وهنا سؤال يطرح نفسه:
هل ستعود لنا القدس كما عادت إلى صلاح الدين؟
وايم الله لتعودن القدس
في السنة الخامسة عشرة من الهجرة 632م فتح الله على المسلمين بيت المقدس, وظل القدس تحت راية الإسلام حتى كانت الهجمة الصليبية التبشيرية, وأُخذ المسجد الأقصى من المسلمين يوم الجمعة 23 شعبان عام 492هـ الموافق 15 يوليو عام 1099م وظل المسجد الأقصى حزيناً على الدماء التي أُريقت من حواليه زهاء تسعين عاماً ثم عاد.
فقد أعاده الله للمسلمين بفضل جهاد صلاح الدين الأيوبي في 27 رجب عام 583هـ الموافق أكتوبر 1187م:
492هـ - 583هـ / 1099م – 1187م فترة اغتصاب الصليبيين للمسجد الأقصى من جديد.
وهنا انقل جزء من كتاب خصوصية وبشرية النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم عند قتلة مولانا الحسين لمولانا الشريف فضيلة الدكتور محمود صبيح حفظه الله (279-280) :
( " متى انتصرت مصر؟
انتصرت لما دخلت الرأس الشريفة فيها, فقد حملت أمانة وأمانات أهل البيت, قَبِلتها وأحبتها حباً جماً, وحافظت عليها, قبل الدولة الفاطمية وبعدها.
دخلت الرأس الشريفة سنة ثمان وأربعين وخمسمائة (548هـ), وهيئت لقيادة العالم الإسلامي ظاهرياً وباطنياً, وأصبحت أكثر دول العالم الإسلامي اعتدالاً وفهماً للإسلام البسيط الراقي المنتج.
أحبوا أهل بيت نبيه صلى الله عليه وعلى آله وسلم, واحترموا صحابته, وكانوا عُدَّةً للإسلام والمسلمين.
قال بعض أهل الله, منهم الإمام السيوطي أن الإمام الحسن لما تنازل عن الحكم لمعاوية افترقت – ولأول مرة- الخلافة الظاهرة والباطنة, فأخذ معاوية الحكم الظاهر, وأما مولانا الحسن فكان هو الفرد الغوث ( القطب الأعظم).
أصبحت أمانة الدنيا في مصر, الأولياء والصالحون يعرفون ذلك, ويعرفون أن نهاية الدنيا تبدأ بخروج الأمانات من مصر إلى المدينة المنورة عند ظهور المهدي, فمصر بخير حتى ظهور المهدي (وبعدها إن شاء الله).
روى الإمام مسلم وغيره عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: " منعت العراق درهمها وقفيزها, ومنعت الشام مديها ودينارها, ومنعت مصر إردبها ودينارها, وعدتم من حيث بدأتم, وعدتم من حيث بدأتم, وعدتم من حيث بدأتم" شهد على ذلك لحم أبي هريرة ودمه.
ومعنى "منعت": ستُمْنَع
ومعنى" وعدتم من حيث بدأتم" الإشارة إلى رجوع الأمر إلى الحجاز إلى مكة والمدينة في أحداث قيام الساعة.
وجود الرأس الشريفة في مصر معناه وجود النصر, لوجود جزء من النبي فيها مكرم, لم يرفع على حربة كما رفع في العراق والشام.
أما وجود جسد مولانا الحسين في العراق في الأزمنة السابقة فمعناه وجود الخلافة بلا رأس, ولذا اكتسحها التتار وطحنتها السنون.
أما رأس أمر الأمة المحمدية فهو في مصر, حتى يخرج الإمام المهدي, ولو لاحظت حتى الخلافة العثمانية – لو لاحظت – لم يكن همها إلا السيطرة على مصر, والحمد لله أن الخلافة العثمانية كانت محبة جداً لأهل البيت ولمصر, لذا تجد اهتمامهم الشديد بمقامات أهل البيت, وتجد حقد وكراهية أتباع ابن تيمية والوهابية لهم ومحاربتهم لهذه الخلافة.) انتهى النقل
ولما استسلبه المبشرون الصليبيون دخلوه والدماء إلى منتصف أطوالهم ولما استرده المسلمون نفذوا رحمة الإسلام, فأمر صلاح الدين بإيصال من قاوم القتال بقطيعته من الفرنج إلى مأمنه, ولم يسفك الدماء المعتدية المحتلة الغتصبة الضالة كما فعلوا وهم المعتدون.
والآن وحال العرب والمسلمين مثل حالهم إبان القرن العاشر الميلادي والخامس الهجري وما بعده من حيث الضعف, والعجز, والخلاف, والاختلاف, والحروب, والتدابر, والتقاطع مما سبَّب سقوط القدس من جديد في 5 يونيو عام 1967م ولم تفلح مع اليهود طريقة لا بالحرب ولا بالسلم فهم لا يرغبون في السلام مطلقاً؛ لأنه مبدأ يتناقض مع فكرة دولة عرقية عنصرية تقوم حياتها على استمرار إثارة الصراع مع الجيرن, كما ذهب إلى ذلك (نيلز جونسون) في كتابه: ( قضية حدود إسرائيل الآمنة وتناقضات الدول الاستيطانية) فهل يا ترى سيظل القدس الإسلامي أسيراً عند من ليس له أهلاً.
إننا لا نجيب هنا من منطق عاطفي, ولا منطق محلل سياسي أو مؤرخ فيلسوف يتكهن بما تخفيه الأيام والعصور, ولكننا نصدر عن يقين ثابت من منطلق النصوص الإسلامية التي قيلت في ساعات العسرة وتحققت على مدى العصور, فيروي تاريخ الدعوة أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم في غزوة الخندق ساعة أن كان سيدنا سلمان الفارسي يحفر في الخندق واجهته كدية اشتدت عليه فأخذ النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم المعول من سلمان الفارسي رضي الله عنه وقال: " بسم الله وضرب ضربة فكسر ثلثها وبرقت برقة فخرج نور من قِبل اليمن كالمصباح في جوف ليل مظلم فكبر رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم وقال: أُعطيت مفاتيح اليمن, إني لأبصر أبواب صنعاء من مكاني الساعة كأنها أنياب الكلاب, ثم ضرب الثانية فقطع ثلثاً آخر فخرج نور من قِبل الروم فكبر رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم وقال: أُعطيت مفاتيح الشام, والله إني لأبصر قصورها, ثم ضرب الثالثة فقطع بقية الحجر وبرق برقة فكبر وقال: أُعطيت مفاتيح فارس, والله إني لأبصر قصور الحيرة ومدائن كسرى كأنها أنياب الكلاب في مكاني هذا.
وجعل رسول الله صلى الله عيه وعلى آله وسلم يصف مدائن كسرى لسلمان فيقول سلمان: صدقت يا رسول الله, هذه صفتها, أشهد أنك رسول الله, ثم قال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: هذه فتوح يفتحها الله بعدي يا سلمان".
ومحل الشاهد أن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم في لحظة الضيق والكرب يؤكد للمسلمين رؤية آفاق الفتح الإسلامي من بعده صلى الله عليه وعلى آله وسلم, ويصفها لمن يعرفها ويصدقه سلمان الفارسي رضي الله عنه, ثم يحدثنا التاريخ عن فتوح الشام واليمن وحمص وبصرى... الخ.
فأية قوة تلك التي لسيدنا محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم ليلقي بكلمات تعنو لها جباه الزمن, ويأتمر بها مِنْ بعده جيوش وقادة, فهي كلمات حق خرجت من فم لا ينطق عن الهوى فإنه وحي يوحى.
وتنضم إلى شهادة سيدنا سلمان الفارسي شهادة عدي بن حاتم, فقد روى صاحب السيرة الحلبية حديثاً يتعلق بما دار بين سيدنا رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم وبين عدي بن حاتم, قال: " لعلك يا عدي إنما يمنعك من الدخول في هذا الدين ما ترى, تقول: إنما اتبعه ضعفة الناس ومن لا قوة لهم, وقد رمتهم العرب مع حاجتهم, فوالله ليوشكن المال أن يفيض فيهم حتى لا يوجد من يأخذه.
ولعلك إنما يمنعك من الدخول فيه ما ترى من كثرة عدوهم وقلة عددهم, أتعرف الحيرة؟ قلت: لم أرها وقد سمعت بها, قال: فوالله ليتمن الله هذا الأمر حتى تخرج الظعينة من الحيرة تطوف بالبيت من غير جوار أحد.
ولعلك إنما يمنعك من الدخول فيه أنك ترى أن الملك والسلطان في غيرهم وايم الله ليوشكن أن تسمع بالقصور البيض من أرض بابل قد فتحت عليهم.
قال عدي: وقد رأيت المرأة تخرج من القادسية على بعيرها حتى تحج البيت, وايم الله لتكونن الثانية.
إذن وايم الله لتعودن القدس, فقد قال صلى الله عليه وعلى آله وسلم:
- ( تقتتلون أنتم واليهود حتى يقول الحجر: يا مسلم هذا يهودي ورائي فاقتله) رواه مسلم.
- ( لتقاتلن اليهود فلتقتلنهم حتى يقول الحجر يا مسلم هذا يهودي فتعال فاقتله) رواه مسلم.
- ( تقاتلكم اليهود فتسلطون عليهم حتى يقول الحجر يا مسلم هذا يهودي ورائي فاقتله) رواه مسلم
- ( لا تقوم الساعة حتى يقاتل المسلمون اليهود فيقتلهم المسلمون حتى يختبيء اليهودي وراء الحجر والشجر فيقول الحجر أو الشجر يا مسلم يا عبد الله هذا يهودي خلفي فتعال فاقتله إلا الغرقد فإنه من شجر اليهود) رواه مسلم.
والأحاديث فيها عدة حقائق:
1- فيها استمرار القتال بين المسلمين واليهود فهي معارك دائرة لا تنقطع حتى يأتي نصر الله لمن اصطفاهم لهذا الشرف الجليل.
2- وأنهم سوف يبدأون معركة فيسلط الله المسلمين عليهم فتُسخر كل أدوات القتال لنصرة المسلمين.
3- وأن ذلك يقع قبل أن تقوم الساعة.
وكما صدق رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم في كل ما قاله وبلغه عن ربه وفتح الله على المسلمين كل بلد ذكرها لهم رسول الله صلى الله عليه وعلى له وسلم من المدائن إلى القسطنطينية, فإن القدس وإيم الله لعائد يوم يبعث الله عباداً له يجوسون خلال الديار وكان وعد الله مفعولاً.
معاهدات:
أهل إيلياء
صالح سيدنا عمر أهل إيلياء (القدس) بالجابية وكتب لهم فيها الصلح لكل كورة كتاباً واحداً ما خلا أهل إيلياء.
نص المعاهدة: " بسم الله الرحمن الرحيم, هذا ما أعطى عبد الله عمر أمير المؤمنين أهل إيلياء من الأمان, أعطاعم أماناً لأنفسهم وأموالهم, ولكنائسهم وصلبانهم, وسقيمهم وبريئهم, وسائر ملتهم, أنه لا تُسكن كنائسهم ولا تُهدم, ولا ينتقص منها ولا من حيزها, ولا من صليبهم ولا من شيء من أموالهم ولا يُكرهون على دينهم, ولا يُضار أحد منهم, ولا يَسكن بإيلياء معهم أحد من اليهود, وعلى أهل إيلياء أن يعطوا الجزية كما يعطي أهل المدائن, وعليهم أن يُخرجوا منها الروم واللصوص, فمن خرج منهم فإنه آمن على نفسه وماله حتى يبلغوا مأمنهم, ومن أقام منهم فهو آمن وعليه مثل ما على أهل إيلياء من الجزية, ومن أحب من أهل إيلياء أن يسير بنفسه وماله مع الروم ويخلي بيعهم وصلبهم فإنهم آمنون على أنفسهم وعلى بيعهم وصلبهم حتى يبلغوا مأمنهم, ومن كان بها من أهل الأرض قبل مقتل فلان فمن شاء منهم قعد وعليه مثل ما على أهل إيلياء من الجزية, ومن شاء سار مع الروم, ومن شاء رجع إلى أهله, فإنه لا يؤخذ منهم شيء حتى يُحصد حصادهم, وعلى ما في هذا الكتاب عهد الله وذمة رسوله وذمة الخلفاء وذمة المؤمنين إذا أعطوا الذي عليهم من الجزية.
شهد على ذلك خالد بن الوليد وعمرو بن العاص وعبد الرحمن بن عوف ومعاوية بن أبي سفيان وكتب وحضر سنة خمس عشرة.
أهل لد
فأما سائر كتبهم فعلى كتاب لد.
نص المعاهدة: (بسم الله الرحمن الرحيم, هذا ما أعطى عبد الله عمر أمير المؤمنين أهل لد ومن دخل معهم من أهل فلسطين أجمعين, أعطاهم أماناً لأنفسهم وأموالهم ولكنائسهم وصلبهم وسقيمهم وبريئهم وسائر ملتهم, أنه لا تسكن كنائسهم ولا تهدم ولا ينتقص منها ولا من حيزها ولا مللها, ولا من صلبيهم ولا من أموالهم ولا يكرهون على دينهم ولا يضار أحد منهم, وعلى أهل لد ومن دخل معهم من أهل فلسطين أن يعطوا الجزية كما يعطي أهل مدائن الشام وعليهم إن خرجوا مثل ذلك الشرط..) الخ.
أما: من سيعيد القدس؟
فإنهم رجال لهم من السمات والأخلاق مثل ما كان لفاتح القدس ومحررها أبي عبيدة عامر بن الجراح أمين الأمة, والناصر صلاح الدين الأيوبي من الذين أنعم الله عليهم بإخلاص النية وصدق العمل ومراقبة الله في السر والعلن.
فلن يعيدها الإخوان ولا الوهابية ولا أي فرقة من تلك الفرق الضالة, بل أهل الله, بل أهل الله, بل أهل الله.
وأما : متى؟
فعندما يأذن الله بظهور هؤلاء الرجال ونسأل الله أن يكون ذلك قريباً