موقع د. محمود صبيح

منتدى موقع د. محمود صبيح

جميع الأوقات تستخدم GMT + ساعتين



إرسال موضوع جديد الرد على الموضوع  [ 144 مشاركة ]  الانتقال إلى صفحة السابق  1 ... 5, 6, 7, 8, 9, 10  التالي
الكاتب رسالة
 عنوان المشاركة:
مشاركة غير مقروءةمرسل: الأحد أكتوبر 22, 2006 9:17 am 
غير متصل

اشترك في: السبت فبراير 21, 2004 4:33 am
مشاركات: 10727
[font=Traditional Arabic]

" تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ "

القدر 4

الجلالين
ـــــــ

" تَنَزَّل الْمَلَائِكَة " بِحَذْفِ إِحْدَى التَّاءَيْنِ مِنْ الْأَصْل " وَالرُّوح " أَيْ جِبْرِيل " فِيهَا " فِي اللَّيْلَة " بِإِذْنِ رَبّهمْ " بِأَمْرِهِ " مِنْ كُلّ أَمْر " قَضَاهُ اللَّه فِيهَا لِتِلْكَ السَّنَة إِلَى قَابِل وَمِنْ سَبَبِيَّة بِمَعْنَى الْبَاء
الطبري
ــــــ
وَقَوْله : { تَنَزَّل الْمَلَائِكَة وَالرُّوح فِيهَا بِإِذْنِ رَبّهمْ مِنْ كُلّ أَمْر } اِخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِي تَأْوِيل ذَلِكَ , فَقَالَ بَعْضهمْ : مَعْنَى ذَلِكَ : تَنَزَّل الْمَلَائِكَة وَجِبْرِيل مَعَهُمْ , وَهُوَ الرُّوح , فِي لَيْلَة الْقَدْر { بِإِذْنِ رَبّهمْ مِنْ كُلّ أَمْر } يَعْنِي بِإِذْنِ رَبّهمْ , مِنْ كُلّ أَمْر قَضَاهُ اللَّه فِي تِلْكَ السَّنَة , مِنْ رِزْق وَأَجَل وَغَيْر ذَلِكَ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 29193 -حَدَّثَنَا اِبْن عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : ثنا اِبْن ثَوْر , عَنْ مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة , فِي قَوْله : { مِنْ كُلّ أَمْر } قَالَ : يُقْضَى فِيهَا مَا يَكُون فِي السَّنَة إِلَى مِثْلهَا . فَعَلَى هَذَا الْقَوْل مُنْتَهَى الْخَبَر , وَمَوْضِع الْوَقْف مِنْ كُلّ أَمْر . وَقَالَ آخَرُونَ : { تَنَزَّل الْمَلَائِكَة وَالرُّوح فِيهَا بِإِذْنِ رَبّهمْ } لَا يَلْقَوْنَ مُؤْمِنًا وَلَا مُؤْمِنَة إِلَّا سَلَّمُوا عَلَيْهِ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 29194 - حَدَّثَنَا عَنْ يَحْيَى بْن زِيَاد الْفَرَّاء , قَالَ : ثني أَبُو بَكْر بْن عَيَّاش , عَنْ الْكَلْبِيّ , عَنْ أَبِي صَالِح , عَنْ اِبْن عَبَّاس : أَنَّهُ كَانَ يَقْرَأ : " مِنْ كُلّ اِمْرِئٍ سَلَام " وَهَذِهِ الْقِرَاءَة مَنْ قَرَأَ بِهَا وَجَّهَ مَعْنَى مِنْ كُلّ اِمْرِئٍ : مِنْ كُلّ مَلَك ; كَانَ مَعْنَاهُ عِنْده : تَنَزَّل الْمَلَائِكَة وَالرُّوح فِيهَا بِإِذْنِ رَبّهمْ مِنْ كُلّ مَلَك يُسَلِّم عَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَات ; وَلَا أَرَى الْقِرَاءَة بِهَا جَائِزَة , لِإِجْمَاعِ الْحُجَّة مِنْ الْقُرَّاء عَلَى خِلَافهَا , وَأَنَّهَا خِلَاف لِمَا فِي مَصَاحِف الْمُسْلِمِينَ , وَذَلِكَ أَنَّهُ لَيْسَ فِي مُصْحَف مِنْ مَصَاحِف الْمُسْلِمِينَ فِي قَوْله " أَمْر " يَاء , وَإِذَا قُرِئَتْ : " مِنْ كُلّ اِمْرِئٍ " لَحِقَتْهَا هَمْزَة , تَصِير فِي الْخَطّ يَاء . وَالصَّوَاب مِنْ الْقَوْل فِي ذَلِكَ : الْقَوْل الْأَوَّل الَّذِي ذَكَرْنَاهُ قَبْل , عَلَى مَا تَأَوَّلَهُ قَتَادَة .



القرطبي
ـــــ

تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ

أَيْ تَهْبِط مِنْ كُلّ سَمَاء , وَمِنْ سِدْرَة الْمُنْتَهَى ; وَمَسْكَن جِبْرِيل عَلَى وَسَطهَا . فَيَنْزِلُونَ إِلَى الْأَرْض وَيُؤَمِّنُونَ عَلَى دُعَاء النَّاس , إِلَى وَقْت طُلُوع الْفَجْر ; فَذَلِكَ قَوْله تَعَالَى : " تَنَزَّل الْمَلَائِكَة " .
وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ

أَيْ جِبْرِيل عَلَيْهِ السَّلَام . وَحَكَى الْقُشَيْرِيّ : أَنَّ الرُّوح صِنْف مِنْ الْمَلَائِكَة , جُعِلُوا حَفَظَة عَلَى سَائِرهمْ , وَأَنَّ الْمَلَائِكَة لَا يَرَوْنَهُمْ , كَمَا لَا نَرَى نَحْنُ الْمَلَائِكَة .
وَقَالَ مُقَاتِل : هُمْ أَشْرَف الْمَلَائِكَة . وَأَقْرَبهمْ مِنْ اللَّه تَعَالَى . وَقِيلَ : إِنَّهُمْ جُنْد مِنْ جُنْد اللَّه عَزَّ وَجَلَّ مِنْ غَيْر الْمَلَائِكَة . رَوَاهُ مُجَاهِد عَنْ اِبْن عَبَّاس مَرْفُوعًا ; ذَكَرَهُ الْمَاوَرْدِيّ وَحَكَى الْقُشَيْرِيّ : قِيلَ هُمْ صِنْف مِنْ خَلْق اللَّه يَأْكُلُونَ الطَّعَام , وَلَهُمْ أَيْدٍ وَأَرْجُل ; وَلَيْسُوا مَلَائِكَة . وَقِيلَ : " الرُّوح " خَلْق عَظِيم يَقُوم صَفًّا , وَالْمَلَائِكَة كُلّهمْ صَفًّا . وَقِيلَ : " الرُّوح " الرَّحْمَة يَنْزِل بِهَا جِبْرِيل عَلَيْهِ السَّلَام مَعَ الْمَلَائِكَة فِي هَذِهِ اللَّيْلَة عَلَى أَهْلهَا ; دَلِيله : " يُنَزِّل الْمَلَائِكَة بِالرُّوحِ مِنْ أَمْره عَلَى مَنْ يَشَاء مِنْ عِبَاده " [ النَّحْل : 2 ] , أَيْ بِالرَّحْمَةِ . " فِيهَا " أَيْ فِي لَيْلَة الْقَدْر . " بِإِذْنِ رَبّهمْ " أَيْ بِأَمْرِهِ .
مِنْ كُلِّ أَمْرٍ

أَمْر بِكُلِّ أَمْر قَدَّرَهُ اللَّه وَقَضَاهُ فِي تِلْكَ السَّنَة إِلَى قَابِل ; قَالَهُ اِبْن عَبَّاس ; كَقَوْلِهِ تَعَالَى : " يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْر اللَّه " [ الرَّعْد : 11 ] أَيْ بِأَمْرِ اللَّه . وَقِرَاءَة الْعَامَّة " تَنَزَّل " بِفَتْحِ التَّاء ; إِلَّا أَنَّ الْبَزِّيّ شَدَّدَ التَّاء . وَقَرَأَ طَلْحَة بْن مُصَرِّف وَابْن السَّمَيْقَع , بِضَمِّ التَّاء عَلَى الْفِعْل الْمَجْهُول . وَقَرَأَ عَلِيّ وَابْن عَبَّاس وَعِكْرِمَة وَالْكَلْبِيّ " مِنْ كُلّ اِمْرِئٍ " . وَرُوِيَ عَنْ اِبْن عَبَّاس أَنَّ مَعْنَاهُ : مِنْ كُلّ مَلَك ; وَتَأَوَّلَهَا الْكَلْبِيّ عَلَى أَنَّ جِبْرِيل يَنْزِل فِيهَا مَعَ الْمَلَائِكَة , فَيُسَلِّمُونَ عَلَى كُلّ اِمْرِئٍ مُسْلِم . فَ " مِنْ " بِمَعْنَى عَلَى . وَعَنْ أَنَس قَالَ : قَالَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " إِذَا كَانَ لَيْلَة الْقَدْر نَزَلَ جِبْرِيل فِي كَبْكَبَة مِنْ الْمَلَائِكَة , يُصَلُّونَ وَيُسَلِّمُونَ عَلَى كُلّ عَبْد قَائِم أَوْ قَاعِد يَذْكُر اللَّه تَعَالَى .
[/font]

_________________
إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً }الأحزاب33

صورة


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة:
مشاركة غير مقروءةمرسل: السبت أكتوبر 28, 2006 11:47 am 
غير متصل

اشترك في: السبت فبراير 21, 2004 4:33 am
مشاركات: 10727
[font=Traditional Arabic] [/font][font=Traditional Arabic] [/font]قال تعالى:

"سَلَامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ"

القدر 5

الجلالين
ـــــــــــــــ

" سَلَام هِيَ " خَبَر مُقَدَّم وَمُبْتَدَأ " حَتَّى مَطْلَع الْفَجْر " بِفَتْحِ اللَّام وَكَسْرهَا إِلَى وَقْت طُلُوعه , جُعِلَتْ سَلَامًا لِكَثْرَةِ السَّلَام فِيهَا مِنْ الْمَلَائِكَة تَمُرّ بِمُؤْمِنٍ وَلَا بِمُؤْمِنَةٍ إِلَّا سَلَّمَتْ عَلَيْهِ .

الطبري
ــــــــــــ

وَقَوْله : { سَلَام هِيَ حَتَّى مَطْلَع الْفَجْر } سَلَام لَيْلَة الْقَدْر مِنْ الشَّرّ كُلّه مِنْ أَوَّلهَا إِلَى طُلُوع الْفَجْر مِنْ لَيْلَتهَا . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 29195 - حَدَّثَنَا اِبْن عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : ثنا اِبْن ثَوْر , عَنْ مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة { سَلَام هِيَ } قَالَ : خَيْر { حَتَّى مَطْلَع الْفَجْر } . * - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة { مِنْ كُلّ أَمْر سَلَام هِيَ } أَيْ هِيَ خَيْر كُلّهَا إِلَى مَطْلَع الْفَجْر . 29196 - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب , قَالَ : ثنا وَكِيع , عَنْ إِسْرَائِيل , عَنْ جَابِر , عَنْ مُجَاهِد { سَلَام هِيَ حَتَّى مَطْلَع الْفَجْر } قَالَ : مِنْ كُلّ أَمْر سَلَام . 29197 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : قَالَ اِبْن زَيْد , فِي قَوْل اللَّه : { سَلَام هِيَ } قَالَ : لَيْسَ فِيهَا شَيْء , هِيَ خَيْر كُلّهَا { حَتَّى مَطْلَع الْفَجْر } . 29198 -حَدَّثَنِي مُوسَى بْن عَبْد الرَّحْمَن الْمَسْرُوقِيّ , قَالَ : ثنا عَبْد الْحَمِيد الْحِمَّانِيّ , عَنْ الْأَعْمَش , عَنْ الْمِنْهَال , عَنْ عَبْد الرَّحْمَن بْن أَبِي لَيْلَى , فِي قَوْله : { مِنْ كُلّ أَمْر سَلَام هِيَ } قَالَ : لَا يَحْدُث فِيهَا أَمْر . وَعُنِيَ بِقَوْلِهِ : { حَتَّى مَطْلَع الْفَجْر } : إِلَى مَطْلَع الْفَجْر . وَاخْتَلَفَتْ الْقُرَّاء فِي قِرَاءَة قَوْله : { حَتَّى مَطْلَع الْفَجْر } فَقَرَأَتْ ذَلِكَ عَامَّة قُرَّاء الْأَمْصَار , سِوَى يَحْيَى بْن وَثَّاب وَالْأَعْمَش وَالْكِسَائِيّ { مَطْلَع الْفَجْر } بِفَتْحِ اللَّام , بِمَعْنَى : حَتَّى طُلُوع الْفَجْر ; تَقُول الْعَرَب : طَلَعَتْ الشَّمْس طُلُوعًا وَمَطْلَعًا. وَقَرَأَ ذَلِكَ يَحْيَى بْن وَثَّاب وَالْأَعْمَش وَالْكِسَائِيّ : " حَتَّى مَطْلِع الْفَجْر " بِكَسْرِ اللَّام , تَوْجِيهًا مِنْهُمْ ذَلِكَ إِلَى الِاكْتِفَاء بِالِاسْمِ مِنْ الْمَصْدَر , وَهُمْ يَنْوُونَ بِذَلِكَ الْمَصْدَر . وَالصَّوَاب مِنْ الْقِرَاءَة فِي ذَلِكَ عِنْدنَا : فَتْح اللَّام لِصِحَّةِ مَعْنَاهُ فِي الْعَرَبِيَّة , وَذَلِكَ أَنَّ الْمَطْلَع بِالْفَتْحِ هُوَ الطُّلُوع , وَالْمَطْلِع بِالْكَسْرِ : هُوَ الْمَوْضِع الَّذِي تَطْلُع مِنْهُ , وَلَا مَعْنَى لِلْمَوْضِعِ الَّذِي تَطْلُع مِنْهُ فِي هَذَا الْمَوْضِع . آخِر تَفْسِير سُورَة الْقَدْر




القرطبي
ـــــــــــ
قِيلَ : إِنَّ تَمَام الْكَلَام " مِنْ كُلّ أَمْر " ثُمَّ قَالَ " سَلَام " . رُوِيَ ذَلِكَ عَنْ نَافِع وَغَيْره ; أَيْ لَيْلَة الْقَدْر سَلَامَة وَخَيْر كُلّهَا لَا شَرّ فِيهَا . " حَتَّى مَطْلَع الْفَجْر " أَيْ إِلَى طُلُوع الْفَجْر . قَالَ الضَّحَّاك : لَا يُقَدِّر اللَّه فِي تِلْكَ اللَّيْلَة إِلَّا السَّلَامَة , وَفِي سَائِر اللَّيَالِي يَقْضِي بِالْبَلَايَا وَالسَّلَامَة وَقِيلَ : أَيْ هِيَ سَلَام ; أَيْ ذَات سَلَامَة مِنْ أَنْ يُؤَثِّر فِيهَا شَيْطَان فِي مُؤْمِن وَمُؤْمِنَة . وَكَذَا قَالَ مُجَاهِد : هِيَ لَيْلَة سَالِمَة , لَا يَسْتَطِيع الشَّيْطَان أَنْ يَعْمَل فِيهَا سُوءًا وَلَا أَذًى . وَرُوِيَ مَرْفُوعًا . وَقَالَ الشَّعْبِيّ : هُوَ تَسْلِيم الْمَلَائِكَة عَلَى أَهْل الْمَسَاجِد , مِنْ حِين تَغِيب الشَّمْس إِلَى أَنْ يَطْلُع الْفَجْر ; يَمُرُّونَ عَلَى كُلّ مُؤْمِن , وَيَقُولُونَ : السَّلَام عَلَيْك أَيّهَا الْمُؤْمِن . وَقِيلَ : يَعْنِي سَلَام الْمَلَائِكَة بَعْضهمْ عَلَى بَعْض فِيهَا . وَقَالَ قَتَادَة : " سَلَام هِيَ " : خَيْر هِيَ . " حَتَّى مَطْلَع الْفَجْر " أَيْ إِلَى مَطْلَع الْفَجْر . وَقَرَأَ الْكِسَائِيّ وَابْن مُحَيْصِن " مَطْلِع " بِكَسْرِ اللَّام , الْبَاقُونَ بِالْفَتْحِ . وَالْفَتْح وَالْكَسْر : لُغَتَانِ فِي الْمَصْدَر . وَالْفَتْح الْأَصْل فِي فَعَلَ يَفْعُل ; نَحْو الْمَقْتَل وَالْمَخْرَج . وَالْكَسْر عَلَى أَنَّهُ مِمَّا شَذَّ عَنْ قِيَاسه ; نَحْو الْمَشْرِق وَالْمَغْرِب وَالْمَنْبِت وَالْمَسْكِن وَالْمَنْسِك وَالْمَحْشِر وَالْمَسْقِط وَالْمَجْزِر . حُكِيَ فِي ذَلِكَ كُلّه الْفَتْح وَالْكَسْر , عَلَى أَنْ يُرَاد بِهِ الْمَصْدَر لَا الِاسْم . وَهُنَا ثَلَاث مَسَائِل :

الْأُولَى : فِي تَعْيِين لَيْلَة الْقَدْر ; وَقَدْ اِخْتَلَفَ الْعُلَمَاء فِي ذَلِكَ . وَاَلَّذِي عَلَيْهِ الْمُعْظَم أَنَّهَا لَيْلَة سَبْع وَعِشْرِينَ ; لِحَدِيثِ زِرّ بْن حُبَيْش قَالَ : قُلْت لِأُبَيّ بْن كَعْب : إِنَّ أَخَاك عَبْد اللَّه بْن مَسْعُود يَقُول : مَنْ يَقُمْ الْحَوْل يُصِبْ لَيْلَة الْقَدْر . فَقَالَ : يَغْفِر اللَّه لِأَبِي عَبْد الرَّحْمَن ! لَقَدْ عَلِمَ أَنَّهَا فِي الْعَشْر الْأَوَاخِر مِنْ رَمَضَان , وَأَنَّهَا لَيْلَة سَبْع وَعِشْرِينَ ; وَلَكِنَّهُ أَرَادَ أَلَّا يَتَّكِل النَّاس ; ثُمَّ حَلَفَ لَا يَسْتَثْنِي أَنَّهَا لَيْلَة سَبْع وَعِشْرِينَ . قَالَ قُلْت : بِأَيِّ شَيْء تَقُول ذَلِكَ يَا أَبَا الْمُنْذِر ؟ قَالَ : بِالْآيَةِ الَّتِي أَخْبَرَنَا بِهَا رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , أَوْ بِالْعَلَامَةِ أَنَّ الشَّمْس تَطْلُع يَوْمئِذٍ لَا شُعَاع لَهَا . قَالَ التِّرْمِذِيّ : حَدِيث حَسَن صَحِيح . وَخَرَّجَهُ مُسْلِم . وَقِيلَ : هِيَ فِي شَهْر رَمَضَان دُون سَائِر الْعَام ; قَالَهُ أَبُو هُرَيْرَة وَغَيْره . وَقِيلَ : هِيَ فِي لَيَالِي السَّنَة كُلّهَا . فَمَنْ عَلَّقَ طَلَاق اِمْرَأَته أَوْ عِتْق عَبْده بِلَيْلَةِ الْقَدْر , لَمْ يَقَع الْعِتْق وَالطَّلَاق إِلَّا بَعْد مُضِيّ سَنَة مِنْ يَوْم حَلَفَ ; لِأَنَّهُ لَا يَجُوز إِيقَاع الطَّلَاق بِالشَّكِّ , وَلَمْ يَثْبُت اِخْتِصَاصهَا بِوَقْتٍ ; فَلَا يَنْبَغِي وُقُوع الطَّلَاق إِلَّا بِمُضِيِّ حَوْل . وَكَذَلِكَ الْعِتْق ; وَمَا كَانَ مِثْله مِنْ يَمِين أَوْ غَيْره . وَقَالَ اِبْن مَسْعُود : مَنْ يَقُمْ الْحَوْل يُصِبْهَا ; فَبَلَغَ ذَلِكَ اِبْن عُمَر , فَقَالَ : يَرْحَم اللَّه أَبَا عَبْد الرَّحْمَن ! أَمَا إِنَّهُ عَلِمَ أَنَّهَا فِي الْعَشْر الْأَوَاخِر مِنْ شَهْر رَمَضَان ; وَلَكِنَّهُ أَرَادَ أَلَّا يَتَّكِل النَّاس . وَإِلَى هَذَا الْقَوْل ذَهَبَ أَبُو حَنِيفَة أَنَّهَا فِي جَمِيع السَّنَة . وَقِيلَ عَنْهُ : إِنَّهَا رُفِعَتْ - يَعْنِي لَيْلَة الْقَدْر - وَأَنَّهَا إِنَّمَا كَانَتْ مَرَّة وَاحِدَة ; وَالصَّحِيح أَنَّهَا بَاقِيَة . وَرُوِيَ عَنْ اِبْن مَسْعُود أَيْضًا : أَنَّهَا إِذَا كَانَتْ فِي يَوْم مِنْ هَذِهِ السَّنَة , كَانَتْ فِي الْعَام الْمُقْبِل فِي يَوْم آخَر . وَالْجُمْهُور عَلَى أَنَّهَا فِي كُلّ عَام مِنْ رَمَضَان . ثُمَّ قِيلَ : إِنَّهَا اللَّيْلَة الْأُولَى مِنْ الشَّهْر ; قَالَهُ أَبُو رَزِين الْعُقَيْلِيّ . وَقَالَ الْحَسَن وَابْن إِسْحَاق وَعَبْد اللَّه بْن الزُّبَيْر : هِيَ لَيْلَة سَبْع عَشْرَة مِنْ رَمَضَان , وَهِيَ اللَّيْلَة الَّتِي كَانَتْ صَبِيحَتهَا وَقْعَة بَدْر كَأَنَّهُمْ نَزَعُوا بِقَوْلِهِ تَعَالَى : " وَمَا أَنْزَلْنَا عَلَى عَبْدنَا يَوْم الْفُرْقَان يَوْم اِلْتَقَى الْجَمْعَانِ " [ الْأَنْفَال : 41 ] , وَكَانَ ذَلِكَ لَيْلَة سَبْع عَشْرَة , وَقِيلَ هِيَ لَيْلَة التَّاسِع عَشَر . وَالصَّحِيح الْمَشْهُور : أَنَّهَا فِي الْعَشْر الْأَوَاخِر مِنْ رَمَضَان ; وَهُوَ قَوْل مَالِك وَالشَّافِعِيّ وَالْأَوْزَاعِيّ وَأَبِي ثَوْر وَأَحْمَد . ثُمَّ قَالَ قَوْم : هِيَ لَيْلَة الْحَادِي وَالْعِشْرِينَ . وَمَالَ إِلَيْهِ الشَّافِعِيّ رَضِيَ اللَّه عَنْهُ ; لِحَدِيثِ الْمَاء وَالطِّين وَرَوَاهُ أَبُو سَعِيد الْخُدْرِيّ , خَرَّجَهُ مَالِك وَغَيْره . وَقِيلَ لَيْلَة الثَّالِث وَالْعِشْرِينَ ; لِمَا رَوَاهُ اِبْن عُمَر أَنَّ رَجُلًا قَالَ : يَا رَسُول اللَّه إِنِّي رَأَيْت لَيْلَة الْقَدْر فِي سَابِعَة تَبْقَى . فَقَالَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( أَرَى رُؤْيَاكُمْ قَدْ تَوَاطَأَتْ عَلَى ثَلَاث وَعِشْرِينَ , فَمَنْ أَرَادَ أَنْ يَقُوم مِنْ الشَّهْر شَيْئًا فَلْيَقُمْ لَيْلَة ثَلَاث وَعِشْرِينَ ) . قَالَ مَعْمَر : فَكَانَ أَيُّوب يَغْتَسِل لَيْلَة ثَلَاث وَعِشْرِينَ وَيَمَسّ طِيبًا . وَفِي صَحِيح مُسْلِم أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( إِنِّي رَأَيْت أَنِّي أَسْجُد فِي صَبِيحَتهَا فِي مَاء وَطِين ) . قَالَ عَبْد اللَّه بْن أُنَيْس : فَرَأَيْته فِي صَبِيحَة لَيْلَة ثَلَاث وَعِشْرِينَ فِي الْمَاء وَالطِّين , كَمَا أَخْبَرَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . وَقِيلَ : لَيْلَة خَمْس وَعِشْرِينَ ; لِحَدِيثِ أَبِي سَعِيد الْخُدْرِيّ : أَنَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( اِلْتَمِسُوهَا فِي الْعَشْر الْأَوَاخِر فِي تَاسِعَة تَبْقَى , فِي سَابِعه تَبْقَى , فِي خَامِسَة تَبْقَى ) . رَوَاهُ مُسْلِم , قَالَ مَالِك : يُرِيد بِالتَّاسِعَةِ لَيْلَة إِحْدَى وَعِشْرِينَ , وَالسَّابِعَة لَيْلَة ثَلَاث وَعِشْرِينَ , وَالْخَامِسَة لَيْلَة خَمْس وَعِشْرِينَ . وَقِيلَ : لَيْلَة سَبْع وَعِشْرِينَ . وَقَدْ مَضَى دَلِيله , وَهُوَ قَوْل عَلِيّ رَضِيَ اللَّه عَنْهُ وَعَائِشَة وَمُعَاوِيَة وَأُبَيّ بْن كَعْب . وَرَوَى اِبْن عُمَر أَنَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( مَنْ كَانَ مُتَحَرِّيًا لَيْلَة الْقَدْر , فَلْيَتَحَرَّهَا لَيْلَة سَبْع وَعِشْرِينَ ) . وَقَالَ أُبَيّ بْن كَعْب : سَمِعْت رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُول : ( لَيْلَة الْقَدْر لَيْلَة سَبْع وَعِشْرِينَ ) . وَقَالَ أَبُو بَكْر الْوَرَّاق : إِنَّ اللَّه تَعَالَى قَسَّمَ لَيَالِي هَذَا الشَّهْر - شَهْر رَمَضَان - عَلَى كَلِمَات هَذِهِ السُّورَة , فَلَمَّا بَلَغَ السَّابِعَة وَالْعِشْرِينَ أَشَارَ إِلَيْهَا فَقَالَ : هِيَ . وَأَيْضًا فَإِنَّ لَيْلَة الْقَدْر كُرِّرَ ذِكْرهَا ثَلَاث مَرَّات , وَهِيَ تِسْعَة أَحْرُف , فَتَجِيء سَبْعًا وَعِشْرِينَ . وَقِيلَ : هِيَ لَيْلَة تِسْع وَعِشْرِينَ ; لِمَا رُوِيَ أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : " لَيْلَة الْقَدْر التَّاسِعَة وَالْعِشْرُونَ - أَوْ السَّابِعَة وَالْعِشْرُونَ - وَأَنَّ الْمَلَائِكَة فِي تِلْكَ اللَّيْلَة بِعَدَدِ الْحَصَى " . وَقَدْ قِيلَ : إِنَّهَا فِي الْأَشْفَاع . قَالَ الْحَسَن : اِرْتَقَبْت الشَّمْس لَيْلَة أَرْبَع وَعِشْرِينَ عِشْرِينَ سَنَة , فَرَأَيْتهَا تَطْلُع بَيْضَاء لَا شُعَاع لَهَا . يَعْنِي مِنْ كَثْرَة الْأَنْوَار فِي تِلْكَ اللَّيْلَة . وَقِيلَ إِنَّهَا مَسْتُورَة فِي جَمِيع السَّنَة , لِيَجْتَهِد الْمَرْء فِي إِحْيَاء جَمِيع اللَّيَالِي . وَقِيلَ : أَخْفَاهَا فِي جَمِيع شَهْر رَمَضَان , لِيَجْتَهِدُوا فِي الْعَمَل وَالْعِبَادَة لَيَالِي شَهْر رَمَضَان , طَمَعًا فِي إِدْرَاكهَا , كَمَا أَخْفَى الصَّلَاة الْوُسْطَى فِي الصَّلَوَات , وَاسْمه الْأَعْظَم فِي أَسْمَائِهِ الْحُسْنَى , وَسَاعَة الْإِجَابَة فِي سَاعَات الْجُمُعَة وَسَاعَات اللَّيْل , وَغَضَبه فِي الْمَعَاصِي , وَرِضَاهُ فِي الطَّاعَات , وَقِيَام السَّاعَة فِي الْأَوْقَات , وَالْعَبْد الصَّالِح بَيْن الْعِبَاد ; رَحْمَة مِنْهُ وَحِكْمَة .

الثَّانِيَة : فِي عَلَامَاتهَا : مِنْهَا أَنَّ الشَّمْس , تَطْلُع فِي صَبِيحَتهَا بَيْضَاء لَا شُعَاع لَهَا . وَقَالَ الْحَسَن قَالَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي لَيْلَة الْقَدْر : ( إِنَّ مِنْ أَمَارَاتهَا : أَنَّهَا لَيْلَة سَمْحَة بَلْجَة , لَا حَارَّة وَلَا بَارِدَة , تَطْلُع الشَّمْس صَبِيحَتهَا لَيْسَ لَهَا شُعَاع ) . وَقَالَ عُبَيْد بْن عُمَيْر : كُنْت لَيْلَة السَّابِع وَالْعِشْرِينَ فِي الْبَحْر , فَأَخَذْت مِنْ مَائِهِ , فَوَجَدْته عَذْبًا سَلِسًا .

الثَّالِثَة : فِي فَضَائِلهَا . وَحَسْبك بِقَوْلِهِ تَعَالَى : " لَيْلَة الْقَدْر خَيْر مِنْ أَلْف شَهْر " وَقَوْله تَعَالَى : " تَنَزَّل الْمَلَائِكَة وَالرُّوح فِيهَا " . وَفِي الصَّحِيحَيْنِ : ( مَنْ قَامَ لَيْلَة الْقَدْر إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا غَفَرَ اللَّه لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبه ) رَوَاهُ أَبُو هُرَيْرَة . وَقَالَ اِبْن عَبَّاس : قَالَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( إِذَا كَانَ لَيْلَة الْقَدْر , تَنْزِل الْمَلَائِكَة الَّذِينَ هُمْ سُكَّان سِدْرَة الْمُنْتَهَى , مِنْهُمْ جِبْرِيل , وَمَعَهُمْ أَلْوِيَة يُنْصَب مِنْهَا لِوَاء عَلَى قَبْرِي , وَلِوَاء عَلَى بَيْت الْمَقْدِس , وَلِوَاء عَلَى الْمَسْجِد الْحَرَام , وَلِوَاء عَلَى طُور سَيْنَاء , وَلَا تَدَع فِيهَا مُؤْمِنًا وَلَا مُؤْمِنَة إِلَّا تُسَلِّم عَلَيْهِ , إِلَّا مُدْمِن الْخَمْر , وَآكِل الْخِنْزِير , وَالْمُتَضَمِّخ بِالزَّعْفَرَانِ ) : وَفِي الْحَدِيث : ( إِنَّ الشَّيْطَان لَا يَخْرُج فِي هَذِهِ اللَّيْلَة حَتَّى يُضِيء فَجْرهَا , وَلَا يَسْتَطِيع أَنْ يُصِيب فِيهَا أَحَدًا بِخَبْلٍ وَلَا شَيْء مِنْ الْفَسَاد , وَلَا يَنْفُذ فِيهَا سِحْر سَاحِر " . وَقَالَ الشَّعْبِيّ : وَلَيْلهَا كَيَوْمِهَا , وَيَوْمهَا كَلَيْلِهَا . وَقَالَ الْفَرَّاء : لَا يُقَدِّر اللَّه فِي لَيْلَة الْقَدْر إِلَّا السَّعَادَة وَالنِّعَم , وَيُقَدِّر فِي غَيْرهَا الْبَلَايَا وَالنِّقَم ; وَقَدْ تَقَدَّمَ عَنْ الضَّحَّاك . وَمِثْله لَا يُقَال مِنْ جِهَة الرَّأْي , فَهُوَ مَرْفُوع . وَاَللَّه أَعْلَم . وَقَالَ سَعِيد بْن الْمُسَيِّب فِي الْمُوَطَّأ : [ مَنْ شَهِدَ الْعِشَاء مِنْ لَيْلَة الْقَدْر , فَقَدْ أَخَذَ بِحَظِّهِ مِنْهَا ] , وَمِثْله لَا يُدْرَك بِالرَّأْيِ . وَقَدْ رَوَى عُبَيْد اللَّه بْن عَامِر بْن رَبِيعَة : أَنَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( مَنْ صَلَّى صَلَاة الْمَغْرِب وَالْعِشَاء الْآخِرَة مِنْ لَيْلَة الْقَدْر فِي جَمَاعَة فَقَدْ أَخَذَ بِحَظِّهِ مِنْ لَيْلَة الْقَدْر ) ذَكَرَهُ الثَّعْلَبِيّ فِي تَفْسِيره . وَقَالَتْ عَائِشَة رَضِيَ اللَّه عَنْهَا : قُلْت : يَا رَسُول اللَّه إِنْ وَافَقْت لَيْلَة الْقَدْر فَمَا أَقُول ؟ قَالَ : ( قُولِي اللَّهُمَّ إِنَّك عَفُوّ تُحِبّ الْعَفْو فَاعْفُ عَنِّي

_________________
إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً }الأحزاب33

صورة


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة:
مشاركة غير مقروءةمرسل: الثلاثاء أكتوبر 31, 2006 9:36 am 
غير متصل

اشترك في: السبت فبراير 21, 2004 4:33 am
مشاركات: 10727
[center][table=width:100%;background-color:transparent;background-image:url(backgrounds/8.gif);border:1 solid green;][cell=filter:;][align=center]قال تعالى :

" قَالَ الَّذِي عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنَ الْكِتَابِ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ فَلَمَّا رَآهُ مُسْتَقِرًّا عِنْدَهُ قَالَ هَذَا مِنْ فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ وَمَنْ شَكَرَ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ"

النمل 40

الجلالين
ـــــــــــــــ
"قَالَ الَّذِي عِنْده عِلْم مِنْ الْكِتَاب" الْمُنَزَّل وَهُوَ آصف ابْن برخيا كَانَ صِدِّيقًا يَعْلَم اسْم اللَّه الْأَعْظَم الَّذِي إذَا دَعَا بِهِ أُجِيبَ "أَنَا آتِيك بِهِ قَبْل أَنْ يَرْتَدّ إلَيْك طَرْفك" إذَا نَظَرْت بِهِ إلَى شَيْء فَقَالَ لَهُ اُنْظُرْ إلَى السَّمَاء فَنَظَرَ إلَيْهَا ثُمَّ رَدَّ بِطَرَفِهِ فَوَجَدَهُ مَوْضُوعًا بَيْن يَدَيْهِ فَفِي نَظَرِهِ إلَى السَّمَاء دَعَا آصف بِالِاسْمِ الْأَعْظَم أَنْ يَأْتِي اللَّه بِهِ فَحَصَلَ بِأَنْ جَرَى تَحْت الْأَرْض حَتَّى نَبَعَ تَحْت كُرْسِيّ سُلَيْمَان "فَلَمَّا رَآهُ مُسْتَقِرًّا" سَاكِنًا "عِنْده قَالَ هَذَا" أَيْ الْإِتْيَان لِي بِهِ "مِنْ فَضْل رَبِّي لِيَبْلُوَنِي" لِيَخْتَبِرنِي "أَأَشْكُرُ" بِتَحْقِيقِ الْهَمْزَتَيْنِ وَإِبْدَال الثَّانِيَة أَلِفًا وَتَسْهِيلهَا وَإِدْخَال أَلِف بَيْن الْمُسَهَّلَة الْأُخْرَى وَتَرْكه "أَمْ أَكْفُر" النِّعْمَة "وَمَنْ شَكَرَ فَإِنَّمَا يَشْكُر لِنَفْسِهِ" أَيْ لِأَجْلِهَا لِأَنَّ ثَوَاب شُكْره لَهُ "وَمَنْ كَفَرَ" النِّعْمَة "فَإِنَّ رَبِّي غَنِيّ" عَنْ شُكْره "كَرِيم" بِالْأَفْضَالِ عَلَى مَنْ يَكْفُرهَا
الطبري
ــــــــــــــ

قَالَ الَّذِي عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنَ الْكِتَابِ

قَوْله : { قَالَ الَّذِي عِنْده عِلْم مِنْ الْكِتَاب } يَقُول جَلَّ ثَنَاؤُهُ : قَالَ الَّذِي عِنْده عِلْم مِنْ كِتَاب اللَّه , وَكَانَ رَجُلًا فِيمَا ذُكِرَ مِنْ بَنِي آدَم , فَقَالَ بَعْضهمْ : اِسْمه بليخا . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 20538 - حَدَّثني مُحَمَّد بْن بَشَّار , قَالَ : ثَنَا أَبُو عَثْمَة , قَالَ : ثَنَا شُعْبَة , عَنْ بِشْر , عَنْ قَتَادَة , فِي قَوْله : { قَالَ الَّذِي عِنْده عِلْم مِنْ الْكِتَاب } قَالَ : كَانَ اِسْمه بليخا . 20539 - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْن دَاوُد الْوَاسِطِيّ , قَالَ : ثَنَا أَبُو أُسَامَة , عَنْ إِسْمَاعِيل , عَنْ أَبِي صَالِح , فِي قَوْله : { الَّذِي عِنْده عِلْم مِنْ الْكِتَاب } رَجُل مِنْ الْإِنْس . 20540 -حَدَّثَنَا اِبْن عَرَفَة , قَالَ : ثَنَا مَرْوَان بْن مُعَاوِيَة الْفَزَارِيّ , عَنْ الْعَلَاء بْن عَبْد الْكَرِيم , عَنْ مُجَاهِد , فِي قَوْل اللَّه : { قَالَ الَّذِي عِنْده عِلْم مِنْ الْكِتَاب أَنَا آتِيك بِهِ } قَالَ : أَنَا أَنْظُر فِي كِتَاب رَبِّي , ثُمَّ آتِيك بِهِ { قَبْل أَنْ يَرْتَدّ إِلَيْك طَرْفك } قَالَ : فَتَكَلَّمَ ذَلِكَ الْعَالِم بِكَلَامٍ دَخَلَ الْعَرْش تَحْت الْأَرْض حَتَّى خَرَجَ إِلَيْهِمْ . 20541 - حَدَّثَنَا اِبْن عَرَفَة , قَالَ : ثني حَمَّاد بْن مُحَمَّد , عَنْ عُثْمَان بْن مَطَر , عَنْ الزُّهْرِيّ , قَالَ : دَعَا الَّذِي عِنْده عِلْم مِنْ الْكِتَاب : يَا إِلَهنَا وَإِلَه كُلّ شَيْء إِلَهًا وَاحِدًا , لَا إِلَه إِلَّا أَنْتَ , اِئْتِنِي بِعَرْشِهَا , قَالَ : فَمَثُلَ بَيْن يَدَيْهِ. 20542 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثَنَا الْحُسَيْن , قَالَ : ثَنَا أَبُو سُفْيَان , عَنْ مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة : { قَالَ الَّذِي عِنْده عِلْم مِنْ الْكِتَاب } قَالَ : رَجُل مِنْ بَنِي آدَم أَحْسَبهُ قَالَ : مِنْ بَنِي إِسْرَائِيل , كَانَ يَعْلَم اِسْم اللَّه الَّذِي إِذَا دُعِيَ بِهِ أَجَابَ . 20543 - حَدَّثني مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثَنَا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثَنَا عِيسَى ; وَحَدَّثني الْحَارِث , قَالَ : ثَنَا الْحَسَن , قَالَ : ثَنَا وَرْقَاء جَمِيعًا , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , قَوْله : { الَّذِي عِنْده عِلْم مِنْ الْكِتَاب } قَالَ : الِاسْم الَّذِي إِذَا دُعِيَ بِهِ أَجَابَ , وَهُوَ : يَا ذَا الْجَلَال وَالْإِكْرَام . 20544 - حُدِّثْت عَنْ الْحُسَيْن , قَالَ : سَمِعْت أَبَا مُعَاذ يَقُول : أَخْبَرَنَا عُبَيْد , قَالَ : سَمِعْت الضَّحَّاك يَقُول : قَالَ سُلَيْمَان لِمَنْ حَوْله : { أَيّكُمْ يَأْتِينِي بِعَرْشِهَا قَبْل أَنْ يَأْتُونِي مُسْلِمِينَ } فَقَالَ عِفْرِيت { أَنَا آتِيك بِهِ قَبْل أَنْ تَقُوم مِنْ مَقَامك } قَالَ سُلَيْمَان : أُرِيد أَعْجَل مِنْ ذَلِكَ , فَقَالَ رَجُل مِنْ الْإِنْس عِنْده عِلْم مِنْ الْكِتَاب , يَعْنِي اِسْم اللَّه إِذَا دُعِيَ بِهِ أَجَابَ . 20545 - حَدَّثني يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : قَالَ اِبْن زَيْد : { قَالَ عِفْرِيت مِنْ الْجِنّ أَنَا آتِيك بِهِ قَبْل أَنْ تَقُوم مِنْ مَقَامك وَإِنِّي عَلَيْهِ لَقَوِيّ أَمِين } لَا آتِيك بِغَيْرِهِ , أَقُول غَيْره أَمْثَله لَك. قَالَ : وَخَرَجَ يَوْمئِذٍ رَجُل عَابِد فِي جَزِيرَة مِنْ الْبَحْر , فَلَمَّا سَمِعَ الْعِفْرِيت { قَالَ أَنَا آتِيك بِهِ قَبْل أَنْ يَرْتَدّ إِلَيْك طَرْفك } قَالَ : ثُمَّ دَعَا بِاسْمٍ مِنْ أَسْمَاء اللَّه , فَإِذَا هُوَ يُحْمَل بَيْن عَيْنَيْهِ , وَقَرَأَ : { فَلَمَّا رَآهُ مُسْتَقِرًّا عِنْده قَالَ هَذَا مِنْ فَضْل رَبِّي } حَتَّى بَلَغَ { إِنَّ رَبِّي غَنِيّ كَرِيم } . 20546 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثَنَا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيج , قَالَ : قَالَ رَجُل مِنْ الْإِنْس . قَالَ : وَقَالَ مُجَاهِد : الَّذِي عِنْده عِلْم مِنْ الْكِتَاب : عِلْم اِسْم اللَّه . وَقَالَ آخَرُونَ : الَّذِي عِنْده عِلْم مِنْ الْكِتَاب , كَانَ آصف . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 20547 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثَنَا سَلَمَة , عَنْ اِبْن إِسْحَاق : { قَالَ عِفْرِيت } لِسُلَيْمَان { أَنَا آتِيك بِهِ قَبْل أَنْ تَقُوم مِنْ مَقَامك وَإِنِّي عَلَيْهِ لَقَوِيّ أَمِين } فَزَعَمُوا أَنَّ سُلَيْمَان بْن دَاوُد قَالَ : أَبْتَغِي أَعْجَل مِنْ هَذَا , فَقَالَ آصف بْن برخيا , وَكَانَ صِدِّيقًا يَعْلَم الِاسْم الْأَعْظَم الَّذِي إِذَا دُعِيَ اللَّه بِهِ أَجَابَ , وَإِذَا سُئِلَ بِهِ أَعْطَى : { أَنَا } يَا نَبِيّ اللَّه { آتِيك بِهِ قَبْل أَنْ يَرْتَدّ إِلَيْك طَرْفك } .
أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ

وَقَوْله : { أَنَا آتِيك بِهِ قَبْل أَنْ يَرْتَدّ إِلَيْك طَرْفك } اِخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِي تَأْوِيل ذَلِكَ , فَقَالَ بَعْضهمْ : مَعْنَاهُ : أَنَا آتِيك بِهِ قَبْل أَنْ يَصِل إِلَيْك مَنْ كَانَ مِنْك عَلَى مَدّ الْبَصَر . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 20548 -حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثَنَا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني إِبْرَاهِيم , قَالَ : ثَنَا إِسْمَاعِيل بْن أَبِي خَالِد , عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر : { قَبْل أَنْ يَرْتَدّ إِلَيْك طَرْفك } قَالَ : مِنْ قَبْل أَنْ يَرْجِع إِلَيْك أَقْصَى مَنْ تَرَى , فَذَلِكَ قَوْله { قَبْل أَنْ يَرْتَدّ إِلَيْك طَرْفك }. 20549 - قَالَ : ثَنَا الْحُسَيْن , قَالَ : ثَنَا أَبُو سُفْيَان , عَنْ مَعْمَر , قَالَ : قَالَ غَيْر قَتَادَة : { قَبْل أَنْ يَرْتَدّ إِلَيْك طَرْفك } قَبْل أَنْ يَأْتِيَك الشَّخْص مِنْ مَدّ الْبَصَر . وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ مَعْنَى ذَلِكَ : مِنْ قَبْل أَنْ يَبْلُغ طَرْفك مَدَاهُ وَغَايَته . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 20550 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثَنَا سَلَمَة , عَنْ اِبْن إِسْحَاق , عَنْ بَعْض أَهْل الْعِلْم عَنْ وَهْب بْن مُنَبِّه : { قَبْل أَنْ يَرْتَدّ إِلَيْك طَرْفك } تَمُدّ عَيْنَيْك فَلَا يَنْتَهِي طَرْفك إِلَى مَدَاهُ حَتَّى أَمْثُلهُ بَيْن يَدَيْك . قَالَ : ذَلِكَ أُرِيد . 20551 - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب , قَالَ : ثَنَا عَثَّام , عَنْ إِسْمَاعِيل , عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر , قَالَ : أُخْبِرْت أَنَّهُ قَالَ : اِرْفَعْ طَرْفك مِنْ حَيْثُ يَجِيء , فَلَمْ يَرْجِع إِلَيْهِ طَرْفه حَتَّى وُضِعَ الْعَرْش بَيْن يَدَيْهِ . 20552 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن بَشَّار , قَالَ : ثَنَا يَحْيَى , قَالَ : ثَنَا سُفْيَان , عَنْ عَطَاء , عَنْ مُجَاهِد , فِي قَوْله : { قَبْل أَنْ يَرْتَدّ إِلَيْك طَرْفك } قَالَ : مَدّ بَصَره. * - حَدَّثني مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثَنَا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثَنَا عِيسَى ; وَحَدَّثني الْحَارِث , قَالَ : ثَنَا الْحَسَن , قَالَ : ثَنَا وَرْقَاء جَمِيعًا , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد : { قَبْل أَنْ يَرْتَدّ إِلَيْك طَرْفك } قَالَ : إِذَا مُدَّ الْبَصَر حَتَّى يُرَدّ الطَّرَف خَاسِئًا . * -حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثَنَا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج , عَنْ مُجَاهِد : { قَبْل أَنْ يَرْتَدّ إِلَيْك طَرْفك } قَالَ : إِذَا مُدَّ الْبَصَر حَتَّى يَحْسِر الطَّرْف . قَالَ أَبُو جَعْفَر : وَأَوْلَى الْقَوْلَيْنِ فِي ذَلِكَ بِالصَّوَابِ قَوْل مَنْ قَالَ : قَبْل أَنْ يَرْجِع إِلَيْك طَرْفك مِنْ أَقْصَى أَثَره , وَذَلِكَ أَنَّ مَعْنَى قَوْله { يَرْتَدّ إِلَيْك } يَرْجِع إِلَيْك الْبَصَر , إِذَا فَتَحْت الْعَيْن غَيْر رَاجِع , بَلْ إِنَّمَا يَمْتَدّ مَاضِيًا إِلَى أَنْ يَتَنَاهَى مَا اِمْتَدَّ نُوره . فَإِذَا كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ , وَكَانَ اللَّه إِنَّمَا أَخْبَرَنَا عَنْ قَائِل ذَلِكَ { أَنَا آتِيك بِهِ قَبْل أَنْ يَرْتَدّ } لَمْ يَكُنْ لَنَا أَنْ نَقُول : أَنَا آتِيك بِهِ قَبْل أَنْ يَرْتَدّ رَاجِعًا { إِلَيْك طَرْفك } مِنْ عِنْد مُنْتَهَاهُ .
فَلَمَّا رَآهُ مُسْتَقِرًّا عِنْدَهُ

وَقَوْله : { فَلَمَّا رَآهُ مُسْتَقِرًّا عِنْده } يَقُول : فَلَمَّا رَأَى سُلَيْمَان عَرْش مَلِكَة سَبَإ مُسْتَقِرًّا عِنْده . وَفِي الْكَلَام مَتْرُوك اُسْتُغْنِيَ بِدَلَالَةِ مَا ظَهَرَ عَمَّا تُرِكَ , وَهُوَ : فَدَعَا اللَّه , فَأَتَى بِهِ ; فَلَمَّا رَآهُ سُلَيْمَان مُسْتَقِرًّا عِنْده . وَذُكِرَ أَنَّ الْعَالِم دَعَا اللَّه , فَغَارَ الْعَرْش فِي الْمَكَان الَّذِي كَانَ بِهِ , ثُمَّ نَبَعَ مِنْ تَحْت الْأَرْض بَيْن يَدَيْ سُلَيْمَان. ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 20553 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثَنَا سَلَمَة , عَنْ اِبْن إِسْحَاق , عَنْ بَعْض أَهْل الْعِلْم , عَنْ وَهْب بْن مُنَبِّه , قَالَ : ذَكَرُوا أَنَّ آصف بْن برخيا تَوَضَّأَ , ثُمَّ رَكَعَ رَكْعَتَيْنِ , ثُمَّ قَالَ : يَا نَبِيّ اللَّه , اُمْدُدْ عَيْنك حَتَّى يَنْتَهِيَ طَرْفك , فَمَدَّ سُلَيْمَان عَيْنه يَنْظُر إِلَيْهِ نَحْو الْيَمَن , وَدَعَا آصف فَانْخَرَقَ بِالْعَرْشِ مَكَانه الَّذِي هُوَ فِيهِ , ثُمَّ نَبَعَ بَيْن يَدَيْ سُلَيْمَان { فَلَمَّا رَآهُ } سُلَيْمَان { مُسْتَقِرًّا عِنْده قَالَ هَذَا مِنْ فَضْل رَبِّي لِيَبْلُوَنِي } الْآيَة . 20554 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثَنَا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج , عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَالَ : نَبَعَ عَرْشهَا مِنْ تَحْت الْأَرْض .
قَالَ هَذَا مِنْ فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ

وَقَوْله : { قَالَ هَذَا مِنْ فَضْل رَبِّي لِيَبْلُوَنِي } يَقُول : هَذَا الْبَصَر وَالتَّمَكُّن وَالْمُلْك وَالسُّلْطَان الَّذِي أَنَا فِيهِ حَتَّى حُمِلَ إِلَيَّ عَرْش هَذِهِ فِي قَدْر اِرْتِدَاد الطَّرْف مِنْ مَأْرِب إِلَى الشَّام , مِنْ فَضْل رَبِّي الَّذِي أَفَضَلَهُ عَلَيَّ وَعَطَائِهِ الَّذِي جَادَ بِهِ عَلَيَّ , لِيَبْلُوَنِي , يَقُول : لِيَخْتَبِرَنِي وَيَمْتَحِننِي , أَأَشْكُرُ ذَلِكَ مِنْ فِعْله عَلَيَّ , أَمْ أَكْفُر نِعْمَته عَلَيَّ بِتَرْكِ الشُّكْر لَهُ ؟ وَقَدْ قِيلَ : إِنَّ مَعْنَاهُ : أَأَشْكُرُ عَلَى عَرْش هَذِهِ الْمَرْأَة إِذْ أُتِيت بِهِ , أَمْ أَكْفُر إِذْ رَأَيْت مَنْ هُوَ دُونِي فِي الدُّنْيَا أَعْلَم مِنِّي ؟ ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 20555 - حَدَّثَنَا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج , قَالَ : أَخْبَرَنِي عَطَاء الْخُرَاسَانِيّ , عَنْ اِبْن عَبَّاس , فِي قَوْله : { فَلَمَّا رَآهُ مُسْتَقِرًّا عِنْده قَالَ هَذَا مِنْ فَضْل رَبِّي لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ } عَلَى السَّرِير إِذْ أَتَيْت بِهِ { أَمْ أَكْفُر } إِذْ رَأَيْت مَنْ هُوَ دُونِي فِي الدُّنْيَا أَعْلَم مِنِّي ؟ .
وَمَنْ شَكَرَ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ

وَقَوْله : { وَمَنْ شَكَرَ فَإِنَّمَا يَشْكُر لِنَفْسِهِ } يَقُول : وَمَنْ شَكَرَ نِعْمَة اللَّه عَلَيْهِ , وَفَضْله عَلَيْهِ , فَإِنَّمَا يَشْكُر طَلَب نَفْع نَفْسه , لِأَنَّهُ لَيْسَ يَنْفَع بِذَلِكَ غَيْر نَفْسه , لِأَنَّهُ لَا حَاجَة لِلَّهِ إِلَى أَحَد مِنْ خَلْقه , وَإِنَّمَا دَعَاهُمْ إِلَى شُكْره تَعْرِيضًا مِنْهُ لَهُمْ لِلنَّفْعِ , لَا لِاجْتِلَابٍ مِنْهُ بِشُكْرِهِمْ إِيَّاهُ نَفْعًا إِلَى نَفْسه , وَلَا دَفْع ضُرّ عَنْهَا .
وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ

يَقُول : وَمَنْ كَفَرَ نِعَمه وَإِحْسَانه إِلَيْهِ , وَفَضْله عَلَيْهِ , لِنَفْسِهِ ظَلَمَ , وَحَظّهَا بَخَسَ , وَاَللَّه غَنِيّ عَنْ شُكْره , لَا حَاجَة بِهِ إِلَيْهِ , لَا يَضُرّهُ كُفْر مَنْ كَفَرَ بِهِ مِنْ خَلْقه , كَرِيم , وَمِنْ كَرَمه إِفْضَاله عَلَى مَنْ يَكْفُر نِعَمه , وَيَجْعَلهَا وُصْلَة يَتَوَصَّل بِهَا إِلَى مَعَاصِيه .



القرطبي
ـــــــــــــ
قَالَ الَّذِي عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنَ الْكِتَابِ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ

عِنْده عِلْم مِنْ الْكِتَاب أَنَا آتِيك بِهِ قَبْل أَنْ يَرْتَدّ إِلَيْك طَرْفك " أَكْثَر الْمُفَسِّرِينَ عَلَى أَنَّ الَّذِي عِنْده عِلْم مِنْ الْكِتَاب آصَف بْن برخيا وَهُوَ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيل , وَكَانَ صِدِّيقًا يَحْفَظ اِسْم اللَّه الْأَعْظَم الَّذِي إِذَا سُئِلَ بِهِ أَعْطَى , وَإِذَا دُعِيَ بِهِ أَجَابَ . وَقَالَتْ عَائِشَة رَضِيَ اللَّه عَنْهَا قَالَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( إِنَّ اِسْم اللَّه الْأَعْظَم الَّذِي دَعَا بِهِ آصَف بْن برخيا يَا حَيّ يَا قَيُّوم ) قِيلَ : وَهُوَ بِلِسَانِهِمْ , أهيا شراهيا ; وَقَالَ الزُّهْرِيّ : دُعَاء الَّذِي عِنْده اِسْم اللَّه الْأَعْظَم ; يَا إِلَهنَا وَإِلَه كُلّ شَيْء إِلَهًا وَاحِدًا لَا إِلَه إِلَّا أَنْتَ اِيتِنِي بِعَرْشِهَا ; فَمَثَلَ بَيْن يَدَيْهِ . وَقَالَ مُجَاهِد : دَعَا فَقَالَ : يَا إِلَهنَا وَإِلَه كُلّ شَيْء يَا ذَا الْجَلَال وَالْإِكْرَام . قَالَ السُّهَيْلِيّ : الَّذِي عِنْده عِلْم مِنْ الْكِتَاب هُوَ آصَف بْن برخيا اِبْن خَالَة سُلَيْمَان , وَكَانَ عِنْده اِسْم اللَّه الْأَعْظَم مِنْ أَسْمَاء اللَّه تَعَالَى . وَقِيلَ : هُوَ سُلَيْمَان نَفْسه ; وَلَا يَصِحّ فِي سِيَاق الْكَلَام مِثْل هَذَا التَّأْوِيل . قَالَ اِبْن عَطِيَّة وَقَالَتْ فِرْقَة هُوَ سُلَيْمَان عَلَيْهِ السَّلَام , وَالْمُخَاطَبَة فِي هَذَا التَّأْوِيل لِلْعِفْرِيتِ لَمَّا قَالَ : " أَنَا آتِيك بِهِ قَبْل أَنْ تَقُوم مِنْ مَقَامك " كَأَنَّ سُلَيْمَان اِسْتَبْطَأَ ذَلِكَ فَقَالَ لَهُ عَلَى جِهَة تَحْقِيره : " أَنَا آتِيك بِهِ قَبْل أَنْ يَرْتَدّ إِلَيْك طَرْفك " وَاسْتَدَلَّ قَائِلُو هَذِهِ الْمَقَالَة بِقَوْلِ سُلَيْمَان : " هَذَا مِنْ فَضْل رَبِّي " .
قُلْت : مَا ذَكَرَهُ اِبْن عَطِيَّة قَالَهُ النَّحَّاس فِي مَعَانِي الْقُرْآن لَهُ , وَهُوَ قَوْل حَسَن إِنْ شَاءَ اللَّه تَعَالَى . قَالَ بَحْر : هُوَ مَلَك بِيَدِهِ كِتَاب الْمَقَادِير , أَرْسَلَهُ اللَّه عِنْد قَوْل الْعِفْرِيت . قَالَ السُّهَيْلِيّ : وَذَكَرَ مُحَمَّد بْن الْحَسَن الْمُقْرِئ أَنَّهُ ضَبَّة بْن أُدّ ; وَهَذَا لَا يَصِحّ الْبَتَّة لِأَنَّ ضَبَّة هُوَ اِبْن أُدّ بْن طَابِخَة , وَاسْمه عَمْرو بْن إِلْيَاس بْن مُضَر بْن نِزَار بْن مَعْدٍ : وَمَعْد كَانَ فِي مُدَّة بُخْتُنَصَّر , وَذَلِكَ بَعْد عَهْد سُلَيْمَان بِدَهْرٍ طَوِيل ; فَإِذَا لَمْ يَكُنْ مَعْد فِي عَهْد سُلَيْمَان , فَكَيْف ضَبَّة بْن أُدّ وَهُوَ بَعْده بِخَمْسَةِ آبَاء ؟ ! وَهَذَا بَيِّن لِمَنْ تَأَمَّلَهُ . اِبْن لَهِيعَة : هُوَ الْخَضِر عَلَيْهِ السَّلَام . وَقَالَ اِبْن زَيْد : الَّذِي عِنْده عِلْم مِنْ الْكِتَاب رَجُل صَالِح كَانَ فِي جَزِيرَة مِنْ جَزَائِز الْبَحْر , خَرَجَ ذَلِكَ الْيَوْم يَنْظُر مَنْ سَاكِن الْأَرْض ; وَهَلْ يُعْبَد اللَّه أَمْ لَا ؟ فَوَجَدَ سُلَيْمَان , فَدَعَا بِاسْمٍ مِنْ أَسْمَاء اللَّه تَعَالَى فَجِيءَ بِالْعَرْشِ . وَقَوْل سَابِع : أَنَّهُ رَجُل مِنْ بَنِي إِسْرَائِيل اِسْمه يمليخا كَانَ يَعْلَم اِسْم اللَّه الْأَعْظَم ; ذَكَرَهُ الْقُشَيْرِيّ . وَقَالَ اِبْن أَبِي بَزَّة : الرَّجُل الَّذِي كَانَ عِنْده عِلْم مِنْ الْكِتَاب اِسْمه أسطوم وَكَانَ عَابِدًا فِي بَنِي إِسْرَائِيل ; ذَكَرَهُ الْغَزْنَوِيّ . وَقَالَ مُحَمَّد بْن الْمُنْكَدِر : إِنَّمَا هُوَ سُلَيْمَان عَلَيْهِ السَّلَام ; أَمَّا إِنَّ النَّاس يَرَوْنَ أَنَّهُ كَانَ مَعَهُ اِسْم وَلَيْسَ ذَلِكَ كَذَلِكَ ; إِنَّمَا كَانَ رَجُل مِنْ بَنِي إِسْرَائِيل عَالِم آتَاهُ اللَّه عِلْمًا وَفِقْهًا قَالَ : " أَنَا آتِيك بِهِ قَبْل أَنْ يَرْتَدّ إِلَيْك طَرْفك " قَالَ : هَاتِ . قَالَ : أَنْتَ نَبِيّ اللَّه اِبْن نَبِيّ اللَّه فَإِنْ دَعَوْت اللَّه جَاءَك بِهِ , فَدَعَا اللَّه سُلَيْمَان فَجَاءَهُ اللَّه بِالْعَرْشِ . وَقَوْل ثَامِن : إِنَّهُ جِبْرِيل عَلَيْهِ السَّلَام ; قَالَهُ النَّخَعِيّ , وَرُوِيَ عَنْ اِبْن عَبَّاس . وَعِلْم الْكِتَاب عَلَى هَذَا عِلْمه بِكُتُبِ اللَّه الْمُنَزَّلَة , أَوْ بِمَا فِي اللَّوْح الْمَحْفُوظ . وَقِيلَ : عِلْم كِتَاب سُلَيْمَان إِلَى بِلْقِيس . قَالَ اِبْن عَطِيَّة : وَاَلَّذِي عَلَيْهِ الْجُمْهُور مِنْ النَّاس أَنَّهُ رَجُل صَالِح مِنْ بَنِي إِسْرَائِيل اِسْمه آصَف بْن برخيا ; رُوِيَ أَنَّهُ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ , ثُمَّ قَالَ لِسُلَيْمَانَ : يَا نَبِيّ اللَّه اُمْدُدْ بَصَرك فَمَدَّ بَصَره نَحْو الْيَمَن فَإِذَا بِالْعَرْشِ , فَمَا رَدَّ سُلَيْمَان بَصَره إِلَّا وَهُوَ عِنْده . قَالَ مُجَاهِد : هُوَ إِدَامَة النَّظَر حَتَّى يَرْتَدّ طَرْفه خَاسِئًا حَسِيرًا . وَقِيلَ : أَرَادَ مِقْدَار مَا يَفْتَح عَيْنه ثُمَّ يَطْرِف , وَهُوَ كَمَا تَقُول : اِفْعَلْ كَذَا فِي لَحْظَة عَيْن ; وَهَذَا أَشْبَه ; لِأَنَّهُ إِنْ كَانَ الْفِعْل مِنْ سُلَيْمَان فَهُوَ مُعْجِزَة , وَإِنْ كَانَ مِنْ آصَف أَوْ مِنْ غَيْره مِنْ أَوْلِيَاء اللَّه فَهِيَ كَرَامَة , وَكَرَامَة الْوَلِيّ مُعْجِزَة النَّبِيّ . قَالَ الْقُشَيْرِيّ : وَقَدْ أَنْكَرَ كَرَامَات الْأَوْلِيَاء مَنْ قَالَ إِنَّ الَّذِي عِنْده عِلْم مِنْ الْكِتَاب هُوَ سُلَيْمَان , قَالَ لِلْعِفْرِيتِ : " أَنَا آتِيك بِهِ قَبْل أَنْ يَرْتَدّ إِلَيْك طَرْفك " . وَعِنْد هَؤُلَاءِ مَا فَعَلَ الْعِفْرِيت فَلَيْسَ مِنْ الْمُعْجِزَات وَلَا مِنْ الْكَرَامَات , فَإِنَّ الْجِنّ يَقْدِرُونَ عَلَى مِثْل هَذَا . وَلَا يَقْطَع جَوْهَر فِي حَال وَاحِدَة مَكَانَيْنِ , بَلْ يُتَصَوَّر ذَلِكَ بِأَنْ يُعْدِم اللَّه الْجَوْهَر فِي أَقْصَى الشَّرْق ثُمَّ يُعِيدهُ فِي الْحَالَة الثَّانِيَة , وَهِيَ الْحَالَة الَّتِي بَعْد الْعَدَم فِي أَقْصَى الْغَرْب . أَوْ يُعْدِم الْأَمَاكِن الْمُتَوَسِّطَة ثُمَّ يُعِيدهَا . قَالَ الْقُشَيْرِيّ : وَرَوَاهُ وَهْب عَنْ مَالِك . وَقَدْ قِيلَ : بَلْ جِيءَ بِهِ فِي الْهَوَاء ; قَالَهُ مُجَاهِد . وَكَانَ بَيْن سُلَيْمَان وَالْعَرْش كَمَا بَيْن الْكُوفَة وَالْحِيرَة . وَقَالَ مَالِك : كَانَتْ بِالْيَمَنِ وَسُلَيْمَان عَلَيْهِ السَّلَام بِالشَّامِ . وَفِي التَّفَاسِير اِنْخَرَقَ بِعَرْشِ بِلْقِيس مَكَانه الَّذِي هُوَ فِيهِ ثُمَّ نَبَعَ بَيْن يَدَيْ سُلَيْمَان ; قَالَ عَبْد اللَّه بْن شَدَّاد : وَظَهَرَ الْعَرْش مِنْ نَفَق تَحْت الْأَرْض ; فَاَللَّه أَعْلَم أَيْ ذَلِكَ كَانَ .
فَلَمَّا رَآهُ مُسْتَقِرًّا عِنْدَهُ

عِنْده " أَيْ ثَابِتًا عِنْده .
قَالَ هَذَا مِنْ فَضْلِ رَبِّي

مِنْ فَضْل رَبِّي " أَيْ هَذَا النَّصْر وَالتَّمْكِين مِنْ فَضْل رَبِّي .
لِيَبْلُوَنِي

لِيَبْلُوَنِي " قَالَ الْأَخْفَش : الْمَعْنَى لِيَنْظُر
أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ

وَقَالَ غَيْره : مَعْنَى " لِيَبْلُوَنِي " لِيَتَعَبَّدنِي ; وَهُوَ مَجَاز . وَالْأَصْل فِي الِابْتِلَاء الِاخْتِبَار أَيْ لِيَخْتَبِرنِي أَأَشْكُرُ نِعْمَته أَمْ أَكْفُرهَا
وَمَنْ شَكَرَ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ

شَكَرَ فَإِنَّمَا يَشْكُر لِنَفْسِهِ " أَيْ لَا يَرْجِع نَفْع ذَلِكَ إِلَّا إِلَى نَفْسه , حَيْثُ اِسْتَوْجَبَ بِشُكْرِهِ تَمَام النِّعْمَة وَدَوَامهَا وَالْمَزِيد مِنْهَا . وَالشُّكْر قَيْد النِّعْمَة الْمَوْجُودَة , وَبِهِ تُنَال النِّعْمَة الْمَفْقُودَة .
وَمَنْ كَفَرَ

أَيْ عَنْ الشُّكْر
فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ

فِي التَّفَضُّل .[/align]
[/cell][/table][/center]

_________________
إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً }الأحزاب33

صورة


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة:
مشاركة غير مقروءةمرسل: السبت نوفمبر 04, 2006 10:03 pm 
غير متصل

اشترك في: السبت فبراير 21, 2004 4:33 am
مشاركات: 10727
[center][table=width:100%;background-color:transparent;background-image:url(backgrounds/1.gif);border:1 solid green;][cell=filter:;][align=center] قال تعالى :

"رِجَالٌ لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ "

النور 37
الجلالين
ـــــــــــــ

"رِجَال" فَاعِل يُسَبِّح بِكَسْرِ الْبَاء وَعَلَى فَتْحهَا نَائِب الْفَاعِل لَهُ وَرِجَال فَاعِل فِعْل مُقَدَّر جَوَاب سُؤَال مُقَدَّر كَأَنَّهُ قِيلَ : مَنْ يُسَبِّحهُ "لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَة" شِرَاء "وَلَا بَيْع عَنْ ذِكْر اللَّه وَإِقَام الصَّلَاة" حَذْف هَاء إقَامَة تَخْفِيف "وَإِيتَاء الزَّكَاة يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّب" تَضْطَرِب "فِيهِ الْقُلُوب وَالْأَبْصَار" مِنْ الْخَوْف الْقُلُوب بَيْن النَّجَاة وَالْهَلَاك وَالْأَبْصَار بَيْن نَاحِيَتَيْ الْيَمِين وَالشِّمَال : هُوَ يَوْم الْقِيَامَة

الطبري
ــــــــــ
رِجَالٌ لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ

وَقَوْله : { رِجَال لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَة وَلَا بَيْع عَنْ ذِكْر اللَّه } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : لَا يَشْغَل هَؤُلَاءِ الرِّجَال الَّذِينَ يُصَلُّونَ فِي هَذِهِ الْمَسَاجِد الَّتِي أَذِنَ اللَّه أَنْ تُرْفَع عَنْ ذِكْر اللَّه فِيهَا وَإِقَام الصَّلَاة , تِجَارَة وَلَا بَيْع . كَمَا : 19807 - حَدَّثَنَا ابْن بَشَّار , قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن جَعْفَر , قَالَ : ثنا شُعْبَة , عَنْ سَعِيد بْن أَبِي الْحَسَن , عَنْ رَجُل نَسِيَ اسْمه فِي هَذِهِ الْآيَة : { فِي بُيُوت أَذِنَ اللَّه أَنْ تُرْفَع وَيُذْكَر فِيهَا اسْمه يُسَبِّح لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَال رِجَال لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَة وَلَا بَيْع عَنْ ذِكْر اللَّه } ... إِلَى قَوْله : { وَالْأَبْصَار } قَالَ : هُمْ قَوْم فِي تِجَارَاتهمْ وَبُيُوعهمْ , لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَاتهمْ وَلَا بُيُوعهمْ عَنْ ذِكْر اللَّه . 19808 -حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثنا جَعْفَر بْن سُلَيْمَان , عَنْ عَمْرو بْن دِينَار , عَنْ سَالِم بْن عَبْد اللَّه : أَنَّهُ نَظَرَ إِلَى قَوْم مِنْ السُّوق قَامُوا وَتَرَكُوا بَيَاعَاتِهِمْ إِلَى الصَّلَاة , فَقَالَ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ ذَكَرَ اللَّه فِي كِتَابه : { لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَة وَلَا بَيْع عَنْ ذِكْر اللَّه } ... الْآيَة . 19809 - قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثنا هُشَيْم , عَنْ سَيَّار , عَمَّنْ حَدَّثَهُ , عَنِ ابْن مَسْعُود , نَحْو ذَلِكَ . * - حَدَّثَنِي يَعْقُوب بْن إِبْرَاهِيم , قَالَ : ثنا هُشَيْم , عَنْ سَيَّار , قَالَ : حُدِّثْت عَنِ ابْن مَسْعُود : أَنَّهُ رَأَى قَوْمًا مِنْ أَهْل السُّوق حَيْثُ نُودِيَ بِالصَّلَاةِ تَرَكُوا بَيَاعَاتِهِمْ وَنَهَضُوا إِلَى الصَّلَاة , فَقَالَ عَبْد اللَّه : هَؤُلَاءِ مِنْ الَّذِينَ ذَكَرَ اللَّه فِي كِتَابه { لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَة وَلَا بَيْع عَنْ ذِكْر اللَّه } . وَقَالَ : بَعْضهمْ مَعْنَى ذَلِكَ { لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَة وَلَا بَيْع } عَنْ صَلَاتهمُ الْمَفْرُوضَة عَلَيْهِمْ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 19810 - حَدَّثَنِي عَلِيّ , قَالَ : ثنا عَبْد اللَّه , قَالَ : ثني مُعَاوِيَة , عَنْ عَلِيّ , عَنِ ابْن عَبَّاس , قَالَ : ثُمَّ قَالَ : { رِجَال لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَة وَلَا بَيْع عَنْ ذِكْر اللَّه } يَقُول : عَنْ الصَّلَاة الْمَكْتُوبَة .

وَإِقَامِ الصَّلَاةِ

قَوْله : { وَإِقَام الصَّلَاة } يَقُول : وَلَا يَشْغَلهُمْ ذَلِكَ أَيْضًا عَنْ إِقَام الصَّلَاة بِحُدُودِهَا فِي أَوْقَاتهَا . وَبِنَحْوِ قَوْلنَا فِي ذَلِكَ قَالَ : أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 19811 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن بَشَّار , قَالَ : ثنا مُحَمَّد , قَالَ : ثنا عَوْف , عَنْ سَعِيد بْن أَبِي الْحَسَن , عَنْ رَجُل نَسِيَ عَوْف اسْمه فِي : { إِقَام الصَّلَاة } قَالَ : يَقُومُونَ لِلصَّلَاةِ عِنْد مَوَاقِيت الصَّلَاة . فَإِنْ قَالَ قَائِل : أَوَلَيْسَ قَوْله : { إِقَام الصَّلَاة } مَصْدَرًا مِنْ قَوْله أَقَمْت ؟ قِيلَ : بَلَى . فَإِنْ قَالَ : أَوَلَيْسَ الْمَصْدَر مِنْهُ إِقَامَة , كَالْمَصْدَرِ مِنْ آجَرْت إِجَارَة ؟ قِيلَ : بَلَى . فَإِنْ قَالَ : وَكَيْفَ قَالَ : { إِقَام الصَّلَاة } أَوَتُجِيزُ أَنْ نَقُول : أَقَمْت إِقَامًا ؟ قِيلَ : وَلَكِنِّي أُجِيز أَعْجَبَنِي إِقَام الصَّلَاة . فَإِنْ قِيلَ : وَمَا وَجْه جَوَاز ذَلِكَ ؟ قِيلَ : إِنَّ الْحُكْم فِي أَقَمْت إِذَا جُعِلَ مِنْهُ مَصْدَر أَنْ يُقَال إِقْوَامًا , كَمَا يُقَال : أَقْعَدْت فُلَانًا إِقْعَادًا وَأَعْطَيْته إِعْطَاء ; وَلَكِنَّ الْعَرَب لَمَّا سَكَّنَتِ الْوَاو مِنْ " أَقَمْت " فَسَقَطَتْ لِاجْتِمَاعِهَا وَهِيَ سَاكِنَة وَالْمِيم وَهِيَ سَاكِنَة , بَنَوْا الْمَصْدَر عَلَى ذَلِكَ ; إِذْ جَاءَتِ الْوَاو سَاكِنَة قَبْل أَلِف الْإِفْعَال وَهِيَ سَاكِنَة , فَسَقَطَتِ الْأُولَى مِنْهُمَا , فَأَبْدَلُوا مِنْهَا هَاء فِي آخِر الْحَرْف , كَالتَّكْثِيرِ لِلْحَرْفِ , كَمَا فَعَلُوا ذَلِكَ فِي قَوْلهمْ : وَعَدْته عِدَة , وَوَزَنْته زِنَة ; إِذْ ذَهَبَتِ الْوَاو مِنْ أَوَّله , كَثَّرُوهُ مِنْ آخِره بِالْهَاءِ ; فَلَمَّا أُضِيفَتْ الْإِقَامَة إِلَى الصَّلَاة , حَذَفُوا الزِّيَادَة الَّتِي كَانُوا زَادُوهَا لِلتَّكْثِيرِ , وَهِيَ الْهَاء فِي آخِرهَا ; لِأَنَّ الْخَافِض وَمَا خَفَضَ عِنْدهمْ كَالْحَرْفِ الْوَاحِد , فَاسْتَغْنَوْا بِالْمُضَافِ إِلَيْهِ مِنَ الْحَرْف الزَّائِد . وَقَدْ قَالَ بَعْضهمْ فِي نَظِير ذَلِكَ : إِنَّ الْخَلِيط أَجَدُّوا الْبَيْن فَانْجَرَدُوا وَأَخْلَفُوك عِد الْأَمْر الَّذِي وَعَدُوا يُرِيد : عِدَة الْأَمْر . فَأَسْقَطَ الْهَاء مِنَ الْعِدَة لَمَّا أَضَافَهَا , فَكَذَلِكَ ذَلِكَ فِي إِقَام الصَّلَاة .

وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ

وَقَوْله : { وَإِيتَاء الزَّكَاة } قِيلَ : مَعْنَاهُ وَإِخْلَاص الطَّاعَة لِلَّهِ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 19812 - حَدَّثَنِي عَلِيّ , قَالَ : ثنا عَبْد اللَّه , قَالَ : ثني مُعَاوِيَة , عَنْ عَلِيّ , عَنِ ابْن عَبَّاس , قَوْله : { وَأَقِيمُوا الصَّلَاة وَآتُوا الزَّكَاة } 2 43 . { وَكَانَ يَأْمُر أَهْله بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاة } 19 55 . وَقَوْله : { وَأَوْصَانِي بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاة } 19 31 . وَقَوْله : { وَلَوْلَا فَضْل اللَّه عَلَيْكُمْ وَرَحْمَته مَا زَكَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَد أَبَدًا } 24 21 . وَقَوْله : { وَحَنَانًا مِنْ لَدُنَّا وَزَكَاة } 19 13 . وَنَحْو هَذَا فِي الْقُرْآن , قَالَ : يَعْنِي بِالزَّكَاةِ : طَاعَة اللَّه وَالْإِخْلَاص .

يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ

وَقَوْله : { يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّب فِيهِ الْقُلُوب وَالْأَبْصَار } يَقُول : يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّب فِيهِ الْقُلُوب مِنْ هَوْله , بَيْن طَمَع بِالنَّجَاةِ وَحَذَر بِالْهَلَاكِ . { وَالْأَبْصَار } أَيّ نَاحِيَة يُؤْخَذ بِهِمْ : أَذَات الْيَمِين أَمْ ذَات الشِّمَال ؟ وَمِنْ أَيْنَ يُؤْتَوْنَ كُتُبهمْ : أَمِنْ قِبَل الْأَيْمَان أَوْ مِنْ قِبَل الشَّمَائِل ؟ وَذَلِكَ يَوْم الْقِيَامَة . كَمَا : 19813 - حَدَّثَنَا يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْن وَهْب , قَالَ : قَالَ عَبْد اللَّه بْن عَيَّاش , قَالَ : زَيْد بْن أَسْلَمَ , فِي قَوْل اللَّه : { فِي بُيُوت أَذِنَ اللَّه أَنْ تُرْفَع } ... إِلَى قَوْله : { تَتَقَلَّب فِيهِ الْقُلُوب وَالْأَبْصَار } يَوْم الْقِيَامَة .

القرطبي
ــــــــــــــ

رِجَالٌ

وَخَصَّهُمْ بِالذِّكْرِ دَلَّ عَلَى أَنَّ النِّسَاء لَا حَظّ لَهُنَّ فِي الْمَسَاجِد ; إِذْ لَا جُمْعَة عَلَيْهِنَّ وَلَا جَمَاعَة , وَأَنَّ صَلَاتهنَّ فِي بُيُوتهنَّ أَفْضَل . رَوَى أَبُو دَاوُد عَنْ عَبْد اللَّه رَضِيَ اللَّه عَنْهُ عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( صَلَاة الْمَرْأَة فِي بَيْتهَا أَفْضَل مِنْ صَلَاتهَا فِي حُجْرَتهَا وَصَلَاتهَا فِي مَخْدَعهَا أَفْضَل مِنْ صَلَاتهَا فِي بَيْتهَا ).

لَا تُلْهِيهِمْ

أَيْ لَا تَشْغَلهُمْ .

تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ

خَصَّ التِّجَارَة بِالذِّكْرِ لِأَنَّهَا أَعْظَم مَا يَشْتَغِل بِهَا الْإِنْسَان عَنْ الصَّلَاة . فَإِنْ قِيلَ : فَلِمَ كُرِّرَ ذِكْر الْبَيْع وَالتِّجَارَة تَشْمَلهُ. قِيلَ لَهُ : أَرَادَ بِالتِّجَارَةِ الشِّرَاء لِقَوْلِهِ : " وَلَا بَيْع " . نَظِيره قَوْله تَعَالَى : " وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَة أَوْ لَهْوًا اِنْفَضُّوا إِلَيْهَا " [ الْجُمْعَة : 11 ] قَالَهُ الْوَاقِدِيّ. وَقَالَ الْكَلْبِيّ : التُّجَّار هُمْ الْجُلَّاب الْمُسَافِرُونَ , وَالْبَاعَة هُمْ الْمُقِيمُونَ . " عَنْ ذِكْر اللَّه " اُخْتُلِفَ فِي تَأْوِيله ; فَقَالَ عَطَاء : يَعْنِي حُضُور الصَّلَاة ; وَقَالَهُ اِبْن عَبَّاس , وَقَالَ : الْمَكْتُوبَة. وَقِيلَ عَنْ الْأَذَان ; ذَكَرَهُ يَحْيَى بْن سَلَّام . وَقِيلَ : عَنْ ذِكْره بِأَسْمَائِهِ الْحُسْنَى ; أَيْ يُوَحِّدُونَهُ وَيُمَجِّدُونَهُ . وَالْآيَة نَزَلَتْ فِي أَهْل الْأَسْوَاق ; قَالَهُ اِبْن عُمَر. قَالَ سَالِم : جَازَ عَبْد اللَّه بْن عُمَر بِالسُّوقِ وَقَدْ أَغْلَقُوا حَوَانِيتهمْ وَقَامُوا لِيُصَلُّوا فِي جَمَاعَة فَقَالَ : فِيهِمْ نَزَلَتْ : " رِجَال لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَة وَلَا بَيْع " الْآيَة . وَقَالَ أَبُو هُرَيْرَة عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : هُمْ الَّذِينَ يَضْرِبُونَ فِي الْأَرْض يَبْتَغُونَ مِنْ فَضْل اللَّه. وَقِيلَ : إِنَّ رَجُلَيْنِ كَانَا فِي عَهْد النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , أَحَدهمَا بَيَّاعًا فَإِذَا سَمِعَ النِّدَاء بِالصَّلَاةِ فَإِنْ كَانَ الْمِيزَان بِيَدِهِ طَرَحَهُ وَلَا يَضَعهُ وَضْعًا , وَإِنْ كَانَ بِالْأَرْضِ لَمْ يَرْفَعهُ . وَكَانَ الْآخَر قَيْنًا يَعْمَل السُّيُوف لِلتِّجَارَةِ , فَكَانَ إِذَا كَانَتْ مِطْرَقَته عَلَى السِّنْدَان أَبْقَاهَا مَوْضُوعَة , وَإِنْ كَانَ قَدْ رَفَعَهَا أَلْقَاهَا مِنْ وَرَاء ظَهْره إِذَا سَمِعَ الْأَذَان ; فَأَنْزَلَ اللَّه تَعَالَى هَذَا ثَنَاء عَلَيْهِمَا وَعَلَى كُلّ مَنْ اِقْتَدَى بِهِمَا .

وَإِقَامِ الصَّلَاةِ

هَذَا يَدُلّ عَلَى أَنَّ الْمُرَاد بِقَوْلِهِ " عَنْ ذِكْر اللَّه " غَيْر الصَّلَاة ; لِأَنَّهُ يَكُون تَكْرَارًا . يُقَال : أَقَامَ الصَّلَاة إِقَامَة , وَالْأَصْل إِقْوَامًا فَقُلِبَتْ حَرَكَة الْوَاو عَلَى الْقَاف فَانْقَلَبَتْ الْوَاو أَلِفًا وَبَعْدهَا أَلِف سَاكِنَة فَحُذِفَتْ إِحْدَاهُمَا , وَأُثْبِتَتْ الْهَاء لِئَلَّا تَحْذِفهَا فَتُجْحِف , فَلَمَّا أُضِيفَتْ قَامَ الْمُضَاف مَقَام الْهَاء فَجَازَ حَذْفهَا , وَإِنْ لَمْ تُضَفْ لَمْ يَجُزْ حَذْفهَا ; أَلَا تَرَى أَنَّك تَقُول : وَعَدَ عِدَة , وَوَزَنَ زِنَة , فَلَا يَجُوز حَذْف الْهَاء , لِأَنَّك قَدْ حَذَفْت وَاوًا ; لِأَنَّ الْأَصْل وَعَدَ وِعْدَة , وَوَزَنَ وِزْنَة , فَإِنْ أَضَفْت حُذِفَتْ الْهَاء , وَأَنْشَدَ الْفَرَّاء : إِنَّ الْخَلِيط أَجَدُّوا الْبَيْن فَانْجَرَدُوا وَأَخْلَفُوك عِدَ الْأَمْر الَّذِي وَعَدُوا يُرِيد عِدَة , فَحَذَفَ الْهَاء لَمَّا أَضَافَ . وَرُوِيَ مِنْ حَدِيث أَنَس قَالَ قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( يَأْتِي اللَّه يَوْم الْقِيَامَة بِمَسَاجِدِ الدُّنْيَا كَأَنَّهَا نُجُب بِيض قَوَائِمهَا مِنْ الْعَنْبَر وَأَعْنَاقهَا مِنْ الزَّعْفَرَان وَرُءُوسهَا مِنْ الْمِسْك وَأَزِمَّتهَا مِنْ الزَّبَرْجَد الْأَخْضَر وَقِوَامهَا وَالْمُؤَذِّنُونَ فِيهَا يَقُودُونَهَا وَأَئِمَّتهَا يَسُوقُونَهَا وَعُمَّارهَا مُتَعَلِّقُونَ بِهَا فَتَجُوز عَرَصَات الْقِيَامَة كَالْبَرْقِ الْخَاطِف فَيَقُول أَهْل الْمَوْقِف هَؤُلَاءِ مَلَائِكَة مُقَرَّبُونَ أَوْ أَنْبِيَاء مُرْسَلُونَ فَيُنَادَى مَا هَؤُلَاءِ بِمَلَائِكَةٍ وَلَا أَنْبِيَاء وَلَكِنَّهُمْ أَهْل الْمَسَاجِد وَالْمُحَافِظُونَ عَلَى الصَّلَوَات مِنْ أُمَّة مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ) . وَعَنْ عَلِيّ رَضِيَ اللَّه عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ : ( يَأْتِي عَلَى النَّاس زَمَان لَا يَبْقَى مِنْ الْإِسْلَام إِلَّا اِسْمه , وَلَا مِنْ الْقُرْآن إِلَّا رَسْمه , يُعَمِّرُونَ مَسَاجِدهمْ وَهِيَ مِنْ ذِكْر اللَّه خَرَاب , شَرّ أَهْل ذَلِكَ الزَّمَن عُلَمَاؤُهُمْ , مِنْهُمْ تَخْرُج الْفِتْنَة وَإِلَيْهِمْ تَعُود ) يَعْنِي أَنَّهُمْ يَعْلَمُونَ وَلَا يَعْمَلُونَ بِوَاجِبَاتِ مَا عَلِمُوا .

وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ

قِيلَ : الزَّكَاة الْمَفْرُوضَة ; قَالَهُ الْحَسَن . وَقَالَ اِبْن عَبَّاس : الزَّكَاة هُنَا طَاعَة اللَّه تَعَالَى وَالْإِخْلَاص ; إِذْ لَيْسَ لِكُلِّ مُؤْمِن مَال .

يَخَافُونَ يَوْمًا

يَعْنِي يَوْم الْقِيَامَة .

تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ

يَعْنِي مِنْ هَوْله وَحَذَر الْهَلَاك . وَالتَّقَلُّب التَّحَوُّل , وَالْمُرَاد قُلُوب الْكُفَّار وَأَبْصَارهمْ . فَتَقَلُّب الْقُلُوب اِنْتِزَاعهَا مِنْ أَمَاكِنهَا إِلَى الْحَنَاجِر , فَلَا هِيَ تَرْجِع إِلَى أَمَاكِنهَا وَلَا هِيَ تَخْرُج . وَأَمَّا تَقَلُّب الْأَبْصَار فَالزَّرَق بَعْد الْكَحَل وَالْعَمَى بَعْد الْبَصَر . وَقِيلَ : تَتَقَلَّب الْقُلُوب بَيْن الطَّمَع فِي النَّجَاة وَالْخَوْف مِنْ الْهَلَاك , وَالْأَبْصَار تَنْظُر مِنْ أَيّ نَاحِيَة يُعْطَوْنَ كُتُبهمْ , وَإِلَى أَيّ نَاحِيَة يُؤْخَذ بِهِمْ . وَقِيلَ : إِنَّ قُلُوب الشَّاكِّينَ تَتَحَوَّل عَمَّا كَانَتْ عَلَيْهِ مِنْ الشَّكّ , وَكَذَلِكَ أَبْصَارهمْ لِرُؤْيَتِهِمْ الْيَقِين ; وَذَلِكَ مِثْل قَوْله تَعَالَى : " فَكَشَفْنَا عَنْك غِطَاءَك فَبَصَرك الْيَوْم حَدِيد " [ ق : 22 ] فَمَا كَانَ يَرَاهُ فِي الدُّنْيَا غَيًّا يَرَاهُ رَشَدًا ; إِلَّا أَنَّ ذَلِكَ لَا يَنْفَعهُمْ فِي الْآخِرَة . وَقِيلَ : تُقَلَّب عَلَى جَمْر جَهَنَّم , كَقَوْلِهِ تَعَالَى : " يَوْم تُقَلَّب وُجُوههمْ فِي النَّار " [ الْأَحْزَاب : 66 ] , " وَنُقَلِّب أَفْئِدَتهمْ وَأَبْصَارهمْ " [ الْأَنْعَام : 110 ] . فِي قَوْل مَنْ جَعَلَ الْمَعْنَى تَقَلُّبهَا عَلَى لَهَب النَّار. وَقِيلَ : تُقَلَّب بِأَنْ تَلْفَحهَا النَّار مَرَّة وَتُنْضِجهَا مَرَّة . وَقِيلَ إِنَّ تَقَلُّب الْقُلُوب وَجَيْبهَا , وَتَقَلُّب الْأَبْصَار النَّظَر بِهَا إِلَى نَوَاحِي الْأَهْوَال .





[/align]
[/cell][/table][/center]

_________________
إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً }الأحزاب33

صورة


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة:
مشاركة غير مقروءةمرسل: الجمعة نوفمبر 10, 2006 1:32 pm 
غير متصل

اشترك في: السبت فبراير 21, 2004 4:33 am
مشاركات: 10727
[font=Traditional Arabic]قال تعالى :

" أُولَئِكَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ مِنْ ذُرِّيَّةِ آدَمَ وَمِمَّنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ وَمِنْ ذُرِّيَّةِ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْرَائِيلَ وَمِمَّنْ هَدَيْنَا وَاجْتَبَيْنَا إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُ الرَّحْمَنِ خَرُّوا سُجَّدًا وَبُكِيًّا "

مريم 58

الجلالين
ـــــــــــــ

"أُولَئِكَ" مُبْتَدَأ "الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّه عَلَيْهِمْ" صِفَة لَهُ "مِنْ النَّبِيِّينَ" بَيَان لَهُ وَهُوَ فِي مَعْنَى الصِّفَة وَمَا بَعْده إلَى جُمْلَة الشَّرْط صِفَة لِلنَّبِيِّينَ فَقَوْله "مِنْ ذُرِّيَّة آدَم" أَيْ إدْرِيس "وَمِمَّنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوح" فِي السَّفِينَة أَيْ إبْرَاهِيم ابْن ابْنه سَام "وَمِنْ ذُرِّيَّة إبْرَاهِيم" أَيْ إسْمَاعِيل وَإِسْحَاق وَيَعْقُوب "و" مِنْ ذُرِّيَّة "إسْرَائِيل" هُوَ يَعْقُوب أَيْ مُوسَى وَهَارُون وَزَكَرِيَّا وَيَحْيَى وَعِيسَى "وَمِمَّنْ هَدَيْنَا وَاجْتَبَيْنَا" أَيْ مِنْ جُمْلَتهمْ وَخَيْر أُولَئِكَ "إذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَات الرَّحْمَن خَرُّوا سُجَّدًا وَبُكِيًّا" جَمْع سَاجِد وَبَاكٍ أَيْ فَكُونُوا مِثْلهمْ وَأَصْل بَكِيّ بُكُوي قُلِبَتْ الْوَاو يَاء وَالضَّمَّة كَسْرَة

الطبري
ـــــــــ
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { أُولَئِكَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّه عَلَيْهِمْ مِنْ النَّبِيِّينَ مِنْ ذُرِّيَّة آدَم وَمِمَّنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوح وَمِنْ ذُرِّيَّة إِبْرَاهِيم وَإِسْرَائِيل وَمِمَّنْ هَدَيْنَا وَاجْتَبَيْنَا } يَقُول تَعَالَى ذِكْره لِنَبِيِّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : هَؤُلَاءِ الَّذِينَ اِقْتَصَصْت عَلَيْك أَنْبَاءَهُمْ فِي هَذِهِ السُّورَة يَا مُحَمَّد , الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّه عَلَيْهِمْ بِتَوْفِيقِهِ , فَهَدَاهُمْ لِطَرِيقِ الرَّشَد مِنْ الْأَنْبِيَاء مِنْ ذُرِّيَّة آدَم , وَمِنْ ذُرِّيَّة مَنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوح فِي الْفُلْك , وَمِنْ ذُرِّيَّة إِبْرَاهِيم خَلِيل الرَّحْمَن , وَمِنْ ذُرِّيَّة إِسْرَائِيل , وَمِمَّنْ هَدَيْنَا لِلْإِيمَانِ بِاَللَّهِ وَالْعَمَل بِطَاعَتِهِ وَاجْتَبَيْنَا : يَقُول : وَمِمَّنْ اِصْطَفَيْنَا وَاخْتَرْنَا لِرِسَالَتِنَا وَوَحْينَا , فَاَلَّذِي عَنَى بِهِ مِنْ ذُرِّيَّة آدَم إِدْرِيس , وَاَلَّذِي عَنَى بِهِ مِنْ ذُرِّيَّة مَنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوح إِبْرَاهِيم , وَاَلَّذِي عَنَى بِهِ مِنْ ذُرِّيَّة إِبْرَاهِيم إِسْحَاق وَيَعْقُوب وَإِسْمَاعِيل , وَاَلَّذِي عَنَى بِهِ مِنْ ذُرِّيَّة إِسْرَائِيل : مُوسَى وَهَارُون وَزَكَرِيَّا وَعِيسَى وَأُمّه مَرْيَم , وَلِذَلِكَ فَرَّقَ تَعَالَى ذِكْره أَنْسَابهمْ وَإِنْ كَانَ يَجْمَع جَمِيعهمْ آدَم لِأَنَّ فِيهِمْ مَنْ لَيْسَ مِنْ وَلَد مَنْ كَانَ مَعَ نُوح فِي السَّفِينَة , وَهُوَ إِدْرِيس , وَإِدْرِيس جَدّ نُوح .

إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُ الرَّحْمَنِ خَرُّوا سُجَّدًا وَبُكِيًّا

وَقَوْله تَعَالَى ذِكْره : { إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَات الرَّحْمَن } يَقُول : إِذَا تُتْلَى عَلَى هَؤُلَاءِ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّه عَلَيْهِمْ مِنْ النَّبِيِّينَ أَدِلَّة اللَّه وَحُجَجه الَّتِي أَنْزَلَهَا عَلَيْهِمْ فِي كُتُبه , خَرُّوا لِلَّهِ سُجَّدًا , اِسْتِكَانَة لَهُ وَتَذَلُّلًا وَخُضُوعًا لِأَمْرِهِ وَانْقِيَادًا , { وَبُكِيًّا } يَقُول : خَرُّوا سُجَّدًا وَهُمْ بَاكُونَ , وَالْبُكِيّ : جَمْع بَاكٍ , كَمَا الْعُتِيّ جَمْع عَاتٍ وَالْجُثِيّ : جَمْع جَاثٍ , فَجُمِعَ وَهُوَ فَاعِل عَلَى فُعُول , كَمَا يُجْمَع الْقَاعِد قُعُودًا , وَالْجَالِس جُلُوسًا , وَكَانَ الْقِيَاس أَنْ يَكُون : وَبُكُوًّا وَعُتُوًّا , وَلَكِنْ كُرِهَتْ الْوَاو بَعْد الضَّمَّة فَقُلِبَتْ يَاء , كَمَا قِيلَ فِي جَمْع دَلْو أَدُلٌّ . وَفِي جَمْع الْبَهْو أَبُّهٌ , وَأَصْل ذَلِكَ أَفْعُل أَدْلُو وَأَبْهُو , فَقُلِبَتْ الْوَاو يَاء لِمَجِيئِهَا بَعْد الضَّمَّة اِسْتِثْقَالًا , وَفِي ذَلِكَ لُغَتَانِ مُسْتَفِيضَتَانِ , قَدْ قَرَأَ بِكُلِّ وَاحِدَة عُلَمَاء مِنْ الْقُرَّاء بِالْقُرْآنِ بُكِيًّا وَعُتُوًّا بِالضَّمِّ , وَبِكِيًّا وَعِتِيًّا بِالْكَسْرِ . وَقَدْ يَجُوز أَنْ يَكُون الْبُكِيّ هُوَ الْبَكَّاء بِعَيْنِهِ . وَقَدْ : 17925 - حَدَّثَنَا اِبْن بَشَّار , قَالَ : ثنا عَبْد الرَّحْمَن , قَالَ : ثنا سُفْيَان , عَنْ الْأَعْمَش , عَنْ إِبْرَاهِيم , قَالَ : قَرَأَ عُمَر بْن الْخَطَّاب سُورَة مَرْيَم فَسَجَدَ وَقَالَ : هَذَا السُّجُود , فَأَيْنَ الْبُكِيّ ؟ يُرِيد : فَأَيْنَ الْبُكَّاء .




القرطبي
ــــــــــ

أُولَئِكَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ مِنْ ذُرِّيَّةِ آدَمَ

يُرِيد إِدْرِيس وَحْده .

وَمِمَّنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ

يُرِيد إِبْرَاهِيم وَحْده

وَمِنْ ذُرِّيَّةِ إِبْرَاهِيمَ

يُرِيد إِسْمَاعِيل وَإِسْحَاق وَيَعْقُوب .

وَإِسْرَائِيلَ

مِنْ ذُرِّيَّة مُوسَى وَهَارُون وَزَكَرِيَّا وَيَحْيَى وَعِيسَى فَكَانَ لِإِدْرِيس وَنُوح شَرَف الْقُرْب مِنْ آدَم , وَلِإِبْرَاهِيم شَرَف الْقُرْب مِنْ نُوح وَلِإِسْمَاعِيل وَإِسْحَاق وَيَعْقُوب شَرَف الْقُرْب مِنْ إِبْرَاهِيم .

وَمِمَّنْ هَدَيْنَا

أَيْ إِلَى الْإِسْلَام .

وَاجْتَبَيْنَا

بِالْإِيمَانِ .

إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُ الرَّحْمَنِ

وَقَرَأَ شِبْل بْن عَبَّاد الْمَكِّيّ " يُتْلَى " بِالتَّذْكِيرِ لِأَنَّ التَّأْنِيث غَيْر حَقِيقِيّ مَعَ وُجُود الْفَاصِل .

خَرُّوا سُجَّدًا وَبُكِيًّا

وَصَفَهُمْ بِالْخُشُوعِ لِلَّهِ وَالْبُكَاء . وَقَدْ مَضَى فِي " سُبْحَان " [ الْإِسْرَاء : 1 ] . يُقَال بَكَى يَبْكِي بُكَاء وَبَكَى بُكِيًّا , إِلَّا أَنَّ الْخَلِيل قَالَ : إِذَا قَصَرْت الْبُكَاء فَهُوَ مِثْل الْحُزْن ; أَيْ لَيْسَ مَعَهُ صَوْت كَمَا قَالَ الشَّاعِر : بَكَتْ عَيْنِي وَحُقَّ لَهَا بُكَاهَا وَمَا يُغْنِي الْبُكَاء وَلَا الْعَوِيل " وَسُجَّدًا " نُصِبَ عَلَى الْحَال " وَبُكِيًّا " عَطْف عَلَيْهِ .

فِي هَذِهِ الْآيَة دَلَالَة عَلَى أَنَّ لِآيَاتِ الرَّحْمَن تَأْثِيرًا فِي الْقُلُوب . قَالَ الْحَسَن ( إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَات الرَّحْمَن خَرُّوا سُجَّدًا وَبُكِيًّا ) فِي الصَّلَاة . وَقَالَ الْأَصَمّ : الْمُرَاد بِآيَات الرَّحْمَن الْكُتُب الْمُتَضَمِّنَة لِتَوْحِيدِهِ وَحُجَجه , وَأَنَّهُمْ كَانُوا يَسْجُدُونَ عِنْد تِلَاوَتهَا , وَيَبْكُونَ عِنْد ذِكْرهَا . وَالْمَرْوِيّ عَنْ اِبْن عَبَّاس أَنَّ الْمُرَاد بِهِ الْقُرْآن خَاصَّة , وَأَنَّهُمْ كَانُوا يَسْجُدُونَ وَيَبْكُونَ عِنْد تِلَاوَته ; قَالَ إِلْكِيَا : وَفِي هَذَا دَلَالَة مِنْ قَوْله عَلَى أَنَّ الْقُرْآن هُوَ الَّذِي كَانَ يُتْلَى عَلَى جَمِيع الْأَنْبِيَاء , وَلَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَمَا كَانَ الرَّسُول عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام مُخْتَصًّا بِإِنْزَالِهِ إِلَيْهِ . اِحْتَجَّ أَبُو بَكْر الرَّازِيّ بِهَذِهِ الْآيَة عَلَى وُجُوب سُجُود الْقُرْآن عَلَى الْمُسْتَمِع وَالْقَارِئ . قَالَ إِلْكِيَا : وَهَذَا بَعِيد فَإِنَّ هَذَا الْوَصْف شَامِل لِكُلِّ آيَات اللَّه تَعَالَى . وَضَمَّ السُّجُود إِلَى الْبُكَاء , وَأَبَانَ بِهِ عَنْ طَرِيقَة الْأَنْبِيَاء الصَّلَاة وَالسَّلَام فِي تَعْظِيمهمْ لِلَّهِ تَعَالَى وَآيَاته , وَلَيْسَ فِيهِ دَلَالَة عَلَى وُجُوب ذَلِكَ عِنْد آيَة مَخْصُوصَة . قَالَ الْعُلَمَاء : يَنْبَغِي لِمَنْ قَرَأَ سَجْدَة أَنْ يَدْعُو فِيهَا بِمَا يَلِيق بِآيَاتِهَا , فَإِنْ قَرَأَ سُورَة السَّجْدَة " أَلَمْ تَنْزِيل " قَالَ : اللَّهُمَّ اِجْعَلْنِي مِنْ السَّاجِدِينَ لِوَجْهِك , الْمُسَبِّحِينَ بِحَمْدِك , وَأَعُوذ بِك أَنْ أَكُون مِنْ الْمُسْتَكْبِرِينَ عَنْ أَمْرك . وَإِنْ قَرَأَ سَجْدَة " سُبْحَان " قَالَ : اللَّهُمَّ اِجْعَلْنِي مِنْ الْبَاكِينَ إِلَيْك , الْخَاشِعِينَ لَك . وَإِنْ قَرَأَ هَذِهِ قَالَ : اللَّهُمَّ اِجْعَلْنِي مِنْ عِبَادك الْمُنْعَم عَلَيْهِمْ , الْمَهْدِيِّينَ السَّاجِدِينَ لَك , الْبَاكِينَ عِنْد تِلَاوَة آيَاتك
.

[/font]

_________________
إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً }الأحزاب33

صورة


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة:
مشاركة غير مقروءةمرسل: الأحد نوفمبر 12, 2006 11:31 am 
غير متصل

اشترك في: السبت فبراير 21, 2004 4:33 am
مشاركات: 10727
[font=Traditional Arabic]قال تعالى:

يَوْمَ نَدْعُوا كُلَّ أُنَاسٍ بِإِمَامِهِمْ فَمَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَأُولَئِكَ يَقْرَءُونَ كِتَابَهُمْ وَلَا يُظْلَمُونَ فَتِيلًا

الإسراء

الجلالين
ــــ

"بِإِمَامِهِمْ" نَبِيّهمْ فَيُقَال يَا أُمَّة فُلَان أَوْ بِكِتَابِ أَعْمَالهمْ فَيُقَال يَا صَاحِب الشَّرّ وَهُوَ يَوْم الْقِيَامَة "فَمَنْ أُوتِيَ" مِنْهُمْ "كِتَابه بِيَمِينِهِ" وَهُمْ السُّعَدَاء أُولُو الْبَصَائِر فِي الدُّنْيَا "يُظْلَمُونَ" يُنْقَصُونَ مِنْ أَعْمَالهمْ "فَتِيلًا" قَدْر قِشْرَة النَّوَاة


الطبري
ـــــــ
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { يَوْم نَدْعُوا كُلّ أُنَاس بِإِمَامِهِمْ فَمَنْ أُوتِيَ كِتَابه بِيَمِينِهِ فَأُولَئِكَ يَقْرَءُونَ كِتَابهمْ وَلَا يُظْلَمُونَ فَتِيلًا } اِخْتَلَفَتْ أَهْل التَّأْوِيل فِي مَعْنَى الْإِمَام الَّذِي ذَكَرَ اللَّه جَلَّ ثَنَاؤُهُ أَنَّهُ يَدْعُو كُلّ أُنَاس بِهِ , فَقَالَ بَعْضهمْ : هُوَ نَبِيّه , وَمَنْ كَانَ يَقْتَدِي بِهِ فِي الدُّنْيَا وَيَأْتَمّ بِهِ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 16988 - حَدَّثَنِي يَحْيَى بْن طَلْحَة الْيَرْبُوعِيّ , قَالَ : ثنا فُضَيْل , عَنْ لَيْث , عَنْ مُجَاهِد { يَوْم نَدْعُو كُلّ أُنَاس بِإِمَامِهِمْ } قَالَ : نَبِيّهمْ . * - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا حَكَّام , عَنْ عَنْبَسَة , عَنْ مُحَمَّد بْن عَبْد الرَّحْمَن , عَنْ الْقَاسِم بْن أَبِي بَزَّة , عَنْ مُجَاهِد { يَوْم نَدْعُوا كُلّ أُنَاس بِإِمَامِهِمْ } قَالَ : نَبِيّهمْ . * - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد : { بِإِمَامِهِمْ } قَالَ : نَبِيّهمْ . * - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج , عَنْ مُجَاهِد مِثْله . 16989 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد , قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن ثَوْر , عَنْ مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة { كُلّ أُنَاس بِإِمَامِهِمْ } قَالَ : نَبِيّهمْ . * - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَا : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , مِثْله . وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ مَعْنَى ذَلِكَ أَنَّهُ يَدْعُوهُمْ بِكَتْبِ أَعْمَالهمْ الَّتِي عَمِلُوهَا فِي الدُّنْيَا . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 16990 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سَعْد , قَالَ : ثني أَبِي , قَالَ : ثني عَمِّي , قَالَ : ثني أَبِي , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ اِبْن عَبَّاس , فِي قَوْله : { يَوْم نَدْعُوا كُلّ أُنَاس بِإِمَامِهِمْ } قَالَ : الْإِمَام : مَا عَمِلَ وَأَمْلَى , فَكَتَبَ عَلَيْهِ , فَمَنْ بُعِثَ مُتَّقِيًا لِلَّهِ حَمَلَ كِتَابه بِيَمِينِهِ , فَقَرَأَهُ وَاسْتَبْشَرَ , وَلَمْ يُظْلَم فَتِيلًا , وَهُوَ مِثْل قَوْله : { وَإِنَّهُمَا لَبِإِمَامٍ مُبِين } 15 79 وَالْإِمَام : مَا أَمْلَى وَعَمِلَ . 16991 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , عَنْ الْحَسَن { يَوْم نَدْعُوا كُلّ أُنَاس بِإِمَامِهِمْ } قَالَ : بِأَعْمَالِهِمْ . * - حَدَّثَنَا مُحَمَّد , قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن ثَوْر , عَنْ مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة , قَالَ : قَالَ الْحَسَن : بِكِتَابِهِمْ الَّذِي فِيهِ أَعْمَالهمْ . 16992 - حُدِّثْت عَنْ الْحُسَيْن , قَالَ : سَمِعْت أَبَا مُعَاذ يَقُول : ثنا عُبَيْد , قَالَ : سَمِعْت الضَّحَّاك يَقُول فِي قَوْله { يَوْم نَدْعُوا كُلّ أُنَاس بِإِمَامِهِمْ } يَقُول : بِكِتَابِهِمْ . 16993 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنْ أَبِي جَعْفَر , عَنْ الرَّبِيع , عَنْ أَبِي الْعَالِيَة , قَالَ : بِأَعْمَالِهِمْ . وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ مَعْنَاهُ : يَوْم نَدْعُو كُلّ أُنَاس بِكِتَابِهِمْ الَّذِي أَنْزَلْت عَلَيْهِمْ فِيهِ أَمْرِي وَنَهْيِي . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 16994 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : سَمِعْت يَحْيَى بْن زَيْد فِي قَوْل اللَّه عَزَّ وَجَلَّ { يَوْم نَدْعُو كُلّ أُنَاس بِإِمَامِهِمْ } قَالَ : بِكِتَابِهِمْ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْهِمْ فِيهِ أَمْر اللَّه وَنَهْيه وَفَرَائِضه , وَاَلَّذِي عَلَيْهِ يُحَاسَبُونَ , وَقَرَأَ : { لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَة وَمِنْهَاجًا } 5 48 قَالَ : الشِّرْعَة : الدِّين , وَالْمِنْهَاج : السُّنَّة , وَقَرَأَ : { شَرَعَ لَكُمْ مِنْ الدِّين مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا } 42 13 قَالَ : فَنُوح أَوَّلهمْ , وَأَنْتَ آخِرهمْ . 16995 - حَدَّثَنِي الْحَارِث , قَالَ : ثنا الْحَسَن , قَالَ : ثنا وَرْقَاء , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد { يَوْم نَدْعُوا كُلّ أُنَاس بِإِمَامِهِمْ } بِكِتَابِهِمْ . وَأَوْلَى هَذِهِ الْأَقْوَال عِنْدنَا بِالصَّوَابِ , قَوْل مَنْ قَالَ : مَعْنَى ذَلِكَ : يَوْم نَدْعُو كُلّ أُنَاس بِإِمَامِهِمْ الَّذِي كَانُوا يَقْتَدُونَ بِهِ , وَيَأْتَمُّونَ بِهِ فِي الدُّنْيَا , لِأَنَّ الْأَغْلَب مِنْ اِسْتِعْمَال الْعَرَب الْإِمَام فِيمَا اِئْتَمَّ وَاقْتَدَى بِهِ , وَتَوْجِيه مَعَانِي كَلَام اللَّه إِلَى الْأَشْهَر أَوْلَى مَا لَمْ تَثْبُت حُجَّة بِخِلَافِهِ يَجِب التَّسْلِيم لَهَا . وَقَوْله : { فَمَنْ أُوتِيَ كِتَابه بِيَمِينِهِ } يَقُول : فَمَنْ أُعْطِيَ كِتَاب عَمَله بِيَمِينِهِ { فَأُولَئِكَ يَقْرَءُونَ كِتَابهمْ } ذَلِكَ حَتَّى يَعْرِفُوا جَمِيع مَا فِيهِ { وَلَا يُظْلَمُونَ فَتِيلًا } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : وَلَا يَظْلِمهُمْ اللَّه مِنْ جَزَاء أَعْمَالهمْ فَتِيلًا , وَهُوَ الْمُنْفَتِل الَّذِي فِي شِقّ بَطْن النَّوَاة . وَقَدْ مَضَى الْبَيَان عَنْ الْفَتِيل بِمَا أَغْنَى عَنْ إِعَادَته فِي هَذَا الْمَوْضِع . 16996 - حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة , قَوْله { وَلَا يُظْلَمُونَ فَتِيلًا } قَالَ : الَّذِي فِي شِقّ النَّوَاة .



القرطبي
ـــــ

يَوْمَ نَدْعُوا كُلَّ أُنَاسٍ بِإِمَامِهِمْ

رَوَى التِّرْمِذِيّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَة عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي قَوْله تَعَالَى : " يَوْم نَدْعُو كُلّ أُنَاس بِإِمَامِهِمْ " قَالَ : ( يُدْعَى أَحَدهمْ فَيُعْطَى كِتَابه بِيَمِينِهِ , وَيَمُدّ لَهُ فِي جِسْمه سِتُّونَ ذِرَاعًا , وَيَبْيَضّ وَجْهه وَيُجْعَل عَلَى رَأْسه تَاج مِنْ لُؤْلُؤ يَتَلَأْلَأ فَيَنْطَلِق إِلَى أَصْحَابه فَيَرَوْنَهُ مِنْ بَعِيد فَيَقُولُونَ اللَّهُمَّ اِئْتِنَا بِهَذَا وَبَارِكْ لَنَا فِي هَذَا حَتَّى يَأْتِيهمْ فَيَقُول أَبْشِرُوا لِكُلِّ مِنْكُمْ مِثْل هَذَا - قَالَ - وَأَمَّا الْكَافِر فَيَسْوَدّ وَجْهه وَيُمَدّ لَهُ فِي جِسْمه سِتُّونَ ذِرَاعًا عَلَى صُورَة آدَم وَيُلْبَس تَاجًا فَيَرَاهُ أَصْحَابه فَيَقُولُونَ نَعُوذ بِاَللَّهِ مِنْ شَرّ هَذَا ! اللَّهُمَّ لَا تَأْتِنَا بِهَذَا . قَالَ : فَيَأْتِيهمْ فَيَقُولُونَ اللَّهُمَّ أَخِّرْهُ . فَيَقُول أَبْعَدَكُمْ اللَّه فَإِنَّ لِكُلِّ رَجُل مِنْكُمْ مِثْل هَذَا ) . قَالَ أَبُو عِيسَى : هَذَا حَدِيث حَسَن غَرِيب . وَنَظِير هَذَا قَوْله : " وَتَرَى كُلّ أُمَّة جَاثِيَة كُلّ أُمَّة تُدْعَى إِلَى كِتَابهَا الْيَوْم تُجْزَوْنَ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ " . وَالْكِتَاب يُسَمَّى إِمَامًا ; لِأَنَّهُ يُرْجَع إِلَيْهِ فِي تَعَرُّف أَعْمَالهمْ . وَقَالَ اِبْن عَبَّاس وَالْحَسَن وَقَتَادَة وَالضَّحَّاك : " بِإِمَامِهِمْ " أَيْ بِكِتَابِهِمْ , أَيْ بِكِتَابِ كُلّ إِنْسَان مِنْهُمْ الَّذِي فِيهِ عَمَله ; دَلِيله " فَمَنْ أُوتِيَ كِتَابه بِيَمِينِهِ " . وَقَالَ اِبْن زَيْد : بِالْكِتَابِ الْمُنَزَّل عَلَيْهِمْ . أَيْ يُدْعَى كُلّ إِنْسَان بِكِتَابِهِ الَّذِي كَانَ يَتْلُوهُ ; فَيُدْعَى أَهْل التَّوْرَاة بِالتَّوْرَاةِ , وَأَهْل الْقُرْآن بِالْقُرْآنِ ; فَيُقَال : يَا أْهَل الْقُرْآن , مَاذَا عَمِلْتُمْ , هَلْ اِمْتَثَلْتُمْ أَوَامِره هَلْ اِجْتَنَبْتُمْ نَوَاهِيه ! وَهَكَذَا . وَقَالَ مُجَاهِد : " بِإِمَامِهِمْ " بِنَبِيِّهِمْ , وَالْإِمَام مَنْ يُؤْتَمّ بِهِ . فَيُقَال : هَاتُوا مُتَّبِعِي إِبْرَاهِيم عَلَيْهِ السَّلَام , هَاتُوا مُتَّبِعِي مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام , هَاتُوا مُتَّبِعِي الشَّيْطَان , هَاتُوا مُتَّبِعِي الْأَصْنَام . فَيَقُوم أَهْل الْحَقّ فَيَأْخُذُونَ كِتَابهمْ بِأَيْمَانِهِمْ , وَيَقُوم أَهْل الْبَاطِل فَيَأْخُذُونَ كِتَابهمْ بِشِمَالِهِمْ . وَقَالَهُ قَتَادَة . وَقَالَ عَلِيّ رَضِيَ اللَّه عَنْهُ : بِإِمَامِ عَصْرهمْ . وَرَوَى عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي قَوْله : " يَوْم نَدْعُو كُلّ أُنَاس بِإِمَامِهِمْ " فَقَالَ : ( كُلّ يُدْعَى بِإِمَامِ زَمَانهمْ وَكِتَاب رَبّهمْ وَسُنَّة نَبِيّهمْ فَيَقُول هَاتُوا مُتَّبِعِي إِبْرَاهِيم هَاتُوا مُتَّبِعِي مُوسَى هَاتُوا مُتَّبِعِي عِيسَى هَاتُوا مُتَّبِعِي مُحَمَّد - عَلَيْهِمْ أَفْضَل الصَّلَوَات وَالسَّلَام - فَيَقُوم أَهْل الْحَقّ فَيَأْخُذُونَ كِتَابهمْ بِأَيْمَانِهِمْ , وَيَقُول : هَاتُوا مُتَّبِعِي الشَّيْطَان هَاتُوا مُتَّبِعِي رُؤَسَاء الضَّلَالَة إِمَام هُدًى وَإِمَام ضَلَالَة ) . وَقَالَ الْحَسَن وَأَبُو الْعَالِيَة : " بِإِمَامِهِمْ " أَيْ بِأَعْمَالِهِمْ . وَقَالَهُ اِبْن عَبَّاس . فَيُقَال : أَيْنَ الرَّاضُونَ بِالْمَقْدُورِ , أَيْنَ الصَّابِرُونَ عَنْ الْمَحْذُور . وَقِيلَ : بِمَذَاهِبِهِمْ ; فَيُدْعَوْنَ بِمَنْ كَانُوا يَأْتَمُّونَ بِهِ فِي الدُّنْيَا : يَا حَنَفِيّ , يَا شَافِعِيّ , يَا مُعْتَزِلِيّ , يَا قَدَرِيّ , وَنَحْوه ; فَيَتَّبِعُونَهُ فِي خَيْر أَوْ شَرّ أَوْ عَلَى حَقّ أَوْ بَاطِل , وَهَذَا مَعْنَى قَوْل أَبِي عُبَيْدَة . وَقَدْ تَقَدَّمَ . وَقَالَ أَبُو هُرَيْرَة : يُدْعَى أَهْل الصَّدَقَة مِنْ بَاب الصَّدَقَة , وَأَهْل الْجِهَاد مِنْ بَاب الْجِهَاد . .. , الْحَدِيث بِطُولِهِ . أَبُو سَهْل : يُقَال أَيْنَ فُلَان الْمُصَلِّي وَالصَّوَّام , وَعَكْسه الدَّفَّاف وَالنَّمَّام . وَقَالَ مُحَمَّد بْن كَعْب : " بِإِمَامِهِمْ " بِأُمَّهَاتِهِمْ . وَإِمَام جَمْع آمّ . قَالَتْ الْحُكَمَاء : وَفِي ذَلِكَ ثَلَاثَة أَوْجُه مِنْ الْحِكْمَة ; أَحَدهَا - لِأَجْلِ عِيسَى . وَالثَّانِي - إِظْهَار لِشَرَفِ الْحَسَن وَالْحُسَيْن . وَالثَّالِث - لِئَلَّا يُفْتَضَح أَوْلَاد الزِّنَا .

قُلْت : وَفِي هَذَا الْقَوْل نَظَر ; فَإِنَّ فِي الْحَدِيث الصَّحِيح عَنْ اِبْن عُمَر قَالَ قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( إِذَا جَمَعَ اللَّه الْأَوَّلِينَ وَالْآخِرِينَ يَوْم الْقِيَام يُرْفَع لِكُلِّ غَادِر لِوَاء فَيُقَال هَذِهِ غَدْرَة فُلَان بْن فُلَان ) خَرَّجَهُ مُسْلِم وَالْبُخَارِيّ . فَقَوْله : " هَذِهِ غَدْرَة فُلَان بْن فُلَان " دَلِيل عَلَى أَنَّ النَّاس يُدْعَوْنَ فِي الْآخِرَة بِأَسْمَائِهِمْ وَأَسْمَاء آبَائِهِمْ , وَهَذَا يَرُدّ عَلَى مَنْ قَالَ : إِنَّمَا يُدْعَوْنَ بِأَسْمَاءِ أُمَّهَاتهمْ لِأَنَّ فِي ذَلِكَ سَتْرًا عَلَى آبَائِهِمْ . وَاَللَّه أَعْلَم .

فَمَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ

هَذَا يُقَوِّي قَوْل مَنْ قَالَ : " بِإِمَامِهِمْ " بِكِتَابِهِمْ وَيُقَوِّيه أَيْضًا قَوْله : " وَكُلّ شَيْء أَحْصَيْنَاهُ فِي إِمَام مُبِين " .

فَأُولَئِكَ يَقْرَءُونَ كِتَابَهُمْ وَلَا يُظْلَمُونَ فَتِيلًا

الْفَتِيل الَّذِي فِي شَقّ النَّوَاة . وَقَدْ مَضَى فِي [ النِّسَاء ] .
[/font]

_________________
إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً }الأحزاب33

صورة


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة:
مشاركة غير مقروءةمرسل: الجمعة نوفمبر 17, 2006 2:00 am 
غير متصل

اشترك في: السبت فبراير 21, 2004 4:33 am
مشاركات: 10727
[font=Arial]فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ"

السجدة 17

الجلالين
ــــــــ

"فَلَا تَعْلَم نَفْس مَا أُخْفِيَ" خُبِئَ وَفِي قِرَاءَة بِسُكُونِ الْيَاء مُضَارِع "لَهُمْ مِنْ قُرَّة أَعْيُن" مَا تُقِرّ بِهِ أَعْيُنهمْ


الطبري
ـــــــــ
بْن الرَّبِيع , عَنْ أَبِي إِسْحَاق , عَنْ عُبَيْدَة بْن رَبِيعَة الْحَارِثِيّ , عَنْ عَبْد اللَّه بْن مَسْعُود , قَالَ : إِنَّ فِي التَّوْرَاة لِلَّذِينَ تَتَجَافَى جُنُوبهمْ عَنِ الْمَضَاجِع مِنْ الْكَرَامَة , مَا لَمْ تَرَ عَيْن , وَلَمْ يَخْطِر عَلَى قَلْب بَشَر , وَلَمْ تَسْمَع أُذُن , وَإِنَّهُ لَفِي الْقُرْآن { فَلَا تَعْلَم نَفْس مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّة أَعْيُن } 21519 - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب , قَالَ : ثنا الْأَشْجَعِيّ , عَنِ ابْن أَبْجَر , قَالَ : سَمِعْت الشَّعْبِيّ يَقُول : سَمِعْت الْمُغِيرَة بْن شُعْبَة يَقُول عَلَى الْمِنْبَر : إِنَّ مُوسَى صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَأَلَ عَنْ أَبْخَس أَهْل الْجَنَّة فِيهَا حَظًّا , فَقِيلَ لَهُ : رَجُل يُؤْتَى بِهِ وَقَدْ دَخَلَ أَهْل الْجَنَّة الْجَنَّةَ , قَالَ : فَيُقَال لَهُ : ادْخُلْ , فَيَقُول : أَيْنَ وَقَدْ أَخَذَ النَّاس أَخَذَاتهمْ ؟ فَيُقَال : اعْدُدْ أَرْبَعَةَ مُلُوك مِنْ مُلُوك الدُّنْيَا , فَيَكُون لَك مِثْل الَّذِي كَانَ لَهُمْ , وَلَك أُخْرَى شَهْوَة نَفْسك , فَيَقُول : أَشْتَهِي كَذَا وَكَذَا , وَأَشْتَهِي كَذَا ; وَقَالَ : لَك أُخْرَى , لَك لَذَّة عَيْنك , فَيَقُول : أَلَذّ كَذَا وَكَذَا , فَيُقَال : لَك عَشْرَة أَضْعَاف مِثْل ذَلِكَ , وَسَأَلَهُ عَنْ أَعْظَم أَهْل الْجَنَّة فِيهَا حَظًّا , , فَقَالَ : ذَاكَ شَيْء خَتَمْت عَلَيْهِ يَوْم خَلَقْت السَّمَاوَات وَالْأَرْض . قَالَ الشَّعْبِيّ : فَإِنَّهُ فِي الْقُرْآن : { فَلَا تَعْلَم نَفْس مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّة أَعْيُن جَزَاء بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ } 21520 -حَدَّثَنِي أَحْمَد بْن مُحَمَّد الطُّوسِيّ , قَالَ : ثنا الْحُمَيْدِيّ , قَالَ : ثنا ابْن عُيَيْنَةَ ; وَحَدَّثَنِي بِهِ الْقَرْقَسَانِيّ , عَنِ ابْن عُيَيْنَةَ , عَنْ مُطَرِّف بْن طَرِيف , وَابْن أَبْجَر , سَمِعْنَا الشَّعْبِيَّ يَقُول : سَمِعْت الْمُغِيرَةَ بْن شُعْبَة عَلَى الْمِنْبَر يَرْفَعهُ إِلَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " إِنَّ مُوسَى سَأَلَ رَبَّهُ : أَيْ رَبّ , أَيّ أَهْل الْجَنَّة أَدْنَى مَنْزِلَةً ؟ قَالَ : رَجُل يَجِيء بَعْدَمَا دَخَلَ أَهْل الْجَنَّة الْجَنَّةَ , فَيُقَال لَهُ : ادْخُلْ , فَيَقُول : كَيْف أَدْخُل وَقَدْ نَزَلُوا مَنَازِلهمْ ؟ فَيُقَال لَهُ : أَتَرْضَى أَنْ يَكُونَ لَك مِثْل مَا كَانَ لِمَلِكٍ مِنْ مُلُوك الدُّنْيَا ؟ , فَيَقُول : بَخٍ أَيْ رَبّ قَدْ رَضِيت ! فَيُقَال لَهُ : إِنَّ لَك هَذَا وَمِثْله وَمِثْله وَمِثْله , فَيَقُول : رَضِيت أَيْ رَبّ رَضِيت , فَيُقَال لَهُ : إِنَّ لَك هَذَا وَعَشْرَة أَمْثَاله مَعَهُ , فَيَقُول : رَضِيت أَيْ رَبّ فَيُقَال لَهُ : فَإِنَّ لَك مَعَ هَذَا مَا اشْتَهَتْ نَفْسك , وَلَذَّتْ عَيْنَيْك ; قَالَ : فَقَالَ مُوسَى : أَيْ رَبّ , وَأَيّ أَهْل الْجَنَّة أَرْفَع مَنْزِلَة ؟ قَالَ : إِيَّاهَا أَرَدْت , وَسَأُحَدِّثُك عَنْهُمْ ; غَرَسْت لَهُمْ كَرَامَتِي بِيَدِي , وَخَتَمْت عَلَيْهَا , فَلَا عَيْن رَأَتْ , , وَلَا أُذُن سَمِعَتْ , وَلَا خَطَرَ عَلَى قَلْب بَشَر . قَالَ : وَمِصْدَاق ذَلِكَ فِي كِتَاب اللَّه { فَلَا تَعْلَم نَفْس مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّة أَعْيُن جَزَاء بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ } 21521 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن مَنْصُور الطُّوسِيّ , قَالَ : ثنا إِسْحَاق بْن سُلَيْمَان , قَالَ : ثنا عَمْرو بْن أَبِي قَيْس , عَنِ ابْن أَبِي لَيْلَى , عَنِ الْمِنْهَال بْن عَمْرو , عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر , عَنِ ابْن عَبَّاس , فِي قَوْله : { وَكَانَ عَرْشه عَلَى الْمَاء } 11 7 وَكَانَ عَرْش اللَّه عَلَى الْمَاء , ثُمَّ اتَّخَذَ لِنَفْسِهِ جَنَّة , ثُمَّ اتَّخَذَ دُونَهَا أُخْرَى , ثُمَّ أَطْبَقَهَا بِلُؤْلُؤَةٍ وَاحِدَة ; قَالَ : وَمِنْ دُونهمَا جَنَّتَانِ ; قَالَ : وَهِيَ الَّتِي لَا تَعْلَم نَفْس , أَوْ قَالَ : هُمَا الَّتِي { لَا تَعْلَم نَفْس مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّة أَعْيُن جَزَاء بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ } قَالَ : وَهِيَ الَّتِي لَا تَعْلَم الْخَلَائِق مَا فِيهَا , أَوْ مَا فِيهِمَا يَأْتِيهِمْ كُلّ يَوْم مِنْهَا أَوْ مِنْهُمَا تُحْفَة . 21522 - حَدَّثَنَا ابْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا يَعْقُوب , عَنْ عَنْبَسَة , عَنْ سَالِم الْأَفْطَس , عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر , بِنَحْوِهِ. 21523 - حَدَّثَنَا سَهْل بْن مُوسَى الرَّازِيّ , قَالَ : ثنا الْوَلِيد بْن مُسْلِم , عَنْ صَفْوَان بْن عَمْرو , عَنْ أَبِي الْيَمَان الْهَوْزَنِيّ أَوْ غَيْره , قَالَ : الْجَنَّة مِائَة دَرَجَة , أَوَّلهَا دَرَجَة فِضَّة , أَرْضهَا فِضَّة , وَمَسَاكِنهَا فِضَّة , وَآنِيَتهَا فِضَّة , وَتُرَابهَا الْمِسْك , وَالثَّانِيَة ذَهَب , وَأَرْضهَا ذَهَب , وَمَسَاكِنهَا ذَهَب , وَآنِيَتهَا ذَهَب , وَتُرَابهَا الْمِسْك . وَالثَّالِثَة لُؤْلُؤ , وَأَرْضهَا لُؤْلُؤ , وَمَسَاكِنهَا لُؤْلُؤ , وَآنِيَتهَا لُؤْلُؤ , وَتُرَابهَا الْمِسْك , وَسَبْع وَتِسْعُونَ بَعْد ذَلِكَ مَا لَا عَيْن رَأَتْهُ , وَلَا أُذُن سَمِعَتْهُ , وَلَا خَطَرَ عَلَى قَلْب بَشَر , وَتَلَا هَذِهِ الْآيَة { فَلَا تَعْلَم نَفْس مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّة أَعْيُن جَزَاء بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ } 21524 -حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب , قَالَ : ثنا الْمُحَارِبِيّ وَعَبْد الرَّحِيم , عَنْ مُحَمَّد بْن عَمْرو , عَنْ أَبِي سَلَمَة , عَنْ أَبِي هُرَيْرَة قَالَ : قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " قَالَ اللَّه : أَعْدَدْت لِعِبَادِي الصَّالِحِينَ مَا لَا عَيْن رَأَتْ , وَلَا أُذُن سَمِعَتْ , وَلَا خَطَرَ عَلَى قَلْب بَشَر , وَاقْرَءُوا إِنْ شِئْتُمْ , قَالَ اللَّه { فَلَا تَعْلَم نَفْس مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّة أَعْيُن جَزَاء بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ } " * حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب , قَالَ : ثنا أَبُو مُعَاوِيَة وَابْن نُمَيْر , عَنِ الْأَعْمَش , عَنْ أَبِي صَالِح , عَنْ أَبِي هُرَيْرَة قَالَ : قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " أَعْدَدْت لِعِبَادِي الصَّالِحِينَ , مَا لَا عَيْن رَأَتْ , وَلَا أُذُن سَمِعَتْ , وَلَا خَطَرَ عَلَى قَلْب بَشَر " قَالَ أَبُو هُرَيْرَة : وَمِنْ بَلْهِ مَا أُطْلِعكُمْ عَلَيْهِ , اقْرَءُوا إِنْ شِئْتُمْ : { فَلَا تَعْلَم نَفْس مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّة أَعْيُن جَزَاء بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ } قَالَ أَبُو هُرَيْرَة : نَقْرَؤُهَا : " قُرَّات أَعْيُن " . 21525 - حَدَّثَنِي يَعْقُوب بْن إِبْرَاهِيم , قَالَ : ثنا مُعْتَمِر بْن سُلَيْمَان , عَنِ الْحَكَم بْن أَبَانَ , عَنْ الْغِطْرِيف , عَنْ جَابِر بْن زَيْد , عَنِ ابْن عَبَّاس , عَنِ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , عَنْ الرُّوح الْأَمِين , قَالَ : " يُؤْتَى بِحَسَنَاتِ الْعَبْد وَسَيِّئَاته , فَيُنْقَص بَعْضهَا مِنْ بَعْض , فَإِنْ بَقِيَتْ حَسَنَة وَاحِدَة , وَسَّعَ اللَّه لَهُ فِي الْجَنَّة " قَالَ : فَدَخَلْت عَلَى يَزْدَاد , فَحَدَّثَ بِمِثْلِ هَذَا ; قَالَ : قُلْت : فَأَيْنَ ذَهَبَتْ الْحَسَنَة ؟ قَالَ : { أُولَئِكَ الَّذِينَ نَتَقَبَّل عَنْهُمْ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا وَنَتَجَاوَز عَنْ سَيِّئَاتهمْ فِي أَصْحَاب الْجَنَّة وَعْد الصِّدْق الَّذِي كَانُوا يُوعَدُونَ } 46 16 قُلْت : قَوْله { فَلَا تَعْلَم نَفْس مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّة أَعْيُن } قَالَ : الْعَبْد يَعْمَل سِرًّا أَسَرَّهُ إِلَى اللَّه لَمْ يَعْلَم بِهِ النَّاس , فَأَسَرَّ اللَّه لَهُ يَوْم الْقِيَامَة قُرَّة عَيْن . 21526 - حَدَّثَنِي الْعَبَّاس بْن أَبِي طَالِب , قَالَ : ثنا مُعَلَّى بْن أَسَد , قَالَ : ثنا سَلَام بْن أَبِي مُطِيع , عَنْ قَتَادَة , عَنْ عُقْبَة بْن عَبْد الْغَافِر , عَنْ أَبِي سَعِيد الْخُدْرِيّ , عَنْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , يَرْوِي عَنْ رَبّه , قَالَ : " أَعْدَدْت لِعِبَادِي الصَّالِحِينَ مَا لَا عَيْن رَأَتْ , وَلَا أُذُن سَمِعَتْ , وَلَا خَطَرَ عَلَى قَلْب بَشَر " . 21527 - حَدَّثَنِي أَبُو السَّائِب , قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْن وَهْب , قَالَ : ثني أَبُو صَخْر , أَنَّ أَبَا حَازِم حَدَّثَهُ , قَالَ : سَمِعْت سَهْل بْن سَعْد يَقُول : شَهِدْت مِنْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَجْلِسًا وَصَفَ فِيهِ الْجَنَّة حَتَّى انْتَهَى , ثُمَّ قَالَ فِي آخِر حَدِيثه : " فِيهَا مَا لَا عَيْن رَأَتْ , وَلَا أُذُن سَمِعَتْ وَلَا خَطَرَ عَلَى قَلْب بَشَر " ثُمَّ قَرَأَ هَذِهِ الْآيَة : { تَتَجَافَى جُنُوبهمْ عَنِ الْمَضَاجِع } إِلَى قَوْله { جَزَاء بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ } 21528 - حَدَّثَنَا ابْن بَشَّار , قَالَ : ثنا ابْن أَبِي عَدِيّ , عَنْ عَوْف , عَنِ الْحَسَن , قَالَ : بَلَغَنِي أَنَّ رَسُولَ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : " قَالَ رَبّكُمْ : أَعْدَدْت لِعِبَادِي الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَات مَا لَا عَيْن رَأَتْ , وَلَا أُذُن سَمِعَتْ , وَلَا خَطَرَ عَلَى قَلْب بَشَر " . 21529 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَالَ : قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَرْوِي ذَلِكَ عَنْ رَبّه , " قَالَ رَبّكُمْ : أَعْدَدْت لِعِبَادِي الصَّالِحِينَ مَا لَا عَيْن رَأَتْ , وَلَا أُذُن سَمِعَتْ , وَلَا خَطَرَ عَلَى قَلْب بَشَر " . 21530 - حَدَّثَنِي ابْن وَكِيع , قَالَ : ثنا سَهْل بْن يُوسُف , عَنْ عَمْرو , عَنِ الْحَسَن { فَلَا تَعْلَم نَفْس مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّة أَعْيُن } قَالَ : أَخْفَوْا عَمَلًا فِي الدُّنْيَا , فَأَثَابَهُمْ اللَّه بِأَعْمَالِهِمْ . 21531 - حَدَّثَنِي الْقَاسِم بْن بِشْر , قَالَ : ثنا سُلَيْمَان بْن حَرْب , قَالَ : ثنا حَمَّاد بْن سَلَمَة , عَنْ ثَابِت , عَنْ أَبِي رَافِع , عَنْ أَبِي هُرَيْرَة , قَالَ حَمَّاد : أَحْسِبهُ عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : " مَنْ يَدْخُل الْجَنَّةَ يُنَعَّم وَلَا يَبْؤُس , لَا تَبْلَى ثِيَابه , وَلَا يَفْنَى شَبَابه , فِي الْجَنَّة مَا لَا عَيْن رَأَتْ , وَلَا أُذُن سَمِعَتْ , وَلَا خَطَرَ عَلَى قَلْب بَشَر " . وَاخْتَلَفَتِ الْقُرَّاء فِي قِرَاءَة قَوْله : { فَلَا تَعْلَم نَفْس مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّة أَعْيُن } فَقَرَأَ ذَلِكَ بَعْض الْمَدَنِيِّينَ وَالْبَصْرِيِّينَ , وَبَعْض الْكُوفِيِّينَ : { أُخْفِيَ } بِضَمِّ الْأَلِف وَفَتْح الْيَاء بِمَعْنَى فُعِلَ , وَقَرَأَ بَعْض الْكُوفِيِّينَ : " أُخْفِي لَهُمْ " بِضَمِّ الْأَلِف وَإِرْسَال الْيَاء , بِمَعْنَى أُفْعِل , أُخْفِي لَهُمْ أَنَا . وَالصَّوَاب مِنَ الْقَوْل فِي ذَلِكَ عِنْدنَا أَنَّهُمَا قِرَاءَتَانِ مَشْهُورَتَانِ , مُتَقَارِبَتَا الْمَعْنَى ; لِأَنَّ اللَّهَ إِذَا أَخْفَاهُ فَهُوَ مُخْفًى , وَإِذَا أُخْفِيَ فَلَيْسَ لَهُ مُخْفٍ غَيْره , وَ " مَا " فِي قَوْله { فَلَا تَعْلَم نَفْس مَا أُخْفِيَ لَهُمْ } فَإِنَّهَا إِذَا جُعِلَتْ بِمَعْنَى الَّذِي كَانَتْ نَصْبًا بِوُقُوعِ تَعْلَم عَلَيْهَا كَيْفَ قَرَأَ الْقَارِئ أُخْفِيَ , وَإِذَا وُجِّهَتْ إِلَى مَعْنَى أَيْ كَانَتْ رَفْعًا إِذَا قُرِئَ أُخْفِيَ بِنَصْبِ الْيَاء وَضَمّ الْأَلِف ; لِأَنَّهُ لَمْ يُسَمَّ فَاعِلُهُ , وَإِذَا قُرِئَ أُخْفِي بِإِرْسَالِ الْيَاء كَانَتْ نَصْبًا بِوُقُوعِ أُخْفِي عَلَيْهَا .



القرطبي
ــــــــــــ
قَرَأَ حَمْزَة : " مَا أُخْفِي لَهُمْ " بِإِسْكَانِ الْيَاء . وَفَتَحَهَا الْبَاقُونَ . وَفِي قِرَاءَة عَبْد اللَّه " مَا نُخْفِي " بِالنُّونِ مَضْمُومَة . وَرَوَى الْمُفَضَّل عَنْ الْأَعْمَش " مَا يُخْفَى لَهُمْ " بِالْيَاءِ الْمَضْمُومَة وَفَتْح الْفَاء . وَقَرَأَ اِبْن مَسْعُود وَأَبُو هُرَيْرَة : " مِنْ قُرَّات أَعْيُن " . فَمَنْ أَسْكَنَ الْيَاء مِنْ قَوْله : " مَا أُخْفِي " فَهُوَ مُسْتَقْبَل وَأَلِفه أَلِف الْمُتَكَلِّم . و " مَا " فِي مَوْضِع نَصْب ب " أُخْفِيَ " وَهِيَ اِسْتِفْهَام , وَالْجُمْلَة فِي مَوْضِع نَصْب لِوُقُوعِهَا مَوْقِع الْمَفْعُولَيْنِ , وَالضَّمِير الْعَائِد عَلَى " مَا " مَحْذُوف . وَمَنْ فَتَحَ الْيَاء فَهُوَ فِعْل مَاضٍ مَبْنِيّ لِلْمَفْعُولِ . و " مَا " فِي مَوْضِع رَفْع بِالِابْتِدَاءِ , وَالْخَبَر " أُخْفِيَ " وَمَا بَعْده , وَالضَّمِير فِي " أُخْفِيَ " عَائِد عَلَى " مَا " . قَالَ الزَّجَّاج : وَيُقْرَأ " مَا أَخْفَى لَهُمْ " بِمَعْنَى مَا أَخْفَى اللَّه لَهُمْ ; وَهِيَ قِرَاءَة مُحَمَّد بْن كَعْب , و " مَا " فِي مَوْضِع نَصْب . الْمَهْدَوِيّ : وَمَنْ قَرَأَ : " قُرَّات أَعْيُن " فَهُوَ جَمْع قُرَّة , وَحَسُنَ الْجَمْع فِيهِ لِإِضَافَتِهِ إِلَى جَمْع , وَالْإِفْرَاد لِأَنَّهُ مَصْدَر , وَهُوَ اِسْم لِلْجِنْسِ . وَقَالَ أَبُو بَكْر الْأَنْبَارِيّ : وَهَذَا غَيْر مُخَالِف لِلْمُصْحَفِ ; لِأَنَّ تَاء " قُرَّة " تُكْتَب تَاء عَلَى لُغَة مَنْ يُجْرِي الْوَصْل عَلَى الْوَقْف ; كَمَا كَتَبُوا ( رَحْمَت اللَّه ) بِالتَّاءِ . وَلَا يُسْتَنْكَر سُقُوط الْأَلِف مِنْ " قُرَّات " فِي الْخَطّ وَهُوَ مَوْجُود فِي اللَّفْظ ; كَمَا لَمْ يُسْتَنْكَر سُقُوط الْأَلِف مِنْ السَّمَوَات وَهِيَ ثَابِتَة فِي اللِّسَان وَالنُّطْق . وَالْمَعْنَى الْمُرَاد : أَنَّهُ أَخْبَرَ تَعَالَى بِمَا لَهُمْ مِنْ النَّعِيم الَّذِي لَمْ تَعْلَمهُ نَفْس وَلَا بَشَر وَلَا مَلَك . وَفِي مَعْنَى هَذِهِ الْآيَة : قَالَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( قَالَ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ أَعْدَدْت لِعِبَادِي الصَّالِحِينَ مَا لَا عَيْن رَأَتْ وَلَا أُذُن سَمِعَتْ وَلَا خَطَرَ عَلَى قَلْب بَشَر - ثُمَّ قَرَأَ هَذِهِ الْآيَة - " تَتَجَافَى جُنُوبهمْ عَنْ الْمَضَاجِع - إِلَى قَوْله - بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ " ) خَرَّجَهُ الصَّحِيح مِنْ حَدِيث سَهْل بْن سَعْد السَّاعِدِيّ . وَقَالَ اِبْن مَسْعُود : فِي التَّوْرَاة مَكْتُوب : عَلَى اللَّه لِلَّذِينَ تَتَجَافَى جُنُوبهمْ عَنْ الْمَضَاجِع مَا لَا عَيْن رَأَتْ وَلَا أُذُن سَمِعَتْ وَلَا خَطَرَ عَلَى قَلْب بَشَر . وَقَالَ اِبْن عَبَّاس : الْأَمْر فِي هَذَا أَجَلُّ وَأَعْظَمُ مِنْ أَنْ يُعْرَف تَفْسِيره .

قُلْت : وَهَذِهِ الْكَرَامَة إِنَّمَا هِيَ لِأَعْلَى أَهْل الْجَنَّة مَنْزِلًا ; كَمَا جَاءَ مُبَيَّنًا فِي صَحِيح مُسْلِم عَنْ الْمُغِيرَة بْن شُعْبَة يَرْفَعهُ إِلَى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( سَأَلَ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام رَبّه فَقَالَ يَا رَبّ مَا أَدْنَى أَهْل الْجَنَّة مَنْزِلَة قَالَ هُوَ رَجُل يَأْتِي بَعْدَمَا يَدْخُل أَهْل الْجَنَّة الْجَنَّة فَيُقَال لَهُ اُدْخُلْ الْجَنَّة فَيَقُول أَيْ رَبّ كَيْف وَقَدْ نَزَلَ النَّاس مَنَازِلهمْ وَأَخَذُوا أَخَذَاتهمْ فَيُقَال لَهُ أَتَرْضَى أَنْ يَكُون لَك مِثْل مُلْك مَلِك مِنْ مُلُوك الدُّنْيَا فَيَقُول رَضِيت رَبّ فَيَقُول لَك ذَلِكَ وَمِثْله وَمِثْله وَمِثْله وَمِثْله وَمِثْله فَقَالَ فِي الْخَامِسَة رَضِيت رَبّ فَيُقَال هَذَا لَك وَعَشَرَة أَمْثَاله وَلَك مَا اِشْتَهَتْ نَفْسك وَلَذَّتْ عَيْنك فَيَقُول رَضِيت رَبّ قَالَ رَبّ فَأَعْلَاهُمْ مَنْزِلَة قَالَ : أُولَئِكَ الَّذِينَ أَرَدْت غَرَسْت كَرَامَتهمْ بِيَدِي وَخَتَمْت عَلَيْهَا فَلَمْ تَرَ عَيْن وَلَمْ تَسْمَع أُذُن وَلَمْ يَخْطُر عَلَى قَلْب بَشَر - قَالَ - وَمِصْدَاقه مِنْ كِتَاب اللَّه قَوْله تَعَالَى : " فَلَا تَعْلَم نَفْس مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّة أَعْيُن جَزَاء بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ " . وَقَدْ رُوِيَ عَنْ الْمُغِيرَة مَوْقُوفًا قَوْله . وَخَرَّجَ مُسْلِم أَيْضًا عَنْ أَبِي هُرَيْرَة قَالَ قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( يَقُول اللَّه تَبَارَكَ وَتَعَالَى أَعْدَدْت لِعِبَادِي الصَّالِحِينَ مَا لَا عَيْن رَأَتْ وَلَا أُذُن سَمِعْت وَلَا خَطَرَ عَلَى قَلْب بَشَر ذُخْرًا بَلْهَ مَا أَطْلَعَكُمْ عَلَيْهِ - ثُمَّ قَرَأَ - " فَلَا تَعْلَم نَفْس مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّة أَعْيُن " . وَقَالَ اِبْن سِيرِينَ : الْمُرَاد بِهِ النَّظَر إِلَى اللَّه تَعَالَى . وَقَالَ الْحَسَن : أَخْفَى الْقَوْم أَعْمَالًا فَأَخْفَى اللَّه تَعَالَى لَهُمْ مَا لَا عَيْن رَأَتْ وَلَا أُذُن سَمِعَتْ
.[/font][size=23
][/size]

_________________
إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً }الأحزاب33

صورة


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة:
مشاركة غير مقروءةمرسل: الأحد نوفمبر 19, 2006 9:43 am 
غير متصل

اشترك في: السبت فبراير 21, 2004 4:33 am
مشاركات: 10727
[center][table=width:100%;background-color:transparent;background-image:url(backgrounds/16.gif);border:1 solid green;][cell=filter:;][align=center]قال تعالى:
ـــــــ

" لَا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِنْهُمْ وَلَا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِلْمُؤْمِنِينَ"

الحجر آية 88

الجلالين
ــــــــــ

"لَا تَمُدَّنّ عَيْنَيْك إلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجًا" أَصْنَافًا "مِنْهُمْ وَلَا تَحْزَن عَلَيْهِمْ" إنْ لَمْ يُؤْمِنُوا "وَاخْفِضْ جَنَاحك" أَلِنْ جَانِبك


الطبري
ـــــــــ
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { لَا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْك إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِنْهُمْ وَلَا تَحْزَن عَلَيْهِمْ } يَقُول ـ تَعَالَى ذِكْره ـ لِنَبِيِّهِ مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : لَا تَتَمَنَّيَنَّ يَا مُحَمَّد مَا جَعَلْنَا مِنْ زِينَة هَذِهِ الدُّنْيَا مَتَاعًا لِلْأَغْنِيَاءِ مِنْ قَوْمك الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاَللَّهِ وَالْيَوْم الْآخِر , يَتَمَتَّعُونَ فِيهَا , فَإِنَّ مِنْ وَرَائِهِمْ عَذَابًا غَلِيظًا . { وَلَا تَحْزَن عَلَيْهِمْ } يَقُول : وَلَا تَحْزَن عَلَى مَا مُتِّعُوا بِهِ فَعُجِّلَ لَهُمْ , فَإِنَّ لَك فِي الْآخِرَة مَا هُوَ خَيْر مِنْهُ , مَعَ الَّذِي قَدْ عَجَّلْنَا لَك فِي الدُّنْيَا مِنْ الْكَرَامَة بِإِعْطَائِنَا السَّبْع الْمَثَانِي وَالْقُرْآن الْعَظِيم ; يُقَال مِنْهُ : مَدَّ فُلَان عَيْنه إِلَى مَال فُلَان : إِذَا اِشْتَهَاهُ وَتَمَنَّاهُ وَأَرَادَهُ. وَذُكِرَ عَنْ اِبْن عُيَيْنَة أَنَّهُ كَانَ يَتَأَوَّل هَذِهِ الْآيَة قَوْل النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " لَيْسَ مِنَّا مَنْ لَمْ يَتَغَنَّ بِالْقُرْآنِ " أَيْ مَنْ لَمْ يَسْتَغْنِ بِهِ , وَيَقُول : أَلَا تَرَاهُ يَقُول : { وَلَقَدْ آتَيْنَاك سَبْعًا مِنْ الْمَثَانِي وَالْقُرْآن الْعَظِيم لَا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْك إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِنْهُمْ } فَأَمَرَهُ بِالِاسْتِغْنَاءِ بِالْقُرْآنِ عَنْ الْمَال . قَالَ : وَمِنْهُ قَوْل الْآخَر : مَنْ أُوتِيَ الْقُرْآن فَرَأَى أَنَّ أَحَدًا أُعْطِيَ أَفْضَل مِمَّا أُعْطِيَ فَقَدْ عَظَّمَ صَغِيرًا وَصَغَّرَ عَظِيمًا . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي قَوْله : { أَزْوَاجًا } قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 16138 - حَدَّثَنِي الْحَارِث , قَالَ : ثَنَا الْحَسَن , قَالَ ثَنَا وَرْقَاء ; وَحَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثَنَا أَبُو حُذَيْفَة , قَالَ : ثَنَا شِبْل , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد : { لَا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْك إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِنْهُمْ } : الْأَغْنِيَاء , الْأَمْثَال , الْأَشْبَاه. * حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثَنَا الْحُسَيْن , قَالَ : ثَنِي حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج , عَنْ مُجَاهِد , مِثْله . 16139 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سَعْد , قَالَ : ثَنِي أَبِي , قَالَ : ثَنِي عَمِّي , قَالَ : ثَنِي أَبِي , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ اِبْن عَبَّاس قَوْله : { لَا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْك إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِنْهُمْ } قَالَ : نُهِيَ الرَّجُل أَنْ يَتَمَنَّى مَال صَاحِبه.

وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِلْمُؤْمِنِينَ

وَقَوْله : { وَاخْفِضْ جَنَاحك لِلْمُؤْمِنِينَ } يَقُول ـ تَعَالَى ذِكْره ـ لِنَبِيِّهِ مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : وَأَلِنْ لِمَنْ آمَنَ بِك وَاتَّبَعَك وَاتَّبَعَ كَلَامك , وَقَرِّبْهُمْ مِنْك , وَلَا تَجْفُ بِهِمْ , وَلَا تَغْلُظ عَلَيْهِمْ . يَأْمُرهُ ـ تَعَالَى ذِكْره ـ بِالرِّفْقِ بِالْمُؤْمِنِينَ . وَالْجَنَاحَانِ مِنْ بَنِي آدَم : جَنْبَاهُ , وَالْجَنَاحَانِ : النَّاحِيَتَانِ , وَمِنْهُ قَوْل اللَّه تَعَالَى ذِكْره : { وَاضْمُمْ يَدك إِلَى جَنَاحك } 20 22 قِيلَ : مَعْنَاهُ : إِلَى نَاحِيَتك وَجَنْبك .


القرطبي
ــــــــــ

لَا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِنْهُمْ

فِيهِ مَسْأَلَتَانِ الْأُولَى : قَوْله تَعَالَى : " لَا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْك " الْمَعْنَى : قَدْ أَغْنَيْتُك بِالْقُرْآنِ عَمَّا فِي أَيْدِي النَّاس ; فَإِنَّهُ لَيْسَ مِنَّا مَنْ لَمْ يَتَغَنَّ بِالْقُرْآنِ ; أَيْ لَيْسَ مِنَّا مَنْ رَأَى أَنَّهُ لَيْسَ يَغْنَى بِمَا عِنْده مِنْ الْقُرْآن حَتَّى يَطْمَح بَصَره إِلَى زَخَارِف الدُّنْيَا وَعِنْده مَعَارِف الْمَوْلَى . يُقَال : إِنَّهُ وَافَى سَبْع قَوَافِل مِنْ الْبُصْرَى وَأَذْرِعَات لِيَهُودِ قُرَيْظَة وَالنَّضِير فِي يَوْم وَاحِد , فِيهَا الْبُرّ وَالطِّيب وَالْجَوْهَر وَأَمْتِعَة الْبَحْر , فَقَالَ الْمُسْلِمُونَ : لَوْ كَانَتْ هَذِهِ الْأَمْوَال لَنَا لَتَقَوَّيْنَا بِهَا وَأَنْفَقْنَاهَا فِي سَبِيل اللَّه , فَأَنْزَلَ اللَّه تَعَالَى : " وَلَقَدْ آتَيْنَاك سَبْعًا مِنْ الْمَثَانِي " أَيْ فَهِيَ خَيْر لَكُمْ مِنْ الْقَوَافِل السَّبْع , فَلَا تَمُدَّنَّ أَعْيُنكُمْ إِلَيْهَا . وَإِلَى هَذَا صَارَ اِبْن عُيَيْنَة , وَأَوْرَدَ قَوْله عَلَيْهِ السَّلَام : ( لَيْسَ مِنَّا مَنْ لَمْ يَتَغَنَّ بِالْقُرْآنِ ) أَيْ مَنْ لَمْ يَسْتَغْنِ بِهِ . وَقَدْ تَقَدَّمَ هَذَا الْمَعْنَى فِي أَوَّل الْكِتَاب . " أَزْوَاجًا مِنْهُمْ " أَيْ أَمْثَالًا فِي النِّعَم , أَيْ الْأَغْنِيَاء بَعْضهمْ أَمْثَال بَعْض فِي الْغِنَى , فَهُمْ أَزْوَاج .

الثَّانِيَة : هَذِهِ الْآيَة تَقْتَضِي الزَّجْر عَنْ التَّشَوُّف إِلَى مَتَاع الدُّنْيَا عَلَى الدَّوَام , وَإِقْبَال الْعَبْد عَلَى عِبَادَة مَوْلَاهُ . وَمِثْله " وَلَا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْك إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِنْهُمْ زَهْرَة الْحَيَاة الدُّنْيَا لِنَفْتِنهُمْ فِيهِ " [ طَه : 131 ] الْآيَة . وَلَيْسَ كَذَلِكَ ; فَإِنَّهُ رُوِيَ عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ : ( حُبِّبَ إِلَيَّ مِنْ دُنْيَاكُمْ النِّسَاء وَالطِّيب وَجُعِلَتْ قُرَّة عَيْنِي فِي الصَّلَاة ) . وَكَانَ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام يَتَشَاغَل بِالنِّسَاءِ , جِبِلَّة الْآدَمِيَّة وَتَشَوُّف الْخِلْقَة الْإِنْسَانِيَّة , وَيُحَافِظ عَلَى الطِّيب , وَلَا تَقَرّ لَهُ عَيْن إِلَّا فِي الصَّلَاة لَدَى مُنَاجَاة الْمَوْلَى . وَيَرَى أَنَّ مُنَاجَاته أَحْرَى مِنْ ذَلِكَ وَأَوْلَى . وَلَمْ يَكُنْ فِي دِين مُحَمَّد الرَّهْبَانِيَّة وَالْإِقْبَال عَلَى الْأَعْمَال الصَّالِحَة بِالْكُلِّيَّةِ كَمَا كَانَ فِي دِين عِيسَى , وَإِنَّمَا شَرَعَ اللَّه سُبْحَانه حَنِيفِيَّة سَمْحَة خَالِصَة عَنْ الْحَرَج خَفِيفَة عَلَى الْآدَمِيّ , يَأْخُذ مِنْ الْآدَمِيَّة بِشَهَوَاتِهَا وَيَرْجِع إِلَى اللَّه بِقَلْبٍ سَلِيم . وَرَأَى الْقُرَّاء وَالْمُخْلِصُونَ مِنْ الْفُضَلَاء الِانْكِفَاف عَنْ اللَّذَّات وَالْخُلُوص لِرَبِّ الْأَرْض وَالسَّمَوَات الْيَوْم أَوْلَى ; لَمَّا غَلَبَ عَلَى الدُّنْيَا مِنْ الْحَرَام , وَاضْطُرَّ الْعَبْد فِي الْمَعَاش إِلَى مُخَالَطَة مَنْ لَا تَجُوز مُخَالَطَته وَمُصَانَعَة مَنْ تَحْرُم مُصَانَعَته , فَكَانَتْ الْقِرَاءَة أَفْضَل , وَالْفِرَار عَنْ الدُّنْيَا أَصْوَب لِلْعَبْدِ وَأَعْدَل ; قَالَ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( يَأْتِي عَلَى النَّاس زَمَان يَكُون خَيْر مَال الْمُسْلِم غَنَمًا يَتْبَع بِهَا شَعَف الْجِبَال وَمَوَاقِع الْقَطْر يَفِرّ بِدِينِهِ مِنْ الْفِتَن ) .

وَلَا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ

أَيْ وَلَا تَحْزَن عَلَى الْمُشْرِكِينَ إِنْ لَمْ يُؤْمِنُوا . وَقِيلَ : الْمَعْنَى لَا تَحْزَن عَلَى مَا مُتِّعُوا بِهِ فِي الدُّنْيَا فَلَك فِي الْآخِرَة أَفْضَل مِنْهُ . وَقِيلَ : لَا تَحْزَن عَلَيْهِمْ إِنْ صَارُوا إِلَى الْعَذَاب فَهُمْ أَهْل الْعَذَاب .

وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِلْمُؤْمِنِينَ

أَيْ أَلِنْ جَانِبك لِمَنْ آمَنَ بِك وَتَوَاضَعْ لَهُمْ . وَأَصْله أَنَّ الطَّائِر إِذَا ضَمَّ فَرْخه إِلَى نَفْسه بَسَطَ جَنَاحه ثُمَّ قَبَضَهُ عَلَى الْفَرْخ , فَجَعَلَ ذَلِكَ وَصْفًا لِتَقْرِيبِ الْإِنْسَان أَتْبَاعه . وَيُقَال : فُلَان خَافِض الْجَنَاح , أَيْ وَقُور سَاكِن . وَالْجَنَاحَانِ مِنْ اِبْن آدَم جَانِبَاهُ ; وَمِنْهُ " وَاضْمُمْ يَدك إِلَى جَنَاحك " [ طَه : 22 ] وَجَنَاح الطَّائِر يَده . وَقَالَ الشَّاعِر : وَحَسْبك فِتْيَة لِزَعِيمِ قَوْم يَمُدّ عَلَى أَخِي سَقَم جَنَاحَا أَيْ تَوَاضُعًا وَلِينًا .

[/align]
[/cell][/table][/center]

_________________
إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً }الأحزاب33

صورة


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة:
مشاركة غير مقروءةمرسل: الثلاثاء نوفمبر 21, 2006 11:36 am 
غير متصل

اشترك في: السبت فبراير 21, 2004 4:33 am
مشاركات: 10727
[font=Traditional Arabic] [/font] "يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا "

الأحزاب 56

الجلالين
ــــــــــــ

"يَا أَيّهَا النَّبِيّ قُلْ لِأَزْوَاجِك وَبَنَاتك وَنِسَاء الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبهنَّ" جَمْع جِلْبَاب وَهِيَ الْمُلَاءَة الَّتِي تَشْتَمِل بِهَا الْمَرْأَة أَيْ يُرْخِينَ بَعْضهَا عَلَى الْوُجُوه إذَا خَرَجْنَ لِحَاجَتِهِنَّ إلَّا عَيْنًا وَاحِدَة "ذَلِكَ أَدْنَى" أَقْرَب إلَى "أَنْ يُعْرَفْنَ" بِأَنَّهُنَّ حَرَائِر "فَلَا يُؤْذَيْنَ" بِالتَّعَرُّضِ لَهُنَّ بِخِلَافِ الْإِمَاء فَلَا يُغَطِّينَ وُجُوههنَّ فَكَانَ الْمُنَافِقُونَ يَتَعَرَّضُونَ لَهُنَّ "وَكَانَ اللَّه غَفُورًا" لِمَا سَلَفَ مِنْهُنَّ مِنْ تَرْك السِّتْر "رَحِيمًا" بِهِنَّ إذْ سَتَرَهُنَّ

الطبري
ـــــــــ
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { يَا أَيّهَا النَّبِيّ قُلْ لِأَزْوَاجِك وَبَنَاتك وَنِسَاء الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبهنَّ } يَقُول تَعَالَى ذِكْره لِنَبِيِّهِ مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : يَا أَيّهَا النَّبِيّ قُلْ لِأَزْوَاجِك وَبَنَاتك وَنِسَاء الْمُؤْمِنِينَ , لَا يَتَشَبَّهْنَ بِالْإِمَاءِ فِي لِبَاسهنَّ إِذَا هُنَّ خَرَجْنَ مِنْ بُيُوتهنَّ لِحَاجَتِهِنَّ , فَكَشَفْنَ شُعُورَهُنَّ وَوُجُوهَهُنَّ , وَلَكِنْ لِيُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبهنَّ , لِئَلَّا يَعْرِض لَهُنَّ فَاسِق , إِذَا عَلِمَ أَنَّهُنَّ حَرَائِر بِأَذًى مِنْ قَوْل , ثُمَّ اخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِي صِفَة الْإِدْنَاء الَّذِي أَمَرَهُنَّ اللَّه بِهِ , فَقَالَ بَعْضهمْ : هُوَ أَنْ يُغَطِّينَ وُجُوهَهُنَّ وَرُءُوسَهُنَّ , فَلَا يُبْدِينَ مِنْهُنَّ إِلَّا عَيْنًا وَاحِدَة . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 21861 - حَدَّثَنِي عَلِيّ , قَالَ : ثنا أَبُو صَالِح , قَالَ : ثني مُعَاوِيَة , عَنْ عَلِيّ , عَنِ ابْن عَبَّاس , قَوْله : { يَا أَيّهَا النَّبِيّ قُلْ لِأَزْوَاجِك وَبَنَاتك وَنِسَاء الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبهنَّ } أَمَرَ اللَّه نِسَاء الْمُؤْمِنِينَ إِذَا خَرَجْنَ مِنْ بُيُوتهنَّ فِي حَاجَة أَنْ يُغَطِّينَ وُجُوهَهُنَّ مِنْ فَوْق رُءُوسهنَّ بِالْجَلَابِيبِ , وَيُبْدِينَ عَيْنًا وَاحِدَة . 21862 - حَدَّثَنِي يَعْقُوب , قَالَ : ثنا ابْن عُلَيَّة , عَنِ ابْن عَوْن , عَنْ مُحَمَّد , عَنْ عُبَيْدَة فِي قَوْله : { يَا أَيّهَا النَّبِيّ قُلْ لِأَزْوَاجِك وَبَنَاتك وَنِسَاء الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبهنَّ } فَلَبِسَهَا عِنْدَنَا ابْن عَوْن , قَالَ : وَلَبِسَهَا عِنْدَنَا مُحَمَّد , قَالَ مُحَمَّد : وَلَبِسَهَا عِنْدِي عُبَيْدَة ; قَالَ ابْن عَوْن بِرِدَائِهِ , فَتَقَنَّعَ بِهِ , فَغَطَّى أَنْفَهُ وَعَيْنَهُ الْيُسْرَى , وَأَخْرَجَ عَيْنَهُ الْيُمْنَى , وَأَدْنَى رِدَاءَهُ مِنْ فَوْق حَتَّى جَعَلَهُ قَرِيبًا مِنْ حَاجِبه أَوْ عَلَى الْحَاجِب . 21863 -حَدَّثَنِي يَعْقُوب , قَالَ : ثنا هُشَيْم , قَالَ : أَخْبَرَنَا هِشَام , عَنِ ابْن سِيرِينَ , قَالَ : سَأَلْت عُبَيْدَة , عَنْ قَوْله : { قُلْ لِأَزْوَاجِك وَبَنَاتك وَنِسَاء الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبهنَّ } قَالَ : فَقَالَ بِثَوْبِهِ , فَغَطَّى رَأْسَهُ وَوَجْهَهُ , وَأَبْرَزَ ثَوْبَهُ عَنْ إِحْدَى عَيْنَيْهِ . وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ أُمِرْنَ أَنْ يَشْدُدْنَ جَلَابِيبهنَّ عَلَى جِبَاههنَّ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 21864 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سَعْد , قَالَ : ثني أَبِي , قَالَ : ثني عَمِّي , قَالَ : ثني أَبِي , عَنْ أَبِيهِ , عَنِ ابْن عَبَّاس , قَوْله : { يَا أَيّهَا النَّبِيّ قُلْ لِأَزْوَاجِك وَبَنَاتك وَنِسَاء الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبهنَّ } .... إِلَى قَوْله : { وَكَانَ اللَّه غَفُورًا رَحِيمًا } قَالَ : كَانَتْ الْحُرَّة تَلْبَس لِبَاس الْأَمَة , فَأَمَرَ اللَّه نِسَاءَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبهنَّ ; وَإِدْنَاء الْجِلْبَاب : أَنْ تَقَنَّعَ وَتَشُدّ عَلَى جَبِينهَا. 21865 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَوْله : { يَا أَيّهَا النَّبِيّ قُلْ لِأَزْوَاجِك وَبَنَاتك وَنِسَاء الْمُؤْمِنِينَ } أَخَذَ اللَّه عَلَيْهِنَّ إِذَا خَرَجْنَ أَنْ يُقَنَّعْنَ عَلَى الْحَوَاجِب { ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ } وَقَدْ كَانَتْ الْمَمْلُوكَة إِذَا مَرَّتْ تَنَاوَلُوهَا بِالْإِيذَاءِ , فَنَهَى اللَّه الْحَرَائِرَ أَنْ يَتَشَبَّهْنَ بِالْإِمَاءِ . 21866 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى ; وَحَدَّثَنِي الْحَارِث , قَالَ : ثنا الْحَسَن , قَالَ : ثنا وَرْقَاء , جَمِيعًا عَنِ ابْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , قَوْله : { يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبهنَّ } يَتَجَلْبَبْنَ فَيُعْلَم أَنَّهُنَّ حَرَائِر فَلَا يَعْرِض لَهُنَّ فَاسِق بِأَذًى مِنْ قَوْل وَلَا رِيبَة . 21867 - حَدَّثَنَا ابْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا حَكَّام , عَنْ عَنْبَسَة , عَمَّنْ حَدَّثَهُ , عَنْ أَبِي صَالِح , قَالَ : قَدِمَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَدِينَة عَلَى غَيْر مَنْزِل , فَكَانَ نِسَاء النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَغَيْرهنَّ إِذَا كَانَ اللَّيْل خَرَجْنَ يَقْضِينَ حَوَائِجَهُنَّ , وَكَانَ رِجَال يَجْلِسُونَ عَلَى الطَّرِيق لِلْغَزْلِ , فَأَنْزَلَ اللَّه : { يَا أَيّهَا النَّبِيّ قُلْ لِأَزْوَاجِك وَبَنَاتك وَنِسَاء الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبهنَّ } يُقَنَّعْنَ بِالْجِلْبَابِ حَتَّى تُعْرَف الْأَمَة مِنْ الْحُرَّة .

جَلَابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا

وَقَوْله : { ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : إِدْنَاؤُهُنَّ جَلَابِيبهنَّ إِذَا أَدْنَيْنَهَا عَلَيْهِنَّ أَقْرَب وَأَحْرَى أَنْ يُعْرَفْنَ مِمَّنْ مَرَرْنَ بِهِ , وَيَعْلَمُوا أَنَّهُنَّ لَسْنَ بِإِمَاءٍ , فَيَتَنَكَّبُوا عَنْ أَذَاهُنَّ بِقَوْلٍ مَكْرُوه , أَوْ تَعَرُّض بِرِيبَةٍ { وَكَانَ اللَّه غَفُورًا } لِمَا سَلَفَ مِنْهُنَّ مِنْ تَرْكهنَّ إِدْنَاءَهُنَّ الْجَلَابِيبَ عَلَيْهِنَّ { رَحِيمًا } بِهِنَّ أَنْ يُعَاقِبهُنَّ بَعْد تَوْبَتهنَّ بِإِدْنَاءِ الْجَلَابِيب عَلَيْهِنَّ.


القرطبي
ـــــــــــ

يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ

" قُلْ لِأَزْوَاجِك وَبَنَاتك " قَدْ مَضَى الْكَلَام فِي تَفْصِيل أَزْوَاجه وَاحِدَة وَاحِدَة . قَالَ قَتَادَة : مَاتَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ تِسْع . خَمْس مِنْ قُرَيْش : عَائِشَة , وَحَفْصَة , وَأُمّ حَبِيبَة , وَسَوْدَة , وَأُمّ سَلَمَة . وَثَلَاث مِنْ سَائِر الْعَرَب : مَيْمُونَة , وَزَيْنَب بِنْت جَحْش , وَجُوَيْرِيَة . وَوَاحِدَة مِنْ بَنِي هَارُون : صَفِيَّة . وَأَمَّا أَوْلَاده فَكَانَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوْلَاد ذُكُور وَإِنَاث . فَالذُّكُور مِنْ أَوْلَاده : الْقَاسِم , أُمّه خَدِيجَة , وَبِهِ كَانَ يُكْنَى صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَهُوَ أَوَّل مَنْ مَاتَ مِنْ أَوْلَاده , وَعَاشَ سَنَتَيْنِ . وَقَالَ عُرْوَة : وَلَدَتْ خَدِيجَة لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّه لَيّه وَسَلَّمَ الْقَاسِم وَالطَّاهِر وَعَبْد اللَّه وَالطَّيِّب . وَقَالَ أَبُو بَكْر الْبَرْقِيّ : وَيُقَال إِنَّ الطَّاهِر هُوَ الطَّيِّب وَهُوَ عَبْد اللَّه . وَإِبْرَاهِيم أُمّه مَارِيَة الْقِبْطِيَّة , وُلِدَ فِي ذِي الْحِجَّة سَنَة ثَمَان مِنْ الْهِجْرَة , وَتُوُفِّيَ اِبْن سِتَّة عَشَرَ شَهْرًا , وَقِيلَ ثَمَانِيَة عَشَر ; ذَكَرَهُ الدَّارَقُطْنِيّ . وَدُفِنَ بِالْبَقِيعِ . وَقَالَ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( إِنَّ لَهُ مُرْضِعًا تُتِمّ رَضَاعه فِي الْجَنَّة ) . وَجَمِيع أَوْلَاد النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ خَدِيجَة سِوَى إِبْرَاهِيم . وَكُلّ أَوْلَاده مَاتُوا فِي حَيَاته غَيْر فَاطِمَة .

وَأَمَّا الْإِنَاث مِنْ أَوْلَاده فَمِنْهُنَّ : فَاطِمَة الزَّهْرَاء بِنْت خَدِيجَة , وَلَدَتْهَا وَقُرَيْش تَبْنِي الْبَيْت قَبْل النُّبُوَّة بِخَمْسِ سِنِينَ , وَهِيَ أَصْغَرُ بَنَاته , وَتَزَوَّجَهَا عَلِيّ رَضِيَ اللَّه عَنْهُمَا فِي السَّنَة الثَّانِيَة مِنْ الْهِجْرَة فِي رَمَضَان , وَبَنَى بِهَا فِي ذِي الْحِجَّة . وَقِيلَ : تَزَوَّجَهَا فِي رَجَب , وَتُوُفِّيَتْ بَعْد رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِيَسِيرٍ , وَهِيَ أَوَّل مَنْ لَحِقَهُ مِنْ أَهْل بَيْته . رَضِيَ اللَّه عَنْهَا .

وَمِنْهُنَّ : زَيْنَب - أُمّهَا خَدِيجَة - تَزَوَّجَهَا اِبْن خَالَتهَا أَبُو الْعَاصِي بْن الرَّبِيع , وَكَانَتْ أُمّ الْعَاصِي هَالَة بِنْت خُوَيْلِد أُخْت خَدِيجَة . وَاسْم أَبِي الْعَاصِي لَقِيط . وَقِيلَ هَاشِم . وَقِيلَ هُشَيْم . وَقِيلَ مِقْسَم . وَكَانَتْ أَكْبَرَ بَنَات رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَتُوُفِّيَتْ سَنَة ثَمَان مِنْ الْهِجْرَة , وَنَزَلَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي قَبْرهَا .

وَمِنْهُنَّ : رُقَيَّة - أُمّهَا خَدِيجَة - تَزَوَّجَهَا عُتْبَة بْن أَبِي لَهَب قَبْل النُّبُوَّة , فَلَمَّا بُعِثَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأُنْزِلَ عَلَيْهِ : " تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَب " [ الْمَسَد : 1 ] قَالَ أَبُو لَهَب لِابْنِهِ : رَأْسِي مِنْ رَأْسك حَرَام إِنْ لَمْ تُطَلِّق اِبْنَته ; فَفَارَقَهَا وَلَمْ يَكُنْ بَنَى بِهَا . وَأَسْلَمَتْ حِين أَسْلَمَتْ أُمّهَا خَدِيجَة , وَبَايَعَتْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هِيَ وَأَخَوَاتهَا حِين بَايَعَهُ النِّسَاء , وَتَزَوَّجَهَا عُثْمَان بْن عَفَّان , وَكَانَتْ نِسَاء قُرَيْش يَقُلْنَ حِين تَزَوَّجَهَا عُثْمَان : أَحْسَنُ شَخْصَيْنِ رَأَى إِنْسَانُ رُقَيَّةٌ وَبَعْلهَا عُثْمَان وَهَاجَرَتْ مَعَهُ إِلَى أَرْض الْحَبَشَة الْهِجْرَتَيْنِ , وَكَانَتْ قَدْ أَسْقَطَتْ مِنْ عُثْمَان سَقْطًا , ثُمَّ وَلَدَتْ بَعْد ذَلِكَ عَبْد اللَّه , وَكَانَ عُثْمَان يُكْنَى بِهِ فِي الْإِسْلَام , وَبَلَغَ سِتّ سِنِينَ فَنَقَرَهُ دِيك فِي وَجْهه فَمَاتَ , وَلَمْ تَلِد لَهُ شَيْئًا بَعْد ذَلِكَ . وَهَاجَرَتْ إِلَى الْمَدِينَة وَمَرِضَتْ وَرَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَتَجَهَّز إِلَى بَدْر فَخَلَّفَ عُثْمَان عَلَيْهَا , فَتُوُفِّيَتْ وَرَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِبَدْرٍ , عَلَى رَأْس سَبْعَة عَشَرَ شَهْرًا مِنْ الْهِجْرَة . وَقَدِمَ زَيْد بْن حَارِثَة بَشِيرًا مِنْ بَدْر , فَدَخَلَ الْمَدِينَة حِين سَوَّى التُّرَاب عَلَى رُقَيَّة . وَلَمْ يَشْهَد دَفْنهَا رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . وَمِنْهُنَّ : أُمّ كُلْثُوم - أُمّهَا خَدِيجَة - تَزَوَّجَهَا عُتَيْبَة بْن أَبِي لَهَب - أَخُو عُتْبَة - قَبْل النُّبُوَّة , وَأَمَرَهُ أَبُوهُ أَنْ يُفَارِقهَا لِلسَّبَبِ الْمَذْكُور فِي أَمْر رُقَيَّة , وَلَمْ يَكُنْ دَخَلَ بِهَا , فَلَمْ تَزَلْ بِمَكَّة مَعَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَسْلَمَتْ حِين أَسْلَمَتْ أُمّهَا , وَبَايَعَتْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَعَ أَخَوَاتهَا حِين بَايَعَهُ النِّسَاء , وَهَاجَرَتْ إِلَى الْمَدِينَة حِين هَاجَرَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . فَلَمَّا تُوُفِّيَتْ رُقَيَّة تَزَوَّجَهَا عُثْمَان , وَبِذَلِكَ سُمِّيَ ذَا النُّورَيْنِ . وَتُوُفِّيَتْ فِي حَيَاة النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي شَعْبَان سَنَة تِسْع مِنْ الْهِجْرَة . وَجَلَسَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى قَبْرهَا , وَنَزَلَ فِي حُفْرَتهَا عَلِيّ وَالْفَضْل وَأُسَامَة . وَذَكَرَ الزُّبَيْر بْن بَكَّار أَنَّ أَكْبَرَ وَلَد النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : الْقَاسِم , ثُمَّ زَيْنَب , ثُمَّ عَبْد اللَّه , وَكَانَ يُقَال لَهُ الطَّيِّب وَالطَّاهِر , وَوُلِدَ بَعْد النُّبُوَّة وَمَاتَ صَغِيرًا ثُمَّ أُمّ كُلْثُوم , ثُمَّ فَاطِمَة , ثُمَّ رُقَيَّة . فَمَاتَ الْقَاسِم بِمَكَّة ثُمَّ مَاتَ عَبْد اللَّه .

لَمَّا كَانَتْ عَادَة الْعَرَبِيَّات التَّبَذُّل , وَكُنَّ يَكْشِفْنَ وُجُوههنَّ كَمَا يَفْعَل الْإِمَاء , وَكَانَ ذَلِكَ دَاعِيَة إِلَى نَظَر الرِّجَال إِلَيْهِنَّ , وَتَشَعُّب الْفِكْرَة فِيهِنَّ , أَمَرَ اللَّه رَسُوله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَأْمُرهُنَّ بِإِرْخَاءِ الْجَلَابِيب عَلَيْهِنَّ إِذَا أَرَدْنَ الْخُرُوج إِلَى حَوَائِجهنَّ , وَكُنَّ يَتَبَرَّزْنَ فِي الصَّحْرَاء قَبْل أَنْ تُتَّخَذ الْكُنُف - فَيَقَع الْفَرْق بَيْنهنَّ وَبَيْن الْإِمَاء , فَتُعْرَف الْحَرَائِر بِسِتْرِهِنَّ , فَيَكُفّ عَنْ مُعَارَضَتهنَّ مَنْ كَانَ عَزَبًا أَوْ شَابًّا . وَكَانَتْ الْمَرْأَة مِنْ نِسَاء الْمُؤْمِنِينَ قَبْل نُزُول هَذِهِ الْآيَة تَتَبَرَّز لِلْحَاجَةِ فَيَتَعَرَّض لَهَا بَعْض الْفُجَّار يَظُنّ أَنَّهَا أَمَة , فَتَصِيح بِهِ فَيَذْهَب , فَشَكَوْا ذَلِكَ إِلَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَنَزَلَتْ الْآيَة بِسَبَبِ ذَلِكَ . قَالَ مَعْنَاهُ الْحَسَن وَغَيْره .

الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ

الْجَلَابِيب جَمْع جِلْبَاب , وَهُوَ ثَوْب أَكْبَرُ مِنْ الْخِمَار . وَرُوِيَ عَنْ اِبْن عَبَّاس وَابْن مَسْعُود أَنَّهُ الرِّدَاء . وَقَدْ قِيلَ : إِنَّهُ الْقِنَاع . وَالصَّحِيح أَنَّهُ الثَّوْب الَّذِي يَسْتُر جَمِيع الْبَدَن . وَفِي صَحِيح مُسْلِم عَنْ أُمّ عَطِيَّة : قُلْت : يَا رَسُول اللَّه . إِحْدَانَا لَا يَكُون لَهَا جِلْبَاب ؟ قَالَ : ( لِتُلْبِسْهَا أُخْتهَا مِنْ جِلْبَابهَا ) .

وَاخْتَلَفَ النَّاس فِي صُورَة إِرْخَائِهِ ; فَقَالَ اِبْن عَبَّاس وَعَبِيدَة السَّلْمَانِيّ : ذَلِكَ أَنْ تَلْوِيَهُ الْمَرْأَة حَتَّى لَا يَظْهَر مِنْهَا إِلَّا عَيْن وَاحِدَة تُبْصِر بِهَا . وَقَالَ اِبْن عَبَّاس أَيْضًا وَقَتَادَة : ذَلِكَ أَنْ تَلْوِيه فَوْق الْجَبِين وَتَشُدّهُ , ثُمَّ تَعْطِفهُ عَلَى الْأَنْف , وَإِنْ ظَهَرَتْ عَيْنَاهَا لَكِنَّهُ يَسْتُر الصَّدْر وَمُعْظَم الْوَجْه . وَقَالَ الْحَسَن : تُغَطِّي نِصْف وَجْههَا .

أَمَرَ اللَّه سُبْحَانه جَمِيع النِّسَاء بِالسَّتْرِ , وَإِنَّ ذَلِكَ لَا يَكُون إِلَّا بِمَا لَا يَصِف جِلْدهَا , إِلَّا إِذَا كَانَتْ مَعَ زَوْجهَا فَلَهَا أَنْ تَلْبَس مَا شَاءَتْ ; لِأَنَّ لَهُ أَنْ يَسْتَمْتِع بِهَا كَيْف شَاءَ . ثَبَتَ أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اِسْتَيْقَظَ لَيْلَة فَقَالَ : ( سُبْحَان اللَّه مَاذَا أُنْزِلَ اللَّيْلَة مِنْ الْفِتَن وَمَاذَا فُتِحَ مِنْ الْخَزَائِن مَنْ يُوقِظ صَوَاحِب الْحُجَر رَبّ كَاسِيَة فِي الدُّنْيَا عَارِيَةٌ فِي الْآخِرَة ) . وَرُوِيَ أَنَّ دِحْيَة الْكَلْبِيّ لَمَّا رَجَعَ مِنْ عِنْد هِرَقْل فَأَعْطَاهُ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قُبْطِيَّة ; فَقَالَ : ( اِجْعَلْ صَدِيعًا لَك قَمِيصًا وَأَعْطِ صَاحِبَتك صَدِيعًا تَخْتَمِر بِهِ ) . وَالصَّدِيع النِّصْف . ثُمَّ قَالَ لَهُ : ( مُرْهَا تَجْعَل تَحْتهَا شَيْئًا لِئَلَّا يَصِف ) . وَذَكَرَ أَبُو هُرَيْرَة رِقَّة الثِّيَاب لِلنِّسَاءِ فَقَالَ : الْكَاسِيَات الْعَارِيَات النَّاعِمَات الشَّقِيَّات . وَدَخَلَ نِسْوَة مِنْ بَنِي تَمِيم عَلَى عَائِشَة رَضِيَ اللَّه عَنْهَا عَلَيْهِنَّ ثِيَاب رِقَاق , فَقَالَتْ عَائِشَة : إِنْ كُنْتُنَّ مُؤْمِنَات فَلَيْسَ هَذَا بِلِبَاسِ الْمُؤْمِنَات , وَإِنْ كُنْتُنَّ غَيْر مُؤْمِنَات فَتَمَتَّعْنَهُ . وَأُدْخِلَتْ اِمْرَأَة عَرُوس عَلَى عَائِشَة رَضِيَ اللَّه عَنْهَا وَعَلَيْهَا خِمَار قُبْطِيّ مُعَصْفَر , فَلَمَّا رَأَتْهَا قَالَتْ : لَمْ تُؤْمِن بِسُورَةِ " النُّور " اِمْرَأَةٌ تَلْبَس هَذَا . وَثَبَتَ عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ : ( نِسَاء كَاسِيَات عَارِيَات مَائِلَات مُمِيلَات رُءُوسهنَّ مِثْل أَسْنِمَة الْبُخْت لَا يَدْخُلْنَ الْجَنَّة وَلَا يَجِدْنَ رِيحهَا ) . وَقَالَ عُمَر رَضِيَ اللَّه عَنْهُ : مَا يَمْنَع الْمَرْأَة الْمُسْلِمَة إِذْ كَانَتْ لَهَا حَاجَة أَنْ تَخْرُج فِي أَطْمَارهَا أَوْ أَطْمَار جَارَتهَا مُسْتَخْفِيَة , لَا يَعْلَم بِهَا أَحَد حَتَّى تَرْجِع إِلَى بَيْتهَا .

جَلَابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلَا

أَيْ الْحَرَائِر , حَتَّى لَا يَخْتَلِطْنَ بِالْإِمَاءِ ; فَإِذَا عُرِفْنَ لَمْ يُقَابَلْنَ بِأَدْنَى مِنْ الْمُعَارَضَة مُرَاقَبَة لِرُتْبَةِ الْحُرِّيَّة , فَتَنْقَطِع الْأَطْمَاع عَنْهُنَّ . وَلَيْسَ الْمَعْنَى أَنْ تُعْرَف الْمَرْأَة حَتَّى تُعْلَم مَنْ هِيَ . وَكَانَ عُمَر رَضِيَ اللَّه عَنْهُ إِذَا رَأَى أَمَة قَدْ تَقَنَّعَتْ ضَرَبَهَا بِالدِّرَّةِ , مُحَافَظَة عَلَى زِيّ الْحَرَائِر . وَقَدْ قِيلَ : إِنَّهُ يَجِب السَّتْر وَالتَّقَنُّع الْآن فِي حَقّ الْجَمِيع مِنْ الْحَرَائِر وَالْإِمَاء . وَهَذَا كَمَا أَنَّ أَصْحَاب رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنَعُوا النِّسَاء الْمَسَاجِد بَعْد وَفَاة رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَعَ قَوْله : ( لَا تَمْنَعُوا إِمَاء اللَّه مَسَاجِد اللَّه ) حَتَّى قَالَتْ عَائِشَة رَضِيَ اللَّه عَنْهَا : لَوْ عَاشَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى وَقْتنَا هَذَا لَمَنَعَهُنَّ مِنْ الْخُرُوج إِلَى الْمَسَاجِد كَمَا مُنِعَتْ نِسَاء بَنِي إِسْرَائِيل .

يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا

تَأْنِيس لِلنِّسَاءِ فِي تَرْك الْجَلَابِيب قَبْل هَذَا الْأَمْر الْمَشْرُوع .





_________________
إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً }الأحزاب33

صورة


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة:
مشاركة غير مقروءةمرسل: السبت نوفمبر 25, 2006 12:37 pm 
غير متصل

اشترك في: السبت فبراير 21, 2004 4:33 am
مشاركات: 10727
[font=Traditional Arabic]
[b][size=150]قال تعالى :

" وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُو الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ وَمَا أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولَا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلَا تَكْفُرْ فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ وَمَا هُمْ بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَيَتَعَلَّمُونَ مَا يَضُرُّهُمْ وَلَا يَنْفَعُهُمْ وَلَقَدْ عَلِمُوا لَمَنِ اشْتَرَاهُ مَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلَاقٍ وَلَبِئْسَ مَا شَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ"

البقرة 102

الجلالين
ــــ

"وَاتَّبَعُوا" عُطِفَ عَلَى نَبَذَ "مَا تَتْلُو" أَيْ تَلَتْ "الشَّيَاطِين عَلَى" عَهْد "مُلْك سُلَيْمَان" مِنْ السِّحْر وَكَانَتْ دَفَنَتْهُ تَحْت كُرْسِيّه لَمَّا نُزِعَ مُلْكه أَوْ كَانَتْ تَسْتَرِق السَّمْع وَتَضُمّ إلَيْهِ أَكَاذِيب وَتُلْقِيه إلَى الْكَهَنَة فَيُدَوِّنُونَهُ وَفَشَا ذَلِكَ وَشَاعَ أَنَّ الْجِنّ تَعْلَم الْغَيْب فَجَمَعَ سُلَيْمَان الْكُتُب وَدَفَنَهَا فَلَمَا مَاتَ دَلَّتْ الشَّيَاطِين عَلَيْهَا النَّاس فَاسْتَخْرَجُوهَا فَوَجَدُوا فِيهَا السِّحْر فَقَالُوا إنَّمَا مَلَكَكُمْ بِهَذَا فَتَعْلَمُوهُ فَرَفَضُوا كُتُب أَنْبِيَائِهِمْ قَالَ تَعَالَى تَبْرِئَة لِسُلَيْمَان وَرَدًّا عَلَى الْيَهُود فِي قَوْلهمْ اُنْظُرُوا إلَى مُحَمَّد يَذْكُر سُلَيْمَان فِي الْأَنْبِيَاء وَمَا كَانَ إلَّا سَاحِرًا : "وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَان" أَيْ لَمْ يَعْمَل السِّحْر لِأَنَّهُ كَفَرَ "وَلَكِنَّ" بِالتَّشْدِيدِ وَالتَّخْفِيف "الشَّيَاطِين كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاس السِّحْر" الْجُمْلَة حَال مِنْ ضَمِير كَفَرُوا "و" يُعَلِّمُونَهُم "مَا أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ" أَيْ أُلْهِمَاهُ مِنْ السِّحْر وَقُرِئَ بِكَسْرِ اللَّام الْكَائِنَيْنِ "بِبَابِل" بَلَد فِي سَوَاد الْعِرَاق "هَارُوت وَمَارُوت" بَدَل أَوْ عَطْف بَيَان لِلْمَلَكَيْنِ قَالَ ابْن عَبَّاس هُمَا سَاحِرَانِ كَانَا يُعَلِّمَانِ السِّحْر وَقِيلَ مَلَكَانِ أُنْزِلَا لِتَعْلِيمِهِ ابْتِلَاء مِنْ اللَّه لِلنَّاسِ "وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ" زَائِدَة "أَحَد حَتَّى يَقُولَا" لَهُ نُصْحًا "إنَّمَا نَحْنُ فِتْنَة" بَلِيَّة مِنْ اللَّه إلَى النَّاس لِيَمْتَحِنهُمْ بِتَعْلِيمِهِ فَمَنْ تَعَلَّمَهُ كَفَرَ وَمَنْ تَرَكَهُ فَهُوَ مُؤْمِن "فَلَا تَكْفُر" بِتَعَلُّمِهِ فَإِنْ أَبَى إلَّا التَّعْلِيم عَلَّمَاهُ "فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْن الْمَرْء وَزَوْجه" بِأَنْ يُبَغِّض كُلًّا إلَى الْآخَر "وَمَا هُمْ" أَيْ السَّحَرَة "بِضَارِّينَ بِهِ" بِالسِّحْرِ "مِنْ" زَائِدَة "أَحَد إلَّا بِإِذْنِ اللَّه" بِإِرَادَتِهِ "وَيَتَعَلَّمُونَ مَا يَضُرّهُمْ" فِي الْآخِرَة "وَلَا يَنْفَعهُمْ" وَهُوَ السِّحْر "وَلَقَدْ" لَام قَسَم "عَلِمُوا" أَيْ الْيَهُود "لَمَنْ" لَام ابْتِدَاء مُعَلَّقَة لِمَا قَبْلهَا وَمَنْ مَوْصُولَة "اشْتَرَاهُ" اخْتَارَهُ أَوْ اسْتَبْدَلَهُ بِكِتَابِ اللَّه "مَا لَهُ فِي الْآخِرَة مِنْ خَلَاق" نَصِيب فِي الْجَنَّة "وَلَبِئْسَ مَا" شَيْئًا "شَرَوْا" بَاعُوا "بِهِ أَنْفُسهمْ" أَيْ الشَّارِينَ : أَيْ حَظّهَا مِنْ الْآخِرَة إنْ تَعَلَّمُوهُ حَيْثُ أَوْجَبَ لَهُمْ النَّار "لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ" حَقِيقَة مَا يَصِيرُونَ إلَيْهِ مِنْ الْعَذَاب مَا تَعَلَّمُوهُ


الطبري
ـــ


وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُو الشَّيَاطِينُ

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُوا الشَّيَاطِين } يَعْنِي بِقَوْلِهِ : { وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُوا الشَّيَاطِين } الْفَرِيق مِنْ أَحْبَار الْيَهُود وَعُلَمَائِهَا الَّذِينَ وَصَفَهُمْ اللَّه جَلّ ثَنَاؤُهُ بِأَنَّهُمْ نَبَذُوا كِتَابه الَّذِي أَنْزَلَهُ عَلَى مُوسَى وَرَاء ظُهُورهمْ , تَجَاهُلًا مِنْهُمْ وَكُفْرًا بِمَا هُمْ بِهِ عَالِمُونَ , كَأَنَّهُمْ لَا يَعْلَمُونَ . فَأَخْبَرَ عَنْهُمْ أَنَّهُمْ رَفَضُوا كِتَابه الَّذِي يَعْلَمُونَ أَنَّهُ مُنَزَّل مِنْ عِنْده عَلَى نَبِيّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَنَقَضُوا عَهْده الَّذِي أَخَذَهُ عَلَيْهِمْ فِي الْعَمَل بِمَا فِيهِ , وَآثَرُوا السِّحْر الَّذِي تَلَتْهُ الشَّيَاطِين فِي مُلْك سُلَيْمَان بْن دَاوُد فَاتَّبَعُوهُ ; وَذَلِك هُوَ الْخَسَار وَالضَّلَال الْمُبِين . وَاخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِي الَّذِينَ عُنُوا بِقَوْلِهِ : { وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُوا الشَّيَاطِين عَلَى مُلْك سُلَيْمَان } . فَقَالَ بَعْضهمْ : عَنَى اللَّه بِذَلِك الْيَهُود الَّذِينَ كَانُوا بَيْن ظَهَرَانِي مُهَاجِر رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ; لِأَنَّهُمْ خَاصَمُوا رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالتَّوْرَاةِ , فَوَجَدُوا التَّوْرَاة لِلْقُرْآنِ مُوَافِقَة , تَأْمُرهُ مِنْ اتِّبَاع مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَتَصْدِيقه بِمِثْلِ الَّذِي يَأْمُر بِهِ الْقُرْآن , فَخَاصَمُوا بِالْكُتُبِ الَّتِي كَانَ النَّاس اكْتَتَبُوهَا مِنْ الْكَهَنَة عَلَى عَهْد سُلَيْمَان . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 1366 - حَدَّثَنِي مُوسَى بْن هَارُونَ , قَالَ : ثنا عَمْرو , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ : { وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُوا الشَّيَاطِين عَلَى مُلْك سُلَيْمَان } عَلَى عَهْد سُلَيْمَان . قَالَ : كَانَتْ الشَّيَاطِين تَصْعَد إلَى السَّمَاء , فَتَقْعُد مِنْهَا مَقَاعِد لِلسَّمْعِ , فَيَسْتَمِعُونَ مِنْ كَلَام الْمَلَائِكَة فِيمَا يَكُون فِي الْأَرْض مِنْ مَوْت أَوْ غَيْث أَوْ أَمْر , فَيَأْتُونَ الْكَهَنَة فَيُخْبِرُونَهُمْ , فَتُحَدِّث الْكَهَنَة النَّاس فَيَجِدُونَهُ كَمَا قَالُوا . حَتَّى إذَا أَمَّنَتْهُمْ الْكَهَنَة كَذَبُوا لَهُمْ , فَأَدْخَلُوا فِيهِ غَيْره فَزَادُوا مَعَ كُلّ كَلِمَة سَبْعِينَ كَلِمَة . فَاكْتَتَبَ النَّاس ذَلِكَ الْحَدِيث فِي الْكُتُب وَفَشَا فِي بَنِي إسْرَائِيل أَنَّ الْجِنّ تَعْلَم الْغَيْب . فَبَعَثَ سُلَيْمَان فِي النَّاس , فَجَمَعَ تَلِك الْكُتُب فَجَعَلَهَا فِي صُنْدُوق , ثُمَّ دَفَنَهَا تَحْت كُرْسِيّه , وَلَمْ يَكُنْ أَحَد مِنْ الشَّيَاطِين يَسْتَطِيع أَنْ يَدْنُو مِنْ الْكُرْسِيّ إلَّا احْتَرَقَ , وَقَالَ : " لَا أَسْمَع أَحَدًا يَذْكُر أَنَّ الشَّيَاطِين تَعْلَم الْغَيْب إلَّا ضَرَبْت عُنُقه " . فَلَمَّا مَاتَ سُلَيْمَان , وَذَهَبَتْ الْعُلَمَاء الَّذِينَ كَانُوا يَعْرِفُونَ أَمْر سُلَيْمَان , وَخَلَفَ بَعْد ذَلِكَ خَلَف , تَمَثَّلَ الشَّيْطَان فِي صُورَة إنْسَان , ثُمَّ أَتَى نَفَرًا مِنْ بَنِي إسْرَائِيل , فَقَالَ : هَلْ أَدُلّكُمْ عَلَى كَنْز لَا تَأْكُلُونَهُ أَبَدًا ؟ قَالُوا : نَعَمْ . قَالَ : فَاحْفِرُوا تَحْت الْكُرْسِيّ وَذَهَبَ مَعَهُمْ فَأَرَاهُمْ الْمَكَان . فَقَامَ نَاحِيَة , فَقَالُوا لَهُ : فَادْنُ ! قَالَ : لَا وَلَكِنِّي هَاهُنَا فِي أَيْدِيكُمْ , فَإِنْ لَمْ تَجِدُوهُ فَاقْتُلُونِي . فَحَفَرُوا فَوَجَدُوا تِلْكَ الْكُتُب , فَلَمَّا أَخْرَجُوهَا قَالَ الشَّيْطَان : إنَّ سُلَيْمَان إنَّمَا كَانَ يَضْبِط الْإِنْس وَالشَّيَاطِين وَالطَّيْر بِهَذَا السِّحْر . ثُمَّ طَارَ فَذَهَبَ . وَفَشَا فِي النَّاس أَنَّ سُلَيْمَان كَانَ سَاحِرًا وَاِتَّخَذَتْ بَنُو إسْرَائِيل تِلْكَ الْكُتُب . فَلَمَّا جَاءَهُمْ مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَاصَمُوهُ بِهَا , فَذَلِكَ حِين يَقُول : { وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَان وَلَكِنَّ الشَّيَاطِين كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاس السِّحْر } . 1367 - حُدِّثْت عَنْ عَمَّار بْن الْحَسَن , قَالَ : ثنا ابْن أَبِي جَعْفَر , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ الرَّبِيع فِي قَوْله : { وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُوا الشَّيَاطِين عَلَى مُلْك سُلَيْمَان } قَالُوا : إنَّ الْيَهُود سَأَلُوا مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ زَمَانًا عَنْ أُمُور مِنْ التَّوْرَاة , لَا يَسْأَلُونَهُ عَنْ شَيْء مِنْ ذَلِكَ إلَّا أَنْزَلَ اللَّه عَلَيْهِ مَا سَأَلُوهُ عَنْهُ فَيَخُصّهُمْ . فَلَمَّا رَأَوْا ذَلِكَ قَالُوا : هَذَا أَعْلَم بِمَا أُنْزِلَ إلَيْنَا مِنَّا . وَإِنَّهُمْ سَأَلُوهُ عَنْ السِّحْر وَخَاصَمُوهُ بِهِ , فَأَنْزَلَ اللَّه جَلّ وَعَزَّ : { وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُوا الشَّيَاطِين عَلَى مُلْك سُلَيْمَان وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَان وَلَكِنَّ الشَّيَاطِين كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاس السِّحْر } . وَإِنَّ الشَّيَاطِين عَمَدُوا إلَى كِتَاب فَكَتَبُوا فِيهِ السِّحْر وَالْكَهَانَة وَمَا شَاءَ اللَّه مِنْ ذَلِكَ , فَدَفَنُوهُ تَحْت مَجْلِس سُلَيْمَان , وَكَانَ سُلَيْمَان لَا يَعْلَم الْغَيْب , فَلَمَّا فَارَقَ سُلَيْمَان الدُّنْيَا اسْتَخْرَجُوا ذَلِكَ السِّحْر , وَخَدَعُوا بِهِ النَّاس وَقَالُوا : هَذَا عِلْم كَانَ سُلَيْمَان يَكْتُمهُ وَيَحْسُد النَّاس عَلَيْهِ . فَأَخْبَرَهُمْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِهَذَا الْحَدِيث . فَرَجَعُوا مِنْ عِنْده , وَقَدْ حَزِنُوا وَأَدْحَض اللَّه حُجَّتهمْ . 1368 - وَحَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْن وَهْب , قَالَ : قَالَ ابْن زَيْد فِي قَوْله : { وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُوا الشَّيَاطِين عَلَى مُلْك سُلَيْمَان } قَالَ : لَمَّا جَاءَهُمْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُصَدِّقًا لِمَا مَعَهُمْ { نَبَذَ فَرِيق مِنْ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَاب } الْآيَة . قَالَ : اتَّبَعُوا السِّحْر , وَهُمْ أَهْل الْكِتَاب . فَقَرَأَ حَتَّى بَلَغَ : { وَلَكِنَّ الشَّيَاطِين كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاس السِّحْر } . وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ عَنَى اللَّه بِذَلِك الْيَهُود الَّذِينَ كَانُوا عَلَى عَهْد سُلَيْمَان . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ . 1369 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : حَدَّثَنِي حَجَّاج , قَالَ : قَالَ ابْن جُرَيْجٍ : تَلَتْ الشَّيَاطِين السِّحْر عَلَى الْيَهُود عَلَى مُلْك سُلَيْمَان فَاتَّبَعَتْهُ الْيَهُود عَلَى مُلْكه ; يَعْنِي اتَّبَعُوا السِّحْر عَلَى مُلْك سُلَيْمَان . 1370 - حَدَّثَنَا ابْن حُمَيْدٍ , قَالَ : ثنا سَلَمَة , قَالَ : حَدَّثَنِي ابْن إسْحَاق , قَالَ : عَمَدَتْ الشَّيَاطِين حِين عَرَفَتْ مَوْت سُلَيْمَان بْن دَاوُد عَلَيْهِ السَّلَام , فَكَتَبُوا أَصْنَاف السِّحْر : مَنْ كَانَ يُحِبّ أَنْ يَبْلُغ كَذَا وَكَذَا , فَلْيَفْعَلْ كَذَا وَكَذَا . حَتَّى إذَا صَنَعُوا أَصْنَاف السِّحْر , جَعَلُوهُ فِي كِتَاب . ثُمَّ خَتَمُوا عَلَيْهِ بِخَاتَمِ عَلَى نَقْش خَاتَم سُلَيْمَان , وَكَتَبُوا فِي عِنْوَانه : " هَذَا مَا كَتَبَ آصف بْن برخيا الصِّدِّيق لِلْمَلَكِ سُلَيْمَان بْن دَاوُد مِنْ ذَخَائِر كُنُوز الْعِلْم " . ثُمَّ دَفَنُوهُ تَحْت كُرْسِيّه , فَاسْتَخْرَجَتْهُ بَعْد ذَلِكَ بَقَايَا بَنِي إسْرَائِيل حِين أَحْدَثُوا مَا أَحْدَثُوا , فَلَمَّا عَثَرُوا عَلَيْهِ قَالُوا : مَا كَانَ سُلَيْمَان بْن دَاوُد إلَّا بِهَذَا . فَأَفْشَوْا السِّحْر فِي النَّاس وَتَعَلَّمُوهُ وَعَلَّمُوهُ , فَلَيْسَ فِي أَحَد أَكْثَر مِنْهُ فِي يَهُود . فَلَمَّا ذَكَرَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيمَا نَزَلَ عَلَيْهِ مِنْ اللَّه سُلَيْمَان بْن دَاوُد وَعَدَّهُ فِيمَنْ عَدَّهُ مِنْ الْمُرْسَلِينَ , قَالَ مَنْ كَانَ بِالْمَدِينَةِ مِنْ يَهُود : أَلَا تَعْجَبُونَ لِمُحَمَّدِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَزْعُم أَنَّ سُلَيْمَان بْن دَاوُد كَانَ نَبِيًّا ! وَاَللَّه مَا كَانَ إلَّا سَاحِرًا ! فَأَنْزَلَ اللَّه فِي ذَلِكَ مِنْ قَوْلهمْ عَلَى مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : { وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُوا الشَّيَاطِين عَلَى مُلْك سُلَيْمَان وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَان وَلَكِنَّ الشَّيَاطِين كَفَرُوا } قَالَ : كَانَ حِين ذَهَبَ مُلْك سُلَيْمَان ارْتَدَّ فِئَام مِنْ الْجِنّ وَالْإِنْس وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَات . فَلَمَّا رَجَّعَ اللَّه إلَى سُلَيْمَان مُلْكه , قَامَ النَّاس عَلَى الدِّين كَمَا كَانُوا . وَإِنَّ سُلَيْمَان ظَهَرَ عَلَى كُتُبهمْ فَدَفَنَهَا تَحْت كُرْسِيّه . وَتُوُفِّيَ سُلَيْمَان حِدْثَان ذَلِكَ , فَظَهَرَتْ الْجِنّ وَالْإِنْس عَلَى الْكُتُب بَعْد وَفَاة سُلَيْمَان , وَقَالُوا : هَذَا كِتَاب مِنْ اللَّه نَزَلَ عَلَى سُلَيْمَان أَخْفَاهُ مِنَّا . فَأَخَذُوا بِهِ فَجَعَلُوهُ دِينًا , فَأَنْزَلَ اللَّه : { وَلَمَّا جَاءَهُمْ رَسُول مِنْ عِنْد اللَّه مُصَدِّق لِمَا مَعَهُمْ نَبَذَ فَرِيق مِنْ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَاب كِتَاب اللَّه وَرَاء ظُهُورهمْ كَأَنَّهُمْ لَا يَعْلَمُونَ وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُوا الشَّيَاطِين } وَهِيَ الْمَعَازِف وَاللَّعِب وَكُلّ شَيْء يَصُدّ عَنْ ذِكْر اللَّه . وَالصَّوَاب مِنْ الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله : { وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُوا الشَّيَاطِين عَلَى مُلْك سُلَيْمَان } أَنَّ ذَلِكَ تَوْبِيخ مِنْ اللَّه لِأَحْبَارِ الْيَهُود الَّذِينَ أَدْرَكُوا رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَجَحَدُوا نُبُوَّته وَهُمْ يَعْلَمُونَ أَنَّهُ لِلَّهِ رَسُول مُرْسَل , وَتَأْنِيب مِنْهُ لَهُمْ فِي رَفْضهمْ تَنْزِيله , وَهَجْرهمْ الْعَمَل بِهِ وَهُوَ فِي أَيْدِيهمْ يَعْلَمُونَهُ وَيَعْرِفُونَ أَنَّهُ كِتَاب اللَّه , وَاتِّبَاعهمْ وَاتِّبَاع أَوَائِلهمْ وَأَسْلَافهمْ مَا تَلَتْهُ الشَّيَاطِين فِي عَهْد سُلَيْمَان . وَقَدْ بَيَّنَّا وَجْه جَوَاز إضَافَة أَفْعَال أَسْلَافهمْ إلَيْهِمْ فِيمَا مَضَى , فَأَغْنَى ذَلِكَ عَنْ إعَادَته فِي هَذَا الْمَوْضِع . وَإِنَّمَا اخْتَرْنَا هَذَا التَّأْوِيل لِأَنَّ الْمُتَّبِعَة مَا تَلَتْهُ الشَّيَاطِين فِي عَهْد سُلَيْمَان وَبَعْده إلَى أَنْ بَعَثَ اللَّه نَبِيّه بِالْحَقِّ وَأَمْر السِّحْر لَمْ يَزَلْ فِي الْيَهُود , وَلَا دَلَالَة فِي الْآيَة أَنَّ اللَّه تَعَالَى أَرَادَ بِقَوْلِهِ : { وَاتَّبَعُوا } بَعْضًا مِنْهُمْ دُون بَعْض , إذْ كَانَ جَائِزًا فَصِيحًا فِي كَلَام الْعَرَب إضَافَة مَا وَصَفْنَا مِنْ اتِّبَاع أَسْلَاف الْمُخْبِر عَنْهُمْ بِقَوْلِهِ : { وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُوا الشَّيَاطِين } إلَى أَخْلَافهمْ بَعْدهمْ . وَلَمْ يَكُنْ بِخُصُوصِ ذَلِكَ عَنْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَثَر مَنْقُول , وَلَا حُجَّة تَدُلّ عَلَيْهِ , فَكَانَ الْوَاجِب مِنْ الْقَوْل فِي ذَلِكَ أَنْ يُقَال : كُلّ مُتَّبِع مَا تَلَتْهُ الشَّيَاطِين عَلَى عَهْد سُلَيْمَان مِنْ الْيَهُود دَاخِل فِي مَعْنَى الْآيَة , عَلَى النَّحْو الَّذِي قُلْنَا . الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { مَا تَتْلُوا الشَّيَاطِين } يَعْنِي جَلّ ثَنَاؤُهُ بِقَوْلِهِ : { مَا تَتْلُوا الشَّيَاطِين } الَّذِي تَتْلُو . فَتَأْوِيل الْكَلَام إذًا : وَاتَّبَعُوا الَّذِي تَتْلُو الشَّيَاطِين . وَاخْتُلِفَ فِي تَأْوِيل قَوْله : { تَتْلُوا } فَقَالَ بَعْضهمْ : يَعْنِي بِقَوْلِهِ : { تَتْلُوا } تُحَدِّث وَتَرْوِي وَتَتَكَلَّم بِهِ وَتُخْبِر , نَحْو تِلَاوَة الرَّجُل لِلْقُرْآنِ وَهِيَ قِرَاءَته . وَوَجْه قَائِلُو هَذَا الْقَوْل تَأْوِيلهمْ ذَلِكَ إلَى أَنَّ الشَّيَاطِين هِيَ الَّتِي عَلَّمَتْ النَّاس السِّحْر وَرَوَتْهُ لَهُمْ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 1371 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى بْن إبْرَاهِيم , قَالَ : ثنا أَبُو حُذَيْفَة , قَالَ : ثنا شِبْل , عَنْ عَمْرو , عَنْ مُجَاهِد فِي قَوْل اللَّه : { وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُوا الشَّيَاطِين عَلَى مُلْك سُلَيْمَان } قَالَ : كَانَتْ الشَّيَاطِين تَسْمَع الْوَحْي , فَمَا سَمِعُوا مِنْ كَلِمَة زَادُوا فِيهَا مِائَتَيْنِ مِثْلهَا , فَأَرْسَلَ سُلَيْمَان إلَى مَا كَتَبُوا مِنْ ذَلِكَ فَجَمَعَهُ . فَلَمَّا تُوُفِّيَ سُلَيْمَان وَجَدَتْهُ الشَّيَاطِين فَعَلَّمَتْهُ النَّاس ; وَهُوَ السِّحْر . 1372 - حَدَّثَنَا بِشْر بْن مُعَاذ , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة قَوْله : { وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُوا الشَّيَاطِين عَلَى مُلْك سُلَيْمَان } مِنْ الْكَهَانَة وَالسِّحْر ; وَذَكَر لَنَا وَاَللَّه أَعْلَم أَنَّ الشَّيَاطِين ابْتَدَعَتْ كِتَابًا فِيهِ سِحْر وَأَمْر عَظِيم , ثُمَّ أَفْشَوْهُ فِي النَّاس وَعَلَّمُوهُمْ إيَّاهُ . 1373 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : حَدَّثَنِي حَجَّاج , عَنْ ابْن جُرَيْجٍ , قَالَ : قَالَ عَطَاء : قَوْله : { وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُوا الشَّيَاطِين } قَالَ : نَرَاهُ مَا تُحَدِّث . 1374 - حَدَّثَنِي سَلَم بْن جُنَادَةَ السُّوَائِيّ , قَالَ : ثنا أَبُو مُعَاوِيَة , عَنْ الْأَعْمَش , عَنْ الْمِنْهَال , عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر , عَنْ ابْن عَبَّاس , قَالَ : انْطَلَقَتْ الشَّيَاطِين فِي الْأَيَّام الَّتِي اُبْتُلِيَ فِيهَا سُلَيْمَان , فَكَتَبَتْ فِيهَا كُتُبًا فِيهَا سِحْر وَكُفْر , ثُمَّ دَفَنُوهَا تَحْت كُرْسِيّ سُلَيْمَان , ثُمَّ أَخْرَجُوهَا فَقَرَءُوهَا عَلَى النَّاس . وَقَالَ آخَرُونَ : مَعْنَى قَوْله : { مَا تَتْلُوا } مَا تَتَّبِعهُ وَتَرْوِيه وَتَعْمَل بِهِ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 1375 - حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن عَمْرو العنقزي , قَالَ : حَدَّثَنِي أَبِي , عَنْ أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ , عَنْ أَبِي مَالِك , عَنْ ابْن عَبَّاس : { تَتْلُوا } قَالَ : تَتْبَع . 1376 - حَدَّثَنِي نَصْر بْن عَبْد الرَّحْمَن الْأَزْدِيّ , قَالَ : ثنا يَحْيَى بْن إبْرَاهِيم , عَنْ سُفْيَان الثَّوْرِيّ , عَنْ مَنْصُور , عَنْ أَبِي رَزِين مِثْله . قَالَ أَبُو جَعْفَر : وَالصَّوَاب مِنْ الْقَوْل فِي ذَلِكَ أَنْ يُقَال : إنَّ اللَّه عَزَّ وَجَلّ أَخْبَرَ عَنْ الَّذِينَ أَخْبَرَ عَنْهُمْ أَنَّهُمْ اتَّبَعُوا مَا تَتْلُو الشَّيَاطِين عَلَى عَهْد سُلَيْمَان بِاتِّبَاعِهِمْ مَا تَلَتْهُ الشَّيَاطِين . وَلِقَوْلِ الْقَائِل : " هُوَ يَتْلُو كَذَا " فِي كَلَام الْعَرَب مَعْنَيَانِ : أَحَدهمَا الِاتِّبَاع , كَمَا يُقَال : تَلَوْت فُلَانًا إذَا مَشَيْت خَلْفه وَتَبِعْت أَثَره , كَمَا قَالَ جَلّ ثَنَاؤُهُ : { هُنَالِكَ تَبْلُو كُلّ نَفْس مَا أَسْلَفَتْ } 10 30 يَعْنِي بِذَلِك تَتْبَع . وَالْآخَر : الْقِرَاءَة وَالدِّرَاسَة , كَمَا تَقُول : فُلَان يَتْلُو الْقُرْآن , . بِمَعْنَى أَنَّهُ يَقْرَؤُهُ وَيَدْرُسهُ , كَمَا قَالَ حَسَّان بْن ثَابِت : نَبِيّ يَرَى مَا لَا يَرَى النَّاس حَوْله وَيَتْلُو كِتَاب اللَّه فِي كُلّ مَشْهَد وَلَمْ يُخْبِرنَا اللَّه جَلّ ثَنَاؤُهُ بِأَيِّ مَعْنَى التِّلَاوَة كَانَتْ تِلَاوَة الشَّيَاطِين الَّذِينَ تَلُوا مَا تَلَوْهُ مِنْ السِّحْر عَلَى عَهْد سُلَيْمَان بِخَبَرِ يَقْطَع الْعُذْر . وَقَدْ يَجُوز أَنْ تَكُون الشَّيَاطِين تَلَتْ ذَلِكَ دِرَاسَة وَرِوَايَة وَعَمَلًا , فَتَكُون كَانَتْ مُتَّبِعَته بِالْعَمَلِ , وَدِرَاسَته بِالرِّوَايَةِ , فَاتَّبَعَتْ الْيَهُود مِنْهَاجهَا فِي ذَلِكَ وَعَمِلَتْ بِهِ وَرَوَتْهُ .

عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { عَلَى مُلْك سُلَيْمَان } . يَعْنِي بِقَوْلِهِ جَلّ ثَنَاؤُهُ : { عَلَى مُلْك سُلَيْمَان } فِي مُلْك سُلَيْمَان ; وَذَلِك أَنَّ الْعَرَب تَضَع " فِي " مَوْضِع " عَلَى " و " عَلَى " فِي مَوْضِع " فِي " , مِنْ ذَلِكَ قَوْل اللَّه جَلّ ثَنَاؤُهُ : { وَلَأُصَلِّبَنكُمْ فِي جُذُوع النَّخْل } 20 71 يَعْنِي بِهِ : عَلَى جُذُوع النَّخْل , وَكَمَا قَالَ : " فَعَلْت كَذَا فِي عَهْد كَذَا وَعَلَى عَهْد كَذَا " بِمَعْنَى وَاحِد . وَبِمَا قُلْنَا مِنْ ذَلِكَ كَانَ ابْن جُرَيْجٍ وَابْن إسْحَاق يَقُولَانِ فِي تَأْوِيله . 1377 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ , حَدَّثَنِي حَجَّاج , قَالَ : ابْن جُرَيْجٍ : { عَلَى مُلْك سُلَيْمَان } يَقُول : فِي مُلْك سُلَيْمَان . 1378 - حَدَّثَنَا ابْن حُمَيْدٍ , قَالَ : ثنا سَلَمَة , قَالَ : قَالَ ابْن أَبِي إسْحَاق فِي قَوْله : { عَلَى مُلْك سُلَيْمَان } أَيْ فِي مُلْك سُلَيْمَان .

وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَان وَلَكِنَّ الشَّيَاطِين كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاس السِّحْر } . إنْ قَالَ لَنَا قَائِل : وَمَا هَذَا الْكَلَام مِنْ قَوْله : { وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُوا الشَّيَاطِين عَلَى مُلْك سُلَيْمَان } وَلَا خَبَر مَعَنَا قَبْل عَنْ أَحَد أَنَّهُ أَضَافَ الْكُفْر إلَى سُلَيْمَان , بَلْ إنَّمَا ذَكَرَ اتِّبَاع مَنْ اتَّبَعَ مِنْ الْيَهُود مَا تَلَتْهُ الشَّيَاطِين ؟ فَمَا وَجْه نَفْي الْكُفْر عَنْ سُلَيْمَان بِعَقِبِ الْخَبَر عَنْ اتِّبَاع مَنْ اتَّبَعَتْ الشَّيَاطِين فِي الْعَمَل بِالسِّحْرِ وَرِوَايَته مِنْ الْيَهُود ؟ قِيلَ : وَجْه ذَلِكَ أَنَّ الَّذِينَ أَضَافَ اللَّه جَلّ ثَنَاؤُهُ إلَيْهِمْ اتِّبَاع مَا تَلَتْهُ الشَّيَاطِين عَلَى عَهْد سُلَيْمَان مِنْ السِّحْر وَالْكُفْر مِنْ الْيَهُود , نَسَبُوا مَا أَضَافَهُ اللَّه تَعَالَى ذِكْره إلَى الشَّيَاطِين مِنْ ذَلِكَ إلَى سُلَيْمَان بْن دَاوُد , وَزَعَمُوا أَنَّ ذَلِكَ كَانَ مِنْ عِلْمه وَرِوَايَته , وَأَنَّهُ إنَّمَا كَانَ يَسْتَعْبِد مَنْ يَسْتَعْبِد مِنْ الْإِنْس وَالْجِنّ وَالشَّيَاطِين وَسَائِر خَلْق اللَّه بِالسِّحْرِ . فَحَسَّنُوا بِذَلِك - مِنْ رُكُوبهمْ مَا حَرَّمَ اللَّه عَلَيْهِمْ مِنْ السِّحْر - أَنْفُسهمْ عِنْد مَنْ كَانَ جَاهِلًا بِأَمْرِ اللَّه وَنَهْيه , وَعِنْد مَنْ كَانَ لَا عِلْم لَهُ بِمَا أَنْزَلَ اللَّه فِي ذَلِكَ مِنْ التَّوْرَاة , وَتَبَرَّأَ بِإِضَافَةِ ذَلِكَ إلَى سُلَيْمَان - مِنْ سُلَيْمَان , وَهُوَ نَبِيّ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْهُمْ - بَشَر , وَأَنْكَرُوا أَنْ يَكُون كَانَ لِلَّهِ رَسُولًا , وَقَالُوا : بَلْ كَانَ سَاحِرًا . فَبَرَّأَ اللَّه سُلَيْمَان بْن دَاوُد مِنْ السِّحْر وَالْكُفْر عِنْد مَنْ كَانَ مِنْهُمْ يَنْسُبهُ إلَى السِّحْر وَالْكُفْر لِأَسْبَابِ ادَّعَوْهَا عَلَيْهِ قَدْ ذَكَرْنَا بَعْضهَا , وَسَنَذْكُرُ بَاقِي مَا حَضَرَنَا ذِكْره مِنْهَا . وَأَكْذَب الْآخَرِينَ الَّذِينَ كَانُوا يَعْمَلُونَ بِالسِّحْرِ , مُتَزَيِّنِينَ عِنْد أَهْل الْجَهْل فِي عَمَلهمْ ذَلِكَ بِأَنَّ سُلَيْمَان كَانَ يَعْمَلهُ . فَنَفَى اللَّه عَنْ سُلَيْمَان عَلَيْهِ السَّلَام أَنْ يَكُون كَانَ سَاحِرًا أَوْ كَافِرًا , وَأَعْلَمهُمْ أَنَّهُمْ إنَّمَا اتَّبَعُوا فِي عَمَلهمْ السِّحْر مَا تَلَتْهُ الشَّيَاطِين فِي عَهْد سُلَيْمَان , دُون مَا كَانَ سُلَيْمَان يَأْمُرهُمْ مِنْ طَاعَة اللَّه وَاتِّبَاع مَا أَمَرَهُمْ بِهِ فِي كِتَابه الَّذِي أَنْزَلَهُ عَلَى مُوسَى صَلَوَات اللَّه عَلَيْهِ . ذِكْر الدَّلَائِل عَلَى صِحَّة مَا قُلْنَا مِنْ الْأَخْبَار وَالْآثَار : 1379 - حَدَّثَنَا ابْن حُمَيْدٍ , قَالَ : ثنا يَعْقُوب الْقَمِّيّ , عَنْ جَعْفَر بْن أَبِي الْمُغِيرَة , عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر , قَالَ : كَانَ سُلَيْمَان يَتَتَبَّع مَا فِي أَيْدِي الشَّيَاطِين مِنْ السِّحْر , فَيَأْخُذهُ فَيَدْفِنهُ تَحْت كُرْسِيّه فِي بَيْت خِزَانَته . فَلَمْ تَقْدِر الشَّيَاطِين أَنْ يَصِلُوا إلَيْهِ , فَدَنَتْ إلَى الْإِنْس , فَقَالُوا لَهُمْ : أَتُرِيدُونَ الْعِلْم الَّذِي كَانَ سُلَيْمَان يُسَخِّر بِهِ الشَّيَاطِين وَالرِّيَاح وَغَيْر ذَلِكَ ؟ قَالُوا : نَعَمْ . قَالُوا : فَإِنَّهُ فِي بَيْت خِزَانَته وَتَحْت كُرْسِيّه . فَاسْتِثَارَته الْإِنْس فَاسْتَخْرَجُوهُ فَعَمِلُوا بِهِ . فَقَالَ أَهْل الْحِجَاز : كَانَ سُلَيْمَان يَعْمَل بِهَذَا وَهَذَا سِحْر . فَأَنْزَلَ اللَّه جَلّ ثَنَاؤُهُ عَلَى لِسَان نَبِيّه مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَرَاءَة سُلَيْمَان , فَقَالَ : { وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُوا الشَّيَاطِين عَلَى مُلْك سُلَيْمَان } الْآيَة , فَأَنْزَلَ اللَّه بَرَاءَة سُلَيْمَان عَلَى لِسَان نَبِيّه عَلَيْهِمَا السَّلَام . 1380 - حَدَّثَنِي أَبُو السَّائِب السُّوَائِيّ , قَالَ : ثنا أَبُو مُعَاوِيَة , عَنْ الْأَعْمَش , عَنْ الْمِنْهَال , عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر , عَنْ ابْن عَبَّاس , قَالَ : كَانَ الَّذِي أَصَابَ سُلَيْمَان بْن دَاوُد فِي سَبَب أُنَاس مِنْ أَهْل امْرَأَة يُقَال لَهَا جَرَادَة , وَكَانَتْ مِنْ أَكْرَم نِسَائِهِ عَلَيْهِ , قَالَ : فَكَانَ هَوَى سُلَيْمَان أَنْ يَكُون الْحَقّ لِأَهْلِ الْجَرَادَة فَيَقْضِي لَهُمْ , فَعُوقِبَ حِين لَمْ يَكُنْ هَوَاهُ فِيهِمْ وَاحِد . قَالَ : وَكَانَ سُلَيْمَان بْن دَاوُد إذَا أَرَادَ أَنْ يَدْخُل الْخَلَاء أَوْ يَأْتِي شَيْئًا مِنْ نِسَائِهِ أَعْطَى الْجَرَادَة خَاتَمه . فَلَمَّا أَرَادَ اللَّه أَنْ يَبْتَلِي سُلَيْمَان بِاَلَّذِي ابْتَلَاهُ بِهِ , أَعْطَى الْجَرَادَة ذَات يَوْم خَاتَمه , فَجَاءَ الشَّيْطَان فِي صُورَة سُلَيْمَان فَقَالَ لَهَا : هَاتِي خَاتَمِي ! فَأَخَذَهُ فَلَبِسَهُ , فَلَمَّا لَبِسَهُ دَانَتْ لَهُ الشَّيَاطِين وَالْجِنّ وَالْإِنْس . قَالَ : فَجَاءَهَا سُلَيْمَان فَقَالَ : هَاتِي خَاتَمِي ! فَقَالَتْ : كَذَبْت لَسْت بِسُلَيْمَان . قَالَ : فَعَرَفَ سُلَيْمَان أَنَّهُ بَلَاء اُبْتُلِيَ بِهِ . قَالَ : فَانْطَلَقَتْ الشَّيَاطِين فَكَتَبَتْ فِي تِلْكَ الْأَيَّام كُتُبًا فِيهَا سِحْر وَكُفْر ثُمَّ دَفَنُوهَا تَحْت كُرْسِيّ سُلَيْمَان , ثُمَّ أَخْرَجُوهَا فَقَرَءُوهَا عَلَى النَّاس وَقَالُوا : إنَّمَا كَانَ سُلَيْمَان يَغْلِب النَّاس بِهَذِهِ الْكُتُب . قَالَ : فَبَرِئَ النَّاس مِنْ سُلَيْمَان وَأَكْفَرُوهُ , حَتَّى بَعَثَ اللَّه مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ; فَأَنْزَلَ جَلّ ثَنَاؤُهُ : { وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُوا الشَّيَاطِين عَلَى مُلْك سُلَيْمَان } يَعْنِي الَّذِي كَتَبَ الشَّيَاطِين مِنْ السِّحْر وَالْكُفْر { وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَان وَلَكِنَّ الشَّيَاطِين كَفَرُوا } فَأَنْزَلَ اللَّه جَلّ وَعَزَّ وَعَذَرَهُ . 1381 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَبْد الْأَعْلَى الصَّنْعَانِيّ , قَالَ : ثنا الْمُعْتَمِر بْن سُلَيْمَان , قَالَ : سَمِعْت عِمْرَان بْن حُدَيْر , عَنْ أَبِي مِجْلَز , قَالَ : أَخَذَ سُلَيْمَان مِنْ كُلّ دَابَّة عَهْدًا , فَإِذَا أُصِيب رَجُل فَسُئِلَ بِذَلِك الْعَهْد خُلِّيَ عَنْهُ , فَرَأَى النَّاس السَّجْع وَالسِّحْر وَقَالُوا : هَذَا كَانَ يَعْمَل بِهِ سُلَيْمَان ; فَقَالَ اللَّه جَلّ ثَنَاؤُهُ : { وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَان وَلَكِنَّ الشَّيَاطِين كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاس السِّحْر } . 1382 - حَدَّثَنَا أَبُو حُمَيْدٍ , قَالَ : ثنا جَرِير , عَنْ حُصَيْن بْن عَبْد الرَّحْمَن , عَنْ عِمْرَان بْن الْحَارِث , قَالَ : بَيْنَا نَحْنُ عِنْد ابْن عَبَّاس إذْ جَاءَهُ رَجُل , فَقَالَ لَهُ ابْن عَبَّاس : مِنْ أَيْنَ جِئْت ؟ قَالَ : مِنْ الْعِرَاق , قَالَ : مِنْ أَيّهِ ؟ قَالَ : مِنْ الْكُوفَة . قَالَ : فَمَا الْخَبَر ؟ قَالَ : تَرَكْتهمْ يَتَحَدَّثُونَ عَلِيًّا خَارِج إلَيْهِمْ . فَفَزِعَ فَقَالَ : مَا تَقُول لَا أَبَا لَك ! لَوْ شَعَرنَا مَا نَكَحْنَا نِسَاءَهُ وَلَا قَسَمْنَا مِيرَاثه , أَمَا إنِّي أُحَدِّثكُمْ مِنْ ذَلِكَ أَنَّهُ كَانَتْ الشَّيَاطِين يَسْتَرِقُونَ السَّمْع مِنْ السَّمَاء فَيَأْتِي أَحَدهمْ بِكَلِمَةِ حَقّ قَدْ سَمِعَهَا , فَإِذَا حَدَثَ مِنْهُ صِدْق كَذَبَ مَعَهَا سَبْعِينَ كِذْبَة , قَالَ : فَيَشْرَبهَا قُلُوب النَّاس ; فَأَطْلَعَ اللَّه عَلَيْهَا سُلَيْمَان فَدَفَنَهَا تَحْت كُرْسِيّه . فَلَمَّا تُوُفِّيَ سُلَيْمَان بْن دَاوُد قَامَ شَيْطَان بِالطَّرِيقِ فَقَالَ : أَلَا أَدُلّكُمْ عَلَى كَنْزه الْمُمَنَّع الَّذِي لَا كَنْز مِثْله ؟ تَحْت الْكُرْسِيّ . فَأَخْرَجُوهُ فَقَالُوا : هَذَا سِحْر . فَتَنَاسَخَهَا الْأُمَم , حَتَّى بَقَايَاهُمْ مَا يَتَحَدَّث بِهِ أَهْل الْعِرَاق . فَأَنْزَلَ اللَّه عُذْر سُلَيْمَان : { وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُوا الشَّيَاطِين عَلَى مُلْك سُلَيْمَان وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَان وَلَكِنَّ الشَّيَاطِين كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاس السِّحْر } . 1383 - حَدَّثَنَا بِشْر بْن مُعَاذ , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَالَ : ذُكِرَ لَنَا وَاَللَّه أَعْلَم أَنَّ الشَّيَاطِين ابْتَدَعَتْ كِتَابًا فِيهِ سِحْر وَأَمْر عَظِيم , ثُمَّ أَفْشَوْهُ فِي النَّاس وَأَعْلَمُوهُمْ إيَّاهُ . فَلَمَّا سَمِعَ بِذَلِك سُلَيْمَان نَبِيّ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَتَبَّعَ تِلْكَ الْكُتُب , فَأَتَى بِهَا فَدَفَنَهَا تَحْت كُرْسِيّه كَرَاهِيَة أَنْ يَتَعَلَّمهَا النَّاس . فَلَمَّا قَبَضَ اللَّه نَبِيّه سُلَيْمَان عَمَدَتْ الشَّيَاطِين فَاسْتَخْرَجُوهَا مِنْ مَكَانهَا الَّذِي كَانَتْ فِيهِ فَعَلَّمُوهَا النَّاس , فَأَخْبَرُوهُمْ أَنَّ هَذَا عِلْم كَانَ يَكْتُمهُ سُلَيْمَان وَيَسْتَأْثِر بِهِ . فَعَذَرَ اللَّه نَبِيّه سُلَيْمَان وَبَرَّأَهُ مِنْ ذَلِكَ , فَقَالَ جَلّ ثَنَاؤُهُ : { وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَان وَلَكِنَّ الشَّيَاطِين كَفَرُوا } . * - حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة , قَالَ : كَتَبَتْ الشَّيَاطِين كُتُبًا فِيهَا سِحْر وَشِرْك , ثُمَّ دَفَنَتْ تِلْكَ الْكُتُب تَحْت كُرْسِيّ سُلَيْمَان . فَلَمَّا مَاتَ سُلَيْمَان اسْتَخْرَجَ النَّاس تِلْكَ الْكُتُب , فَقَالُوا : هَذَا عِلْم كَتَمْنَاهُ سُلَيْمَان . فَقَالَ اللَّه جَلّ وَعَزَّ : { وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُوا الشَّيَاطِين عَلَى مُلْك سُلَيْمَان وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَان وَلَكِنَّ الشَّيَاطِين كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاس السِّحْر } . 1384 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا حَجَّاج , حَدَّثَنَا الْحُسَيْن قَالَ : عَنْ ابْن جُرَيْجٍ , عَنْ مُجَاهِد قَوْله : { وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُوا الشَّيَاطِين عَلَى مُلْك سُلَيْمَان } قَالَ : كَانَتْ الشَّيَاطِين تَسْتَمِع الْوَحْي مِنْ السَّمَاء , فَمَا سَمِعُوا مِنْ كَلِمَة زَادُوا فِيهَا مِثْلهَا . وَإِنَّ سُلَيْمَان أَخَذَ مَا كَتَبُوا مِنْ ذَلِكَ فَدَفَنَهُ تَحْت كُرْسِيّه ; فَلَمَّا تُوُفِّيَ وَجَدَتْهُ الشَّيَاطِين فَعَلَّمَتْهُ النَّاس . 1385 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : حَدَّثَنِي حَجَّاج , عَنْ أَبِي بَكْر , عَنْ شَهْر بْن حَوْشَبٍ , قَالَ : لَمَّا سُلِبَ سُلَيْمَان مُلْكه كَانَتْ الشَّيَاطِين تَكْتُب السِّحْر فِي غَيْبَة سُلَيْمَان , فَكَتَبَتْ : مَنْ أَرَادَ أَنْ يَأْتِي كَذَا وَكَذَا فَلْيَسْتَقْبِلْ الشَّمْس وَلْيَقُلْ كَذَا وَكَذَا , وَمَنْ أَرَادَ أَنْ يَفْعَل كَذَا وَكَذَا فَلْيَسْتَدْبِرْ الشَّمْس وَلْيَقُلْ كَذَا وَكَذَا . فَكَتَبَتْهُ وَجَعَلَتْ عِنْوَانه : " هَذَا مَا كَتَبَ آصف بْن برخيا لِلْمَلِكِ سُلَيْمَان بْن دَاوُد مِنْ ذَخَائِر كُنُوز الْعِلْم " , ثُمَّ دَفَنَتْهُ تَحْت كُرْسِيّه . فَلَمَّا مَاتَ سُلَيْمَان قَامَ إبْلِيس خَطِيبًا فَقَالَ : يَا أَيّهَا النَّاس إنَّ سُلَيْمَان لَمْ يَكُنْ نَبِيًّا , وَإِنَّمَا كَانَ سَاحِرًا , فَالْتَمِسُوا سِحْره فِي مَتَاعه وَبُيُوته ! ثُمَّ دَلَّهُمْ عَلَى الْمَكَان الَّذِي دُفِنَ فِيهِ , فَقَالُوا : وَاَللَّه لَقَدْ كَانَ سُلَيْمَان سَاحِرًا , هَذَا سِحْره , بِهَذَا تَعَبَّدَنَا , وَبِهَذَا قَهَرَنَا . فَقَالَ الْمُؤْمِنُونَ : بَلْ كَانَ نَبِيًّا مُؤْمِنًا . فَلَمَّا بَعَثَ اللَّه النَّبِيّ مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَعَلَ يَذْكُر الْأَنْبِيَاء حَتَّى ذَكَرَ دَاوُد وَسُلَيْمَان , فَقَالَتْ الْيَهُود : اُنْظُرُوا إلَى مُحَمَّد يَخْلِط الْحَقّ بِالْبَاطِلِ , يَذْكُر سُلَيْمَان مَعَ الْأَنْبِيَاء , وَإِنَّمَا كَانَ سَاحِرًا يَرْكَب الرِّيح . فَأَنْزَلَ اللَّه عُذْر سُلَيْمَان : { وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُوا الشَّيَاطِين عَلَى مُلْك سُلَيْمَان } الْآيَة . 1386 - حَدَّثَنَا ابْن حُمَيْدٍ , قَالَ : ثنا سَلَمَة , قَالَ : حَدَّثَنِي ابْن إسْحَاق : { وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَان وَلَكِنَّ الشَّيَاطِين كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاس السِّحْر } وَذَلِك أَنَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيمَا بَلَغَنِي لَمَّا ذَكَرَ سُلَيْمَان بْن دَاوُد فِي الْمُرْسَلِينَ , قَالَ بَعْض أَحْبَار الْيَهُود : أَلَا تَعْجَبُونَ مِنْ مُحَمَّد يَزْعُم أَنَّ ابْن دَاوُد كَانَ نَبِيًّا , وَاَللَّه مَا كَانَ إلَّا سَاحِرًا ! فَأَنْزَلَ اللَّه فِي ذَلِكَ مِنْ قَوْلهمْ : { وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَان وَلَكِنَّ الشَّيَاطِين كَفَرُوا } أَيْ بِاتِّبَاعِهِمْ السِّحْر وَعَمَلهمْ بِهِ { وَمَا أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبَابِل هَارُوت وَمَارُوت } . قَالَ أَبُو جَعْفَر : فَإِذَا كَانَ الْأَمْر فِي ذَلِكَ عَلَى مَا وَصَفْنَا وَتَأْوِيل قَوْله : { وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُوا الشَّيَاطِين عَلَى مُلْك سُلَيْمَان وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَان وَلَكِنَّ الشَّيَاطِين كَفَرُوا } مَا ذَكَرْنَا ; فَتَبَيَّنَ أَنَّ فِي الْكَلَام مَتْرُوكًا تُرِكَ ذِكْره اكْتِفَاء بِمَا ذُكِرَ مِنْهُ , وَأَنَّ مَعْنَى الْكَلَام : { وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُوا الشَّيَاطِين } مِنْ السِّحْر { عَلَى مُلْك سُلَيْمَان } فَتُضِيفهُ إلَى سُلَيْمَان , { وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَان } فَيَعْمَل بِالسِّحْرِ { وَلَكِنَّ الشَّيَاطِين كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاس السِّحْر } . وَقَدْ كَانَ قَتَادَة يَتَأَوَّل قَوْله : { وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَان وَلَكِنَّ الشَّيَاطِين كَفَرُوا } عَلَى مَا قُلْنَا . 1387 - حَدَّثَنَا بِشْر بْن مُعَاذ , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة قَوْله : { وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَان وَلَكِنَّ الشَّيَاطِين كَفَرُوا } يَقُول : مَا كَانَ عَنْ مَشُورَته , وَلَا عَنْ رِضَا مِنْهُ ; وَلَكِنَّهُ شَيْء افْتَعَلَتْهُ الشَّيَاطِين دُونه . وَقَدْ دَلَّلْنَا فِيمَا مَضَى عَلَى اخْتِلَاف الْمُخْتَلِفِينَ فِي مَعْنَى " تَتْلُو " , وَتَوْجِيه مَنْ وَجَّهَ ذَلِكَ إلَى أَنَّ " تَتْلُوا " بِمَعْنَى تَلَتْ , إذْ كَانَ الَّذِي قَبْله خَبَرًا مَاضِيًا وَهُوَ قَوْله : { وَاتَّبَعُوا } وَتَوْجِيه الَّذِينَ وَجَّهُوا ذَلِكَ إلَى خِلَاف ذَلِكَ . وَبَيَّنَّا فِيهِ وَفِي نَظِيره الصَّوَاب مِنْ الْقَوْل , فَأَغْنَى ذَلِكَ عَنْ إعَادَته فِي هَذَا الْمَوْضِع . وَأَمَّا مَعْنَى قَوْله : { مَا تَتْلُوا } فَإِنَّهُ بِمَعْنَى الَّذِي تَتْلُو وَهُوَ السِّحْر . 1388 - حَدَّثَنَا ابْن حُمَيْدٍ , قَالَ : ثنا سَلَمَة , عَنْ ابْن إسْحَاق : { وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُوا الشَّيَاطِين عَلَى مُلْك سُلَيْمَان } أَيْ السِّحْر . قَالَ أَبُو جَعْفَر : وَلَعَلَّ قَائِلًا أَنْ يَقُول : أَوَ مَا كَانَ السِّحْر إلَّا أَيَّام سُلَيْمَان ؟ قِيلَ لَهُ : بَلَى قَدْ كَانَ ذَلِكَ قَبْل ذَلِكَ , وَقَدْ أَخْبَرَ اللَّه عَنْ سَحَرَة فِرْعَوْن مَا أَخْبَرَ عَنْهُمْ , وَقَدْ كَانُوا قَبْل سُلَيْمَان , وَأَخْبَرَ عَنْ قَوْم نُوح أَنَّهُمْ قَالُوا لِنُوحِ إنَّهُ سَاحِر ; قَالَ : فَكَيْف أَخْبَرَ عَنْ الْيَهُود أَنَّهُمْ اتَّبَعُوا مَا تَلَتْهُ الشَّيَاطِين عَلَى عَهْد سُلَيْمَان ؟ قِيلَ : لِأَنَّهُمْ أَضَافُوا ذَلِكَ إلَى سُلَيْمَان عَلَى مَا قَدْ قَدَّمْنَا الْبَيَان عَنْهُ , فَأَرَادَ اللَّه تَعَالَى ذِكْره تَبْرِئَة سُلَيْمَان مِمَّا نَحَلُوهُ وَأَضَافُوا إلَيْهِ مِمَّا كَانُوا وَجَدُوهُ إمَّا فِي خَزَائِنه وَإِمَّا تَحْت كُرْسِيّه , عَلَى مَا جَاءَتْ بِهِ الْآثَار الَّتِي قَدْ ذَكَرْنَاهَا مِنْ ذَلِكَ . فَحَصَرَ الْخَبَر عَمَّا كَانَتْ الْيَهُود اتَّبَعَتْهُ فِيمَا تَلَتْهُ الشَّيَاطِين أَيَّام سُلَيْمَان دُون غَيْره لِذَلِك السَّبَب . وَإِنْ كَانَ الشَّيَاطِين قَدْ كَانَتْ تَالِيَة لِلسِّحْرِ وَالْكُفْر قَبْل ذَلِكَ .

وَمَا أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَمَا أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبَابِل هَارُوت وَمَارُوت } . اخْتَلَفَ أَهْل الْعِلْم فِي تَأْوِيل " مَا " الَّتِي فِي قَوْله : { وَمَا أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ } فَقَالَ بَعْضهمْ : مَعْنَاهُ الْجَحْد وَهِيَ بِمَعْنَى " لَمْ " . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 1389 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سَعْد , قَالَ : حَدَّثَنِي أَبِي , قَالَ : حَدَّثَنِي عَمِّي , قَالَ , حَدَّثَنِي أَبِي , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ ابْن عَبَّاس قَوْله : { وَمَا أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبَابِل هَارُوت وَمَارُوت } فَإِنَّهُ يَقُول : لَمْ يُنْزِل اللَّه السِّحْر . 1390 - حَدَّثَنَا ابْن حُمَيْدٍ , قَالَ : حَدَّثَنِي حكام عَنْ أَبِي جَعْفَر , عَنْ الرَّبِيع بْن أَنَس : { وَمَا أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ } قَالَ : مَا أَنْزَلَ اللَّه عَلَيْهِمَا السِّحْر . فَتَأْوِيل الْآيَة عَلَى هَذَا الْمَعْنَى الَّذِي ذَكَرْنَاهُ عَنْ ابْن عَبَّاس وَالرَّبِيع مِنْ تَوْجِيههمَا مَعْنَى قَوْله : { وَمَا أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ } إلَى : وَلَمْ يَنْزِل عَلَى الْمَلَكَيْنِ , وَاتَّبَعُوا الَّذِي تَتْلُوا الشَّيَاطِين عَلَى مُلْك سُلَيْمَان مِنْ السِّحْر , وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَان وَلَا أَنْزَلَ اللَّه السِّحْر عَلَى الْمَلَكَيْنِ { وَلَكِنَّ الشَّيَاطِين كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاس السِّحْر } بِبَابِل هَارُوت وَمَارُوت , فَيَكُون حِينَئِذٍ قَوْله : { بِبَابِل وَهَارُوت وَمَارُوت } مِنْ الْمُؤَخَّر الَّذِي مَعْنَاهُ التَّقْدِيم . فَإِنْ قَالَ لَنَا قَائِل : وَكَيْف وَجْه تَقْدِيم ذَلِكَ ؟ قِيلَ : وَجْه تَقْدِيمه أَنْ يُقَال : وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُو الشَّيَاطِين عَلَى مُلْك سُلَيْمَان وَمَا أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ , وَلَكِنَّ الشَّيَاطِين كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاس السِّحْر بِبَابِل هَارُوت وَمَارُوت . فَيَكُون مَعْنِيًّا بِالْمَلَكَيْنِ : جِبْرِيل وَمِيكَائِيل ; لِأَنَّ سَحَرَة الْيَهُود فِيمَا ذُكِرَ كَانَتْ تَزْعُم أَنَّ اللَّه أَنْزَلَ السِّحْر عَلَى لِسَان جِبْرِيل وَمِيكَائِيل إلَى سُلَيْمَان بْن دَاوُد . فَأَكْذَبَهَا اللَّه بِذَلِك وَأَخْبَرَ نَبِيّه مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ جِبْرِيل وَمِيكَائِيل لَمْ يَنْزِلَا بِسِحْرِ قَطُّ , وَبَرَّأَ سُلَيْمَان مِمَّا نَحَلُوهُ مِنْ السِّحْر , فَأَخْبَرَهُمْ أَنَّ السِّحْر مِنْ عَمَل الشَّيَاطِين , وَأَنَّهَا تُعَلِّم النَّاس بِبَابِل , وَأَنَّ الَّذِينَ يُعَلِّمُونَهُمْ ذَلِكَ رَجُلَانِ اسْم أَحَدهمَا هَارُوت وَاسْم الْآخَر مَارُوت ; فَيَكُون هَارُوت وَمَارُوت عَلَى هَذَا التَّأْوِيل تَرْجَمَة عَلَى النَّاس وَرَدًّا عَلَيْهِمْ . وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ تَأْوِيل " مَا " الَّتِي فِي قَوْله : { وَمَا أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ } " الَّذِي " . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 1391 - حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : قَالَ مَعْمَر , قَالَ قَتَادَة وَالزُّهْرِيّ عَنْ عَبْد اللَّه : { وَمَا أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبَابِل هَارُوت وَمَارُوت } كَانَا مَلَكَيْنِ مِنْ الْمَلَائِكَة فَأُهْبِطَا لِيَحْكُمَا بَيْن النَّاس . وَذَلِك أَنَّ الْمَلَائِكَة سَخِرُوا مِنْ أَحْكَام بَنِي آدَم , قَالَ : فَحَاكَمَتْ إلَيْهِمَا امْرَأَة فَحَافَا لَهَا , ثُمَّ ذَهَبَا يَصْعَدَانِ , فَحِيلَ بَيْنهمَا وَبَيْن ذَلِكَ وَخُيِّرَا بَيْن عَذَاب الدُّنْيَا وَعَذَاب الْآخِرَة , فَاخْتَارَا عَذَاب الدُّنْيَا . قَالَ مَعْمَر : قَالَ قَتَادَة : فَكَانَا يُعَلِّمَانِ النَّاس السِّحْر , فَأَخَذَ عَلَيْهِمَا أَنْ لَا يُعَلِّمَا أَحَدًا حَتَّى يَقُولَا : إنَّمَا نَحْنُ فِتْنَة فَلَا تَكْفُر . 1392 - حَدَّثَنِي مُوسَى , قَالَ : ثنا عَمْرو , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ : أَمَّا قَوْله : { وَمَا أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبَابِل هَارُوت وَمَارُوت } فَهَذَا سِحْر آخَر خَاصَمُوهُ بِهِ أَيْضًا ; يَقُول : خَاصَمُوهُ بِمَا أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ وَإِنَّ كَلَام الْمَلَائِكَة فِيمَا بَيْنهمْ إذَا عَلَّمَتْهُ الْإِنْس فَصَنَعَ وَعَمِلَ بِهِ كَانَ سِحْرًا . 1393 - حَدَّثَنَا بِشْر بْن مُعَاذ , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة قَوْله : { يُعَلِّمُونَ النَّاس السِّحْر وَمَا أُنْزِلَ عَلَى النَّاس بِبَابِل هَارُوت وَمَارُوت } فَالسِّحْر سِحْرَانِ : سِحْر تُعَلِّمهُ الشَّيَاطِين , وَسِحْر يُعَلِّمهُ هَارُوت وَمَارُوت . 1394 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ : ثنا عَبْد اللَّه بْن صَالِح , قَالَ : حَدَّثَنِي مُعَاوِيَة بْن صَالِح , عَنْ عَلِيّ بْن أَبِي طَلْحَة , عَنْ ابْن عَبَّاس قَوْله : { وَمَا أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبَابِل هَارُوت وَمَارُوت } قَالَ : التَّفْرِيق بَيْن الْمَرْء وَزَوْجه . 1395 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْن وَهْب , قَالَ : قَالَ ابْن زَيْد : { وَلَكِنَّ الشَّيَاطِين كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاس السِّحْر وَمَا أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ } فَقَرَأَ حَتَّى بَلَغَ : { فَلَا تَكْفُر } قَالَ : الشَّيَاطِين وَالْمَلَكَانِ يُعَلِّمُونَ النَّاس السِّحْر . قَالَ أَبُو جَعْفَر : فَمَعْنَى الْآيَة عَلَى تَأْوِيل هَذَا الْقَوْل الَّذِي ذَكَرْنَا عَمَّنْ ذَكَرْنَاهُ عَنْهُ : وَاتَّبَعَتْ الْيَهُود الَّذِي تَلَتْ الشَّيَاطِين فِي مُلْك سُلَيْمَان الَّذِي أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبَابِل وَهَارُوت وَمَارُوت . وَهُمَا مَلَكَانِ مِنْ مَلَائِكَة اللَّه , سَنَذْكُرُ مَا رُوِيَ مِنْ الْأَخْبَار فِي شَأْنهمَا إنْ شَاءَ اللَّه تَعَالَى . وَقَالُوا : إنْ قَالَ لَنَا قَائِل : وَهَلْ يَجُوز أَنْ يُنْزِل اللَّه السِّحْر , أَمْ هَلْ يَجُوز لِمَلَائِكَتِهِ أَنْ تُعَلِّمهُ النَّاس ؟ قُلْنَا لَهُ : إنَّ اللَّه عَزَّ وَجَلّ قَدْ أَنْزَلَ الْخَيْر وَالشَّرّ كُلّه , وَبَيْن جَمِيع ذَلِكَ لِعِبَادِهِ , فَأَوْحَاهُ إلَى رُسُله وَأَمَرَهُمْ بِتَعْلِيمِ خَلْقه وَتَعْرِيفهمْ مَا يَحِلّ لَهُمْ مِمَّا يَحْرُم عَلَيْهِمْ ; وَذَلِك كَالزِّنَا وَالسَّرِقَة وَسَائِر الْمَعَاصِي الَّتِي عَرَفَهُمُوهَا وَنَهَاهُمْ عَنْ رُكُوبهَا , فَالسِّحْر أَحَد تِلْكَ الْمَعَاصِي الَّتِي أَخْبَرَهُمْ بِهَا وَنَهَاهُمْ عَنْ الْعَمَل بِهَا . قَالُوا : لَيْسَ فِي الْعِلْم بِالسِّحْرِ إثْم , كَمَا لَا إثْم فِي الْعِلْم بِصَنْعَةِ الْخَمْر وَنَحْت الْأَصْنَام وَالطَّنَابِير وَالْمَلَاعِب , وَإِنَّمَا الْإِثْم فِي عَمَله وَتَسْوِيَته . قَالُوا : وَكَذَلِك لَا إثْم فِي الْعِلْم بِالسِّحْرِ , وَإِنَّمَا الْإِثْم فِي الْعَمَل بِهِ وَأَنْ يَضُرّ بِهِ مَنْ لَا يَحِلّ ضُرّه بِهِ . قَالُوا : فَلَيْسَ فِي إنْزَال اللَّه إيَّاهُ عَلَى الْمَلَكَيْنِ وَلَا فِي تَعْلِيم الْمَلَكَيْنِ مَنْ عَلَّمَاهُ مِنْ النَّاس إثْم إذَا كَانَ تَعْلِيمهمَا مَنْ عَلَّمَاهُ ذَلِكَ بِإِذْنِ اللَّه لَهُمَا بِتَعْلِيمِهِ بَعْد أَنْ يُخْبِرَاهُ بِأَنَّهُمَا فِتْنَة وَيَنْهَاهُ عَنْ السِّحْر وَالْعَمَل بِهِ وَالْكُفْر ; وَإِنَّمَا الْإِثْم عَلَى مَنْ يَتَعَلَّمهُ مِنْهُمَا وَيَعْمَل بِهِ , إذْ كَانَ اللَّه تَعَالَى ذِكْره قَدْ نَهَاهُ عَنْ تَعَلُّمه وَالْعَمَل بِهِ . قَالُوا : وَلَوْ كَانَ اللَّه أَبَاحَ لِبَنِي آدَم أَنْ يَتَعَلَّمُوا ذَلِكَ , لَمْ يَكُنْ مِنْ تَعَلُّمه حَرَجًا , كَمَا لَمْ يَكُونَا حَرِجَيْنِ لِعِلْمِهِمَا بِهِ , إذْ كَانَ عِلْمهمَا بِذَلِك عَنْ تَنْزِيل اللَّه إلَيْهِمَا . وَقَالَ آخَرُونَ : مَعْنَى " مَا " مَعْنَى " الَّذِي " , وَهِيَ عَطْف عَلَى " مَا " الْأُولَى , غَيْر أَنَّ الْأُولَى فِي مَعْنَى السِّحْر وَالْآخِرَة فِي مَعْنَى التَّفْرِيق بَيْن الْمَرْء وَزَوْجه . فَتَأْوِيل الْآيَة عَلَى هَذَا الْقَوْل : وَاتَّبَعُوا السِّحْر الَّذِي تَتْلُو الشَّيَاطِين فِي مُلْك سُلَيْمَان , وَالتَّفْرِيق الَّذِي بَيْن الْمَرْء وَزَوْجه الَّذِي أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبَابِل هَارُوت وَمَارُوت . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 1396 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا أَبُو حُذَيْفَة , قَالَ : ثنا شِبْل , عَنْ ابْن أَبِي نَجِيح . عَنْ مُجَاهِد : { وَمَا أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبَابِل هَارُوت وَمَارُوت } وَهُمَا يَعْلَمَانِ مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْن الْمَرْء وَزَوْجه , وَذَلِك قَوْل اللَّه جَلّ ثَنَاؤُهُ : { وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَان وَلَكِنَّ الشَّيَاطِين كَفَرُوا } وَكَانَ يَقُول : أَمَّا السِّحْر فَإِنَّمَا يَعْلَمهُ الشَّيَاطِين , وَأَمَّا الَّذِي يَعْلَم الْمَلَكَانِ فَالتَّفْرِيق بَيْن الْمَرْء وَزَوْجه , كَمَا قَالَ اللَّه تَعَالَى . وَقَالَ آخَرُونَ : جَائِز أَنْ تَكُون " مَا " بِمَعْنَى " الَّذِي " , وَجَائِز أَنْ تَكُون " مَا " بِمَعْنَى " لَمْ " . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ . 1397 - حَدَّثَنِي يُونُس بْن عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْن وَهْب قَالَ : حَدَّثَنِي اللَّيْث بْن سَعْد , عَنْ يَحْيَى بْن سَعِيد , عَنْ الْقَاسِم بْن مُحَمَّد , وَسَأَلَهُ رَجُل عَنْ قَوْل اللَّه { يُعَلِّمُونَ النَّاس السِّحْر وَمَا أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بَابِل هَارُوت وَمَارُوت } فَقَالَ الرَّجُل : يُعَلِّمَانِ النَّاس مَا أُنْزِلَ عَلَيْهِمَا , أَمْ يُعَلِّمَانِ النَّاس مَا لَمْ يَنْزِل عَلَيْهِمَا ؟ قَالَ الْقَاسِم : مَا أُبَالِي أَيَّتهمَا كَانَتْ . * - حَدَّثَنِي يُونُس بْن عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : ثنا بِشْر بْن عِيَاض , عَنْ بَعْض أَصْحَابه , أَنَّ الْقَاسِم بْن مُحَمَّد سُئِلَ عَنْ قَوْل اللَّه تَعَالَى ذِكْره : { وَمَا أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ } فَقِيلَ لَهُ : أُنْزِلَ أَوْ لَمْ يُنْزِل ؟ فَقَالَ : لَا أُبَالِي أَيّ ذَلِكَ كَانَ , إلَّا أَنِّي آمَنْت بِهِ . وَالصَّوَاب مِنْ الْقَوْل فِي ذَلِكَ عِنْدِي قَوْل مَنْ وَجَّهَ " مَا " الَّتِي فِي قَوْله : { وَمَا أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ } إلَى مَعْنَى " الَّذِي " دُون مَعْنَى " مَا " الَّتِي هِيَ بِمَعْنَى الْجَحْد . وَإِنَّمَا اخْتَرْت ذَلِكَ مِنْ أَجْل أَنَّ " مَا " إنْ وُجِّهَتْ إلَى مَعْنَى الْجَحْد , فَتَنْفِي عَنْ الْمَلَكَيْنِ أَنْ يَكُونَا مُنَزَّلًا إلَيْهِمَا . وَلَمْ يَخْلُ الِاسْمَانِ اللَّذَانِ بَعْدهمَا - أَعْنِي هَارُوت وَمَارُوت - مِنْ أَنْ يَكُونَا بَدَلًا مِنْهُمَا وَتَرْجَمَة عَنْهُمَا , أَوْ بَدَلًا مِنْ النَّاس فِي قَوْله : { يُعَلِّمُونَ النَّاس السِّحْر } وَتَرْجَمَة عَنْهُمَا . فَإِنْ جُعِلَا بَدَلًا مِنْ الْمَلَكَيْنِ وَتَرْجَمَة عَنْهُمَا بَطَلَ مَعْنَى قَوْله : { وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَد حَتَّى يَقُولَا إنَّمَا نَحْنُ فِتْنَة فَلَا تَكْفُر فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْن الْمَرْء وَزَوْجه } لِأَنَّهُمَا إذَا لَمْ يَكُونَا عَالِمَيْنِ بِمَا يُفَرَّق بِهِ بَيْن الْمَرْء وَزَوْجه , فَمَا الَّذِي يَتَعَلَّم مِنْهُمَا مَنْ يُفَرِّق بَيْن الْمَرْء وَزَوْجه ؟ وَبَعْد , فَإِنَّ " مَا " الَّتِي فِي قَوْله : { وَمَا أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ } إنْ كَانَتْ فِي مَعْنَى الْجَحْد عَطْفًا عَلَى قَوْله : { وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَان } فَإِنَّ اللَّه جَلّ ثَنَاؤُهُ نَفَى بِقَوْلِهِ : { وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَان } عَنْ سُلَيْمَان أَنْ يَكُون السِّحْر مِنْ عَمَله , أَوْ مِنْ عِلْمه أَوْ تَعْلِيمه . فَإِنْ كَانَ الَّذِي نَفَى عَنْ الْمَلَكَيْنِ مِنْ ذَلِكَ نَظِير الَّذِي نَفَى عَنْ سُلَيْمَان مِنْهُ , وَهَارُوت وَمَارُوت هُمَا الْمَلَكَانِ , فَمَنْ الْمُتَعَلَّمِ مِنْهُ إذًا مَا يُفَرَّق بِهِ بَيْن الْمَرْء وَزَوْجه ؟ وَعَمَّنْ الْخَبَر الَّذِي أَخْبَرَ عَنْهُ بِقَوْلِهِ : { وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَد حَتَّى يَقُولَا إنَّمَا نَحْنُ فِتْنَة فَلَا تَكْفُر } ؟ إنَّ خَطَأ هَذَا الْقَوْل لَوَاضِح بَيِّن . وَإِنْ كَانَ قَوْله " هَارُوت وَمَارُوت " تَرْجَمَة مِنْ النَّاس الَّذِينَ فِي قَوْله : { وَلَكِنَّ الشَّيَاطِين كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاس السِّحْر } فَقَدْ وَجَبَ أَنْ تَكُون الشَّيَاطِين هِيَ الَّتِي تُعَلِّم هَارُوت وَمَارُوت السِّحْر , وَتَكُون السَّحَرَة إنَّمَا تَعَلَّمَتْ السِّحْر مِنْ هَارُوت وَمَارُوت عَنْ تَعْلِيم الشَّيَاطِين إيَّاهُمَا . فَإِنْ يَكُنْ ذَلِكَ كَذَلِكَ , فَلَنْ يَخْلُو هَارُوت وَمَارُوت عِنْد قَائِل هَذِهِ الْمَقَالَة مِنْ أَحَد أَمْرَيْنِ : إمَّا أَنْ يَكُونَا مَلَكَيْنِ , فَإِنْ كَانَا عِنْده مَلَكَيْنِ فَقَدْ أَوْجَبَ لَهُمَا مِنْ الْكُفْر بِاَللَّهِ وَالْمَعْصِيَة لَهُ بِنِسْبَتِهِ إيَّاهُمَا إلَى أَنَّهُمَا يَتَعَلَّمَانِ مِنْ الشَّيَاطِين السِّحْر وَيُعَلِّمَانِهِ النَّاس , وَإِصْرَارهمَا عَلَى ذَلِكَ وَمَقَامهمَا عَلَيْهِ أَعْظَم مِمَّا ذُكِرَ عَنْهُمَا أَنَّهُمَا أَتَيَاهُ مِنْ الْمَعْصِيَة الَّتِي اسْتَحَقَّا عَلَيْهَا الْعِقَاب , وَفِي خَبَر اللَّه عَزَّ وَجَلّ عَنْهُمَا أَنَّهُمَا لَا يُعَلِّمَانِ أَحَدًا مَا يَتَعَلَّم مِنْهُمَا حَتَّى يَقُولَا : { إنَّمَا نَحْنُ فِتْنَة فَلَا تَكْفُر } مَا يُغْنِي عَنْ الْإِكْثَار فِي الدَّلَالَة عَلَى خَطَأ هَذَا الْقَوْل . أَوْ أَنْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ مِنْ بَنِي آدَم ; فَإِنْ يَكُنْ ذَلِكَ كَذَلِكَ فَقَدْ كَانَ يَجِب أَنْ يَكُون بِهَلَاكِهِمَا قَدْ ارْتَفَعَ السِّحْر وَالْعِلْم بِهِ وَالْعَمَل مِنْ بَنِي آدَم ; لِأَنَّهُ إذَا كَانَ عِلْم ذَلِكَ مِنْ قِبَلهمَا يُؤْخَذ وَمِنْهُمَا يُتَعَلَّم , فَالْوَاجِب أَنْ يَكُون بِهَلَاكِهِمَا وَعَدَم وُجُودهمَا عُدِمَ السَّبِيل إلَى الْوُصُول إلَى الْمَعْنَى الَّذِي كَانَ لَا يُوصَل إلَيْهِ إلَّا بِهِمَا ; وَفِي وُجُود السِّحْر فِي كُلّ زَمَان وَوَقْت أَبْيَن الدَّلَالَة عَلَى فَسَاد هَذَا الْقَوْل . وَقَدْ يَزْعُم قَائِل ذَلِكَ أَنَّهُمَا رَجُلَانِ مِنْ بَنِي آدَم , لَمْ يُعْدَمَا مِنْ الْأَرْض مُنْذُ خُلِقَتْ , وَلَا يُعْدَمَانِ بَعْد مَا وُجِدَ السِّحْر فِي النَّاس . فَيَدَّعِي مَا لَا يَخْفَى بِطُولِهِ . فَإِذَا فَسَدَتْ هَذِهِ الْوُجُوه الَّتِي دَلَّلْنَا عَلَى فَسَادهَا , فَبَيِّن أَنَّ مَعْنَى : { مَا } الَّتِي فِي قَوْله : { وَمَا أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ } بِمَعْنَى " الَّذِي " , وَأَنَّ هَارُوت وَمَارُوت مُتَرْجَم بِهِمَا عَنْ الْمَلَكَيْنِ ; وَلِذَلِك فُتِحَتْ أَوَاخِر أَسْمَائِهِمَا , لِأَنَّهُمَا فِي مَوْضِع خَفْض عَلَى الرَّدّ عَلَى الْمَلَكَيْنِ , وَلَكِنَّهُمَا لَمَّا كَانَا لَا يُجَرَّانِ فُتِحَتْ أَوَاخِر أَسْمَائِهِمَا . فَإِنْ الْتَبَسَ عَلَى ذِي غَبَاء مَا قُلْنَا , فَقَالَ : وَكَيْف يَجُوز لِمَلَائِكَةِ اللَّه أَنْ تُعَلِّم النَّاس التَّفْرِيق بَيْن الْمَرْء وَزَوْجه ؟ أَمْ كَيْف يَجُوز أَنْ يُضَاف إلَى اللَّه تَبَارَكَ وَتَعَالَى إنْزَال ذَلِكَ عَلَى الْمَلَائِكَة ؟ قِيلَ لَهُ : إنَّ اللَّه جَلّ ثَنَاؤُهُ عَرَّفَ عِبَاده جَمِيع مَا أَمَرَهُمْ بِهِ وَجَمِيع مَا نَهَاهُمْ عَنْهُ , ثُمَّ أَمَرَهُمْ وَنَهَاهُمْ بَعْد الْعِلْم مِنْهُمْ بِمَا يُؤْمَرُونَ بِهِ وَيُنْهَوْنَ عَنْهُ . وَلَوْ كَانَ الْأَمْر عَلَى غَيْر ذَلِكَ , لَمَا كَانَ لِلْأَمْرِ وَالنَّهْي مَعْنَى مَفْهُوم ; فَالسِّحْر مِمَّا قَدْ نَهَى عِبَاده مِنْ بَنِي آدَم عَنْهُ , فَغَيْر مُنْكَر أَنْ يَكُون جَلّ ثَنَاؤُهُ عَلَّمَهُ الْمَلَكَيْنِ اللَّذَيْنِ سَمَّاهُمَا فِي تَنْزِيله وَجَعَلَهُمَا فِتْنَة لِعِبَادِهِ مِنْ بَنِي آدَم كَمَا أَخْبَرَ عَنْهُمَا أَنَّهُمَا يَقُولَانِ لِمَنْ يَتَعَلَّم ذَلِكَ مِنْهُمَا : { إنَّمَا نَحْنُ فِتْنَة فَلَا تَكْفُر } لِيَخْتَبِر بِهِمَا عِبَاده الَّذِينَ نَهَاهُمْ عَنْ التَّفْرِيق بَيْن الْمَرْء وَزَوْجه وَعَنْ السِّحْر , فَيُمَحِّص الْمُؤْمِن بِتَرْكِهِ التَّعَلُّم مِنْهُمَا , وَيُخْزِي الْكَافِر بِتَعَلُّمِهِ السِّحْر وَالْكُفْر مِنْهُمَا , وَيَكُون الْمَلَكَانِ فِي تَعْلِيمهمَا مَنْ عَلَّمَا ذَلِكَ لِلَّهِ مُطِيعِينَ , إذْ كَانَا عَنْ إذْن اللَّه لَهُمَا بِتَعْلِيمِ ذَلِكَ مَنْ عَلَّمَاهُ يَعْلَمَانِ . وَقَدْ عُبِدَ مِنْ دُون اللَّه جَمَاعَة مِنْ أَوْلِيَاء اللَّه , فَلَمْ يَكُنْ ذَلِكَ لَهُمْ ضَائِرًا إذْ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ بِأَمْرِهِمْ إيَّاهُمْ بِهِ , بَلْ عَبَدَ بَعْضهمْ وَالْمَعْبُود عَنْهُ نَاهٍ , فَكَذَلِك الْمَلَكَانِ غَيْر ضَائِرهمَا سِحْر مَنْ سَحَرَ مِمَّنْ تَعَلَّمَ ذَلِكَ مِنْهُمَا بَعْد نَهْيهمَا إيَّاهُ عَنْهُ وَعِظَتهمَا لَهُ بِقَوْلِهِمَا : { إنَّمَا نَحْنُ فِتْنَة فَلَا تَكْفُر } إذْ كَانَا قَدْ أَدَّيَا مَا أُمِرَ بِهِ بِقَيْلِهِمَا ذَلِكَ . كَمَا : 1398 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن بَشَّار , قَالَ : ثنا يَحْيَى بْن سَعِيد , عَنْ عَوْف , عَنْ الْحَسَن فِي قَوْله : { وَمَا أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبَابِل هَارُوت وَمَارُوت } إلَى قَوْله : { فَلَا تَكْفُر } أَخَذَ عَلَيْهِمَا ذَلِكَ . ذِكْر بَعْض الْأَخْبَار الَّتِي فِي بَيَان الْمَلَكَيْنِ , وَمَنْ قَالَ إنَّ هَارُوت وَمَارُوت هُمَا الْمَلَكَانِ اللَّذَانِ ذَكَرَ اللَّه جَلّ ثَنَاؤُهُ فِي قَوْله : { بِبَابِل } 1399 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن بَشَّار , قَالَ : ثنا مُعَاذ بْن هِشَام , قَالَ : حَدَّثَنِي أَبِي , عَنْ قَتَادَة , قَالَ : ثنا أَبُو شُعْبَة الْعَدَوِيّ فِي جِنَازَة يُونُس بْن جُبَيْر أَبِي غَلَّاب , عَنْ ابْن عَبَّاس قَالَ : إنَّ اللَّه أَفْرَج السَّمَاء لِمَلَائِكَتِهِ يَنْظُرُونَ إلَى أَعْمَال بَنِي آدَم , فَلَمَّا أَبْصَرُوهُمْ يَعْمَلُونَ الْخَطَايَا , قَالُوا : يَا رَبّ هَؤُلَاءِ بَنُو آدَم الَّذِي خَلَقْته بِيَدِك , وَأَسْجَدْت لَهُ مَلَائِكَتك , وَعَلَّمْته أَسْمَاء كُلّ شَيْء , يَعْمَلُونَ بِالْخَطَايَا . قَالَ : أَمَا إنَّكُمْ لَوْ كُنْتُمْ مَكَانهمْ لَعَمِلْتُمْ مِثْل أَعْمَالهمْ . قَالُوا : سُبْحَانك مَا كَانَ يَنْبَغِي لَنَا , قَالَ : فَأُمِرُوا أَنْ يَخْتَارُوا مَنْ يَهْبِط إلَى الْأَرْض . قَالَ : فَاخْتَارُوا هَارُوت وَمَارُوت , فَأُهْبِطَا إلَى الْأَرْض , وَأُحِلّ لَهُمَا مَا فِيهَا مِنْ شَيْء غَيْر أَنْ لَا يُشْرِكَا بِاَللَّهِ شَيْئًا وَلَا يَسْرِقَا , وَلَا يَزْنِيَا , وَلَا يَشْرَبَا الْخَمْر , وَلَا يَقْتُلَا النَّفْس الَّتِي حَرَّمَ اللَّه إلَّا بِالْحَقِّ . قَالَ : فَمَا اسْتَمَرَّا حَتَّى عَرَضَ لَهُمَا امْرَأَة قَدْ قُسِمَ لَهَا نِصْف الْحُسْن يُقَال لَهَا " بيذخت " , فَلَمَّا أَبْصَرَاهَا أَرَادَا بِهَا زِنَا , فَقَالَتْ : لَا إلَّا أَنْ تُشْرِكَا بِاَللَّهِ وَتَشْرَبَا الْخَمْر وَتَقْتُلَا النَّفْس وَتَسْجُدَا لِهَذَا الصَّنَم . فَقَالَا : مَا كُنَّا لِنُشْرِك بِاَللَّهِ شَيْئًا . فَقَالَ أَحَدهمَا لِلْآخَرِ : ارْجِعْ إلَيْهَا . فَقَالَتْ : لَا إلَا أَنْ تَشْرَبَا الْخَمْر ! فَشَرِبَا حَتَّى ثَمِلَا , وَدَخَلَ عَلَيْهِمَا سَائِل فَقَتَلَاهُ . فَلَمَّا وَقَعَا فِيهِ مِنْ الشَّرّ , أَفْرَجَ اللَّه السَّمَاء لِمَلَائِكَتِهِ , فَقَالُوا : سُبْحَانك كُنْت أَعْلَم ! قَالَ : فَأَوْحَى اللَّه إلَى سُلَيْمَان بْن دَاوُد أَنْ يُخَيِّرهُمَا بَيْن عَذَاب الدُّنْيَا وَعَذَاب الْآخِرَة , فَاخْتَارَا عَذَاب الدُّنْيَا , فَكُبِّلَا مِنْ أَكْعُبِهِمَا إلَى أَعْنَاقهمَا بِمِثْلِ أَعْنَاق الْبُخْت وَجُعِلَا بِبَابِل . * - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا الْحَجَّاج بْن الْمِنْهَال , قَالَ : ثنا حَجَّاج , عَنْ عَلِيّ بْن زَيْد , عَنْ أَبِي عُثْمَان النَّهْدِيّ , عَنْ ابْن مَسْعُود وَابْن عَبَّاس أَنَّهُمَا قَالَا : لَمَّا كَثُرَ بَنُو آدَم وَعَصَوْا , دَعَتْ الْمَلَائِكَة عَلَيْهِمْ وَالْأَرْض وَالسَّمَاء وَالْجِبَال : رَبّنَا أَلَّا تُهْلِكهُمْ ؟ فَأَوْحَى اللَّه إلَى الْمَلَائِكَة : إنِّي لَوْ أَنْزَلْت الشَّهْوَة وَالشَّيْطَان مِنْ قُلُوبكُمْ وَنَزَلْتُمْ لَفَعَلْتُمْ أَيْضًا . قَالَ : فَحَدَّثُوا أَنْفُسهمْ أَنْ لَوْ اُبْتُلُوا اعْتَصَمُوا . فَأَوْحَى اللَّه إلَيْهِمْ أَنْ اخْتَارُوا مَلَكَيْنِ مِنْ أَفْضَلكُمْ . فَاخْتَارُوا هَارُوت وَمَارُوت , فَأُهْبِطَا إلَى الْأَرْض وَأُنْزِلَتْ الزَّهْرَة إلَيْهِمَا فِي صُورَة امْرَأَة مِنْ أَهْل فَارِس , وَكَانَ أَهْل فَارِس يُسَمُّونَهَا " بيذخت " . قَالَ : فَوَقَعَا بِالْخَطِيئَةِ , فَكَانَتْ الْمَلَائِكَة يَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا . { رَبّنَا وَسِعْت كُلّ شَيْء رَحْمَة وَعِلْمًا فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تَابُوا } . فَلَمَّا وَقَعَا بِالْخَطِيئَةِ اسْتَغْفَرُوا لِمَنْ فِي الْأَرْض : { أَلَا إنَّ اللَّه هُوَ الْغَفُور الرَّحِيم } فَخُيِّرَا بَيْن عَذَاب الدُّنْيَا وَعَذَاب الْآخِرَة فَاخْتَارَا عَذَاب الدُّنْيَا . 1400 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : حَدَّثَنِي الْحَجَّاج , قَالَ : ثنا حَمَّاد , عَنْ خَالِد الْحَذَّاء , عَنْ عَمْرو بْن سَعِيد , قَالَ سَمِعْت عَلِيًّا يَقُول : كَانَتْ الزَّهْرَة امْرَأَة جَمِيلَة مِنْ أَهْل فَارِس , وَإِنَّهَا خَاصَمَتْ إلَى الْمَلَكَيْنِ هَارُوت وَمَارُوت فَرَاوَدَاهَا عَنْ نَفْسهَا , فَأَبَتْ إلَّا أَنْ يُعَلِّمَاهَا الْكَلَام الَّذِي إذَا تَكَلَّمَ بِهِ يَعْرُج بِهِ إلَى السَّمَاء . فَعَلَّمَاهَا فَتَكَلَّمَتْ فَعَرَجَتْ إلَى السَّمَاء فَمُسِخَتْ كَوْكَبًا . 1401 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن بَشَّار وَمُحَمَّد بْن الْمُثَنَّى , قَالَا : ثنا مُؤَمَّل بْن إسْمَاعِيل , وَحَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق جَمِيعًا , عَنْ الثَّوْرِيّ , عَنْ مُحَمَّد بْن عُقْبَة , عَنْ سَالِم , عَنْ ابْن عُمَر , عَنْ كَعْب , قَالَ : ذَكَرَتْ الْمَلَائِكَة أَعْمَال بَنِي آدَم وَمَا يَأْتُونَ مِنْ الذُّنُوب , فَقِيلَ لَهُمْ : اخْتَارُوا مِنْكُمْ اثْنَيْنِ - وَقَالَ الْحَسَن بْن يَحْيَى فِي حَدِيثه : اخْتَارُوا مَلَكَيْنِ - فَاخْتَارُوا هَارُوت وَمَارُوت , فَقِيلَ لَهُمَا : إنِّي أُرْسِل إلَى بَنِي آدَم رُسُلًا , وَلَيْسَ بَيْنِي وَبَيْنكُمْ رَسُول , انْزِلَا لَا تُشْرِكَا بِي شَيْئًا , وَلَا تَزْنِيَا , وَلَا تَشْرَبَا الْخَمْر ! قَالَ كَعْب : فَوَاَللَّهِ مَا أَمْسَيَا مِنْ يَوْمهمَا الَّذِي أُهْبِطَا فِيهِ إلَى الْأَرْض , حَتَّى اسْتَكْمَلَا جَمِيع مَا نُهِيَا عَنْهُ . وَقَالَ الْحَسَن بْن يَحْيَى فِي حَدِيثه : فَمَا اسْتَكْمَلَا يَوْمهمَا الَّذِي أُنْزِلَا فِيهِ حَتَّى عَمِلَا مَا حَرَّمَ اللَّه عَلَيْهِمَا . * - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا مُعَلَّى بْن أَسَد , قَالَ : ثنا عَبْد الْعَزِيز بْن الْمُخْتَار , عَنْ مُوسَى بْن عُقْبَة , قَالَ : حَدَّثَنِي سَالِم أَنَّهُ سَمِعَ عَبْد اللَّه يُحَدِّث عَنْ كَعْب الْأَحْبَار , أَنَّهُ حَدَّثَ أَنَّ الْمَلَائِكَة أَنْكَرُوا أَعْمَال بَنِي آدَم وَمَا يَأْتُونَ فِي الْأَرْض مِنْ الْمَعَاصِي , فَقَالَ اللَّه لَهُمْ : إنَّكُمْ لَوْ كُنْتُمْ مَكَانهمْ أَتَيْتُمْ مَا يَأْتُونَ مِنْ الذُّنُوب فَاخْتَارُوا مِنْكُمْ مَلَكَيْنِ ! فَاخْتَارُوا هَارُوت وَمَارُوت , فَقَالَ اللَّه لَهُمَا : إنِّي أُرْسِل رُسُلِي إلَى النَّاس , وَلَيْسَ بَيْنِي وَبَيْنكُمَا رَسُول , انْزِلَا إلَى الْأَرْض , وَلَا تُشْرِكَا بِي شَيْئًا , وَلَا تَزْنِيَا ! فَقَالَ كَعْب : وَاَلَّذِي نَفْس كَعْب بِيَدِهِ مَا اسْتَكْمَلَا يَوْمهمَا الَّذِي نَزَلَا فِيهِ حَتَّى أَتَيَا مَا حَرَّمَ اللَّه عَلَيْهِمَا . 1402 - حَدَّثَنِي مُوسَى بْن هَارُونَ , قَالَ : ثنا عَمْرو , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ : أَنَّهُ كَانَ مِنْ أَمْر هَارُوت وَمَارُوت أَنَّهُمَا طَعَنَا عَلَى أَهْل الْأَرْض فِي أَحْكَامهمْ , فَقِيلَ لَهُمَا : إنِّي أَعْطَيْت ابْن آدَم عَشْرًا مِنْ الشَّهَوَات فَبِهَا يَعْصُونَنِي . قَالَ هَارُوت وَمَارُوت : رَبّنَا لَوْ أَعْطَيْتنَا تِلْكَ الشَّهَوَات ثُمَّ نَزَلْنَا لَحَكَمْنَا بِالْعَدْلِ . فَقَالَ لَهُمَا : انْزِلَا فَقَدْ أَعْطَيْتُكُمَا تِلْكَ الشَّهَوَات الْعَشْر فَاحْكُمَا بَيْن النَّاس ! فَنَزَلَا بِبَابِل دنباوند , فَكَانَا يَحْكُمَانِ , حَتَّى إذَا أَمْسَيَا عَرَجَا , فَإِذَا أَصْبَحَا هَبَطَا . فَلَمْ يَزَالَا كَذَلِك حَتَّى أَتَتْهُمَا امْرَأَة تُخَاصِم زَوْجهَا , فَأَعْجَبَهُمَا حُسْنهَا وَاسْمهَا بِالْعَرَبِيَّةِ " الزَّهْرَة " , وَبِالنَّبَطِيَّةِ " بيذخت " , وَاسْمهَا بِالْفَارِسِيَّةِ " واناهيذ " , فَقَالَ أَحَدهمَا لِصَاحِبِهِ : إنَّهَا لَتُعْجِبنِي . فَقَالَ الْآخَر : قَدْ أَرَدْت أَنْ أَذْكُر لَك فَاسْتَحْيَيْت مِنْك . فَقَالَ الْآخَر : هَلْ لَك أَنْ أَذْكُرهَا لِنَفْسِهَا ؟ قَالَ : نَعَمْ , وَلَكِنْ كَيْف لَنَا بِعَذَابِ اللَّه ؟ قَالَ الْآخَر : إنَّا نَرْجُو رَحْمَة اللَّه . فَلَمَّا جَاءَتْ تُخَاصِم زَوْجهَا ذَكَرَا إلَيْهَا نَفْسهَا , فَقَالَتْ : لَا حَتَّى تَقْضِيَا لِي عَلَى زَوْجِي , فَقَضَيَا لَهَا عَلَى زَوْجهَا . ثُمَّ وَاعَدَتْهُمَا خَرِبَة مِنْ الْخُرْب يَأْتِيَانِهَا فِيهَا , فَأَتَيَاهَا لِذَلِك , فَلَمَّا أَرَادَ الَّذِي يُوَاقِعهَا , قَالَتْ : مَا أَنَا بِاَلَّذِي أَفْعَل حَتَّى تُخْبِرَانِي بِأَيِّ كَلَام تَصْعَدَانِ إلَى السَّمَاء ؟ وَبِأَيِّ كَلَام تَنْزِلَانِ مِنْهَا ؟ فَأَخْبَرَاهَا فَتَكَلَّمَتْ فَصَعِدَتْ . فَأَنْسَاهَا اللَّه مَا تَنْزِل بِهِ فَبَقِيَتْ مَكَانهَا , وَجَعَلَهَا اللَّه كَوْكَبًا - فَكَانَ عَبْد اللَّه بْن عُمَر كُلَّمَا رَآهَا لَعَنَهَا وَقَالَ : هَذِهِ الَّتِي فَتَنَتْ هَارُوت وَمَارُوت - فَلَمَّا كَانَ اللَّيْل أَرَادَا أَنْ يَصْعَدَا فَلَمْ يَسْتَطِيعَا فَعَرَفَا الْهَلَك , فَخُيِّرَا بَيْن عَذَاب الدُّنْيَا وَالْآخِرَة , فَاخْتَارَا عَذَاب الدُّنْيَا مِنْ عَذَاب الْآخِرَة , فَعُلِّقَا بِبَابِل فَجُعِلَا يُكَلِّمَانِ النَّاس كَلَامهمَا وَهُوَ السِّحْر . 1403 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى بْن إبْرَاهِيم , قَالَ : ثنا إسْحَاق , قَالَ , ثنا ابْن أَبِي جَعْفَر , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ الرَّبِيع , قَالَ : لَمَّا وَقَعَ النَّاس مِنْ بَعْد آدَم فِيمَا وَقَعُوا فِيهِ مِنْ الْمَعَاصِي وَالْكُفْر بِاَللَّهِ , قَالَتْ الْمَلَائِكَة فِي السَّمَاء : أَيْ رَبّ هَذَا الْعَالَم إنَّمَا خَلَقْتهمْ لِعِبَادَتِك وَطَاعَتك , وَقَدْ رَكِبُوا الْكُفْر وَقَتْل النَّفْس الْحَرَام وَأَكْل الْمَال الْحَرَام وَالسَّرِقَة وَالزِّنَا وَشُرْب الْخَمْر ! فَحَمَلُوا يَدْعُونَ عَلَيْهِمْ وَلَا يَعْذُرُونَهُمْ . فَقِيلَ لَهُمْ : إنَّهُمْ فِي غَيْب ! فَلَمْ يَعْذُرُوهُمْ , فَقِيلَ لَهُمْ : اخْتَارُوا مِنْكُمْ مَلَكَيْنِ آمُرهُمَا بِأَمْرِي , وَأَنْهَاهُمَا عَنْ مَعْصِيَتِي ! فَاخْتَارُوا هَارُوت وَمَارُوت , فَأُهْبِطَا إلَى الْأَرْض , وَحَمَلَ بِهِمَا شَهَوَات بَنِي آدَم , وَأُمِرَا أَنْ يَعْبُدَا اللَّه وَلَا يُشْرِكَا بِهِ شَيْئًا , وَنُهِيَا عَنْ قَتْل النَّفْس الْحَرَام , وَأَكْل الْمَال الْحَرَام , وَالسَّرِقَة وَالزِّنَا وَشُرْب الْخَمْر . فَلَبِثَا عَلَى ذَلِكَ فِي الْأَرْض زَمَانًا يَحْكُمَانِ بَيْن النَّاس بِالْحَقِّ , وَذَلِك فِي زَمَان إدْرِيس , وَفِي ذَلِكَ الزَّمَان امْرَأَة حُسْنهَا فِي سَائِر النَّاس كَحُسْنِ الزَّهْرَة فِي سَائِر الْكَوْكَب . وَإِنَّهَا أَتَتْ عَلَيْهِمَا فَخَضَعَا لَهَا بِالْقَوْلِ , وَأَرَادَاهَا عَلَى نَفْسهَا , وَإِنَّهَا أَبَتْ إلَّا أَنْ يَكُونَا عَلَى أَمْرهَا وَدِينهَا , وَإِنَّهُمَا سَأَلَاهَا عَنْ دِينهَا الَّتِي هِيَ عَلَيْهِ , فَأَخْرَجَتْ لَهُمَا صَنَمًا وَقَالَتْ : هَذَا أَعْبُد . فَقَالَا : لَا حَاجَة لَنَا فِي عِبَادَة هَذَا . فَذَهَبَا فَصَبَرَا مَا شَاءَ اللَّه , ثُمَّ أَتَيَا عَلَيْهَا فَخَضَعَا لَهَا بِالْقَوْلِ وَأَرَادَاهَا عَلَى نَفْسهَا . فَقَالَتْ : لَا إلَّا أَنْ تَكُونَا عَلَى مَا أَنَا عَلَيْهِ . فَقَالَا : لَا حَاجَة لَنَا فِي عِبَادَة هَذَا . فَلَمَّا رَأَتْ أَنَّهُمَا أَبَيَا أَنْ يَعْبُدَا الصَّنَم , قَالَتْ لَهُمَا : اخْتَارَا إحْدَى الْخِلَال الثَّلَاث : إمَّا أَنْ تَعْبُدَا الصَّنَم , أَوْ تَقْتُلَا النَّفْس , أَوْ تَشْرَبَا الْخَمْر . فَقَالَا : كُلّ هَذَا لَا يَنْبَغِي , وَأَهْوَن الثَّلَاثَة شُرْب الْخَمْر . فَسَقَتْهُمَا الْخَمْر , حَتَّى إذَا أَخَذَتْ الْخَمْر فِيهِمَا وَقَعَا بِهَا , فَمَرَّ بِهِمَا إنْسَان وَهُمَا فِي ذَلِكَ , فَخَشِيَا أَنْ يُفْشِي عَلَيْهِمَا فَقَتَلَاهُ . فَلَمَّا أَنْ ذَهَبَ عَنْهُمَا السُّكْر عَرَفَا مَا وَقَعَا فِيهِ مِنْ الْخَطِيئَة وَأَرَادَا أَنْ يَصْعَدَا إلَى السَّمَاء فَلَمْ يَسْتَطِيعَا , فَحِيلَ بَيْنهمَا وَبَيْن ذَلِكَ , وَكُشِفَ الْغِطَاء بَيْنهمَا وَبَيْن أَهْل السَّمَاء . فَنَظَرَتْ الْمَلَائِكَة إلَى مَا وَقَعَا فِيهِ مِنْ الذَّنْب , فَعَجِبُوا كُلّ الْعَجَب , وَعَلِمُوا أَنَّ مَنْ كَانَ فِي غَيْب فَهُوَ أَقَلّ غَشْيَة , فَجَعَلُوا بَعْد ذَلِكَ يَسْتَغْفِرُونَ لِمَنْ فِي الْأَرْض . وَإِنَّهُمَا لَمَّا وَقَعَا فِيمَا وَقَعَا فِيهِ مِنْ الْخَطِيئَة , قِيلَ لَهُمَا : اخْتَارَا عَذَاب الدُّنْيَا أَوْ عَذَاب الْآخِرَة ! فَقَالَا : أَمَّا عَذَاب الدُّنْيَا فَإِنَّهُ يَنْقَطِع وَأَمَّا عَذَاب الْآخِرَة فَلَا انْقِطَاع لَهُ . فَاخْتَارَا عَذَاب الدُّنْيَا , فَجُعِلَا بِبَابِل , فَهُمَا يُعَذَّبَانِ . * - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثنا فَرَج بْن فَضَالَةَ , عَنْ مُعَاوِيَة بْن صَالِح , عَنْ نَافِع , قَالَ : سَافَرْت مَعَ ابْن عُمَر , فَلَمَّا كَانَ مِنْ آخِر اللَّيْل قَالَ : يَا نَافِع اُنْظُرْ طَلَعَتْ الْحَمْرَاء ! قَالَهَا مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا . ثُمَّ قُلْت : قَدْ طَلَعَتْ . قَالَ : لَا مَرْحَبًا وَلَا أَهْلًا ! قُلْت : سُبْحَان اللَّه نَجْم مُسَخَّر سَامِع مُطِيع ؟ قَالَ : مَا قُلْت لَك إلَّا مَا سَمِعْت مِنْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ; وَقَالَ : قَالَ لِي رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " إنَّ الْمَلَائِكَة قَالَتْ : يَا رَبّ كَيْف صَبْرك عَلَى بَنِي آدَم فِي الْخَطَايَا وَالذُّنُوب ؟ قَالَ : إنِّي ابْتَلَيْتهمْ وَعَافَيْتُكُمْ . قَالُوا : لَوْ كُنَّا مَكَانهمْ مَا عَصَيْنَاك . قَالَ : فَاخْتَارُوا مَلَكَيْنِ مِنْكُمْ ! قَالَ : فَلَمْ يَأْلُوا أَنْ يَخْتَارُوا , فَاخْتَارُوا هَارُوت وَمَارُوت " . 1404 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا أَبُو حُذَيْفَة , قَالَ : ثنا شِبْل , عَنْ ابْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد : وَأَمَّا شَأْن هَارُوت وَمَارُوت , فَإِنَّ الْمَلَائِكَة عَجِبْت مِنْ ظُلْم بَنِي آدَم وَقَدْ جَاءَتْهُمْ الرُّسُل وَالْكُتُب وَالْبَيِّنَات , فَقَالَ لَهُمْ رَبّهمْ : اخْتَارُوا مِنْكُمْ مَلَكَيْنِ أُنْزِلهُمَا يَحْكُمَانِ فِي الْأَرْض بَيْن بَنِي آدَم ! فَاخْتَارُوا هَارُوت وَمَارُوت , فَقَالَ لَهُمَا حِين أَنْزَلَهُمَا : عَجِبْتُمَا مِنْ بَنِي آدَم وَمِنْ ظُلْمهمْ وَمَعْصِيَتهمْ , وَإِنَّمَا تَأْتِيهِمْ الرُّسُل وَالْكُتُب مِنْ وَرَاء وَرَاء , وَأَنْتُمَا لَيْسَ بَيْنِي وَبَيْنكُمَا رَسُول , فَافْعَلَا كَذَا وَكَذَا , وَدَعَا كَذَا وَكَذَا ! فَأَمَرَهُمَا بِأَمْرِ وَنَهَاهُمَا . ثُمَّ نَزَلَا عَلَى ذَلِكَ لَيْسَ أَحَد لِلَّهِ أَطْوَع مِنْهُمَا , فَحَكَمَا فَعَدَلَا , فَكَانَا يَحْكُمَانِ النَّهَار بَيْن بَنِي آدَم , فَإِذَا أَمْسَيَا عَرَجَا وَكَانَا مَعَ الْمَلَائِكَة , وَيَنْزِلَانِ حِين يُصْبِحَانِ فَيَحْكُمَانِ فَيَعْدِلَانِ . حَتَّى أُنْزِلَتْ عَلَيْهِمَا الزَّهْرَة فِي أَحْسَن صُورَة امْرَأَة تُخَاصِم , فَقَضَيَا عَلَيْهَا . فَلَمَّا قَامَتْ وَجَدَ كُلّ وَاحِد مِنْهُمَا فِي نَفْسه , فَقَالَ أَحَدهمَا لِصَاحِبِهِ : وَجَدْت مِثْل مَا وَجَدْت ؟ قَالَ : نَعَمْ , فَبَعَثَا إلَيْهَا أَنْ ائْتِينَا نَقْضِ لَك . فَلَمَّا رَجَعَتْ قَالَا لَهَا وَقَضَيَا لَهَا : ائْتِينَا ! فَأَتَتْهُمَا , فَكَشَفَا لَهَا عَنْ عَوْرَتهمَا . وَإِنَّمَا كَانَتْ شَهْوَتهمَا فِي أَنْفُسهمَا وَلَمْ يَكُونَا كَبَنِي آدَم فِي شَهْوَة النِّسَاء وَلَذَّتهَا . فَلَمَّا بَلَغَا ذَلِكَ وَاسْتَحَلَّاهُ وَافْتَتَنَا , طَارَتْ الزَّهْرَة فَرَجَعَتْ حَيْثُ كَانَتْ . فَلَمَّا أَمْسَيَا عَرَجَا فَرُدَّا وَلَمْ يُؤْذَن لَهُمَا وَلَمْ تَحْمِلهُمَا أَجْنِحَتهمَا ; فَاسْتَغَاثَا بِرَجُلِ مِنْ بَنِي آدَم , فَأَتَيَاهُ فَقَالَا : اُدْعُ لَنَا رَبّك ! فَقَالَ : كَيْف يَشْفَع أَهْل الْأَرْض لِأَهْلِ السَّمَاء ؟ قَالَا : سَمِعْنَا رَبّك يَذْكُرك بِخَيْرِ فِي السَّمَاء . فَوَعَدَهُمَا يَوْمًا وَغَدًا يَدْعُو لَهُمَا . فَدَعَا لَهُمَا فَاسْتُجِيبَ لَهُ , فَخُيِّرَا بَيْن عَذَاب الدُّنْيَا وَعَذَاب الْآخِرَة . فَنَظَرَ أَحَدهمَا إلَى صَاحِبه فَقَالَا : نَعْلَم أَنَّ أَنْوَاع عَذَاب اللَّه فِي الْآخِرَة كَذَا وَكَذَا فِي الْخُلْد وَمَعَ الدُّنْيَا سَبْع مَرَّات مِثْلهَا . فَأُمِرَا أَنْ يَنْزِلَا بِبَابِل , فَثَمَّ عَذَابهمَا . وَزُعِمَ أَنَّهُمَا مُعَلَّقَانِ فِي الْحَدِيد مَطْوِيَّانِ يَصْفِقَانِ بِأَجْنِحَتِهِمَا . قَالَ أَبُو جَعْفَر : وَحُكِيَ عَنْ بَعْض الْقُرَّاء أَنَّهُ كَانَ يَقْرَأ : { وَمَا أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ } يَعْنِي بِهِ رَجُلَيْنِ مِنْ بَنِي آدَم . وَقَدْ دَلَّلْنَا عَلَى خَطَأ الْقِرَاءَة بِذَلِك مِنْ جِهَة الِاسْتِدْلَال ; فَأَمَّا مِنْ جِهَة النَّقْل فَإِجْمَاع الْحُجَّة عَلَى خَطَأ الْقِرَاءَة بِهَا مِنْ الصَّحَابَة وَالتَّابِعِينَ وَقُرَّاء الْأَمْصَار , وَكَفَى بِذَلِك شَاهِدًا عَلَى خَطَئِهَا . وَأَمَّا قَوْله { بِبَابِل } فَإِنَّهُ اسْم قَرْيَة أَوْ مَوْضِع مِنْ مَوَاضِع الْأَرْض . وَقَدْ اخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِيهَا , فَقَالَ بَعْضهمْ : إنَّهَا بَابِل دنباوند . * - حَدَّثَنِي بِذَلِك مُوسَى , قَالَ : ثنا عَمْرو , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ . وَقَالَ بَعْضهمْ : بَلْ ذَلِكَ بَابِل الْعِرَاق . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 1405 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : حَدَّثَنِي حَجَّاج , عَنْ ابْن أَبِي الزِّنَاد , عَنْ هِشَام بْن عُرْوَة , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ عَائِشَة فِي قِصَّة ذَكَرَتْهَا عَنْ امْرَأَة قَدِمَتْ الْمَدِينَة , فَذَكَرَتْ أَنَّهَا صَارَتْ فِي الْعِرَاق بِبَابِل , فَأَتَتْ بِهَا هَارُوت وَمَارُوت فَتَعَلَّمَتْ مِنْهُمَا السِّحْر . وَاخْتُلِفَ فِي مَعْنَى السِّحْر , فَقَالَ بَعْضهمْ : هُوَ خِدَع وَمَخَارِيق وَمَعَانٍ يَفْعَلهَا السَّاحِر , حَتَّى يُخَيَّل إلَى الْمَسْحُور الشَّيْء أَنَّهُ بِخِلَافِ مَا هُوَ بِهِ نَظِير الَّذِي يَرَى السَّرَاب مِنْ بَعِيد , فَيُخَيَّل إلَيْهِ أَنَّهُ مَاء , وَيَرَى الشَّيْء مِنْ بَعِيد فَيُثْبِتهُ بِخِلَافِ مَا هُوَ عَلَى حَقِيقَته . وَكَرَاكِبِ السَّفِينَة السَّائِرَة سَيْرًا حَثِيثًا يُخَيَّل إلَيْهِ أَنَّ مَا عَايَنَ مِنْ الْأَشْجَار وَالْجِبَال سَائِر مَعَهُ . قَالُوا : فَكَذَلِك الْمَسْحُور ذَلِكَ صِفَته , يَحْسِب بَعْد الَّذِي وَصَلَ إلَيْهِ مِنْ سِحْر السَّاحِر أَنَّ الَّذِي يَرَاهُ أَوْ يَفْعَلهُ بِخِلَافِ الَّذِي هُوَ بِهِ عَلَى حَقِيقَته . كَاَلَّذِي : 1406 - حَدَّثَنِي أَحْمَد بْن الْوَلِيد , وَسُفْيَان بْن وَكِيع قَالَا : ثنا يَحْيَى بْن سَعِيد , عَنْ هِشَام بْن عُرْوَة , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ عَائِشَة : أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا سُحِرَ كَانَ يُخَيَّل إلَيْهِ أَنَّهُ يَفْعَل الشَّيْء وَلَمْ يَفْعَلهُ . 1407 - حَدَّثَنَا ابْن وَكِيع , قَالَ : اثْنَا ابْن نُمَيْر , عَنْ هِشَام بْن عُرْوَة عَنْ أَبِيهِ , عَنْ عَائِشَة , قَالَتْ : سَحَرَ رَسُولَ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَهُودِيٌّ مِنْ يَهُود بَنِي زُرَيْق يُقَال لَهُ لَبِيد بْن الْأَعْصَم , حَتَّى كَانَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُخَيَّل إلَيْهِ أَنَّهُ يَفْعَل الشَّيْء وَمَا يَفْعَلهُ . 1408 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْن وَهْب , قَالَ : أَخْبَرَنِي يُونُس , عَنْ ابْن شِهَاب , قَالَ : كَانَ عُرْوَة بْن الزَّبِير وَسَعِيد بْن الْمُسَيِّب يُحَدِّثَانِ : أَنَّ يَهُود بَنِي زُرَيْق عَقَدُوا عُقَدَ سِحْر لِرَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَجَعَلُوهَا فِي بِئْر حُزَم حَتَّى كَانَ رَسُول اللَّه يُنْكِر بَصَره وَدَلَّهُ اللَّه عَلَى مَا صَنَعُوا . فَأَرْسَلَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَى بِئْر حُزَم الَّتِي فِيهَا الْعُقَد فَانْتَزَعَهَا , فَكَانَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُول : " سَحَرَتْنِي يَهُود بَنِي زُرَيْق " . وَأَنْكَرَ قَائِل هَذِهِ الْمَقَالَة أَنْ يَكُون السَّاحِر يَقْدِر بِسِحْرِهِ عَلَى قَلْب شَيْء عَنْ حَقِيقَته , وَاسْتِسْخَار شَيْء مِنْ خَلْق اللَّه إلَّا نَظِير الَّذِي يَقْدِر عَلَيْهِ مِنْ ذَلِكَ سَائِر بَنِي آدَم , أَوْ إنْشَاء شَيْء مِنْ الْأَجْسَام سِوَى الْمَخَارِيق وَالْخُدَع الْمُتَخَيَّلَة لِأَبْصَارِ النَّاطِرِينَ بِخِلَافِ حَقَائِقهَا الَّتِي وَصَفْنَا . وَقَالُوا : لَوْ كَانَ فِي وُسْع السَّحَرَة إنْشَاء الْأَجْسَام وَقَلْب لِحَقَائِق الْأَعْيَان عَمَّا هِيَ بِهِ مِنْ الْهَيْئَات , لَمْ يَكُنْ بَيْن الْحَقّ وَالْبَاطِل فَصْل , وَلَجَازَ أَنْ تَكُون جَمِيع الْمَحْسُوسَات مِمَّا سَحَرَتْهُ السَّحَرَة فَقَلَبَتْ أَعْيَانهَا . قَالُوا : وَفِي وَصْف اللَّه جَلّ وَعَزَّ سَحَرَة فِرْعَوْن بِقَوْلِهِ : { فَإِذَا حِبَالهمْ وَعِصِيّهمْ يُخَيَّل إلَيْهِ مِنْ سِحْرهمْ أَنَّهَا تَسْعَى } . وَفِي خَبَر عَائِشَة عَنْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إنَّهُ كَانَ إذَا سُحِرَ يُخَيَّل إلَيْهِ أَنَّهُ يَفْعَل الشَّيْء وَلَا يَفْعَلهُ , أَوْضَح الدَّلَالَة عَلَى بُطُول دَعْوَى الْمُدَّعِينَ : أَنَّ السَّاحِر يُنْشِئ أَعْيَانِ الْأَشْيَاء بِسِحْرِهِ , وَيَسْتَسْخِر مَا يَتَعَذَّر اسْتِسْخَاره عَلَى غَيْره مِنْ بَنِي آدَم . كَالْمَوَاتِ وَالْجَمَاد وَالْحَيَوَان , وَصِحَّة مَا قُلْنَا . وَقَالَ آخَرُونَ : قَدْ يَقْدِر السَّاحِر بِسِحْرِهِ أَنْ يُحَوِّل الْإِنْسَان حِمَارًا , وَأَنْ يَسْحَر الْإِنْسَان وَالْحِمَار وَيُنْشِئ أَعْيَانًا وَأَجْسَامًا . وَاعْتَلُّوا فِي ذَلِكَ بِمَا : 1409 - حَدَّثَنَا بِهِ الرَّبِيع بْن سُلَيْمَان , قَالَ : ثنا ابْن وَهْب , قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْن أَبِي الزِّنَاد , قَالَ : حَدَّثَنِي هِشَام بْن عُرْوَة , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ عَائِشَة زَوْج النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهَا قَالَتْ : قَدِمَتْ عَلَيَّ امْرَأَة مِنْ أَهْل دَوْمَة الْجَنْدَل , جَاءَتْ تَبْتَغِي رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْد مَوْته حَدَاثَة ذَلِكَ , تَسْأَلهُ عَنْ شَيْء دَخَلَتْ فِيهِ مِنْ أَمْر السِّحْر وَلَمْ تَعْمَل بِهِ . قَالَتْ عَائِشَة لِعُرْوَة : يَا ابْن أُخْتِي , فَرَأَيْتهَا تَبْكِي حِين لَمْ تَجِد رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَيَشْفِيهَا , كَانَتْ تَبْكِي حَتَّى إنِّي لَأَرْحَمهَا , وَتَقُول : إنِّي لَأَخَاف أَنْ أَكُون قَدْ هَلَكْت , كَانَ لِي زَوْج فَغَابَ عَنِّي , فَدَخَلَتْ عَلَيَّ عَجُوز فَشَكَوْت ذَلِكَ إلَيْهَا , فَقَالَتْ : إنْ فَعَلْت مَا آمُرك بِهِ فَأَجْعَلهُ يَأْتِيك , فَلَمَّا كَانَ اللَّيْل جَاءَتْنِي بِكَلْبَيْنِ أَسْوَدَيْنِ , فَرَكِبَتْ أَحَدهمَا وَرَكِبَتْ الْآخَر , فَلَمْ يَكُنْ كَشَيْءِ حَتَّى وَقَفْنَا بِبَابِل , فَإِذَا بِرَجُلَيْنِ مُعَلَّقَيْنِ بِأَرْجُلِهِمَا , فَقَالَا : مَا جَاءَ بِك ؟ فَقُلْت : أَتَعْلَمُ السِّحْر ؟ فَقَالَا : أَمَّا نَحْنُ فِتْنَة فَلَا تَكْفُرِي وَارْجِعِي , فَأَبَيْت وَقُلْت : لَا , فَقَالَا : اذْهَبِي إلَى ذَلِكَ التَّنُّور فَبُولِي فِيهِ ! فَذَهَبْت فَفَزِعْت فَلَ

_________________
إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً }الأحزاب33

صورة


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة:
مشاركة غير مقروءةمرسل: الثلاثاء نوفمبر 28, 2006 12:09 pm 
غير متصل

اشترك في: السبت فبراير 21, 2004 4:33 am
مشاركات: 10727
قال تعالى : " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ انْفِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الْأَرْضِ أَرَضِيتُمْ بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا مِنَ الْآخِرَةِ فَمَا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فِي الْآخِرَةِ إِلَّا قليل "

التوبة 38
الجلالين
ـــــــــــــــ

وَنَزَلَ لَمَّا دَعَا النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ النَّاس إلَى غَزْوَة تَبُوك وَكَانُوا فِي عُسْرَة وَشِدَّة حَرّ فَشَقَّ عَلَيْهِمْ "يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَا لَكُمْ إذَا قِيلَ لَكُمْ انْفِرُوا فِي سَبِيل اللَّه اثَّاقَلْتُمْ" بِإِدْغَامِ التَّاء فِي الْأَصْل فِي الْمُثَلَّثَة وَاجْتِلَاب هَمْزَة الْوَصْل أَيْ تَبَاطَأْتُمْ وَمِلْتُمْ عَنْ الْجِهَاد "إلَى الْأَرْض" وَالْقُعُود فِيهَا "أَرَضِيتُمْ بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا" وَلَذَّاتهَا وَالِاسْتِفْهَام لِلتَّوْبِيخِ "مِنْ الْآخِرَة" أَيْ بَدَل نَعِيمهَا "فَمَا مَتَاع الْحَيَاة الدُّنْيَا فِي" جَنْب مَتَاع "الْآخِرَة إلَّا قَلِيل" حَقِير

الطبري
ـــــــــــ
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمْ اِنْفِرُوا فِي سَبِيل اللَّه اِثَّاقَلْتُمْ إِلَى الْأَرْض } وَهَذِهِ الْآيَة حَثّ مِنْ اللَّه جَلَّ ثَنَاؤُهُ الْمُؤْمِنِينَ بِهِ مِنْ أَصْحَاب رَسُوله عَلَى غَزْو الرُّوم , وَذَلِكَ غَزْوَة رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَبُوك . يَقُول جَلَّ ثَنَاؤُهُ : يَا أَيّهَا الَّذِينَ صَدَقُوا اللَّه وَرَسُوله { مَا لَكُمْ } أَيْ شَيْء أَمَرَكُمْ , { إِذَا قِيلَ لَكُمْ اِنْفِرُوا فِي سَبِيل اللَّه } يَقُول : إِذَا قَالَ لَكُمْ رَسُول اللَّه مُحَمَّد : اِنْفِرُوا ! أَيْ اُخْرُجُوا مِنْ مَنَازِلكُمْ إِلَى مَغْزَاكُمْ. وَأَصْل النَّفْر : مُفَارَقَة مَكَان إِلَى مَكَان لِأَمْرٍ هَاجَهُ عَلَى ذَلِكَ , وَمِنْهُ نُفُور الدَّابَّة غَيْر أَنَّهُ يُقَال مِنْ النَّفْر إِلَى الْغَزْو : نَفَرَ فُلَان إِلَى ثَغْر كَذَا يَنْفِر نَفْرًا وَنَفِيرًا , وَأَحْسِب أَنَّ هَذَا مِنْ الْفُرُوق الَّتِي يُفَرِّقُونَ بِهَا بَيْن اِخْتِلَاف الْمُخْبَر عَنْهُ وَإِنْ اِتَّفَقَتْ مَعَانِي الْخَبَر ; فَمَعْنَى الْكَلَام : مَا لَكُمْ أَيّهَا الْمُؤْمِنُونَ إِذَا قِيلَ لَكُمْ : اُخْرُجُوا غُزَاة فِي سَبِيل اللَّه ; أَيْ فِي جِهَاد أَعْدَاء اللَّه , { اِثَّاقَلْتُمْ إِلَى الْأَرْض } يَقُول تَثَاقَلْتُمْ إِلَى لُزُوم أَرْضكُمْ وَمَسَاكِنكُمْ وَالْجُلُوس فِيهَا . وَقِيلَ : " اِثَّاقَلْتُمْ " لِأَنَّهُ أُدْغِمَ التَّاء فِي الثَّاء . فَأَحْدَثَ لَهَا أَلِف لِيُتَوَصَّل إِلَى الْكَلَام بِهَا . لِأَنَّ التَّاء مُدْغِمَة فِي الثَّاء , وَلَوْ أُسْقِطَتْ الْأَلِف وَابْتُدِئَ بِهَا لَمْ تَكُنْ إِلَّا مُتَحَرِّكَة , فَأَحْدَثَتْ الْأَلِف لِتَقَع الْحَرَكَة بِهَا , كَمَا قَالَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ : { حَتَّى إِذَا اِدَّارَكُوا فِيهَا جَمِيعًا } 7 38 وَكَمَا قَالَ الشَّاعِر : تُولِي الضَّجِيع إِذَا مَا اِسْتَافَهَا خَصِرًا عَذْب الْمَذَاق إِذَا مَا اتَّابَعَ الْقُبَل فَهُوَ بَنَى الْفِعْل اِفْتَعَلْتُمْ مِنْ التَّثَاقُل. وَبِنَحْوِ مَا قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 12991 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد { مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمْ اِنْفِرُوا فِي سَبِيل اللَّه اِثَّاقَلْتُمْ إِلَى الْأَرْض } أَمَرُوا بِغَزْوَةِ تَبُوك بَعْد الْفَتْح وَبَعْد الطَّائِف , وَبَعْد حُنَيْنٍ . أُمِرُوا بِالنَّفِيرِ فِي الصَّيْف حِين خَرِفَتْ النَّخْل , وَطَابَتْ الثِّمَار , وَاشْتُهُوا الظِّلَال , وَشَقَّ عَلَيْهِمْ الْمَخْرَج . * - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج , عَنْ مُجَاهِد , قَوْله : { يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمْ اِنْفِرُوا فِي سَبِيل اللَّه اِثَّاقَلْتُمْ إِلَى الْأَرْض } الْآيَة , قَالَ : هَذَا حِين أُمِرُوا بِغَزْوَةِ تَبُوك بَعْد الْفَتْح وَحُنَيْن , وَبَعْد الطَّائِف أَمَرَهُمْ بِالنَّفِيرِ فِي الصَّيْف , حِين اِخْتَرَفَتْ النَّخْل , وَطَابَتْ الثِّمَار , وَاشْتُهُوا الظِّلَال , وَشَقَّ عَلَيْهِمْ الْمَخْرَج . قَالَ : فَقَالُوا : مِنَّا الثَّقِيل , وَذُو الْحِجَّة , وَالضَّيْعَة , وَالشُّغْل , وَالْمُنْتَشِر بِهِ أَمْره فِي ذَلِكَ كُلّه . فَأَنْزَلَ اللَّه : { اِنْفِرُوا خِفَافًا وَثِقَالًا } 9 41

الْأَرْضِ أَرَضِيتُمْ بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا مِنَ الْآخِرَةِ فَمَا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فِي الْآخِرَةِ إِلَّا قليل

وَقَوْله : { أَرَضِيتُمْ بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا مِنْ الْآخِرَة } يَقُول جَلَّ ثَنَاؤُهُ , أَرَضِيتُمْ بِحَظِّ الدُّنْيَا وَالدَّعَة فِيهَا عِوَضًا مِنْ نَعِيم الْآخِرَة وَمَا عِنْد اللَّه لِلْمُتَّقِينَ فِي جِنَانه ؟ { فَمَا مَتَاع الْحَيَاة الدُّنْيَا فِي الْآخِرَة } يَقُول : فَمَا الَّذِي يَسْتَمْتِع بِهِ الْمُتَمَتِّعُونَ فِي الدُّنْيَا مِنْ عَيْشهَا وَلَذَّاتهَا فِي نَعِيم الْآخِرَة وَالْكَرَامَة الَّتِي أَعَدَّهَا اللَّه لِأَوْلِيَائِهِ وَأَهْل طَاعَته { إِلَّا قَلِيل } يَسِير . يَقُول لَهُمْ : فَاطْلُبُوا أَيّهَا الْمُؤْمِنُونَ نَعِيم الْآخِرَة وَتَرَف الْكَرَامَة الَّتِي عِنْد اللَّه لِأَوْلِيَائِهِ بِطَاعَتِهِ , وَالْمُسَارَعَة إِلَى الْإِجَابَة إِلَى أَمْره فِي النَّفِير لِجِهَادِ عَدُوّهُ .




القرطبي
ــــــــــــ

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ انْفِرُوا فِي سَبِيلِ

" مَا " حَرْف اِسْتِفْهَام مَعْنَاهُ التَّقْرِير وَالتَّوْبِيخ التَّقْدِير : أَيّ شَيْء يَمْنَعكُمْ عَنْ كَذَا كَمَا تَقُول : مَا لَك عَنْ فُلَان مُعْرِضًا . وَلَا خِلَاف أَنَّ هَذِهِ الْآيَة نَزَلَتْ عِتَابًا عَلَى تَخَلُّف مَنْ تَخَلَّفَ عَنْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي غَزْوَة تَبُوك , وَكَانَتْ سَنَة تِسْع مِنْ الْهِجْرَة بَعْد الْفَتْح بِعَامٍ , وَسَيَأْتِي ذِكْرهَا فِي آخِر السُّورَة إِنْ شَاءَ اللَّه . وَالنَّفْر : هُوَ التَّنَقُّل بِسُرْعَةٍ مِنْ مَكَان إِلَى مَكَان لِأَمْرٍ يَحْدُث , يُقَال فِي اِبْن آدَم : نَفَرَ إِلَى الْأَمْر يَنْفِر نُفُورًا . وَقَوْم نُفُور , وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى : " وَلَّوْا عَلَى أَدْبَارهمْ نُفُورًا " [ الْإِسْرَاء : 46 ] . وَيُقَال فِي الدَّابَّة : نَفَرَتْ تَنْفُر - بِضَمِّ الْفَاء وَكَسْرهَا - نِفَارًا وَنُفُورًا . يُقَال : فِي الدَّابَّة نِفَار , وَهُوَ اِسْم مِثْل الْحِرَان . وَنَفَرَ الْحَاجّ مِنْ مِنًى نَفْرًا .

اللَّهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى

قَالَ الْمُفَسِّرُونَ : مَعْنَاهُ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى نَعِيم الْأَرْض , أَوْ إِلَى الْإِقَامَة بِالْأَرْضِ . وَهُوَ تَوْبِيخ عَلَى تَرْك الْجِهَاد وَعِتَاب عَلَى التَّقَاعُد عَنْ الْمُبَادَرَة إِلَى الْخُرُوج , وَهُوَ نَحْو مِنْ أَخْلَدَ إِلَى الْأَرْض . وَأَصْله تَثَاقَلْتُمْ , أُدْغِمَتْ التَّاء فِي الثَّاء لِقُرْبِهَا مِنْهَا , وَاحْتَاجَتْ إِلَى أَلِف الْوَصْل لِتَصِل إِلَى النُّطْق بِالسَّاكِنِ , وَمِثْله " ادَّارَكُوا " [ الْأَعْرَاف : 38 ] و " اِدَّارَأْتُمْ " [ الْبَقَرَة : 72 ] و " اِطَّيَّرْنَا " [ النَّمْل : 47 ] و " اِزَّيَّنَتْ " [ يُونُس : 24 ] . وَأَنْشَدَ الْكِسَائِيّ : تُولِي الضَّجِيع إِذَا مَا اِسْتَافَهَا خَصِرًا عَذْب الْمَذَاق إِذَا مَا اتَّابَعَ الْقُبَل وَقَرَأَ الْأَعْمَش " تَثَاقَلْتُمْ " عَلَى الْأَصْل . حَكَاهُ الْمَهْدَوِيّ . وَكَانَتْ تَبُوك - وَدَعَا النَّاس إِلَيْهَا - فِي حَرَارَة الْقَيْظ وَطِيب الثِّمَار وَبَرْد الظِّلَال - كَمَا جَاءَ فِي الْحَدِيث الصَّحِيح عَلَى مَا يَأْتِي - فَاسْتَوْلَى عَلَى النَّاس الْكَسَل فَتَقَاعَدُوا وَتَثَاقَلُوا فَوَبَّخَهُمْ اللَّه بِقَوْلِهِ هَذَا وَعَابَ عَلَيْهِمْ الْإِيثَار لِلدُّنْيَا عَلَى الْآخِرَة .

الْأَرْضِ أَرَضِيتُمْ بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا مِنَ الْآخِرَةِ فَمَا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فِي الْآخِرَةِ إِلَّا قليل

أَيْ بَدَلًا , التَّقْدِير : أَرَضِيتُمْ بِنَعِيمِ الدُّنْيَا بَدَلًا مِنْ نَعِيم الْآخِرَة ف " مِنْ " تَتَضَمَّن مَعْنَى الْبَدَل , كَقَوْلِهِ تَعَالَى : " وَلَوْ نَشَاء لَجَعَلْنَا مِنْكُمْ مَلَائِكَة فِي الْأَرْض يَخْلُفُونَ " [ الزُّخْرُف : 60 ] أَيْ بَدَلًا مِنْكُمْ . وَقَالَ الشَّاعِر : فَلَيْتَ لَنَا مِنْ مَاء زَمْزَم شَرْبَة مُبَرَّدَة بَاتَتْ عَلَى طَهَيَان وَيُرْوَى مِنْ مَاء حَمْنَان . أَرَادَ : لَيْتَ لَنَا بَدَلًا مِنْ مَاء زَمْزَم شَرْبَة مُبَرَّدَة . وَالطَّهَيَان : عُود يُنْصَب فِي نَاحِيَة الدَّار لِلْهَوَاءِ , يُعَلَّق عَلَيْهِ الْمَاء حَتَّى يَبْرُد . عَاتَبَهُمْ اللَّه عَلَى إِيثَار الرَّاحَة فِي الدُّنْيَا عَلَى الرَّاحَة فِي الْآخِرَة , إِذْ لَا تُنَال رَاحَة الْآخِرَة إِلَّا بِنَصَبِ الدُّنْيَا . قَالَ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِعَائِشَة وَقَدْ طَافَتْ رَاكِبَة : ( أَجْرك عَلَى قَدْر نَصَبك ) . خَرَّجَهُ الْبُخَارِيّ .

_________________
إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً }الأحزاب33

صورة


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة:
مشاركة غير مقروءةمرسل: الأحد ديسمبر 03, 2006 9:23 am 
غير متصل

اشترك في: السبت فبراير 21, 2004 4:33 am
مشاركات: 10727
[font=Traditional Arabic]



إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللَّهَ يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ فَمَنْ نَكَثَ فَإِنَّمَا يَنْكُثُ عَلَى نَفْسِهِ وَمَنْ أَوْفَى بِمَا عَاهَدَ عَلَيْهُ اللَّهَ فَسَيُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا "
الفتح 10

الجلالين
ـــــ

"إنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَك" بَيْعَة الرِّضْوَان بِالْحُدَيْبِيَةِ "إنَّمَا يُبَايِعُونَ اللَّه" هُوَ نَحْو "مَنْ يُطِعِ الرَّسُول فَقَدْ أَطَاعَ اللَّه" "يَد اللَّه فَوْق أَيْدِيهمْ" الَّتِي بَايَعُوا بِهَا النَّبِيّ أَيْ هُوَ تَعَالَى مُطَلِّع عَلَى مُبَايَعَتهمْ فَيُجَازِيهِمْ عَلَيْهَا "فَمَنْ نَكَثَ" نَقَضَ الْبَيْعَة "فَإِنَّمَا يَنْكُث" يَرْجِع وَبَال نَقْضه "عَلَى نَفْسه وَمَنْ أَوْفَى بِمَا عَاهَدَ عَلَيْهِ اللَّه فَسَيُؤْتِيهِ" بِالْيَاءِ وَالنُّون

الطبري
ـــــ

إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللَّهَ

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَك إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللَّه } يَقُول تَعَالَى ذِكْره لِنَبِيِّهِ مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : { إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَك } بِالْحُدَيْبِيَةِ مِنْ أَصْحَابك عَلَى أَنْ لَا يَفِرُّوا عِنْد لِقَاء الْعَدُوّ , وَلَا يُوَلُّوهُمْ الْأَدْبَار { إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللَّه } يَقُول : إِنَّمَا يُبَايِعُونَ بِبَيْعَتِهِمْ إِيَّاكَ اللَّه , لِأَنَّ اللَّه ضَمِنَ لَهُمْ الْجَنَّة بِوَفَائِهِمْ لَهُ بِذَلِكَ . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 24362 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثَنَا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثَنَا عِيسَى ; وَحَدَّثَنِي الْحَارِث , قَالَ : ثَنَا الْحَسَن , قَالَ : ثَنَا وَرْقَاء جَمِيعًا , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد قَوْله : { إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَك } قَالَ : يَوْم الْحُدَيْبِيَة. 24363 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثَنَا يَزِيد , قَالَ : ثَنَا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَوْله : { إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَك إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللَّه يَد اللَّه فَوْق أَيْدِيهمْ فَمَنْ نَكَثَ فَإِنَّمَا يَنْكُث عَلَى نَفْسه } وَهُمْ الَّذِينَ بَايَعُوا يَوْم الْحُدَيْبِيَة .

يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ

وَفِي قَوْله : { يَد اللَّه فَوْق أَيْدِيهمْ } وَجْهَانِ مِنْ التَّأْوِيل : أَحَدهمَا : يَد اللَّه فَوْق أَيْدِيهمْ عِنْد الْبَيْعَة , لِأَنَّهُمْ كَانُوا يُبَايِعُونَ اللَّه بِبَيْعَتِهِمْ نَبِيّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ; وَالْآخَر : قُوَّة اللَّه فَوْق قُوَّتهمْ فِي نُصْرَة رَسُوله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , لِأَنَّهُمْ إِنَّمَا بَايَعُوا رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى نُصْرَته عَلَى الْعَدُوّ .

فَمَنْ نَكَثَ فَإِنَّمَا يَنْكُثُ عَلَى نَفْسِهِ

وَقَوْله : { فَمَنْ نَكَثَ فَإِنَّمَا يَنْكُث عَلَى نَفْسه } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : فَمَنْ نَكَثَ بَيْعَته إِيَّاكَ يَا مُحَمَّد , وَنَقَضَهَا فَلَمْ يَنْصُرك عَلَى أَعْدَائِك , وَخَالَفَ مَا وَعَدَ رَبّه { فَإِنَّمَا يَنْكُث عَلَى نَفْسه } يَقُول : فَإِنَّمَا يَنْقُض بَيْعَته , لِأَنَّهُ بِفِعْلِهِ ذَلِكَ يَخْرُج مِمَّنْ وَعَدَهُ اللَّه الْجَنَّة بِوَفَائِهِ بِالْبَيْعَةِ , فَلَمْ يَضُرّ بِنَكْثِهِ غَيْر نَفْسه , وَلَمْ يَنْكُث إِلَّا عَلَيْهَا , فَأَمَّا رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَإِنَّ اللَّه تَبَارَكَ وَتَعَالَى نَاصِره عَلَى أَعْدَائِهِ , نَكَثَ النَّاكِث مِنْهُمْ , أَوْ وَفَّى بِبَيْعَتِهِ .

وَمَنْ أَوْفَى بِمَا عَاهَدَ عَلَيْهُ اللَّهَ

وَقَوْله : { وَمَنْ أَوْفَى بِمَا عَاهَدَ عَلَيْهُ اللَّه } . .. الْآيَة , يَقُول تَعَالَى ذِكْره : وَمَنْ أَوْفَى بِمَا عَاهَدَ اللَّه عَلَيْهِ مِنْ الصَّبْر عِنْد لِقَاء الْعَدُوّ فِي سَبِيل اللَّه وَنُصْرَة نَبِيّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى أَعْدَائِهِ

فَسَيُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا

يَقُول : فَسَيُعْطِيهِ اللَّه ثَوَابًا عَظِيمًا , وَذَلِكَ أَنْ يُدْخِلهُ الْجَنَّة جَزَاء لَهُ عَلَى وَفَائِهِ بِمَا عَاهَدَ عَلَيْهِ اللَّه , وَوَثَّقَ لِرَسُولِهِ عَلَى الصَّبْر مَعَهُ عِنْد الْبَأْس بِالْمُؤَكِّدَةِ مِنْ الْأَيْمَان . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 24364 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثَنَا يَزِيد , قَالَ : ثَنَا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة { فَسَيُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا } وَهِيَ الْجَنَّة .


القرطبي
ـــــــــ


إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ

بِالْحُدَيْبِيَةِ يَا مُحَمَّد .

إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللَّهَ

بَيَّنَ أَنَّ بَيْعَتهمْ لِنَبِيِّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّمَا هِيَ بَيْعَة اللَّه , كَمَا قَالَ تَعَالَى : " مَنْ يُطِعْ الرَّسُول فَقَدْ أَطَاعَ اللَّه " [ النِّسَاء : 80 ] . وَهَذِهِ الْمُبَايَعَة هِيَ بَيْعَة الرِّضْوَان , عَلَى مَا يَأْتِي بَيَانهَا فِي هَذِهِ السُّورَة إِنْ شَاءَ اللَّه تَعَالَى .

يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ

قِيلَ : يَده فِي الثَّوَاب فَوْق أَيْدِيهمْ فِي الْوَفَاء , وَيَده فِي الْمِنَّة عَلَيْهِمْ بِالْهِدَايَةِ فَوْق أَيْدِيهمْ فِي الطَّاعَة . وَقَالَ الْكَلْبِيّ : مَعْنَاهُ نِعْمَة اللَّه عَلَيْهِمْ فَوْق مَا صَنَعُوا مِنْ الْبَيْعَة . وَقَالَ اِبْن كَيْسَان : قُوَّة اللَّه وَنُصْرَته فَوْق قُوَّتهمْ وَنُصْرَتهمْ .

فَمَنْ نَكَثَ

بَعْد الْبَيْعَة .

فَإِنَّمَا يَنْكُثُ عَلَى نَفْسِهِ

أَيْ يَرْجِع ضَرَر النَّكْث عَلَيْهِ ; لِأَنَّهُ حَرَمَ نَفْسه الثَّوَاب وَأَلْزَمَهَا الْعِقَاب .

وَمَنْ أَوْفَى بِمَا عَاهَدَ عَلَيْهُ اللَّهَ

قِيلَ فِي الْبَيْعَة . وَقِيلَ فِي إِيمَانه . وَقَرَأَ حَفْص وَالزُّهْرِيّ " عَلَيْهُ " بِضَمِّ الْهَاء . وَجَرَّهَا الْبَاقُونَ .

فَسَيُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا

يَعْنِي فِي الْجَنَّة . وَقَرَأَ نَافِع وَابْن كَثِير وَابْن عَامِر " فَسَنُؤْتِيهِ " بِالنُّونِ . وَاخْتَارَهُ الْفَرَّاء وَأَبُو مُعَاذ . وَقَرَأَ الْبَاقُونَ بِالْيَاءِ . وَهُوَ اِخْتِيَار أَبِي عُبَيْد وَأَبِي حَاتِم , لِقُرْبِ اِسْم اللَّه مِنْهُ .



[/font]

_________________
إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً }الأحزاب33

صورة


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة:
مشاركة غير مقروءةمرسل: الثلاثاء ديسمبر 05, 2006 11:09 am 
غير متصل

اشترك في: السبت فبراير 21, 2004 4:33 am
مشاركات: 10727

قال تعالى : " أَوْ كَظُلُمَاتٍ فِي بَحْرٍ لُجِّيٍّ يَغْشَاهُ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ سَحَابٌ ظُلُمَاتٌ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ إِذَا أَخْرَجَ يَدَهُ لَمْ يَكَدْ يَرَاهَا وَمَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُورًا فَمَا لَهُ مِنْ نُورٍ "

النور 40

الجلالين
ــــــــــــــ

"أَوْ" الَّذِينَ كَفَرُوا أَعْمَالهمْ السَّيِّئَة "كَظُلُمَاتٍ فِي بَحْر لُجِّيّ" عَمِيق "يَغْشَاهُ مَوْج مِنْ فَوْقه" أَيْ الْمَوْج "مَوْج مِنْ فَوْقه" أَيْ الْمَوْج الثَّانِي "سَحَاب" أَيْ غَيْم هَذِهِ "ظُلُمَات بَعْضهَا فَوْق بَعْض" ظُلْمَة الْبَحْر وَظُلْمَة الْمَوْج الْأَوَّل وَظُلْمَة الثَّانِي وَظُلْمَة السَّحَاب "إذَا أَخْرَجَ" النَّاظِر "يَده" فِي هَذِهِ الظُّلُمَات "لَمْ يَكَدْ يَرَاهَا" أَيْ لَمْ يَقْرُب مِنْ رُؤْيَتهَا "وَمَنْ لَمْ يَجْعَل اللَّه لَهُ نُورًا فَمَا لَهُ مِنْ نُور" أَيْ مَنْ لَمْ يَهْدِهِ اللَّه لَمْ يَهْتَدِ


الطبري
ــــــــــ

أَوْ كَظُلُمَاتٍ فِي بَحْرٍ لُجِّيٍّ يَغْشَاهُ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ سَحَابٌ ظُلُمَاتٌ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { أَوْ كَظُلُمَاتٍ فِي بَحْر لُجِّيّ يَغْشَاهُ مَوْج مِنْ فَوْقه مَوْج مِنْ فَوْقه سَحَاب ظُلُمَات بَعْضهَا فَوْق بَعْض } وَهَذَا مَثَل آخَر ضَرَبَهُ اللَّه لِأَعْمَالِ الْكُفَّار , يَقُول تَعَالَى ذِكْره : وَمَثَل أَعْمَال هَؤُلَاءِ الْكُفَّار فِي أَنَّهَا عُمِلَتْ عَلَى خَطَأ وَفَسَاد وَضَلَالَة وَحِيرَة مِنْ عُمَّالهَا فِيهَا وَعَلَى غَيْر هُدًى , مَثَل ظُلُمَات فِي بَحْر لُجِّيّ . وَنَسَبَ الْبَحْر إِلَى اللُّجَّة , وَصْفًا لَهُ بِأَنَّهُ عَمِيق كَثِير الْمَاء . وَلُجَّة الْبَحْر : مُعْظَمه . { يَغْشَاهُ مَوْج } يَقُول يَغْشَى الْبَحْر مَوْج , { مِنْ فَوْقه مَوْج } يَقُول : مِنْ فَوْق الْمَوْج مَوْج آخَر يَغْشَاهُ , { مِنْ فَوْقه سَحَاب } يَقُول : مِنْ فَوْق الْمَوْج الثَّانِي الَّذِي يَغْشَى الْمَوْج الْأَوَّل سَحَاب . فَجَعَلَ الظُّلُمَات مَثَلًا لِأَعْمَالِهِمْ , وَالْبَحْر اللُّجِّيّ مَثَلًا لِقَلْبِ الْكَافِر , يَقُول : عَمِلَ بِنِيَّةِ قَلْب قَدْ غَمَرَهُ الْجَهْل وَتَغَشَّتْهُ الضَّلَال وَالْحِيرَة كَمَا يَغْشَى هَذَا الْبَحْر اللُّجِّيّ مَوْج مِنْ فَوْقه مَوْج مِنْ فَوْقه سَحَاب , فَكَذَلِكَ قَلْب هَذَا الْكَافِر الَّذِي مَثَل عَمَله مَثَل هَذِهِ الظُّلُمَات , يَغْشَاهُ الْجَهْل بِاللَّهِ , بِأَنَّ اللَّه خَتَمَ عَلَيْهِ فَلَا يَعْقِل عَنِ اللَّه , وَعَلَى سَمْعه فَلَا يَسْمَع مَوَاعِظ اللَّه , وَجَعَلَ عَلَى بَصَره غِشَاوَة فَلَا يُبْصِر بِهِ حُجَج اللَّه , فَتِلْكَ ظُلُمَات بَعْضهَا فَوْق بَعْض . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 19820 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سَعْد , قَالَ : ثني أَبِي , قَالَ : ثني عَمِّي , قَالَ : ثنا أَبِي , عَنْ أَبِيهِ , عَنِ ابْن عَبَّاس , قَوْله : { أَوْ كَظُلُمَاتٍ فِي بَحْر لُجِّيّ يَغْشَاهُ مَوْج مِنْ فَوْقه مَوْج مِنْ فَوْقه سَحَاب } ... إِلَى قَوْله : { مِنْ نُور } قَالَ : يَعْنِي بِالظُّلُمَاتِ الْأَعْمَال , وَبِالْبَحْرِ اللُّجِّيّ قَلْب الْإِنْسَان . قَالَ : يَغْشَاهُ مَوْج مِنْ فَوْقه مَوْج مِنْ فَوْقه سَحَاب , قَالَ : ظُلُمَات بَعْضهَا فَوْق بَعْض ; يَعْنِي بِذَلِكَ الْغَشَاوَة الَّتِي عَلَى الْقَلْب وَالسَّمْع وَالْبَصَر . وَهُوَ كَقَوْلِهِ : { خَتَمَ اللَّه عَلَى قُلُوبهمْ } ... 2 7 الْآيَة , وَكَقَوْلِهِ : { أَفَرَأَيْت مَنِ اتَّخَذَ إِلَهه هَوَاهُ } ... إِلَى قَوْله : { أَفَلَا تَذَكَّرُونَ } 45 23 . 19821 - حَدَّثَنَا الْحَسَن , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة , فِي قَوْله : { أَوْ كَظُلُمَاتٍ فِي بَحْر لُجِّيّ } عَمِيق , وَهُوَ مَثَل ضَرَبَهُ اللَّه لِلْكَافِرِ يَعْمَل فِي ضَلَالَة وَحِيرَة , قَالَ : { ظُلُمَات بَعْضهَا فَوْق بَعْض } . وَرُوِيَ عَنْ أُبَيّ بْن كَعْب , مَا : 19822 - حَدَّثَنِي عَبْد الْأَعْلَى بْن وَاصِل , قَالَ : ثنا عُبَيْد اللَّه بْن مُوسَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا أَبُو جَعْفَر الرَّازِيّ , عَنِ الرَّبِيع , عَنْ أَبِي الْعَالِيَة , عَنْ أُبَيّ بْن كَعْب , فِي قَوْله : { أَوْ كَظُلُمَاتٍ فِي بَحْر لُجِّيّ يَغْشَاهُ مَوْج } ... الْآيَة , قَالَ : ضَرَبَ مَثَلًا آخَر لِلْكَافِرِ , فَقَالَ : { أَوْ كَظُلُمَاتٍ فِي بَحْر لُجِّيّ } ... الْآيَة , قَالَ : فَهُوَ يَتَقَلَّب فِي خَمْس مِنَ الظُّلَم فَكَلَامه ظُلْمَة , وَعَمَله ظُلْمَة , وَمَدْخَله ظُلْمَة , وَمَخْرَجه ظُلْمَة , وَمَصِيره إِلَى الظُّلُمَات يَوْم الْقِيَامَة إِلَى النَّار . * - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنْ أَبِي جَعْفَر الرَّازِيّ , عَنْ أَبِي الرَّبِيع , عَنْ أَبِي الْعَالِيَة , عَنْ أُبَيّ بْن كَعْب , بِنَحْوِهِ . 19823 -حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْن وَهْب , قَالَ : قَالَ ابْن زَيْد فِي قَوْله : { أَوْ كَظُلُمَاتٍ فِي بَحْر لُجِّيّ يَغْشَاهُ مَوْج مِنْ فَوْقه مَوْج } . .. إِلَى قَوْله : { ظُلُمَات بَعْضهَا فَوْق بَعْض } قَالَ : شَرّ بَعْضه فَوْق بَعْض .

إِذَا أَخْرَجَ يَدَهُ لَمْ يَكَدْ يَرَاهَا

وَقَوْله : { إِذَا أَخْرَجَ يَده لَمْ يَكَدْ يَرَاهَا } يَقُول : إِذَا أَخْرَجَ النَّاظِر يَده فِي هَذِهِ الظُّلُمَات , لَمْ يَكَدْ يَرَاهَا . فَإِنْ قَالَ : لَنَا قَائِل وَكَيْفَ قِيلَ : لَمْ يَكَدْ يَرَاهَا , مَعَ شِدَّة هَذِهِ الظُّلْمَة الَّتِي وَصَفَ , وَقَدْ عَلِمْت أَنَّ قَوْل الْقَائِل : لَمْ أَكَدْ أَرَى فُلَانًا , إِنَّمَا هُوَ إِثْبَات مِنْهُ لِنَفْسِهِ رُؤْيَته بَعْد جَهْد وَشِدَّة , وَمِنْ دُون الظُّلُمَات الَّتِي وَصَفَ فِي هَذِهِ الْآيَة مَا لَا يَرَى النَّاظِر يَده إِذَا أَخْرَجَهَا فِيهِ , فَكَيْفَ فِيهَا ؟ قِيلَ : فِي ذَلِكَ أَقْوَال نَذْكُرهَا , ثُمَّ نُخْبِر بِالصَّوَابِ مِنْ ذَلِكَ . أَحَدهَا : أَنْ يَكُون مَعْنَى الْكَلَام إِذَا أَخْرَجَ يَده رَائِيًا لَهَا لَمْ يَكَدْ يَرَاهَا ; أَيْ لَمْ يَعْرِف مِنْ أَيْنَ يَرَاهَا . وَالثَّانِي أَنْ يَكُون مَعْنَاهُ إِذَا أَخْرَجَ يَده لَمْ يَرَهَا , وَيَكُون قَوْله : { لَمْ يَكَدْ } فِي دُخُوله فِي الْكَلَام , نَظِير دُخُول الظَّنّ فِيمَا هُوَ يَقِين مِنَ الْكَلَام , كَقَوْلِهِ : { وَظَنُّوا مَا لَهُمْ مِنْ مَحِيص } وَنَحْو ذَلِكَ . وَالثَّالِث : أَنْ يَكُون قَدْ رَآهَا بَعْد بُطْء وَجَهْد , كَمَا يَقُول الْقَائِل لِآخَر : مَا كِدْت أَرَاك مِنْ الظُّلْمَة , وَقَدْ رَآهُ , وَلَكِنْ بَعْد إِيَاس وَشِدَّة . وَهَذَا الْقَوْل الثَّالِث أَظْهَر مَعَانِي الْكَلِمَة مِنْ جِهَة مَا تَسْتَعْمِل الْعَرَب " أَكَاد " فِي كَلَامهَا . وَالْقَوْل الْآخَر الَّذِي قُلْنَا إِنَّهُ يَتَوَجَّه إِلَى أَنَّهُ مَعْنَى لَمْ يَرَهَا , قَوْل أَوْضَح مِنْ جِهَة التَّفْسِير , وَهُوَ أَخْفَى مَعَانِيه . وَإِنَّمَا حَسُنَ ذَلِكَ فِي هَذَا الْمَوْضِع , أَعْنِي أَنْ يَقُول : لَمْ يَكَدْ يَرَاهَا مَعَ شِدَّة الظُّلْمَة الَّتِي ذَكَرَ ; لِأَنَّ ذَلِكَ مَثَل لَا خَبَر عَنْ كَائِن كَانَ.

وَمَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُورًا

يَقُول : مَنْ لَمْ يَرْزُقهُ اللَّه إِيمَانًا وَهُدًى مِنْ الضَّلَالَة وَمَعْرِفَة بِكِتَابِهِ ,

فَمَا لَهُ مِنْ نُورٍ

يَقُول : فَمَا لَهُ مِنْ إِيمَان وَهُدًى وَمَعْرِفَة بِكِتَابِهِ .




القرطبي
ــــــــــــ
أَوْ كَظُلُمَاتٍ فِي بَحْرٍ لُجِّيٍّ

ضَرَبَ تَعَالَى مَثَلًا آخَر لِلْكُفَّارِ أَيْ أَعْمَالهمْ كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ أَوْ كَظُلُمَاتٍ . قَالَ الزَّجَّاج : إِنْ شِئْت مَثِّلْ بِالسَّرَابِ وَإِنْ شِئْت مَثِّلْ بِالظُّلُمَاتِ فَ " أَوْ " لِلْإِبَاحَةِ حَسْبَمَا تَقَدَّمَ مِنْ الْقَوْل فِي " أَوْ كَصَيِّبٍ " [ الْبَقَرَة : 19 ] . وَقَالَ الْجُرْجَانِيّ : الْآيَة الْأُولَى فِي ذِكْر أَعْمَال الْكُفَّار , وَالثَّانِيَة فِي ذِكْر كُفْرهمْ وَنُسِّقَ الْكُفْر عَلَى أَعْمَالهمْ لِأَنَّ الْكُفْر أَيْضًا مِنْ أَعْمَالهمْ وَقَدْ قَالَ تَعَالَى : " يُخْرِجهُمْ مِنْ الظُّلُمَات إِلَى النُّور " [ الْبَقَرَة : 257 ] أَيْ مِنْ الْكُفْر إِلَى الْإِيمَان وَقَالَ أَبُو عَلِيّ : " أَوْ كَظُلُمَاتٍ " أَوْ كَذِي ظُلُمَات ; وَدَلَّ عَلَى هَذَا الْمُضَاف قَوْله تَعَالَى : " إِذَا أَخْرَجَ يَده " فَالْكِنَايَة تَعُود إِلَى الْمُضَاف الْمَحْذُوف. قَالَ الْقُشَيْرِيّ : فَعِنْد الزَّجَّاج التَّمْثِيل وَقَعَ لِأَعْمَالِ الْكُفَّار , وَعِنْد الْجُرْجَانِيّ لِكُفْرِ الْكَافِر , وَعِنْد أَبِي عَلِيّ لِلْكَافِرِ . وَقَالَ اِبْن عَبَّاس فِي رِوَايَة : هَذَا مِثْل قَلْب الْكَافِر . " فِي بَحْر لُجِّيّ " قِيلَ : هُوَ مَنْسُوب اللُّجَّة , وَهُوَ الَّذِي لَا يُدْرَك قَعْره . وَاللُّجَّة مُعْظَم الْمَاء , وَالْجَمْع لُجَج . وَالْتَجَّ الْبَحْر إِذَا تَلَاطَمَتْ أَمْوَاجه ; وَمِنْهُ مَا رُوِيَ عَنْ النَّبِيّ أَنَّهُ قَالَ : ( مَنْ رَكِبَ الْبَحْر إِذَا اِلْتَجَّ فَقَدْ بَرِئَتْ مِنْهُ الذِّمَّة ) . وَالْتَجَّ الْأَمْر إِذَا عَظُمَ وَاخْتَلَطَ. وَقَوْله تَعَالَى : " حَسِبَتْهُ لُجَّة " [ النَّمْل : 44 ] أَيْ مَا لَهُ عُمْق. وَلَجَّجَتْ السَّفِينَة أَيْ خَاضَتْ اللُّجَّة ( بِضَمِّ اللَّام ) . فَأَمَّا اللَّجَّة ( بِفَتْحِ اللَّام ) فَأَصْوَات النَّاس يَقُول : سَمِعْت لَجَّة النَّاس ; أَيْ أَصْوَاتهمْ وَصَخَبهمْ . قَالَ أَبُو النَّجْم : فِي لَجَّة أَمْسِكْ فُلَانًا عَنْ فُلِ وَالْتَجَّتْ الْأَصْوَات أَيْ اِخْتَلَطَتْ وَعَظُمَتْ .

يَغْشَاهُ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ سَحَابٌ

أَيْ يَعْلُو ذَلِكَ الْبَحْر اللُّجِّيّ مَوْج . " مِنْ فَوْقه مَوْج " أَيْ مِنْ فَوْق الْمَوْج مَوْج , وَمِنْ فَوْق هَذَا الْمَوْج الثَّانِي سَحَاب ; فَيَجْتَمِع خَوْف الْمَوْج وَخَوْف الرِّيح وَخَوْف السَّحَاب . وَقِيلَ : الْمَعْنَى يَغْشَاهُ مَوْج مِنْ بَعْده مَوْج ; فَيَكُون الْمَعْنَى : الْمَوْج يَتْبَع بَعْضه بَعْضًا حَتَّى كَأَنَّ بَعْضه فَوْق بَعْض , وَهُوَ أَخْوَف مَا يَكُون إِذَا تَوَالَى مَوْجه وَتَقَارَبَ , وَمِنْ فَوْق هَذَا الْمَوْج سَحَاب. وَهُوَ أَعْظَم لِلْخَوْفِ مِنْ وَجْهَيْنِ : أَحَدهمَا : أَنَّهُ قَدْ غَطَّى النُّجُوم الَّتِي يُهْتَدَى بِهَا . الثَّانِي : الرِّيح الَّتِي تَنْشَأ مَعَ السَّحَاب وَالْمَطَر الَّذِي يَنْزِل مِنْهُ .

ظُلُمَاتٌ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ

قَرَأَ اِبْن مُحَيْصِن وَالْبَزِّيّ عَنْ اِبْن كَثِير " سَحَاب ظُلُمَات " بِالْإِضَافَةِ وَالْخَفْض . قُنْبُل " سَحَاب " مُنَوَّنًا " ظُلُمَات " بِالْجَرِّ وَالتَّنْوِين . الْبَاقُونَ بِالرَّفْعِ وَالتَّنْوِين . قَالَ الْمَهْدَوِيّ : مَنْ قَرَأَ " مِنْ فَوْقه سَحَاب ظُلُمَات " بِالْإِضَافَةِ فَلِأَنَّ السَّحَاب يَرْتَفِع وَقْت هَذِهِ الظُّلُمَات فَأُضِيفَ إِلَيْهَا ; كَمَا يُقَال : سَحَاب رَحْمَة , إِذَا اِرْتَفَعَ فِي وَقْت الْمَطَر . وَمَنْ قَرَأَ " سَحَاب ظُلُمَات " جَرَّ " ظُلُمَات " عَلَى التَّأْكِيد لِ " ظُلُمَات " الْأُولَى أَوْ الْبَدَل مِنْهَا . وَ " سَحَاب " اِبْتِدَاء وَ " مِنْ فَوْقه " الْخَبَر . وَمَنْ قَرَأَ " سَحَاب ظُلُمَات " فَظُلُمَات خَبَر اِبْتِدَاء مَحْذُوف ; التَّقْدِير : هِيَ ظُلُمَات أَوْ هَذِهِ ظُلُمَات . قَالَ اِبْن الْأَنْبَارِيّ : " مِنْ فَوْقه مَوْج " غَيْر تَامّ ; لِأَنَّ قَوْله " مِنْ فَوْقه سَحَاب " صِلَة لِلْمَوْجِ , وَالْوَقْف عَلَى قَوْله " مِنْ فَوْقه سَحَاب " حَسَن ثُمَّ تَبْتَدِئ " ظُلُمَات بَعْضهَا فَوْق بَعْض " عَلَى مَعْنَى هِيَ ظُلُمَات بَعْضهَا فَوْق بَعْض . وَرُوِيَ عَنْ أَهْل مَكَّة أَنَّهُمْ قَرَءُوا " ظُلُمَات " عَلَى مَعْنَى أَوْ كَظُلُمَاتِ ظُلُمَات بَعْضهَا فَوْق بَعْض ; فَعَلَى هَذَا الْمَذْهَب لَا يَحْسُن الْوَقْف عَلَى السَّحَاب. ثُمَّ قِيلَ : الْمُرَاد بِهَذِهِ الظُّلُمَات ظُلْمَة السَّحَاب وَظُلْمَة الْمَوْج وَظُلْمَة اللَّيْل وَظُلْمَة الْبَحْر ; فَلَا يُبْصِر مَنْ كَانَ فِي هَذِهِ الظُّلُمَات شَيْئًا وَلَا كَوْكَبًا . وَقِيلَ : الْمُرَاد بِالظُّلُمَاتِ الشَّدَائِد ; أَيْ شَدَائِد بَعْضهَا فَوْق بَعْض. وَقِيلَ : أَرَادَ بِالظُّلُمَاتِ أَعْمَال الْكَافِر , وَبِالْبَحْرِ اللُّجِّيّ قَلْبه , وَبِالْمَوْجِ فَوْق الْمَوْج مَا يَغْشَى قَلْبه مِنْ الْجَهْل وَالشَّكّ وَالْحَيْرَة , وَبِالسَّحَابِ الرَّيْن وَالْخَتْم وَالطَّبْع عَلَى قَلْبه . رُوِيَ مَعْنَاهُ عَنْ اِبْن عَبَّاس وَغَيْره ; أَيْ لَا يُبْصِر بِقَلْبِهِ نُور الْإِيمَان , كَمَا أَنَّ صَاحِب الظُّلُمَات فِي الْبَحْر إِذَا أَخْرَجَ يَده لَمْ يَكَدْ يَرَاهَا . وَقَالَ أُبَيّ بْن كَعْب : الْكَافِر يَتَقَلَّب فِي خَمْس مِنْ الظُّلُمَات : كَلَامه ظُلْمَة , وَعَمَله ظُلْمَة , وَمُدْخَله ظُلْمَة , وَمَخْرَجه ظُلْمَة , وَمَصِيره يَوْم الْقِيَامَة إِلَى الظُّلُمَات فِي النَّار وَبِئْسَ الْمَصِير.

إِذَا أَخْرَجَ يَدَهُ

يَعْنِي النَّاظِر .

لَمْ يَكَدْ يَرَاهَا

أَيْ مِنْ شِدَّة الظُّلُمَات . قَالَ الزَّجَّاج وَأَبُو عُبَيْدَة : الْمَعْنَى لَمْ يَرَهَا وَلَمْ يَكَدْ ; وَهُوَ مَعْنَى قَوْل الْحَسَن . وَمَعْنَى " لَمْ يَكَدْ " لَمْ يَطْمَع أَنْ يَرَاهَا. وَقَالَ الْفَرَّاء : كَادَ صِلَة , أَيْ لَمْ يَرَهَا ; كَمَا تَقُول : مَا كِدْت أَعْرِفهُ . وَقَالَ الْمُبَرِّد : يَعْنِي لَمْ يَرَهَا إِلَّا مِنْ بَعْد الْجَهْد ; كَمَا تَقُول : مَا كِدْت أَرَاك مِنْ الظُّلْمَة , وَقَدْ رَآهُ بَعْد يَأْس وَشِدَّة . وَقِيلَ : مَعْنَاهُ قَرُبَ مِنْ الرُّؤْيَة وَلَمْ يَرَ كَمَا يُقَال : كَادَ الْعَرُوس يَكُون أَمِيرًا وَكَادَ النَّعَام يَطِير , وَكَادَ الْمُنْتَعِل يَكُون رَاكِبًا . النَّحَّاس : وَأَصَحّ الْأَقْوَال فِي هَذَا أَنَّ الْمَعْنَى لَمْ يُقَارِب رُؤْيَتهَا , فَإِذَا لَمْ يُقَارِب رُؤْيَتهَا فَلَمْ يَرَهَا رُؤْيَة بَعِيدَة وَلَا قَرِيبَة .

وَمَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُورًا فَمَا لَهُ مِنْ نُورٍ

نُورًا يَهْتَدِي بِهِ حِين أَظْلَمَتْ عَلَيْهِ الْأُمُور . وَقَالَ اِبْن عَبَّاس : أَيْ مَنْ لَمْ يَجْعَل اللَّه لَهُ دِينًا فَمَا لَهُ مِنْ دِين , وَمَنْ لَمْ يَجْعَل اللَّه لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ يَوْم الْقِيَامَة لَمْ يَهْتَدِ إِلَى الْجَنَّة ; كَقَوْلِهِ تَعَالَى : " وَيَجْعَل لَكُمْ نُورًا تَمْشُونَ بِهِ " [ الْحَدِيد : 28 ]. وَقَالَ الزَّجَّاج : ذَلِكَ فِي الدُّنْيَا وَالْمَعْنَى : مَنْ لَمْ يَهْدِهِ اللَّه لَمْ يَهْتَدِ . وَقَالَ مُقَاتِل بْن سُلَيْمَان : نَزَلَتْ فِي عُتْبَة بْن رَبِيعَة , كَانَ يَلْتَمِس الدِّين فِي الْجَاهِلِيَّة , وَلَبِسَ الْمُسُوح , ثُمَّ كَفَرَ فِي الْإِسْلَام . الْمَاوَرْدِيّ : فِي شَيْبَة بْن رَبِيعَة , وَكَانَ يَتَرَهَّب فِي الْجَاهِلِيَّة وَيَلْبَس الصُّوف وَيَطْلُب الدِّين , فَكَفَرَ فِي الْإِسْلَام . قُلْت : وَكِلَاهُمَا مَاتَ كَافِرًا , فَلَا يَبْعُد أَنْ يَكُونَا هُمَا الْمُرَاد بِالْآيَةِ وَغَيْرهمَا . وَقَدْ قِيلَ : نَزَلَتْ فِي عَبْد اللَّه بْن جَحْش , وَكَانَ أَسْلَمَ وَهَاجَرَ إِلَى أَرْض الْحَبَشَة ثُمَّ تَنَصَّرَ بَعْد إِسْلَامه . وَذَكَرَ الثَّعْلَبِيّ : وَقَالَ أَنَس قَالَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( إِنَّ اللَّه تَعَالَى خَلَقَنِي مِنْ نُور وَخَلَقَ أَبَا بَكْر مِنْ نُورِي وَخَلَقَ عُمَر وَعَائِشَة مِنْ نُور أَبِي بَكْر وَخَلَقَ الْمُؤْمِنِينَ مِنْ أُمَّتِي مِنْ نُور عُمَر وَخَلَقَ الْمُؤْمِنَات مِنْ أُمَّتِي مِنْ نُور عَائِشَة فَمَنْ لَمْ يُحِبَّنِي وَيُحِبّ أَبَا بَكْر وَعُمَر وَعَائِشَة فَمَا لَهُ مِنْ نُور ) . فَنَزَلَتْ " وَمَنْ لَمْ يَجْعَل اللَّه لَهُ نُورًا فَمَا لَهُ مِنْ نُور " .

_________________
إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً }الأحزاب33

صورة


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة:
مشاركة غير مقروءةمرسل: الجمعة ديسمبر 15, 2006 12:10 am 
غير متصل

اشترك في: السبت فبراير 21, 2004 4:33 am
مشاركات: 10727
[center][table=width:100%;background-color:transparent;background-image:url(backgrounds/16.gif);border:1 solid green;][cell=filter:;][align=center]
قال تعالى:

وَأَذَانٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى النَّاسِ يَوْمَ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ أَنَّ اللَّهَ بَرِيءٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ وَرَسُولُهُ فَإِنْ تُبْتُمْ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ غَيْرُ مُعْجِزِي اللَّهِ وَبَشِّرِ الَّذِينَ كَفَرُوا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ

التوبة3

الجلالين
ــــــــــــ

"وَأَذَان" إعْلَام "مِنْ اللَّه وَرَسُوله إلَى النَّاس يَوْم الْحَجّ الْأَكْبَر" يَوْم النَّحْر "أَنَّ" أَيْ بِأَنَّ "اللَّه بَرِيء مِنْ الْمُشْرِكِينَ" وَعُهُودهمْ "وَرَسُوله" بَرِيء أَيْضًا "وَقَدْ بَعَثَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلِيًّا مِنْ السَّنَة وَهِيَ سَنَة تِسْع فَأَذَّنَ يَوْم النَّحْر بِمِنًى بِهَذِهِ الْآيَات وَأَنْ لَا يَحُجّ بَعْد الْعَام مُشْرِك وَلَا يَطُوف بِالْبَيْتِ عُرْيَان . رَوَاهُ الْبُخَارِيّ "فَإِنْ تُبْتُمْ" مِنْ الْكُفْر "فَهُوَ خَيْر لَكُمْ وَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ" عَنْ الْإِيمَان "فَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ غَيْر مُعْجِزِي اللَّه وَبَشِّرْ" أَخْبِرْ "الَّذِينَ كَفَرُوا بِعَذَابٍ أَلِيم" مُؤْلِم وَهُوَ الْقَتْل وَالْأَسْر فِي الدُّنْيَا وَالنَّار فِي الْآخِرَة

الطبري
ــــــــــــــ
وَأَذَانٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى النَّاسِ

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَأَذَان مِنْ اللَّه وَرَسُوله إِلَى النَّاس } يَقُول تَعَالَى ذَكَرَهُ : وَإِعْلَام مِنْ اللَّه وَرَسُوله إِلَى النَّاس يَوْم الْحَجّ الْأَكْبَر . وَقَدْ بَيَّنَّا مَعْنَى الْأَذَان فِيمَا مَضَى مِنْ كِتَابنَا هَذَا بِشَوَاهِدِهِ . وَكَانَ سُلَيْمَان بْن مُوسَى يَقُول فِي ذَلِكَ مَا : 12731 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثنا حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج , قَالَ : زَعَمَ سُلَيْمَان بْن مُوسَى الشَّامِيّ أَنَّهُ قَوْله : { وَأَذَان مِنْ اللَّه وَرَسُوله } قَالَ : الْأَذَان الْقَصَص , فَاتِحَة بَرَاءَة حَتَّى تُخْتَم : { وَإِنْ خِفْتُمْ فَسَوْفَ يُغْنِيكُمْ اللَّه مِنْ فَضْله } فَذَلِكَ ثَمَان وَعِشْرُونَ آيَة. 12732 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : قَالَ اِبْن زَيْد , فِي قَوْله : { وَأَذَان مِنْ اللَّه وَرَسُوله } قَالَ : إِعْلَام مِنْ اللَّه وَرَسُوله . وَرَفَعَ قَوْله : { وَأَذَان مِنْ اللَّه } عَطْفًا عَلَى قَوْله : { بَرَاءَة مِنْ اللَّه } كَأَنَّهُ قَالَ : هَذِهِ بَرَاءَة مِنْ اللَّه وَرَسُوله , وَأَذَان مِنْ اللَّه .

يَوْمَ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ

وَأَمَّا قَوْله : { يَوْم الْحَجّ الْأَكْبَر } فَإِنَّهُ فِيهِ اِخْتِلَافًا بَيْن أَهْل الْعِلْم , فَقَالَ بَعْضهمْ : هُوَ يَوْم عَرَفَة . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 12733 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن عَبْد اللَّه بْن عَبْد الْحَكَم , قَالَ : أَخْبَرَنَا أَبُو زُرْعَة , وَهِبَة اللَّه بْن رَاشِد , قَالَا : أَخْبَرَنَا حَيْوَة بْن شُرَيْح , قَالَ : أَخْبَرَنَا أَبُو صَخْر , أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا مُعَاوِيَة الْبَجَلِيّ مِنْ أَهْل الْكُوفَة يَقُول : سَمِعْت أَبَا الصَّهْبَاء الْبَكْرِيّ , وَهُوَ يَقُول : سَأَلْت عَلِيّ بْن أَبِي طَالِب رَضِيَ اللَّه عَنْهُ عَنْ يَوْم الْحَجّ الْأَكْبَر , فَقَالَ : إِنَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعَثَ أَبَا بَكْر بْن أَبِي قُحَافَة رَضِيَ اللَّه عَنْهُ يُقِيم لِلنَّاسِ الْحَجّ , وَبَعَثَنِي مَعَهُ بِأَرْبَعِينَ آيَة مِنْ بَرَاءَة , حَتَّى أَتَى عَرَفَة , فَخَطَبَ النَّاس يَوْم عَرَفَة ; فَلَمَّا قَضَى خُطْبَته اِلْتَفَتَ إِلَيَّ , فَقَالَ قُمْ يَا عَلِيّ وَأَدِّ رِسَالَة رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ! فَقُمْت فَقَرَأْت عَلَيْهِمْ أَرْبَعِينَ آيَة مِنْ بَرَاءَة ثُمَّ صَدَرْنَا حَتَّى أَتَيْنَا مِنًى , فَرَمَيْت الْجَمْرَة , وَنَحَرْت الْبَدَنَة , ثُمَّ حَلَقْت رَأْسِي , وَعَلِمْت أَنَّ أَهْل الْجَمْع لَمْ يَكُونُوا حَضَرُوا خُطْبَة أَبِي بَكْر يَوْم عَرَفَة , فَطَفِقْت أَتَتَبَّع بِهَا الْفَسَاطِيط أَقْرَؤُهَا عَلَيْهِمْ , فَمِنْ ثَمَّ إِخَال حَسِبْتُمْ أَنَّهُ يَوْم النَّحْر , أَلَا وَهُوَ يَوْم عَرَفَة . 12734 - حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا مَعْمَر , عَنْ أَبِي إِسْحَاق , قَالَ : سَأَلْت أَبَا جُحَيْفَة عَنْ يَوْم الْحَجّ الْأَكْبَر , فَقَالَ : يَوْم عَرَفَة , فَقُلْت : أَمِنْ عِنْدك أَوْ مِنْ أَصْحَاب مُحَمَّد ؟ قَالَ : كُلّ ذَلِكَ . 12735 - حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن جُرَيْج , عَنْ عَطَاء , قَالَ : الْحَجّ الْأَكْبَر : يَوْم عَرَفَة . 12736 - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا أَبِي , عَنْ عُمَر بْن الْوَلِيد الشَّنِّيّ , عَنْ شِهَاب بْن عَبَّاد الْعَصْرِيّ , عَنْ أَبِيهِ , قَالَ : قَالَ عُمَر رَضِيَ اللَّه عَنْهُ : يَوْم الْحَجّ الْأَكْبَر : يَوْم عَرَفَة . فَذَكَرْته لِسَعِيدِ بْن الْمُسَيِّب , فَقَالَ : أُخْبِرك عَنْ اِبْن عُمَر أَنَّ عُمَر قَالَ : الْحَجّ الْأَكْبَر : عَرَفَة. 12737 - حَدَّثَنِي الْحَارِث , قَالَ : ثنا عَبْد الْعَزِيز , قَالَ : ثنا عُمَر بْن الْوَلِيد الشَّنِّيّ , قَالَ : ثنا شِهَاب بْن عَبَّاد الْعَصْرِيّ , عَنْ أَبِيهِ , قَالَ : سَمِعْت عُمَر بْن الْخَطَّاب رَحْمَة اللَّه عَلَيْهِ يَقُول : هَذَا يَوْم عَرَفَة يَوْم الْحَجّ الْأَكْبَر فَلَا يَصُومَنهُ أَحَد ! قَالَ : فَحَجَجْت بَعْد أَبِي , فَأَتَيْت الْمَدِينَة , فَسَأَلْت عَنْ أَفْضَل أَهْلهَا , فَقَالُوا : سَعِيد بْن الْمُسَيِّب . فَأَتَيْته فَقُلْت : إِنِّي سَأَلْت عَنْ أَفْضَل أَهْل الْمَدِينَة , فَقَالُوا : سَعِيد بْن الْمُسَيِّب , فَأَخْبِرْنِي عَنْ صَوْم يَوْم عَرَفَة ! فَقَالَ : أُخْبِرك عَمَّنْ هُوَ أَفْضَل مِنِّي أَضْعَافًا : عُمَر أَوْ اِبْن عُمَر , كَانَ يَنْهَى عَنْ صَوْمه , وَيَقُول : هُوَ يَوْم الْحَجّ الْأَكْبَر. 12738 - حَدَّثَنِي الْحَارِث , قَالَ : ثنا عَبْد الْعَزِيز , قَالَ : ثنا عَبْد الصَّمَد بْن حَبِيب , عَنْ مَعْقِل بْن دَاوُدَ , قَالَ : سَمِعْت اِبْن الزُّبَيْر يَقُول : يَوْم عَرَفَة هَذَا يَوْم الْحَجّ الْأَكْبَر فَلَا يَصُمْهُ أَحَد. 12739 - حَدَّثَنِي الْحَارِث , قَالَ : ثنا عَبْد الْعَزِيز , قَالَ : ثنا غَالِب بْن عُبَيْد اللَّه , قَالَ : سَأَلْت عَطَاء عَنْ يَوْم الْحَجّ الْأَكْبَر : فَقَالَ : يَوْم عَرَفَة , فَأَفِضْ مِنْهَا قَبْل طُلُوع الْفَجْر . 12740 - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن بَكْر , عَنْ اِبْن جُرَيْج , قَالَ : أَخْبَرَنِي مُحَمَّد بْن قَيْس بْن مَخْرَمَة قَالَ : خَطَبَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَشِيَّة عَرَفَة , ثُمَّ قَالَ : " أَمَّا بَعْد " وَكَانَ لَا يَخْطُب إِلَّا قَالَ : " أَمَّا بَعْد " " فَإِنَّ هَذَا يَوْم الْحَجّ الْأَكْبَر " . 12741 - حَدَّثَنَا أَحْمَد بْن إِسْحَاق , قَالَ : ثنا أَبُو أَحْمَد , قَالَ : ثنا عَبْد الْوَهَّاب , عَنْ مُجَاهِد , قَالَ : يَوْم الْحَجّ الْأَكْبَر : يَوْم عَرَفَة . 12742 - حَدَّثَنِي الْحَارِث , قَالَ : ثنا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا إِسْحَاق بْن سُلَيْمَان , عَنْ سَلَمَة بْن مُحِبّ , عَنْ عِكْرِمَة , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَالَ : يَوْم الْحَجّ الْأَكْبَر يَوْم عَرَفَة . 12743 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج , قَالَ : أَخْبَرَنِي طَاوُس , عَنْ أَبِيهِ , قَالَ : قُلْنَا : مَا الْحَجّ الْأَكْبَر ؟ قَالَ : يَوْم عَرَفَة. * - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب , قَالَ : ثنا اِبْن إِدْرِيس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن جُرَيْج , عَنْ مُحَمَّد بْن قَيْس بْن مَخْرَمَة , أَنَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَطَبَ يَوْم عَرَفَة فَقَالَ : " هَذَا يَوْم الْحَجّ الْأَكْبَر " . وَقَالَ آخَرُونَ : هُوَ يَوْم النَّحْر . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 12744 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن بَشَّار , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا سُفْيَان , عَنْ أَبِي إِسْحَاق عَنْ الْحَارِث , عَنْ عَلِيّ , قَالَ : يَوْم الْحَجّ الْأَكْبَر يَوْم النَّحْر . * - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب , قَالَ : ثنا مُصْعَب بْن سَلَّام , عَنْ الْأَجْلَح , عَنْ أَبِي إِسْحَاق , عَنْ الْحَارِث , عَنْ عَلِيّ قَالَ : يَوْم الْحَجّ الْأَكْبَر يَوْم النَّحْر . * - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا حَكَّام , قَالَ : ثنا عَنْبَسَة , عَنْ أَبِي إِسْحَاق , عَنْ الْحَارِث , قَالَ : سَأَلْت عَلِيًّا عَنْ الْحَجّ الْأَكْبَر , فَقَالَ : هُوَ يَوْم النَّحْر . 12745 - حَدَّثَنَا اِبْن أَبِي الشَّوَارِب , قَالَ : ثنا عَبْد الْوَاحِد , قَالَ : ثنا سُلَيْمَان الشَّيْبَانِيّ , قَالَ : سَأَلْت عَبْد اللَّه بْن أَبِي أَوْفَى , عَنْ الْحَجّ الْأَكْبَر , قَالَ : فَقَالَ يَوْم النَّحْر . * - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن بَشَّار , قَالَ : ثنا عَبْد الرَّحْمَن , قَالَ : ثنا سُفْيَان , عَنْ عَيَّاش الْعَامِرِيّ , عَنْ عَبْد اللَّه بْن أَبِي أَوْفَى , قَالَ : يَوْم الْحَجّ الْأَكْبَر يَوْم النَّحْر . * - قَالَ : ثنا سُفْيَان , عَنْ عَبْد الْمَلِك بْن عُمَيْر , عَنْ عَبْد اللَّه بْن أَبِي أَوْفَى , قَالَ : يَوْم الْحَجّ الْأَكْبَر يَوْم النَّحْر . 12746 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن جَعْفَر , قَالَ : ثنا شُعْبَة , عَنْ عَبْد الْمَلِك , قَالَ : دَخَلْت أَنَا وَأَبُو سَلَمَة عَلَى عَبْد اللَّه بْن أَبِي أَوْفَى , قَالَ : فَسَأَلْته عَنْ يَوْم الْحَجّ الْأَكْبَر , فَقَالَ : يَوْم النَّحْر , يَوْم يُرَاق فِيهِ الدَّم . * - حَدَّثَنَا عَبْد الْحَمِيد بْن بَيَان , قَالَ : أَخْبَرَنَا إِسْحَاق , عَنْ سُفْيَان , عَنْ عَبْد الْمَلِك بْن عُمَيْر , عَنْ عَبْد اللَّه , قَالَ : يَوْم الْحَجّ الْأَكْبَر يَوْم النَّحْر. * - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب وَأَبُو السَّائِب , قَالَا : ثنا اِبْن إِدْرِيس , عَنْ الشَّيْبَانِيّ , قَالَ : سَأَلْت اِبْن أَبِي أَوْفَى عَنْ يَوْم الْحَجّ الْأَكْبَر ؟ قَالَ : يَوْم النَّحْر . * - حَدَّثَنِي يَعْقُوب , قَالَ : ثنا هُشَيْم , قَالَ : أَخْبَرَنَا الشَّيْبَانِيّ , عَنْ عَبْد اللَّه بْن أَبِي أَوْفَى , قَالَ : يَوْم الْحَجّ الْأَكْبَر يَوْم النَّحْر . 12747 - قَالَ : ثنا هُشَيْم , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الْمَلِك بْن عُمَيْر , قَالَ : سَمِعْت عَبْد اللَّه بْن أَبِي أَوْفَى , وَسُئِلَ عَنْ قَوْله : { يَوْم الْحَجّ الْأَكْبَر } قَالَ : هُوَ الْيَوْم الَّذِي يُرَاق فِيهِ الدَّم وَيُحْلَق فِيهِ الشَّعْر . 12748 - حَدَّثَنَا اِبْن الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا أَبُو دَاوُدَ , قَالَ : ثنا شُعْبَة , عَنْ الْحَكَم , قَالَ : سَمِعْت يَحْيَى بْن الْجَزَّار يُحَدِّث عَنْ عَلِيّ : أَنَّهُ خَرَجَ يَوْم النَّحْر عَلَى بَغْلَة بَيْضَاء يُرِيد الْجَبَّانَة , فَجَاءَهُ رَجُل فَأَخَذَ بِلِجَامِ بَغْلَته , فَسَأَلَهُ عَنْ الْحَجّ الْأَكْبَر , فَقَالَ : هُوَ يَوْمك هَذَا , خَلِّ سَبِيلهَا ! * - حَدَّثَنَا عَبْد الْحَمِيد بْن بَيَان , قَالَ : ثنا إِسْحَاق , عَنْ مَالِك بْن مِغْوَل وَشُتَيْر , عَنْ أَبِي إِسْحَاق , عَنْ الْحَارِث , عَنْ عَلِيّ , قَالَ : يَوْم الْحَجّ الْأَكْبَر يَوْم النَّحْر . * - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا اِبْن عُيَيْنَة , عَنْ أَبِي إِسْحَاق , عَنْ الْحَارِث , عَنْ عَلِيّ , قَالَ : سُئِلَ عَنْ يَوْم الْحَجّ الْأَكْبَر , قَالَ : هُوَ يَوْم النَّحْر. * - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا أَبِي , عَنْ شُعْبَة , عَنْ الْحَكَم , عَنْ يَحْيَى بْن الْجَزَّار , عَنْ عَلِيّ , أَنَّهُ لَقِيَهُ رَجُل يَوْم النَّحْر , فَأَخَذَ بِلِجَامِهِ , فَسَأَلَهُ عَنْ يَوْم الْحَجّ الْأَكْبَر , قَالَ : هُوَ هَذَا الْيَوْم . * - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا يَحْيَى بْن آدَم , عَنْ قَيْس , عَنْ عَبْد الْمَلِك بْن عُمَيْر وَعَيَّاش الْعَامِرِيّ , عَنْ عَبْد اللَّه بْن أَبِي أَوْفَى , قَالَ : هُوَ الْيَوْم الَّذِي يُهْرَاق فِيهِ الدِّمَاء . * - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا اِبْن عُيَيْنَة , عَنْ عَبْد الْمَلِك بْن عُمَيْر , عَنْ اِبْن أَبِي أَوْفَى , قَالَ : الْحَجّ الْأَكْبَر , يَوْم تُهْرَاق فِيهِ الدِّمَاء , وَيَحْلِق فِيهِ الشَّعْر , وَيَحِلّ فِيهِ الْحَرَام. 12749 - حَدَّثَنِي عِيسَى بْن عُثْمَان بْن عِيسَى الرَّمْلِيّ , قَالَ : ثنا يَحْيَى بْن عِيسَى , عَنْ الْأَعْمَش , عَنْ عَبْد اللَّه بْن يَسَار , قَالَ : ثنا الْمُغِيرَة بْن شُعْبَة يَوْم الْأَضْحَى عَلَى بَعِير , فَقَالَ : هَذَا يَوْم الْأَضْحَى , وَهَذَا يَوْم النَّحْر , وَهَذَا يَوْم الْحَجّ الْأَكْبَر . * - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا أَبِي , عَنْ الْأَعْمَش , عَنْ عَبْد اللَّه بْن يَسَار , قَالَ : خَطَبَنَا الْمُغِيرَة بْن شُعْبَة يَوْم الْأَضْحَى عَلَى بَعِير , وَقَالَ : هَذَا يَوْم الْأَضْحَى , وَهَذَا يَوْم النَّحْر , وَهَذَا يَوْم الْحَجّ الْأَكْبَر . * - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا أَبِي , عَنْ الْأَعْمَش , عَنْ عَبْد اللَّه بْن يَسَار , قَالَ : خَطَبَنَا الْمُغِيرَة بْن شُعْبَة , فَذَكَرَ نَحْوه . 12750 - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا يَحْيَى بْن سَعِيد , عَنْ حَمَّاد بْن سَلَمَة , عَنْ سِمَاك , عَنْ عِكْرِمَة , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَالَ : الْحَجّ الْأَكْبَر يَوْم النَّحْر . 12751 - حَدَّثَنَا اِبْن أَبِي الشَّوَارِب , قَالَ : ثنا عَبْد الْوَاحِد , قَالَ : ثنا سُلَيْمَان الشَّيْبَانِيّ , قَالَ : سَمِعْت سَعِيد بْن جُبَيْر يَقُول : الْحَجّ الْأَكْبَر يَوْم النَّحْر. 12752 - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا عُبَيْد اللَّه , عَنْ إِسْرَائِيل , عَنْ أَبِي إِسْحَاق , عَنْ أَبِي جُحَيْفَة , قَالَ : الْحَجّ الْأَكْبَر : يَوْم النَّحْر . 12853 - حَدَّثَنَا اِبْن بَشَّار , قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن جَعْفَر , قَالَ : ثنا شُعْبَة , عَنْ أَبِي بِشْر , قَالَ : اِخْتَصَمَ عَلِيّ بْن عَبْد اللَّه بْن عَبَّاس وَرَجُل مِنْ آل شَيْبَة فِي يَوْم الْحَجّ الْأَكْبَر , قَالَ عَلِيّ : هُوَ يَوْم النَّحْر , وَقَالَ الَّذِي مِنْ آل شَيْبَة : هُوَ يَوْم عَرَفَة . فَأَرْسَلَ إِلَى سَعِيد بْن جُبَيْر فَسَأَلُوهُ , فَقَالَ : هُوَ يَوْم النَّحْر , أَلَا تَرَى أَنَّ مَنْ فَاتَهُ يَوْم عَرَفَة لَمْ يَفُتْهُ الْحَجّ , فَإِذَا فَاتَهُ يَوْم النَّحْر فَقَدْ فَاتَهُ الْحَجّ ؟ * - حَدَّثَنِي يَعْقُوب , قَالَ : ثنا هُشَيْم , قَالَ : أَخْبَرَنَا يُونُس , عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر , أَنَّهُ قَالَ : الْحَجّ الْأَكْبَر : يَوْم النَّحْر . قَالَ : فَقُلْت لَهُ : إِنَّ عَبْد اللَّه بْن شَيْبَة وَمُحَمَّد بْن عَلِيّ بْن عَبْد اللَّه بْن عَبَّاس اِخْتَلَفَا فِي ذَلِكَ , فَقَالَ مُحَمَّد بْن عَلِيّ : هُوَ يَوْم النَّحْر , وَقَالَ عَبْد اللَّه : هُوَ يَوْم عَرَفَة . فَقَالَ سَعِيد بْن جُبَيْر : أَرَأَيْت لَوْ أَنَّ رَجُلًا فَاتَهُ يَوْم عَرَفَة أَكَانَ يَفُوتهُ الْحَجّ ؟ وَإِذَا فَاتَهُ يَوْم النَّحْر فَاتَهُ الْحَجّ . * - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب وَأَبُو السَّائِب , قَالَا : ثنا اِبْن إِدْرِيس , عَنْ الشَّيْبَانِيّ , عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر , قَالَ : الْحَجّ الْأَكْبَر يَوْم النَّحْر . 12754 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : ثنا : الْمُعْتَمِر بْن سُلَيْمَان , عَنْ أَبِيهِ , قَالَ : ثني رَجُل , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ قَيْس بْن عُبَادَة , قَالَ : ذُو الْحِجَّة الْعَاشِر النَّحْر , وَهُوَ يَوْم الْحَجّ الْأَكْبَر. 12755 - حَدَّثَنَا اِبْن بَشَّار , قَالَ : ثنا عَبْد الرَّحْمَن , قَالَ : ثنا سُفْيَان , عَنْ أَبِي إِسْحَاق , عَنْ عَبْد اللَّه بْن شَدَّاد , قَالَ : يَوْم الْحَجّ الْأَكْبَر : يَوْم النَّحْر , وَالْحَجّ الْأَصْغَر : الْعُمْرَة . 12756 - حَدَّثَنَا عَبْد الْحَمِيد بْن بَيَان , قَالَ : أَخْبَرَنَا إِسْحَاق , عَنْ شَرِيك , عَنْ أَبِي إِسْحَاق , عَنْ عَبْد اللَّه بْن شَدَّاد بْن الْهَاد , قَالَ : الْحَجّ الْأَكْبَر يَوْم النَّحْر. 12757 - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا الْمُحَارِبِيّ , عَنْ مُسْلِم الْحَجَبِيّ , قَالَ : سَأَلْت نَافِع بْن جُبَيْر بْن مُطْعِم , عَنْ يَوْم الْحَجّ الْأَكْبَر , قَالَ : يَوْم النَّحْر. 12758 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا حَكَّام , عَنْ عَنْبَسَة , عَنْ الْمُغِيرَة , عَنْ إِبْرَاهِيم , قَالَ : كَانَ يُقَال : الْحَجّ الْأَكْبَر يَوْم النَّحْر. 12759 - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا أَبِي , عَنْ إِسْرَائِيل , عَنْ جَابِر , عَنْ عَامِر , قَالَ : يَوْم الْحَجّ الْأَكْبَر يَوْم يُهْرَاق فِيهِ الدَّم , وَيَحِلّ فِيهِ الْحَرَام . 12760 - حَدَّثَنِي يَعْقُوب , قَالَ : ثنا هُشَيْم , قَالَ : أَخْبَرَنَا مُغِيرَة , عَنْ إِبْرَاهِيم , أَنَّهُ قَالَ : يَوْم الْحَجّ الْأَكْبَر يَوْم النَّحْر الَّذِي يَحِلّ فِيهِ كُلّ حَرَام. * - حَدَّثَنَا هُشَيْم , عَنْ إِسْمَاعِيل بْن أَبِي خَالِد عَنْ الشَّعْبِيّ , عَنْ عَلِيّ , قَالَ : يَوْم الْحَجّ الْأَكْبَر يَوْم النَّحْر . 12761 - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا أَبُو أُسَامَة , عَنْ اِبْن عَوْن , قَالَ : سَأَلْت مُحَمَّدًا عَنْ يَوْم الْحَجّ الْأَكْبَر فَقَالَ : كَانَ يَوْمًا وَافَقَ فِيهِ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَحَجّ أَهْل الْوَبَر . 12762 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا الْحَكِيم بْن بَشِير , قَالَ : ثنا عُمَر بْن ذَرّ , قَالَ : سَأَلْت مُجَاهِدًا عَنْ يَوْم الْحَجّ الْأَكْبَر , فَقَالَ : هُوَ يَوْم النَّحْر . * - حَدَّثَنَا اِبْن بَشَّار , قَالَ : ثنا عَبْد الرَّحْمَن , قَالَ : ثنا إِسْرَائِيل , عَنْ أَبَى إِسْحَاق , عَنْ مُجَاهِد , يَوْم الْحَجّ الْأَكْبَر يَوْم النَّحْر . * - حَدَّثَنَا أَحْمَد بْن إِسْحَاق , قَالَ : ثنا أَبُو أَحْمَد , قَالَ : ثنا إِسْرَائِيل , عَنْ ثَوْر , عَنْ مُجَاهِد يَوْم الْحَجّ الْأَكْبَر يَوْم النَّحْر . 12763 - حَدَّثَنَا أَحْمَد , قَالَ : ثنا أَبُو أَحْمَد , قَالَ : ثنا إِسْرَائِيل , عَنْ جَابِر , عَنْ عَامِر , قَالَ : يَوْم الْحَجّ الْأَكْبَر يَوْم النَّحْر وَقَالَ عِكْرِمَة : يَوْم الْحَجّ الْأَكْبَر : يَوْم النَّحْر , يَوْم يُهْرَاق فِيهِ الدِّمَاء , وَيَحِلّ فِيهِ الْحَرَام. قَالَ : وَقَالَ مُجَاهِد : يَوْم يُجْمَع فِيهِ الْحَجّ كُلّه , وَهُوَ يَوْم الْحَجّ الْأَكْبَر . 12764 - قَالَ : ثنا إِسْرَائِيل , عَنْ عَبْد الْأَعْلَى , عَنْ مُحَمَّد بْن عَلِيّ : يَوْم الْحَجّ الْأَكْبَر يَوْم النَّحْر . * - قَالَ : ثنا إِسْرَائِيل , عَنْ عَبْد الْأَعْلَى , عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر , عَنْ اِبْن عَبَّاس , مِثْله . * - قَالَ : ثنا أَبُو أَحْمَد , قَالَ : ثنا حَمَّاد بْن سَلَمَة , عَنْ سِمَاك بْن حَرْب , عَنْ عِكْرِمَة , عَنْ اِبْن عَبَّاس , مِثْله. 12765 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن ثَوْر , عَنْ مَعْمَر , عَنْ أَبِي إِسْحَاق , قَالَ : قَالَ عَلِيّ الْحَجّ الْأَكْبَر : يَوْم النَّحْر . قَالَ : وَقَالَ الزُّهْرِيّ : يَوْم النَّحْر : يَوْم الْحَجّ الْأَكْبَر . 12766 - حَدَّثَنَا أَحْمَد بْن عَبْد الرَّحْمَن بْن وَهْب , قَالَ : ثنا عَمِّي عَبْد اللَّه بْن وَهْب , قَالَ : أَخْبَرَنِي يُونُس وَعَمْرو عَنْ الزُّهْرِيّ , عَنْ حُمَيْد بْن عَبْد الرَّحْمَن , عَنْ أَبِي هُرَيْرَة , قَالَ : بَعَثَنِي رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَعَ أَبِي بَكْر فِي الْحَجَّة الَّتِي أَمَرَهُ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَيْهَا قَبْل حَجَّة الْوَدَاع فِي رَهْط يُؤَذِّنُونَ فِي النَّاس يَوْم النَّحْر : أَلَا لَا يَحُجّ بَعْد الْعَام مُشْرِك , وَلَا يَطُوف بِالْبَيْتِ عُرْيَان ! قَالَ الزُّهْرِيّ : فَكَانَ حُمَيْد يَقُول : يَوْم النَّحْر : يَوْم الْحَجّ الْأَكْبَر . * - حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : ثنا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا الشَّعْبِيّ , عَنْ أَبِي إِسْحَاق , قَالَ : سَأَلْت عَبْد اللَّه بْن شَدَّاد عَنْ الْحَجّ الْأَكْبَر وَالْحَجّ الْأَصْغَر , فَقَالَ : الْحَجّ الْأَكْبَر : يَوْم النَّحْر , وَالْحَجّ الْأَصْغَر : الْعُمْرَة . * - قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : ////////// أَخْبَرَنَا مَعْمَر , عَنْ أَبِي إِسْحَاق , قَالَ : سَأَلْت عَبْد اللَّه بْن شَدَّاد , فَذَكَرَ نَحْوه . * - قَالَ : عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن عُيَيْنَة , عَنْ عَبْد الْمَلِك بْن عُمَيْر , قَالَ : سَمِعْت عَبْد اللَّه بْن أَبِي أَوْفَى يَقُول : يَوْم الْحَجّ الْأَكْبَر : يَوْم يُوضَع فِيهِ الشَّعْر , وَيُهْرَاق فِيهِ الدَّم , وَيَحِلّ فِيهِ الْحَرَام. * - قَالَ : ثنا الثَّوْرِيّ , عَنْ أَبِي إِسْحَاق , عَنْ عَلِيّ , قَالَ : الْحَجّ الْأَكْبَر يَوْم النَّحْر . * - حَدَّثَنَا أَحْمَد بْن إِسْحَاق , قَالَ : ثنا أَبُو أَحْمَد , قَالَ : ثنا قَيْس , عَنْ عَيَّاش الْعَامِرِيّ , عَنْ عَبْد اللَّه بْن أَبِي أَوْفَى , أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ يَوْم الْحَجّ الْأَكْبَر , فَقَالَ : سُبْحَان اللَّه , هُوَ يَوْم يُهْرَاق فِيهِ الدِّمَاء , وَيَحِلّ فِيهِ الْحَرَام , وَيُوضَع فِيهِ الشَّعْر ; وَهُوَ يَوْم النَّحْر . * - قَالَ : ثنا إِسْرَائِيل , عَنْ أَبِي حُصَيْن , عَنْ عَبْد اللَّه بْن يَسَار , قَالَ : خَطَبَنَا الْمُغِيرَة بْن شُعْبَة عَلَى نَاقَة لَهُ , فَقَالَ : هَذَا يَوْم النَّحْر , وَهَذَا يَوْم الْحَجّ الْأَكْبَر . * - قَالَ : ثنا أَبُو أَحْمَد , قَالَ : ثنا حَسَن بْن صَالِح , عَنْ مُغِيرَة , عَنْ إِبْرَاهِيم , قَالَ : يَوْم الْحَجّ الْأَكْبَر يَوْم النَّحْر . * - حَدَّثَنِي الْحَارِث , قَالَ : ثنا عَبْد الْعَزِيز , عَنْ إِبْرَاهِيم بْن طَهْمَان , عَنْ مُغِيرَة , عَنْ إِبْرَاهِيم : يَوْم الْحَجّ الْأَكْبَر : يَوْم النَّحْر , وَيَحِلّ فِيهِ الْحَرَام . 12767 - حَدَّثَنِي أَحْمَد بْن الْمِقْدَام , قَالَ : ثنا يَزِيد بْن زُرَيْع , قَالَ : ثنا اِبْن عَوْن , عَنْ مُحَمَّد بْن سِيرِينَ , عَنْ عَبْد الرَّحْمَن بْن أَبِي بَكْرَة , عَنْ أَبِيهِ , قَالَ : لَمَّا كَانَ يَوْم ذَلِكَ , قَعَدَ عَلَى بَعِير لَهُ النَّبِيّ , وَأَخَذَ إِنْسَان بِخِطَامِهِ أَوْ زِمَامه , فَقَالَ : " أَيّ يَوْم هَذَا ؟ " قَالَ : فَسَكَتْنَا حَتَّى ظَنَنَّا أَنَّهُ سَيُسَمِّيهِ غَيْر اِسْمه , فَقَالَ : " أَلَيْسَ يَوْم الْحَجّ ؟ " . 12768 - حَدَّثَنَا سَهْل بْن مُحَمَّد الْحَسَّانِيّ , قَالَ : ثنا أَبُو جَابِر الْحَرَثِيّ , قَالَ : ثنا هِشَام بْن الْغَازِي الْجُرَشِيّ , عَنْ نَافِع , عَنْ اِبْن عُمَر , قَالَ : وَقَفَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْم النَّحْر عِنْد الْجَمَرَات فِي حَجَّة الْوَدَاع , فَقَالَ : " هَذَا يَوْم الْحَجّ الْأَكْبَر " . 12769 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن جَعْفَر , قَالَ : ثنا شُعْبَة , عَنْ عَمْرو بْن مُرَّة , عَنْ مُرَّة الْهَمْدَانِيّ , عَنْ رَجُل مِنْ أَصْحَاب النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : قَامَ فِينَا رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى نَاقَة حَمْرَاء مُخَضْرَمَة , فَقَالَ : " أَتَدْرُونَ أَيّ يَوْم يَوْمكُمْ ؟ " قَالُوا : يَوْم النَّحْر , قَالَ : " صَدَقْتُمْ يَوْم الْحَجّ الْأَكْبَر " . * - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا يَحْيَى بْن سَعِيد , قَالَ : ثنا شُعْبَة , قَالَ : أَخْبَرَنِي عَمْرو بْن مُرَّة , قَالَ : ثنا مُرَّة , قَالَ : ثنا رَجُل مِنْ أَصْحَاب النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , قَالَ : قَامَ فِينَا رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَذَكَرَ نَحْوه . 12770 - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب , قَالَ : ثنا اِبْن إِدْرِيس , قَالَ : أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيل بْن أَبِي خَالِد , عَنْ أَبِيهِ , قَالَ : بَعَثَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلِيًّا بِأَرْبَعِ كَلِمَات حِين حَجَّ أَبُو بَكْر بِالنَّاسِ , فَنَادَى بِبَرَاءَة : إِنَّهُ يَوْم الْحَجّ الْأَكْبَر , أَلَا إِنَّهُ لَا يَدْخُل الْجَنَّة إِلَّا نَفْس مُسْلِمَة , أَلَا وَلَا يَطُوف بِالْبَيْتِ عُرْيَان , أَلَا وَلَا يَحُجّ بَعْد الْعَام مُشْرِك , أَلَا وَمَنْ كَانَ بَيْنه وَبَيْن مُحَمَّد عَهْد فَأَجَله إِلَى مُدَّته , وَاَللَّه بَرِيء مِنْ الْمُشْرِكِينَ وَرَسُوله. 12771 - حَدَّثَنِي يَعْقُوب , قَالَ : ثني هُشَيْم , عَنْ حَجَّاج بْن أَرْطَأَة , عَنْ عَطَاء , قَالَ : يَوْم الْحَجّ الْأَكْبَر يَوْم النَّحْر . 12772 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : قَالَ اِبْن زَيْد , فِي قَوْله : { يَوْم الْحَجّ الْأَكْبَر } قَالَ : يَوْم النَّحْر : يَوْم يَحِلّ فِيهِ الْمُحَرَّم , وَيَنْحَر فِيهِ الْبُدْن . وَكَانَ اِبْن عُمَر يَقُول : هُوَ يَوْم النَّحْر , وَكَانَ أَبِي يَقُولهُ . وَكَانَ اِبْن عَبَّاس يَقُول : هُوَ يَوْم عَرَفَة . وَلَمْ أَسْمَع أَحَدًا يَقُول إِنَّهُ يَوْم عَرَفَة إِلَّا اِبْن عَبَّاس . قَالَ اِبْن زَيْد : وَالْحَجّ يَفُوت بِفَوْتِ يَوْم النَّحْر وَلَا يَفُوت بِفَوْتِ يَوْم عَرَفَة , إِنْ فَاتَهُ الْيَوْم لَمْ يَفُتْهُ اللَّيْل , يَقِف مَا بَيْنه وَبَيْن طُلُوع الْفَجْر . 12773 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن , قَالَ : ثنا أَحْمَد بْن الْمُفَضَّل , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ , قَالَ : يَوْم الْأَضْحَى : يَوْم الْحَجّ الْأَكْبَر. * - حَدَّثَنَا سُفْيَان , قَالَ : ثنا أَبِي , عَنْ شُعْبَة , عَنْ عَمْرو بْن مُرَّة , قَالَ : ثني رَجُل مِنْ أَصْحَاب رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي غُرْفَتِي هَذِهِ , حَسِبْته قَالَ : خَطَبَنَا رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْم النَّحْر عَلَى نَاقَة حَمْرَاء مُخَضْرَمَة , فَقَالَ : " أَتَدْرُونَ أَيّ يَوْم هَذَا ؟ هَذَا يَوْم النَّحْر وَهَذَا يَوْم الْحَجّ الْأَكْبَر " . وَقَالَ آخَرُونَ : مَعْنَى قَوْله : { يَوْم الْحَجّ الْأَكْبَر } حِين الْحَجّ الْأَكْبَر وَوَقْته. قَالَ : وَذَلِكَ أَيَّام الْحَجّ كُلّهَا لَا يَوْم بِعَيْنِهِ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 12774 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد : { يَوْم الْحَجّ الْأَكْبَر } حِين الْحَجّ , أَيَّامه كُلّه . 12775 - حَدَّثَنَا أَحْمَد بْن إِسْحَاق , قَالَ : ثنا أَبُو أَحْمَد , قَالَ : ثنا اِبْن عُيَيْنَة , عَنْ اِبْن جُرَيْج , عَنْ مُجَاهِد , قَالَ : الْحَجّ الْأَكْبَر : أَيَّام مِنًى كُلّهَا , وَمَجَامِع الْمُشْرِكِينَ حِين كَانُوا بِذِي الْمَجَاز وَعُكَاظ وَمَجَنَّة , حِين نُودِيَ فِيهِمْ : أَنْ لَا يَجْتَمِع الْمُسْلِمُونَ وَالْمُشْرِكُونَ بَعْد عَامهمْ هَذَا وَأَنْ لَا يَطُوف بِالْبَيْتِ عُرْيَان وَمَنْ كَانَ بَيْنه وَبَيْن رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَهْد فَعَهْده إِلَى مُدَّته. 12776 - حَدَّثَنِي الْحَارِث , قَالَ : ثنا أَبُو عُبَيْد , قَالَ : كَانَ سُفْيَان يَقُول : يَوْم الْحَجّ , وَيَوْم الْجَمَل , وَيَوْم صِفِّينَ : أَيْ أَيَّامه كُلّهَا. * - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : حَدَّثَنَا الْحُسَيْن , قَالَ : حَدَّثَنِي حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج , عَنْ مُجَاهِد , فِي قَوْله : { يَوْم الْحَجّ الْأَكْبَر } قَالَ حِين الْحَجّ , أَيْ أَيَّامه كُلّهَا . قَالَ أَبُو جَعْفَر : وَأَوْلَى الْأَقْوَال فِي ذَلِكَ بِالصِّحَّةِ عِنْدنَا : قَوْل مَنْ قَالَ : { يَوْم الْحَجّ الْأَكْبَر } : يَوْم النَّحْر ; لِتَظَاهُرِ الْأَخْبَار عَنْ جَمَاعَة مِنْ أَصْحَاب رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ عَلِيًّا نَادَى بِمَا أَرْسَلَهُ بِهِ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ الرِّسَالَة إِلَى الْمُشْرِكِينَ , وَتَلَا عَلَيْهِمْ بَرَاءَة يَوْم النَّحْر. هَذَا مَعَ الْأَخْبَار الَّتِي ذَكَرْنَاهَا عَنْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ يَوْم النَّحْر : أَتَدْرُونَ أَيّ يَوْم هَذَا ؟ { هَذَا يَوْم الْحَجّ الْأَكْبَر } وَبَعْد : فَإِنَّ الْيَوْم إِنَّمَا يُضَاف إِلَى مَعْنَى الَّذِي يَكُون فِيهِ , كَقَوْلِ النَّاس : يَوْم عَرَفَة , وَذَلِكَ يَوْم وُقُوف النَّاس بِعَرَفَة , وَيَوْم الْأَضْحَى , وَذَلِكَ يَوْم يُضَحُّونَ فِيهِ ; وَيَوْم الْفِطْر , وَذَلِكَ يَوْم يُفْطِرُونَ فِيهِ ; وَكَذَلِكَ يَوْم الْحَجّ , يَوْم يَحُجُّونَ فِيهِ . وَإِنَّمَا يَحُجّ النَّاس وَيَقْضُونَ مَنَاسِكهمْ يَوْم النَّحْر , لِأَنَّ فِي لَيْلَة نَهَار يَوْم النَّحْر الْوُقُوف بِعَرَفَة كَانَ إِلَى طُلُوع الْفَجْر , وَفِي صَبِيحَتهَا يَعْمَل أَعْمَال الْحَجّ ; فَأَمَّا يَوْم عَرَفَة فَإِنَّهُ وَإِنْ كَانَ الْوُقُوف بِعَرَفَة فَغَيْر فَائِت الْوُقُوف بِهِ إِلَى طُلُوع الْفَجْر مِنْ لَيْلَة النَّحْر , وَالْحَجّ كُلّه يَوْم النَّحْر . وَأَمَّا مَا قَالَ مُجَاهِد مِنْ أَنَّ يَوْم الْحَجّ إِنَّمَا هُوَ أَيَّامه كُلّهَا , فَإِنَّ ذَلِكَ وَإِنْ كَانَ جَائِزًا فِي كَلَام الْعَرَب , فَلَيْسَ بِالْأَشْهَرِ الْأَعْرَف فِي كَلَام الْعَرَب مِنْ مَعَانِيه , بَلْ غَلَبَ عَلَى مَعْنَى الْيَوْم عِنْدهمْ أَنَّهُ مِنْ غُرُوب الشَّمْس إِلَى مِثْله مِنْ الْغَد , وَإِنَّمَا مَحْمَل تَأْوِيل كِتَاب اللَّه عَلَى الْأَشْهُر الْأَعْرَف مِنْ كَلَام مَنْ نَزَلَ الْكِتَاب بِلِسَانِهِ. وَاخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِي السَّبَب الَّذِي مِنْ أَجْله قِيلَ لِهَذَا الْيَوْم : يَوْم الْحَجّ الْأَكْبَر , فَقَالَ بَعْضهمْ : سُمِّيَ بِذَلِكَ لِأَنَّ ذَلِكَ كَانَ فِي سَنَة اِجْتَمَعَ فِيهَا حَجّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُشْرِكِينَ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 12777 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن ثَوْر , عَنْ مَعْمَر , عَنْ الْحَسَن , قَالَ : إِنَّمَا سُمِّيَ الْحَجّ الْأَكْبَر مِنْ أَجْل أَنَّهُ حَجَّ أَبُو بَكْر الْحَجَّة الَّتِي حَجَّهَا , وَاجْتَمَعَ فِيهَا الْمُسْلِمُونَ وَالْمُشْرِكُونَ , فَلِذَلِكَ سُمِّيَ الْحَجّ الْأَكْبَر , وَوَافَقَ أَيْضًا عِيد الْيَهُود وَالنَّصَارَى . 12778 - حَدَّثَنَا أَحْمَد بْن إِسْحَاق , قَالَ : ثنا أَبُو أَحْمَد , قَالَ : ثنا حَمَّاد بْن سَلَمَة , عَنْ عَلِيّ بْن زَيْد بْن جُدْعَان عَنْ عَبْد اللَّه بْن الْحَارِث بْن نَوْفَل , قَالَ : يَوْم الْحَجّ الْأَكْبَر كَانَتْ حَجَّة الْوَدَاع اِجْتَمَعَ فِيهِ حَجّ الْمُسْلِمِينَ وَالنَّصَارَى وَالْيَهُود وَلَمْ يَجْتَمِع قَبْله وَلَا بَعْده. 12779 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثنا أَبُو سُفْيَان , عَنْ مَعْمَر , عَنْ الْحَسَن , قَالَ قَوْله : { يَوْم الْحَجّ الْأَكْبَر } قَالَ : إِنَّمَا سُمِّيَ الْحَجّ الْأَكْبَر لِأَنَّهُ يَوْم حَجَّ فِيهِ أَبُو بَكْر , وَنُبِذَتْ فِيهِ الْعُهُود. وَقَالَ آخَرُونَ : الْحَجّ الْأَكْبَر : الْقِرَان , وَالْحَجّ الْأَصْغَر : الْإِفْرَاد . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 12780 - حَدَّثَنَا أَحْمَد بْن إِسْحَاق , قَالَ : ثنا أَبُو أَحْمَد , قَالَ : ثنا أَبُو بَكْر النَّهْشَلِيّ , عَنْ حَمَّاد , عَنْ مُجَاهِد , قَالَ : كَانَ يَقُول : الْحَجّ الْأَكْبَر وَالْحَجّ الْأَصْغَر ; فَالْحَجّ الْأَكْبَر : الْقِرَان , وَالْحَجّ الْأَصْغَر : إِفْرَاد الْحَجّ . وَقَالَ آخَرُونَ : الْحَجّ الْأَكْبَر : الْحَجّ , وَالْحَجّ الْأَصْغَر : الْعُمْرَة. ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 12781 - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن بَكْر , عَنْ اِبْن جُرَيْج , عَنْ عَطَاء , قَالَ : الْحَجّ الْأَكْبَر : الْحَجّ , وَالْحَجّ الْأَصْغَر : الْعُمْرَة . 12782 - قَالَ : ثنا عَبْد الْأَعْلَى , عَنْ دَاوُدَ , عَنْ عَامِر , قَالَ : قُلْت لَهُ : هَذَا الْحَجّ الْأَكْبَر , فَمَا الْحَجّ الْأَصْغَر ؟ قَالَ : الْعُمْرَة . 12783 - حَدَّثَنَا اِبْن بَشَّار , قَالَ : ثنا عَبْد الرَّحْمَن , قَالَ : ثنا سُفْيَان , عَنْ دَاوُدَ بْن أَبِي هِنْد , عَنْ الشَّعْبِيّ , قَالَ : كَانَ يُقَال : الْحَجّ الْأَصْغَر : الْعُمْرَة فِي رَمَضَان . 12784 - قَالَ : ثنا سُفْيَان , عَنْ مَنْصُور , عَنْ مُجَاهِد , قَالَ : كَانَ يُقَال : الْحَجّ الْأَصْغَر : الْعُمْرَة . 12785 - قَالَ : ثنا عَبْد الرَّحْمَن , عَنْ سُفْيَان , عَنْ أَبِي أَسْمَاء , عَنْ عَبْد اللَّه بْن شَدَّاد , قَالَ : يَوْم الْحَجّ الْأَكْبَر : يَوْم النَّحْر , وَالْحَجّ الْأَصْغَر : الْعُمْرَة . 12786 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن ثَوْر , عَنْ مَعْمَر , عَنْ الزُّهْرِيّ : أَنَّ أَهْل الْجَاهِلِيَّة كَانُوا يُسَمُّونَ الْحَجّ الْأَصْغَر : الْعُمْرَة. قَالَ أَبُو جَعْفَر : وَأَوْلَى هَذِهِ الْأَقْوَال بِالصَّوَابِ فِي ذَلِكَ عِنْدِي قَوْل مَنْ قَالَ : الْحَجّ الْأَكْبَر الْحَجّ ; لِأَنَّهُ أَكْبَر مِنْ الْعُمْرَة بِزِيَادَةِ عَمَله عَلَى عَمَلهَا , فَقِيلَ لَهُ الْأَكْبَر لِذَلِكَ . وَأَمَّا الْأَصْغَر فَالْعُمْرَة , لِأَنَّ عَمَلهَا أَقَلّ مِنْ عَمَل الْحَجّ , فَلِذَلِكَ قِيلَ لَهَا الْأَصْغَر لِنُقْصَانِ عَمَلهَا عَنْ عَمَله .

أَنَّ اللَّهَ بَرِيءٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ وَرَسُولُهُ

وَأَمَّا قَوْله : { أَنَّ اللَّه بَرِيء مِنْ الْمُشْرِكِينَ وَرَسُوله } فَإِنَّ مَعْنَاهُ : أَنَّ اللَّه بَرِيء مِنْ عَهْد الْمُشْرِكِينَ وَرَسُوله بَعْد هَذِهِ الْحَجَّة . وَمَعْنَى الْكَلَام : وَإِعْلَام مِنْ اللَّه وَرَسُوله إِلَى النَّاس فِي يَوْم الْحَجّ الْأَكْبَر , أَنَّ اللَّه وَرَسُوله مِنْ عَهْد الْمُشْرِكِينَ بَرِيئَانِ كَمَا : 12787 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا سَلَمَة , عَنْ اِبْن إِسْحَاق : { أَنَّ اللَّه بَرِيء مِنْ الْمُشْرِكِينَ وَرَسُوله } أَيْ بَعْد الْحَجَّة .

فَإِنْ تُبْتُمْ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { فَإِنْ تُبْتُمْ فَهُوَ خَيْر لَكُمْ } . يَقُول تَعَالَى : فَإِنْ تُبْتُمْ مِنْ كُفْركُمْ أَيّهَا الْمُشْرِكُونَ , وَرَجَعْتُمْ إِلَى تَوْحِيد اللَّه وَإِخْلَاص الْعِبَادَة لَهُ دُون الْآلِهَة وَالْأَنْدَاد , فَالرُّجُوع إِلَى ذَلِكَ خَيْر لَكُمْ مِنْ الْإِقَامَة عَلَى الشِّرْك فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَة . 12788 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثنا حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج , قَوْله : { فَإِنْ تُبْتُمْ } قَالَ آمَنْتُمْ.

وَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ

{ وَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ } يَقُول : وَإِنْ أَدْبَرْتُمْ عَنْ الْإِيمَان بِاَللَّهِ وَأَبَيْتُمْ إِلَّا الْإِقَامَة عَلَى شِرْككُمْ.

فَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ غَيْرُ مُعْجِزِي اللَّهِ

{ فَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ غَيْر مُعْجِزِي اللَّه } يَقُول : فَأَيْقِنُوا أَنَّكُمْ لَا تُفِيتُونَ اللَّه بِأَنْفُسِكُمْ مِنْ أَنْ يَحِلّ بِكُمْ عَذَابه الْأَلِيم وَعِقَابه الشَّدِيد عَلَى إِقَامَتكُمْ عَلَى الْكُفْر , كَمَا فَعَلَ بِذَوِيكُمْ مِنْ أَهْل الشِّرْك , مِنْ إِنْزَال نِقَمه بِهِ وَإِحْلَاله الْعَذَاب عَاجِلًا بِسَاحَتِهِ .

وَبَشِّرِ الَّذِينَ كَفَرُوا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ

{ وَبَشِّرْ الَّذِينَ كَفَرُوا } يَقُول : وَاعْلَمْ يَا مُحَمَّد الَّذِينَ جَحَدُوا نُبُوَّتك وَخَالَفُوا أَمْر رَبّهمْ بِعَذَابٍ مُوجِع يَحِلّ بِهِمْ.




القرطبي
ــــــــــــ
وَأَذَانٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى النَّاسِ يَوْمَ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ

" وَأَذَان " الْأَذَان : الْإِعْلَام لُغَة مِنْ غَيْر خِلَاف . وَهُوَ عَطْف عَلَى " بَرَاءَة " . " إِلَى النَّاس " النَّاس هُنَا جَمِيع الْخَلْق . " يَوْم الْحَجّ الْأَكْبَر " ظَرْف , وَالْعَامِل فِيهِ " أَذَان " . وَإِنْ كَانَ قَدْ وُصِفَ بِقَوْلِهِ : " مِنْ اللَّه " , فَإِنَّ رَائِحَة الْفِعْل فِيهِ بَاقِيَة , وَهِيَ عَامِلَة فِي الظُّرُوف . وَقِيلَ : الْعَامِل فِيهِ " مُخْزِي " وَلَا يَصِحّ عَمَل " أَذَان " , لِأَنَّهُ قَدْ وُصِفَ فَخَرَجَ عَنْ حُكْم الْفِعْل .

وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاء فِي الْحَجّ الْأَكْبَر , فَقِيلَ : يَوْم عَرَفَة . رُوِيَ عَنْ عُمَر وَعُثْمَان وَابْن عَبَّاس وَطَاوُس وَمُجَاهِد . وَهُوَ مَذْهَب أَبِي حَنِيفَة , وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيّ . وَعَنْ عَلِيّ وَابْن عَبَّاس أَيْضًا وَابْن مَسْعُود وَابْن أَبِي أَوْفَى وَالْمُغِيرَة بْن شُعْبَة أَنَّهُ يَوْم النَّحْر . وَاخْتَارَهُ الطَّبَرِيّ . وَرَوَى اِبْن عُمَر أَنَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَفَ يَوْم النَّحْر فِي الْحَجَّة الَّتِي حَجَّ فِيهَا فَقَالَ : ( أَيّ يَوْم هَذَا ) فَقَالُوا : يَوْم النَّحْر فَقَالَ : ( هَذَا يَوْم الْحَجّ الْأَكْبَر ) . أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد . وَخَرَّجَ الْبُخَارِيّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَة قَالَ : بَعَثَنِي أَبُو بَكْر الصِّدِّيق رَضِيَ اللَّه عَنْهُ فِيمَنْ يُؤَذِّن يَوْم النَّحْر بِمِنًى : لَا يَحُجّ بَعْد الْعَام مُشْرِك وَلَا يَطُوف بِالْبَيْتِ عُرْيَان . وَيَوْم الْحَجّ الْأَكْبَر يَوْم النَّحْر . وَإِنَّمَا قِيلَ الْأَكْبَر مِنْ أَجْل قَوْل النَّاس : الْحَجّ الْأَصْغَر . فَنَبَذَ أَبُو بَكْر إِلَى النَّاس فِي ذَلِكَ الْعَام , فَلَمْ يَحُجّ عَام حَجَّة الْوَدَاع الَّذِي حَجَّ فِيهِ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُشْرِك . وَقَالَ اِبْن أَبِي أَوْفَى : يَوْم النَّحْر يَوْم الْحَجّ الْأَكْبَر , يُهْرَاق فِيهِ الدَّم , وَيُوضَع فِيهِ الشَّعْر , وَيُلْقَى فِيهِ التَّفَث , وَتَحِلّ فِيهِ الْحُرُم . وَهَذَا مَذْهَب مَالِك , لِأَنَّ يَوْم النَّحْر فِيهِ كَالْحَجِّ كُلّه , لِأَنَّ الْوُقُوف إِنَّمَا هُوَ لَيْلَته , وَالرَّمْي وَالنَّحْر وَالْحَلْق وَالطَّوَاف فِي صَبِيحَته . اِحْتَجَّ الْأَوَّلُونَ بِحَدِيثِ مَخْرَمَة أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( يَوْم الْحَجّ الْأَكْبَر يَوْم عَرَفَة ) . رَوَاهُ إِسْمَاعِيل الْقَاضِي . وَقَالَ الثَّوْرِيّ وَابْن جُرَيْج : الْحَجّ الْأَكْبَر أَيَّام مِنًى كُلّهَا . وَهَذَا كَمَا يُقَال : يَوْم صِفِّينَ وَيَوْم الْجَمَل وَيَوْم بُعَاث , فَيُرَاد بِهِ الْحِين وَالزَّمَان لَا نَفْس الْيَوْم . وَرُوِيَ عَنْ مُجَاهِد : الْحَجّ الْأَكْبَر الْقِرَان , وَالْأَصْغَر الْإِفْرَاد . وَهَذَا لَيْسَ مِنْ الْآيَة فِي شَيْء . وَعَنْهُ وَعَنْ عَطَاء : الْحَجّ الْأَكْبَر الَّذِي فِيهِ الْوُقُوف بِعَرَفَة , وَالْأَصْغَر الْعُمْرَة . وَعَنْ مُجَاهِد أَيْضًا : أَيَّام الْحَجّ كُلّهَا . وَقَالَ الْحَسَن وَعَبْد اللَّه بْن الْحَارِث بْن نَوْفَل : إِنَّمَا سُمِّيَ يَوْم الْحَجّ الْأَكْبَر لِأَنَّهُ حَجَّ ذَلِكَ الْعَام الْمُسْلِمُونَ وَالْمُشْرِكُونَ , وَاتَّفَقَتْ فِيهِ يَوْمئِذٍ أَعْيَاد الْمِلَل : الْيَهُود وَالنَّصَارَى وَالْمَجُوس . قَالَ اِبْن عَطِيَّة : وَهَذَا ضَعِيف أَنْ يَصِفهُ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ فِي كِتَابه بِالْأَكْبَرِ لِهَذَا . وَعَنْ الْحَسَن أَيْضًا : إِنَّمَا سُمِّيَ الْأَكْبَر لِأَنَّهُ حَجَّ فِيهِ أَبُو بَكْر وَنُبِذَتْ فِيهِ الْعُهُود . وَهَذَا الَّذِي يُشْبِه نَظَر الْحَسَن . وَقَالَ اِبْن سِيرِينَ : يَوْم الْحَجّ الْأَكْبَر الْعَام الَّذِي حَجَّ فِيهِ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَجَّة الْوَدَاع , وَحَجَّتْ مَعَهُ فِيهِ الْأُمَم .

أَنَّ اللَّهَ بَرِيءٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ وَرَسُولُهُ

" أَنَّ " بِالْفَتْحِ فِي مَوْضِع نَصْب . وَالتَّقْدِير بِأَنَّ اللَّه . وَمَنْ قَرَأَ بِالْكَسْرِ قَدَّرَهُ بِمَعْنَى قَالَ إِنَّ اللَّه " بَرِيء " خَبَر إِنَّ . " وَرَسُولُهُ " عَطْف عَلَى الْمَوْضِع , وَإِنْ شِئْت عَلَى الْمُضْمَر الْمَرْفُوع فِي " بَرِيء " . كِلَاهُمَا حَسَن ; لِأَنَّهُ قَدْ طَالَ الْكَلَام . وَإِنْ شِئْت عَلَى الِابْتِدَاء وَالْخَبَر مَحْذُوف ; التَّقْدِير : وَرَسُوله بَرِيء مِنْهُمْ . وَمَنْ قَرَأَ " وَرَسُوله " بِالنَّصْبِ - وَهُوَ الْحَسَن وَغَيْره - عَطَفَهُ عَلَى اِسْم اللَّه عَزَّ وَجَلَّ عَلَى اللَّفْظ . وَفِي الشَّوَاذّ " وَرَسُولِهِ " بِالْخَفْضِ عَلَى الْقَسَم , أَيْ وَحَقّ رَسُولِهِ ; وَرُوِيَتْ عَنْ الْحَسَن . وَقَدْ تَقَدَّمَتْ قِصَّة عُمَر فِيهَا أَوَّل الْكِتَاب .

فَإِنْ تُبْتُمْ

أَيْ عَنْ الشِّرْك .

فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ

أَيْ أَنْفَع لَكُمْ .

وَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ

أَيْ عَنْ الْإِيمَان .

فَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ غَيْرُ مُعْجِزِي اللَّهِ وَبَشِّرِ الَّذِينَ كَفَرُوا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ

أَيْ فَائِتِيهِ ; فَإِنَّهُ مُحِيط بِكُمْ وَمُنْزِل عِقَابه عَلَيْكُمْ .[/align]
[/cell][/table][/center]

_________________
إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً }الأحزاب33

صورة


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة:
مشاركة غير مقروءةمرسل: الثلاثاء ديسمبر 19, 2006 11:49 am 
غير متصل

اشترك في: السبت فبراير 21, 2004 4:33 am
مشاركات: 10727
[font=Traditional Arabic] [/font][b]قال تعالى:

" الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللَّهُ وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَا أُولِي

البقرة 197


الجلالين
ــــــــــــ

"الْحَجّ" وَقْته "أَشْهُر مَعْلُومَات" شَوَّال وَذُو الْقَعْدَة وَعَشْر لَيَالٍ مِنْ ذِي الْحِجَّة وَقِيلَ كُلّه "فَمَنْ فَرَضَ" عَلَى نَفْسه "فِيهِنَّ الْحَجّ" بِالْإِحْرَامِ بِهِ "فَلَا رَفَث" جِمَاع فِيهِ "وَلَا فُسُوق" مَعَاصٍ "وَلَا جِدَال" خِصَام "فِي الْحَجّ" وَفِي قِرَاءَة بِفَتْحِ الْأَوَّلَيْنِ وَالْمُرَاد فِي الثَّلَاثَة النَّهْي "وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْر" كَصَدَقَةٍ "يَعْلَمهُ اللَّه" فَيُجَازِيكُمْ بِهِ وَنَزَلَ فِي أَهْل الْيَمَن وَكَانُوا يَحُجُّونَ بِلَا زَاد فَيَكُونُونَ كَلًّا عَلَى النَّاس "وَتَزَوَّدُوا" مَا يُبَلِّغكُمْ لِسَفَرِكُمْ "فَإِنَّ خَيْر الزَّاد التَّقْوَى" مَا يَتَّقِي بِهِ سُؤَال النَّاس وَغَيْره "وَاتَّقُونِ يَا أُولِي الْأَلْبَاب" ذَوِي الْعُقُول


الطبري
ــــــــــ

الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { الْحَجّ أَشْهُر مَعْلُومَات } يَعْنِي جَلّ ثَنَاؤُهُ بِذَلِكَ : وَقْت الْحَجّ أَشْهُر مَعْلُومَات . " وَالْأَشْهُر " مَرْفُوعَات بِالْحَجِّ , وَإِنْ كَانَ لَهُ وَقْتًا لَا صِفَة وَنَعْتًا , إذْ لَمْ تَكُنْ مَحْصُورَات بِتَعْرِيفٍ بِإِضَافَةٍ إلَى مَعْرِفَة أَوْ مَعْهُود , فَصَارَ الرَّفْع فِيهِنَّ كَالرَّفْعِ فِي قَوْل الْعَرَب فِي نَظِير ذَلِكَ مِنْ الْمَحَلّ " الْمُسْلِمُونَ جَانِب وَالْكُفَّار جَانِب " , بِرَفْعِ الْجَانِب الَّذِي لَمْ يَكُنْ مَحْصُورًا عَلَى حَدّ مَعْرُوف , وَلَوْ قِيلَ جَانِب أَرْضهمْ أَوْ بِلَادهمْ لَكَانَ النَّصْب هُوَ الْكَلَام . ثُمَّ اخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِي قَوْله : { الْحَجّ أَشْهُر مَعْلُومَات } فَقَالَ بَعْضهمْ : يَعْنِي بِالْأَشْهُرِ الْمَعْلُومَات : شَوَّالًا , وَذَا الْقَعْدَة , وَعَشْرًا مِنْ ذِي الْحِجَّة . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 2844 - حَدَّثَنَا أَحْمَد بْن إسْحَاق , قَالَ : ثنا أَبُو أَحْمَد , قَالَ : ثنا شَرِيك , عَنْ أَبِي إسْحَاق , عَنْ أَبِي الْأَحْوَص , عَنْ عَبْد اللَّه قَوْله : { الْحَجّ أَشْهُر مَعْلُومَات } قَالَ : شَوَّال , وَذُو الْقَعْدَة , وَعَشْر ذِي الْحِجَّة . 2845 - حَدَّثَنَا أَحْمَد بْن إسْحَاق , قَالَ : ثنا أَبُو أَحْمَد , قَالَ : ثنا سُفْيَان وَشَرِيك , عَنْ خَصِيف , عَنْ عِكْرِمَة , عَنْ ابْن عَبَّاس , مِثْله . * حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا الثَّوْرِيّ , عَنْ خَصِيف , عَنْ مِقْسَم عَنْ ابْن عَبَّاس , مِثْله . * حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب , قَالَ : ثنا إبْرَاهِيم بْن إسْمَاعِيل بْن نَصْر السُّلَمِيّ , قَالَ : ثنا إبْرَاهِيم بْن إسْمَاعِيل بْن أَبِي حَبِيبَة , عَنْ دَاوُد بْن حُصَيْن , عَنْ عِكْرِمَة , عَنْ ابْن عَبَّاس أَنَّهُ قَالَ : أَشْهُر الْحَجّ شَوَّال , وَذُو الْقَعْدَة , وَعَشْر مِنْ ذِي الْحِجَّة . 2846 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا أَبُو صَالِح , قَالَ : ثني مُعَاوِيَة , عَنْ عَلِيّ بْن أَبِي طَلْحَة , عَنْ ابْن عَبَّاس قَوْله : { الْحَجّ أَشْهُر مَعْلُومَات } وَهُنَّ : شَوَّال , وَذُو الْقَعْدَة , وَعَشْر مِنْ ذِي الْحِجَّة , جَعَلَهُنَّ اللَّه سُبْحَانه لِلْحَجِّ , وَسَائِر الشُّهُور لِلْعُمْرَةِ , فَلَا يَصْلُح أَنْ يُحْرِم أَحَد بِالْحَجِّ إلَّا فِي أَشْهُر الْحَجّ , وَالْعُمْرَة يُحْرِم بِهَا فِي كُلّ شَهْر . * حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا الْحَمَّانِي , قَالَ : ثنا شَرِيك , عَنْ أَبِي إسْحَاق , عَنْ الضَّحَّاك , عَنْ ابْن عَبَّاس فِي قَوْله : { الْحَجّ أَشْهُر مَعْلُومَات } قَالَ : شَوَّال , وَذُو الْقَعْدَة , وَعَشْر مِنْ ذِي الْحِجَّة . 2847 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن بَشَّار , قَالَ : ثنا عَبْد الرَّحْمَن وَأَبُو عَامِر قَالَا : ثنا سُفْيَان , وَحَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا الثَّوْرِيّ عَنْ الْمُغِيرَة , عَنْ إبْرَاهِيم , مِثْله . * حَدَّثَنَا ابْن بَشَّار , قَالَ : ثنا عَبْد الرَّحْمَن , قَالَ : حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَة , عَنْ مُغِيرَة , عَنْ إبْرَاهِيم وَالشَّعْبِيّ مِثْله . * حَدَّثَنَا أَحْمَد بْن إسْحَاق , قَالَ : ثنا أَبُو أَحْمَد , قَالَ : ثنا سُفْيَان وَإِسْرَائِيل , عَنْ مُغِيرَة , عَنْ إبْرَاهِيم , مِثْله . 2849 - حَدَّثَنَا أَحْمَد بْن إسْحَاق , قَالَ : ثنا إسْرَائِيل , عَنْ جَابِر , عَنْ عَامِر , مِثْله . 2850 - حَدَّثَنِي مُوسَى , قَالَ : ثنا عَمْرو , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ , مِثْله . 2851 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا أَبُو حُذَيْفَة , قَالَ : ثنا شِبْل , عَنْ ابْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , مِثْله . 2852 - حَدَّثَنِي الْقَاسِم , قَالَ : حَدَّثَنَا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني هُشَيْم , قَالَ : أَخْبَرَنَا الْحَجَّاج , عَنْ الْحَكَم , عَنْ مِقْسَم , عَنْ ابْن عَبَّاس . وَأَخْبَرَنَا مُغِيرَة , عَنْ إبْرَاهِيم وَالشَّعْبِيّ . وَأَخْبَرَنَا يُونُس , عَنْ الْحَسَن . وَأَخْبَرَنَا جُوَيْبِر , عَنْ الضَّحَّاك . وَأَخْبَرَنَا حَجَّاج , عَنْ عَطَاء وَمُجَاهِد , مِثْله . 2853 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا أَبُو الْوَلِيد , قَالَ : ثنا حَمَّاد , عَنْ عُبَيْد اللَّه , عَنْ نَافِع , عَنْ ابْن عُمَر , قَالَ : شَوَّال , وَذُو الْقَعْدَة , وَعَشْر ذِي الْحِجَّة فِي الْحَجّ أَشْهُر مَعْلُومَات . * حَدَّثَنِي أَحْمَد بْن حَازِم , قَالَ : ثنا أَبُو نَعِيم , قَالَ : ثنا وَرْقَاء , عَنْ عَبْد اللَّه بْن دِينَار , عَنْ ابْن عُمَر , قَالَ : { الْحَجّ أَشْهُر مَعْلُومَات } قَالَ : شَوَّال , وَذُو الْقَعْدَة , وَعَشْر ذِي الْحِجَّة . 2854 - حَدَّثَنَا أَحْمَد بْن حَازِم , قَالَ : ثنا أَبُو نَعِيم , قَالَ : ثنا حُسَيْن بْن عُقَيْل , عَنْ الضَّحَّاك , قَالَ : شَوَّال , وَذُو الْقَعْدَة , وَعَشْر مِنْ ذِي الْحِجَّة . * حَدَّثَنِي الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا حُسَيْن بْن عُقَيْل الْخُرَاسَانِيّ , قَالَ : سَمِعْت الضَّحَّاك بْن مُزَاحِم يَقُول , فَذَكَرَ مِثْله . وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ يَعْنِي بِذَلِكَ شَوَّالًا , وَذَا الْقَعْدَة , وَذَا الْحِجَّة كُلّه . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 2855 - حَدَّثَنَا ابْن بَشَّار , قَالَ : ثنا يَحْيَى بْن سَعِيد , قَالَ : ثنا ابْن جُرَيْجٍ , قَالَ : قُلْت لِنَافِعٍ : أَكَانَ عَبْد اللَّه يُسَمِّي أَشْهُر الْحَجّ ؟ قَالَ : نَعَمْ , شَوَّال , وَذُو الْقَعْدَة , وَذُو الْحِجَّة . * حَدَّثَنَا ابْن بَشَّار , قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن بَكْر , قَالَ : ثنا ابْن جُرَيْجٍ , قَالَ : قُلْت لِنَافِعٍ : أَسَمِعْت ابْن عُمَر يُسَمِّي أَشْهُر الْحَجّ ؟ قَالَ : نَعَمْ , كَانَ يُسَمِّي شَوَّالًا , وَذَا الْقَعْدَة , وَذَا الْحِجَّة . * حَدَّثَنَا أَحْمَد بْن إسْحَاق , قَالَ : ثنا أَبُو أَحْمَد , قَالَ : ثنا شَرِيك , عَنْ إبْرَاهِيم بْن مُهَاجِر , عَنْ مُجَاهِد , عَنْ ابْن عُمَر , قَالَ : شَوَّال , وَذُو الْقَعْدَة , وَذُو الْحِجَّة . 2856 - حَدَّثَنَا ابْن بَشَّار , قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن بَكْر , قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْن جُرَيْجٍ , قَالَ : قَالَ عَطَاء : { الْحَجّ أَشْهُر مَعْلُومَات } , قَالَ عَطَاء : فَهِيَ شَوَّال , وَذُو الْقَعْدَة , وَذُو الْحِجَّة . 2857 - حَدَّثَنَا عَنْ عَمَّار , قَالَ : ثنا ابْن أَبِي جَعْفَر , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ الرَّبِيع , مِثْله . 2858 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة قَوْله : { الْحَجّ أَشْهُر مَعْلُومَات } أَشْهُر الْحَجّ : شَوَّال , وَذُو الْقَعْدَة , وَذُو الْحِجَّة . وَرُبَّمَا قَالَ : وَعَشْر ذِي الْحِجَّة . 2859 - حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا مَعْمَر , عَنْ ابْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد فِي قَوْله : { الْحَجّ أَشْهُر مَعْلُومَات } قَالَ : شَوَّال , وَذُو الْقَعْدَة , وَذُو الْحِجَّة . 2860 - حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا مَعْمَر , عَنْ ابْن طَاوُس , عَنْ أَبِيهِ , مِثْله . 2861 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا أَبُو صَالِح , قَالَ : ثني اللَّيْث , قَالَ : ثني عُقَيْل , عَنْ ابْن شِهَاب , قَالَ : أَشْهُر الْحَجّ : شَوَّال , وَذُو الْقَعْدَة , وَذُو الْحِجَّة . فَإِنْ قَالَ لَنَا قَائِل : وَمَا وَجْه قَائِلِي هَذِهِ الْمَقَالَة , وَقَدْ عَلِمْت أَنَّ عَمَل الْحَجّ لَا يُعْمَل بَعْد تَقَضِّي أَيَّام مِنَى ؟ قِيلَ : إنَّ مَعْنَى ذَلِكَ غَيْر الَّذِي تَوَهَّمْته , وَإِنَّمَا عَنَوْا بِقَيْلِهِمْ الْحَجّ ثَلَاثَة أَشْهُر كَوَامِل , أَنَّهُنَّ الْحَجّ لَا أَشْهُر الْعُمْرَة , وَأَنَّ شُهُور الْعُمْرَة سِوَاهُنَّ مِنْ شُهُور السَّنَة . وَمِمَّا يَدُلّ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ مَعْنَاهُمْ فِي قَيْلهمْ ذَلِكَ مَا : 2862 - حَدَّثَنِي يَعْقُوب بْن إبْرَاهِيم , قَالَ : ثنا ابْن عُلَيَّة , قَالَ : أَخْبَرَنَا أَيُّوب , عَنْ نَافِع , قَالَ : قَالَ ابْن عُمَر : أَنْ تَفْصِلُوا بَيْن أَشْهُر الْحَجّ وَالْعُمْرَة فَتَجْعَلُوا الْعُمْرَة فِي غَيْر أَشْهُر الْحَجّ , أَتَمّ لِحَجِّ أَحَدكُمْ وَأَتَمّ لِعُمْرَتِهِ . 2863 - حَدَّثَنِي نَصْر بْن عَلِيّ الْجَهْضَمِيّ , قَالَ : أَخْبَرَنِي أَبِي , قَالَ : ثنا شُعْبَة , قَالَ : مَا لَقِيَنِي - أَيُّوب أَوْ قَالَ : مَا لَقِيت أَيُّوب - إلَّا سَأَلَنِي عَنْ حَدِيث قَيْس بْن مُسْلِم , عَنْ طَارِق بْن شِهَاب , قَالَ : قُلْت لِعَبْدِ اللَّه : امْرَأَة مِنَّا قَدْ حَجَّتْ , أَوْ هِيَ تُرِيد أَنْ تَحُجّ , أَفَتَجْعَل مَعَ حَجّهَا عُمْرَة ؟ فَقَالَ : مَا أَرَى هَؤُلَاءِ إلَّا أَشْهُر الْحَجّ . قَالَ : فَيَقُول لِي أَيُّوب وَمَنْ عِنْده : مِثْل هَذَا الْحَدِيث حَدَّثَك قَيْس بْن مُسْلِم عَنْ طَارِق بْن شِهَاب أَنَّهُ سَأَلَ عَبْد اللَّه . 2864 - حَدَّثَنِي يَعْقُوب , قَالَ : ثنا هُشَيْم , عَنْ ابْن عَوْن , قَالَ : سَمِعْت الْقَاسِم بْن مُحَمَّد يَقُول : إنَّ الْعُمْرَة فِي أَشْهُر الْحَجّ لَيْسَتْ بِتَامَّةٍ . قَالَ : فَقِيلَ لَهُ : الْعُمْرَة فِي الْمُحَرَّم ؟ فَقَالَ : كَانُوا لَا يَرَوْنَهَا تَامَّة . 2865 - حَدَّثَنَا عَبْد الْحَمِيد بْن بَيَان , قَالَ : أَخْبَرَنَا إسْحَاق بْن يُوسُف , عَنْ ابْن عَوْن , قَالَ : سَأَلْت الْقَاسِم بْن مُحَمَّد عَنْ الْعُمْرَة فِي أَشْهُر الْحَجّ , قَالَ : كَانُوا لَا يَرَوْنَهَا تَامَّة . 2866 - حَدَّثَنَا ابْن بَيَان الْوَاسِطِيّ , قَالَ : أَخْبَرَنَا إسْحَاق عَنْ عَبْد اللَّه بْن عَوْن , عَنْ ابْن سِيرِينَ أَنَّهُ كَانَ يَسْتَحِبّ الْعُمْرَة فِي الْمُحَرَّم , قَالَ : تَكُون فِي أَشْهُر الْحَجّ . قَالَ : كَانُوا لَا يَرَوْنَهَا تَامَّة . 2867 - حَدَّثَنَا ابْن بَيَان , قَالَ : ثنا إسْحَاق , عَنْ ابْن عَوْن , عَنْ مُحَمَّد بْن سِيرِينَ , قَالَ : قَالَ ابْن عُمَر لِلْحَكَمِ بْن الْأَعْرَج أَوْ غَيْره : إنْ أَطَعْتنِي انْتَظَرْت حَتَّى إذَا أَهَلَّ الْمُحَرَّم خَرَجْت إلَى ذَات عِرْق فَأَهْلَلْت مِنْهَا بِعُمْرَةٍ . 2868 - حَدَّثَنَا ابْن الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا وَهْب بْن جَرِير , قَالَ : ثنا شُعْبَة , عَنْ أَبِي يَعْقُوب , قَالَ : سَمِعْت ابْن عُمَر يَقُول : لِأَنْ أَعْتَمِر فِي عَشْر ذِي الْحِجَّة أَحَبّ إلَيَّ مَنْ أَنْ أَعْتَمِر فِي الْعِشْرِينَ . 2869 - حَدَّثَنَا ابْن بَشَّار , قَالَ : ثنا عَبْد الرَّحْمَن , قَالَ : ثنا سُفْيَان , عَنْ قَيْس بْن مُسْلِم , عَنْ طَارِق بْن شِهَاب , قَالَ : سَأَلْت ابْن مَسْعُود عَنْ امْرَأَة مِنَّا أَرَادَتْ أَنْ تَجْمَع مَعَ حَجّهَا عُمْرَة , فَقَالَ : اسْمَعْ اللَّه يَقُول : { الْحَجّ أَشْهُر مَعْلُومَات } مَا أَرَاهَا إلَّا أَشْهُر الْحَجّ . 2870 - حَدَّثَنِي أَحْمَد بْن الْمِقْدَام , قَالَ : ثنا حِزَام الْقَطْعِيّ , قَالَ : سَمِعْت مُحَمَّد بْن سِيرِينَ يَقُول : مَا أَحَد مِنْ أَهْل الْعِلْم شَكَّ أَنَّ عُمْرَة فِي غَيْر أَشْهُر الْحَجّ أَفْضَل مِنْ عُمْرَة فِي أَشْهُر الْحَجّ . وَنَظَائِر ذَلِكَ مِمَّا يَطُول بِاسْتِيعَابِ ذِكْره الْكِتَاب , مِمَّا يَدُلّ عَلَى أَنَّ مَعْنَى قَيْل مَنْ قَالَ : وَقْت الْحَجّ ثَلَاثَة أَشْهُر كَوَامِل , أَنَّهُنَّ مِنْ غَيْر شُهُور الْعُمْرَة , وَأَنَّهُنَّ شُهُور لِعَمَلِ الْحَجّ دُون عَمَل الْعُمْرَة , وَإِنْ كَانَ عَمَل الْحَجّ إنَّمَا يُعْمَل فِي بَعْضهنَّ لَا فِي جَمِيعهنَّ . وَأَمَّا الَّذِينَ قَالُوا : تَأْوِيل ذَلِكَ : شَوَّال , وَذُو الْقَعْدَة , وَعَشْر ذِي الْحِجَّة , فَإِنَّهُمْ قَالُوا : إنَّمَا قَصَدَ اللَّه جَلّ ثَنَاؤُهُ بِقَوْلِهِ : { الْحَجّ أَشْهُر مَعْلُومَات } إلَى تَعْرِيف خَلْقه مِيقَات حَجّهمْ , لَا الْخَبَر عَنْ وَقْت الْعُمْرَة . قَالُوا : فَأَمَّا الْعُمْرَة , فَإِنَّ السَّنَة كُلّهَا وَقْت لَهَا , لِتَظَاهُرِ الْأَخْبَار عَنْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ اعْتَمَرَ فِي بَعْض شُهُور الْحَجّ , ثُمَّ لَمْ يَصِحّ عَنْهُ بِخِلَافِ ذَلِكَ خَبَر . قَالُوا : فَإِذَا كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ , وَكَانَ عَمَل الْحَجّ يَنْقَضِي وَقْته بِانْقِضَاءِ الْعَاشِر مِنْ أَيَّام ذِي الْحِجَّة , عَلِمَ أَنَّ مَعْنَى قَوْله : { الْحَجّ أَشْهُر مَعْلُومَات } إنَّمَا هُوَ مِيقَات الْحَجّ شَهْرَانِ وَبَعْض الثَّالِث . وَالصَّوَاب مِنْ الْقَوْل فِي ذَلِكَ عِنْدنَا قَوْل مَنْ قَالَ : إنَّ مَعْنَى ذَلِكَ الْحَجّ شَهْرَانِ وَعَشْر مِنْ الثَّالِث ; لِأَنَّ ذَلِكَ مِنْ اللَّه خَبَر عَنْ مِيقَات الْحَجّ وَلَا عَمَل لِلْحَجِّ يُعْمَل بَعْد انْقِضَاء أَيَّام مِنَى , فَمَعْلُوم أَنَّهُ لَمْ يَعْنِ بِذَلِكَ جَمِيع الشَّهْر الثَّالِث , وَإِذَا لَمْ يَكُنْ مَعْنِيًّا بِهِ جَمِيعه صَحَّ قَوْل مَنْ قَالَ : وَعَشْر ذِي الْحِجَّة . فَإِنْ قَالَ قَائِل : فَكَيْفَ قِيلَ : { الْحَجّ أَشْهُر مَعْلُومَات } وَهُوَ شَهْرَانِ وَبَعْض الثَّالِث ؟ قِيلَ إنَّ الْعَرَب لَا تَمْتَنِع خَاصَّة فِي الْأَوْقَات مِنْ اسْتِعْمَال مِثْل ذَلِكَ , فَتَقُول لَهُ الْيَوْم يَوْمَانِ مُنْذُ لَمْ أَرَهُ . وَإِنَّمَا تَعْنِي بِذَلِكَ يَوْمًا وَبَعْض آخَر , وَكَمَا قَالَ جَلّ ثَنَاؤُهُ : { فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلَا إثْم عَلَيْهِ } 2 203 وَإِنَّمَا يَتَعَجَّل فِي يَوْم وَنِصْف . وَقَدْ يَفْعَل الْفَاعِل مِنْهُمْ الْفِعْل فِي السَّاعَة , ثُمَّ يُخْرِجهُ عَامًّا عَلَى السَّنَة وَالشَّهْر , فَيَقُول : زُرْته الْعَام وَأَتَيْته الْيَوْم , وَهُوَ لَا يُرِيد بِذَلِكَ أَنَّ فِعْله أَخَذَ مِنْ أَوَّل الْوَقْت الَّذِي ذَكَرَهُ إلَى آخِره , وَلَكِنَّهُ يَعْنِي أَنَّهُ فَعَلَهُ إذْ ذَاكَ وَفِي ذَلِكَ الْحِين , فَكَذَلِكَ الْحَجّ أَشْهُر , وَالْمُرَاد مِنْهُ الْحَجّ شَهْرَانِ وَبَعْض آخَر . فَمَعْنَى الْآيَة إذًا : مِيقَات حَجّكُمْ أَيّهَا النَّاس شَهْرَانِ وَبَعْض الثَّالِث , وَهُوَ شَوَّال وَذُو الْقَعْدَة وَعَشْر ذِي الْحِجَّة .

فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجّ } يَعْنِي بِقَوْلِهِ جَلّ ثَنَاؤُهُ : { فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجّ } فَمَنْ أَوْجَبَ الْحَجّ عَلَى نَفْسه وَأَلْزَمَهَا إيَّاهُ فِيهِنَّ , يَعْنِي فِي الْأَشْهُر الْمَعْلُومَات الَّتِي بَيَّنَهَا . وَإِيجَابه إيَّاهُ عَلَى نَفْسه الْعَزْم عَلَى عَمَل جَمِيع مَا أَوْجَبَ اللَّه عَلَى الْحَاجّ عَمَله وَتَرْك جَمِيع مَا أَمَرَهُ اللَّه بِتَرْكِهِ . وَقَدْ اخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِي الْمَعْنَى الَّذِي يَكُون بِهِ الرَّجُل فَارِضًا الْحَجّ بَعْد إجْمَاع جَمِيعهمْ , عَلَى أَنَّ مَعْنَى الْفَرْض : الْإِيجَاب وَالْإِلْزَام , فَقَالَ بَعْضهمْ : فَرْض الْحَجّ الْإِهْلَال . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 2871 - حَدَّثَنَا أَحْمَد بْن إسْحَاق , قَالَ : ثنا أَبُو أَحْمَد , قَالَ : ثنا وَرْقَاء , عَنْ عَبْد اللَّه الْمَدَنِيّ بْن دِينَار , عَنْ ابْن عُمَر قَوْله : { فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجّ } قَالَ : مَنْ أَهَلَّ بِحَجٍّ . 2872 - حَدَّثَنَا ابْن وَكِيع , قَالَ : ثنا أَبِي , وَحَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا الثَّوْرِيّ , عَنْ الْعَلَاء بْن الْمُسَيِّب , عَنْ عَطَاء , قَالَ : التَّلْبِيَة . 2873 - حَدَّثَنَا ابْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا مَهْرَان , وَحَدَّثَنَا عَلِيّ , قَالَ : ثنا زَيْد جَمِيعًا , عَنْ سُفْيَان الثَّوْرِيّ : { فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجّ } قَالَ : فَالْفَرِيضَة الْإِحْرَام , وَالْإِحْرَام : التَّلْبِيَة . 2874 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا الْحَمَّانِي , قَالَ : ثنا شَرِيك , عَنْ إبْرَاهِيم , يَعْنِي ابْن مُهَاجِر , عَنْ مُجَاهِد : { فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجّ } قَالَ : الْفَرِيضَة : التَّلْبِيَة . * حَدَّثَنَا أَحْمَد بْن حَازِم , قَالَ : ثنا وَرْقَاء عَنْ عَبْد اللَّه بْن دِينَار , عَنْ ابْن عُمَر : { فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجّ } قَالَ : أَهَلَّ . 2875 - حَدَّثَنِي أَحْمَد بْن حَازِم , قَالَ : ثنا أَبُو نَعِيم , قَالَ : ثنا شَرِيك , عَنْ مُغِيرَة , عَنْ إبْرَاهِيم , قَالَ : الْفَرْض التَّلْبِيَة , وَيَرْجِع إنْ شَاءَ مَا لَمْ يُحْرِم . * حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا مَعْمَر , عَنْ ابْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد : { فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجّ } قَالَ : الْفَرْض : الْإِهْلَال . 2876 - حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا مَعْمَر , عَنْ ابْن طَاوُس , عَنْ أَبِيهِ : { فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجّ } قَالَ : التَّلْبِيَة . 2877 - حَدَّثَنَا إبْرَاهِيم بْن عَبْد اللَّه بْن مُسْلِم , قَالَ : ثنا أَبُو عَمْرو الضَّرِير , قَالَ : أَخْبَرَنَا حَمَّاد بْن سَلَمَة , عَنْ جَبْر بْن حَبِيب , قَالَ : سَأَلْت الْقَاسِم بْن مُحَمَّد عَمَّنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجّ , قَالَ : إذَا اغْتَسَلْت وَلَبِسْت ثَوْبك وَلَبَّيْت , فَقَدْ فَرَضْت الْحَجّ . وَقَالَ آخَرُونَ : فَرْض الْحَجّ إحْرَامه . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 2878 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا أَبُو صَالِح , قَالَ : حَدَّثَنِي مُعَاوِيَة , عَنْ عَلِيّ , عَنْ ابْن عَبَّاس : { فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجّ } يَقُول : مَنْ أَحْرَمَ بِحَجٍّ أَوْ عُمْرَة . 2879 - حَدَّثَنَا ابْن بَشَّار , قَالَ : ثنا عَبْد الرَّحْمَن , وَحَدَّثَنَا أَحْمَد بْن إسْحَاق , قَالَ : ثنا أَبُو أَحْمَد , وَحَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا أَبُو نَعِيم , قَالُوا جَمِيعًا : ثنا سُفْيَان , عَنْ مُغِيرَة , عَنْ إبْرَاهِيم : { فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجّ } قَالَ : فَمَنْ أَحْرَمَ . وَاللَّفْظ لِحَدِيثِ ابْن بَشَّار . 2880 - حَدَّثَنَا أَحْمَد , قَالَ : ثنا أَبُو أَحْمَد , قَالَ : ثنا شَرِيك وَالْحَسَن بْن صَالِح , عَنْ لَيْث , عَنْ عَطَاء , قَالَ : الْفَرْض : الْإِحْرَام . 2881 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثنا هُشَيْم , قَالَ : أَخْبَرَنَا الْحَجَّاج , عَنْ عَطَاء وَبَعْض أَشْيَاخنَا عَنْ الْحَسَن فِي قَوْله : { فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجّ } قَالَا : فَرْض الْحَجّ : الْإِحْرَام . 2882 - حَدَّثَنَا بِشْر بْن مُعَاذ , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة : { فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجّ } فَهَذَا عِنْد الْإِحْرَام . * حَدَّثَنَا أَحْمَد بْن حَازِم , قَالَ : ثنا أَبُو نَعِيم , قَالَ : ثنا حُسَيْن بْن عُقَيْل , عَنْ الضَّحَّاك , عَنْ ابْن عَبَّاس : قَالَ : الْفَرْض : الْإِحْرَام . 2883 - حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا حُسَيْن بْن عُقَيْل الْخُرَاسَانِيّ , قَالَ : سَمِعْت الضَّحَّاك بْن مُزَاحِم يَقُول , فَذَكَرَ مِثْله . * حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا الثَّوْرِيّ , قَالَ : أَخْبَرَنَا الْمُغِيرَة , عَنْ إبْرَاهِيم : { فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجّ } قَالَ : مَنْ أَحْرَمَ . وَهَذَا الْقَوْل الثَّانِي يَحْتَمِل أَنْ يَكُون بِمَعْنَى مَا قُلْنَا مِنْ أَنْ يَكُون الْإِحْرَام كَانَ عِنْد قَائِله الْإِيجَاب بِالْعَزْمِ . وَيَحْتَمِل أَنْ يَكُون كَانَ عِنْده بِالْعَزْمِ وَالتَّلْبِيَة , كَمَا قَالَ الْقَائِلُونَ الْقَوْل الْأَوَّل . وَإِنَّمَا قُلْنَا : إنَّ فَرْض الْحَجّ الْإِحْرَام لِإِجْمَاعِ الْجَمِيع عَلَى ذَلِكَ . وَقُلْنَا : إنَّ الْإِحْرَام هُوَ إيجَاب الرَّجُل مَا يَلْزَم الْمُحْرِم أَنْ يُوجِبهُ عَلَى نَفْسه , عَلَى مَا وَصَفْنَا آنِفًا , لِأَنَّهُ لَا يَخْلُو الْقَوْل فِي ذَلِكَ مِنْ أَحَد أُمُور ثَلَاثَة : إمَّا أَنْ يَكُون الرَّجُل غَيْر مُحْرِم إلَّا بِالتَّلْبِيَةِ وَفَعَلَ جَمِيع مَا يَجِب عَلَى الْمُوجِب الْإِحْرَام عَلَى نَفْسه فِعْله , فَإِنْ يَكُنْ ذَلِكَ كَذَلِكَ , فَقَدْ يَجِب أَنْ لَا يَكُون مُحْرِمًا إلَّا بِالتَّجَرُّدِ لِلْإِحْرَامِ , وَأَنْ يَكُون مَنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مُتَجَرِّدًا فَغَيْر مُحْرِم . وَفِي إجْمَاع الْجَمِيع عَلَى أَنَّهُ قَدْ يَكُون مُحْرِمًا وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُتَجَرِّدًا مِنْ ثِيَابه بِإِيجَابِهِ الْإِحْرَام مَا يَدُلّ عَلَى أَنَّهُ قَدْ يَكُون مُحْرِمًا وَإِنْ لَمْ يُلَبِّ , إذْ كَانَتْ التَّلْبِيَة بَعْض مَشَاعِر الْإِحْرَام , كَمَا التَّجَرُّد لَهُ بَعْض مَشَاعِره . وَفِي إجْمَاعهمْ عَلَى أَنَّهُ قَدْ يَكُون مُحْرِمًا بِتَرْكِ بَعْض مَشَاعِر حَجّه مَا يَدُلّ عَلَى أَنَّ حُكْم غَيْره مِنْ مَشَاعِره حُكْمه . أَوْ يَكُون إذْ فَسَدَ هَذَا الْقَوْل قَدْ يَكُون مُحْرِمًا وَإِنْ لَمْ يُلَبِّ وَلَمْ يَتَجَرَّد وَلَمْ يَعْزِم الْعَزْم الَّذِي وَصَفْنَا . وَفِي إجْمَاع الْجَمِيع عَلَى أَنَّهُ لَا يَكُون مُحْرِمًا مَنْ لَمْ يَعْزِم عَلَى الْإِحْرَام وَيُوجِبهُ عَلَى نَفْسه إذَا كَانَ مِنْ أَهْل التَّكْلِيف مَا يُنْبِئ عَنْ فَسَاد هَذَا الْقَوْل , وَإِذْ فَسَدَ هَذَانِ الْوَجْهَانِ فَبَيِّنَة صِحَّة الْوَجْه الثَّالِث , وَهُوَ أَنَّ الرَّجُل قَدْ يَكُون مُحْرِمًا بِإِيجَابِهِ الْإِحْرَام بِعَزْمِهِ عَلَى سَبِيل مَا بَيَّنَّا , وَإِنْ لَمْ يَظْهَر ذَلِكَ بِالتَّجَرُّدِ وَالتَّلْبِيَة وَصَنِيع بَعْض مَا عَلَيْهِ عَمَله مِنْ مَنَاسِكه . وَإِذَا صَحَّ ذَلِكَ صَحَّ مَا قُلْنَا مِنْ أَنَّ فَرْض الْحَجّ هُوَ مَا قَرَنَ إيجَابه بِالْعَزْمِ عَلَى نَحْو مَا بَيَّنَّا قَبْل .

فَلَا رَفَثَ

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { فَلَا رَفَث } اخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِي مَعْنَى الرَّفَث فِي هَذَا الْمَوْضِع , فَقَالَ بَعْضهمْ : هُوَ الْإِفْحَاش لِلْمَرْأَةِ فِي الْكَلَام , وَذَلِكَ بِأَنْ يَقُول : إذَا حَلَلْنَا فَعَلْت بِك كَذَا وَكَذَا لَا يُكَنِّي عَنْهُ , وَمَا أَشْبَه ذَلِكَ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 2884 - حَدَّثَنَا أَحْمَد بْن حَمَّاد الدُّولَابِيّ وَيُونُس . قَالَا : ثنا سُفْيَان , عَنْ ابْن طَاوُس , عَنْ أَبِيهِ , قَالَ : سَأَلْت ابْن عَبَّاس عَنْ الرَّفَث فِي قَوْل اللَّه : { فَلَا رَفَث وَلَا فُسُوق } قَالَ : هُوَ التَّعْرِيض بِذِكْرِ الْجِمَاع , وَهِيَ الْعِرَابَة مِنْ كَلَام الْعَرَب , وَهُوَ أَدْنَى الرَّفَث . 2885 - حَدَّثَنِي يَعْقُوب , قَالَ : ثنا ابْن عُلَيَّة , عَنْ رَوْح بْن الْقَاسِم , عَنْ ابْن طَاوُس فِي قَوْله : { فَلَا رَفَث } قَالَ : الرَّفَث : الْعِرَابَة وَالتَّعْرِيض لِلنِّسَاءِ بِالْجِمَاعِ . 2886 - حَدَّثَنَا ابْن بَشَّار , قَالَ : ثنا ابْن أَبِي عَدِيّ , عَنْ عَوْن , قَالَ : ثنا زِيَاد بْن حُصَيْن , قَالَ : ثني أَبِي حُصَيْن بْن قَيْس , قَالَ : أَصْعَدْت مَعَ ابْن عَبَّاس فِي الْحَاجّ , وَكُنْت لَهُ خَلِيلًا , فَلَمَّا كَانَ بَعْدَمَا أَحْرَمْنَا قَالَ ابْن عَبَّاس , فَأَخَذَ بِذَنَبِ بَعِيره , فَجَعَلَ يَلْوِيه , وَهُوَ يَرْتَجِز وَيَقُول : وَهُنَّ يَمْشِينَ بِنَا هَمِيسَا إنْ تَصْدُق الطَّيْر نَنِكْ لَمِيسَا قال : فَقُلْت : أَتَرْفُثُ وَأَنْت مُحْرِم ؟ قَالَ : إنَّمَا الرَّفَث مَا قِيلَ عِنْد النِّسَاء . * حَدَّثَنَا ابْن بَشَّار , قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن جَعْفَر , قَالَ : ثنا شُعْبَة , عَنْ قَتَادَة , عَنْ رَجُل , عَنْ أَبِي الْعَالِيَة الرِّيَاحِيّ , عَنْ ابْن عَبَّاس أَنَّهُ كَانَ يَحْدُو وَهُوَ مُحْرِم , وَيَقُول : وَهُنَّ يَمْشِينَ بِنَا هَمِيسَا إنْ تَصْدُق الطَّيْر نَنِكْ لَمِيسَا قَالَ : قُلْت : تَتَكَلَّم بِالرَّفَثِ وَأَنْت مُحْرِم ؟ قَالَ : إنَّمَا الرَّفَث مَا قِيلَ عِنْد النِّسَاء . 2887 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْن وَهْب , قَالَ : أَخْبَرَنِي يُونُس أَنَّ نَافِعًا أَخْبَرَهُ أَنَّ عَبْد اللَّه بْن عُمَر كَانَ يَقُول : الرَّفَث : إتْيَان النِّسَاء وَالتَّكَلُّم بِذَلِكَ لِلرِّجَالِ وَالنِّسَاء إذَا ذَكَرُوا ذَلِكَ بِأَفْوَاهِهِمْ . 2888 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْن وَهْب , قَالَ : أَخْبَرَنِي أَبُو صَخْر , عَنْ مُحَمَّد بْن كَعْب الْقُرَظِيّ , مِثْله . 2889 - حَدَّثَنَا ابْن بَشَّار , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْن جُرَيْجٍ , قَالَ : قُلْت لِعَطَاءٍ : أَيَحِلُّ لِلْمُحْرِمِ أَنْ يَقُول لِامْرَأَتِهِ : إذَا حَلَلْت أَصَبْتُك ؟ قَالَ : لَا , ذَاكَ الرَّفَث . قَالَ : وَقَالَ عَطَاء : الرَّفَث مَا دُون الْجِمَاع . * حَدَّثَنَا ابْن بَشَّار , قَالَ : ثني مُحَمَّد بْن بَكْر , قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْن جُرَيْجٍ , قَالَ : قَالَ عَطَاء : الرَّفَث : الْجِمَاع وَمَا دُونه مِنْ قَوْل الْفُحْش . * حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب , قَالَ : ثنا ابْن أَبِي زَائِدَة , عَنْ ابْن جُرَيْجٍ , قَالَ : قُلْت لِعَطَاءٍ : قَوْل الرَّجُل لِامْرَأَتِهِ : إذَا حَلَلْت أَصَبْتُك , قَالَ : ذَاكَ الرَّفَث . * حَدَّثَنَا ابْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا جَرِير , عَنْ الْأَعْمَش , عَنْ زِيَادَة بْن حُصَيْن , عَنْ أَبِي الْعَالِيَة , قَالَ : كُنْت أَمْشِي مَعَ ابْن عَبَّاس وَهُوَ مُحْرِم , وَهُوَ يَرْتَجِز وَيَقُول : وَهُنَّ يَمْشِينَ بِنَا هَمِيسَا إنْ تَصْدُق الطَّيْر نَنِكْ لَمِيسَا قَالَ : قُلْت : أَتَرْفُثُ يَا ابْن عَبَّاس وَأَنْت مُحْرِم ؟ قَالَ : إنَّمَا الرَّفَث مَا رُوجِعَ بِهِ النِّسَاء . 2890 - حَدَّثَنَا عَمْرو بْن عَلِيّ , قَالَ : ثنا سُفْيَان وَيَحْيَى بْن سَعِيد , عَنْ ابْن جُرَيْجٍ , قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْن الزُّبَيْر السُّبَائِيّ وَعَطَاء , أَنَّهُ سَمِعَ طَاوُسًا قَالَ : سَمِعْت ابْن الزُّبَيْر يَقُول : لَا يَحِلّ لِلْمُحْرِمِ الْإِعْرَابَة . فَذَكَرْته لِابْنِ عَبَّاس , فَقَالَ : صَدَقَ . قُلْت لِابْنِ عَبَّاس : وَمَا الْإِعْرَاب ؟ قَالَ : التَّعْرِيض . 2891 - حَدَّثَنَا عَمْرو بْن عَلِيّ , قَالَ : حَدَّثَنَا يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْن جُرَيْجٍ , قَالَ : أَخْبَرَنِي الْحَسَن بْن مُسْلِم , عَنْ طَاوُس أَنَّهُ كَانَ يَقُول : لَا يَحِلّ لِلْمُحْرِمِ الْإِعْرَابَة . قَالَ طَاوُس : وَالْإِعْرَابَة : أَنْ يَقُول وَهُوَ مُحْرِم : إذَا حَلَلْت أَصَبْتُك . 2892 - حَدَّثَنِي أَحْمَد بْن إسْحَاق , قَالَ : ثنا أَبُو أَحْمَد , قَالَ : ثنا فِطْر , عَنْ زِيَاد بْن حُصَيْن , عَنْ أَبِي الْعَالِيَة , قَالَ : لَا يَكُون رَفَث إلَّا مَا وَاجَهْت بِهِ النِّسَاء . 2893 - حَدَّثَنَا ابْن بَشَّار , قَالَ : ثنا عَبْد الرَّحْمَن , قَالَ : ثنا سُفْيَان , عَنْ عَلْقَمَة بْن مَرْثَد , عَنْ عَطَاء قَالَ : كَانُوا يَكْرَهُونَ الْإِعْرَابَة ; يَعْنِي التَّعْرِيض بِذِكْرِ الْجِمَاع وَهُوَ مُحْرِم . * حَدَّثَنَا عَمْرو بْن عَلِيّ , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , عَنْ ابْن جُرَيْجٍ , عَنْ ابْن طَاوُس أَنَّهُ سَمِعَ أَبَاهُ أَنَّهُ كَانَ يَقُول : لَا تَحِلّ الْإِعْرَابَة , وَالْإِعْرَابَة : التَّعْرِيض . 2894 - حَدَّثَنَا عَمْرو بْن عَلِيّ , قَالَ : ثنا سُفْيَان بْن عُيَيْنَةَ , عَنْ ابْن طَاوُس , عَنْ أَبِيهِ , قَالَ : سَأَلْت ابْن عَبَّاس عَنْ قَوْل اللَّه تَعَالَى : { فَلَا رَفَث } قَالَ : الرَّفَث الَّذِي ذُكِرَ هَهُنَا لَيْسَ بِالرَّفَثِ الَّذِي ذُكِرَ فِي : { أُحِلّ لَكُمْ لَيْلَة الصِّيَام الرَّفَث إلَى نِسَائِكُمْ } 2 187 وَمِنْ الرَّفَث : التَّعْرِيض بِذِكْرِ الْجِمَاع , وَهِيَ الْإِعْرَاب بِكَلَامِ الْعَرَب . 2895 - حَدَّثَنَا عَمْرو بْن عَلِيّ , قَالَ : ثنا أَبُو مُعَاوِيَة : قَالَ : ثنا ابْن جُرَيْجٍ , عَنْ عَطَاء : أَنَّهُ كَرِهَ التَّعْرِيب لِلْمُحْرِمِ . * حَدَّثَنَا عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , عَنْ ابْن جُرَيْجٍ , قَالَ : أَخْبَرَنِي ابْن طَاوُس أَنَّ أَبَاهُ كَانَ يَقُول : الرَّفَث : الْإِعْرَابَة مِمَّا رَوَاهُ مِنْ شَأْن النِّسَاء , وَالْإِعْرَابَة : الْإِيضَاح بِالْجِمَاعِ . * حَدَّثَنَا عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , عَنْ ابْن جُرَيْجٍ , قَالَ : ثنا الْحَسَن بْن مُسْلِم أَنَّهُ سَمِعَ طَاوُسًا يَقُول : لَا يَحِلّ لِلْمُحْرِمِ الْإِعْرَابَة . 2896 - حَدَّثَنِي عَلِيّ بْن دَاوُد , قَالَ : ثنا أَبُو صَالِح , قَالَ : ثني مُعَاوِيَة , عَنْ عَلِيّ بْن أَبِي طَلْحَة , عَنْ ابْن عَبَّاس : { فَلَا رَفَث } قَالَ : الرَّفَث : غِشْيَان النِّسَاء وَالْقُبَل وَالْغَمْز , وَأَنْ يَعْرِض لَهَا بِالْفُحْشِ مِنْ الْكَلَام وَنَحْو ذَلِكَ . 2897 - حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا الثَّوْرِيّ , عَنْ مَنْصُور , عَنْ مُجَاهِد قَالَ : كَانَ ابْن عُمَر يَقُول لِلْحَادِي : لَا تُعَرِّض بِذِكْرِ النِّسَاء . 2898 - حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا مَعْمَر وَابْن جُرَيْجٍ , عَنْ ابْن طَاوُس عَنْ أَبِيهِ , عَنْ ابْن عَبَّاس , قَالَ : الرَّفَث فِي الصِّيَام : الْجِمَاع , وَالرَّفَث فِي الْحَجّ : الْإِعْرَابَة , وَكَانَ يَقُول : الدُّخُول وَالْمَسِيس : الْجِمَاع . وَقَالَ آخَرُونَ : الرَّفَث فِي هَذَا الْمَوْضِع : الْجِمَاع نَفْسه . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 2899 - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب , قَالَ : ثنا سُفْيَان بْن عُيَيْنَةَ , عَنْ خَصِيف , عَنْ مِقْسَم , قَالَ : الرَّفَث : الْجِمَاع . 2900 - حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا الثَّوْرِيّ , عَنْ خَصِيف , عَنْ مِقْسَم , عَنْ ابْن عَبَّاس , مِثْله . * حَدَّثَنَا عَبْد الْحَمِيد بْن بَيَان , قَالَ : أَخْبَرَنَا إسْحَاق , عَنْ شَرِيك , عَنْ خَصِيف , عَنْ مِقْسَم , عَنْ ابْن عَبَّاس قَالَ : الرَّفَث : إتْيَان النِّسَاء . * حَدَّثَنَا عَبْد الْحَمِيد قَالَ : أَخْبَرَنَا إسْحَاق , عَنْ شَرِيك , عَنْ أَبِي إسْحَاق , عَنْ التَّمِيمِيّ , قَالَ : سَأَلْت ابْن عَبَّاس عَنْ الرَّفَث , فَقَالَ : الْجِمَاع . * حَدَّثَنَا عَبْد الْحَمِيد , قَالَ : ثنا إسْحَاق , عَنْ سُفْيَان , عَنْ عَاصِم الْأَحْوَل , عَنْ بَكْر بْن عَبْد اللَّه , عَنْ ابْن عَبَّاس قَالَ : الرَّفَث : هُوَ الْجِمَاع , وَلَكِنَّ اللَّه كَرِيم يُكَنِّي عَمَّا شَاءَ . 2901 - حَدَّثَنَا عَبْد الْحَمِيد , قَالَ : أَخْبَرَنَا إسْحَاق , عَنْ شَرِيك , عَنْ الْأَعْمَش , عَنْ زِيَاد بْن حُصَيْن , عَنْ أَبِي الْعَالِيَة قَالَ : سَمِعْت ابْن عَبَّاس يَرْتَجِز وَهُوَ مُحْرِم , يَقُول : خَرَجْنَ يَسْرِينَ بِنَا هَمِيسَا إنْ تَصْدُق الطَّيْر نَنِكْ لَمِيسَا قَالَ شَرِيك : إلَّا أَنَّهُ لَمْ يُكَنِّ عَنْ الْجِمَاع لَمِيسَا . فَقُلْت : أَلَيْسَ هَذَا الرَّفَث ؟ قَالَ : لَا إنَّمَا الرَّفَث : إتْيَان النِّسَاء وَالْمُجَامَعَة . * حَدَّثَنَا عَبْد الْحَمِيد , قَالَ : أَخْبَرَنَا إسْحَاق , عَنْ عَوْن , عَنْ زِيَاد بْن حُصَيْن , عَنْ أَبِي الْعَالِيَة , عَنْ ابْن عَبَّاس بِنَحْوِهِ , إلَّا أَنَّ عَوْنًا صَرَّحَ بِهِ . * حَدَّثَنَا ابْن بَشَّار , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا سُفْيَان , عَنْ عَاصِم , عَنْ بَكْر , عَنْ ابْن عَبَّاس , قَالَ : الرَّفَث : الْجِمَاع . 2902 - حَدَّثَنَا عَبْد الْحَمِيد , قَالَ : ثنا إسْحَاق , عَنْ شَرِيك , عَنْ أَبِي إسْحَاق , عَنْ أَبِي الْأَحْوَص , عَنْ عَبْد اللَّه قَوْله : { فَلَا رَفَث } قَالَ : الرَّفَث : إتْيَان النِّسَاء . 2903 - حَدَّثَنَا ابْن بَشَّار , قَالَ : ثنا حَمَّاد بْن مَسْعَدَة , قَالَ : ثنا عَوْف , عَنْ الْحَسَن فِي قَوْله : { فَلَا رَفَث } قَالَ : الرَّفَث : غِشْيَان النِّسَاء . 2904 - حَدَّثَنَا ابْن بَشَّار , قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن بَكْر , قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْن جُرَيْجٍ , قَالَ : قَالَ عَمْرو بْن دِينَار : الرَّفَث : الْجِمَاع فَمَا دُونه مِنْ شَأْن النِّسَاء . * حَدَّثَنَا عَبْد الْحَمِيد , قَالَ : أَخْبَرَنَا إسْحَاق , عَنْ ابْن جُرَيْجٍ , عَنْ عَمْرو بْن دِينَار بِنَحْوِهِ . 2905 - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب , قَالَ : ثنا ابْن أَبِي زَائِدَة , عَنْ عَبْد الْمَلِك بْن أَبِي سُلَيْمَان , عَنْ عَطَاء فِي قَوْله : { فَلَا رَفَث } قَالَ : الرَّفَث : الْجِمَاع . 2906 - حَدَّثَنَا ابْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا حَكَّام , عَنْ عَمْرو , عَنْ عَبْد الْعَزِيز بْن رَفِيع , عَنْ مُجَاهِد : { فَلَا رَفَث } قَالَ : الرَّفَث : الْجِمَاع . 2907 - حَدَّثَنِي يَعْقُوب بْن إبْرَاهِيم , قَالَ : ثنا ابْن عُلَيَّة , عَنْ سَعِيد , عَنْ قَتَادَة فِي قَوْله : { فَلَا رَفَث } قَالَ : كَانَ قَتَادَة يَقُول : الرَّفَث : غِشْيَان النِّسَاء . * حَدَّثَنَا بِشْر بْن مُعَاذ , قَالَ : ثنا يَزِيد , عَنْ سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , مِثْله . * حَدَّثَنَا أَحْمَد بْن إسْحَاق , قَالَ : ثنا أَبُو أَحْمَد , قَالَ : أَخْبَرَنَا إسْرَائِيل , عَنْ أَبِي إسْحَاق , عَنْ الضَّحَّاك , عَنْ ابْن عَبَّاس , قَالَ : الرَّفَث : الْجِمَاع . * حَدَّثَنَا أَحْمَد بْن إسْحَاق , قَالَ : ثنا أَبُو أَحْمَد , قَالَ : أَخْبَرَنَا إسْرَائِيل , عَنْ الْحَسَن بْن عُبَيْد اللَّه , عَنْ أَبِي الضُّحَى , عَنْ ابْن عَبَّاس , قَالَ : الرَّفَث : الْجِمَاع . * حَدَّثَنَا أَحْمَد , ثنا أَبُو أَحْمَد , قَالَ : ثنا سُفْيَان , عَنْ لَيْث , عَنْ مُجَاهِد , قَالَ : الرَّفَث : الْجِمَاع . 2908 - حَدَّثَنَا أَحْمَد , قَالَ : ثنا أَبُو أَحْمَد , قَالَ : ثنا إسْرَائِيل , عَنْ سَالِم , عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر , قَالَ : الرَّفَث : الْمُجَامَعَة . 2909 - حَدَّثَنِي مُوسَى بْن هَارُون , قَالَ : ثنا عَمْرو بْن حَمَّاد , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ : { فَلَا رَفَث } فَلَا جِمَاع . 2910 - حُدِّثْت عَنْ عَمَّار بْن الْحَسَن , قَالَ : ثنا ابْن أَبِي جَعْفَر , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ الرَّبِيع : { فَلَا رَفَث } قَالَ : الرَّفَث : الْجِمَاع . * حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى , عَنْ ابْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد : { فَلَا رَفَث } قَالَ : جِمَاع النِّسَاء . 2911 - حَدَّثَنَا الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا إسْحَاق , قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن جَعْفَر , قَالَ : ثنا شُعْبَة , عَنْ الْمُغِيرَة , عَنْ إبْرَاهِيم فِي قَوْله : { فَلَا رَفَث } قَالَ : الرَّفَث : الْجِمَاع . * حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا الْحَجَّاج بْن الْمِنْهَال , قَالَ : ثنا حَمَّاد , عَنْ الْحَجَّاج , عَنْ عَطَاء بْن أَبِي رَبَاح , قَالَ : الرَّفَث : الْجِمَاع . 2912 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا سُوَيْد , قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْن الْمُبَارَك , عَنْ مُحَمَّد بْن إسْحَاق , عَنْ نَافِع , عَنْ ابْن عُمَر , قَالَ : الرَّفَث : الْجِمَاع . 2913 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا سُوَيْد , قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْن الْمُبَارَك , عَنْ يَحْيَى بْن بِشْر , عَنْ عِكْرِمَة قَالَ : الرَّفَث : الْجِمَاع . * حَدَّثَنَا ابْن وَكِيع , قَالَ : ثنا أَبِي , عَنْ النَّضْر بْن عَرَبِيّ , عَنْ عِكْرِمَة , قَالَ : الرَّفَث : الْجِمَاع . 2914 - حَدَّثَنَا ابْن وَكِيع , قَالَ : حَدَّثَنَا أَبِي , عَنْ حُسَيْن بْن عُقَيْل . وَحَدَّثَنِي أَحْمَد بْن حَازِم , قَالَ : ثنا أَبُو نَعِيم . وَحَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَا : أَخْبَرَنَا حُسَيْن بْن عُقَيْل , عَنْ الضَّحَّاك , قَالَ : الرَّفَث : الْجِمَاع . * حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثنا هُشَيْم , قَالَ : أَخْبَرَنَا حَجَّاج , عَنْ عَطَاء , عَنْ ابْن عَبَّاس , مِثْله . قَالَ : وَأَخْبَرَنَا عَبْد الْمَلِك , عَنْ عَطَاء , مِثْله . * حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثنا هُشَيْم , قَالَ : أَخْبَرَنَا يُونُس , عَنْ الْحَسَن , وَأَخْبَرَنَا مُغِيرَة , عَنْ إبْرَاهِيم قَالَا : مِثْل ذَلِكَ . * حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , وَأَخْبَرَنَا مُغِيرَة , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنْ ابْن جُرَيْجٍ , عَنْ مُجَاهِد , مِثْله . * حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سَعْد , قَالَ : ثني أَبِي , قَالَ : ثني عَمِّي , قَالَ : ثني أَبِي , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ ابْن عَبَّاس قَالَ : الرَّفَث : النِّكَاح . * حَدَّثَنَا أَحْمَد بْن حَازِم قَالَ : ثنا أَبُو نَعِيم , قَالَ : ثنا إسْرَائِيل , قَالَ : ثني ثُوَيْر , قَالَ : سَمِعْت ابْن عُمَر يَقُول الرَّفَث : الْجِمَاع . * حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا مَعْمَر , عَنْ ابْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , قَالَ : الرَّفَث : غِشْيَان النِّسَاء . قَالَ مَعْمَر : وَقَالَ مِثْل ذَلِكَ الزُّهْرِيّ عَنْ قَتَادَة . 2915 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْن وَهْب , قَالَ : قَالَ ابْن زَيْد : الرَّفَث : إتْيَان النِّسَاء , وَقَرَأَ : { أُحِلّ لَكُمْ لَيْلَة الصِّيَام الرَّفَث إلَى نِسَائِكُمْ } 2 187 * حَدَّثَنَا ابْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا جَرِير , عَنْ مَنْصُور , عَنْ مُجَاهِد فِي قَوْله : { فَلَا رَفَث } قَالَ : الرَّفَث : الْجِمَاع . * حَدَّثَنَا ابْن حُمَيْد , ثنا جَرِير , عَنْ مَنْصُور , عَنْ إبْرَاهِيم , مِثْله . وَالصَّوَاب مِنْ الْقَوْل فِي ذَلِكَ عِنْدِي أَنَّ اللَّه جَلّ ثَنَاؤُهُ نَهَى مَنْ فَرَضَ الْحَجّ فِي أَشْهُر الْحَجّ عَنْ الرَّفَث , فَقَالَ : { فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجّ فَلَا رَفَث } وَالرَّفَث فِي كَلَام الْعَرَب : أَصْله الْإِفْحَاش فِي الْمَنْطِق عَلَى مَا قَدْ بَيَّنَّا فِيمَا مَضَى , ثُمَّ تَسْتَعْمِلهُ فِي الْكِنَايَة عَنْ الْجِمَاع . فَإِذْ كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ , وَكَانَ أَهْل الْعِلْم مُخْتَلِفِينَ فِي تَأْوِيله , وَفِي هَذَا النَّهْي مِنْ اللَّه عَنْ بَعْض مَعَانِي الرَّفَث أَمْ عَنْ جَمِيع مَعَانِيه , وَجَبَ أَنْ يَكُون عَلَى جَمِيع مَعَانِيه , إذْ لَمْ يَأْتِ خَبَر بِخُصُوصِ الرَّفَث الَّذِي هُوَ بِالْمَنْطِقِ عِنْد النِّسَاء مِنْ سَائِر مَعَانِي الرَّفَث يَجِب التَّسْلِيم لَهُ , إذْ كَانَ غَيْر جَائِز نَقْل حُكْم ظَاهِر آيَة إلَى تَأْوِيل بَاطِن إلَّا بِحُجَّةٍ ثَابِتَة . فَإِنْ قَالَ قَائِل : إنَّ حُكْمهَا مِنْ عُمُوم ظَاهِرهَا إلَى الْبَاطِن مِنْ تَأْوِيلهَا مَنْقُول بِإِجْمَاعٍ , وَذَلِكَ أَنَّ الْجَمِيع لَا خِلَاف بَيْنهمْ فِي أَنَّ الرَّفَث عِنْد غَيْر النِّسَاء غَيْر مَحْظُور عَلَى مُحْرِم , فَكَانَ مَعْلُومًا بِذَلِكَ أَنَّ الْآيَة مَعْنِيّ بِهَا بَعْض الرَّفَث دُون بَعْض . وَإِذَا كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ , وَجَبَ أَنْ لَا يُحَرَّم مِنْ مَعَانِي الرَّفَث عَلَى الْمُحْرِم شَيْء إلَّا مَا أُجْمِعَ عَلَى تَحْرِيمه عَلَيْهِ , أَوْ قَامَتْ بِتَحْرِيمِهِ حُجَّة يَجِب التَّسْلِيم لَهَا . قِيلَ : إنَّ مَا خَصَّ مِنْ الْآيَة فَأُبِيحَ خَارِج مِنْ التَّحْرِيم , وَالْحَظْر ثَابِت لِجَمِيعِ مَا لَمْ تَخْصُصْهُ الْحُجَّة مِنْ مَعْنَى الرَّفَث بِالْآيَةِ , كَاَلَّذِي كَانَ عَلَيْهِ حُكْمه لَوْ لَمْ يَخُصّ مِنْهُ شَيْء , لِأَنَّ مَا خُصَّ مِنْ ذَلِكَ وَأُخْرِجَ مِنْ عُمُومه إنَّمَا لَزِمَنَا إخْرَاج حُكْمه مِنْ الْحَظْر بِأَمْرِ مَنْ لَا يَجُوز خِلَاف أَمْره , فَكَانَ حُكْم مَا شَمِلَهُ مَعْنَى الْآيَة بَعْد الَّذِي خُصَّ مِنْهَا عَلَى الْحُكْم الَّذِي كَانَ يَلْزَم الْعِبَاد فَرْضه بِهَا لَوْ لَمْ يَخْصُصْ مِنْهَا شَيْء ; لِأَنَّ الْعِلَّة فِيمَا لَمْ يَخْصُصْ مِنْهَا بَعْد الَّذِي خُصَّ مِنْهَا نَظِير الْعِلَّة فِيهِ قَبْل أَنْ يُخَصّ مِنْهَا شَيْء .

وَلَا فُسُوقَ

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَلَا فُسُوق } اخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِي مَعْنَى الْفُسُوق الَّتِي نَهَى اللَّه عَنْهَا فِي هَذَا الْمَوْضِع , فَقَالَ بَعْضهمْ : هِيَ الْمَعَاصِي كُلّهَا . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 2916 - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب , قَالَ : ثنا سُفْيَان بْن عُيَيْنَةَ , عَنْ خَصِيف , عَنْ مِقْسَم , عَنْ ابْن عَبَّاس , قَالَ الْفُسُوق : الْمَعَاصِي . 2917 - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب , قَالَ : ثنا ابْن أَبِي زَائِدَة , عَنْ عَبْد الْمَلِك بْن أَبِي سُلَيْمَان , عَنْ عَطَاء : { وَلَا فُسُوق } قَالَ : الْفُسُوق : الْمَعَاصِي . 2918 - حَدَّثَنَا ابْن بَشَّار , قَالَ : ثني مُحَمَّد بْن بَكْر , قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْن جُرَيْجٍ , قَالَ : قَالَ عَطَاء : الْفُسُوق : الْمَعَاصِي كُلّهَا , قَالَ اللَّه تَعَالَى : { وَإِنْ تَفْعَلُوا فَإِنَّهُ فُسُوق بِكُمْ } 2 282 * حَدَّثَنَا عَبْد الْحَمِيد بْن بَيَان , قَالَ : ثنا إسْحَاق , عَنْ ابْن جُرَيْجٍ , عَنْ عَطَاء , مِثْله . 2919 - حَدَّثَنَا ابْن بَشَّار , قَالَ : ثنا حَمَّاد بْن مَسْعَدَة , قَالَ : ثنا عَوْف , عَنْ الْحَسَن فِي قَوْله : { وَلَا فُسُوق } قَالَ : الْفُسُوق : الْمَعَاصِي . 2920 - حَدَّثَنَا عَبْد الْحَمِيد بْن بَيَان , قَالَ : ثنا إسْحَاق , عَنْ ابْن جُرَيْجٍ , عَنْ ابْن طَاوُس , عَنْ أَبِيهِ , قَالَ : الْفُسُوق : الْمَعْصِيَة . 2921 - حَدَّثَنَا عَبْد الْحَمِيد , قَالَ : ثنا إسْحَاق , عَنْ أَبِي بِشْر , عَنْ ابْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , قَالَ : الْفُسُوق : الْمَعَاصِي كُلّهَا . * حَدَّثَنِي يَعْقُوب قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْن عُيَيْنَةَ , عَنْ رَوْح بْن الْقَاسِم , عَنْ ابْن طَاوُس , عَنْ أَبِيهِ فِي قَوْله : { وَلَا فُسُوق } قَالَ : الْفُسُوق : الْمَعَاصِي . 2922 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْن وَهْب , قَالَ : أَخْبَرَنِي أَبُو صَخْر , عَنْ مُحَمَّد بْن كَعْب الْقُرَظِيّ فِي قَوْله : { وَلَا فُسُوق } قَالَ : الْفُسُوق : الْمَعَاصِي . 2923 - حَدَّثَنِي يَعْقُوب , قَالَ : ثنا ابْن عُلَيَّة , وَحَدَّثَنَا بِشْر بْن مُعَاذ , قَالَ : ثنا يَزِيد جَمِيعًا , عَنْ سَعِيد بْن أَبِي عَرُوبَة , عَنْ قَتَادَة : { وَلَا فُسُوق } قَالَ : الْفُسُوق : الْمَعَاصِي . * حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى , عَنْ ابْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد : { وَلَا فُسُوق } قَالَ : الْمَعَاصِي . * حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا أَبُو حُذَيْفَة , ثنا شِبْل , عَنْ ابْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , مِثْله . 2924 - حَدَّثَنَا أَحْمَد بْن إسْحَاق , قَالَ : حَدَّثَنَا أَبُو أَحْمَد , قَالَ : ثنا إسْرَائِيل , عَنْ سَالِم , عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر , قَالَ : الْفُسُوق : الْمَعَاصِي . قَالَ : وَقَالَ مُجَاهِد مِثْل قَوْل سَعِيد . * حَدَّثَنَا أَحْمَد , قَالَ : ثنا أَبُو أَحْمَد , قَالَ : ثنا سُفْيَان , عَنْ لَيْث , عَنْ مُجَاهِد , قَالَ : الْفُسُوق : الْمَعَاصِي . * حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سَعْد , قَالَ : ثني أَبِي , قَالَ : ثني عَمِّي , قَالَ : ثني أَبِي , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ ابْن عَبَّاس قَوْله : { وَلَا فُسُوق } قَالَ : الْفُسُوق : عِصْيَان اللَّه . 2925 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن جَعْفَر , قَالَ : ثنا شُعْبَة , عَنْ الْمُغِيرَة , عَنْ إبْرَاهِيم فِي قَوْله : { وَلَا فُسُوق } قَالَ : الْفُسُوق : الْمَعَاصِي . * حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا الْحَجَّاج بْن الْمِنْهَال , قَالَ : ثنا حَمَّاد , عَنْ الْحَجَّاج , عَنْ عَطَاء بْن أَبِي رَبَاح , قَالَ : الْفُسُوق : الْمَعَاصِي . * حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا إسْحَاق , قَالَ : ثنا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا مَعْمَر , عَنْ الزُّهْرِيّ وَقَتَادَة وَابْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , مِثْله . * حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثنا هُشَيْم , قَالَ : أَخْبَرَنَا الْحَجَّاج , عَنْ عَطَاء , عَنْ ابْن عَبَّاس : { وَلَا فُسُوق } قَالَ : الْمَعَاصِي . قَالَ : وَأَخْبَرَنَا عَبْد الْمَلِك , عَنْ عَطَاء , مِثْله . * حُدِّثْت عَنْ عَمَّار , قَالَ : ثنا ابْن أَبِي جَعْفَر , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ الرَّبِيع , مِثْله . 2926 - حَدَّثَنَا ابْن وَكِيع , قَالَ : ثنا أَبِي , عَنْ النَّضْر بْن عَرَبِيّ , عَنْ عِكْرِمَة , مِثْله . 2927 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا سُوَيْد بْن نَصْر , قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْن الْمُبَارَك , عَنْ يَحْيَى بْن بِشْر , عَنْ عِكْرِمَة قَالَ : الْفُسُوق : مَعْصِيَة اللَّه , لَا صَغِير مِنْ مَعْصِيَة اللَّه . * حَدَّثَنِي عَلِيّ بْن دَاوُد , قَالَ : ثنا عَبْد اللَّه بْن صَالِح , قَالَ : ثنا مُعَاوِيَة , عَنْ عَلِيّ , عَنْ ابْن عَبَّاس : { وَلَا فُسُوق } قَالَ : الْفُسُوق : مَعَاصِي اللَّه كُلّهَا . * حَدَّثَنِي الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا مَعْمَر , عَنْ ابْن طَاوُس , عَنْ أَبِيهِ , وَعَنْ ابْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , قَالَ : الْفُسُوق : الْمَعَاصِي . وَقَالَ مِثْل ذَلِكَ الزُّهْرِيّ وَقَتَادَة . وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ الْفُسُوق فِي هَذَا الْمَوْضِع مَا عُصِيَ اللَّه بِهِ فِي الْإِحْرَام مِمَّا نَهَى عَنْهُ فِيهِ مِنْ قَتْل صَيْد وَأَخْذ شَعْر وَقَلْم ظُفْر , وَمَا أَشْبَه ذَلِكَ مِمَّا خَصَّ اللَّه بِهِ الْإِحْرَام وَأَمَرَ بِالتَّجَنُّبِ مِنْهُ فِي خِلَال الْإِحْرَام . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 2928 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْن وَهْب , قَالَ : أَخْبَرَنِي يُونُس أَنَّ نَافِعًا أَخْبَرَهُ أَنَّ عَبْد اللَّه بْن عُمَر كَانَ يَقُول : الْفُسُوق : إتْيَان مَعَاصِي اللَّه فِي الْحَرَم . * حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا سُوَيْد , قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْن الْمُبَارَك , عَنْ مُحَمَّد بْن إسْحَاق , عَنْ نَافِع , عَنْ ابْن عُمَر , قَالَ : الْفُسُوق : مَا أُصِيب مِنْ مَعَاصِي اللَّه بِهِ , صَيْد أَوْ غَيْره . وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ الْفُسُوق فِي هَذَا الْمَوْضِع : السِّبَاب . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 2929 - حَدَّثَنَا عَبْد الْحَمِيد بْن بَيَان , قَالَ : أَخْبَرَنَا إسْحَاق , عَنْ شَرِيك , عَنْ إبْرَاهِيم بْن مُهَاجِر , عَنْ مُجَاهِد , عَنْ ابْن عُمَر , قَالَ : الْفُسُوق : السِّبَاب . 2930 - حَدَّثَنَا أَحْمَد بْن إسْحَاق , قَالَ : ثنا أَبُو أَحْمَد , قَالَ : ثنا إسْرَائِيل , عَنْ أَبِي إسْحَاق , عَنْ الضَّحَّاك , عَنْ ابْن عَبَّاس , قَالَ : الْفُسُوق : السِّبَاب . * حَدَّثَنِي أَحْمَد بْن حَازِم الْغِفَارِيّ , قَالَ : ثنا أَبُو نَعِيم , قَالَ : ثنا إسْرَائِيل , قَالَ : ثنا ثُوَيْر , قَالَ : سَمِعْت ابْن عُمَر يَقُول : الْفُسُوق : السِّبَاب . 2931 - حَدَّثَنَا ابْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا حَكَّام عَنْ عَمْرو , عَنْ عَبْد الْعَزِيز بْن رَفِيع , عَنْ مُجَاهِد : { وَلَا فُسُوق } قَالَ : الْفُسُوق : السِّبَاب . 2932 - حَدَّثَنَا مُوسَى , قَالَ : ثنا عَمْرو , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ فِي قَوْله : { وَلَا فُسُوق } قَالَ : أَمَّا الْفُسُوق : فَهُوَ السِّبَاب . 2933 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا الْمُعَلَّى بْن أَسَد , قَالَ : ثنا خَالِد , عَنْ الْمُغِيرَة , عَنْ إبْرَاهِيم , قَالَ : الْفُسُوق : السِّبَاب . 2934 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا مُعَلَّى , قَالَ : ثنا عَبْد الْعَزِيز , عَنْ مُوسَى بْن عُقْبَة , قَالَ : سَمِعْت عَطَاء بْن يَسَار يُحَدِّث نَحْوه . 2935 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثني الْحُسَيْن , قَالَ : ثنا هُشَيْم , قَالَ : أَخْبَرَنَا يُونُس , عَنْ الْحَسَن , قَالَ : وَأَخْبَرَنَا مُغِيرَة , عَنْ إبْرَاهِيم قَالَا : الْفُسُوق : السِّبَاب . * حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا الثَّوْرِيّ , عَنْ خَصِيف , عَنْ مِقْسَم , عَنْ ابْن عَبَّاس , قَالَ : الْفُسُوق : السِّبَاب . * حَدَّثَنَا ابْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا جَرِير , عَنْ مَنْصُور , عَنْ مُجَاهِد فِي قَوْله : { وَلَا فُسُوق } قَالَ : الْفُسُوق : السِّبَاب . * حَدَّثَنَا ابْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا جَرِير , عَنْ مَنْصُور عَنْ إبْرَاهِيم , مِثْله . وَقَالَ آخَرُونَ : الْفُسُوق : الذَّبْح لِلْأَصْنَامِ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 2936 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْن وَهْب , قَالَ : قَالَ ابْن زَيْد فِي الْفُسُوق : الذَّبْح لِلْأَنْصَابِ , وَقَرَأَ : { أَوْ فِسْقًا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّه بِهِ } 6 145 فَقَطَعَ ذَلِكَ أَيْضًا قَطْع الذَّبْح لِلْأَنْصَابِ بِالنَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِين حَجّ فَعَلَّمَ أُمَّته الْمَنَاسِك . وَقَالَ آخَرُونَ : الْفُسُوق : التَّنَابُز بِالْأَلْقَابِ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 2937 - حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا حُسَيْن بْن عُقَيْل , قَالَ : سَمِعْت الضَّحَّاك بْن مُزَاحِم يَقُول , فَذَكَرَ مِثْله . وَأَوْلَى الْأَقْوَال الَّتِي ذَكَرْنَا بِتَأْوِيلِ الْآيَة فِي ذَلِكَ , قَوْل مَنْ قَالَ : مَعْنَى قَوْله : { وَلَا فُسُوق } النَّهْي عَنْ مَعْصِيَة اللَّه فِي إصَابَة الصَّيْد وَفِعْل مَا نَهَى اللَّه الْمُحْرِم عَنْ فِعْله فِي حَال إحْرَامه وَذَلِكَ أَنَّ اللَّه جَلّ ثَنَاؤُهُ قَالَ : { فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجّ فَلَا رَفَث وَلَا فُسُوق } يَعْنِي بِذَلِكَ فَلَا يَرْفُث , وَلَا يَفْسُق : أَيْ لَا يَفْعَل مَا نَهَاهُ اللَّه عَنْ فِعْله فِي حَال إحْرَامه , وَلَا يَخْرُج عَنْ طَاعَة اللَّه فِي إحْرَامه . وَقَدْ عَلِمْنَا أَنَّ اللَّه جَلّ ثَنَاؤُهُ قَدْ حَرَّمَ مَعَاصِيه عَلَى كُلّ أَحَد , مُحْرِمًا كَانَ أَوْ غَيْر مُحْرِم , وَكَذَلِكَ حَرَّمَ التَّنَابُز بِالْأَلْقَابِ فِي حَال الْإِحْرَام وَغَيْرهَا بِقَوْلِهِ : { وَلَا تَلْمِزُوا أَنْفُسكُمْ وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ } 49 11 وَحَرَّمَ عَلَى الْمُسْلِم سِبَاب أَخِيهِ فِي كُلّ حَال فَرَضَ الْحَجّ أَوْ لَمْ يَفْرِضهُ . فَإِذْ كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ , فَلَا شَكَّ أَنَّ الَّذِي نَهَى اللَّه عَنْهُ الْعَبْد مِنْ الْفُسُوق فِي حَال إحْرَامه وَفَرْضه الْحَجّ هُوَ مَا لَمْ يَكُنْ فُسُوقًا فِي حَال إحْلَاله وَقَبْل إحْرَامه بِحَجِّهِ ; كَمَا أَنَّ الرَّفَث الَّذِي نَهَاهُ عَنْهُ فِي حَال فَرْضه الْحَجّ , هُوَ الَّذِي كَانَ لَهُ مُطْلَقًا قَبْل إحْرَامه ; لِأَنَّهُ لَا مَعْنَى لِأَنْ يُقَال فِيمَا قَدْ حَرَّمَ اللَّه عَلَى خَلْقه فِي كُلّ الْأَحْوَال : لَا يَفْعَلَن أَحَدكُمْ فِي حَال الْإِحْرَام مَا هُوَ حَرَام عَلَيْهِ فِعْله فِي كُلّ حَال , لِأَنَّ خُصُوص حَال الْإِحْرَام بِهِ لَا وَجْه لَهُ وَقَدْ عَمّ بِهِ جَمِيع الْأَحْوَال مِنْ الْإِحْلَال وَالْإِحْرَام . فَإِذْ كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ , فَمَعْلُوم أَنَّ الَّذِي نَهَى عَنْهُ الْمُحْرِم مِنْ الْفُسُوق فَخَصَّ بِهِ حَال إحْرَامه , وَقِيلَ لَهُ : " إذَا فَرَضْت الْحَجّ فَلَا تَفْعَلهُ " , هُوَ الَّذِي كَانَ لَهُ مُطْلَقًا قَبْل حَال فَرْضه الْحَجّ , وَذَلِكَ هُوَ مَا وَصَفْنَا وَذَكَرْنَا أَنَّ اللَّه جَلّ ثَنَاؤُهُ خَصَّ بِالنَّهْيِ عَنْهُ الْمُحْرِم فِي حَال إحْرَامه مِمَّا نَهَاهُ عَنْهُ مِنْ الطِّيب وَاللِّبَاس وَالْحَلْق وَقَصّ الْأَظْفَار وَقَتْل الصَّيْد , وَسَائِر مَا خَصَّ اللَّه بِالنَّهْيِ عَنْهُ الْمُحْرِم فِي حَال إحْرَامه . فَتَأْوِيل الْآيَة إذًا : فَمَنْ فَرَضَ الْحَجّ فِي أَشْهُر الْحَجّ فَأَحْرَمَ فِيهِنَّ , فَلَا يَرْفُث عِنْد النِّسَاء فَيُصَرِّح لَهُنَّ بِجِمَاعِهِنَّ , وَلَا يُجَامِعهُنَّ , وَلَا يَفْسُق بِإِتْيَانِ مَا نَهَاهُ اللَّه فِي حَال إحْرَامه بِحَجِّهِ , مِنْ قَتْل صَيْد , وَأَخْذ شَعْر , وَقَلْم ظُفْر , وَغَيْر ذَلِكَ مِمَّا حَرَّمَ اللَّه عَلَيْهِ فِعْله وَهُوَ مُحْرِم .

وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَلَا جِدَال فِي الْحَجّ } اخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِي ذَلِكَ , فَقَالَ بَعْضهمْ : مَعْنَى ذَلِكَ : النَّهْي عَنْ أَنْ يُجَادِل الْمُحْرِم أَحَدًا . ثُمَّ اخْتَلَفَ قَائِلُو هَذَا الْقَوْل , فَقَالَ بَعْضهمْ : نَهَى عَنْ أَنْ يُجَادِل صَاحِبه حَتَّى يُغْضِبهُ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 2938 - حَدَّثَنَا عَبْد الْحَمِيد بْن بَيَان , قَالَ : أَخْبَرَنَا إسْحَاق , عَنْ شَرِيك , عَنْ أَبِي إسْحَاق , عَنْ أَبِي الْأَحْوَص , عَنْ عَبْد اللَّه : { وَلَا جِدَال فِي الْحَجّ } قَالَ : أَنْ تُمَارِي صَاحِبك حَتَّى تُغْضِبهُ . 2939 - حَدَّثَنَا عَبْد الْحَمِيد , قَالَ : ثنا إسْحَاق , عَنْ شَرِيك , عَنْ أَبِي إسْحَاق , عَنْ التَّمِيمِيّ , قَالَ : سَأَلْت ابْن عَبَّاس عَنْ الْجِدَال , فَقَالَ : أَنْ تُمَارِي صَاحِبك حَتَّى تُغْضِبهُ . * حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب , قَالَ : ثنا ابْن عُيَيْنَةَ , عَنْ خَصِيف , عَنْ مِقْسَم , عَنْ ابْن عَبَّاس , قَالَ : الْجِدَال أَنْ تُمَارِي صَاحِبك حَتَّى تُغْضِبهُ . 2940 - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب , قَالَ : ثنا ابْن أَبِي زَائِدَة , عَنْ عَبْد الْمَلِك بْن أَبِي سُلَيْمَان , عَنْ عَطَاء , قَالَ : الْجِدَال : أَنْ يُمَارِي الرَّجُل أَخَاهُ حَتَّى يُغْضِبهُ . 2941 - حَدَّثَنَا ابْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا حَكَّام , عَنْ عَنْبَسَة , عَنْ سَالِم الْأَفْطَس , عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر : { وَلَا جِدَال فِي الْحَجّ } قَالَ : أَنْ تَمْحَن صَاحِبك حَتَّى تُغْضِبهُ . 2942 - حَدَّثَنَا ابْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا هَارُون , عَنْ عَمْرو , عَنْ شُعَيْب بْن خَالِد , عَنْ سَلَمَة بْن كُهَيْل , قَالَ : سَأَلْت مُجَاهِدًا عَنْ قَوْله : { وَلَا جِدَال فِي الْحَجّ } قَالَ : أَنْ تُمَارِي صَاحِبك حَتَّى تُغْضِبهُ . 2943 - حَدَّثَنَا عَبْد الْحَمِيد بْن بَيَان , قَالَ : ثنا إسْحَاق , عَنْ ابْن جُرَيْجٍ , عَنْ عَمْرو بْن دِينَار , قَالَ : الْجِدَال : هُوَ أَنْ تُمَارِي صَاحِبك حَتَّى تُغْضِبهُ . 2944 - حَدَّثَنَا ابْن بَشَّار , قَالَ : ثنا حَمَّاد بْن مَسْعَدَة , قَالَ : ثنا عَوْف , عَنْ الْحَسَن , قَالَ : الْجِدَال : الْمِرَاء . * حَدَّثَنَا أَحْمَد بْن إسْحَاق , قَالَ : ثنا أَبُو أَحْمَد , قَالَ : ثنا إسْرَائِيل , عَنْ أَبِي إسْحَاق , عَنْ الضَّحَّاك , عَنْ ابْن عَبَّاس , قَالَ : الْجِدَال : أَنْ تُجَادِل صَاحِبك حَتَّى تُغْضِبهُ . 2945 - حَدَّثَنَا أَحْمَد بْن إسْحَاق , قَالَ : ثنا أَبُو أَحْمَد , قَالَ : ثنا إسْرَائِيل , عَنْ سَالِم , عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر , قَالَ : الْجِدَال : أَنْ تَصْخَب عَلَى صَاحِبك . * حَدَّثَنَا أَحْمَد , قَالَ : ثنا أَبُو أَحْمَد , عَنْ سُفْيَان , عَنْ مَنْصُور , عَنْ مُجَاهِد : { وَلَا جِدَال فِي الْحَجّ } قَالَ : الْمِرَاء . 2946 - حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , وَحَدَّثَنِي أَحْمَد بْن حَازِم , قَالَ : ثنا أَبُو نَعِيم , قَالَا : ثنا حُسَيْن بْن عُقَيْل , عَنْ الضَّحَّاك , قَالَ : الْجِدَال : أَنْ تُمَارِي صَاحِبك حَتَّى تُغْضِبهُ . 2947 - حَدَّثَنَا أَحْمَد بْن حَازِم , قَالَ : ثنا أَبُو نَعِيم , قَالَ : ثنا وَاقِد الْخَلْقَانِيّ , عَنْ عَطَاء , قَالَ : أَمَّا الْجِدَال : فَتُمَارِي صَاحِبك حَتَّى تُغْضِبهُ . 2948 - حَدَّثَنَا عَنْ عَمَّار , قَالَ : ثنا ابْن أَبِي جَعْفَر , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ الرَّبِيع , قَالَ : الْجِدَال : الْمِرَاء , أَنْ تُمَارِي صَاحِبك حَتَّى تُغْضِبهُ . 2949 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا الْمُعَلَّى بْن أَسَد , قَالَ : ثنا خَالِد , عَنْ الْمُغِيرَة , عَنْ إبْرَاهِيم قَالَ : الْجِدَال : الْمِرَاء . * حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا الْمُعَلَّى , قَالَ : ثنا عَبْد الْعَزِيز , عَنْ مُوسَى بْن عُقْبَة , قَالَ : سَمِعْت عَطَاء بْن يَسَار يُحَدِّث نَحْوه . * حَدَّثَنِي ابْن الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن أَبِي جَعْفَر , قَالَ : ثنا شُعْبَة , عَنْ الْمُغِيرَة , عَنْ إبْرَاهِيم بِمِثْلِهِ . * حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : حَدَّثَنَا الْحَجَّاج بْن الْمِنْهَال , قَالَ : ثنا حَمَّاد , عَنْ الْحَجَّاج , عَنْ عَطَاء بْن أَبِي رَبَاح , قَالَ : الْجِدَال : أَنْ يُمَارِي بَعْضهمْ بَعْضًا حَتَّى يَغْضَبُوا . 2950 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا سُوَيْد , قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْن الْمُبَارَك , عَنْ يَحْيَى بْن بِشْر , عَنْ عِكْرِمَة : { وَلَا جِدَال فِي الْحَجّ } الْجِدَال : الْغَضَب , أَنْ تُغْضِب عَلَيْك مُسْلِمًا , إلَّا أَنْ تَسْتَعْتِب مَمْلُوكًا فَتَعِظهُ مِنْ غَيْر أَنْ تُغْضِبهُ , وَلَا أَمْر عَلَيْك إنْ شَاءَ اللَّه تَعَالَى فِي ذَلِكَ . 2951 - حَدَّثَنَا ابْن وَكِيع , قَالَ : ثني أَبِي , عَنْ النَّضْر بْن عَرَبِيّ , عَنْ عِكْرِمَة , قَالَ : الْجِدَال : أَنْ تُمَارِي صَاحِبك حَتَّى يُغْضِبك أَوْ تُغْضِبهُ . 2952 - حَدَّثَنَا الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا إسْحَاق , قَالَ : ثنا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا مَعْمَر , عَنْ الزُّهْرِيّ وَقَتَادَة قَالَا : الْجِدَال : هُوَ الصَّخَب وَالْمِرَاء وَأَنْت مُحْرِم . * حَدَّثَنَا ابْن بَشَّار , قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن بَكْر , قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْن جُرَيْجٍ , قَالَ : قَالَ عَطَاء : الْجِدَال : مَا أَغْضَب صَاحِبك مِنْ الْجَدَل . * حَدَّثَنِي عَلِيّ , قَالَ : ثنا عَبْد اللَّه , قَالَ : ثني مُعَاوِيَة , عَنْ عَلِيّ , عَنْ ابْن عَبَّاس : { وَلَا جِدَال فِي الْحَجّ } قَالَ : الْجِدَال : الْمِرَاء وَالْمُلَاحَاة حَتَّى تُغْضِب أَخَاك وَصَاحِبك , فَنَهَى اللَّه عَنْ ذَلِكَ . * حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا الثَّوْرِيّ , عَنْ خَصِيف , عَنْ مِقْسَم عَنْ ابْن عَبَّاس , قَالَ : الْجِدَال : أَنْ تُمَارِي صَاحِبك حَتَّى تُغْضِبهُ . * حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : ثنا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا الثَّوْرِيّ , عَنْ مَنْصُور , عَنْ إبْرَاهِيم , قَالَ : الْجِدَال : الْمِرَاء . * حَدَّثَنَا الْحَسَن , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا مَعْمَر , عَنْ الزُّهْرِيّ وَقَتَادَة قَالَا : هُوَ الصَّخَب وَالْمِرَاء وَأَنْت مُحْرِم . * حَدَّثَنَا ابْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا جَرِير , عَنْ مَنْصُور , عَنْ إبْرَاهِيم : { وَلَا جِدَال فِي الْحَجّ } كَانُوا يَكْرَهُونَ الْجِدَال . وَقَالَ آخَرُونَ مِنْهُمْ : الْجِدَال فِي هَذَا الْمَوْضِع مَعْنَاهُ : السِّبَاب . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 2953 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْن وَهْب , قَالَ : أَخْبَرَنِي يُونُس أَنَّ نَافِعًا أَخْبَرَهُ أَنَّ عَبْد اللَّه بْن عُمَر كَانَ يَقُول : الْجِدَال فِي الْحَجّ : السِّبَاب وَالْمِرَاء وَالْخُصُومَات . * حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا سُوَيْد , قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْن الْمُبَارَك , عَنْ مُحَمَّد بْن إسْحَاق , عَنْ نَافِع , عَنْ ابْن عُمَر , قَالَ : الْجِدَال : السِّبَاب وَالْمُنَازَعَة . 2954 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سَعْد , قَالَ : ثني أَبِي , قَالَ : ثني عَمِّي , قَالَ : ثني أَبِي , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ ابْن عَبَّاس قَالَ : الْجِدَال : السِّبَاب . 2955 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , وَحَدَّثَنِي يَعْقُوب , قَالَ : ثنا ابْن عُلَيَّة جَمِيعًا , عَنْ سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَالَ : الْجِدَال : السِّبَاب . وَقَالَ آخَرُونَ مِنْهُمْ : بَلْ عَنَى بِذَلِكَ خَاصًّا مِنْ الْجِدَال وَالْمِرَاء , وَإِنَّمَا عَنَى الِاخْتِلَاف فِيمَنْ هُوَ أَتَمّ حَجًّا مِنْ الْحُجَّاج . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 2956 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْن وَهْب , قَالَ : أَخْبَرَنِي أَبُو صَخْر , عَنْ مُحَمَّد بْن كَعْب الْقُرَظِيّ , قَالَ : الْجِدَال : كَانَتْ قُرَيْش إذَا اجْتَمَعَتْ بِمِنَى قَالَ هَؤُلَاءِ : حَجّنَا أَتَمّ مِنْ حَجّكُمْ , وَقَالَ هَؤُلَاءِ : حَجّنَا أَتَمّ مِنْ حَجّكُمْ . وَقَالَ آخَرُونَ مِنْهُمْ : بَلْ ذَلِكَ اخْتِلَاف كَانَ يَكُون بَيْنهمْ فِي الْيَوْم الَّذِي فِيهِ الْحَجّ , فَنُهُوا عَنْ ذَلِكَ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 2957 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا الْحَجَّاج , قَالَ : ثنا حَمَّاد , عَنْ جُبَيْر بْن حَبِيب , عَنْ الْقَاسِم بْن مُحَمَّد أَنَّهُ قَالَ : الْجِدَال فِي الْحَجّ أَنْ يَقُول بَعْضهمْ : الْحَجّ الْيَوْم , وَيَقُول بَعْضهمْ : الْحَجّ غَدًا . وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ اخْتِلَافهمْ ذَلِكَ فِي أَمْر مَوَاقِف الْحَجّ أَيّهمْ الْمُصِيب مَوْقِف إبْرَاهِيم . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 2958 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْن وَهْب , قَالَ : قَالَ ابْن زَيْد فِي قَوْله : { وَلَا جِدَال فِي الْحَجّ } قَالَ : كَانُوا يَقِفُونَ مَوَاقِف مُخْتَلِفَة يَتَجَادَلُونَ , كُلّهمْ يَدَّعِي أَنَّ مَوْقِفه مَوْقِف إبْرَاهِيم . فَقَطَعَهُ اللَّه حِين أَعْلَم نَبِيّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَنَاسِكِهِمْ . وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ قَوْله جَلّ ثَنَاؤُهُ : { وَلَا جِدَال فِي الْحَجّ } خَبَر مِنْ اللَّه تَعَالَى عَنْ اسْتِقَامَة وَقْت الْحَجّ عَلَى مِيقَات وَاحِد لَا يَتَقَدَّمهُ وَلَا يَتَأَخَّرهُ , وَبِطُولِ فِعْل النَّسِيء . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 2959 - حَدَّثَنَا ابْن بَشَّار , قَالَ : ثنا عَبْد الرَّحْمَن , قَالَ : ثنا سُفْيَان , عَنْ عَبْد الْعَزِيز بْن رَفِيع , عَنْ مُجَاهِد فِي قَوْله : { وَلَا جِدَال فِي الْحَجّ } قَالَ : قَدْ اسْتَقَامَ الْحَجّ وَلَا جِدَال فِيهِ . 2960 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : أَخْبَرَنَا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى , عَنْ ابْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد { وَلَا جِدَال فِي الْحَجّ } قَالَ : لَا شَهْر يُنْسَأ , وَلَا شَكَّ فِي الْحَجّ قَدْ بُيِّنَ , كَانُوا يُسْقِطُونَ الْمُحَرَّم ثُمَّ يَقُولُونَ صَفَرَانِ لِصَفَرٍ وَشَهْر رَبِيع الْأَوَّل , ثُمَّ يَقُولُونَ شَهْرًا رَبِيع لِشَهْرِ رَبِيع الْآخَر وَجُمَادَى الْأُولَى , ثُمَّ يَقُولُونَ جُمَادَيَانِ لِجُمَادَى الْآخِرَة وَلِرَجَبِ , ثُمَّ يَقُولُونَ لِشَعْبَان رَجَب , ثُمَّ يَقُولُونَ لِرَمَضَان شَعْبَان , ثُمَّ يَقُولُونَ لِشَوَّالٍ رَمَضَان , وَيَقُولُونَ لِذِي الْقَعْدَة شَوَّال , ثُمَّ يَقُولُونَ لِذِي الْحِجَّة ذَا الْقَعْدَة , ثُمَّ يَقُولُونَ لِلْمُحَرَّمِ ذَا الْحِجَّة , فَيَحُجُّونَ فِي الْمُحْرِم ثُمَّ يَأْتَنِفُونَ فَيَحْسِبُونَ عَلَى ذَلِكَ عِدَّة مُسْتَقْبَلَة عَلَى وَجْه مَا ابْتَدَءُوا , فَيَقُولُونَ الْمُحَرَّم وَصَفَر وَشَهْرَا رَبِيع , فَيَحُجُّونَ فِي الْمُحَرَّم لِيَحُجُّوا فِي كُلّ سَنَة مَرَّتَيْنِ , فَيُسْقِطُونَ شَهْرًا آخَر , فَيَعُدُّونَ عَلَى الْعِدَّة الْأُولَى , فَيَقُولُونَ صَفَرَانِ وَشَهْرَا رَبِيع نَحْو عِدَّتهمْ فِي أَوَّل مَا أَسْقَطُوا . * حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا أَبُو حُذَيْفَة , قَالَ : ثنا شِبْل , عَنْ ابْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد نَحْوه . 2961 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا أَبُو حُذَيْفَة , قَالَ : ثنا شِبْل , عَنْ ابْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , قَالَ : صَاحِب النَّسِيء الَّذِي يُنْسَأ لَهُمْ أَبُو ثُمَامَة رَجُل مِنْ بَنِي كِنَانَة . * حَدَّثَنَا عَبْد الْحَمِيد بْن بَيَان , قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْن إسْحَاق , عَنْ أَبِي بِشْر , عَنْ ابْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد : { وَلَا جِدَال فِي الْحَجّ } قَالَ : لَا شُبْهَة فِي الْحَجّ قَدْ بَيَّنَ اللَّه أَمْر الْحَجّ . 2962 - حَدَّثَنِي مُوسَى , قَالَ : ثنا عَمْرو , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ { وَلَا جِدَال فِي الْحَجّ } قَالَ : قَدْ اسْتَقَامَ أَمْر الْحَجّ فَلَا تُجَادِلُوا فِيهِ . * حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا أَبُو حُذَيْفَة , قَالَ : ثنا شِبْل , عَنْ ابْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد : { وَلَا جِدَال فِي الْحَجّ } قَالَ : لَا شَهْر يُنْسَأ , وَلَا شَكَّ فِي الْحَجّ قَدْ بُيِّنَ . * حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب , قَالَ : ثنا ابْن أَبِي زَائِدَة , عَنْ الْعَلَاء بْن عَبْد الْكَرِيم , عَنْ مُجَاهِد : { وَلَا جِدَال فِي الْحَجّ } قَالَ : قَدْ عُلِمَ وَقْت الْحَجّ فَلَا جِدَال فِيهِ , وَلَا شَكَّ . * حَدَّثَنَا أَحْمَد بْن إسْحَاق , قَالَ : ثنا أَبُو أَحْمَد , قَالَ : ثنا سُفْيَان , عَنْ عَبْد الْعَزِيز وَالْعَلَاء , عَنْ مُجَاهِد , قَالَ : هُوَ شَهْر مَعْلُوم لَا تَنَازُع فِيهِ . * حَدَّثَنَا أَحْمَد , قَالَ : ثنا أَبُو أَحْمَد , قَالَ : ثنا إسْرَائِيل , عَنْ سَالِم , عَنْ مُجَاهِد : { وَلَا جِدَال فِي الْحَجّ } قَالَ : لَا شَكَّ فِي الْحَجّ . 2963 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثنا هُشَيْم , قَالَ : أَخْبَرَنَا حَجَّاج , عَنْ عَطَاء , عَنْ ابْن عَبَّاس : { وَلَا جِدَال فِي الْحَجّ } قَالَ : الْمِرَاء بِالْحَجِّ . 2964 - حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا مَعْمَر , عَنْ ابْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد : { وَلَا جِدَال فِي الْحَجّ } فَقَدْ تَبَيَّنَ الْحَجّ . قَالَ : كَانُوا يَحُجُّونَ فِي ذِي الْحِجَّة عَامَيْنِ , وَفِي الْمُحَرَّم عَامَيْنِ , ثُمَّ حَجُّوا فِي صَفَر عَامَيْنِ , وَكَانُوا يَحُجُّونَ فِي كُلّ سَنَة فِي كُلّ شَهْر عَامَيْنِ , ثُمَّ وَافَقَتْ حَجَّة أَبِي بَكْر مِنْ الْعَامَيْنِ فِي ذِي الْقَعْدَة قَبْل حَجَّة النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِسَنَةٍ , ثُمَّ حَجّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ قَابِل فِي ذِي الْحِجَّة ; فَذَلِكَ حِين يَقُول رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " إنَّ الزَّمَان قَدْ اسْتَدَارَ كَهَيْئَتِهِ يَوْم خَلَقَ اللَّه السَّمَوَات وَالْأَرْض " * حَدَّثَنَا ابْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا جَرِير , عَنْ مَنْصُور , عَنْ مُجَاهِد فِي قَوْله : { وَلَا جِدَال فِي الْحَجّ } قَالَ : بَيَّنَ اللَّه أَمْر الْحَجّ وَمَعَالِمه فَلَيْسَ فِيهِ كَلَام . وَأَوْلَى هَذِهِ الْأَقْوَال فِي قَوْله { وَلَا جِدَال فِي الْحَجّ } بِالصَّوَابِ , قَوْل مَنْ قَالَ : مَعْنَى ذَلِكَ : قَدْ بَطَلَ الْجِدَال فِي الْحَجّ وَوَقْته , وَاسْتَقَامَ أَمْره وَوَقْته عَلَى وَقْت وَاحِد , وَمَنَاسِك مُتَّفِقَة غَيْر مُخْتَلِفَة , وَلَا تَنَازُع فِيهِ وَلَا مِرَاء وَذَلِكَ أَنَّ اللَّه تَعَالَى ذِكْره أَخْبَرَ أَنَّ وَقْت الْحَجّ أَشْهُر مَعْلُومَات , ثُمَّ نَفَى عَنْ وَقْته الِاخْتِلَاف الَّذِي كَانَتْ الْجَاهِلِيَّة فِي شِرْكهَا تَخْتَلِف فِيهِ . وَإِنَّمَا اخْتَرْنَا هَذَا التَّأْوِيل فِي ذَلِكَ وَرَأَيْنَاهُ أَوْلَى بِالصَّوَابِ مِمَّا خَالَفَهُ لِمَا قَدْ قَدَّمْنَا مِنْ الْبَيَان آنِفًا فِي تَأْوِيل قَوْله : { وَلَا فُسُوق } أَنَّهُ غَيْر جَائِز أَنْ يَكُون اللَّه خَصَّ بِالنَّهْيِ عَنْهُ فِي تِلْكَ الْحَال إلَّا مَا هُوَ مُطْلَق مُبَاح فِي الْحَال الَّتِي يُخَالِفهَا , وَهِيَ حَال الْإِحْلَال ; وَذَلِكَ أَنَّ حُكْم مَا خَصَّ , بِهِ مِنْ ذَلِكَ حُكْم حَال الْإِحْرَام إنْ كَانَ سَوَاء فِيهِ حَال الْإِحْرَام وَحَال الْإِحْلَال , فَلَا وَجْه لِخُصُوصِهِ بِهِ حَالًا دُون حَال , وَقَدْ عَمّ بِهِ جَمِيع الْأَحْوَال . وَإِذْ كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ , وَكَانَ لَا مَعْنَى لِقَوْلِ الْقَائِل فِي تَأْوِيل قَوْله : { وَلَا جِدَال فِي الْحَجّ } أَنَّ تَأْوِيله : لَا تُمَارِ صَاحِبك حَتَّى تُغْضِبهُ , إلَّا أَحَد مَعْنَيَيْنِ : إمَّا أَنْ يَكُون أَرَادَ لَا تُمَارِهِ بِبَاطِلٍ حَتَّى تُغْضِبهُ . فَذَلِكَ مَا لَا وَجْه لَهُ , لِأَنَّ اللَّه عَزَّ وَجَلّ , قَدْ نَهَى عَنْ الْمِرَاء بِالْبَاطِلِ فِي كُلّ حَال مُحْرِمًا كَانَ الْمُمَارِي أَوْ مُحِلًّا , فَلَا وَجْه لِخُصُوصِ حَال الْإِحْرَام بِالنَّهْيِ عَنْهُ لِاسْتِوَاءِ حَال الْإِحْرَام وَالْإِحْلَال فِي نَهْي اللَّه عَنْهُ . أَوْ يَكُون أَرَادَ : لَا تُمَارِهِ بِالْحَقِّ , وَذَلِكَ أَيْضًا مَا لَا وَجْه لَهُ ; لِأَنَّ الْمُحْرِم لَوْ رَأَى رَجُلًا يَرُوم فَاحِشَة كَانَ الْوَاجِب عَلَيْهِ مِرَاءَهُ فِي دَفْعه عَنْهَا , أَوْ رَآهُ يُحَاوِل ظُلْمه وَالذَّهَاب مِنْهُ بِحَقٍّ لَهُ قَدْ غَصَبَهُ عَلَيْهِ كَانَ عَلَيْهِ مِرَاؤُهُ فِيهِ وَجِدَاله حَتَّى يَتَخَلَّصهُ مِنْهُ . وَالْجِدَال وَالْمِرَاء لَا يَكُون بَيْن النَّاس إلَّا مِنْ أَحَد وَجْهَيْنِ : إمَّا مِنْ قِبَل ظُلْم , وَإِمَّا مِنْ قِبَل حَقّ , فَإِذَا كَانَ مِنْ أَحَد وَجْهَيْهِ غَيْر جَائِز فِعْله بِحَالٍ , وَمِنْ الْوَجْه الْآخَر غَيْر جَائِز تَرْكه بِحَالٍ , فَأَيّ وُجُوهه الَّتِي خَصَّ بِالنَّهْيِ عَنْهُ حَال الْإِحْرَام ؟ وَكَذَلِكَ لَا وَجْه لِقَوْلِ مَنْ تَأَوَّلَ ذَلِكَ أَنَّهُ بِمَعْنَى السِّبَاب , لِأَنَّ اللَّه تَعَالَى ذِكْره قَدْ نَهَى الْمُؤْمِنِينَ بَعْضهمْ عَنْ سِبَاب بَعْض عَلَى لِسَان رَسُوله عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام فِي كُلّ حَال , فَقَالَ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " سِبَاب الْمُسْلِم فُسُوق , وَقِتَاله كُفْر " فَإِذَا كَانَ الْمُسْلِم عَنْ سَبّ الْمُسْلِم مَنْهِيًّا فِي كُلّ حَال مِنْ أَحْوَاله , مُحْرِمًا كَانَ أَوْ غَيْر مُحْرِم , فَلَا وَجْه لِأَنْ يُقَال : لَا تَسُبّهُ قِي حَال الْإِحْرَام إذَا أَحْرَمْت . وَفِيمَا رُوِيَ عَنْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ الْخَبَر الَّذِي : 2965 - حَدَّثَنَا بِهِ مُحَمَّد بْن الْمُثَنَّى , قَالَ : ثني وَهْب بْن جَرِير , قَالَ : ثنا شُعْبَة , عَنْ سَيَّار , عَنْ أَبِي حَازِم , عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ , قَالَ : قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " مَنْ حَجّ هَذَا الْبَيْت فَلَمْ يَرْفُث وَلَمْ يَفْسُق خَرَجَ مِثْل يَوْم وَلَدَتْهُ أُمّه " . * حَدَّثَنِي عَلِيّ بْن سَهْل , قَالَ : ثنا حَجَّاج , قَالَ : ثنا شُعْبَة , عَنْ سَيَّار , عَنْ أَبِي حَازِم , عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ : قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " مَنْ حَجّ هَذَا الْبَيْت فَلَمْ يَرْفُث وَلَمْ يَفْسُق , خَرَجَ مِنْ ذُنُوبه كَيَوْمِ وَلَدَتْهُ أُمّه " . * حَدَّثَنَا أَحْمَد بْن الْوَلِيد , قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن جَعْفَر , قَالَ : ثنا شُعْبَة , عَنْ سَيَّار , عَنْ أَبِي حَازِم , عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , مِثْل حَدِيث ابْن الْمُثَنَّى , عَنْ وَهْب بْن جَرِير . * حَدَّثَنِي ابْن الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن جَعْفَر , قَالَ : ثنا شُعْبَة , عَنْ مَنْصُور , عَنْ أَبِي حَازِم , عَنْ أَبِي هَرِيرَة , عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , مِثْله أَيْضًا . * حَدَّثَنَا ابْن الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا أَبُو الْوَلِيد , قَالَ : ثنا شُعْبَة , قَالَ : أَخْبَرَنِي مَنْصُور , قَالَ : سَمِعْت أَبَا حَازِم يُحَدِّث عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ , عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , نَحْوه . * حَدَّثَنَا تَمِيم بْن الْمُنْتَصِر , قَالَ : أَخْبَرَنَا إسْحَاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا مُحَمَّد بْن عُبَيْد اللَّه , عَنْ الْأَعْمَش , عَنْ أَبِي حَازِم , عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ , قَالَ : قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " مَنْ حَجّ هَذَا الْبَيْت فَلَمْ يَرْفُث وَلَمْ يَفْسُق خَرَجَ مِنْ ذُنُوبه كَمَا وَلَدَتْهُ أُمّه " . * حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب , قَالَ : ثنا وَكِيع وَأَبُو أُسَامَة , عَنْ سُفْيَان , عَنْ مَنْصُور , عَنْ أَبِي حَازِم , عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ : قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَذَكَرَ مِثْله , إلَّا أَنَّهُ قَالَ : " رَجَعَ كَمَا وَلَدَتْهُ أُمّه " . * حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب , قَالَ : ثنا أَبُو أُسَامَة , عَنْ شُعْبَة , عَنْ سَيَّار , عَنْ أَبِي حَازِم , عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ , قَالَ قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَذَكَرَ نَحْوه , إلَّا أَنَّهُ قَالَ : " رَجَعَ إلَى أَهْله مِثْل يَوْم وَلَدَتْهُ أُمّه " . * حَدَّثَنِي يَعْقُوب بْن إبْرَاهِيم , قَالَ : ثنا يَحْيَى بْن أَبِي كَثِير , عَنْ إبْرَاهِيم بْن طِهْمَان , عَنْ مَنْصُور , عَنْ هِلَال بْن يَسَار , عَنْ أَبِي حَازِم , عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ , فَذَكَرَ نَحْوه , إلَّا أَنَّهُ قَالَ : " رَجَعَ إلَى أَهْله مِثْل يَوْم وَلَدَتْهُ أُمّه " . * حَدَّثَنِي يَعْقُوب بْن إبْرَاهِيم , قَالَ : حَدَّثَنَا يَحْيَى بْن أَبِي كَثِير , عَنْ إبْرَاهِيم بْن طِهْمَان , عَنْ مَنْصُور عَنْ هِلَال بْن يَسَار , عَنْ أَبِي حَازِم , عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ , قَالَ : قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " مَنْ حَجّ هَذَا الْبَيْت " يَعْنِي الْكَعْبَة " فَلَمْ يَرْفُث وَلَمْ يَفْسُق , رَجَعَ كَيَوْمِ وَلَدَتْهُ أُمّه " . * حَدَّثَنَا الْفَضْل بْن الصَّبَاح , قَالَ : ثنا هُشَيْم بْن بَشِير , عَنْ سَيَّار , عَنْ أَبِي حَازِم , عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ , قَالَ : قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " مَنْ حَجّ لِلَّهِ فَلَمْ يَرْفُث وَلَمْ يَفْسُق , رَجَعَ كَهَيْئَةِ وَلَدَتْهُ أُمّه " . دَلَالَة وَاضِحَة عَلَى أَنَّ قَوْله : { وَلَا جِدَال فِي الْحَجّ } بِمَعْنَى النَّفْي عَنْ الْحَجّ بِأَنْ يَكُون فِي وَقْته جِدَال وَمِرَاء دُون النَّهْي عَنْ جِدَال النَّاس بَيْنهمْ فِيمَا يَعْنِيهِمْ مِنْ الْأُمُور أَوْ لَا يَعْنِيهِمْ . وَذَلِكَ أَنَّهُ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَخْبَرَ أَنَّهُ مَنْ حَجّ فَلَمْ يَرْفُث وَلَمْ يَفْسُق اسْتَحَقَّ مِنْ اللَّه الْكَرَامَة مَا وَصَفَ أَنَّهُ اسْتَحَقَّهُ بِحَجِّهِ تَارِكًا لِلرَّفَثِ وَالْفُسُوق اللَّذَيْنِ نَهَى اللَّه الْحَاجّ عَنْهُمَا فِي حَجّه مِنْ غَيْر أَنْ يَضُمّ إلَيْهِمَا الْجِدَال . فَلَوْ كَانَ الْجِدَال الَّذِي ذَكَرَهُ اللَّه فِي قَوْله : { وَلَا جِدَال فِي الْحَجّ } مِمَّا نَهَاهُ اللَّه عَنْهُ بِهَذِهِ الْآيَة , عَلَى نَحْو الَّذِي تَأَوَّلَ ذَلِكَ مَنْ تَأَوَّلَهُ مِنْ أَنَّهُ الْمِرَاء وَالْخُصُومَات أَوْ السِّبَاب وَمَا أَشْبَه ذَلِكَ , لَمَا كَانَ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِيَخُصّ بِاسْتِحْقَاقِ الْكَرَامَة الَّتِي ذَكَرَ أَنَّهُ يَسْتَحِقّهَا الْحَاجّ الَّذِي وَصَفَ أَمْره بِاجْتِنَابِ خُلَّتَيْنِ مِمَّا نَهَاهُ اللَّه عَنْهُ فِي حَجّه دُون الثَّالِثَة الَّتِي هِيَ مَقْرُونَة بِهِمَا . وَلَكِنْ لَمَّا كَانَ مَعْنَى الثَّالِثَة مُخَالِفًا مَعْنَى صَاحِبَتَيْهَا فِي أَنَّهَا خَبَر عَلَى الْمَعْنَى الَّذِي وَصَفْنَا , وَأَنَّ الْأُخْرَيَيْنِ بِمَعْنَى النَّهْي الَّذِي أَخْبَرَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ مُجْتَنِبهمَا فِي حَجّه مُسْتَوْجِب مَا وُصِفَ مِنْ إكْرَام اللَّه إيَّاهُ مِمَّا أَخْبَرَ أَنَّهُ مُكْرِمه بِهِ إذَا كَانَتَا بِمَعْنَى النَّهْي , وَكَانَ الْمُنْتَهِي عَنْهُمَا لِلَّهِ مُطِيعًا بِان

_________________
إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً }الأحزاب33

صورة


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
عرض مشاركات سابقة منذ:  مرتبة بواسطة  
إرسال موضوع جديد الرد على الموضوع  [ 144 مشاركة ]  الانتقال إلى صفحة السابق  1 ... 5, 6, 7, 8, 9, 10  التالي

جميع الأوقات تستخدم GMT + ساعتين


الموجودون الآن

المستخدمون المتصفحون لهذا المنتدى: لا يوجد أعضاء مسجلين متصلين و 2 زائر/زوار


لا تستطيع كتابة مواضيع جديدة في هذا المنتدى
لا تستطيع كتابة ردود في هذا المنتدى
لا تستطيع تعديل مشاركاتك في هذا المنتدى
لا تستطيع حذف مشاركاتك في هذا المنتدى
لا تستطيع إرفاق ملف في هذا المنتدى

البحث عن:
الانتقال الى:  
© 2011 www.msobieh.com

جميع المواضيع والآراء والتعليقات والردود والصور المنشورة في المنتديات تعبر عن رأي أصحابها فقط