا أَبُو على الْحسن بن ‏على بن عِيسَى المقبرى أَبُو عبد الرَّحْمَن الْمُقْرِئ حَدثنَا حَيْوَة بن شُرَيْح ‏عَن أَبى صَخْر المدنى عَن يزِيد بن عبد الله بن قسيط عَن أَبى هُرَيْرَة أَن ‏رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ (مَا من أحد يسلم على إِلَّا رد الله ‏عز وَجل على روحى حَتَّى أرد عَلَيْهِ السَّلَام).‏

دلّ الْخَبَر على أَن الْمَيِّت لَا يعلم حَتَّى ترد إِلَيْهِ الرّوح وَدلّ على أَن ‏النبى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حى فى قَبره.‏

وَأخْبرنَا أَبُو الْحُسَيْن على بن مُحَمَّد بن عبد الله بن بَشرَان بِبَغْدَاد أخبرنَا ‏أَبُو جَعْفَر مُحَمَّد بن عَمْرو البخترى حَدثنَا عِيسَى بن عبد الله الطيالسى ‏حَدثنَا الْعَلَاء ابْن عَمْرو الحنفى حَدثنَا أَبُو عبد الرَّحْمَن عَن الْأَعْمَش عَن ‏أَبى صَالح عَن أَبى هُرَيْرَة عَن النبى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ (من صلى ‏على عِنْد قبرى سمعته وَمن صلى على نَائِيا أبلغته).‏

وَأخْبرنَا إِبْرَاهِيم بن مُحَمَّد الْفَقِيه أخبرنَا أَبُو الْقَاسِم عبد الله بن أَحْمد ‏النسوي أخبرنَا الْحسن بن سُفْيَان حَدثنَا شَيبَان بن فروخ حَدثنَا حَمَّاد ‏بن سَلمَة حَدثنَا أَبُو الْمُعْتَمِر وثابت البنانى عَن أنس بن مَالك أَن رَسُول ‏الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ (أتيت على مُوسَى لَيْلَة أسرى بى عِنْد ‏الْكَثِيب الْأَحْمَر وَهُوَ قَائِم يصلى فى قَبره).‏

وَأخْبرنَا أَبُو الْحسن عَليّ بن أَحْمد الْكَاتِب حَدثنَا أَحْمد بن عبد الصفار ‏حَدثنَا تمْتَام مُحَمَّد بن غَالب حَدثنَا مُوسَى حَدثنَا سُلَيْمَان بن الْمُغيرَة عَن ‏ثَابت عَن أنس قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (أتيت وَأَنا فى ‏أهلى فَانْطَلقُوا بى إِلَى زَمْزَم وَشرح صدرى ثمَّ غسل بِمَاء زَمْزَم ثمَّ أتيت ‏بطست من ذهب ممتلئة إِيمَانًا وَحكما فحشى بِهِ صدرى) قَالَ أنس ‏وَرَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يرينا أَثَره (فعرج بى الْملك إِلَى السَّمَاء ‏الدُّنْيَا فَاسْتَفْتَحَ الْملك قَالَ من ذَا قَالَ جِبْرِيل قَالَ وَمن مَعَك قَالَ مُحَمَّد ‏صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
قَالَ وَقد بعث قَالَ نعم.‏
قَالَ فَفتح فَإِذا آدم عَلَيْهِ السَّلَام قَالَ مرْحَبًا بك من ولد ومرحبا بك من ‏رَسُول ثمَّ عرج بى الْملك إِلَى السَّمَاء الثَّانِيَة فَاسْتَفْتَحَ الْملك فَقَالَ من ذَا ‏قَالَ جِبْرِيل قَالَ وَمن مَعَك قَالَ مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم.‏

قَالَ وَقد بعث قَالَ نعم قَالَ فَفتح فَإِذا عِيسَى وَيحيى عَلَيْهِمَا السَّلَام فَقَالَا ‏مرْحَبًا بك من أَخ ومرحبا بك من رَسُول.‏

ثمَّ عرج بى الْملك إِلَى السَّمَاء الثَّالِثَة فَاسْتَفْتَحَ الْملك فَقَالَ من ذَا قَالَ ‏جِبْرِيل قَالَ وَمن مَعَك قَالَ مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ وَقد بعث ‏قَالَ نعم.‏

قَالَ فَفتح فَإِذا يُوسُف عَلَيْهِ السَّلَام قَالَ مرْحَبًا بك من أَخ ومرحبا بك ‏من رَسُول.‏

ثمَّ عرج بى الْملك إِلَى السَّمَاء الرَّابِعَة فَاسْتَفْتَحَ الْملك فَقَالَ من ذَا قَالَ ‏جِبْرِيل قَالَ وَمن مَعَك قَالَ مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ وَقد بعث ‏قَالَ نعم قَالَ فَفتح فَإِذا أدريس عَلَيْهِ السَّلَام قَالَ مرْحَبًا بك من أَخ ‏ومرحبا بك من رَسُول.‏

ثمَّ عرج بى الْملك إِلَى السَّمَاء الْخَامِسَة فَاسْتَفْتَحَ فَقَالَ من ذَا قَالَ جِبْرِيل ‏قَالَ وَمن مَعَك قَالَ مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ وَقد بعث قَالَ نعم ‏قَالَ فَفتح فَإِذا هَارُون عَلَيْهِ السَّلَام فَقَالَ مرْحَبًا بك من أَخ ومرحبا بك ‏من رَسُول.‏

ثمَّ عرج بى الْملك إِلَى السَّمَاء السَّادِسَة فَاسْتَفْتَحَ الْملك فَقَالَ من ذَا قَالَ ‏جِبْرِيل قَالَ وَمن مَعَك قَالَ مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ وَقد بعث ‏قَالَ نعم قَالَ فَفتح فَإِذا مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام فَقَالَ مرْحَبًا بك من أَخ ‏ومرحبا بك من رَسُول. ‏

ثمَّ عرج بى الْملك إِلَى السَّمَاء السَّابِعَة فَاسْتَفْتَحَ الْملك قَالَ من ذَا قَالَ ‏جِبْرِيل قَالَ وَمن مَعَك قَالَ مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ وَقد بعث ‏قَالَ نعم قَالَ فَفتح فَإِذا إِبْرَاهِيم عَلَيْهِ السَّلَام فَقَالَ مرْحَبًا بك من رَسُول ‏الْخَبَر بِطُولِهِ.‏

فَدلَّ هَذَا الْخَبَر على أَنهم عَلَيْهِم السَّلَام أَحيَاء.


الكاتب:  سهم النور [ الخميس سبتمبر 13, 2018 11:25 am ]
عنوان المشاركة:  Re: شكاية أهل السّنة بحكاية مَا نالهم من المحنة

وَلَقَد روى الْحسن بن قُتَيْبَة المدائنى وعد ذَلِك فى أَفْرَاده عَن الْمُسلم بن ‏سعيد الثقفى عَن الْحجَّاج بن الْأسود عَن ثَابت البنانى عَن أنس قَالَ قَالَ ‏رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (الْأَنْبِيَاء أَحيَاء فى قُبُورهم يصلونَ).‏

فَإِذا ثَبت أَن نَبينَا صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حى فالحى لابد من أَن يكون إِمَّا ‏عَالما أَو جَاهِلا وَلَا يجوز أَن يكون النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم جَاهِلا قَالَ ‏تَعَالَى فى صفته {مَا ضل صَاحبكُم وَمَا غوى} وَقَالَ {آمن الرَّسُول بِمَا ‏أنزل إِلَيْهِ من ربه}.‏

فَثَبت أَنه مُؤمن ورتبة النُّبُوَّة رُتْبَة الشّرف وعلو الْمنزلَة وَهُوَ صلى الله ‏عَلَيْهِ وَسلم يزْدَاد كل يَوْم شرفا ورتبة إِلَى الْأَبَد فَكيف لَا يكون عَارِفًا ‏وَلَا نَبيا وَالرَّسُول فعول بِمَعْنى الْمُرْسل وَلَا نَظِير لَهُ فى اللُّغَة والإرسال ‏كَلَام الله وَكَلَامه قديم وَهُوَ قبل أَن خلق كَانَ رَسُولا بإرسال الله وفى ‏حَالَة الْيَوْم وَإِلَى الْأَبَد رَسُول لبَقَاء كَلَامه وَقدم قَوْله واستحالة الْبطلَان ‏على إرْسَاله الذى هُوَ كَلَامه وَلَقَد سُئِلَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ‏فَقيل لَهُ مَتى كنت نَبيا فَقَالَ (وآدَم منجدل فى طينته).‏

وَأخْبرنَا أَبُو الْحسن على بن أَحْمد الْكَاتِب حَدثنَا أَحْمد بن عبد الصفار ‏حَدثنَا يَعْقُوب بن غيلَان حَدثنَا مُحَمَّد بن عبد الرَّحْمَن حَدثنَا عبد ‏الرَّحْمَن بن مهدى حَدثنَا مُعَاوِيَة بن صَالح عَن سعيد بن سُوَيْد عَن عبد ‏الْأَعْلَى بن هِلَال السلمى عَن الْعِرْبَاض بن سَارِيَة قَالَ قَالَ رَسُول الله ‏صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (إنى لخاتم النَّبِيين وَإِن آدم منجدل فى طينته).‏

وَأخْبرنَا أَبُو الْحسن على بن أَحْمد حَدثنَا أَحْمد بن عبد حَدثنَا مُحَمَّد بن ‏غَالب حَدَّثَنى مُحَمَّد بن سِنَان حَدثنَا إِبْرَاهِيم بن طهْمَان عَن بديل بن ‏ميسرَة وَعَن عبد الله بن شَقِيق عَن ميسرَة الْفجْر قَالَ قلت يَا رَسُول الله ‏مَتى كنت نَبيا قَالَ (وآدَم بَين الرّوح والجسد).‏

فَإِن قيل فَمن أَيْن وَقعت هَذِه الْمَسْأَلَة إِن لم يكن لَهَا أصل قيل إِن بعض ‏الكرامية مَلأ الله قَبره نَارا وظنى أَن الله قد فعل ألزم بعض أَصْحَابنَا وَقَالَ ‏إِذا كَانَ عنْدكُمْ الْمَيِّت فى حَال مَوته لَا يحس وَلَا يعلم فَيجب أَن يكون ‏النبى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فى قَبره غير مُؤمن لِأَن الْإِيمَان عنْدكُمْ الْمعرفَة ‏والتصديق وَالْمَوْت ينافى ذَلِك فَإِذا لم يكن لَهُ علم وتصديق لَا يكون لَهُ ‏إِيمَان وَمن لَا يكون مُؤمنا لَا يكون نَبيا وَلِأَن عِنْدهم الْإِيمَان الْإِقْرَار الْفَرد ‏وَذَلِكَ قَوْلهم لما قَالَ الله لَهُم {أَلَسْت بربكم قَالُوا بلَى} وَزَعَمُوا أَن قَوْلهم ‏‏{بلَى} بَاقٍ وَالْإِيمَان ذَلِك وفى حَال الْمَوْت عِنْدهم الْمَيِّت يحس وَيعلم ‏وَقَوله {بلَى} بَاقٍ عينه.‏

وَهَذِه الْمذَاهب لَهُم مَعَ ركاكتها وفسادها غير ملزمة لنا مَا ألزمونا لِأَن ‏عندنَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حى يحس وَيعلم وَتعرض عَلَيْهِ ‏أَعمال الْأمة ويبلغ الصَّلَاة وَالسَّلَام على مَا بَينا ثمَّ الأشعرى لَا يخْتَص ‏بقوله إِن الْمَيِّت لَا يحس وَلَا يعلم فَإِن أحدا من الْمُعْتَزلَة وَغَيرهم من ‏الْمُتَكَلِّمين سوى الكرامية لم يقل إِن الْمَيِّت يحس وَيعلم وَغير الكرامية لم ‏يقل أحد إِن الْإِيمَان هُوَ الْإِقْرَار الْمُجَرّد وَهُوَ قَوْلهم {بلَى} وَلم يقل أحد ‏سواهُم إِن ذَلِك الْإِقْرَار الذى هُوَ {بلَى} مَوْجُود وَإِن قَالَ كثير من النَّاس ‏بِبَقَاء بعض الْأَعْرَاض وَجَوَاب الأشعرى كجواب جَمِيع النَّاس عَن هَذِه ‏الْمَسْأَلَة مَعَ ركاكتها وَفَسَاد قواعدها.‏


الكاتب:  سهم النور [ الخميس سبتمبر 13, 2018 11:26 am ]
عنوان المشاركة:  Re: شكاية أهل السّنة بحكاية مَا نالهم من المحنة

وَاعْلَمُوا رحمكم الله أَن مَا يلْزمه الْخصم بِدَعْوَاهُ فَيَقُول هَذَا على أصلكم ‏وَمُقْتَضى علتكم يلزمكم فَلَا يجوز أَن ينْسب ذَلِك إِلَى صَاحب الْمَذْهَب ‏فَيُقَال هَذَا مَذْهَب فلَان وَمَا عرُوض هَذَا إِلَّا عرُوض من قَالَ إِن مَذْهَب ‏الحنفى أَن الْوضُوء بِالْخمرِ جَائِز فى السّفر لِأَنَّهُ إِذا جوز التوضى بالنبيذ ‏على وصف يلْزمه أَن يجوز فى الْخمر لاشْتِرَاكهمَا فى الْعلَّة وَهُوَ أَن كل ‏وَاحِد مِنْهُمَا مُسكر فَمثل هَذَا الْإِلْزَام لَا يَصح أَن ينْسب بِهِ الحنفى أَن ‏يَقُول يجوز التوضى فى السّفر بِالْخمرِ عِنْد عدم المَاء.‏

كَذَلِك إِذا قَالُوا إِن مَذْهَب الأشعرى أَن النبى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَيْسَ ‏بِنَبِي فى قَبره لِأَنَّهُ يلْزمه حِين قَالَ إِن الْمَيِّت لَا يحس وَلَا يعلم أَن يَقُول إِنَّه ‏لَيْسَ بعالم وَلَا نبى وَمن قَالَ هَذَا كَانَ كَاذِبًا وَكَانَ قَوْله بهتانا فَليعلم ذَلِك ‏يزل الْإِيهَام إِن شَاءَ الله تَعَالَى.‏

وَأما مَا قَالُوهُ إِن مذْهبه أَنه يَقُول إِن الله لَا يجازى المطيعين على إِيمَانهم ‏وطاعاتهم وَلَا يعذب الْكفَّار والعصاة على كفرهم ومعاصيهم فَذَلِك أَيْضا ‏بهتان وَتقول وَكَيف يَصح من قَول أحد يقر بِالْقُرْآنِ وَالله تَعَالَى يَقُول فى ‏مُحكم كِتَابه {جَزَاء بِمَا كَانُوا يعْملُونَ} وَيَقُول {ذَلِك جزيناهم بِمَا ‏كفرُوا} وَيَقُول {جَزَاء من رَبك عَطاء حسابا} وَيَقُول {كَذَلِك نجزي من ‏شكر} وَغير ذَلِك من الْآيَات وَلَيْسَ الْخلاف فى ذَلِك وَإِنَّمَا الْخلاف فى ‏أَن الْمُعْتَزلَة وَمن سلك سبيلهم فى التَّعْدِيل والتجوير زَعَمُوا أَنه يجب ‏على الله تَعَالَى أَن يثيب المطيعين وَيجب عَلَيْهِ أَن يعذب العاصين.‏

فطاعة المطيعين عِلّة فى استحقاقهم ثَوَابه وزلات العاصين عِلّة فى ‏استحقاقهم عِقَابه.‏

وَقَالَ أهل السّنة من الأشعرية وَمن جَمِيع من خَالف الْمُعْتَزلَة إِن الله ‏سُبْحَانَهُ لَا يجب عَلَيْهِ شئ وَقَالُوا إِن الْخلق خلقه وَالْملك ملكه وَالْحكم ‏حكمه فَلهُ أَن يتَصَرَّف فى الْعباد بِمَا يَشَاء وَله أَن يُوصل الْأَلَم إِلَى من ‏يَشَاء ويوصل اللَّذَّة إِلَى من يَشَاء وَأَنه يثيب الْمُؤمنِينَ ووعد لَهُم الْجنَّة ‏وَقَوله صدق فَلَا محَالة أَنه يجازيهم ويثيبهم وَلَو لم يعدهم عَن طاعاتهم ‏الثَّوَاب لم يكن يجب للْعَبد عَلَيْهِ شئ فَإِنَّهُ توعد العصاة بالعقوبة على ‏معاصيهم على ذَلِك لِأَن وعيده حق وَلَو لم يعذبهم وَلم يتوعدهم لَكَانَ ‏ذَلِك جَائِزا إِلَّا أَن الله سُبْحَانَهُ قَالَ فى صفة نَفسه {فعال لما يُرِيد} ‏فالمطيعون لَا محَالة لَهُم جَزَاء الطَّاعَات وَلَكِن بِفضل الله عَلَيْهِم لَا ‏باستحقاقهم والعاصون لَا محَالة لَهُم على معاصيهم مَا توعدهم بِهِ من ‏الْعقَاب لَكِن لحكمة لَا باستحقاقهم فالطاعات والمعاصى عَلَامَات للثَّواب ‏وَالْعِقَاب لَا علل وَلَا مُوجبَات وَمن صرح فى مُخَالفَة هَذَا فقد أقرّ ‏بالإعتزال وَالْقدر وَلَقَد أخبر الله سُبْحَانَهُ عَن أهل الْجنَّة أَنهم يَقُولُونَ ‏‏{الَّذِي أحلنا دَار المقامة من فَضله}.‏

وَقَالَ تَعَالَى {وَلَوْلَا فضل الله عَلَيْكُم وَرَحمته مَا زكا مِنْكُم من أحد أبدا}‏
وَقَالَ تَعَالَى {وَلَو شَاءَ رَبك لآمن من فِي الأَرْض كلهم جَمِيعًا أفأنت ‏تكره النَّاس حَتَّى يَكُونُوا مُؤمنين} وَقَالَ تَعَالَى {وَلَو شِئْنَا لآتينا كل نفس ‏هداها وَلَكِن حق القَوْل مني لأملأن جَهَنَّم من الْجنَّة وَالنَّاس أَجْمَعِينَ} ‏وَقَالَ تَعَالَى {فَمن يرد الله أَن يهديه يشْرَح صَدره لِلْإِسْلَامِ}.‏

أخبرنَا أَبُو نعيم عبد الْملك بن الْحسن بن مُحَمَّد الإسفراينى أخبرنَا أَبُو ‏عوَانَة يَعْقُوب بن إِسْحَاق حَدثنَا سعيد بن مَسْعُود المروزى السلمى ‏أخبرنَا النَّضر عَن شهيل أخبرنَا بن عون عَن مُحَمَّد عَن أَبى هُرَيْرَة قَالَ ‏قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (لَيْسَ أحد مِنْكُم ينجيه عمله) قَالُوا ‏وَلَا أَنْت يَا رَسُول الله قَالَ (وَلَا أَنا إِلَّا إِن يتغمدنى الله مِنْهُ برحمة ومغفرة)‏.

أخبرنَا الإِمَام أَبُو بكر مُحَمَّد بن الْحسن بن فورك رَحْمَة الله عَلَيْهِ أَن عبد ‏الله ابْن جَعْفَر أخْبرهُم حَدثنَا يُونُس بن حبيب حَدثنَا أَبُو دَاوُد الطيالسى ‏حَدثنَا ابْن أَبى ذِئْب عَن سعيد عَن أَبى هُرَيْرَة رضى الله عَنهُ قَالَ قَالَ ‏رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (مَا مِنْكُم أحد ينجيه عمله) قَالُوا وَلَا ‏أَنْت يَا رَسُول الله قَالَ (وَلَا أَنا إِلَّا إِن يتغمدنى الله مِنْهُ برحمة).‏

وَهَذِه الْمَسْأَلَة من شعب مَسْأَلَة الْقدر وَأهل الْحق لَا يَقُولُونَ بِوُجُوب ‏شئ على الله وَيَقُولُونَ لله أَن يحكم على عباده بِمَا يرد وَيخْتَص من يَشَاء ‏بِالرَّحْمَةِ ويخص من يَشَاء بالألم والشدة وَلَو لم يعد أهل الطَّاعَات بالثواب ‏لم يتَوَجَّه لأحد عَلَيْهِ حق وَلَو ابْتَدَأَ الْخلق بِالْعَذَابِ لم يلْحقهُ فِيهِ لوم.


الكاتب:  سهم النور [ الخميس سبتمبر 13, 2018 11:28 am ]
عنوان المشاركة:  Re: شكاية أهل السّنة بحكاية مَا نالهم من المحنة

وَلَقَد روى ابْن الديلمى رَحمَه الله قَالَ أتيت أَبى بن كَعْب رضى الله عَنهُ ‏فَقلت إِنَّه وَقع فى نفسى شئ من الْقدر فحدثنى بشئ لَعَلَّ الله أَن يذهب ‏من قلبى فَقَالَ لَو أَن الله عز وَجل عذب أهل سماواته وَأهل أرضه عذبهم ‏وَهُوَ غير ظَالِم لَهُم وَلَو رَحِمهم كَانَت رَحمته خيرا لَهُم من أَعْمَالهم وَلَو ‏أنفقت مثل أحد ذَهَبا مَا قبله الله عز وَجل مِنْك حَتَّى تؤمن بِالْقدرِ وَتعلم ‏أَن مَا أخطأك لم يكن ليصيبك وَمَا أَصَابَك لم يكن ليخطئك وَلَو مت على ‏غير هَذَا دخلت النَّار ثمَّ لقِيت عبد الله بن مَسْعُود فَقَالَ مثل ذَلِك

ثمَّ لقِيت حُذَيْفَة بن الْيَمَان فَقَالَ مثل ذَلِك ثمَّ لقِيت زيد بن ثَابت فحدثنى ‏عَن النبى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِمثل ذَلِك. ‏

وَلَقَد أخبرنَا أَبُو الْحسن على بن أَحْمد الأهوازى أخبرنَا أَحْمد بن عبد ‏الصفار حَدثنَا بشر بن مُوسَى حَدثنَا حجاج حَدثنَا إِسْمَاعِيل بن عَيَّاش ‏الحمصى حَدثنَا عمر بن عبيد الله مولى غفرة عَن رجل من الْأَنْصَار عَن ‏حُذَيْفَة قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (يكون قوم يَقُولُونَ لَا ‏قدر أُولَئِكَ مجوس هَذِه الْأمة فَإِن مرضوا فَلَا تعودوهم وَإِن مَاتُوا فَلَا ‏تشهدوهم فَإِنَّهُم شيعَة الدَّجَّال وَحقّ على الله أَن يلحقهم بِهِ).‏

وَأخْبرنَا على بن أَحْمد أخبرنَا أَحْمد بن عبد حَدثنَا مُحَمَّد بن خلف بن ‏هِشَام حَدثنَا مُحرز بن عون عَن حسان بن إِبْرَاهِيم الكرمانى عَن نصر ‏عَن قَتَادَة عَن أَبى حسان الْأَعْرَج عَن نَاجِية بن كَعْب عَن عبد الله بن ‏مَسْعُود رضى الله عَنهُ قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (خلق الله ‏يحيى فى بطن أمه مُؤمنا وَخلق الله فِرْعَوْن فى بطن أمه كَافِرًا).‏

فَالْحَمْد لله الذى أوضح سَبِيل الدّين بحججه وَهدى للحق سالكى نهجه ‏وخذل أهل الْبدع حَتَّى فضحوا أنفسهم بنصرة الْبَاطِل وَظهر لجَمِيع ‏أهل السّنة مَا كَانَ ملتبسا عَلَيْهِم من أَحْوَالهم الخافية.‏

وَأما مَا يَقُولُونَ عَن الأشعرى أَن مذْهبه أَن مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام لم يسمع ‏كَلَام الله عز وَجل فسبحان الله كَيفَ لَا يستحيى من يأتى بِمثل هَذَا ‏الْبُهْتَان الذى يشْهد بتكذيبه كل مُخَالف وموافق إِن حد مَا يجوز أَن ‏يسمع عِنْد الأشعرى هُوَ الْمَوْجُود وَكَلَام الله عِنْده قديم فَكيف يَقُول لَا ‏يجوز أَن يسمع كَلَام الله وَقد قَالَ الله سُبْحَانَهُ {وكلم الله مُوسَى تكليما} ‏ومذهبه أَن الله تَعَالَى أفرد مُوسَى فى وقته بِأَن أسمعهُ كَلَام نَفسه بِغَيْر ‏وَاسِطَة وَلَا على لِسَان رَسُول وَإِنَّمَا لَا يَصح هَذَا على أصُول الْقَدَرِيَّة ‏الَّذين يَقُولُونَ إِن كَلَام الله مَخْلُوق فى الشَّجَرَة ومُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام ‏يسمع كَلَامه وَقَالَ الأشعرى لَو كَانَ كَلَامه سُبْحَانَهُ فى الشَّجَرَة لَكَانَ ‏الْمُتَكَلّم بذلك الْكَلَام الشَّجَرَة فالقدرية قَالُوا إِن مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام سمع ‏كلَاما من الشَّجَرَة فلزمهم أَن يَقُولُوا إِنَّه سمع كَلَام الشَّجَرَة لَا كَلَام الله ‏وَهَذَا كَمَا قيل فى الْمثل رمتنى بدائها وانسلت وَمن نسب إِلَى أحد قولا ‏لم يسمعهُ يَقُوله وَلَا أحد حكى أَنه سَمعه يَقُول ذَلِك وَلَا وجد ذَلِك فى ‏كتبه وَلم يقلهُ أحد من أَصْحَابه وَلم يناظر عَلَيْهِ أحد مِمَّن ينتحل مذْهبه ‏وَلَا وجد فى كتب المقالات لموافق وَلَا مُخَالف أَن ذَلِك مذْهبه علم أَنه ‏بهتان وَكذب وَقد قَالَ الله تَعَالَى فى قصَّة الْإِفْك {وَلَوْلَا إِذْ سمعتموه قُلْتُمْ ‏مَا يكون لنا أَن نتكلم بِهَذَا سُبْحَانَكَ هَذَا بهتان عَظِيم} وَهَذِه مضاهية ‏لتِلْك ونعوذ بِاللَّه من رقة الدّين وَقلة الْحيَاء.‏

وَأما مَا قَالُوا إِن مذْهبه أَن الْقُرْآن لم يكن بَين الدفتين وَلَيْسَ الْقُرْآن فى ‏الْمُصحف عِنْده فَهَذَا أَيْضا تشنيع فظيع وتلبيس على الْعَوام.‏

إِن الأشعرى وكل مُسلم غير مُبْتَدع يَقُول إِن الْقُرْآن كَلَام الله وَهُوَ على ‏الْحَقِيقَة مَكْتُوب فى الْمَصَاحِف لَا على الْمجَاز وَمن قَالَ إِن الْقُرْآن لَيْسَ ‏فى الْمَصَاحِف على هَذَا الْإِطْلَاق فَهُوَ مُخطئ بل الْقُرْآن مَكْتُوب فى ‏الْمُصحف على الْحَقِيقَة وَالْقُرْآن كَلَام الله وَهُوَ قديم غير مَخْلُوق وَلم يزل ‏الْقَدِيم سُبْحَانَهُ بِهِ متكلما وَلَا يزَال بِهِ قَائِما وَلَا يجوز الِانْفِصَال على ‏الْقُرْآن عَن ذَات الله وَلَا الْحُلُول فى الْمحَال وَكَون الْكَلَام مَكْتُوبًا على ‏الْحَقِيقَة فى الْكتاب لَا يقتضى حُلُوله فِيهِ وَلَا انْفِصَاله عَن ذَات الْمُتَكَلّم ‏قَالَ الله سُبْحَانَهُ {النَّبِي الْأُمِّي الَّذِي يجدونه مَكْتُوبًا عِنْدهم فِي التَّوْرَاة ‏وَالْإِنْجِيل} فالنبى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم على الْحَقِيقَة مَكْتُوب فى التَّوْرَاة ‏وَالْإِنْجِيل وَكَذَلِكَ الْقُرْآن على الْحَقِيقَة مَكْتُوب فى الْمَصَاحِف مَحْفُوظ ‏فى قُلُوب الْمُؤمنِينَ مقروء متلو على الْحَقِيقَة بألسنة القارئين من ‏الْمُسلمين كَمَا أَن الله تَعَالَى على الْحَقِيقَة لَا على الْمجَاز معبود فى ‏مَسَاجِدنَا مَعْلُوم فى قُلُوبنَا مَذْكُور بألسنتنا وَهَذَا وَاضح بِحَمْد الله وَمن ‏زاغ عَن هَذِه الطَّرِيقَة فَهُوَ قدرى معتزلى يَقُول بِخلق الْقُرْآن وَأَنه حَال فى ‏الْمُصحف نَظِير مَا قَالُوا إِنَّه لما أسمع مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام كَلَامه خلق كَلَامه ‏فى الشَّجَرَة وَهَذَا من فضائح الْمُعْتَزلَة الَّتِى لَا يخفى فَسَادهَا على مُحَصل ‏وَذَلِكَ أَن عِنْد الجبائى الذى هُوَ رَئِيس الْقَدَرِيَّة البصرية أَن الْقُرْآن يحل ‏فى جَمِيع الْمَصَاحِف وَلَا يزْدَاد بِزِيَادَة الْمَصَاحِف وَلَا ينقص بنقصانها ‏وَهُوَ حَال فى حَالَة وَاحِدَة فى ألف ألف مصحف وَإِذا زيد فى الْمَصَاحِف ‏يحصل فِيهَا وَإِذا نقصت الْمَصَاحِف وَبَطلَت لم يبطل الْكَلَام وَلم ينقص ‏وَلَئِن لم يكن هَذَا قولا متناقضا فَاسِدا فَلَا محَال فى الدُّنْيَا.‏

وَأما البغداديون من الْمُعْتَزلَة فعندهم كَلَام الله عز وَجل كَانَ أعراضا ‏حِين خلقه وَالْقُرْآن عِنْدهم كَانَ أعراضا وَلَا يجوز عِنْدهم الْبَقَاء على ‏الْأَعْرَاض فعلى مَذْهَبهم لَيْسَ لله إِلَّا كَلَام مَوْجُود على الْحَقِيقَة وَالْقُرْآن ‏الذى أنزلهُ الله عز وَجل على مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَيْسَ بباق ‏الْيَوْم وَلَا مَوْجُود وَمن ينتحل مثل هَذِه الْبدع ثمَّ يرْمى خَصمه بِمَا هُوَ ‏برِئ مِنْهُ فَالله سُبْحَانَهُ حسيبه وَجَمِيع أهل التَّحْصِيل شُهَدَاء على بَهته.


الكاتب:  سهم النور [ الخميس سبتمبر 13, 2018 11:29 am ]
عنوان المشاركة:  Re: شكاية أهل السّنة بحكاية مَا نالهم من المحنة

وَأما مَا قَالُوا إِن الأشعرى يَقُول بتكفير الْعَوام فَهُوَ أَيْضا كذب وزور ‏وَقصد من يتعنت بذلك تحريش الجهلة وَالَّذين لَا تَحْصِيل لَهُم عَلَيْهِ ‏كعادة من لَا تَحْصِيل لَهُ فى تَقوله بِمَا لَا أصل لَهُ وَهَذَا أَيْضا من تلبيسات ‏الكرامية على الْعَوام وَمن لَا تَحْصِيل لَهُ فَإِنَّهُم يَقُولُونَ الْإِيمَان هُوَ الْإِقْرَار ‏الْمُجَرّد وَمن لَا يَقُول الْإِيمَان هُوَ الْإِقْرَار انسد عَلَيْهِ طَرِيق التَّمْيِيز بَين ‏الْمُؤمن وَبَين الْكَافِر لأَنا إِنَّمَا نفرق بَينهمَا بِهَذَا الْإِقْرَار وَغير الكرامية من ‏غير أهل الْقبْلَة لَا يجوز هَذَا السُّؤَال وَجَمِيع أهل الْقبْلَة سوى الكرامية فى ‏الْجَواب عَن هَذَا السُّؤَال متساوون.‏

وَذَلِكَ أَن الْإِيمَان عِنْد أَصْحَاب الحَدِيث جَمِيع الطَّاعَات فَرضهَا ونفلها ‏والانتهاء عَن جَمِيع مَا نهى الله عَنهُ تَحْرِيمًا وتنزيها.‏

وَعند أَبى الْحسن الأشعرى رَحمَه الله الْإِيمَان هُوَ التَّصْدِيق وَهَذَا مَذْهَب أَبى ‏حنيفَة رضى الله عَنهُ وَالظَّن بِجَمِيعِ عوام الْمُسلمين أَنهم يصدقون الله ‏تَعَالَى فى إخْبَاره وَأَنَّهُمْ عارفون بِاللَّه مستدلون عَلَيْهِ بآياته فَأَما مَا تنطوى ‏عَلَيْهِ العقائد ويستكن فى الْقُلُوب من الْيَقِين وَالشَّكّ فَالله تَعَالَى أعلم بِهِ ‏وَلَيْسَ لأحد على مَا فى قلب أحد اطلَاع فَنحْن نحكم لجَمِيع عوام ‏الْمُسلمين بِأَنَّهُم مُؤمنُونَ مُسلمُونَ فى الظَّاهِر ونحسن الظَّن بهم ونعتقد أَن ‏لَهُم نظرا واستدلالافى أَفعَال الله وَأَنَّهُمْ يعرفونه سُبْحَانَهُ وَالله أعلم بِمَا فى ‏قُلُوبهم وَلَيْسَ كل مَا يحكم بِهِ على النَّاس بِأَحْكَام الْمُسلمين هُوَ عين ‏الْإِيمَان فَإِن الدَّار إِذا كَانَت دَار إِسْلَام وَوجدنَا شخصا لَيْسَ مَعَه غيار ‏الْكفَّار فَإنَّا نَأْكُل ذَبِيحَته ونصلى خَلفه وَلَو وَجَدْنَاهُ مَيتا لغسلناه ونصلى ‏عَلَيْهِ وندفنه فى مَقَابِر الْمُسلمين ونعقد مَعَه عقد الْمُصَاهَرَة وَإِن لم نسْمع ‏مِنْهُ الْإِقْرَار وَكَونه بزى الْمُسلمين بالِاتِّفَاقِ لَيْسَ بِإِيمَان وَبِذَلِك نجرى عَلَيْهِ ‏أَحْكَام الْمُؤمنِينَ وَكَذَلِكَ بِالْإِقْرَارِ نجرى عَلَيْهِ أَحْكَام الْمُؤمنِينَ وَإِن كَانَ ‏الْإِيمَان غير الْإِقْرَار.‏

فَإِن قيل فقد قَالَ الله تَعَالَى {وَلَا تنْكِحُوا المشركات حَتَّى يُؤمن} {وَلَا ‏تنْكِحُوا الْمُشْركين حَتَّى يُؤمنُوا} وَإِذا أَتَى بِالْإِقْرَارِ حكمنَا بإيمانه فَعلم أَن ‏الْإِقْرَار هُوَ الْإِيمَان قيل هَذَا كسؤال الكرامية وَلَا يخْتَص الأشعرى بجوابه ‏فَجَمِيع من لَا يَقُول إِن الْإِيمَان هُوَ الْإِقْرَار الْمُجَرّد مشتركون فى الْجَواب ‏عَن هَذَا. ‏

وَجَوَاب الْجُمْهُور أَنا بِإِقْرَارِهِ نحكم فى الظَّاهِر بإيمانه وَالله أعلم بِحَقِيقَة ‏حَاله فى صدقه وَكذبه وَهَذَا كَقَوْلِه تَعَالَى {وَلَا تقربوهن حَتَّى يطهرن} ثمَّ ‏إِذا قَالَت قد طهرت جَازَ قربانها وَإِن جَاءَ أَن يكون حَالهَا فى المغيب ‏بِخِلَاف مَا قَالَت فَكَذَلِك هَذَا.‏

فَإِن قَالُوا فالأشعري يَقُول إِن الْعَوام إِذا لم يعلمُوا علم الْكَلَام فهم ‏أَصْحَاب التَّقْلِيد فليسوا بمؤمنين قيل هَذَا أَيْضا تلبيس ونقول إِن ‏الأشعرى لَا يشْتَرط فى صِحَة الْإِيمَان مَا قَالُوا من علم الْكَلَام بل هُوَ ‏وَجَمِيع أهل التَّحْصِيل من أهل الْقبْلَة يَقُولُونَ يجب على الْمُكَلف أَن ‏يعرف الصَّانِع المعبود بدلائله الَّتِى نصبها على توحيده وَاسْتِحْقَاق نعوت ‏الربوبية وَلَيْسَ الْمَقْصُود اسْتِعْمَال أَلْفَاظ الْمُتَكَلِّمين من الْجَوْهَر وَالْعرض ‏وَإِنَّمَا الْمَقْصُود حُصُول النّظر وَالِاسْتِدْلَال الْمُؤَدى إِلَى معرفَة الله عز ‏وَجل وَإِنَّمَا اسْتعْمل المتكلمون هَذِه الْأَلْفَاظ على سَبِيل التَّقْرِيب ‏والتسهيل على المتعلمين وَالسَّلَف الصَّالح وَإِن لم يستعملوا هَذِه الْأَلْفَاظ لم ‏يكن فى معارفهم خلل وَالْخلف الَّذين استعملوا هَذِه الْأَلْفَاظ لم يكن ذَلِك ‏مِنْهُم لطريق الْحق مباينة وَلَا فى الدّين بِدعَة كَمَا أَن الْمُتَأَخِّرين من ‏الْفُقَهَاء عَن زمَان الصَّحَابَة وَالتَّابِعِينَ استعملوا أَلْفَاظ الْفُقَهَاء من لفظ ‏الْعلَّة والمعلول وَالْقِيَاس وَغَيره ثمَّ لم يكن استعمالهم بذلك بِدعَة وَلَا خلو ‏السّلف عَن ذَلِك كَانَ لَهُم نقصا وَكَذَلِكَ شَأْن النَّحْوِيين والتصريفيين ‏ونقلة الْأَخْبَار فى أَلْفَاظ تخْتَص كل فرقة مِنْهُم بهَا.‏

فَإِن قَالُوا إِن الِاشْتِغَال بِعلم الْكَلَام بِدعَة وَمُخَالفَة لطريق السّلف.‏

قيل لَا يخْتَص بِهَذَا السُّؤَال الأشعرى دون غَيره من متكلمى أهل الْقبْلَة ثمَّ ‏الاسترواح إِلَى مثل هَذَا الْكَلَام صفة الحشوية الَّذين لَا تَحْصِيل لَهُم ‏وَكَيف يظنّ بسلف الْأمة أَنهم لم يسلكوا سَبِيل النّظر وَأَنَّهُمْ رَضوا ‏بالتقليد حاش لله أَن يكون ذَلِك وَصفهم وَلَقَد كَانَ السّلف من الصَّحَابَة ‏رضى الله عَنْهُم مستقلين بِمَا عرفُوا من الْحق وسمعوا من الرَّسُول صلى ‏الله عَلَيْهِ وَسلم من أَوْصَاف المعبود وتأملوه من الْأَدِلَّة المنصوبة فى الْقُرْآن ‏وإخبار الرَّسُول صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فى مسَائِل التَّوْحِيد وَكَذَلِكَ ‏التابعون وَأَتْبَاع التَّابِعين لقرب عَهدهم من الرَّسُول صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ‏فَلَمَّا ظهر أهل الْأَهْوَاء وَكثر أهل الْبدع من الْخَوَارِج والجهمية والمعتزلة ‏والقدرية وأوردوا الشّبَه انتدب أَئِمَّة السّنة لمخالفتهم والانتصار ‏للْمُسلمين بِمَا ينير طريقهم فَلَمَّا أشفقوا على الْقُلُوب أَن تخامرها شبههم ‏شرعوا فى الرَّد عَلَيْهِم وكشف فسقهم وأجابوهم عَن أسئلتهم وتحاموا ‏عَن دين الله بإيضاح الْحجَج وَلما قَالَ الله تَعَالَى {وجادلهم بِالَّتِي هِيَ ‏أحسن} تأدبوا بآدابه سُبْحَانَهُ وَلم يَقُولُوا فى مسَائِل التَّوْحِيد إِلَّا بِمَا نبههم ‏الله سُبْحَانَهُ عَلَيْهِ فى مُحكم التَّنْزِيل وَالْعجب مِمَّن يَقُول لَيْسَ فى الْقُرْآن ‏علم الْكَلَام والآيات الَّتِى فى الْأَحْكَام الشَّرْعِيَّة والآيات الَّتِى فِيهَا علم ‏الْأُصُول يجدهَا توفى على ذَلِك وتربى بِكَثِير وفى الْجُمْلَة لَا يجْحَد علم ‏الْكَلَام إِلَّا أحد رجلَيْنِ جَاهِل ركن إِلَى التَّقْلِيد وشق عَلَيْهِ سلوك أهل ‏التَّحْصِيل وخلا عَن طَرِيق أهل النّظر وَالنَّاس أَعدَاء مَا جهلوا فَلَمَّا انْتهى ‏عَن التحقق بِهَذَا الْعلم نهى النَّاس ليضل غَيره كَمَا ضل أَو رجل يعْتَقد ‏مَذَاهِب فَاسِدَة فينطوى على بدع خُفْيَة يلبس على النَّاس عوار مذْهبه ‏ويعمى عَلَيْهِم فضائح طويته وعقيدته وَيعلم أَن أهل التَّحْصِيل من أهل ‏النّظر هم الَّذين يهتكون السّتْر عَن بدعهم ويظهرون للنَّاس قبح مقالتهم ‏والقلاب لَا يحب من يُمَيّز النُّقُود والخلل فِيمَا فى يَده من النُّقُود الْفَاسِدَة ‏لَا فى الصراف ذى التَّمْيِيز والبصيرة وَقد قَالَ الله تَعَالَى {هَل يَسْتَوِي ‏الَّذين يعلمُونَ وَالَّذين لَا يعلمُونَ}.


الكاتب:  سهم النور [ الخميس سبتمبر 13, 2018 11:31 am ]
عنوان المشاركة:  Re: شكاية أهل السّنة بحكاية مَا نالهم من المحنة

وَلما ظهر ابْتِدَاء هَذِه الْفِتْنَة بنيسابور وانتشر فى الْآفَاق خَبره وَعظم على ‏قُلُوب كَافَّة الْمُسلمين من أهل السّنة وَالْجَمَاعَة أَثَره وَلم يبعد أَن يخَامر ‏قُلُوب بعض أهل السَّلامَة والوداعة توهم فى بعض هَذِه الْمسَائِل أَن لَعَلَّ ‏أَبَا الْحسن على بن إِسْمَاعِيل الأشعرى رَحمَه الله قَالَ بِبَعْض المقالات فى ‏بعض كتبه.

وَلَقَد قيل من يسمع يخل أثبتنا هَذِه الْفُصُول فى شرح هَذِه ‏الْحَالة وأوضحنا صُورَة الْأَمر بِذكر هَذِه الْجُمْلَة ليضْرب كل من أهل ‏السّنة إِذا وقف عَلَيْهَا بسهمه فى الِانْتِصَار لدين الله عز وَجل من دُعَاء ‏يخلصه واهتمام يصدقهُ وكل عَن قُلُوبنَا بالاستماع إِلَى شرح هَذِه الْقِصَّة ‏يحلمه بل ثَوَاب من الله سُبْحَانَهُ على التوجع بذلك يستوجبه وَالله غَالب ‏على أمره وَله الْحَمد على مَا يمضيه من أَحْكَامه ويبرمه ويقضيه فى أَفعاله ‏فِيمَا يُؤَخِّرهُ ويقدمه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم على سيدنَا مُحَمَّد الْمُصْطَفى ‏وعَلى آله وَسلم تَسْلِيمًا تمت الشكاية.]اهـ


الكاتب:  فراج يعقوب [ الجمعة سبتمبر 14, 2018 10:02 am ]
عنوان المشاركة:  Re: شكاية أهل السّنة بحكاية مَا نالهم من المحنة

اللهم صل على سيدنا محمد وآله وسلم
جزاكم الله خيرا
وصلى الله على سيدنا محمد وآله وسلم

الكاتب:  سهم النور [ الاثنين سبتمبر 17, 2018 7:15 pm ]
عنوان المشاركة:  Re: شكاية أهل السّنة بحكاية مَا نالهم من المحنة

أكرمكم الله شيخنا الفاضل (فراج يعقوب) وبارك فيكم وجزاكم الله خيراً.

ويسعدني دائماً مروركم الكريم.


صفحة 1 من 1 جميع الأوقات تستخدم GMT + ساعتين
Powered by phpBB © 2000, 2002, 2005, 2007 phpBB Group
http://www.phpbb.com/