برجاء المتابعة بدقة.
[في سعيي إلى تكوين صورة متكاملة لما يعنيه الإسلام وما يهدف إليه ، استفدت إفادة عظيمة من الشرح الذي قام به بعض أصدقائي القاهريين .كان من أبرز أولئك الأصدقاء الشيخ مصطفى المراغي ، وكان واحداً من أبرز العلماء المسلمين في عصره وأحد أبرز علماء جامعة الأزهر (وقد أصبح شيخاً للأزهر بعد ذلك بأعوام).
كان في منتصف الأربعينيات من عمره في ذلك الوقت ، إلا أن قوته البدنية وتكوينه العضلي البارز كانا يضفيان عليه حيوية وتركيز ابن العشرين . وبالرغم من سعة اطلاعه وحديثه ، إلا أن حس الدعابة كان من أبرز صفاته.
كان تلميذاً للمصلح المصري الكبير الشيخ محمد عبده ، كما كان من حضور جلسات الثوري الإسلامي جمال الدين الأفغاني ، وكان الشيخ المراغي ذاته من المفكرين الإسلاميين الراصدين والناقدين لأوجه الخلل.
كان يؤكد لي على الدوام أن المسلمين المعاصرين قد تداعوا وسقطوا دون أن يحققوا الهدف من كونهم مسلمين ، وأنه من الخطأ الفادح أن يقيسوا أهداف رسالة محمد - صلى الله عليه وسلم - على ما هم عليه الآن من نمط حياة وأسلوب تفكير.قال : بالضبط ، كما نحكم قياساً لما نراه من جفاء بين اثنين من المسيحيين على رسالة المسيح بأنها لا تدعوا إلى المحبة.
بهذا التحذير ، أدخلني الشيخ المراغي إلى الجامع الأزهر.
من شارع الموسكي ، وهو من أكثر الشوارع ازدحاماً ، وأقدم الأسواق بالقاهرة ، وصلنا إلى ميدان جانبي صغير يبعد عن الشارع ، ويشغل أحد جوانب ذلك الميدان واجهة عريضة من واجهات الجامع الأزهر . دخلنا من بوابة مزدحمة تفضي إلى صحن مغطى يؤدي إلى فناء واسع مكشوف للجامع ، وهو مساحة مربعة هائلة الاتساع محاطة بعقود قديمة ترتكز على أعمدة.
كان الدارسون يرتدون الجبة الطويلة الداكنة ومن تحتها قفطان أبيض ، يجلسون على حصر من القش ويقرأون بأصوات خافتة كتباً ومخطوطات يدوية.
كانت الدروس والمحاضرات تعقد في الجوانب المسقوفة . كل مدرس يجلس على فرش من الحصير تحت الأعمدة التي تمتد في صفوف طويلة ، وأمام كل مدرس يجلس الطلاب في شبه نصف دائرة أمامه . ولا يرفع أي مدرس صوته أبداً ، ولذلك كان على المتلقين أن ينتبهوا ويركزوا كل حواسهم حتى لا تفوتهم كلمة . وقد يعتقد من يراهم أن مثل ذلك الاستغراق لابد أن ينتج عنه علماء حقيقيون ، إلا أن الشيخ المراغي سرعان ما أطاح بتصوراتي ، فقد سألني :
"هل ترى أولئك المدرسين هناك ؟ إنهم مثل أبقار الهند المقدسة ، إنهم كمن يأكلون كل ورقة مطبوعة يجدونها في أي مكان وأي شارع ويلتهمون كل الكتب التي كتبت من قرون مضت ، إلا أنهم لا يهضمونها . لم يعودوا يفكرون ؛ إنهم يقرأون ويحفظون عن ظهر قلب ويعيدون ما قرأوه ويرددونه كما هو ، أجيال بعد أجيال".]اهـ
من كتاب الطريق إلى مكة ، تأليف : ليوبولد فاس [محمد أسد] ترجمة : رفعت السيد عليّ ، صـ 227 : 229 .
إذن ما هو النموذج الذي رآه المراغي - كممثل لفكر مدرسة محمد عبده - سبيلاً لإصلاح هذا الوضع السيء من وجه نظره ؟!!!
تجد الإجابة إن شاء الله ههنا :
viewtopic.php?f=20&t=14985&p=107684&hilit=%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%B1%D8%A7%D8%BA%D9%8A#p107684