[ظهر في أوائل هذا القرن باحثون ومفكرون في عالمنا العربي، جنحوا إلى رأي جديد في بحث المعجزات، وبيان ما ينبغي أن يكون عليه موقف المسلمين منها، لا سيما معجزات سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم.
وخلاصة هذا الاتجاه تتمثل في اعتماد أن النبي صلى الله عليه وسلم لم تسجل له سوى معجزة واحدة هي القرآن، أما الخوارق الأخرى التي ظهرت على أيدي الأنبياء السابقين، مما لا يدركه ويفهمه العقل، فقد كان منكراً لها غير عابئ ولا ملتفت إلى المطالبين بها. وإنك لتقرأ هذا الكلام وتجد هذا الاتجاه في كثير من الكتب الحديثة اليوم، بعد أن تبناه من قبل أفراد معدودون، ارتبطت أسماؤهم بشعار (الإصلاح الديني) الذي شاع لأسباب معينة منذ ذلك اليوم.
إن مولد هذا الاتجاه في عالمنا الإسلامي، يعود إلى تاريخ الاحتلال البريطاني لمصر.
فقد احتلت بريطانيا يومئذ مصر، وهي تعلم ان اعتمادها على القوة العسكرية وحدها لن يفيدها الاستقرار، ولن يمكن لها موطئ قدمها في البلدة التي احتلتها، خصوصا وإن العالم الإسلامي قريب العهد بانهيار الخلافة الإسلامية، فرأت –كما هو شأنها دائماً- أن لابد من الاستعانة بمنهج فكري يغير من تفكير المسلمين تغييرا يقصيهم عن هذه الشدة في التمسك بالدين، والتضحية من أجله، والاعتماد عليه وحده. ويجعلهم يلتقون مع الفكر الأوروبي في أوسع قدر ممكن من سبل الحياة.
وقامت بريطانيا بهذا الدافع، بتطبيق ما أطلقت عليه اسم (الإصلاح الاجتماعي والديني)؛ وكان الميدان الاول لهذا (الإصلاح) هو الجامع الأزهر المتمثل في مناهجه الدرسية وطريقته الفكرية.
ذلك أن قيادة القطر المصري كله كانت إذ ذاك بيد الازهر، وكان إشعاعه يتجاوزه إلى كثير من البقاع الإسلامية الاخرى، فلم تكن هناك من قضية وطنية او دينية أو مشكلة فكرية أو اجتماعية إلا والأزهر هو الرأس المدبر والمفكر فيها، وهو المحرك لها، لذلك فلم يكن لينجح أي (إصلاح) ديني أو فكري من وجهة نظر بريطانيا إلا إذا بدأ بالأزهر.
وينبغي أن نذكرك هنا بأننا لا نتبع فيما نرويه من أحداث ووقائع تاريخية منهج الاسترداد والتوسم الذي يتعلق به دون غيره منهجيو الغرب خصوصا بالنسبة لتاريخنا وإسلامنا ، ولكننا نتبع المنهج العلمي السليم الذي أوضحناه والتزمناه.
ولعلك تتساءل ، فمن أين علمنا أن بريطانيا وضعت لنفسها هذا المخطط وضاقت ذرعا بالإسلام وبأزهره ؟
فاسمع لما يقوله في ذلك اللورد لويد، المندوب السامي لمصر إذ ذاك، في مذكراته التي سماها (Egypt Since Cromer) : مصر منذ أيام كرومر : "إن التعليم الوطني عندما قدم الإنكليز كان في قبضة الجامعة الازهرية الشديدة التمسك بالدين، والتي كانت أساليبها الجافة تقف حاجزاً في طريق أي إصلاح تعليمي، وكان الطلبة الذين يتخرجون من هذه الجامعة يحملون معهم قدراً عظيماً من غرور التعصب الديني فلو أمكن تطوير الازهر لكانت خطوة جلية الخطر.
فليس من اليسير أن نتصور لنا أي تقدم طالما ظل الازهر متمسكاً بأساليبه هذه، ولكن إذا بدا أن مثل هذه الخطوة غير متيسر تحقيقها، فحينئذ يصبح الامل محصوراً في إيجاد التعليم اللاديني الذي ينافس الأزهر حتى يتاح له الانتشار والنجاح."
أما مجال هذا التطوير و(الإصلاح) فلقد اعتمد على نقطة الضعف التي كانت الأمة العربية والإسلامية تستشعرها إذ ذاك حيال النهضة العلمية في أوروبا، والاكتشافات والاختراعات المختلفة التي قامت في أنحائها بفضل الانطلاقة العلمية التي لم تكن من قبل.