اشترك في: الجمعة فبراير 27, 2004 4:45 am مشاركات: 18971
|
إبراهيم بن سعيد النجيبي قال: كتب المتوكل إلى عامله بالبصرة إن قبلك رجلاً أديباً ظريفاً ذا حكمة فوجه به إلي على أحسن صفة غير مروع. فحمله إليه فلما ورد الباب قال له الحاجب سلم على الخليفة سلامك على الخلفاء، فدخل، ثم سلم عليه وقال: أنت المتوكل ؟ قال نعم، قال فلم سميت بالمتوكل ولم تسم بالمتواضع ؟ ثم قال: للهوى كأني السلام عليك يا من استوى على سرة الغنى وتقمص بقميص الخيانة متبعاً مقاصير علائك فلم يوقد أتاك فظ غليظ فجذبك عن سرير بهائك وأخرجك عن اللحد وفراق الأهل والولد، فلو عليك حاجباً ولا قهرمانا حتى أخرجك إلى ضيق في صحيفة بطالتك، يا من احتوى على أموال الضعفة بظلمه، غداً تبكي سرائرك بين يدي من لا تخفى عليه السرائر فتحمل على دقيق المسئلة جواباً وعلى الصراط جوازاً فستعلم وتستقرئ كل ما قد أحصى عليك بالتحقيق. قال: فغاظه ذلك، فأمر بحبسه، فلما كان في اليوم الثاني أمر بإخراجه، فلما وقف بين يديه قال: بلغني أنك قدري تقايس في العظمة وتداخل في التكوين، فقال: يا متوكل يا من له عقل موجود وفهم غير مفقود إن مثلي لا يتكلم في القدر قال فنظر إليه مغضباً ورده إلى السجن. فلما كان في اليوم الثالث أخرجه، فوقف بين يديه وقال: يا سعدون أنك ثنوي تقول السماء خالية بلا مدبر. فقال له: يا متوكل أسألك عن شيء تخبرني به ؟ قال: نعم، قال: من جعل سطح الهامة منبت الشعر وسقاها من حرارة الدماغ ؟ قال: الله، قال: أخبرني من مد حاجبيك فأنبت عليهما الشعر ؟ قال: الله تعالى، قال: فأخبرني من فتق العينين وجعل للحدقة بياضاً وجعل وسطها سواداً ؟ قال: الله، قال: فمن جعل فيهما ماء عذباً ولحا ؟ قال الله، قال: فأخبرني من خرق السمعين فجعل فيهما سماعا قال الله، قال: فمن ألزم القدم من الساقين فجعلهما اسطوانة للركبتين ؟ قال الله، قال فمن شد الحقوين بالوركين ؟ قال، الله قال: فمن عرفك أن تقول الله ؟ قال الله، قال: فكيف أقول السماء بلا إله ؟ قال المتوكل: بلغني أنك تقول القرآن مخلوق، قال يا متوكل ارض عن الله وثق بالله وكل شيء بقضاء الله ما يبلغ الفطنة كنه الله ولا يفوت الخلق رزق الله، الله لا يشبه خلق الله، القبض والبسط فعال الله، والجود والفخر أيادي الله، يا أيها القائل بالله بالحق والصدق عرفت الله، فلا تكن مبتدعاً في الله، ارض بدين الله، عبد الله لا شيء أحلى من كلام الله، يكون مخلوقاً كلام الله يقولها ؟ مبتدع والله ! قال: فأمر به إلى الحبس ثم اتخذ مقصورة وأمر بفرش الزرابي من الحرير الأخضر والخز والديباج ثم دعا به، فلما نظر إليه ضحك، ثم قال: يا متوكل هذا ملكك الدنيء الحقير الفاني، فقال المتوكل بلغني أنك حروري تطعن في السلطان، فقال إني لست كذلك ولكنني أصف لك مرجا أحسن من مرجك وقصراً أحسن من قصرك، قال هات، قال في الجنة مرج من ورق الآس في وسط المرج قصر من درر وشقائق وفي وسط القصر قبة من ورق السوسن والقصر والقبة مبنيان على نبات القرنفل لها حدود أربعة الحد الأول ينتهي إلى ناحية الوجلين والحد الثاني ينتهي إلى نعيم المشتاقين والحد الثالث ينتهي إلى طريق المريدين والحد الرابع ينتهي إلى غرف مملوءة بتحف وصنائع ووصائف ورفارف وإلى خيام وخدام وإلى ميدان يطوف في ساحته الولدان، أرضها من الفضة ورمالها من اللؤلؤ وقضبانها من العنبر وشرفها من الياقوت الأحمر، العرش سقفها والرحمة حشوها والأنبياء سكانها والملائكة عمارها والولدان خدامها، الزعفران حشيشها والقرنفل نباتها والسندس ثيابها، مطردة أنهارها دائمة ظلالها دانية قطوفها مطهرة أزواجها خضر رياضها لذيذ عيشها ذكي مسكها وكافورها، فهي دار العيش والنعيم المقيم، فساكن هذه الدار في نعيم لا يزول، لا غل في صدور سكانها، قد رفعت عنهم الأسقام وزالت الآلام وصاحب هذه الدار أبداً معانق الأبكار في مرافقة الأخيار وجوار الملك الجبار. ثم قام يخطر في مشيته ويقول: قبة من جواهر الخ ... اد بالدر رصعت جوف قصر من الزبير ... جد بالنور وشعت مذ بناها الجليل في ... داره ما تزعزعت لو عليها تساقطت ... أرضها ما تصدعت حجبت كاعب من الح ... ور فيها فابدعت عجب الحسن والجما ... ل إذا ما تطلعت منع الحب بالحبيب ... كما قد تمنعت قال المتوكل أحسنت بارك الله فيك، من زعم أنك مجنون ؟ ثم أمر له بجائزة، فردها وقال حبي الله الذي جعل خزائن عطائه مفتوحة لمؤمليه وحسبي من جعل مفاتيحها حجة الطمع فيه.
وصل اللهم على سيدنا محمد وعلى آله وسلم تسليما كثيرا كبيرا دائما ابدا
|
|