نكمل باقى الجزء الأخير من الحكمة
( يا من ألبس أولياءه ) العارفين ( ملابس هيبته ) حتى هابهم كل شيء وخاف منهم كل شيء , ولم يخافوا من شيء وفي الحديث " من خاف الله خاف منه كل شيء , ومن لم يخف الله أخافه كل شيء " وحيث ألبستهم لباس هيبته
( فقاموا بعزته مستعزين ) لما رفعوا همتهم عن الخلق أعزهم الله , ولما رفعوا همتهم عن الدنيا أعزهم الخلق , فإن الولى إذا أراد الله أن يرده إلى خلقه لينفع به عباده ألبسه حلتين حلة البهاء والجمال , ليقبل الناس عليه بالمحبة والوصال , فيغنيهم الله به , وحلة الهيبة والجلال , ليمتثل أمره إذا أمر إذا أمر ويجتنب نهية إذا نهى , وهاتان الحلتان يكساهما عند الرسوخ والتمكين , وإلى ذلك أشار بعض الشعراء والله أعلم بقوله : أن عرفان ذي الجلال لعز ... وضياء وبهجه وسرور وعلى العارفين أيضاً بهاء ... وعليهم من المحبة نور فهنيئاً لمن عرفك إلهي ... هو والله دهره مسرور
فلما كانوا لله وبالله ومع الله أعزهم الله وأعزهم من أعزهم قيل في تفسير قوله تعالى : ( تعز من تشاء ) قال : بأن يكون لك بك معك بين يديك اهـ
وسبب العز من الله هو ذكر الله كما قال :
( أنت الذاكر من قبل الذاكرين ) أي أنت الذاكر لهم من قبل أن يذكروك , فلولا ذكرك إياهم ما ذكروك .
قال أبو يزيد رضي الله عنه ك: غلطت في بداية أمري في أربعة أشياء , توهمت أني اذكره واعرفه وأحبه وأطلبه , فلما انتهيت رأيت ذكره سبق ذكرى , ومعرفته سبقت معرفتي , ومحبته أقدم من محبتي , وطلبه لي اولاً حتى طلبته .
( وأنت البادئ بالاحسان من قبل توجه العابدين ) فلما بدأتهم بالإحسان توجهوا إليك بالطاعة والإذعان ز
( وأنت الجواد بالعطاء من قبل طلب الطالبين ) جل حكم الأزل أن يضاف إلى الأسباب والعلل .
( وأنت الوهاب , ثم أنت لما وهبتنا من المستقرضين ) فقد وهبت لنا النعم , وأمرتنا بالسخاء والكرم ووفقتنا لعطائها ووعدتنا بالنعيم الجزيل عليها فلله ما أعطى وله ما أخذ فإذا عرف العبد هذا لم تبق له وسيلة يتوسل بها إلا فضل الله وكرمه .
وفي مناجاة الجنيد رضي الله عنه : يا ذاكر الذاكرين بما به ذكروه , يا بادئ العارفين بما فيه عرفوه , يا موفق العابدين لصالح ما عملوه , من ذا الذي يشفع عندك إلا بإذنك , من ذا الذي الذي يشفع عندك إلا بأذنك , من ذا الذى يذكرك إلا بفضل , واستقراض الرب من عبده ما وهبه له غاية في ترفيعه لقدرة وإبانته لشرفه , ووعده مع ذلك جزيل جزيل الثواب نهاية في إكرامه له وتفضله عليه
وقال بعضهم : ملكك ثم اشترى منك ما ملكك , ليثبت لك معه نسبه , ثم استقرض منك ما اشتراه , ثم وعدك عليه من العوض أضعافاً بين فيه أن نعمه وعطاياه بعيدتان أن تكونا مشوبتين بالعلل اهـ
قال ابن عباد رضي الله عنه : ولما بين أن طلب الحق سابق على طلب العبد طلب منه أن يطلبه ليتحقق منه الطلب
يتبع وصل اللهم على سيدنا محمد وعلى آله وسلم تسليماً كثيراً
|