موقع د. محمود صبيح

منتدى موقع د. محمود صبيح

جميع الأوقات تستخدم GMT + ساعتين



إرسال موضوع جديد الرد على الموضوع  [ 4 مشاركة ] 
الكاتب رسالة
 عنوان المشاركة: سورة العنكبوت
مشاركة غير مقروءةمرسل: الأربعاء فبراير 06, 2013 6:11 pm 
غير متصل

اشترك في: الثلاثاء مايو 01, 2012 6:46 pm
مشاركات: 1195
بسم الله الرحمن الرحيم
تفسير بعض ايات سورة العنكبوت
للامام القرطبي


الم ( 1 ) أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ ( 2 ) وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ ( 3 ) أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ أَنْ يَسْبِقُونَا سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ ( 4 ) مَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ اللَّهِ فَإِنَّ أَجَلَ اللَّهِ لآتٍ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ ( 5 ) وَمَنْ جَاهَدَ فَإِنَّمَا يُجَاهِدُ لِنَفْسِهِ إِنَّ اللَّهَ لَغَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ ( 6 ) والَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَنُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَحْسَنَ الَّذِي كَانُوا يَعْمَلُونَ ( 7 ) .


بسم الله الرحمن الرحيم

مقدمة السورة

مكية كلها في قول الحسن وعكرمة وعطاء وجابر. ومدنية كلها في أحد قولي ابن عباس وقتادة. وفي القول الآخر لهما وهو قول يحيى بن سلام أنها مكية إلا عشر آيات من أولها، فإنها نزلت بالمدينة في شأن من كان من المسلمين بمكة وقال علي بن أبي طالب رضي الله عنه: نزلت بين مكة والمدينة وهي تسع وستون آية.



الآيات: 1 - 3 ( الم، أحسب الناس أن يتركوا أن يقولوا آمنا وهم لا يفتنون، ولقد فتنا الذين من قبلهم فليعلمن الله الذين صدقوا وليعلمن الكاذبين )



قوله تعالى: « الم أحسب الناس أن يتركوا أن يقولوا آمنا وهم لا يفتنون » تقدم القول فيها. وقال ابن عباس [ في قوله: « الم » ] : المعنى أنا الله أعلم. وقيل: هو اسم للسورة. وقيل: اسم للقرآن. « أحسب » استفهام أريد به التقرير والتوبيخ ومعناه الظن « أن يتركوا » في موضع نصب بـ « حسب » وهي وصلتها مقام المفعولين على قول سيبويه و « أن » الثانية من « أن يقولوا » في موضع نصب على إحدى جهتين بمعنى لأن يقولوا أو بأن يقولوا أو على أن يقولوا والجهة الأخرى أن يكون على التكرير؛ والتقدير « الم أحسب الناس أن يتركوا » أحسبوا « أن يقولوا آمنا وهم يفتنون » قال ابن عباس وغيره: يريد بالناس قوما من المؤمنين كانوا بمكة وكان الكفار من قريش يؤذونهم ويعذبونهم على الإسلام؛ كسلمة بن هشام وعياش بن أبي ربيعة والوليد بن الوليد وعمار بن ياسر وياسر أبوه وسمية أمه وعدة من بني مخزوم وغيرهم فكانت صدورهم تضيق لذلك وربما استنكر أن يمكن الله الكفار من المؤمنين؛ قال مجاهد وغيره: فنزلت هذه الآية مسلية ومعلمة أن هذه هي سيرة الله في عباده اختبارا للمؤمنين وفتنة قال ابن عطية: وهذه الآية وإن كانت نزلت بهذا السبب أو ما في معناه من الأقوال فهي باقية في أمة محمد صلى الله عليه وسلم موجود حكمها بقية الدهر وذلك أن الفتنة من الله تعالى باقية في ثغور المسلمين بالأسر ونكاية العدو وغير ذلك وإذا أعتبر أيضا كل موضع ففيه ذلك بالأمراض وأنواع المحن ولكن التي تشبه نازلة المسلمين مع قريش هي ما ذكرناه من أمر العدو في كل ثغر

قلت: ما أحسن ما قال ولقد صدق فيما قال رضي الله عنه وقال مقاتل: نزلت في مهجع مولى عمر بن الخطاب كان أول قتيل من المسلمين يوم بدر؛ رماه عامر بن الحضرمي بسهم فقتله فقال النبي صلى الله عليه وسلم يومئذ: ( سيد الشهداء مهجع وهو أول من يدعى إلى باب الجنة من هذه الأمة ) فجزع عليه أبواه وامرأته فنزلت: « ألم أحسب الناس أن يتركوا » وقال الشعبي: نزل مفتتح هذه السورة في أناس كانوا بمكة من المسلمين فكتب إليهم أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم من الحديبية أنه لا يقبل منكم إقرار الإسلام حتى تهاجروا فخرجوا فأتبعهم المشركون فآذوهم فنزلت فيهم هذه الآية: « ألم أحسب الناس أن يتركوا » فكتبوا إليهم نزلت فيكم آية كذا فقالوا: نخرج وإن اتبعنا أحد قاتلناه؛ فاتبعهم المشركون فقاتلوهم فمنهم من قتل ومنهم من نجا فنزل فيهم: « ثم إن ربك للذين هاجروا من بعد ما فتنوا » [ النحل:110 ] « وهم لا يفتنون » يمتحنون؛ أي أظن الذين جزعوا من أذى المشركين أن يُقنع منهم أن يقولوا إنا مؤمنون ولا يمتحنون في إيمانهم وأنفسهم وأموالهم بما يتبين به حقيقة إيمانهم



قوله تعالى: « ولقد فتنا الذين من قبلهم » أي ابتلينا الماضين كالخليل ألقي في النار وكقوم نشروا بالمناشير في دين الله فلم يرجعوا عنه وروى البخاري عن خباب بن الأرت: قالوا شكونا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو متوسد بردة له في ظل الكعبة فقلنا له: ألا تستنصر لنا ؟ ألا تدعو لنا فقال: ( قد كان من قبلكم يؤخذ الرجل فيحفر له في الأرض فيجعل فيها فيجاء بالمنشار فيوضع على رأسه فيجعل نصفين ويمشط بأمشاط الحديد لحمه وعظمه فما يصرفه ذلك عن دينه والله ليتمن هذا الأمر حتى يسير الراكب من صنعاء إلى حضر موت لا يخاف إلا الله والذئب على غنمه ولكنكم تستعجلون ) وخرج ابن ماجة عن أبي سعيد الخدري قال: دخلت على النبي صلى الله عليه وسلم وهو يوعك فوضعت يدي عليه فوجدت حره بين يدي فوق اللحاف فقلت: يا رسول الله ما أشدها عليك قال: ( إنا كذلك يضعف لنا البلاء ويضعف لنا الأجر ) قلت: يا رسول الله أي الناس أشد بلاء؟ قال ( الأنبياء ) وقلت: ثم من قال ( ثم الصالحون إن كان أحدهم ليبتلى بالفقر حتى ما يجد إلا العباءة يحوبها وأن كان أحدهم ليفرح بالبلاء كما يفرح أحدكم بالرخاء ) وروى سعد بن أبي وقاص قال: قلت يا رسول الله أي الناس أشد بلاء ؟ قال ( الأنبياء ثم الأمثل فالأمثل يبتلى الرجل على حسب دينه فإن كان في دينه صلبا أشتد بلاؤه وإن كان في دينه رقة أبتلي على حسب دينه فما يبرح البلاء بالعبد حتى يتركه يمشي على الأرض وما عليه من خطيئة ) وروى عبدالرحمن بن زيد أن عيسى عليه السلام كان له وزير فركب يوما فأخذه السبع فأكله فقال عيسى: يا رب وزيري في دينك وعوني على بني إسرائيل وخليفتي فيهم سلطت عليه كلبا فأكله قال: ( نعم كانت له عندي منزلة رفيعة لم أجد عمله يبلغها فابتليته بذلك لأبلغه تلك المنزلة ) وقال وهب: قرأت في كتاب رجل من الحواريين: إذ سلك بك سبيل البلاء فقر عينا فإنه سلك بك سبيل الأنبياء والصالحين وإذا سلك بك سبيل الرخاء فابك على نفسك فقد خولف بك عن سبيلهم



قوله تعالى: « فليعلمن الله الذين صدقوا » أي فليرين الله الذين صدقوا في إيمانهم وقد مضى هذا المعنى في « البقرة » وغيرها قال الزجاج: ليعلم صدق الصادق بوقوع صدقه منه وقد علم الصادق من الكاذب قبل أن يخلقهما ولكن القصد قصد وقوع العلم بما يجازى عليه وإنما يعلم صدق الصادق واقعا كائنا وقوعه وقد علم أنه سيقع وقال النحاس: فيه قولان - أحدهما - أن يكون « صدقوا » مشتقا من الصدق و « الكاذبين » مشتقا من الكذب الذي هو ضد الصدق ويكون المعنى؛ فليبينن الله والذين صدقوا فقالوا نحن مؤمنون واعتقدوا مثل ذلك والذين كذبوا حين اعتقدوا غير ذلك والقول الآخر أن يكون صدقوا مشتقا من الصدق وهي الصلب والكاذبين مشتقا من كذب إذا انهزم فيكون المعنى؛ فليعلمن الله الذين ثبتوا في الحرب والذين انهزموا؛ كما قال الشاعر:

ليثٌ بِعَثَّرَ يصطاد الرجالَ إذا ما الليث كذب عن أقرانه صدقا

فجعل « ليعلمن » في موضع فليبينن مجازا وقراءة الجماعة: « فليعلمن » بفتح الياء واللام وقرأ علي بن أبي طالب بضم الياء وكسر اللام وهي تبين معنى ما قال النحاس ويحتمل ثلاثة معان: الأول: أن يعلم في الآخرة هؤلاء الصادقين والكاذبين بمنازلهم من ثوابه وعقابه وبأعمالهم في الدنيا؛ بمعنى يوقفهم على ما كان منهم الثاني: أن يكون المفعول الأول محذوفا تقديره؛ فليعلمن الناس والعالم هؤلاء الصادقين والكاذبين أي يفضحهم ويشتهرهم؛ هؤلاء في الخير وهؤلاء في الشر وذلك في الدنيا والآخرة: الثالث أن يكون ذلك من العلامة؛ أي يضع لكل طائفة علامة يشتهر بها فالآية على هذا تنظر إلى قول النبي صلى الله عليه وسلم: ( من أسر سريرة ألبسه الله رداءها )



الآيات: 4 - 7 ( أم حسب الذين يعملون السيئات أن يسبقونا ساء ما يحكمون، من كان يرجو لقاء الله فإن أجل الله لآت وهو السميع العليم، ومن جاهد فإنما يجاهد لنفسه إن الله لغني عن العالمين، والذين آمنوا وعملوا الصالحات لنكفرن عنهم سيئاتهم ولنجزينهم أحسن الذي كانوا يعملون )



قوله تعالى: « أم حسب الذين يعملون السيئات » أي الشرك. « أن يسبقونا » أي يفوتونا ويعجزونا قبل أن نؤاخذهم بما يفعلون. قال ابن عباس: يريد الوليد بن المغيرة وأبا جهل والأسود والعاص بن هشام وشيبة وعتبة والوليد بن عتبة وعقبة بن أبي معيط وحنظلة بن أبي سفيان والعاص بن وائل. « ساء ما يحكمون » أي بئس الحكم ما حكموا في صفات ربهم أنه مسبوق والله القادر على كل شيء و « ما » في موضع نصب بمعنى ساء شيئا أو حكما يحكمون ويجوز أن تكون « ما » في موضع رفع بمعنى ساء الشيء أو الحكم حكمهم وهذا قول الزجاج وقدرها ابن كيسان تقديرين آخرين خلاف ذينك: أحدهما: أن يكون موضع « ما يحكمون » بمنزلة شيء واحد كما تقول: أعجبني ما صنعت؛ أي صنيعك؛ فـ « ما » والفعل مصدر في موضع رفع التقدير؛ ساء حكمهم والتقدير الآخر أن تكون « ما » لا موضع لها من الإعراب وقد قامت مقام الاسم لساء وكذلك نعم وبئس قال أبو الحسن بن كيسان: وأنا أختار أن أجعل لـ « ما » موضعا في كل ما أقدر عليه؛ نحو قوله عز وجل: « فبما رحمة من الله » [ آل عمران: 159 ] وكذا « فبما نقضهم » [ المائدة: 13 ] وكذا « أيما الأجلين قضيت » [ القصص: 28 ] « ما » في موضع خفض في هذا كله وما بعده تابع لها وكذا؛ « إن الله لا يستحيي أن يضرب مثلا ما بعوضة » [ البقرة: 26 ] « ما » في موضع نصب و « بعوضة » تابع لها.



قوله تعالى: « من كان يرجو لقاء الله فإن أجل الله لآت » « يرجو » بمعنى يخاف من قول الهذلي في وصف عسال:

إذا لسعته النحل لم يرج لسعها

وأجمع أهل التفسير على أن المعنى: من كان يخاف الموت فليعمل عملا صالحا فإنه لا بد أن يأتيه؛ ذكره النحاس قال الزجاج: معنى « يرجو لقاء الله » ثواب الله و « من » في موضع رفع بالابتداء و « كان » في موضع الخبر وهي في موضع جزم بالشرط و « يرجو » في موضع خبر كان والمجازاة « فإن أجل الله لآت » « وهو السميع العليم » .



قوله تعالى: « ومن جاهد فإنما يجاهد لنفسه » أي ومن جاهد في الدين وصبر على قتال الكفار وأعمال الطاعات فإنما يسعى لنفسه؛ أي ثواب ذلك كله له؛ ولا يرجع إلى الله نفع من ذلك. « إن الله لغني عن العالمين » أي عن أعمالهم وقيل: المعنى؛ من جاهد عدوه لنفسه لا يريد وجه الله فليس لله حاجة بجهاده



قوله تعالى: « والذين آمنوا وعملوا الصالحات » أي صدقوا « لنكفرن عنهم سيئاتهم » أي لنغطينها عنهم بالمغفرة لهم « ولنجزينهم أحسن الذي كانوا يعملون » أي بأحسن أعمالهم وهو الطاعات ثم قيل: يحتمل أن تكفر عنهم كل معصية عملوها في الشرك ويثابوا على ما عملوا من حسنة في الإسلام ويحتمل أن تكفر عنهم سيئاتهم في الكفر والإسلام ويثابوا على حسناتهم في الكفر والإسلام

http://www.e-quran.com/kurtoby/kur-s29.html

_________________
اللهم صلي و سلم و بارك على سيدنا محمد و على اله و صحبه اجمعين


آخر تعديل بواسطة مسلمة آمنة في الخميس فبراير 07, 2013 9:51 pm، عدل 1 مرة

أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة: Re: سورة العنكبوت
مشاركة غير مقروءةمرسل: الأربعاء فبراير 06, 2013 7:48 pm 
غير متصل

اشترك في: الخميس يونيو 14, 2007 2:19 pm
مشاركات: 5984
الأخت الفاضلة مسلمة آمنة
ممكن من فضلك ذكر المصدر فى التفسير للآيات الكريمات

اوعى يكون بن العثيمين تانى :D

_________________
ومن دخل حصن النبي صلى الله عليه وآله وسلم لا يضام


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة: Re: سورة العنكبوت
مشاركة غير مقروءةمرسل: الأحد فبراير 10, 2013 11:26 pm 
غير متصل

اشترك في: الثلاثاء مايو 01, 2012 6:46 pm
مشاركات: 1195
الفاضل محب مولانا الحسين رضي الله عنه و ارضاه
التفسير للامام القرطبي
و ليس لابن العثيمين و الحمد لله
و نشكركم على التنبيه
و جزاكم الله خيرا :)

_________________
اللهم صلي و سلم و بارك على سيدنا محمد و على اله و صحبه اجمعين


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة: Re: سورة العنكبوت
مشاركة غير مقروءةمرسل: الأحد فبراير 10, 2013 11:29 pm 
غير متصل

اشترك في: الثلاثاء مايو 01, 2012 6:46 pm
مشاركات: 1195
بسم الله الرحمن الرحيم
الآيات: 8 - 9 ( ووصينا الإنسان بوالديه حسنا وإن جاهداك لتشرك بي ما ليس لك به علم فلا تطعهما إلي مرجعكم فأنبئكم بما كنتم تعملون، والذين آمنوا وعملوا الصالحات لندخلنهم في الصالحين )



قوله تعالى: « ووصينا الإنسان بوالديه حسنا » نزلت في سعد بن أبي وقاص فيما روى الترمذي قال: أنزلت فيّ أربع آيات فذكر قصة؛ فقالت أم سعد: أليس قد أمر الله بالبر والله لا أطعم طعاما ولا أشرب شرابا حتى أموت أو تكفر؛ قال: فكانوا إذا أرادوا أن يطعموها شجروا فاها فنزلت هذه الآية: « ووصيتا الإنسان بوالديه حسنا » الآية قال أبو عيسى: هذا حديث حسن صحيح وروي عن سعد أنه قال: كنت بارأ بأمي فأسلمت فقالت: لتدعن دينك أو لا آكل ولا أشرب حتى أموت فتعير بي ويقال يا قاتل أمه وبقيت يوما ويوما فقلت: يا أماه لو كانت لك مائة نفس فخرجت نفسا نفسا ما تركت ديني هذا فإن شئت فكلي وإن شئت فلا تأكلي فلما رأت ذلك أكلت ونزلت: « وإن جاهداك لتشرك بي ما ليس لك به علم فلا تطعهما » الآية وقال ابن عباس: نزلت في عياش بن أبي ربيعة أخى أبي جهل لأمه وفد فعلت أمه مثل ذلك وعنه أيضا: نزلت في جميع الأمة إذا لا يصبر على بلاء الله إلا صديق « وحسنا » نصب عند البصريين على التكرير أي ووصيناه حسنا وقيل: هو على القطع تقديره ووصيناه بالحسن كما تقول وصيته خيرا أي بالخير وقال أهل الكوفة: تقديره ووصينا الإنسان أن يفعل حسنا فيقدر له فعل وقال الشاعر:

عجبت من دهماء إذ تشكونا ومن أبي دهماء إذا يوصينا

خيرا بها كأنما خافونا

أي يوصينا أن نفعل بها خيرا؛ كقوله: « فطفق مسحا » [ ص: 33 ] أي يمسح مسحا وقيل: تقديره ووصيناه أمرا ذا حسن فأقيمت الصفة مقام الموصوف وحذف المضاف وأقيم المضاف إليه مقامه وقيل: معناه ألزمناه حسنا وقراءة العامة: « حسنا » بضم الحاء وإسكان السين وقرأ أبو رجاء وأبو العالية والضحاك: بفتح الحاء والسين وقرأ الجحدري: « إحسانا » على المصدر؛ وكذلك في مصحف أُبيّ التقدير: ووصينا الإنسان أن يحسن إحسانا ولا ينتصب بوصينا؛ لأنه قد استوفى مفعوليه. « إلي مرجعكم » وعيد في طاعة الوالدين في معنى الكفر. « فأنبئكم بما كنتم تعملون » كرر تعالى التمثيل بحالة المؤمنين العاملين لتحرك النفوس إلى نيل مراتبهم وقوله: « لندخلهم في الصالحين » مبالغة على معنى؛ فالذين هم في نهاية الصلاح وأبعد غاياته وإذا تحصل للمؤمن هذا الحكم تحصل ثمرته وجزاؤه وهو الجنة.



الآيات: 10 - 11 ( ومن الناس من يقول آمنا بالله فإذا أوذي في الله جعل فتنة الناس كعذاب الله ولئن جاء نصر من ربك ليقولن إنا كنا معكم أو ليس الله بأعلم بما في صدور العالمين، وليعلمن الله الذين آمنوا وليعلمن المنافقين )



قوله تعالى: « ومن الناس من يقول آمنا بالله » الآية نزلت في المنافقين كانوا يقولن آمنا بالله « فإذا أوذي في الله جعل فتنة الناس » أي أذاهم « كعذاب الله » في الآخرة فارتد عن إيمانه وقيل: جزع من ذلك كما يجزع من عذاب الله ولا يصبر على الأذية في الله « ولئن جاء نصر من ربك » أي للمؤمنين « ليقولن » هؤلاء المرتدون « إنا كنا معكم » وهم كاذبون فقال الله لهم: « أو ليس الله بأعلم بما في صدور العالمين » يعني الله أعلم بما في صدورهم منهم بأنفسهم. وقال مجاهد:نزلت في ناس كانوا يؤمنون بألسنتهم فإذا أصابهم بلاء من الله أو مصيبة في أنفسهم افتتنوا وقال الضحاك: نزلت في ناس من المنافقين بمكة كانوا يؤمنون فإذا أوذوا رجعوا إلي الشرك وقال عكرمة: كان قوم قد أسلموا فأكرههم المشركون على الخروج معهم إلي بدر فقتل بعضهم فأنزل الله: « إن الذين توفاهم الملائكة ظالمي أنفسهم » [ النساء: 97 ] فكتب بها المسلون من المدينة إلى المسلمين بمكة فخرجوا فلحقهم المشركون فافتتن بعضهم فنزلت هذه الآية فيهم وقيل: نزلت في عياش بن أبي ربيعة أسلم وهاجر ثم أوذي وضرب فأرتد وإنما عذبه أبو جهل والحرث وكانا أخويه لأمه قال ابن عباس: ثم عاش بعد ذلك بدهر وحسن إسلامه « وليعلمن الله الذين آمنوا وليعلمن المنافقين » قال قتادة: نزلت في القوم الذين ردهم المشركون إلي مكة



الآيات: 12 - 13 ( وقال الذين كفروا للذين آمنوا اتبعوا سبيلنا ولنحمل خطاياكم وما هم بحاملين من خطاياهم من شيء إنهم لكاذبون، وليحملن أثقالهم وأثقالا مع أثقالهم وليسألن يوم القيامة عما كانوا يفترون )



قوله تعالى: « وقال الذين كفروا للذين آمنوا اتبعوا سبيلنا » أي ديننا « ولنحمل خطاياكم » جزم على الأمر قال الفراء والزجاج: هو أمر في تأويل الشرط والجزاء؛ أي إن تتبعوا سبيلنا نحمل خطاياكم كما قال:

فقلت ادعي وأدْعُ فإن أندى لصوت أن يناديَ داعيان

أي إن دعوت دعوت. قال المهدوي: وجاء وقوع « إنهم لكاذبون » بعده على الحمل على المعنى؛ لأن المعنى إن اتبعتم سبيلنا حملنا خطاياكم فلما كان الأمر يرجع في المعنى إلى الخبر وقع عليه التكذيب كما يوقع عليه الخبر قال مجاهد: قال المشركون من قريش نحن وأنتم لا نبعث فإن كان عليكم وزر فعلينا؛ أي نحن نحمل عنكم ما يلزمكم والحمل ههنا بمعنى الحمالة لا الحمل على الظهر وروى أن قائل ذلك الوليد بن المغيرة. « وليحملن أثقالهم وأثقالا مع أثقالهم » يعني ما يحمل عليهم من سيئات من ظلموه بعد فراغ حسناتهم روي معناه عن النبي صلى الله عليه وسلم وقد تقدم في « آل عمران » قال أبو أمامة الباهلي: ( يؤتى بالرجل يوم القيامة وهو كثير الحسنات فلا يزال يقتص منه حتى تفنى حسناته ثم يطالب فيقول الله عز وجل أقتصوا من عبدي فتقول الملائكة ما بقيت له حسنات فيقول خذوا من سيئات المظلوم فاجعلوا عليه ) ثم تلا رسول الله صلى الله عليه وسلم « وليحملن أثقالهم وأثقالا مع أثقالهم » وقال قتادة: من دعا إلى ضلالة كان عليه وزرها ووزر من عمل بها ولا ينقص من أوزارهم شيء ونظيره قوله تعالى: « ليحملوا أوزارهم كاملة يوم القيامة ومن أوزار الذين يضلونهم بغير علم » [ النحل: 25 ] ونظير هذا قول عليه السلام: ( من سن في الإسلام سنة سيئة فعليه وزوها ووزر من عمل بها بعده من غير أن ينقص من أوزارهم شيء ) روي من حديث أبي هريرة وغيره وقال الحسن قال النبي صلى الله عليه وسلم: ( من دعا إلى هدى فاتبع عليه وعمل به فله مثل أجور من اتبعه ولا ينقص ذلك من أجورهم شيئا وأيما داع دعا إلى ضلالة فاتبع عليها وعمل بها بعده فعليه مثل أوزار من عمل بها ممن أتبعه لا ينقص ذلك من أوزارهم شيئا ) ثم قرأ الحسن: « وليحملن أثقالهم وأثقالا مع أثقالهم »

قلت: هذا مرسل وهو معنى حديث أبي هريرة خرجه مسلم ونص حديث أنس بن مالك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: ( أيما داع دعا إلى ضلالة فاتبع فإن له مثل أوزار من اتبعه ولا ينقص من أوزرهم شيئا وأيما داع دعا إلى هدى فاتبع فإن له مثل أجور من اتبعه ولا ينقص من أجورهم شيئا ) خرجه ابن ماجه في السنن وفي الباب عن أبي جحيفة وجرير وقد قيل: أن المراد أعوان الظلمة وقيل أصحاب البدع إذا اتبعوا عليها وقيل: محدثو السنن الحادثة إذا عمل بها من بعدهم والمعنى متقارب والحديث يجمع ذلك كله.



الآيات: 14 - 15 ( ولقد أرسلنا نوحا إلى قومه فلبث فيهم ألف سنة إلا خمسين عاما فأخذهم الطوفان وهم ظالمون، فأنجيناه وأصحاب السفينة وجعلناها آية للعالمين )



قوله تعالى: « ولقد أرسلنا نوحا إلى قومه فلبث فيهم ألف سنة إلا خمسين عاما » ذكر قصة نوح تسلية لنبيه صلى الله عليه وسلم؛ أي ابتلي النبيون قبلك بالكفار فصبروا وخص نوحا بالذكر؛ لأنه أول رسول أرسل إلي الأرض وقد امتلأت كفرا على ما تقدم بيانه في « هود » وأنه لم يلق نبي من قومه ما لقي نوح على ما تقدم في « هود » عن الحسن وروي عن قتادة عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( أول نبي أرسل نوح ) قال قتادة: وبعث من الجزيرة واختلف في مبلغ عمره فقيل: مبلغ عمره ما ذكره الله تعالى في كتابه قال قتادة: لبث فيهم قبل أن يدعوهم ثلاثمائة سنة ودعاهم لثلاثمائة سنة ولبث بعد الطوفان ثلاثمائة وخمسين سنة وقال ابن عباس: بعث نوح لأربعين سنة ولبث في قومه ألف سنة إلا خمسين عاما وعاش بعد الغرق ستين سنة حتى كثر الناس وفشوا وعنه أيضا: أنه بعث وهو ابن مئتين وخمسين سنة ولبث فيهم ألف سنة إلا خمسين وعاش بعد الطوفان مائتي سنة وقال وهب: عمر نوح ألفا وأربعمائة سنة وقال كعب الأحبار: لبث نوح في قومه ألف سنة إلا خمسين عاما وعاش بعد الطوفان سبعين عاما فكان مبلغ عمره ألف سنة وعشرين عاما وقال عون بي شداد: بعث نوح وهو ابن خمسين وثلاثمائة سنة ولبث في قومه ألف سنة إلا خمسين عاما وعاش بعد الطوفان ثلاثمائة سنة وخمسين سنة فكان مبلغ عمره ألف سنة وستمائة سنة وخمسين سنة ونحوه عن الحسن قال الحسن: لما أتى ملك الموت نوحا ليقبض روحه قال: يا نوح كم عشت في الدنيا ؟ قال: ثلاثمائة قبل أن أبعث وألف سنة إلا خمسين عاما في قومي وثلاثمائة سنة وخمسين سنة بعد الطوفان قال ملك الموت: فكيف وجدت الدنيا ؟ قال نوح: مثل دار لها بابان دخلت من هذا وخرجت من هذا وروي من حديث أنس قال قال رسول اله صلى الله عليه وسلم: ( لما بعث الله نوحا إلي قومه بعثه وهو ابن خمسين ومائتي سنة فلبث في قومه ألف سنة إلا خمسين عاما وبقي بعد الطوفان خمسين ومائتي سنة فلما أتاه ملك الموت قال يا نوح يا أكبر الأنبياء ويا طويل العمر ويا مجاب الدعوة كيف رأيت الدنيا قال: مثل رجل بني له بيت له بابان فدخل من واحد وخرج من الآخر ) وقد قيل: دخل من أحدهما وجلس هنيهة ثم خرج من الباب الآخر وقال ابن الوردي: بنى نوح بيتا من قصب فقيل له: لو بنيت غير هذا فقال: هذا كثير لمن يموت وقال أبو المهاجر: لبث نوح في قومه ألف سنة إلا خمسين عاما في بيت من شعر فقيل له: يا نبي الله ابن بيتا فقال: أموت اليوم أو أموت غدا وقال وهب بن منبه: مرت بنوح خمسمائة سنة لم يقرب النساء وجلا من الموت وقال مقاتل وجويبر: إن آدم عليه السلام حين كبر ورق عظمه قال يا رب إلي متى أكد وأسعى؟ قال يا آدم حتى يولد لك ولد مختون فولد له نوح بعد عشرة أبطن وهو يومئذ ابن ألف سنة إلا ستين عاما وقال بعضهم: إلا أربعين عاما والله أعلم فكان نوح بن لامك بن متوشح بن إدريس وهو أخنوخ بن يرد بن مهلاييل بن قينان بن أنوش بن شيث بن آدم وكان اسم نوح السكن وإنما سمي السكن لأن الناس بعد آدم سكنوا إليه فهو أبوهم وولد له سام وحام ويافث فولد سام العرب وفارس والروم وفي كل هؤلاء خير وولد حام القبط والسودان والبربر وولد يافث الترك والصقالبة ويأجوج ومأجوج وليس في شيء من هؤلاء خير وقال ابن عباس: في ولد سام بياض وأدمة وفي ولد حام سواد وبياض قليل وفي ولد يافث - وهم الترك والصقالبة - الصفرة والحمرة وكان له ولد رابع وهو كنعان الذي غرق والعرب تسميه يام وسمي نوح نوحا لأنه ناح عن قومه ألف سنة إلا خمسين عاما يدعوهم إلى الله تعالى فإذا كفروا بكى وناح عليهم وذكر القشيري أبو القاسم عبدالكريم في كتاب التخبير له: يروى أن: نوحا عليه السلام كان اسمه يشكر ولكن لكثرة بكائه على خطيئته أوحى الله إليه يا نوح كم تنوح فسمي نوحا؛ فقيل: يا رسول الله فأي شيء كانت خطيئته ؟ فقال: إنه مر بكلب فقال في نفسه ما أقبحه فأوحى الله إليه اخلق أنت أحسن من هذا. وقال يزيد الرقاشي: إنما سمي نوحا لطول ما ناح على نفسه فإن قيل: فلم قال: « ألف سنة إلا خمسين عاما » ولم يقل تسعمائة وخمسين عاما ففيه جوابان: أحدهما: أن المقصود به تكثير العدد فكان ذكره الألف أكثر في اللفظ وأكثر في العدد. الثاني: ما روي أنه أعطي من العمر ألف سنة فوهب من عمره خمسين سنة لبعض ولده فلما حضرته الوفاة رجع في استكمال الألف فذكر الله تعالى ذلك تنبيها على أن النقيصة كانت من جهته. « فأخذهم الطوفان وهم ظالمون » قال ابن عباس وسعيد بن جبير وقتادة: المطر الضحاك: الغرق وقيل: الموت روته عائشة رضي الله عنها عن النبي صلى الله عليه وسلم ومنه قول الشاعر:

أفناهم طوفان موت جارف

قال النحاس: يقال لكل كثير مطيف بالجميع من مطر أو قتل أو موت طوفان « وهم ظالمون » جملة في موضع الحال. و « ألف سنة » منصوب على الظرف « إلا خمسين عاما » منصوب على الاستثناء من الموجب وهو عند سيبويه بمنزلة المفعول؛ لأنه مستغنى عنه كالمفعول فأما المبرد أبو العباس محمد بن يزيد فهو عنده مفعول محض كأنك قلت استثنيت زيدا.

تنبيه: روى حسان بن غالب بن نجيح أبو القاسم المصري حدثنا مالك بن أنس عن الزهري عن ابن المسيب عن أبي بن كعب قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( كان جبريل يذاكرني فضل عمر فقلت يا جبريل ما بلغ فضل عمر قال لي يا محمد لو لبث معك ما لبث نوح في قومه ما بلغت لك فضل عمر ) ذكره الخطيب أبو بكر أحمد بن ثابت البغدادي وقال تفرد بروايته حسان بن غالب عن مالك وليس بثابت من حديثه.



قوله تعالى: « فأنجيناه وأصحاب السفينة » معطوف على الهاء والهاء والألف في « جعلناها » للسفينة أو للعقوبة أو للنجاة؛ ثلاثة أقوال.

_________________
اللهم صلي و سلم و بارك على سيدنا محمد و على اله و صحبه اجمعين


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
عرض مشاركات سابقة منذ:  مرتبة بواسطة  
إرسال موضوع جديد الرد على الموضوع  [ 4 مشاركة ] 

جميع الأوقات تستخدم GMT + ساعتين


الموجودون الآن

المستخدمون المتصفحون لهذا المنتدى: لا يوجد أعضاء مسجلين متصلين و 1 زائر


لا تستطيع كتابة مواضيع جديدة في هذا المنتدى
لا تستطيع كتابة ردود في هذا المنتدى
لا تستطيع تعديل مشاركاتك في هذا المنتدى
لا تستطيع حذف مشاركاتك في هذا المنتدى
لا تستطيع إرفاق ملف في هذا المنتدى

البحث عن:
الانتقال الى:  
© 2011 www.msobieh.com

جميع المواضيع والآراء والتعليقات والردود والصور المنشورة في المنتديات تعبر عن رأي أصحابها فقط