موقع د. محمود صبيح

منتدى موقع د. محمود صبيح

جميع الأوقات تستخدم GMT + ساعتين



إرسال موضوع جديد الرد على الموضوع  [ 7 مشاركة ] 
الكاتب رسالة
 عنوان المشاركة: المتلاعبون بالعقول
مشاركة غير مقروءةمرسل: الاثنين سبتمبر 24, 2018 5:54 pm 
غير متصل

اشترك في: الأحد سبتمبر 18, 2005 12:40 am
مشاركات: 14348
مكان: مصـــــر المحروسة

كيف يجذب محركو الدمى الكبار في السياسة والإعلان ووسائل الاتصال الجماهيري خيوط الرأي العام?

تأليف: هربرت أ. شيللر

ترجمة: عبد السلام رضوان.

مقدمة.

يقوم مديرو أجهزة الإعلام في أمريكا بوضع أسس عملية تداول الصور والمعلومات ويشرفون على معالجتها وتنقيحها وإحكام السيطرة عليها.

تلك الصور والمعلومات التي تحدد معتقداتنا ومواقفنا بل وتحدد سلوكنا في النهاية. وعندما يعمد مديرو أجهزة الإعلام إلى طرح أفكار وتوجهات لا تتطابق مع حقائق الوجود الاجتماعي فإنهم يتحولون إلى سائسي عقول.

ذلك أن الأفكار التي تنحو عن عمد إلى استحداث معنى زائف وإلى إنتاج وعي لا يستطيع أن يستوعب بإرادته الشروط الفعلية للحياة القائمة أو أن يرفضها سواء على المستوى الشخصي أو الاجتماعي ليست في الواقع سوى أفكارمموّهة أو مضللة.

إن تضليل عقول البشر هو على حد قول باولو فرير أداة للقهر . فهو يمثل إحدى الأدوات التي تسعى النخبة من خلالها إلى تطويع الجماهير لأهدافها الخاصة.

فباستخدام الأساطير التي تفسر وتبرر الشروط السائدة للوجود بل وتضفي عليها أحيانا طابعا خلابا يضمن المضللون التأييد الشعبي لنظام اجتماعي لا يخدم في ا لمدى البعيد المصالح الحقيقية للأغلبية.

وعندما يؤدي التضليل الإعلامي للجماهير دوره بنجاح تنتفي الحاجة إلى اتخاذ تدابير اجتماعية بديلة.

على أن تضليل الجماهير لا يمثل أول أداة تتبناها النخب الحاكمة من أجل الحفاظ على السيطرة الاجتماعية. فالحكام لا يلجأون إلى التضليل الإعلامي-كما يوضح فرير-إلا »عندما يبدأ الشعب في الظهور (ولو بصورة فجة) كإرادة اجتماعية في مسار العملية التاريخية أما قبل ذلك فلا وجود للتضليل (بالمعنى الدقيق للكلمة).

بل نجد بالأحرى قمعا شاملا. إذ لا ضرورة هناك لتضليل المضطهدين عندما يكونون غارقون لآذانهم في بؤس الواقع.


_________________
رضينا يا بني الزهرا رضينا
بحبٍ فيكمو يرضي نبينــــا



يا رب

إِن كَانَ لاَ يَرجُوكَ إِلاَّ مُحسِــــنٌ
فَمَن الَّذِى يَدعُو وَيرجو المُجرِمُ


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة: Re: المتلاعبون بالعقول
مشاركة غير مقروءةمرسل: الاثنين سبتمبر 24, 2018 6:10 pm 
غير متصل

اشترك في: الأحد سبتمبر 18, 2005 12:40 am
مشاركات: 14348
مكان: مصـــــر المحروسة

والواقع أن القمع -أي كبت الفرد وإخضاعه كلية- لم يقتصر على أي كيان جغرافي أو سياسي منفرد.

فأغلب البشر تعرضوا للقمع على مر العصور وفي كل أرجاء العالم من خلال وضع من الإفقار الكامل يطرح نفسه على أنه طبيعة (ويكون ذلك صحيحا في حالات قليلة) على أنه لا يعدو في أغلب الحالاتأن يكون النتيجة المترتبة على التقسيم الاجتماعي غير المتكافئ.

فحتى وقت قريب لم يكن هناك سوى قلة نادرة من البلدان التي شاء لها حظها السعيد أن تجمع بين الموقع الجغرافي وكفاية المصادر الأولية والأسبقية التاريخية المواتية مما وفر لها وسيلة الإفلات من مخاطر الندرة والكوارث الاقتصادية المتكررة.

ومع ذلك فقد ظل القمع حتى في تلك المواقع المتميزة نسبياً قدر أغلب الناس حتى أواخر القرن الثامن عشر وأوائل القرن التاسع عشر.

ولقد مثلت أمريكا الشمالية منذ البداية حالة شديدة الخصوصية.

فهي القارة الغنية بالموارد المتحررة من القيود الاجتماعية التي كبلت أوروبا وآسيا والمنتزعة نهائيا ودون رجعة من سكانها الأصلين بالقوة المسلحة وبالخداع والحيلة.

وقد تمˆ تطويرها ‡بمعدلات سريعة وفقا لمبدأ أخلاقي اقتصادي استغرقت بلورته وتطويره قرونا عديدة في أوروبا الغربية.

وإذا استثنينا السود والملونون الآخرين الصفر والحمر والسمر- وهو استثناء يشمل الملايين فإن القمع لم يكن مثل الأداة الرئيسة للسيطرة الاجتماعية في أمريكا.

ولم تدع الحاجة لاستخدام القمع ووضعه موضع التنفيذ إلا في مناسبات متباعدة وقصيرة الأمد بوجه عام.

فمنذ العصر الكولونيالي (أي فترة الاستيطان في القارة) ظل المهيمنون على النظام الاجتماعي يمارسون بفعالية تامة تضليل الأغلبية البيضاء (أي استمالتها والتمويه عليها) وقمع الأقلية الملونة.

فقد Šتمثلت العبقرية ا لمرعبة للنخبة السياسية الأمريكية منذ البداية وكما لاحظ جورفيدال في قدرتها على إقناع الشعب بالتصويت ضد أكثر مصالحه أهمية.


_________________
رضينا يا بني الزهرا رضينا
بحبٍ فيكمو يرضي نبينــــا



يا رب

إِن كَانَ لاَ يَرجُوكَ إِلاَّ مُحسِــــنٌ
فَمَن الَّذِى يَدعُو وَيرجو المُجرِمُ


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة: Re: المتلاعبون بالعقول
مشاركة غير مقروءةمرسل: الاثنين سبتمبر 24, 2018 6:34 pm 
غير متصل

اشترك في: الأحد سبتمبر 18, 2005 12:40 am
مشاركات: 14348
مكان: مصـــــر المحروسة

ولا ريب في أن الشروط الخاصة جدا للحياة الأمريكية -المصادر الأولية الوفيرة للقارة التي ˆتم استيطانها بسهولة وانتقال المهارات التكنولوجية من الخارج إلى داخل البلاد دون عوائق وغياب القيود السياسية التقليدية والأمان التام من وقوع أي عدوان عسكري خارجي طوال فترة التطور- قد أتاحت مرونة مادية غير مسبوقة تاريخيا وترقيا اقتصاديا واجتماعيا ملموسا لقسم كبير من السكان.

على أن هذه المزايا المؤثرة ورغم توزعها بتوسع نسبي على النطاق الاجتماعي لم تكن متاحة بالنسبة للقطاعات العريضة من السكان الملونون وأفراد الطبقة العاملة أو لم تنل منها إلا النزر اليسير.

ومع ذلك فقد أدت هذه التحسينات الملموسة للغاية على مستوى الواقع المعيشي إلى جعل خيوط السيطرة الاجتماعية والهيمنة السياسية دقيقة للغاية أو غير مرئية باستثناء فترات الأزمة الدورية في النظام.

وعلى رغم أنه من الصحيح Šتماما في تصوري وصف الولايات المتحدة بأنها مجتمع منقسم يمثل فيه التضليل الإعلامي إحدى الأدوات الرئيسة للسيطرة في أيدي مجموعة صغيرة حاكمة من صنّاع القرار من أصحاب الشركات ومسؤولي الحكومة فإن من المفيد أن نورد تحفظا تحذيريا واحدا في هذا الصدد.

فحقيقة التمايز بين من يملكون ومن لا يملكون ينبغي ألا تفهم على أنها تعني وجود فاصل جامد لا يمكن تخطيه بيت الفئتين يناضل فيه الذين يملكون الذين تحددت هويتهم سلفا من جيل لآخر للحفاظ على وضعهم المتميز.

صحيح أن ذلك قابل للحدوث بل ويحدث بالفعل إلا أنه لا يعد تفسيرا كافيا للديناميات الاجتماعية المؤثرة في الواقع.

فمن الضرورة ‡بمكان أن نتذكر أن الموقف قد يختلف بالنسبة لكثير من الأفراد.

إن الأداء الوظيفي العادي لنظام السوق القائم على الملكية الخاصة ينتج باستمرار إضافات جديدة للطبقات العليا Šاما مثلما يضيف للقطاعات الوسطى.


_________________
رضينا يا بني الزهرا رضينا
بحبٍ فيكمو يرضي نبينــــا



يا رب

إِن كَانَ لاَ يَرجُوكَ إِلاَّ مُحسِــــنٌ
فَمَن الَّذِى يَدعُو وَيرجو المُجرِمُ


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة: Re: المتلاعبون بالعقول
مشاركة غير مقروءةمرسل: الاثنين سبتمبر 24, 2018 6:53 pm 
غير متصل

اشترك في: الأحد سبتمبر 18, 2005 12:40 am
مشاركات: 14348
مكان: مصـــــر المحروسة

إذ تضاف دائما أعداد جديدة من المهيمنين الجدد.

كما أن توزيع الأدوار بين الحكام والمحكوم يمكن أن يتغير بل يتغير بالفعل على رغم أن ذلك لا يتم بطبيعة الحال بانقلاب ثوري مباغت.

ونتيجة لذلك فقد يصبح متلقو الأوامر فيما سبق مُصدرين للأوامر.

كذلك قد يجد بعض الخاضعين للتضليل الإعلامي أنفسهم وقد تحولوا إلى ممارسين لهذا التضليل.

لكن لاحظ أيضا أن ذلك ممكن الحدوث حتى في البنية الاجتماعية الساكنة (الاستاتيكية) حيث تتوازن مع التحولات الحادثة في اتجاه معين تغيرات تسلك الاتجاه المضاد.

والواقع أن التقسيم الثابت للمجتمع إلى فئتين عريضتين من الرابحين والخاسرين إنما ينشأ وتتوافر له عوامل الاستمرار نتيجة للحفاظ على نظام التملك الخاص للملكيات المنتجة والاعتراف به بل وتقديس هذا النظام وامتداد مبدأ التملك الخاص لجميع أوجه الوجود الإنساني الأخرى.

ويؤدي القبول العام بتطبيق هذا التنظيم على النشاط الاجتماعي لا محالة إلى أن يحقق البعض نجاحا اقتصاديا ثم إلى تعزيزهم لنجاحهم وأخيرا إلى انضمامهم إلى المتحكمين في تشكيل وصياغة الحياة الاجتماعية.

ويظل الآخرون أي الأغلبية يمارسون أعمالهم بوصفهم ممتثلين لا أكثر ، وبوصفهم محرومين ومضلليين ... وهم يتعرضون (أو يتم إخضاعهم) للتضليل الإعلامي على وجه التحديد ، من أجل الاستمرار في المشاركة (إن لم يكن بإخلاص تام فعلى الأقل بصورة إيجابية) في روتين الحياة اليومية المقرر.

ويقدم النظام لهم مقابلا يكفي لاكتساب بعض مزايا الوضع الاقتصادي القبول في الوقت الذي يؤدي بهم التضليل الإعلامي إلى أن يراودهم الأمل في إمكان تحويل هذا الروتين الحياتي اليومي إلى امتياز شخصي أكبر لأنفسهم ولأطفالهم.

وليس من المستغرب أن يبلغ التضليل الإعلامي بوصفه أداة للهيمنة أعلى درجات تطوره في الولايات المتحدة.

ففي أمريكا أكثر من أي مكان آخر تتيح الظروف المواتية التي عرضنا لها باختصار فيما سبق الفرصة أمام قسم كبير من السكان للإفلات من القمع الشامل ومن ثم يصبحون عناصر فعالة (من الوجهة الإمكانية) في العملية التاريخية.

ذلك أن التضليل الإعلامي يسمح بالمظهر الخارجي للانخراط النشط بينما يحول دون الكثير من الفوائد المادية وكل الفوائد السيكولوجية للمشاركة الأصيلة.


_________________
رضينا يا بني الزهرا رضينا
بحبٍ فيكمو يرضي نبينــــا



يا رب

إِن كَانَ لاَ يَرجُوكَ إِلاَّ مُحسِــــنٌ
فَمَن الَّذِى يَدعُو وَيرجو المُجرِمُ


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة: Re: المتلاعبون بالعقول
مشاركة غير مقروءةمرسل: الاثنين سبتمبر 24, 2018 7:07 pm 
غير متصل

اشترك في: الأحد سبتمبر 18, 2005 12:40 am
مشاركات: 14348
مكان: مصـــــر المحروسة

وحيث يكون التضليل الإعلامي هو الأداة الأساسية للهيمنة الاجتماعية كما هو الحال في الولايات المتحدة تكون الأولوية لتنسيق وتنقيح الوسائل التقنية للتضليل على الأنشطة الثقافية الأخرى.

من هنا تجتذب أنشطة التضليل الإعلامي طبقا لمبادئ —السوق أذكى المواهب نظرا لأنها تقدم أعلى حوافز النظام.

وهكذا ينتهي الأمر بالدارسين الموهوبين من حاملي الدكتوراه في الأدب الإنجليزي إلى وظيفة محرر إعلانات.

فشارع ماديسون يدفع أضعاف ما تدفعه أقسام اللغة الإنجليزية بالجامعة.

إن وسائل التضليل عديدة ومتنوعة لكن من الواضح أن السيطرة على أجهزة المعلومات والصور على كل المستويات تمثل وسيلة أساسية.

ويتم تأمين ذلك من خلال إعمال قاعدة بسيطة من قواعد اقتصاد السوق.

فامتلاك وسائل الإعلام والسيطرة عليها شأنه شأن أشكال الملكية الأخرى متاح لمن يملكون رأس المال.

والنتيجة الحتمية لذلك هي أن تصبح محطات الإذاعة وشبكات التلفزيون والصحف واﻟﻤﺠلات وصناعة السينما ودور النشر مملوكة جميعا ﻟﻤﺠموعة من المؤسسات المشتركة والتكتلات الإعلامية.

وهكذا يصبح الجهاز الإعلامي جاهزا تماما للاضطلاع بدور فعال وحاسم في عملية التضليل.

وما أستهدفه من هذا الكتاب هو أن أحدد نوعية بعض هذه القوى المتحكمة (في وسائل الإعلام) وأن أكشف الوسائل التي يتمكنون بها من إخفاء وجودهم وإنكار تأثيرهم أو التي يمارسون من خلالها سيطرة توجيهية ىفي ظل رعاية تبدو في ظاهرها معتدلة (أو)طبيعية.

على أن تقصي هذه العمليات الخفية وبحث آلياتها الدقيقة ينبغي ألا يتم الخلط بينه وبين نوع آخر من التقصي والبحث أكثر شيوعا وهو فضح الأنشطة السرية.

فصفحات هذا الكتاب ليست معنية بالتآمر ولا تستشهد به.

وعلى رغم أن فكرة توجيه العقول تسلم نفسها بسهولة لمثل هذا التناول فإن الأداء الوظيفي الشامل والذي يمارس في كل أنحاء اﻟﻤﺠتمع الأمريكي في الوقت الحاضر لا يستلزم هذا التناول فضلا عن أنه لايمكن أن يفهم في ضوئه.

يتبع إن شاء الله.


_________________
رضينا يا بني الزهرا رضينا
بحبٍ فيكمو يرضي نبينــــا



يا رب

إِن كَانَ لاَ يَرجُوكَ إِلاَّ مُحسِــــنٌ
فَمَن الَّذِى يَدعُو وَيرجو المُجرِمُ


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة: Re: المتلاعبون بالعقول
مشاركة غير مقروءةمرسل: الأربعاء سبتمبر 26, 2018 1:56 pm 
غير متصل

اشترك في: الأحد سبتمبر 18, 2005 12:40 am
مشاركات: 14348
مكان: مصـــــر المحروسة

صحيح أن التآمر والمتآمرين لهم وجودهم المؤثر في الحقل الاجتماعي (وإلا فبماذا نفسر التنصت على مقر الحزب الديموقراطي عام ١٩٧٢ ?) ومع ذلك فإن هذه الأنشطة-سواء أكانت كبيرة أم صغيرة تم الكشف عنها أم لا تزال سرية- يمكن تفسيرها في إطار الحقائق الأعمق للواقع الاجتماعي.

فلم تكن هناك لجنة على سبيل المثال لوضع توجيهات سرية من أجل ترويض الشعب الأمريكي وبرمجته بالرغم من أن إدارة نيكسون بذلت أقصى جهدها لتحقيق هذه الغاية.

والواقع أن العملية أكثر التباسا وأبعد تأثيرا نظرا لأنها تجري دون توجيه مركزي.

إنها متأصلة في تدابير اجتماعية اقتصادية أساسية وغير مطروحة للنقاش تحدد في البداية ثم تتعزز من خلال الملكية الخاصة وتقسيم العمل والتمييز بين الجنسين وتنظيم الإنتاج وتوزيع الدخل.

وتنطوي هذه الترتيبات التي أُسست وأُضفي عليها طابع الشرعية خلال فترة طويلة من الزمن على دينامياتها الخاصة كما تنتج أيضا حتمياتها الخاصة.

ولقد حاولت في هذا الكتاب أن أدرس هذه الحتميات وأن أطرح مشروعيتها للنقاش.

على أن ما حاولت الاضطلاع به يتطلب حتى يتم بصورة مكتملة ومتماسكة موارد من الطاقة والوقت والمهارة تتعدى إمكانات الفرد الواحد (أو على الأقل إمكانات هذا الفرد المعني).

وبالتالي فإن الغرض المتوخى من هذا الكتاب هو أن يقدم مخططا إجماليا فحسب أو تناولا قابلا للتطبيق يمكن من خلاله دراسة عمليات جمع ونشر المعلومات على نحو نقدي وفهم وظائفها الأكثر أساسية بصورة تتناقض مع ما يزعمون أنها تفعله.

وهناك اعتبار آخر لعب دورا في هذا الكتاب هو الاعتراف بأن دراسة وسائل الاتصال في الولايات المتحدة تمثل موضوعا بالغ الأهمية بالنسبة للمجتمع العالمي.

ولا يتمثل السبب في ذلك الاهتمام في مجرد الفضول الشديد لمعرفة أحوال هذا البلد بل يتمثل أيضا في القضايا الحيوية التي يثيرها هذا النظام فيما يتعلق بالسيادة الوطنية للشعوب الأخرى بل واستمرار بقائها أيضا.

فثقافة أمريكا الشمالية يجري تصديرها عالميا.

وقد أصبحت بالفعل النموذج السائد في أماكن عديدة خارج الولايات المتحدة.

ويمثل الإعلان عن وصول البيبسي كولا للاتحاد السوفييتي آخر أعراض التقدم العالمي للأيديولوجية الاستهلاكية لأمريكا الشمالية.

إن فهم آليات الصناعة الثقافية الأمريكية أصبح ضروريا بصورة ملحة.

فمنتجات ومبتدعات هذه الصناعة يتم إنجازها وفقا لمواصفات محددة وبمقومات تم اختبارها عمليا.

ويشار على المشاهدين والمستمعين والقراء داخل البلاد وخارجها أن يعودوا أنفسهم على هذه السمات المميزة إلا أنه يتعين أن يلاحظ أن هذا التعود (أو التعويد) يمكن في ظروف معينة أن يلحق الضرر بصحتكم (العقلية).

إن على الباحثين الأمريكيين أن يوجهوا اهتمامهم لهذه المسائل... فذلك أقل ما ينبغي عمله في وقت يبدو فيه الحكام داخل مجتمعهم أشد ما يكونون تصميما على أسر عقول وأرواح الشعوب في كل مكان.

ففي داخل البلاد تنعم صناعة توجيه العقول بفترة نم’و استثنائية.

ولقد أظهرت الحملة الانتخابية القومية عام ١٩٧٢ بعض الشواهد المبكرة لما هو آت على طريق تعليب الوعي. ومع ذلك فإن من المهم أن نتذكر أن الوسائل التقنية للسيطرة على المعلومات والصور والتي بلغت درجة عالية من التطور في واشنطن الحالية لها سوابقها.

ففن التحكم أو السيطرة من خلال الاستمالة والإقناع لم يظهر إلى الوجود هكذا دفعة واحدة.

فلقد مثل الجهد الذي كلل بالنجاح لإقناع الشعب الأمريكي عام ١٩٤٥ (أي قبل عهد نيكسون بما يزيد على عقدين من الزمان) بأن وجوده اليومي تتهدده اﻟﻤﺨاطر بسبب الاقتصاد الروسي الذي دمرته الحرب واستنزف كلية مثل خطوة هائلة نحو تبلور توجيه العقول .

ومنذ ذلك الحين ساعد التقدم في تكنولوجيا وسائل الاتصال على ظهور أشكال أكثر تعقيدا من التضليل الإعلامي.

وفي الوقت الحاضر يعزف مهرجان وسائل الإعلام القومي ألحانه بقيادة وكلاء الاقتصاد الرأسمالي للدولة المقيمين في المكاتب التنفيذية للبيت الأبيض وفي مكاتب العلاقات العامة ووكالات الإعلام بشارع ماديسون.

وهناك ما يبرر الاعتقاد-كما تشير الفصول التالية-بأن عملية إدارة وتوجيه المعلومات سوف تشهد المزيد والمزيد من التنظيم على أيدي المتحكمين في وسائل الإعلام في السنوات القادمة.

إن تدفق المعلومات في مجتمع معقد هو مصدر لسلطة لا نظير لها.

وليس من الواقعية في شيء أن نتصور أن التحكم في هذه السلطة سوف يتم التخلي عنه عن طيب خاطر.

على أن المشكلات التي تحدق بالاقتصاد الأمريكي القائم على المؤسسات العملاقة هي مشكلات هائلة وهي تواصل تراكمها بالرغم من كل ما قدمته جهود داو-جونز من ابتكارات.

وأيا كان طول الفترة التي ستستغرقها عملية إرجاء حل تلك المشكلات الهائلة فإن اللحظة الحاسمة لاتخاذ القرار عندما يحين موعدها وأيا كان شكل مجيئها ستكون مدوية.

وفي ذلك الوقت ربما اتجه النظام الإعلامي بوجوده الشديد التوسع والتركيزوببساطة مذهلة إلى خدمة أهداف أخرى غير تلك التي انطوت عليها مصالح المؤسسات الرأسمالية متعددة الشركات التي يمثلها بلا كلل أو توان في الوقت الحاضر.

يتبع إن شاء الله.


_________________
رضينا يا بني الزهرا رضينا
بحبٍ فيكمو يرضي نبينــــا



يا رب

إِن كَانَ لاَ يَرجُوكَ إِلاَّ مُحسِــــنٌ
فَمَن الَّذِى يَدعُو وَيرجو المُجرِمُ


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة: Re: المتلاعبون بالعقول
مشاركة غير مقروءةمرسل: الأحد سبتمبر 30, 2018 2:23 pm 
غير متصل

اشترك في: الأحد سبتمبر 18, 2005 12:40 am
مشاركات: 14348
مكان: مصـــــر المحروسة

التضليل الإعلامي والوعي المعلّب.

أساطير خمس تؤسس المضمون :

1- أسطورة الفردية والاختيار الشخصي.


يتمثل أعظم انتصار أحرزه التضليل الإعلامي وهو ما يتجلى في أوضح صوره داخل الولايات المتحدة في الاستفادة من الظروف التاريخية الخاصة للتطور الغربي من أجل تكريس تعريف محدد للحرية Šتمت صياغته في عبارات تتسم بالنزعة الفردية. وهو ما يمكن المفهوم من أداء وظيفة مزدوجة.

فهو يحمي حيازة الملكية الخاصة لوسائل الإنتاج من ناحية وهو يطرح نفسه في الوقت ذاته بوصفه حارسا لرفاهية الفرد موحيا - إن لم يكن مصرا -بأن هذه الأخيرة لايمكن بلوغها إلا في وجود الأولى.

وفوق هذا المعنى أو التفسير المركزي يتم تشييد هيكل كامل من التضليل الإعلامي.

فما الذي يفسر قوة هذا المفهوم المسيطر?

إن هناك من الشواهد ما يكفي للقول بأن حقوق الفرد المطلقة ليست سوى أسطورة وبأنه لايمكن الفصل بين الفرد واﻟﻤﺠتمع.

فبدايات الحضارة على حد قول كوماكس وبيركوفيتش -وكما لاحظ آخرون- تمتد جذورها في التعاون والاتصال.

ومع ذلك فإن أساس الحرية كما فهم في الغرب يتمثل في وجود اختيار شخصي جوهري.

ولقد تمˆ التشديد على الاختيار الشخصي إلى أبعد مدى بوصفه شيئا مرغوبا فيه للغاية وقابلا للتحقيق.

وليس هذا الرأي بالشيء الحديث. فالتوحيد بين الاختيار الشخصي والحرية الإنسانية يمكن ملاحظته منذ ظهر جنبا إلى جنب مع فردية القرن السابع عشر بوصفهما نتاجا لاقتصاد السوق الناشئ حديثا.

وخلال مئات السنين نجحت الملكية الفردية متحالفة مع التحسينات التكنولوجية في زيادة معدلات الإنتاج وبالتالي أضفت قدرا كبيرا من الأهمية على الاستقلال الشخصي في العمليات الصناعية والسياسية.

واكتسب الرأي القائل إن الحرية هي مسألة شخصية وإن حقوق الفرد تبطل حقوق الجماعة وتوفر أساس التنظيم الاجتماعي اكتسب المصداقية مع ظهور المكافآت المادية ووقت الفراغ.

لاحظ مع ذلك أن هذه الشروط الحياتية لم يجر توزيعها بالتساوي بين كل طبقات اﻟﻤﺠتمع الغربي وأنها لم توجد أصلا حتى الآن في بقية أنحاء العالم.

ويبدو أن نجاح تلك الطبقة الجديدة من منظمي المشروعات الرأسمالية قد أكد فاعلية وجاذبية التغيرات المؤسساتية.

فالاختيار الفردي واتخاذ القرار بشكل شخصي كانا في ذلك الوقت نوعين من النشاط الوظيفي بنّاءين ومفيدين فيما يتعلق بتحقيق معدلات إنتاج أعلى وكفاية إنتاجية متزايدة وأرباح مرتفعة لوحدة المشروع.

وساعد البرهان الدامغ الخاص بالتطور الاقتصادي والإنتاج الإجمالي المتزايد في أوروبا الغربية على رسوخ وازدهار الدعاوى النفعية المتعلقة بالفردية والاختيار الشخصي والتراكم الخاص.

وفي الولايات المتحدة المستوطنة حديثا لم تقم عوائق تستحق الذكر أمام فرض نظام المشروع الرأسمالي الخاص والفردي بأساطير المصاحبة حول الاختيار الشخصي والحرية الفردية ووجد المشروع الخاص والأسطورة كلاهما مناخا منفتحا ومواتيا.

وكان من المحتم بالتالي أن ينمو المشروع الخاص وأن تتعزز الأسطورة ويتضح في الوقت الحاضر إلى أي مدى تحقق ذلك كله في القبول العفوي العام للشركات العملاقة المتعددة الجنسيات على أنها مثال للجهد الفردي.


_________________
رضينا يا بني الزهرا رضينا
بحبٍ فيكمو يرضي نبينــــا



يا رب

إِن كَانَ لاَ يَرجُوكَ إِلاَّ مُحسِــــنٌ
فَمَن الَّذِى يَدعُو وَيرجو المُجرِمُ


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
عرض مشاركات سابقة منذ:  مرتبة بواسطة  
إرسال موضوع جديد الرد على الموضوع  [ 7 مشاركة ] 

جميع الأوقات تستخدم GMT + ساعتين


الموجودون الآن

المستخدمون المتصفحون لهذا المنتدى: لا يوجد أعضاء مسجلين متصلين و 22 زائر/زوار


لا تستطيع كتابة مواضيع جديدة في هذا المنتدى
لا تستطيع كتابة ردود في هذا المنتدى
لا تستطيع تعديل مشاركاتك في هذا المنتدى
لا تستطيع حذف مشاركاتك في هذا المنتدى
لا تستطيع إرفاق ملف في هذا المنتدى

البحث عن:
الانتقال الى:  
© 2011 www.msobieh.com

جميع المواضيع والآراء والتعليقات والردود والصور المنشورة في المنتديات تعبر عن رأي أصحابها فقط