موقع د. محمود صبيح

منتدى موقع د. محمود صبيح

جميع الأوقات تستخدم GMT + ساعتين



إرسال موضوع جديد الرد على الموضوع  [ مشاركة واحده ] 
الكاتب رسالة
 عنوان المشاركة: حكم الاوراق القرانية الممزقة والتى يصعب القراءة فيها
مشاركة غير مقروءةمرسل: الثلاثاء مارس 01, 2016 8:52 pm 
غير متصل

اشترك في: السبت ديسمبر 21, 2013 9:44 pm
مشاركات: 1662

حكم الاوراق القرانية الممزقة والتى يصعب القراءة فيها


لقد اختلفت أقوال العلماء قديما وحديثا فيما ينبغي فعله بالمصحف الخَلِق البالي الذي تتعذر فيه القراءة، وكذلك الكتب الدينية التي تحتوي على آيات من كتاب الله، والصحف والأوراق التي تحتوي على اسم من أسماء الله تعالى أو صفة من صفاته، أو أحاديث من سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، أو أثر من آثار الصحابة والتابعين وأقوال العلماء أو نحو ذلك. فاختلفت آراؤهم بين الحرق، والدفن، والغسل بالماء الطاهر.



الطريقة الأولى: الحرق



ذهب المالكية والشافعية والحنابلة في قول، إلى جواز حرق المصحف صيانة له، أما إن كان إهانة له فقد أجمع الفقهاء على أن هذا العمل ردة.

قال الدردير في الشرح الكبير: "وحرق ما ذكر (أي القرآن وأسماء الله وأسماء الأنبياء وكذا الحديث)، إن كان على وجه الاستخفاف فكذلك (يعني هي ردة) وإن كان على وجه صيانته فلا ضرر، بل ربما وجب، وكذا كتب الفقه إن كان على وجه الاستخفاف بالشريعة فكذلك (أي هي ردة) وإلا فلا"[1].

وقال ابن بطال: في شرحه لحديث رواه البخاري عن الزهري عن أنس بن مالك يحدثه أن عثمان بن عفان (أمر زيد بن ثابت وعبد الله بن الزبير وسعيد بن العاص وعبد الرحمن ابن الحارث بن هشام فنسخوها في المصاحف (أي نسخوا الصحف التي كانت عند حفصة) وقال عثمان للرهط القريشيين الثلاثة: إذا اختلفتم أنتم وزيد بن ثابت في شيء من القرآن فاكتبوه بلسان قريش، فإنما نزل بلسانهم ففعلوا حتى إذا نسخوا الصحف في المصاحف، رد عثمان الصحف إلى حفصة، وأرسل إلى كل أفق بمصحف مما نسخوا وأمَر بما سواه من القرآن في كل صحيفة أو مصحف أن يحرق).

فقال رحمه الله: " وفى أمر عثمان بتحريق الصحف والمصاحف حين جمع القرآن جواز تحريق الكتب التى فيها أسماء الله تعالى وأن ذلك إكرام لها ، وصيانة من الوطء بالأقدام وطرحها فى ضياع من الأرض . وروى معمر عن ابن طاووس عن أبيه أنه كان يحرق الصحف إذا اجتمعت عنده الرسائل فيها بسم الله الرحمن الرحيم، وحرق عروة بن الزبير كتب فقه كانت عنده يوم الحرة، وكره إبراهيم أن تحرق الصحف إذا كان فيها ذكر الله، وقول من حرقها أولى بالصواب "[2].

وقال الخطيب الشربيني: " كره إحراق خشب نقش بالقرآن، إلا إن قصد به صيانة القرآن فلا يكره، كما يؤخذ من كلام ابن عبد السلام، وعليه يُحمَل تحريق عثمان رضي الله تعالى عنه المصاحف"[3].

وقال الإمام الرحيباني من الحنابلة في مطالب أولي النهى: "وما تنجس أو كتب من قرآن أو حديث أو كتاب فيه ذلك بنجس يلزم غسله أو حرقه فإن الصحابة رضي الله عنهم حرقوه لما جمعوه، قال ابن الجوزي: إنما فعلوا ذلك لتعظيمه وصيانته انتهى، وكان طاووس لا يرى بأسا أن تحرق الكتب صيانة لها عن الامتهان"[4].



الطريقة الثانية: الدفن



وذهب السادة الحنفية والحنابلة في قول آخر، إلى جواز دفنه في مكان طاهر لا تصل إليه الأيدي، ويوضع في خرقة طاهرة ولا يهال عليه التراب بل يُلحد له، وذلك تنزيها له وتعظيما وتكريما.



قال السرخسي في شرح السير الكبير: "لا ينبغي له أن يحرق بالنار ذلك أيضا. لأن من الجائز أن يكون فيه شيء من ذكر الله تعالى، ومما هو كلام الله، وفي إحراقه بالنار من الاستخفاف ما لا يخفى"[5].

قال ابن عابدين في حاشيته: "وفي الذخيرة [6]: المصحف إذا صار خلِقا-أي: بالياً- وتعذرت القراءة منه لا يحرق بالنار إليه أشار محمد وبه نأخذ، ولا يكره دفنه وينبغي أن يلف بخرقة طاهرة، ويلحد له؛ لأنه لو شق ودفن يحتاج إلى إهالة التراب عليه وفي ذلك نوع تحقير إلا إذا جعل فوقه سقف، وإن شاء غسله بالماء، أو وضعه في موضع طاهر لا تصل إليه يدُ محدث ولا غبار ولا قذر تعظيما لكلام الله عز وجل"[7].

وقال: "يجعل في خرقة طاهرة ويدفن في محل غير ممتهن لا يوطأ"[8].

ففي الدر المختار: «المصحف إذا صار بحال لا يقرأ فيه يدفن كالمسلم"[9].

أما الحنابلة: قال البهوتي: "ولو بلي المصحف أو اندرس دفن نصا، ذكر أحمد أن أبا الجوزاء بلي له مصحف فحفر له في مسجده فدفنه وفي البخاري أن الصحابة حرقته بالحاء المهملة لما جمعوه وقال ابن الجوزي ذلك لتعظيمه وصيانته"[10].

الطريقة الثالثة : الغسل بالماء



ذهب الحنفية ومن قال من الحنابلة بجواز الدفن في المكان الطاهر، إلى القول بجواز غسله بالماء.

جاء حاشية ابن عابدين: "أما غيره من الكتب التي لا ينتفع بها،... يمحى عنها اسم الله وملائكته ورسله ويحرق الباقي، ولا بأس بأن تلقى في ماء جار كما هي، أو تدفن وهو أحسن" [16].

قال الرحيباني "وقال: إن الماء والنار خلق من خلق الله تعالى، ويتجه المراد بغسل المصحف والكتاب بالماء وحرقهما بالنار إذا كانا - أي الماء والنار- طاهرين، أما إذا كانا نجسين فلا يجوز غسلٌ ولا تحريقٌ بهما، صونا لهما عن النجاسة، وحينئذ فيعدل إلى دفنهما في موضع لا تطؤه الأرجل؛ لأن عثمان دفن المصاحف بين القبر والمنبر، هذا إذا كانا مكتوبين بطاهر أما إذا كانا مكتوبين بنجس فغسلهما أو حرقهما بماء أو نار طاهرين أولى من دفنهما كما لا يخفى وهو متجه"[17].



الطريقة الرابعة: دفعها إلى آلة تمزيق الأوراق



إن آلات تمزيق الأوراق الموجودة الآن في الشركات والمكاتب، طريقة حسنة للتخلص من كثرة المطبوعات التي ابتُلي بها الناس في السنين الأخيرة، والتي وفي معظم الأحيان، تذكر فيها أسماء الله وصفاته. بل حتى الجرائد والمجلات العادية، فإنها لا تخلو من ذكر كاتب أو صحفي أو رياضي اسمه عبد الله أو عبد الرحمن أو أمثالهما، أو من بسملة أو حمدلة أو نحوهما، فما دامت هذه الآلات تمزق الكلمات بشكل دقيق وتفرق بين الأحرف، فإنها تزيل عنها قدسية المكتوبات، إذ إن الحروف العربية متفرقةً هي مشتركةٌ بين كلام الله وكلام عباده، وإنما الإعجاز من الله في كتابه العزيز كامن في تركيب الحروف وإسناد الكلمات بعضها إلى بعض، وكذلك في جعلها في نسق واتساق فريد يستحيل على من سوى الله أن يأتي بمثله.



يقول ابن عابدين: "وتكره إذابة درهم عليه آية، إلا إذا كسره، فحينئذ لا يكره إذابته كما لا يكره مسه، لتفرق الحروف، أو لأن الباقي دون آية" [18].



وذهب السيوطي رحمه الله إلى المنع من التمزيق فنقل في إتقانه عن الحليمي مؤيِّدا: "لا يجوز تمزيقها لما فيه من تقطيع الحروف وتفرقة الكلم، وفي ذلك إزراء بالمكتوب"[19].

ولكن قول السيوطي معارض بفعل عثمان، حيث ثبت عنه أنه شقّق المصاحف.. فقد روى عمر بن شبة بسند صحيح في تاريخ المدينة قال: حدثنا عبد الرحمن بن مهدي قال حدثنا شعبة عن أبي إسحاق عن مصعب بن سعد بن أبي وقاص قال: أدركتُ أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم حين شَقَّق عثمان رضي الله عنه المصاحف، فأعجبهم ذلك أو قال: لم يُنكِرْ ذلك منهم أحد"[20].


فهذا حديث لا مطعن فيه، سوى ما قد يُتَوَهَّم من شبهتي عنعنة أبي إسحاق السبيعي واختلاطه.. الشيء الذي يحتاج إلى دَفع متَأَنٍّ:

فأما اختلاط أبي إسحاق السبيعي في هذا الحديث فمدفوع بأن رواية شعبة والثوري عنه كانت قبل اختلاطه، بالإضافة إلى أنهما أثبت الناس فيه [21]. وأما عنعنة أبي إسحاق فهي محمولة على الاتصال والسماع: فقد خرج له البخاري في صحيحه عن الأسود بن يزيد، والشعبي، وعمرو بن ميمون، وعمرو بن الحارث، وصلة بن زفر، وغيرهم... وكلها بالعنعنة.. وذلك لأنه ليس من المكثرين من التدليس، على كثرة مروياته؛ وإنْ عدَّه ابن حجر من المكثرين في الطبقة الثالثة من المدلسين[22].

فالعنعنة لا يرد بها حديث المقِّل من التدليس. وإن ثبت أنه روى حديثا عمن لم يسمعه منه، توقفنا في الحديث المروي فقط. بل وحتى على القول بأن أبا إسحاق السبيعي هو معدود في المكثرين، فقد كُفينا تدليسه برواية شعبة عنه، إذ قال: "كفيتكم تدليس ثلاثة: الأعمش، وأبي إسحاق، وقتادة"[23].

وإن قال أحد بأن هذا المتن يعارض ما ثبت في الصحيحين من حديث أنس من كون عثمان قد حرق المصاحف، قلنا: لا تعارض مع إمكان الجمع، لأنه وقع التشقيق والتمزيق بمحضر الصحابة، فربما مزق المصاحف ثم حرقها ثم دفنها.

ويزيد تأكيد أمر التمزيق ثبوتا، ما رواه عمر بن شبّة في تاريخ المدينة بسند صحيح عن أنس رضي الله عنه قال: "لما كان مروان أمير المدينة، أرسل إلى حفصة يسألها عن المصاحف ليمزقها وخشي أن يخالف الكتاب بعضه بعضا فمنعتها إياه"[24].



-------------------------------------------------------------------------
[1] شرح السير الكبير للسرخسي 3/141، تحقيق حسن محمد حسن محمد إسماعيل الشافعي، دار الكتب العلمية، 1997م.

[2] شرح ابن بطال على صحيح البخاري 10/226، تحقيق أبو تميم ياسر بن إبراهيم، مكتبة الرشد، الرياض، 2003م.

[3] مغني المحتاج للشربيني (1/73). تحقيق محمد خليل عيتاني، دار المعرفة، 1997م.

[4] مطالب أولي النهى 1/159، منشورات المكتب الإسلامي، 1961م.

[5] شرح السير الكبير للسرخسي 3/141، تحقيق محمد حسن محمد حسن إسماعيل الشافعي، دار الكتب العلمية، 1997م.

[6] لعل الذخيرة هي مختصر المحيط البرهاني في الفقه النعماني، لبرهان الدين محمد بن تاج الدين أحمد بن برهان الدين عبد العزيز بن عمر مازَة، فالمحيط البرهاني ومختصره للمؤلف نفسه. والله تعالى أعلم. فالمحيط مطبوع متداول، والذخيرة مازالت مخطوطة، وهناك نسخة بالمكتبة الأزهرية بالقاهرة رقم 20856، وأخرى بالجامعة الأردنية رقم 3867.

[7] حاشية ابن عابدين 6/422، مطبعة دار الفكر، 1966م.

[8] حاشية ابن عابدين 1 /177، مطبعة دار الفكر، 1966م.

[9] الدر المختار مع حاشيته 1/177، مطبعة دار الفكر، 1966م.

[10] كشاف القناع 1/166، تحقيق إبراهيم أحمد عبد الحميد، مكتبة نزار مصطفى الباز، مكة المكرمة، 1997م.

[16] حاشية ابن عابدين 1/177، مطبعة دار الفكر، 1966م.

[17] مطالب أولي النهى 1/159، منشورات المكتب الإسلامي، 1961م.

[18] الدر المختار مع حاشية ابن عابدين 1/178. مطبعة دار الفكر، 1966م.

[19] الإتقان في علوم القرآن 6/2259. تحقيق مركز الدراسات القرآنية، طبعة وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية بالمملكة العربية السعودية، 2005م.

[20] تاريخ المدينة لعمر بن شبة 3/1004، تحقيق فهيم محمد شلتوت، مكة المكرمة 1979م.

[21] شرح علل الترمذي لابن رجب الحنبلي 2/519، تحقيق نور الدين عتر، طبعة دار العطاء، 2001م.

[22] طبقات المدلسين لابن حجر ص 46، تحقيق محمد علي الأزهري، دار البيان العربي، 2004م.

[23] معرفة السنن والآثار للبيهقي 1/152، تحقيق عبد المعطي أمين قلعجي، طبعة دار قتيبة للطباعة والنشر، دمشق بيروت، ودار الوعي، حلب، القاهرة، ودار الوفاء، المنصورة القاهرة، 1991م.

[24] تاريخ المدينة لعمر بن شبة 3/1003، تحقيق فهيم محمد شلتوت، مكة المكرمة 1979م.

[25] البخاري (فتح الباري 6/164) كتاب الجهاد والسير، باب كراهية السفر بالمصاحف إلى أرض العدو، طبعة دار الكتب العلمية، 1989م. ومسلم (شرح النووي 13/13) كتاب الإمارة، باب النهي أن يسافر بالمصحف إلى أرض الكفار إذا خيف وقوعه بأيديهم. تحقيق محمد فؤاد عبد الباقي، طبعة دار الكتب العلمية، 1995م. الموطأ برواية يحيى بن يحيى الليثي 1/406، كتاب الجهاد، باب النهي أن يسافر بالقرآن إلى أرض العدو. تحقيق محمد فؤاد عبد الباقي، طبعة المكتبة الثقافية 1988م.



_________________
مدد ياسيدى يارسول الله
مدديااهل العباءة .. مدد يااهل بيت النبوة
اللهم ارزقنا رؤية سيدنا رسول الله فى كل لمحة ونفس


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
عرض مشاركات سابقة منذ:  مرتبة بواسطة  
إرسال موضوع جديد الرد على الموضوع  [ مشاركة واحده ] 

جميع الأوقات تستخدم GMT + ساعتين


الموجودون الآن

المستخدمون المتصفحون لهذا المنتدى: لا يوجد أعضاء مسجلين متصلين و 7 زائر/زوار


لا تستطيع كتابة مواضيع جديدة في هذا المنتدى
لا تستطيع كتابة ردود في هذا المنتدى
لا تستطيع تعديل مشاركاتك في هذا المنتدى
لا تستطيع حذف مشاركاتك في هذا المنتدى
لا تستطيع إرفاق ملف في هذا المنتدى

البحث عن:
الانتقال الى:  
© 2011 www.msobieh.com

جميع المواضيع والآراء والتعليقات والردود والصور المنشورة في المنتديات تعبر عن رأي أصحابها فقط