موقع د. محمود صبيح

منتدى موقع د. محمود صبيح

جميع الأوقات تستخدم GMT + ساعتين



إرسال موضوع جديد الرد على الموضوع  [ 15 مشاركة ] 
الكاتب رسالة
 عنوان المشاركة: معترك الأقران في إعجاز القرآن
مشاركة غير مقروءةمرسل: الثلاثاء إبريل 13, 2021 2:10 pm 
غير متصل

اشترك في: الأحد سبتمبر 18, 2011 10:41 am
مشاركات: 2778

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

مقدمة



(بسم الله الرحمن الرحيم، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
يقول عبيد الله سبحانه عبد الرحمن بن جلال الدين السيوطي عفا الله عنه وغفر له ولوالديه ولجميع المسلمين إنه أرحم الراحمين: الحمد لله الذي جعل معْجزَاتِ هذه الأمَّةِ عَقْلِيَّةً؛ لفَرْطِ ذَكائهم، وكمال أفهامهم، وفَضْلِهم على مَنْ تقدمهم، إذ معجزاتهم حِسيّة لبلاَدتهم، وقلَّةِ بَصِيرتهم، نَحْمَده سبحانه على قوله لرسوله: (وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ) ، وخَصّه بالإعانةِ على التبليغ فلم يقدر أحدٌ منهم على معارَضَتِه بعد تَحَدِّيهم، وكانوا أَفصحَ الفصحاءِ وأبلَغ البلغاء، وأمهلهم طولَ السنين فعجزوا، وقالوا: {لَوْلَا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آيَاتٌ مِنْ رَبِّهِ قُلْ إِنَّمَا الْآيَاتُ عِنْدَ اللَّهِ وَإِنَّمَا أَنَا نَذِيرٌ مُبِينٌ أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ يُتْلَى عَلَيْهِمْ). فأخبر تعالى أَنَّ الكتابَ آية من آياتِه قائمٌ مقامَ معجزاتِ غيره من الأنبياء لفَنَائها بفَنَائهم.
وكانوا أحرصَ الناسِ على إطفاء نُورِه، وإخفاء، أمْرِهِ، فلو كان في مقدرتهم معارضَتُه لعدلوا إليها تقويةً لحججهم، بل عَدلوا إلى العِنَادِ تارةً وإلى الاستهزاء أخرى، فتارةً قالوا: ساحِر، وتارة قالوا: أساطير الأولين؛ كلّ ذلك مِنْ تَحَيّرِهم، ثم رضوا بتحكيم السَّيْفِ في أعناقهم، وسَبْيِ ذَرَارِيهم، وحُرمهم، واستباحة أموالهم، فنصب لهم الحَرْبَ ونصبوا له، وقتَل مِنْ عِلْيَتِهمْ وأعلامهم وأعمامهم وبني أعمامهم، وهو في ذلك يحتجّ عليهم بأن يَأتُوا بسورةٍ واحدة وآياتٍ يسيرة، إذ هي أنْقَض لقوله، وأفسد لأمره، وأبلغُ في تكذيبه، وأسرع في تفريق أتباعِهِ مِنْ بَذْلِ نفوسهم وخروجهم من أوطانهم، مع أنهم أشدّ الخَلْق أَنَفَةً، وأكثرهم مفاخرة، والكلام سَيِّدُ عملهم، فحين لم يجدوا حِيلَةً ولا حجًّة قالوا له: أنْتَ تعرف مِنْ حال الأمم ما لا نَعْرِف، فلذلك يمكنُك ما لا يمكننا.
فقال لهم: هاتوها مفتريات؛ لتَبْكِيتهم، فلم يرُمْ ذلك خطيبٌ، ولا طمع فيه شاعر، ولا طبع منه أو تكلّفه، ولو تكلَّفَة لظهر ذلك، ولو ظهر لوجد مَن يستجيره ويحميه، نصْرَةً لدِينهم، بل أظهر الله دينَه، وخرق العادةَ في أسلوبِ كلامهِ وبلاغته وحلاوتهِ، حتى التَذوا بسماعه ألذّ من أهل اللهْوِ في لهوِهم، وأبقى ذلك فيه إلى صفحات الدهر ليراها ذوو البصائر، كما قال صلى الله عليه وسلم: "ما مِن الأنبياء نَبِيءٌ إلاّ أعطي من الآيات، ما مثْله آمَنَ عليه البَشَر، وإنما كان الذي أوتيته وَحْياً أوْحَاه إليَّ، فأرجو أن أكونَ أكثرهم تابعاً يَوْمَ القيامة". فصلوات الله وسلامه على هذا النبي الكريم الذي أدى الأمانةَ، ونصح أمّتَه إلى رشدهم وهدايتهم، فهو أوْلَى بالمؤمنين من أنفسهم، ورضِيَ الله تعالى عن أصحابه وأتباعِه الذين نَصَروة بأنفسهم وأموالهم.

أما بعد:

فإنَّ إطلاقَ السَّلَفِ رضي الله عنهم على كلامِ اللهِ أنه محفوظ في الصّدور، مقروءٌ، بالألسنة، مكتوب في المصاحف هو بطريق الحقيقة لا بطريق المجاز، وليس يعنون بذلك حلولَ كلام الله تعالى القديم في هذه الأجرام، تعالى الله عن ذلك، وإنما يريدون أنَّ كلامَه جلّ وعلا مذكور مدلول عليه بتلاوة اللسان، وكلام الجَنَان، وكتابة البنَان، فهو موجود فيها حقيقة وعِلْماً لا مدلولاً، لأنَّ الشيءَ له وجودات أربع: وجود في الأذهان، ووجود في الأعيان، ووجود في اللسان، ووجود بالبَنَان، أي بالكتابة بالأصابع، فالوجودُ الأول الذات الحقيقي، وسائر الوجَودات إنما هي باعتبار الدلالة والفَهْم.
وبهذا تعرف أنَّ التلاوةَ غير المتلوّ، والقراءة غير المقروء، والكتابة غير المكتوب، لأنَّ الأول من كل قسمين من هذه الأقسام حادث، والثاني منها قديم لا نهاية له.

وقد أفرد علماؤنا رضيَ الله عنهم بتصنيف إعجاز القرآن، وخاضوا في وجوهِ إعجازِه كثيراً، منهم الخطابي، والرمّاني، والزَّمْلَكاني، والإمام الرازي، وابن سراقة، والقاضي أبو بكر الباقِلاني، وأنهى بعضهم وجوه إعجازه إلى ثمانين.

والصواب أنه لا نهاية لوجوه إعجازه كما قال السكاكي في المفتاح: اعلم أن إعجاز القرآن يدرك ولا يمكن وصفه، كاستقامة الوزن تدرك ولا يمكن وصفها، وكالملاحة، وكما يدرك طيب النغم العارض لهذا الصوت، ولا يدرك تحصيله لغير ذوي الفطر السليمة إلا بإتقان علمي المعاني والبيان والتمرين فيهما.

وقال الأصبهاني في تفسيره: اعلم أن إعجاز القرآن ذكر من وجهين:
أحدهما: إعجاز يتعلق بنفسه.
والثاني: بصرف الناس عن معارضته، فالأول إما أن يتعلق بفصاحته وبلاغته أو بمعناه.
أما الإعجاز المتعلق بفصاحته وبلاغته فلا يتعلق بعنصره الذي هو اللفظ والمعنى، فإن ألفاظه ألفاظهم، قال تعالى: (قرْآناً عَرَبِيًّا)، (بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ). ولا بمعانيه، فإن كثيراً منها موجود في الكتب المتقدمة، قال تعالى: (وَإِنَّهُ لَفِي زُبُرِ الْأَوَّلِينَ). وما هو في القرآن من المعارف الإلهية وبيان المبدأ والمعاد، والإخبار بالغيب، فإعجازه ليس براجع إلى القرآن من حيث هو قرآن، بل لكونها حاصلة من غير سبق تعليم وتعلم، ولكون الإخبار بالغيب إخبارا بالمغيب سواء كان بهذا النظم أو بغيره، مورَداً بالعربية أو بلغة أخرى، بعبارة أو إشارة، فإذاً فالنظم المخصوص صورة القرآن، واللفظ والمعنى عنصره، وباختلاف الصور يختلف حكم الشيء واسمه لا بعنصره، كالقرط والخاتم والسوار، فإنه باختلاف صورها اختلفت أسماؤها، لا بعنصرها الذي هو الذهب والفضة والحديد، فإن الخاتم المتخذ من الذهب ومن الفضة ومن الحديد يسمى خاتماً،وإن كان العنصر مختلفاً.
وإن اتخذ خاتم وقرْط وسوار من ذهب اختلفت أسماؤها باختلاف صورها وإن كان العنصر واحدا. قال: فظهر من هذا أن الإعجاز المختص بالقرآن يتعلق بالنظم المخصوص.
وبيان كون النظم معجزاً يتوقف على بيان نظم الكلام، ثم بيان أن هذا النظم مخالف لما عداه من النظم.

فنقول: مراتب تأليف الكلام خمس:

الأولى: ضم الحروف المبسوطة بعضها إلى بعض لتحصل الكلمات الثلاث الاسم والفعل والحرف.

والثانية: تأليف هذه الكلمات بعضها إلى بعض، فتحصل الجمل المفيدة، وهو النوع الذي يتداوله الناس جميعًا في مخاطباتهم وقضاء حوائجهم، ويقال له المنثور من الكلام.

والثالثة: ضم بعض ذلك إلى بعض ضما له مَبَادٍ ومقاطع، ومداخل ومخارج، ويقال له المنظوم.

والرابعة: أن يعتبر في أواخر الكلام مع ذلك تسجيع، ويقال له السجع.

والخامسة: أن يجعل له مع ذلك وزن، ويقال له الشعر.

والمنظوم إما محاورة، ويقال له الخطابة، وإما مكاتبة ويقال له الرسالة، فأنواع الكلام لا تخرج عن هذه الأقسام، ولكل من ذلك نظم مخصوص.

والقرآن جامع لمحاسن الجميع على غير نظم لشيء منها، يدل على ذلك أنه لا يصح أن يقال له رسالة أو خطابة أو شعر أو سجع، كما يصح أن يقال هو كلام، والبليغ إذا قرع سمعه فصل بينه وبين ما عداه من النظم؛ ولهذا قال تعالى: {وَإِنَّهُ لَكِتَابٌ عَزِيزٌ (41) لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ}؛ تنبيهًا على أن تأليفه ليس على هيئة نظْم يتعاطاه البشر، فيمكن أن يغير بالزيادة والنقصان كحالة الكتب الأخرى.

قال: وأما الإعجاز المتعلق بصرف الناس عن معارضته فظاهر أيضاً إذا اعتبر، وذلك أنه ما من صناعة كانت محمودة أو مذمومة إلا وبينها وبين قوم مناسبات خفية واتفاقات فعلية، بدليل أن الواحد يؤثر حرفة من الحرف فينشرح صدره بملابستها، وتطيعه قواه في مباشرتها، فيقبلها بانشراح صدر ويزاولها بقلبه، فلما دعا الله أهل البلاغة والخطابة الذين يهيمون في كل واد من المعاني بسلاطة لسانهم إلى معارضة القرآن، وعجزوا عن الإتيان بمثله، ولم يقصدوا لمعارضته، فلم يخف على ذوي البلاغة أن صارفا إلهياً صرفهم عن ذلك، وأيُّ إعجاز أعظم من أن يكون كافة البلغاء عجزوا في الظاهر عن معارضة، مصروفة في الباطن عنها.

فإن قلت: هل يعلم إعجاز القرآن ضرورة أم لا؟

فالجواب: ظهور ذلك على النبي- صلى الله عليه وسلم- يعلم ذلك، ضرورة، وكونه معجزا يعلم بالاستدلال. قال أبو الحسن الأشعري: والذي نقوله: إن الأعجمي لا يمكنه أن يعلم إعجازه إلا استدلالاً، وكذلك من ليس ببليغ، فأما البليغ الذي أحاط بمذاهب العرب وغرائب الصنعة فإنه يعلم من نفسه ضرورة عجزه وعجز غيره عن الإتيان بمثله.

فإن قلت: إنما وقع العجز في الإنس دون الجن؟

فالجواب: أن الجن ليسوا من أهل اللسان العربي الذي جاء القرآن على أساليبه، وإنما ذكروا في قوله تعالى: {قلْ لَئِن اجْتَمَعَت الإنْس وَالْجِنّ}؛ تعظيما لشأنه، لأن للهيئة الاجتماعية من القوة ما ليس للأفراد، فإذا فرِض إجماع الثقلين، وظاهر بعضهم بعضا، وعجزوا عن المعارضة كان الفريق الواحد أعجز.

وقال بعضهم: بل وقع للجن أيضاً والملائكة منويون في الآية؛ لأنهم لا يقدرون أيضاً على الإتيان بمثل القرآن.

وقال الرُّماني في غرائب التفسير: إنما اقتصر في الآية على ذكر الجن والإنس؛ لأنه- صلى الله عليه وسلم- كان مبعوثاً إلى الثقلين دون الملائكة.

فإن قلت: قد قال تعالى: {وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا}. وقد وجدنا فيه اختلافا وتفاوتا في الفصاحة، بل نجد فيه الأفصح والفصيح.

والجواب: أنه لو جاء القرآن على غير ذلك لكان على غير النمَط المعتاد في كلام العرب من الجمع بين الأفصح والفصيح، فلا تتم الحجة في الإعجاز، فجاء على نمط كلامهم المعتاد ليتم ظهور العجز عن معارضته ولا يقولوا مثلاً: أتيت بما لا قدرة لنا على جنسه، كما لا يصح للبصير أن يقول للأعمى: قد غلبتك بنظري، لأنه يقول له: إنما تتم لك الغلبة لو كنت قادراً على النظر، وكان نظري أقوى من نظرك، فأما إذا فقد أصل النظر فكيف تصح مني المعارضة.

وقيل: إن الحكمة في تنزيه القرآن عن الشعر الموزون- مع أن الشعر الموزون من الكلام رُتْبَته فوق رتبة غيره- إن القرآن منبع الحق، وجمع الصدق، وقصارى أمر الشاعر التخييل بتصور الباطل في صورة الحق، والإفراط في الإطراء، والمبالغة في الذم والإيذاء، دون إظهار الحق، وإثبات الصدق، ولهذا نزه الله نبيه- صلى الله عليه وسلم- عنه، ولأجل شهرة الشعر بالكذب سَمَّى أصحاب البرهان القياسات المؤدية في أكثر الأمر إلى البطلان والكذب: شِعْريّة.

وقال بعض الحكماء: لم يُرَ متَدَيِّن صادق اللهجة مُفْلق في شعره.

وأما ما وجِد في القرآن مما صورته صورة الموزون فالجواب عنه: أن ذلك لا يسمى شعراً، لأن من شرط الشعر القصد، ولو كان شعراً لكان من اتفق له في كلامه شيء موزون شاعراً، فكان الناس كلهم شعراء، لأنه قل أن يخلو كلام أحد عن ذلك، وقد ورد ذلك على الفصحاء، فلو اعتقدوه شعرا لبادروا إلى معارضته والطعن عليه؛ لأنهم كانوا أحرص شيء على ذلك، وإنما يقع ذلك لبلوغ الكلام الغاية القصْوى في الانسجام، وقيل: البيت الواحد وما كان على وزنه لا يسمى شعراً، وأقل الشعر بيتان فصاعدا، وقِيل: الرجز لا يسمى شعراً أصلا. وقيل:أقل ما يكون من الرجز شعراً أربعة أبيات، وليس ذلك في القرآن بحال.

قال الغزالي: الاختلاف لفظ مشترك بين معان، وليس المراد نفي اختلاف الناس فيه، بل نفي الاختلاف عن ذات القرآن، يقال: هذا كلام مختلف، أي لا يشبه بعضه بعضاً، أو لا يشبه أوله آخره، أو بعضه يدعو إلى الدين وبعضه يدعو إلى الدنيا، وهو مختلف النّظْم، فبعضه على وزن الشعر وبعضه منزحف، وبعضه على أسلوب مخصوص في الجزالة، وبعضه على أسلوب يخالفه، وكلام الله مُنَزه عن هذه الاختلافات، فإنه على منهاج واحد في النظم يناسب أوله آخره، وعلى درجة واحدة في الفصاحة، فليس يشتمل على الغث والسمين، ومسوق بمعنى واحد، وهو دعوة الخلق إلى الله تعالى، وصرفُهم عن الدنيا إلى الدين، وكلام الآدميين يتطرق إليه هذه الاختلافات، إذ كلام الشعراء والمراسلين إذا قيس عليه وجِد فيه اختلاف في منهج النظم، ثم اختلاف في درجات الفصاحة، ثم في أصل الفصاحة، حتى يشتمل على الغَثّ والسمين، ولا تتساوى رسالتان ولا قصيدتان، بل تشتمل قصيدة على أبيات فصيحة وأبيات سخيفة، وكذلك تشتمل القصائد والأغراض على أغراض مختلفة؛ لأن الشعراء والفصحاء في كل واد يهيمون، فتارة يمدحون الدنيا، وتارة يذمونها، وتارة يذمون الجُبْنَ ويسمونه ضَعْفاً، وتارة يمدحونه ويسمونه حزماً، وتارة يمدحون الشجاعة ويسمونها صرامة، وتارة يذمونها ويسمونها تهوراً. ولا ينفك كلام آدمي عن هذه الاختلافات، لأن منشأها اختلاف الأغراض والأحوال. والإنسان تختلف أحواله فتسعده الفصاحة عند انبساط الطبع وفرحه، وتتعذر عليه عند الانقباض، وكذلك تختلف أغراضه فيميل إلى الشيء مرة ويميل عنه أخرى، فيوجب ذلك اختلافاً في كلامه بالضرورة، فلا يصادَف إنسان يتكلم في ثلاث وعشرين سنة- وفي مدة نزول القرآن- فيتكلم على غرض واحد ومنهاج واحد.
وقد كان النبي- صلى الله عليه وسلم- بشراً تختلف أحواله، فلو كان هذا كلامه أو كلام غيره من البشر لوجدوا فيه اختلافاً كثيراً.

فإن قلت: هل يقال إن غير القرآن من كلام الله معجز كالتوراة والإنجيل؟

فالجواب: ليس شيء من ذلك معجزاً في النظم والتأليف، وإن كان معجزاً كالقرآن فيما يتضمن من الإخبار بالغيوب. وإنما لم يكن معجزاً لأن الله لم يصفه بما وصف به القرآن، ولأنّا قد علمنا أنه لم يقع التحدي إليه كما وقع في القرآن، ولأن ذلك اللسان لا يتأتى فيه من وجوه الفصاحة ما يقع به التفاضل الذي ينتهي إلى حد الإعجاز.

وقد ذكر ابن جنيّ في الخاطريات في قوله تعالى: {يَا مُوسَى إِمَّا أَنْ تُلْقِيَ وَإِمَّا أَنْ نَكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَلْقَى}. أن العدول عن قوله: وإما أن نلقي لغرضين:

أحدهما: لفظي، وهو المزاوجة لرؤوس الآي.

والثاني: معنوي، وهو أنه تعالى أراد أن يخبر عن قوة أنفس السحرة واستطالتهم على موسى، فجاء عنهم باللفظ أتم وأوفى منهم في إسنادهم الفعل إليه.
تم أورد سؤالا، وهو أنا نعلم أن السحرة لم يكونوا أهل لسان، فنذهب بهم هذا المذهب من صنعَة الكلام. وأجاب بأن جميع ما ورد في القرآن حكاية عن غير أهل اللسان من القرون الخالية إنما هو معرَّب عن معانيهم، وليس هو بحقيقة ألفاظهم. ولهذا لا يشك أن قوله تعالى: {قَالُوا إِنْ هَذَانِ لَسَاحِرَانِ يُرِيدَانِ أَنْ يُخْرِجَاكُمْ مِنْ أَرْضِكُمْ بِسِحْرِهِمَا وَيَذْهَبَا بِطَرِيقَتِكُمُ الْمُثْلَى}. إن هذه الفصاحة لم تجر على لغة العجم.

قال أبو حيان التوحيدي: سئل بُندار الفارسي عن موضع الإعجاز من القرآن، فقال: هذه مسألة فيها حَيْف على المفتي، وذلك أنه شبيه بقولكم: موضع الإنسان من الإنسان، فليس للإنسان موضع من الإنسان، بل متى أشرت إلى جملته فقدت حقيقته ودللت على ذاته، كذلك القرآن لشرفه لا يشار إلى شيء منه إلا وكان ذلك المعنى آية في نفسه ومعجزة لمحاوِله، وأهدى لقائله، وليس في طاقة البشر الإحاطة بأغراض الله في كتابه، فلذلك حارت العقول وتاهت البصائر عنده.

فإذا علمت عَجْزَ الخلق عن تحصيل وجوه إعجازه فما فائدة ذكرها؟

لكنا نذكر بعضها تَطَفلاً على من سبق، فإن كنتُ لا ممن أجول في ميدانهم، ولا أعَدّ من فرسانهم لعَمْرك إن دار كريم أبناء الدنيا تتحمل من تطفّل عليه فكيف بأكرم الأكرمين وأرحم الراحمين، وإن كانت بعض الأوجه لا تعد عن إعجازه فإنما ذكرتها للاطلاع على بعض معانيه، فيثلج له صدرك، وتبتهج نفسك، فإن وجدت له حلاوة فلا تنس أخاك الغريق بدعوة أن يتفضل عليه سبحانه في دار كرامته بخلق سَمْع وقوة حتى يدرك به كلامه القديم، فإنه منعه في هذه الحياة الدنيوية لذيذَ المناجاة له بسبب ذنوبه، مصداقه قوله تعالى: {سأصْرِف عَنْ آياتِي الّذِينَ يتَكَبَّرونَ فِي الْأرْضِ بِغَيْرِ الْحَق}.

وانظر إلى ما صح عن كليمه موسى عليه السلام أنه كان يسد أذنيه لئلا يسمع كلام الخلق، إذ صار عنده أشد ما يكون من أصوات البهائم المنكرة، حتى لم يكن يستطيع سماعه بِحِدْثان ما ذاق من اللذات التي لا يحاط بها ولا تكيَّف عند سماع كلام من ليس كمثله شيء جل وعلا. ولولا أنه سبحانه يغيّبه عما ذاق عند مناجاته مما لا يقدر على وصفه لما أمكن أن يأنس إلى شيء من المخلوقات أبداً، ولما انتفع به أحد، فسبحانه من لطيف، ما أوسع كرمه وأعظم جلاله!
ومن أعجب الأمر في هذا عدم ذوبان اللذات وتلاشيها حتى تصير عدماً محضاً عند اطلاعها من ذي الجلال عما اطلعت عليه، لولا أنه أثبتها وأمسكها، يشهد لهذا ما صح عن ابن الأسمر- وكان من الأبدال- أنه رأى مرة في نومه حوراء كلمته فبقي نحو شهرين أو ثلاثة لا يستطيع أن يسمع كلاماً إلا تقيأه.

فانظر هذا الأمر كيف صار كلام الناس بالنسبة إلى كلام الحوراء الذي هو من جنس كلامهم أدنى وأقبح من صوت الحمير والكلاب بالنسبة إلى كلام الناس، إذ لا تجد من يتقيأ من سماع صوت الحمير أو الكلاب، ولو سمعته إثر سماعك أفصح كلام وأعذبه، فكيف نسبة كلام الخلق إلى كلام الخالق الذي جلّ عن المثل في ذاته وصفاته وأفعاله.
وقال أيضاً رضي الله عنه: دخلت مسجد نبي بالإسكندرية بالديمان، فوجدت النبي المدفون هناك قائماً يصلي، عليه عباءة مخططة، فقال: تقدم فَصَلِّ!
قلت له: تقدم أنت فَصَلِّ.
قال: إنكم من أمة نبي لا ينبغي لنا التقدم عليه.
قال: قلت له: بحق هذا النبي- وقد وضع فمه على فمي إجلالا للفظة النبي كي لا تبرز في الهواء- قال: فتقدمت وصليت.


فانظر إلى هذا المصاب الحالّ بنا في عدم احترامنا لذكر هذا الرسول والكتاب المنزل عليه، فقف به على قدم الاعتذار، واكشف رأس التَجَبّر والاستكبار، ونادِ بلسان الاضطرار: {رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ}، لعلك تسمع كلامه إذ تشفعتَ إليه بكلامي فأنت من المقبولين، وتنال بذلك الفوز مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصِّدِّيقين، وحاشاك نسيان أخيك الجالب لك من أسرار كلامه تعالى ما تزيد فيه حلاوته والنظر فيه يزيدك لي محبة) انتهى.

معترك الأقران في إعجاز القرآن (1/ 3-12)


_________________
مددك يا سيدي يا رسول الله صلى الله عليك و على آلك و سلم

الغوث يا سيدي رسول الله صلى الله عليك و على آلك و سلم

الشفاعة يا سيدي يا رسول الله صلى الله عليك و على آلك و سلم


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة: Re: معترك الأقران في إعجاز القرآن
مشاركة غير مقروءةمرسل: الثلاثاء إبريل 13, 2021 5:18 pm 
غير متصل

اشترك في: الأربعاء فبراير 03, 2010 12:20 am
مشاركات: 7603
شكر الله لك سيدنا البخاري
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
اللهم صل على سيدنا محمد وعلى آل سيدنا محمد كما صليت على سيدنا إبراهيم وعلى آل سيدنا إبراهيم

وبارك على سيدنا محمد وعلى آل سيدنا محمد كما باركت على سيدنا إبراهيم وعلى آل سيدنا إبراهيم

في العالمين إنك حميد مجيد.

_________________
صلوات الله تعالى تترى دوما تتوالى ترضي طه والآلا مع صحب رسول الله


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة: Re: معترك الأقران في إعجاز القرآن
مشاركة غير مقروءةمرسل: الثلاثاء إبريل 13, 2021 7:36 pm 
غير متصل

اشترك في: الخميس مارس 29, 2012 9:53 pm
مشاركات: 45691

بارك الله فيكم الفاضل / البخارى وجزاكم الله خيرا كثيرا

اللهم انفعنا بالقراّن واجعله زادا لنا فى الدنيا ونورا لنا فى الاّخره


_________________
أستغفر الله العلى العظيم الذى لا اله الاّ هو الحى القيوم وأتوب اليه
أستغفر الله العلى العظيم الذى لا اله الاّ هو الحى القيوم وأتوب اليه
أستغفر الله العلى العظيم الذى لا اله الاّ هو الحى القيوم وأتوب اليه


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة: Re: معترك الأقران في إعجاز القرآن
مشاركة غير مقروءةمرسل: الثلاثاء إبريل 13, 2021 7:41 pm 
غير متصل

اشترك في: السبت أكتوبر 08, 2011 9:22 pm
مشاركات: 2916
حامد الديب كتب:

بارك الله فيكم الفاضل / البخارى وجزاكم الله خيرا كثيرا

اللهم انفعنا بالقراّن واجعله زادا لنا فى الدنيا ونورا لنا فى الاّخره


_________________
يارب بالــمــصـطــفى بــلـغ مـقـاصــدنا --- واغفر لنا ما مضى يا واسع الكرم

واغفر إلهى لكل المسلمين بما --- يتلون فى المسجد الأقصى وفى الحرم

بجاه من بيته فى طيبة حرم --- واسمه قسم من أعظم القسم


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة: Re: معترك الأقران في إعجاز القرآن
مشاركة غير مقروءةمرسل: الخميس إبريل 15, 2021 1:36 pm 
غير متصل

اشترك في: الأحد سبتمبر 18, 2011 10:41 am
مشاركات: 2778
مولانا الفاضل الشيخ فراج يعقوب

الأخ الفاضل دكتور حامد الديب

الأخ الفاضل النووي

بارك الله فيكم وجزاكم الله خيرا

ولا حرمنا الله منكم

وشكرا على مروركم الكريم

_________________
مددك يا سيدي يا رسول الله صلى الله عليك و على آلك و سلم

الغوث يا سيدي رسول الله صلى الله عليك و على آلك و سلم

الشفاعة يا سيدي يا رسول الله صلى الله عليك و على آلك و سلم


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة: Re: معترك الأقران في إعجاز القرآن
مشاركة غير مقروءةمرسل: الخميس إبريل 15, 2021 1:56 pm 
غير متصل

اشترك في: الأحد سبتمبر 18, 2011 10:41 am
مشاركات: 2778

(من وجوه الإعجاز)



"الوجه الأول من وجوه إعجازه: وكيف لا وقد احتوى على علوم ومعارف لم يجمعها كتاب من الكتب، ولا أحاط بعلمها أحد في كلمات قليلة وأحرف معدودة.
قال تعالى: {مَا فَرَّطْنَا فِي الْكتَاب مِنْ شَيْء}، وقال: {وَنَزَلْنَا عَلَيْكَ الْكتَابَ تِبْيَاناً لكلً شيْء}.
وقال صلى الله عليه وسلم: {ستكون فتن، قيل: وما المخرج منها، قال: كتاب الله، فيه نبأ ما قبلكم، وخبر ما بعدكم، وحكم ما بينكم}. أخرجه الترمذي وغيره.

وأخرج سعيد بن منصور، عن ابن مسعود، قال: (من أراد العلم فعليه بالقرآن، فإن فيه علم الأولين والآخرين). قال البَيْهَقِي: يعني أصول العلم.

وأخرج البيهقي عن الحسن، قال: أنزل الله مائة كتاب وأربعة كتب، أودع علومها أربعة منها: التوراة، والإنجيل، والزبور، والفرقان، ثم أودع علوم الثلاثة في الفرقان.

وقال الإمام الشافعي رضي الله عنه: جميع ما تقوله الأمة شرح للسنة، وجميع السنة شرح للقرآن.

وقال أيضاً: جميع ما حكم به النبي- صلى الله عليه وسلم- فهو مما فهمه من القرآن.
ويؤيده قوله- صلى الله عليه وسلم-: {إني لا أحِلّ إلا ما أحلّ الله في كتابه، ولا أحَرِّم إلا ما حرم الله في كتابه}. أخرجه بهذا اللفظ الشافعي في الأم.

وقال سعيد بن جبَيْر: ما بلغني حديث عن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- على وجه إلا وجدتُ مِصْداقه في كتاب الله.

وقال ابن مسعود: إذا حدثتكم بحديث أنبأتكم بتصديقه من كتاب الله. أخرجهما ابن أبي حاتم.

وقال الشافعي أيضاً: لَيْسَتْ تَنْزِل بأحد في الدين نازلة إلا وفي كتاب الله الدليل علي سبيل الهدى فيها.
فإن قيل: من الأحكام ما ثبت ابتداءً بالسنة، قلنا: ذلك مأخوذ من كتاب الله في الحقيقة، لأن كتاب الله أوجب علينا اتباع الرسول- صلى الله عليه وسلم-، وفرض علينا الأخذ بقوله.

وقال الشافعي مرة بمكة: سَلوني عما شئتم أخبركم عنه من كتاب الله. فقيل له: ما تقول في المحرم يقتل الزنبور، فقال: بسم الله الرحمن الرحيم، {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا}. وحدثنا سفيان بن عيينة عن عبد الملك بن عمير، عن رِبْعِيّ بن حِرَاش، عن حذيفة بن اليمان عن النبي- صلى الله عليه وسلم- أنه قال: {اقتدوا باللذين من بعدي: أبي بكر وعمر}.

وحدثنا سفيان عن مِسْرَ بن كِدَام، عن قيس بن مسلم، عن طارق بن شهاب، عن عمر بن الخطاب: أنه أمر بقتل المحرم الزنبور.

وأخرج البخاري عن ابن مسعود أنه قال: (لعن الله الواشِمَة والمستوشمة، والمتنَمِّصَات والْمُتَفَلِّجات للحسن، المغَيًرات خلق الله). فبلغ ذلك امرأة من بني أسد، فقالت له: بلغني أنك لعنت كيْتَ وكيت! فقال: ومالي لا ألعن مَنْ لعنه رسول الله- صلى الله عليه وسلم- وهو في كتاب الله، فقالت: "قد قرأت ما بين اللوحين فما وجدت فيه ما تقول". قال: إن كنت قرأتيه فقد وجدتيه. أما قرأت: {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا}. قالت: بلى. قال: فإنه قد نهى عنه.

وحكى ابن سرَاقة في كتاب الإعجاز عن أبي بكر بن مجاهد، أنه قال: ما شيء في العالم إلا وهو في كتاب الله عز وجل، فقيل: فأين ذكر الخانات، قال في قوله عز وجل: {لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ مَسْكُونَةٍ فِيهَا مَتَاعٌ لَكُمْ}. فهي الخانات.

وقال ابن برجَان: ما قال النبي- صلى الله عليه وسلم- من شيء فهو في القرآن أو فيه أصله قَرب أو بعد، فَهمَه مَنْ فَهمَهُ، وعَمِيَ عنه من عمي، وكذا كل ما حكم أو قضى به، وإنما يدركه الطالب من ذلك بقدر اجتهاده وبذل وسعه ومقدار فهمه.

وقال غيره: ما من شيء إلا يمكن استخراجه من القرآن لمن فهّمه الله، حتى إن بعضهم استنبط عمْر النبي- صلى الله عليه وسلم- ثلاثاً وستين سنة من قوله في سورة المنافقين: (وَلَنْ يُؤَخِّرَ اللَّهُ نَفْسًا إِذَا جَاءَ أَجَلُهَا) . فإنها رأس ثلاث وستين سورة وأعقبها بالتغابن في فقده.

وقال أبن أبي الفضل المرسي: جمع القرآن علوم الأولين والآخرين بحيث لم يحط بها علماً حقيقة إلا واهبها والمتكلم بها، ثم رسول الله- صلى الله عليه وسلم- ما خلا ما استأثر به سبحانه، ثم ورث عنه معظم ذلك سادات الصحابة وأعلامهم، مثل الخلفاء الأربعة، وابن مسعود، وابن عباس، حتى قال: لو ضاع لي عِقَال بعير لوجدته في كتاب الله. ثم ورث عنهم التابعون بإحسان، ثم تقاصرت الهمم، وفترت العزائم، وتضاءل أهل العلم، وضعفوا عن حمل ما حمله الصحابة والتابعون من علومه وسائر فنونه، فنوعوا علومه، وقامت كل طائفة بفن من فنونه.

فاعتنى قوم بضبط لغاته، وتحرير كلماته، ومعرفة مخارج حروفه، وعد كلماته وآياته وسوره، وأحزابه، وأنصافه وأرباعه، وعدد سجداته، والتعليم عند كل عشر آيات، إلى غير ذلك، من حصر الكلمات المتشابهة، والآيات المتماثلة، من غير تعرض لمعانيه، ولا تدبر لما أودع فيه، فسمّوا القراء.

واعتنى النحاةُ بالمعرب منه والمبنيِّ من الأسماء والأفعال، والحروف العاملة وغيرها، وأوسعوا الكلام في الأسماء وتوابعها، وضروب الأفعال واللازم والمتعدي، ورسوم خط الكلمات، وجميع ما تعلق به، حتى إن بعضهم أعرب مشكله، وبعضهم أعربه كلمة كلمة.

واعتنى المفسرون بألفاظه، فوجدوا منه لفظاً يدل على معنى واحد، ولفظا يدل على معنيين، ولفظاً يدل على أكثر، فأجروا الأول على حُكمه، وأوضحوا معنى الخفي منه، وخاضوا في ترجيح أحد محتملات ذي المعنيين والمعاني، وأعمل كلّ فكره، وقال بمقتضى نظره.

واعتنى الأصوليون بما فيه من الأدلة العقلية، والشواهد الأصلية والنظرية، مثل قوله: {لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا}. إلى غير ذلك من الآيات الكثيرة، فاستنبطوا منه أدلة على وحدانية الله ووجوده، وقِدَمه، وبقائه، وقدرته وعلمه، وتنزهه عما لا يليق به، وسموا هذا العلم بأصول الدين.

وتأملت طائفة منهم معاني خطابه، فرأت منها ما يقتضي العموم، ومنها ما يقتضي الخصوص إلى غير ذلك، فاستنبطوا منها أحكام اللغات من الحقيقة والمجاز، وتكلموا في التخصيص والإخبار، والنص والظاهر والمجمل، والمحكم والمتشابه، والأمر والنهي، والنسخ، إلى غير ذلك من أنواع الأقيسة، واستصحاب الحال والاستقراء، وسموا هذا الفن أصول الفقه.

وأحكمت طائفة صحيحَ النظر وصادقَ الفكر فيما فيه من الحلال والحرام، وسائر الأحكام، فأسسوا أصوله، وفرَّعوا فروعه، وبسطوا القول في ذلك بسطا حسناً، وسموه بعلم الفروع وبالفقه أيضاً.

وتَلَمَّحَتْ طائفة ما فيه من قصص القرون السابقة والأمم الخالية، ونقلوا أخبارهم، ودوّنوا آثارهم ووقائعهم حتى ذكروا بدء الدنيا وأول الأشياء، وسموا ذلك بالتاريخ والقصص.

وتنبه آخرون لما فيه من الحكم والأمثال والمواعظ التي تقلقل قلوب الرجال، وتكاد تدكدك الجبال، فاستنبطوا مما فيه- من الوعد والوعيد، والتحذير والتبشير، وذكْر الموت والْمَعَاد، والنشر والحشر، والحساب والعقاب، والجنة والنار- فصولاً من المواعظ، وأصولاً من الزواجر، فسموا بذلك الخطباء والوعاظ.

واستنْبَط قوم مما فيه من أصول التعبير مثْلَ ما ورد في قصة يوسف في البقرات السمَان، وفي منامي صاحبي السجن، وفي رؤياه الشمس والقمر والنجوم ساجدة، وسموه تعبير الرؤيا، واستنبطوا تفسير كل رؤيا من الكتاب، فإن عزّ عليهم إخراجها منه فمن السنة التي هي شارحة للكتاب، فإن عسر فَمِنَ الْحِكَم والأمثال، ثم نظروا إلى اصطلاح العوام في مخاطباتهم وعرْف عاداتهم الذي أشار إليه القرآن بقوله: {وَأمُرْ بِالْعُرْفِ}.

وأخذ قوم ما في آية المواريث من ذكر السِّهَام وأربابها وغير ذلك، وسموه الفرائض، واستنبطوا منها من ذكر النصف والثلث والربع والسدس والثَّمْن حسابَ الفرائض ومسائل العَوْل، واستخرجوا منه أحكام الوصايا.

ونظر قوم إلى ما فيه من الآيات الدالة على الحِكَم الباهرة، في الليل والنهار، والشمس والقمر ومنازله، والنجوم والبروج، وغير ذلك، فاستخرجوا منه المواقيت.

ونظر الكتابُ والشعراء إلى ما فيه من جزالة اللفظ، وبديع النظم، وحُسْن السياق، والمبادي والمقاطع، والخالص، والتلوين في الخطاب، والإطناب والإيجاز، وغير ذلك، فاستنبطوا منه المعاني والبيان والبديع.

ونظر فيه أربابُ الإشارات وأصحاب الحقيقة فلاح لهم من ألفاظه معان ودقائق جعلوا لها أعلاماً اصطلحوا عليها، مثل الفناء والبقاء والحضور، والخوف، والهيبة، والأنس والوحشة، والقَبْض والبسط، وما أشبه ذلك.
هذه الفنون التي أخذتها الملة الإسلامية منه.

وقد احتوى على علوم أخَر من علوم الأوائل، مثل، الطب، والجدل، والهيئة، والهندسة، والجبر، والمقابلة، والنجامة، وغير ذلك:

أما الطبُّ فمداره على حفظ نظام الصحة واستحكام القوة، وذلك إنما يكون باعتدال المزاج بتفاعل الكيفيات المتضادة. وقد جمع ذلك في آية واحدة، وهي قوله: {وكانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا}.
وعرّفنا فيه بما يفيد نظام الصحة بعد اختلاله، وحدوثَ الشفاء للبدن بعد اعتلاله في قوله: {شَرَابٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ فِيهِ شِفَاءٌ لِلنَّاسِ}. ثم زاد على طب الأجساد طِبَّ القلوب وشفاء الصدور.

وأما الهيئة ففي تضاعيف سوره من الآيات التي ذكر فيها ملكوت السماوات والأرض وما بثّ فيها في العالم العلوي والسفلي من المخلوقات.

وأما الهندسة ففي قوله: {انْطَلِقُوا إلى ظِل ذِي ثَلاَثِ شُعَبٍ} .

وأما الجدَل فقد حوت آياته من البراهين والمقدمات والنتائج، والقول بالموجب والمعارضة، وغير ذلك، شيئاً كثيراً. ومناظرة إبراهيم نُمْرُود ومحاجّته قومه أصل في ذلك عظيم.

وأما الجَبْر والمقابلةفقد قيل: إن أوائل السور فيها ذكر مُدَد وأيام وأعوام لتواريخ أمم سالفة، وإن فيها تاريخ بقاء هذه الأمة، وتاريخ مدة الدنيا، وما مضى، وما بقي، مضروب بعضها في بعض.

وأما النِّجامة ففي قوله: {أو أثَارَةٍ مِنْ عِلْمٍ}. وقد فسره بذلك ابن عباس.

وفيه أصول الصنائع وأسماء الآلات التي تدعو الضرورة إليها:

كالخياطة في قوله: {وَطَفِقَا يخْصِفَان عليهما}.

والحِدَادة: {آتُوني زُبَرَ الحديد}. {وَألَنَّا له الْحَديد}.

والبناء في آيات،

والنًجارة: {وَاصْنَعِ الْفُلْكَ بِأعْيُنِنا}.

والغَزْل: {نقضَتْ غَزْلَها}.

والنسج: {كمثَلِ العَنْكَبُوت اتًخَذَتْ بَيْتًا}.

والفِلاَحة: {أفرأيْتُمْ مَا تَحْرُثون}.

والصيد في آيات.

والغَوْص: {كُلَّ بَنَّاءٍ وَغَوَّاصٍ}. {وَتَسْتَخْرِجُوا مِنْهُ حِلْيَةً تَلْبَسُونَهَا}.

والصياغة: {وَاتَّخَذَ قَوْمُ مُوسَى مِنْ بَعْدِهِ مِنْ حُلِيِّهِمْ عِجْلًا جَسَدًا لَهُ خُوَارٌ}.

والزّجَاجَة: {صَرْحٌ مُمَرَّدٌ مِنْ قَوَارِيرَ}. {مِصْبَاحٌ الْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ}.

والفخارة: {فَأَوْقِدْ لِي يَا هَامَانُ عَلَى الطِّينِ}.

والملاحة: {أما السفينة}.

والكتابة: {علَّم بالقلم}.

والْخَبْز: {أَحْمِلُ فَوْقَ رَأْسِي خُبْزًا}.

والطبخ: {بِعِجْلٍ حَنِيذٍ}.

والغسل: {وثيابك فَطَهرْ}.

والقِصَارة: {قال الحواريون}، وهم القصّارون.

والجزارة: {إلا ما ذَكَّيْتُمْ}.

والبيع والشراء في آيات.

الصبغ: {صِبْغَةَ اللهِ}. {جُدَدٌ بِيضٌ وَحُمْرٌ}.

والحجارة: {وتَنْحِتُونَ مِنَ الْجِبَالِ بيوتاً}.

والكيالة والوزن في آيات.

والرّمْي: {وما رمَيْتَ إذْ رَمَيْتَ}. {وأعِدُّوا لهم ما استطعتُمْ مِنْ قوة}.

وفيه من أسماء الآلات وضروب المأكولات والمشروبات والمنكوحات، وجميع ما وقع ويقع في الكائنات ما يحقق معنى قوله تعالى: {مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ}. انتهي من كتاب المرسي ملخصاً.

وقال ابن سراقة في وجوه إعجاز القرآن: ما ذكر الله فيه من أعداد الحساب والجمع والقسمة والضرب، والموافقة والتأليف، والمناسبة والتصنيف، والمضاعفة؛ ليعلم بذلك أهلُ العلم بالحساب أنه- صلى الله عليه وسلم- صادق في قوله: إن القرآن ليس من عنده، إذ لم يكن ممن خالط الفلاسفة ولا تَلَقَّى أهْلَ الحساب وأهلَ الهندسة.

وقال الراغب: إن الله تعالى كما جعل نبوة النبيين بنبينا ومولانا محمد- صلى الله عليه وسلم- مختتمة، وشرائعهم بشرعته من وجه مُنْتَسخة، ومن وجهٍ متممة مكملة، جعل كتابه المنزل عليه متضمناً لثمرة كتبه التي أولها: {أولئك على هُدًى من ربهم وأولئك هم المفلحون}. وقوله: {يَتْلُو صُحُفًا مُطَهَّرَةً فِيهَا كُتُبٌ قَيِّمَةٌ}.
وجعل من معجزة هذا الكتاب أنه- مع قلة الحجم- متضمن للمعنى الجم، بحيث تقصر الألباب البشرية عن إحصائه، والآلات الدنيوية عن استيفائه، كما نبه عليه بقوله: {وَلَوْ أَنَّمَا فِي الْأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلَامٌ وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِنْ بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ مَا نَفِدَتْ كَلِمَاتُ اللَّهِ}.

فهو وإن كان لا يخلو الناظر فيه من نور ما يوريه ونفح ما يوليه:

كالْبَدْرِ من حيث التفتَّ رَأيْتَه ... يُهْدِي إلى عينيك نوراً ثاقبا

كالشمس في كَبِد السماء وضوءُها ... يَغشى البلاد مشارقاً ومغاربا


وأخرج أبو نعيم وغيره عن عبد الرحمن بن زياد بن أنْعُم، قال: قيل لموسى عليه السلام: يا موسى، إنما مثل كتاب أحمد في الكتب المنزلة بمنزلة وعاء فيه لبن كلما مَخَضْتَه أخرجت زُبْدته.

وقال القاضي أبو بكر بن العربي في قانون التأويل: علوم القرآن خمسون علما وأربعمائة وسبعة آلاف وسبعون ألف، على عدد كَلِم القرآن مضروبة في أربعة، إذ لكل كلمة ظَهْر وبطن، وحد ومقطع.
وهذا مطلق دون اعتبار تركيب وما بينهما من روابط، وهذا مما لا يحصى ولا يعلمه إلا الله.

وأتم علوم القرآن ثلاثة: توحيد، وتذكير، وأحكام:
فالتوحيد: يدخل فيه معرفة المخلوقات، وصرفة الخالق بأسمائه وصفاته وأفعاله.

والتذكير: منه الوعد والوعيد، والجنة والنار، وتصفية الظاهر والباطن.

والأحكام: منها التكاليف كلها، وتبيين النافع والضار، والأمر والنهي والندب؛ ولذلك كانت الفاتحة أم القرآن؛ لأن فيها الأقسام الثلاثة، وسورة الإخلاص ثلثه، لاشتمالها على أحد الأقسام الثلاثة، وهو التوحيد.

قال الشيخ عزّ الدين بن عبد السلام في كتاب "الإمام في أدلة الأحكام": معظم آي القرآن لا تخلو عن أحكام مشتملة على آداب حسنة وأخلاق جليلة، ثم من الآيات ما صرح فيها بالأحكام، ومنها ما يؤخذ بطريق الاستنباط إما بأن ضَمّ إلى آية أخرى، كاستنباط صحة أنْكِحة الكفار من قوله: {وامرأتُه حَمَّالَةَ الحَطَب}. وصحة صوم الجُنب من قوله: {فَالآنَ بَاشِرُوهُن} ... إلى قوله: (حتى يتبيَّنَ لكم الْخَيْط ... ) الآية.
وإما به كاستنباط أنَّ أقلَّ الحَمْلِ ستة أشهر من قوله: {وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلَاثُونَ شَهْرًا}. مع قوله: {وفِصَالُه في عاميْنِ}.

قال: ويستدل على الأحكام تارة بالصيغة وهو ظاهر، وتارة بالإخبار مثل: {أُحلَّ لكم}. {حُرِّمَتْ عليكم الميتةُ}. {كُتِبَ عليكم الصيام}. وتارة بما رتب عليها في العاجل والآجل من خير وشر، أو نفع أو ضر.

وقد نوعّ الشارعُ ذلك أنواعاً كثيرة، ترغيبا لعباده، وترهيبا وتقريبا إلى أفهامهم، فكل فعل عظَّمه الشرع أو مدحه أو مدح فاعِلَه لأجله، أو أحبّه أو أحب فاعله أو رَضي به، أو رَضي عن فاعله، أو وصفه بالاستقامة أو البركة أو الطيب، أو أقسم به أو بفاعله، كالإقسام بالشَّفْع والوتر، وبخيل المجاهدين، وبالنفس اللوّامة، أو نَصَبه سببا لذكره لعبده، أو لمحبته، أو لثواب عاجل أو آجل، أو لشكره، أو لهدايته إياه، أو لإرضاء فاعله، أو لمغفرة ذنبه وتكفير سيئاته، أو لقبوله، أو لنُصْرَة فاعله، أو ببشارته، أو وصف فاعله بالطيّب، أو وصف الفعل بكونه معروفاً، أو نَفَى الحزن والخوف عن فاعله، أو وعده بالأمن، أو نَصبَ سبباً لولايته، أو أخبر عن دعاء الرسول لحصوله، أو وصفه بكونه قُرْبة، أو بصفة مدح، كالحياة والنور والشفاء- فهو دليل على مشروعيته المشركة بين الوجوب والندب.

وكلّ فعل طلب الشارع تركه أو ذمه، أو ذم فاعله، أو عتب عليه، أو مقَت فاعله، أو لعنه، أو نفى محبته أو محبة فاعله أو الرضا به، أو عن فاعله، أو شبّه فاعله بالبهائم أو الشياطين، أو جعله مانعاً من الهدَى، أو من القبول، أو وصفه بسوء أو كراهة أو استعاذ الأنبياء منه أو أبغضوه، أو جُعِل سبباً لنفي الفلاح أو لعذاب عاجل أو آجل، أو لذم أو لوم، أو ضلالة أو معصية، أو وصف بخبث أو رجس أو نجس، أو بكونه فِسْقا أو إثماً، أو سبباً لإثم أو رجس، أو لَعْن أو غضب، أو زوال نعمة أو حلول نقمة، أو حد من الحدود، أو قسوة أو خِزْي، أو ارتهان نفس، أو لعداوة الله ومحاربته، أو الاستهزاء به أو سخريته، أو جعله الله سببًا لنسيانه فاعله، أو وصَفَ نفسًا ما بالصبر عليه، أو بالحمل، أو بالصفح عنه، أو دعا إلى التوبة منه، أو وصف فاعِلَه بخبث أو احتقار، أو نسبَه إلى عمل الشيطان، أو تزيينه أو تولي الشيطان لفاعله، أو وصفه بصفة ذم ككونه ظلمًا أو بغيًا، أو عدوانًا أو إثمًا، أو تَبَرَّأ الأنبياء منه أو من فاعله، أو شكوا إلى الله من فاعله، أو جاهروا فاعله بالعداوة، أو نهوا عن الأسى والحزن عليه، أو نصب سبباً لخيْبَة فاعله عاجلاً أو آجلاً، أو رتّب عليه حرمان الجنة وما فيها، أو وصف فاعلَه بأنه عدوّ لله أو بأن الله عدوه، أو أعلم فاعله بحرب من الله ورسوله، أو حمّل فاعله إثم غيره، أو قيل فيه: لا ينبغي هذا أو لا يكون، أو أمره بالتقوى عند السؤال عنه، أو أمر بفعل مضادِّه، أو بهجر فاعله، أو تلاعَنَ فاعلوه في الآخرة، أو تبرأ بعضهم من بعض، أو دعا بعضهم على بعض، أو وصف فاعله بالضلالة وأنه ليس من الله في شيء أو ليس من الرسول وأصحابه، أو جعل اجتنابه سبباً للفلاح، أو جعله سببًا لإيقاع العداوة والبغضاء بين المسلمين، أو قيل: هل أنت منْتَهٍ، أو نهى الأنبياء عن الدعاء لفاعله، أو رتب عليه إبعادًا أو طردًا، أو لفظة قُتل من فعله، أو قاتله الله، أو أخبر أن فاعله لا يكلمه الله في الآخرة ولا ينظر إليه ولا يُزَكيه، ولا يصلح عمله ولا يهدي كيْده، أو قيّض له الشيطان، أو جعل سببًا لإزاغة قلب فاعله، أو صرفه عن آيات الله وسؤاله عن علة الفعل، فهو دليل على المنع من الفعل، ودلالتُه على التحريم أظهر من دلالته على مجرد الكراهة.

وتستفاد الإباحة من "لفظ الإحلال، ونفي الجناح والحَرَج والإثم والمؤاخذة، ومن الإذن فيه والعفو عنه، ومن الامتنان بما في الأعيان من المنافع، ومن السكوت عن التحريم، ومن الإنكار على من حرم الشيء، ومن الإخبار بأنه خُلِق أو جُعل لنا، والإخبار عن فعل مَنْ قبلنا غير ذام لهم عليه، فإن اقترن بإخبار مَدْح دل على مشروعيته وجوبًا أو استحبابًا. انتهى كلام الشيخ عز الدين بن عبد السلام.

وقال غيره: وقد يستنبط من السكوت.

وقد استدل جماعة على أن القرآن غير مخلوق بأن الله ذكر الإنسان في ثمانية عشر موضعاً وقال "إنه مخلوق"، وذكر القرآن في أربع وخمسين موضعاً ولم يقل إنه مخلوق. ولما جمع بينهما غاير، فقال: {الرَّحْمَنُ (1) عَلَّمَ الْقُرْآنَ (2) خَلَقَ الْإِنْسَانَ (3)} .
فهذا أحد وجوه إعجازه.
*******

الوجه الثاني من وجوه إعجازه:
كونه محفوظًا عن الزيادة والنقصان، محروسًا عن التبديل والتغيير على تطاول الأزمان، بخلاف سائر الكتب. قال تعالى: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ}. فلم يقدر أحد بحمد الله على التجاسر عليه" انتهى.
*******

معترك الأقران في إعجاز القرآن (1/ 12- 22)

_________________
مددك يا سيدي يا رسول الله صلى الله عليك و على آلك و سلم

الغوث يا سيدي رسول الله صلى الله عليك و على آلك و سلم

الشفاعة يا سيدي يا رسول الله صلى الله عليك و على آلك و سلم


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة: Re: معترك الأقران في إعجاز القرآن
مشاركة غير مقروءةمرسل: الجمعة إبريل 16, 2021 12:56 am 
غير متصل

اشترك في: الخميس مايو 30, 2013 5:51 am
مشاركات: 35060
تسجيل متابعة حفظكم الله وكل عام وحضرتك أخي الكريم الفاضل بألف خير وصحة والأسرة الكريمة

_________________



مولاي صل وسلم دائما أبداعلى حبيبك خير الخلق كلهم
اللهم صل على هذا النبى الأمين وأجعلنا من خاصة المقربين لديه السعداء وعلى آله وسلم حق قدره ومقداره العظيم




أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة: Re: معترك الأقران في إعجاز القرآن
مشاركة غير مقروءةمرسل: الجمعة إبريل 16, 2021 10:35 pm 
غير متصل
Site Admin

اشترك في: الاثنين فبراير 16, 2004 6:05 pm
مشاركات: 23599

تسجيل حضور ومتابعة

أعزكم الله ..

_________________
عَنْ عَلِيٍّ قَالَ كُنَّا إِذَا احْمَرَّ الْبَأْسُ وَلَقِيَ الْقَوْمُ الْقَوْمَ اتَّقَيْنَا بِرَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَمَا يَكُونُ مِنَّا أَحَدٌ أَدْنَى إِلَى الْعَدُوِّ مِنْهُ


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة: Re: معترك الأقران في إعجاز القرآن
مشاركة غير مقروءةمرسل: الاثنين إبريل 19, 2021 12:10 pm 
غير متصل

اشترك في: الأحد سبتمبر 18, 2011 10:41 am
مشاركات: 2778
مولانا السيد الشريف الأستاذ الدكتور محمود صبيح كتب:

تسجيل حضور ومتابعة

أعزكم الله ..


أعز الله حضرتكم وحفظكم وكل من تعلق بجنابكم الكريم

وأسأل الله تعالى أن ينعم علينا بصحبتكم وأن يمن علينا بخدمتكم مع التسليم والأدب اللائق

ودائما يا سيدي يسعدني ويشرفني حضوركم ومتابعتكم ومروركم العطر الكريم

_________________
مددك يا سيدي يا رسول الله صلى الله عليك و على آلك و سلم

الغوث يا سيدي رسول الله صلى الله عليك و على آلك و سلم

الشفاعة يا سيدي يا رسول الله صلى الله عليك و على آلك و سلم


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة: Re: معترك الأقران في إعجاز القرآن
مشاركة غير مقروءةمرسل: الاثنين إبريل 19, 2021 12:16 pm 
غير متصل

اشترك في: الأحد سبتمبر 18, 2011 10:41 am
مشاركات: 2778
molhma كتب:
تسجيل متابعة حفظكم الله وكل عام وحضرتك أخي الكريم الفاضل بألف خير وصحة والأسرة الكريمة


السيدة الفاضلة الجليلة والأخت الكريمة (molhma) وكل عام وحضرتك وأسرتك الكريمة بألف خير وصحة وبركة وسعادة

مجبورين مستورين محفوظين في مدد رسول الله وأهل بيته صلى الله عليه وآله وسلم

شرفنا متابعتكم ومروركم الكريم

_________________
مددك يا سيدي يا رسول الله صلى الله عليك و على آلك و سلم

الغوث يا سيدي رسول الله صلى الله عليك و على آلك و سلم

الشفاعة يا سيدي يا رسول الله صلى الله عليك و على آلك و سلم


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة: Re: معترك الأقران في إعجاز القرآن
مشاركة غير مقروءةمرسل: الاثنين إبريل 19, 2021 12:47 pm 
غير متصل

اشترك في: الأحد سبتمبر 18, 2011 10:41 am
مشاركات: 2778

الوجه الثالث من وجوه إعجازه


"حُسْن تأليفه، والتئام كلمه، فصاحتها، ووجوه إيجازه وبلاغته الخارقة عادةَ العرب الذين هم فرسانُ الكلام وأربابُ هذا الشأن؛ فجاء نطقه العجيب، وأسلوبه الغريب مخالفاً لأساليب كلام العرب ومنهاج نظمها ونثرها الذي جاءت عليه، ووقفت عليه مقاطع آياته، وانتهت إليه فواصلُ كلماته، ولم يوجد قبله ولا بعده نظير له.

قال ابن عطية: الصحيح والذي عليه الجمهور والحذاق في وجوه إعجازه أنه بِنَظْمِهِ وصحة معانيه وتوالي فصاحة ألفاظه، وذلك أن الله أحاط بكل شيء علماً، وأحاط بالكلام كلِّه علماً، فإذا ترتبَت اللفظة من القرآن علم بإحاطته أىَّ لفظة تصلح أن تلي الأولى وتبين المعنى بعد المعنى، ثم كذلك من أول القرآن إلى آخره.
والبشَرُ محل الجهل والنسيان والذهول، ومعلوم ضرورة أن أحدًا من البشر لا يحيط بذلك، فلذلك جاء نظمُ القرآن في الغاية القصوى من الفصاحة، وبهذا يبطل قول من قال: إن العرب كان في قدرتها الإتيانُ بذلك، فصُرِفوا عن ذلك.
والصحيح أنه لم يكن في قدرة أحد قط، ولهذا ترى البليغ ينقّح القصيدة أو الخطبة حَوْلاً، ثم ينظر فيها، ثم يغير فيها، وهلمّ جرّا.
وكتابُ الله سبحانه لو نزعت منه لفظة ثم أدير لسان العرب على لفظة أحسن منها لم يوجد، ونحن تتبين لنا البراعة في أكثره، ويخفَى علينا وجهها في مواضع، لقصورنا عن مرتبة العرب يومئذ في سلامة الذوق وجودة القريحة.
وقامت الحجةُ على العالم بالعرب، إذ كانوا أرباب الفصاحة وفطنة المعارضة، كما كانت الحجة في معجزة موسى بالسحرة، وفي معجزة عيسى بالأطباء، فإن الله إنما جعل معجزات الأنبياء بالوجه الشهير أبدع ما تكون في زمان النبي الذي أراد إظهاره، فكان السحر في مدة موسى إلى غايته، وكذلك الطب في زمان عيسى، والفصاحة في زمان محمد- صلى الله عليه وسلم- وقال حازم في منهاج البلغاء: وجه الإعجاز في القرآن من حيث استمرت الفصاحة والبلاغة فيه في جميع أنحائها في جميعه استمرارا لا يوجد له فترة، ولا يقدِرُ عليه أحد من البشر.
وكلام العرب ومَنْ تكلم بلغتهم لا تستمر الفصاحة والبلاغة في جميع أنحائها في العالي منه إلا في الشيء اليسير المعدود، ثم تعترض الفترات الإنسانية، فينقطع طيب الكلام ورونقهُ، فلا تستمر لذلك الفصاحة في جميعه، بل توجد في تفاريق وأجزاء منه.

قال الجَعْبَرِي: لمعرفة فواصل الآي طريقان: توقيفي وقياسي:
أما التوقيفي: فما ثبت أنه- صلى الله عليه وسلم- وقف عليه دائماً تحققنا أنه فاصلة، وما وصله دائماً تحققنا أنه ليس بفاصلة، وما وقف عليه مرة ووصله أخرى احتمل الوقف أن يكون لتعريف الفاصلة أو لتعريف الوقف التام أو للاستراحة، والوصلُ أن يكون غير فاصلة، أو فاصلة وصلها لتقدم تعريفها.

وأما القياسي: فهو ما ألحق من المحتمل غير المنصوص بالمنصوص لمناسب، ولا محذورَ في ذلك، لأنه لا زيادة فيه ولا نقصان، وإنما غايته أنه محل فَصْل أو وصل، والوقف على كل كلمة جائز، ووصل القرآن كله جائز، فاحتاج القياسي إلى طريق تعرفه، فنقول: فاصلة الآية كقرينة السجع في النثر، وقافية البيت في الشعر.
ومما يذكر من عيوب القافية من اختلاف المد والإشباع والتَّوْجيه، فليس بعيب في الفاصلة، وجاز الانتقال في الفاصلة والقَرِينة وقافية الأرجوزة من نوع إلى آخر بخلاف قافية القصيدة. ومن ثم ترى "يرجعون" مع "عليم"، و"الميعاد" مع "الثواب"، و"الطارق" مع "الثاقب".

والأصل في الفاصلة والقرينة المتجردة في الآية والسجعة المساواة، ومِنْ ثمَّ أجمع العادُّون على تَرْك عَدّ: (ويَاْتِ بآخرين) النساء. (ولا الملائكةُ الْمُقَرَّبُون) النساء، و (كَذَّب بها الأوَّلُون) الإسراء، و (لِتُبَشِّرَ بِهِ الْمُتَّقِينَ) بمريم، و (لعلهم يتَّقون) بطه، و (مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ) و (أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) بالطلاق؛ حيثُ لم تشاكل طرفيه.
وعلى ترك عَدّ: (أفَغَيْرِ دِين اللهِ يبْغُون) آل عمران. (أفَحُكْمَ الجاهلية يبْغون) المائدة. وعدوا نظائرها للمناسبة، نحو: (لأولي الألباب) بآل عمران، و (على اللهِ كَذِبا) بالكهف، و (السَّلْوَى) بِطَه.

وقال غيره: تقع الفاصلة عند الاستراحة في الخطاب لتحسين الكلام بها.
وهي الطريقة التيْ يبايِنُ القرآن بها سائر الكلام، وتسمى فواصل، لأنه ينفصل عندها الكلامان، وذلك أن آخر الآية فصل ما بينها وبين ما بعدها، وأخْذا من قوله تعالى: (كتاب فصِّلَتْ آيَاتُه) فصلت: 3.
ولا يجوز تسميتها قوافي إجماعاً، لأن الله تعالى لما سلب عنه اسْمَ الشعر وجب سلْبُ القافية عنه أيضاً، لأنها منه وخاصةٌ به في الاصطلاح، وكما يمتنع استعمال القافية فيه يمتنع استعمال الفاصلة في الشعر؛ لأنها صفة لكتاب الله فلا تتعداه.

وهل يجوزُ استعمال السجع في القرآن؟ خلاف: الجمهور على المنع، لأن أصله من سجع الطّيْرُ، فَشُرفَ القرآن أن يستعار لشيء منه لفظ أصله مهمل، ولأجل تشريفه عن مشاركة غيره من الكلام الحادث في وصفه بذلك، ولأن القرآن من صفاته تعالى، فلا يجوز وصْفُه بصفة لم يرد الإذن بها.

قال الرماني في إعجاز القرآن: ذهب الأشعرية إلى امتناع أن يقول في القرآن سجع، وفرَّقُوا بينهما بأن السجع هو الذي يقصد في نفسه ثم مجال المعنى عليه، والفواصل التي تَتْبَع المعاني، ولا تكون مقصودة في نفسها.
قال: ولذلك كانت الفواصل بلاغة والسجع عيباً، وتبعه على ذلك أبو بكر الباقلاني.

وقال الخفاجي في سر الفصاحة: قول الرماني: إن السجعَ عَيْب والفواصل بلاغة غلط، فإنه إن أراد بالسجع ما يَتْبَعُ المعنى- وهو غير مقصود فذلك بلاغة، والفواصل مثله. وإن أراد به ما تقع المعاني تابعة له- وهو مقصود متكلف- فذلك عيب.
قال: وأظن الذي دعاهم إلى تسمية كل ما في القرآن فواصل، ولم يسموا ما تماثلت حروفه سجعاً رغبتهم في تنزيه القرآن عن الوصف اللاحق بغيره من الكلام المروي عن الكهنة وغيرهم، وهذا غَرَضٌ في التسمية قريب. والحقيقة ما قلناه.
قال: والتحرير أن الأسجاع حروف متماثلة في مقاطع الفواصل.

قال: فإن قيل: إذا كان عندكم أن السجع محمود فَهلا وَرَدَ القرآنُ كله مسجوعاً، وما الوجه في ورود بعضه مسجوعا وبعضه غير مسجوع، قلنا، إن القرآن نزل بلغة العرب، وعلى عُرْفهم وعادتهم، وكان الفصيح منهم لا يكون كلامُه كله مسجوعاً، لما فيه من أمارات التكلف والاستكراه لاستماع طول الكلام، فلم يَرِدْ كله مسجوعاً جرياً منهم على عُرْفِهم في اللطيفة الغالبة من كلامهم، ولم يخل من السجع، لأنه يحسن في بعض الكلام على الصفة السابقة" انتهى.

معترك الأقران في إعجاز القرآن (1/ 23- 26)

_________________
مددك يا سيدي يا رسول الله صلى الله عليك و على آلك و سلم

الغوث يا سيدي رسول الله صلى الله عليك و على آلك و سلم

الشفاعة يا سيدي يا رسول الله صلى الله عليك و على آلك و سلم


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة: Re: معترك الأقران في إعجاز القرآن
مشاركة غير مقروءةمرسل: الاثنين إبريل 19, 2021 2:26 pm 
غير متصل

اشترك في: الأحد سبتمبر 18, 2011 10:41 am
مشاركات: 2778
"وقد ألف الشيخ شمس الدين بن الصائغ الحنفي كتاباً سماه "إحكام الراي في أحكام الآي" قال فيه: إن المناسبة أمر مطلوب في اللغة العربية يُرتكب بها أمور من مخالفة الأصول.
قال: وقد تتبعت الأحكام التي وقعت في آخر الآي مراعاة للمناسبة فعثرت منها على ما ينيف على الأربعين حكماً:

1 - تقديم المعمول إما على العوامل نحو: (أهؤلاء إياكم كانوا يعْبُدون) قيل: ومنه: (وَإيّاك نستعين).

أو معمول آخر أصله التقديم، نحو: (لِنُرِيَكَ مِنْ آياتنَا الْكبْرَى). إذا أعربنا (الكبرى) مفعول نرِي.

أو على الفاعل، نحو: (ولقد جاء آل فرعون النّذُر)، ومنه: تقديم خبر كان على اسمها، نحو: (وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ).

2 - تقديم ما هو متأخر في الزمان، نحو: (فَلِلّهِ الآخِرَةُ والأولى) . ولولا مراعاة الفواصل لقُدمت "الأولى"، كقوله: (لهُ الْحَمْدُ في الأولى والآخرة) . القصص: 70.

3 - تقديم الفاضل على الأفضل، نحو: (برَبِّ هَارون ومُوسى) . وتقدم ما فيه.

4 - تقديم الضمير على ما يفسره، نحو: (فأوْجَسَ في نَفْسِه خِيفَة مُوسى) .

5 - تقديم الصفة الجملة على الصفة المفرد، نحو: (وَنُخْرجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كِتَاباً يَلْقَاهُ مَنشُورا). الإسراء: 13.

6 - حذف ياء المنقوص العرّف، نحو: (الكبِير المتعال) الرعد: 10. (يوم التناد) . المؤمن: 32.

7 - حذف ياء الفعل غير المجزوم، نحو: (واللّيْلِ إذَا يَسْرِ) .

8 - حذف ياء الإضافة، نحو: (فكيف كان عَذَابي ونُذُر) . القمر 18. (فكيف كان عقاب) الرعد: 32.

9 - حرف المد، نحو: الظنُونَا، والرسولا، والسبيلا. ومنه إبقاؤه مع الجازم، نحو: (لا تخافُ دَرَكاً وَلا تَخْشَى) أطه: 77. (سَنُقْرِئُكَ فَلَا تَنْسَى (6) .، على القول بأنه نَهْي.

10 - صرف ما لا ينصرف، نحو: (قَوَاريرا. قَوَاريرا) . الإنسان: 15. 16.

11 - إيثار تذكير الجنس، كقوله: (أعجاز نَخْلٍ مُنْقَعِرْ) .

12 - إيثار تأنيثه، نحو: (أعجاز نَخْل خَاوية) . الحاقة: 7، ونظيرُ هذين قوله في القمر: (وكلّ صَغِير وَكَبير مستَطِر) . القمر: 53. وفي الكهف: (لا يُغادِرُ صَغِيرة ولا كَبِيرة إِلاَّ أحصَاها) . الكهف: 49.

13 - الاقتصار على أحد الوجهين الجائزين اللذين قرئ بهما في السبع في غير ذلك، كقوله: (فَأُولَئِكَ تَحَرَّوْا رَشَدًا) الجن: 14) ، ولم يجئْ رشداً في السبع، وكذا: (وهَبْ لَنَا مِنْ أمْرِنَا رَشَدا) . الكهف: 10) ، فإن الفواصل في السورتين محركة الوسط، وقد جاء في: (وإن يَرَوْا سَبِيل الرّشْد) الأعراف: 146. وبهذا يبطل ترجيح الفارسي قراءة التحريك بالإجماع عليه فيما تقدم.

ونظير ذلك قراءة: (تَبّتْ يَدَا أبِي لَهَب) بفتح الهاء وسكونها، ولم يقرأ: (سيصْلَى نَاراً ذَاتَ لَهَب) المسد: 3. إلا بالفتح لمراعاة الفاصلة.

14 - إيراد الجملة التي ورد بها ما قبلها على غير وجه المطابقة في الاسمية والفعلية، كقوله تعالى: (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بالله وَباليَوْمِ الآخر ومَا هَمْ بمؤمِنين) البقرة: 8، لم يطابق بين قولهم "آمنّا" وبين ما ردّ به فيقول: لم يؤمنوا، أو ما آمَنوا لِذَلك.

15 - إيراد أحد القسمين غير مطابق للآخر كذلك، نحو: (فليعلمنَّ الله الذين صدقوا ولَيَعْلَمَنَّ الكاذبين) العنكبوت: 3. ولم يقل الذين كذبوا.

16 - إيراد أحد جزأي الجملتين على غير الوجه الذي أورد نظيرها من الجملة الأخرى، نحو: (أولئك الذين صدقوا وأولئك هم المتَّقُون) البقرة: 177.

17 - إيثار أغرب اللفظتين، نحو: (قِسْمَةٌ ضِيْزَى) . النجم: 22) ، ولم يقل جائرة. و (لَيُنْبَذَنَّ في الحُطَمَة) . الهمزة: 4) ، ولم يقل جهنم أو النار. وقال في المدثر: (سَأصْليهِ سَقَر) . المدثر: 26. وفي سأل (إِنَّهَا لَظَى) . وفي القارعة: (فأمهُ هَاوِية) . لمراعاة فواصل كل سورة.

18 - اختصاص كل من المشتركين بموضع، نحو: (وليذكَّر أولو الألباب) وفي سورة طه: (إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِأُولِي النُّهَى).

19 - حذف المفعول، نحو: (فأمَّا مَنْ أعطَى واتَّقَى) . الليل: 5. (ما وَدَّعَكَ ربُّكَ ومَا قَلَى) الضحى: 2. ومنه حذف متعلق أفعل التفضيل، نحو: (يَعْلَم السَرَّ وأخْفَى) ، (خَيْر وأبقى) .

20 - الاستغناء بالإفراد عن التثنية، نحو: (فلا يُخْرِجَنكمَا من الجنة فتَشْقَى) .

21 - الاستغناء به عن الجمع، نحو: (واجْعَلْنَا للِمُتَّقِين إماماً) . ولم يقل أئمة، كما قال: (وجعلناهم أئمة يهدون بأمرنا) (إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَهَرٍ) ،: أي أنهار.

22 - الاستغناء بالتثنية عن الإفراد، نحو: (وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ). قال الفراء: أراد جنة، كقوله: (فإن الجنةَ هي المأوَى). فثنى لأجل الفاصلة.

قال: والقوافي تحتمل من الزيادة والنقصان ما لا يحتمله سائر الكلام، ونظير ذلك قول الفراء أيضاً في قوله: (إذ انْبَعَثَ أشْقَاهَا) ، فإنهما رجلان فدَار وآخر معه ولم يقل أشقياها للفاصلة.

وقد أنكر ذلك ابن قتيبة وأغلظ فيه، وقال: إنما يجوز في رؤوس الآي زيادة هاء السكت أو الألف أو حذف همزة أو حرف، فأما أن يكون الله وعد جنتين فيجعلهما جنة واحدة لأجل رؤوس الآى فمعاذ الله! وكيف هذا وهو يصفهما بصفات الاثنين. قال: (ذَوَاتَا أفْنَان) الرحمن: 48) ، ثم قال: " فيهما".

وأما ابن الصائغ فإنه نقل عن الفراء أنه أراد جنات، فأطلق الاثنين على الجمع لأجل الفاصلة، ثم قال: وهذا غير بعيد.
قال: وإنما أعاد الضمير بعد ذلك بصيغة التثنية مراعاة للفظ، وهذا هو الثالث والعشرون.

24 - الاستغناء بالجمَع عن الإفراد، نحو: (لَا بَيْعٌ فِيهِ وَلَا خِلَالٌ)، أى ولا خُلّة، كما في الأخرى، وجمع مراعاة للفاصلة.

25 - إجراء غير العاقل مجرى العاقل، نحو: (رَأيْتُهُمْ لي ساجدين). (كُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ).

26 - إمالة ما لا يمال، كآى طه والنجم.

27 - الإتيان بصيغة المبالغة، كقدير، وعليم، مع ترك ذلك في نحو: (هو القادر) ، و(عالم الغيب). ومنه: (وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا).

28 - إيثار بعض أوصاف المبالغة على بعض، نحو: (إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ). أوثر على عجيب لذلك.

29 - الفصل بين المعطوف والمعطوف عليه، نحو: (وَلَوْلَا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ لَكَانَ لِزَامًا وَأَجَلٌ مُسَمًّى).

30 - إيقاع الظاهر موقع المضمر، نحو: (وَالَّذِينَ يُمَسِّكُونَ بِالْكِتَابِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ إِنَّا لَا نُضِيعُ أَجْرَ الْمُصْلِحِينَ) . وكذا آية الكهف.

31 - وقوع مفعول موقع فاعل، كقوله: (حِجَابًا مَسْتُورًا)، (إِنَّهُ كَانَ وَعْدُهُ مَأْتِيًّا). أي: ساتراً، وآتياً.

32 - وقوع فاعل موقع مفعول، نحو (عِيشَةٍ رَاضِيَةٍ). (ماءٍ دافق) .

33 - الفصل بين الموصوف والصفة، نحو: (أخرج المرعَى فجعلَهُ غثَاءً أحْوَى) . الأعلى: 5، 6، إن أعْرِب أحوى صفة للمرعى، أي حالاً.

34 - إيقاع حرف مكان غيره، نحو: (بِأَنَّ رَبَّكَ أَوْحَى لَهَا) . والأصل إليها.

35 - تأخير الوصف غير الأبلغ عن الأبلغ. ومنه: (الرحمن الرحيم). (رءوف رحيم)؛ لأن الرأفة أبلغ من الرحمة.

36 - حذف الفاعل ونيابة المفعول نحو: (وَمَا لِأَحَدٍ عِنْدَهُ مِنْ نِعْمَةٍ تُجْزَى).

37 - إثبات هاء السكت، نحو: (مالِيَه). (سُلْطَانيَه). (مَا هِيَه).

38 - الجمع بين المجرورات، نحو: (ثم لا تَجِدُوا لكم عَلَيْنَا به تَبِيعا) ، فإن الأحسن الفصل بينهما، إلا أن مراعاة الفاصلة اقتضت عدمه.

39 - العدول عن صيغة المضي إلى صيغة الاستقبال، نحو: (فَفَرِيقاً كذَّبتم وفريقاً تَقْتُلون) ، الأصل قتلتم.

40 - تغيير بنْية الكلمة، نحو: (وطورِ سينين) التين: 2. والأصل طور سيناء. قال ابن الصائغ: لا يمتنعُ في توجيه الخروج عن الأصل في الآيات المذكورة أمور أخرى مع وجه المناسبة، فإن القرآن العظيم- كما جاء في الأثر- لا تنقضي عجائبه" انتهى.

معترك الأقران في إعجاز القرآن (1/ 26- 31)

_________________
مددك يا سيدي يا رسول الله صلى الله عليك و على آلك و سلم

الغوث يا سيدي رسول الله صلى الله عليك و على آلك و سلم

الشفاعة يا سيدي يا رسول الله صلى الله عليك و على آلك و سلم


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة: Re: معترك الأقران في إعجاز القرآن
مشاركة غير مقروءةمرسل: الاثنين إبريل 19, 2021 2:36 pm 
غير متصل

اشترك في: الأحد سبتمبر 18, 2011 10:41 am
مشاركات: 2778
"وقال ابن أبي الإصبع: لا تخرج فواصل القرآن عن أحد أربعة أشياء: التمكين، والتصدير، والتوشيح، والإيغال:

والتمكين: ويسمى ائتلاف القافية: أن يمهد الناثرُ للقرينة أو الشاعر للقافية تمهيداً تأتي به القافية أو القرينة متمكنة في أماكنها مستقرة في قرارها، مطمئنة في مواضعها، غير نافرة ولا قلقة، ومتعلقا معناها بمعنى الكلام كله تعلقاً تاما، بحيث لو طُرِحَت لاختل المعنى واضطرب الفهم، وبحيث لو سكت عنها كمّله السامع بطبعه. ومن أمثلة ذلك قوله: (يا شُعَيْبُ أصَلاتُكَ تأمُرُكَ)؛ لما تقدم في الآية ذكر العبادة وتلاه ذكر التصرف في الأموال اقتضى ذلك ذكر الحلم والرشد على الترتيب؛ لأن الحلم يناسب العبادات، والرشد يناسب الأموال.

وقوله: (أَوَلَمْ يَهْدِ لَهُمْ كَمْ أَهْلَكْنَا مِنْ قَبْلِهِمْ مِنَ الْقُرُونِ يَمْشُونَ فِي مَسَاكِنِهِمْ)... إلى قوله: (أفلا يُبْصرُون) السجدة: 26، 27). فأتى في الآية الأولى بـ "يهْدِ لهم"، وختمها بِـ "يَسْمَعُون"؛ لأن الموعظة فيها مسموعة وهي أخبار القرون. وفي الثانية بـ "يروا"، وختمها بـ "يبصرون"؛ لأنها مرئية.

وقوله: (لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصَارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ). فإن اللطيف يناسب ما لا يدرك بالبصر، والخبير يناسب ما يدركه.

وقوله: (وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ سُلَالَةٍ مِنْ طِينٍ (12) ... إلى قوله: (فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ (14)، فإن في هذه الفاصلة التمكين التام المناسب لما قبلها. وقد بادر بعض الصحابة حين نزل أول الآية إلى ختمها بها قبل أن يسمع آخرها، فأخرج ابن أبي حاتم من طريق الشعبي عن زيد بن ثابت، قال: أمْلَى عليَّ رسول الله- صلى الله عليه وسلم- هذه الآية: ((وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ سُلَالَةٍ مِنْ طِينٍ (12) ... إلى قوله: خلقاً آخر - قال معاذ بن جبل: فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ، فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال له معاذ: مِمَّ ضحكْتَ يا رسول الله، قال: بها خُتِمت.

وحكي أن أعرابياً سمع قارئاً يقرأ: "فإنْ زَللْتُمْ من بعد ما جاءتكم البيناتُ فاعلموا أن الله غفور رحيم ". ولم يكن يقرأ القرآن، فقال: إن هذا ليس بكلام الله؛ لأن الحكيم لا يذكر الغفران عند الزلل، لأنه إغراء عليه.

تنبيهات:
الأول: قد تجتمع فواصل في موضع واحد، ويخالف بينها، كأوائل النحل. فإنه تعالى بدأ بذكر الأفلاك، فقال: (خلَقَ السَّماواتِ والأرضَ بالحقِّ) ثم ذكر خلق الإنسان (من نطْفَة) ، ثم ذكر خلق "الأنعام"، ثم عجائب النبات، فقال: (هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً لَكُمْ مِنْهُ شَرَابٌ وَمِنْهُ شَجَرٌ فِيهِ تُسِيمُونَ (10) يُنْبِتُ لَكُمْ بِهِ الزَّرْعَ وَالزَّيْتُونَ) الآية. فجعل مقطع هذه الآية التفكر؛ لأنه استدلال بحدوث الأنواع المختلفة من النبات على وجود الإله القادر، ولما كان هنا مظنة سؤال، وهو أنه: لِمَ لا يجوز أن يكون المؤثر فيه طبائع الفصول وحركات الشمس والقمر؟ وكان الدليل لا يتم إلا بالجواب عن هذا السؤال - كان مجال التفكر والنظر والتأمل باقياً، فأجاب عنه تعالى من وجهين:


أحدهما: أن تغييرات العالم السفلي مربوطة بأحوال حركات الأفلاك، فتلك الحركات كيف حصلت، فإن كان حصولها بسبب أفلاك أخرى لزم التسلسل، وإن كان من الخالق الحكيم فذلك إقرار بوجود الإله تعالى، وهو المراد بقوله: (وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومُ مُسَخَّرَاتٌ بِأَمْرِهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ). فجعل مقطع هذه الآية العقل، وكأنه قيل: إن كنًت عاقلاً فاعلم أن التسلسل باطل، فوجب انتهاء الحركات إلى حركة يكون مُوجِدها غير متحرك، وهو الإله القادر المختار.


والثاني: أن نسبة الكواكب والطبائع إلى جميع أجزاء الورقة الواحدة والحبة الواحدة - واحدة، ثم إنا نرى الورقة الواحدة من الورد أحد وجهيها في غاية الحمرة والآخر في غاية السواد، فلو كان المؤثر موجباً بالذات لامتنع حصولُ هذا التفاوت في الآثار، فعلمنا أن المؤثر قادر مختار، وهذا هو المراد من قوله: (وَمَا ذَرَأَ لَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُخْتَلِفًا أَلْوَانُهُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَذَّكَّرُونَ). كأنه قال: اذكر ما يرسخ في عقلك أن الواجب بالطبع والذات لا يختلف تأثيره، فإذا نظرت حصول هذا الاختلاف علمت أن المؤثر ليس هو الطبائع، بل الفاعل المختار، فلهذا جعل مقطع الآية التذكر.

ومن ذلك قوله تعالى: (قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ) الآيات. فإن الأولى ختمت بقوله: (لعلكم تعقلون) والثانية بقوله: (لعلكم تذكرون) ، والثالثة بقوله: (لعلكم تتّقون)؛ لأن الوصايا التي في الآية الأولى إنما يحمل على تركها عدم العقل الغالب على الهوى، لأن الإشراك بالله لعدم استعمال العقل الدال على توحيده وعظمته، وكذلك عقوق الوالدين لا يقتضيه العقلُ لسبق إحسانهما إلى الولد بكل طريق، وكذلك قتل الأولاد من الإملاق مع وجود الرازق الحي الكريم، وكذلك إتيان الفواحش لا يقتضيه عقل، وكذلك قتل النفس لغيظ أو غضب في القاتل، فحَسُنَ بعد ذلك يعقلون.
وأما الثانية، فلتعلقها بالحقوق المالية والقولية، فإن من علم أن له أيتاماً يخلفهم من بعده لا يليق به أن يعامل أيتام غيره إلا بما يحب أن يعامَل به أيتامه، ومن يكيل أو يزن أو يشهد لغيره لو كان ذلك الأمر له لم يحب أن يكون فيه خيانة ولا بَخْس، وكذا من وعد له وعد لم يحب أن يُخْلَف، ومن أحب ذلك عامل الناس به ليعاملوه بمثله، فترك ذلك إنما يكون لغفلته عن تدبر ذلك وتأمله.
فلذلك ناسب الختم بقوله: لعلكم تذكرون.
وأما الثالثة فلأن ترك اتباع شرائع الله الدينية يؤدي إلى غضبه وإلى عقابه فحسُنَ (لعلكم تتقون) ، أى عقاب الله بسببه.


ومن ذلك قوله تعالى في الأنعام أيضاً: (وهو الذي جعل لكم النّجومَ ...) الآيات، فإنه ختم الأولى بقوله: (لقومٍ يعلمون)، والثانية بقوله: (لقوم يَفْقَهون) ، والثالثة بقوله: (لقوم يؤمنون)؛ وذلك لأن حساب النجوم والاهتداء بها يختص بالعلماء من ذلك، فناسب ختمه بـ يعلمون.
وإنشاء الخلائق من نفس واحدة ونقلهم من صلب إلى رحم ثم إلى الدنيا ثم إلى حياة وموت، والنظر في ذلك والفكر فيه أدق، فناسب ختمه بـ يفقهون، لأن الفقه فهم الأشياء الدقيقة.
ولما ذكر ما أنعم به على عباده من سعة الأقوات والأرزاق والثمار وأنواع ذلك ناسب ختمه بالإيمان الداعي إلى شكره تعالى على نعمه.

ومن ذلك قوله تعالى: (وَمَا هُوَ بِقَوْلِ شَاعِرٍ قَلِيلًا مَا تُؤْمِنُونَ (41) وَلَا بِقَوْلِ كَاهِنٍ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ (42) . حيث ختم الأولى بـ "تُؤْمِنُونَ" والثانية بـ "تَذَكَّرُونَ".
ووجهه أن مخالفة القرآن لنظم الشعر ظاهرة وواضحة لا تخفى على أحد، فقول من قال شعر عناد وكُفْر محض، فناسب ختمه بقوله: (قَلِيلًا مَا تُؤْمِنُونَ).
وأما مخالفته لنظم الكهان وألفاظ السجع فتحتاج إلى تدبّر وتذكّر؛ لأن كلاًّ منهما نثر، فليست مخالفته لهما في وضوحها لكل أحد كمخالفة الشعر، وإنما تظهر بتدبر ما في القرآن من الفصاحة والبلاغة والبدائع والمعاني الأنيقة فحسن ختمه بقوله: (قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ).


ومن بديع هذا النوع اختلاف الفاصلتين في موضعين والمحدَّث عنه واحد لنكتة لطيفة، كقوله تعالى في سورة إبراهيم: (وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ) .
ثم قال في سورة النحل: (وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا إِنَّ اللَّهَ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ) .
قال ابن المنيِّر: كأنه يقول: إذا حصلت النعم الكثيرة فأنت آخذها وأنا مُعْطيها، فحصل لك عند أخذها وصفان: كونك ظلوما، وكونك كفارا، يعني لعدم وفائك بشكرها، ولي عند إعطائها وصفان، وهما أني غفور رحيم، أقابل ظلمك بغفراني، وكفرك برحمتي، فلا أقابل تقصيرك إلا بالتوقير، ولا أجازي جفاك إلا بالوفاء.
وقال غيره: إنما خص سورة إبراهيم بوصف المنعم عليه، وسورة النحل بوصف النعم؛ لأنه في سورة إبراهيم في مساق وصف الإنسان، وفي سورة النحل في مساق صفات الله وإثبات ألوهيته.


ونظيره قوله في الجاثية: (مَنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ) .
وفي فصّلَت ختم بقوله: (وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ) .
ونكتةُ ذلك أن قبل الآية الأولى: (قُلْ لِلَّذِينَ آمَنُوا يَغْفِرُوا لِلَّذِينَ لَا يَرْجُونَ أَيَّامَ اللَّهِ) ، فناسب الختام بفاصلة البعث؛ لأن قبله وصفهم بإنكاره.
وأما الثانية فالختام بما فيها مناسب؛ لأنه لا يضيّع عملاً صالحاً ولا يزيد على من عمل سيئا.


وقال في سورة النساء: (إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْمًا عَظِيمًا (48) . ثم أعادها وختم بقوله: (وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا بَعِيدًا (116) .
ونكتة ذلك أن الأولى نزلت في اليهود، وهم الذين افتروا على الله ما ليس في كتابه، والثانية نزلت في المشركين ولا كتاب لهم وضلالهم أشد.


وقوله في المائدة: (وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ (44) .
ثم قال في الثانية: (فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (45) .
ثم قال في الثالثة: (فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ (47) .
ونكتته أن الأولى نزلت في حكام المسلمين، والثانية، في اليهود، والثالثة، في النصارى.
وقيل الأولى فيمن جحد ما أنزل الله، والثانية فيمن خالفه مع علمه ولم ينكره، والثالثة، فيمن خالفه جاهلاً.
وقيل الكافر والظالم والفاسق كلها بمعنى واحد، عبّر عنه بألفاظ مختلفة لزيادة الفائدة واجتناب التكرار.


وعكس هذا: اتفاق الفاصلتين والمحدَّث عنه مختلف، كقوله في سورة النور:
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِيَسْتَأْذِنْكُمُ الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ... إلى قوله: (كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآيَاتِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (58) .
ثم قال: (وَإِذَا بَلَغَ الْأَطْفَالُ مِنْكُمُ الْحُلُمَ فَلْيَسْتَأْذِنُوا كَمَا اسْتَأْذَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (59) .

التنبيه الثاني: من مشكلات الفواصل: قوله تعالى: (إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ). فإن قوله: "وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ" يقتضي أن تكون الفاصلة الغفور الرحيم، وكذا نقلت عن مصحف أبيّ، وبها قرأ ابن شَنْبوذ، وذكر في حكمته أنه لا يغفر لمن استحق العذاب إلا من ليس فوقه أحد يرد عليه حكمه، فهو العزيز أي الغالب، والحكيم هو الذي يضع الشيء في محله، وقد يخفى وجهُ الحكمة على بعض الضعفاء في بعض الأفعال فيتوهَّمُ أنه خارجِ عنها، وليس كذلك، فكان في الوصف بالحكيم احتراس حكيم حسن، وإنْ تغْفِرْ لهم مع استحقاقهم العذاب فلا يعترض عليك أحد في ذلك، والحكمةُ فيما فعلته.

ونظير ذلك في سورة التوبة قوله: (أولئك سيرحَمُهمُ الله إنَّ الله عزيز حكيم) .
وفي سورة الممتحنة: (واغفر لنَا رَبّنَا إنّك أنْتَ العزيزُ الحكيم) .
وفي النور: (وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ وَأَنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ حَكِيمٌ) .
فإن باديَ الرأي يقتضي تواب رحيم، لأن الرحمة مناسبة للتوبة، لكن عبّر به إشارة إلى فائدة مشروعية اللعان وحكمته، وهي الستر عن هذه الفاحشة العظيمة.


ومن خفيِّ ذلك أيضاً قوله تعالى في سورة البقرة: (هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ) .
وفي آل عِمْران: (قُلْ إِنْ تُخْفُوا مَا فِي صُدُورِكُمْ أَوْ تُبْدُوهُ يَعْلَمْهُ اللَّهُ وَيَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) .
فإن المتبادر إلى الذهن في آية البقرة الخَتْمُ بالقدرة، وفي آل عمران الختم بالعلم، والجواب أن آية البقرة لما تضمنت الإخبار عن خلق الأرض وما فيها على حسب حاجات أهلها ومنافعهم ومصالحهم، وخلق السماوات خلقاً مستوياً محكماً من غير تفاوت، والخالقُ على الوصف المذكور يجب أن يكون عالماً بما فعله كلياً وجزئياً، جملاً ومفصّلاً- ناسب ختمها بصفة العلم.
وآية آل عمران لما كانت في سياق الوعيد على موالاة الكفار، وكان التعبير بالعلم فيها كناية عن المجازاة بالثواب والعقاب ناسب ختمها بصفة القدرة.


ومن ذلك قوله تعالى: (وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِنْ لَا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا) .
فالختم بالحلم والمغفرة عقب تسابيح الأشياء غيْرُ ظاهر في بادي الرأي، وذكر في حكمته أنه لما كانت الأشياء كلها تسبح ولا عصيان في حقها وأنتم تعصون ختم بها مراعاةً للمقدر في الآية وهو العصيان، كما جاء في الحديث: لولا بهائم رُتّع، وشيوخٌ ركع، وأطفال رُضّع لَصُبَّ عليكم البلاء صبّا.
وقيل: التقدير: حليما عن تفريط المسبحين غفوراً لذنوبهم.
وقيل: حليما عن المخاطبين الذين لا يفقهون التسبيح بإهمالهم النظر في الآيات والعبر ليعرفوا بالتأمل فيما أودع في مخلوقاته مما يوجب تنزيهه.


التنبيه الثالث: من الفواصل ما لا نظير له في القرآن، كقوله عقب الغض في سورة النور: (إنَّ الله خَبيرٌ بما يَصْنَعُون) .
وقوله عقب الأمر بالدعاء والاستجابة: (لعلهم يَرْشُدُون) .
وفيه تعريض بليلة القدر حيث ذكر ذلك عقب ذكر رمضان، أي لعلهم يرشدون إلى معرفتها.


وأما التصدير: فهو أن تكون تلك اللفظة بعينها تقدمت في أول الآية، ويسمى أيضا رد العجز على الصدر.
وقال ابن المعتز هو ثلاثة أقسام:

الأول: أن يوافق آخرُ الفاصلة آخر كلمة في الصدر، نحو: (أنزله بعلمه والملائكة ُ يشهدون وكفى بالله شهيدا) . النساء: 66.

والثاني: أن يوافق أول كلمة منه، نحو: (وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ). (قال إني لِعملكمْ مِنَ القَالِين).

الثالث: أن يوافق بعض كلماته، نحو: (وَلَقَدِ اسْتُهْزِئَ بِرُسُلٍ مِنْ قَبْلِكَ فَحَاقَ بِالَّذِينَ سَخِرُوا مِنْهُمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ) . (انْظُرْ كَيْفَ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَلَلْآخِرَةُ أَكْبَرُ دَرَجَاتٍ وَأَكْبَرُ تَفْضِيلًا) . (قَالَ لَهُمْ مُوسَى وَيْلَكُمْ لَا تَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ كَذِبًا فَيُسْحِتَكُمْ بِعَذَابٍ ... إلى قوله: (وَقَدْ خَابَ مَنِ افْتَرَى) .


وأما التوشيح: فهو أن يكون في أول الكلام ما يستلزم القافية.
والفرق بينه وبين التصدير أن هذا دلالته معنوية، وذلك لفظية، كقوله تعالى: (إنّ اللهَ اصْطَفَى آدم ...). آل عمران: 33، الآية، فإن اصطفى يدلُّ على أن الفاصلة العالمين لا باللّفظ، لأن "العالمين" غير لفظ "اصطفى"، ولكن بالمعنى، لأنه يعلم أن من لوازم اصطفاء شيء أن يكون مختاراً على جنسه، وجنس هؤلاء المصطفين "العالمين".

وكقوله: (وآيةٌ لَهُمُ الليلُ نَسْلَخُ مِنْهُ النَّهَار ...) الآية. قال ابن أبي الإصبع: فإن من كان حافظاً لهذه السورة متَفَطِّناً إلى أن مقاطع آيها النون المردفة، وسمع في صدر الآية انسلاخ النهار من الليل علم أن الفاصلة "مظلمون"؛ لأن من انسلخ النهار عن ليله أظلم، أي دخل في الظلمة؛ ولذلك سمي توشيحا؛ لأن الكلام لما دل أوله على آخره نزّل المعنى منزلة الوشاح، ونُزل أول الكلام وآخره منزلة العاتق والكشْح اللذين يجول عليهما الوشاح" انتهى.

معترك الأقران في إعجاز القرآن (1/31- 39)

_________________
مددك يا سيدي يا رسول الله صلى الله عليك و على آلك و سلم

الغوث يا سيدي رسول الله صلى الله عليك و على آلك و سلم

الشفاعة يا سيدي يا رسول الله صلى الله عليك و على آلك و سلم


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة: Re: معترك الأقران في إعجاز القرآن
مشاركة غير مقروءةمرسل: الاثنين إبريل 19, 2021 2:57 pm 
غير متصل

اشترك في: الأحد سبتمبر 18, 2011 10:41 am
مشاركات: 2778
"وقسم البديعيون السجع ومثله الفواصل إلى أقسام: مطرَّف، ومتَواز، ومتوازن، ومرصّع، ومتماثل.

فالمطرف: أن تختلف الفاصلتان في الوزن ويتفقا في حروف السجع، نحو: (مَا لَكُمْ لَا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَارًا (13) وَقَدْ خَلَقَكُمْ أَطْوَارًا (14) .

والمتوازي: أن يتفقا وزنا وتقفية، ولم يكن ما في الأولى مقابلاً لما في الثانية في الوزن والتقفية، نحو: (فِيهَا سُرُرٌ مَرْفُوعَةٌ (13) وَأَكْوَابٌ مَوْضُوعَةٌ (14) .

والمتوازن: أن يتفقا في الوزن دون التقفية، نحو: (وَنَمَارِقُ مَصْفُوفَةٌ (15) وَزَرَابِيُّ مَبْثُوثَةٌ (16) .

والمرصع: أن يتفقا وزناً وتقفية، ويكون ما في الأولى مقابلاً لما في الثانية وذلك، نحو: (إِنَّ إِلَيْنَا إِيَابَهُمْ (25) ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا حِسَابَهُمْ (26). (إِنَّ الْأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ (13) وَإِنَّ الْفُجَّارَ لَفِي جَحِيمٍ (14) .

والمتماثل: أن يتساويا في الوزن دون التقفية، ويكون أفراد الأولى مقابلة لما في الثانية، فهو بالنسبة إلى المرصّع كالمتوازن بالنسبة إلى المتوازي، نحو: (وَآتَيْنَاهُمَا الْكِتَابَ الْمُسْتَبِينَ (117) وَهَدَيْنَاهُمَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ (118) . فالكتاب والصراط متوازنان، وكذا المستبين والمستقيم، واختلفا في الحرف الأخير.

(فصل)
بقي نوعان بديعيان متعلقان بالفواصل:

أحدهما التشريع، وسماه ابن أبي الإصبع التوأم، وأصله أن يبني الشاعر بيته على وزنين من أوزان العروض، فإذا سقط منهما جزء أو جزآن صار الباقي بيتاً من وزن آخر، ثم زعم قوم اختصاصه
وقال آخرون: بل يكون في النثر بأن يبني على سجعتين لو اقتصر على الأولى منهما كان الكلام تاماً مفيداً، وإن ألحقت به السجعة الثانية كان في التمام والإفادة على حاله مع زيادة معنى ما زاد في اللفظ.
قال ابن أبي الإصبع: وقد جاء من هذا الباب معظم سورة الرحمن، فإن آياتها لو اقتصر فيها على أولى الفاصلتين دون (فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ) لكان الكلام تاماً مفيداً، وقد كمل بالثانية، فأفاد معنى زائداً من التقرير والتوبيخ.

قلت: التمثيلُ غير مطابق، والأولى بأن يمثل بالآيات التي في أثنائها ما يصلح أن يكون فاصلة، كقوله: (لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا (12) .


الثاني: الالتزام، ويسمى لزوم ما لا يلزم، وهو أن يُلتزم في الشعر أو النثر حرفٌ أو حرفان فصاعداً قبل شرط الروي بشرط عدم الكلفة.

مثال التزام حرف: (فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلَا تَقْهَرْ (9) وَأَمَّا السَّائِلَ فَلَا تَنْهَرْ (10) . التزم الهاء قبل الراء ومثله: (أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ (1) . الآي التزم فيها الراء قبل الكاف.
(فَلَا أُقْسِمُ بِالْخُنَّسِ (15) الْجَوَارِ الْكُنَّسِ (16) . التزم فيها النون المشددة قبل السين.
(وَاللَّيْلِ وَمَا وَسَقَ (17) وَالْقَمَرِ إِذَا اتَّسَقَ (18) .

ومثال التزام حرفين: (وَالطُّورِ (1) وَكِتَابٍ مَسْطُورٍ (2) فِي رَقٍّ مَنْشُورٍ (3) .
(مَا أَنْتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِمَجْنُونٍ (2) وَإِنَّ لَكَ لَأَجْرًا غَيْرَ مَمْنُونٍ (3) .
(بَلَغَتِ التَّرَاقِيَ (26) وَقِيلَ مَنْ رَاقٍ (27) وَظَنَّ أَنَّهُ الْفِرَاقُ (28) .

ومثال التزام ثلاثة أحرف: (تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ (201) وَإِخْوَانُهُمْ يَمُدُّونَهُمْ فِي الْغَيِّ ثُمَّ لَا يُقْصِرُونَ (202) .

تنبيهات
الأول
: قال أهل البديع: أحسن السجع ما تساوت قرائنه، نحو: (فِي سِدْرٍ مَخْضُودٍ (28) وَطَلْحٍ مَنْضُودٍ (29) وَظِلٍّ مَمْدُودٍ (30) .
ويليه ما طالت قرينته الثانية نحو: (وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى (1) مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى (2) .
والثالثة نحو: (خُذُوهُ فَغُلُّوهُ (30) ثُمَّ الْجَحِيمَ صَلُّوهُ (31) ثُمَّ فِي سِلْسِلَةٍ ذَرْعُهَا سَبْعُونَ ذِرَاعًا فَاسْلُكُوهُ (32) .
وقال ابن الأثير: الأحسن في الثانية المساواة، وإلا فأطول قليلاً، وفي الثالثة أن تكون أطول.
وقال الخفاجي: لا يجوز أن تكون الثانية أقصر من الأولى.


الثاني: قالوا: أحسن السجع ما كان قصيراً، لدلالته على قوة المنشئ، وأقله كلمتان نحو: (يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ قُمْ فَأَنْذِرْ). (والْمُرْسَلَاتِ عُرْفًا) . (وَالذَّارِيَاتِ ذَرْوًا) . (والْعَادِيَاتِ ضَبْحًا) .
والطويل: ما زاد على العشرة كغالب الآيات، وما بينهما متوسط كآيات سورة القمر


الثالث: قال الزمخشري في كشافه القديم: لا تحسن المحافظةُ على الفواصل لمجردها إلا مع بقاء المعاني على سردها على المنهج الذي يقتضيه حسن النظم والقوافي، فأما أن تهمل المعاني ويُهتمّ بتحسين اللفظ وحده، غير منظور فيه إلى مؤداه، فليس من قبيل البلاغة، وبني على ذلك أنَّ التقديم في: (وبالآخرة هم يُوقِنون) ليس لمجرد الفاصلة، بل لرعاية الاختصاص.


الرابع: مبنى الفواصل على الوقف، ولهذا ساغ مقابلة المرفوع بالمجرور، وبالعكس، كقوله: (إنا خلقناهم مِنْ طِين لاَزِب)، مع قوله: (عَذَابٌ وَاصِبٌ)، و (شَهَابٌ ثاقبٌ)، وقوله: (بماءٍ منْهَمِر)، مع قوله: (قَدْ قُدِرَ) (سِحْرٌ مُسْتَمِرٌّ) . وقوله: (وَمَا لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَالٍ) ، مع قوله: (وَيُنْشِئُ السَّحَابَ الثِّقَالَ).


الخامس: كثر في القرآن ختم الفواصل بحروف المد واللين وإلحاق النون. وحكمته وجود التمكن مع التطريب بذلك، كما قال سيبويه: إنهم إذا ترنموا يلحقون الألف والياء والنون، لأنهم أرادوا مد الصوت، ويتركون ذلك إذا لم يترنموا، وجاء القرآن على أسهل موقف وأعظم مقطع.


السادس: حروف الفواصل إما متماثلة، وإما متقاربة، فالأول مثل: (وَالطُّورِ (1) وَكِتَابٍ مَسْطُورٍ (2) فِي رَقٍّ مَنْشُورٍ (3) وَالْبَيْتِ الْمَعْمُورِ (4) .
والثاني مثل: (الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ (3) مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ (4) .
(ق وَالْقُرْآنِ الْمَجِيدِ (1) بَلْ عَجِبُوا أَنْ جَاءَهُمْ مُنْذِرٌ مِنْهُمْ فَقَالَ الْكَافِرُونَ هَذَا شَيْءٌ عَجِيبٌ (2).
قال الإمام فخر الدين وغيره: إن فواصل القرآن لا تخرج عن هذين القسمين، بل تنحصر في المتماثلة والمتقاربة، قال: وبهذا يترجح مذهب الشافعي على مذهب أبي حنيفة في عد الفاتحة سبع آيات من البسملة وجعل صراط الذين ... إلى آخرها آية، فإن مَنْ جعل آخر الآية: (أنعمت عليهم) مردود بأنه لا يشابه فواصل سائر آيات السورة لا بالمماثلة ولا بالمقاربة، ورعاية المتشابه في الفواصل لازمة.


السابع: كثر في الفواصل التضمين والإيطاء، لأنهما ليسا بعيبين في النثر وإن كانا عيبين في النظم.

فالتَّضمين: أن يكون ما بعد الفاصلة متعلقاً بها، كقوله تعالى: (وَإِنَّكُمْ لَتَمُرُّونَ عَلَيْهِمْ مُصْبِحِينَ (137) وَبِاللَّيْلِ أَفَلَا تَعْقِلُونَ (138) .

والإيطاء: تكرر الفاصلة بلفظها، كقوله تعالى: في الإسراء: (هَلْ كُنْتُ إِلَّا بَشَرًا رَسُولًا (93) . وختم بذلك الآيتين بعدها" انتهى.

معترك الأقران في إعجاز القرآن (1/ 39- 43)

_________________
مددك يا سيدي يا رسول الله صلى الله عليك و على آلك و سلم

الغوث يا سيدي رسول الله صلى الله عليك و على آلك و سلم

الشفاعة يا سيدي يا رسول الله صلى الله عليك و على آلك و سلم


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة: Re: معترك الأقران في إعجاز القرآن
مشاركة غير مقروءةمرسل: الأحد إبريل 25, 2021 4:02 pm 
غير متصل

اشترك في: الأحد سبتمبر 18, 2011 10:41 am
مشاركات: 2778

"الوجه الرابع من وجوه إعجازه:



"مناسبة آياته وسوره وارتباط بعضها ببعض، حتى تكون كالكلمة الواحدة، متسقة المعاني، منتظمة المباني.

وقد ألف عماؤنا في أسرارها تواليف كثيرة منهم العلامة أبو جعفر بن الزبير شيخ أبي حيان في كتاب سمَّاه: " البرهان " في مناسبة ترتيب سور القرآن.

ومن أهل العصر الشيخ برهان الدين البقاعي في كتاب سمَّاه: نظم الدرر في تناسب الآي والسور.

وكتابي الذي صنفته في أسرار التنزيل كافل بذلك، جامع لمناسبات السور والآيات مع ما تضمَّنه مرتباً من جميع وجوه الإعجاز وأساليب البلاغة، وقد لخصت منه مناسبات السور خاصة في جزء لطيف سميته: تناسق الدرر في تناسب السور.

وعلم المناسبة علم شريف قلّ اعتناء المفسرين به لدقته، وممن أكثر منه الإمام فخر الدين، وقال في تفسيره: أكثر لطائف القرآن مودعة في الترتيبات والروابط.

وأول من سبق إلى هذا العلم الشيخ أبو بكر النيسابوري، وكان كثير العلم في الشريعة والأدب وكان يقول على الكرسي إذا قرئت عليه الآية: لم جُعلت هذه الآية إلى جنب هذه، وما الحكمة في جعل هذه السورة إلى جنب هذه السورة، وكان يزري على علماء بغداد، لعدم علمهم بالمناسبة.

وقال الشيخ عز الدين بن عبد السلام: المناسبة علم حسن، لكن يشترط في حسن ارتباط الكلام أن يقع في أمر متّحد مرتبط أوله بآخره، فإن وقع على أسباب مختلفة لم يقع فيه ارتباط، ومَنْ ربط ذلك فهو متكلف بما لا يقدر عليه إلا بربط ركيك يصان عن مثله حسن الحديث، فضلاً عن أحسنه، فإن القرآن نزل في نَيّف وعشرين سنة في أحكام مختلفة، شرعت لأسباب مختلفة، وما كان كذلك لا يتأتى ربْطُ بعضه ببعض.

وقال الشيخ ولي الدين الملوي: قد وَهِمَ من قال: لا يطلب للآية الكريمة مناسبة، لأنها على حسب الوقائع المتفرقة.
وفصلُ الخطاب أنها على حسب الوقائع تنزيلاً، وعلى حسب الحكمة ترتيباً، وتأصيلاً، فالصحف على وفق اللوح المحفوظ مرتبة سوره كلها وآياته بالتوقيف، كما أنزل جملة إلى بيت العزة.
ومن المعجز البين أسلوبه، ونظمه الباهر، والذي ينبغي في كل آية أن يبحث أول كل شيء عن كونها تكملة لما قبلها أو مستقلة، ثم المستقلة ما وجه مناسبتها لما قبلها، ففي ذلك علم جم.
وهكذا في السور يطلب وجْه اتصالها بما قبلها وما سيقت له.


وقال الإمام الرازي في سورة البقرة: ومَنْ تفكر في لطائف نظم هذه السورة وفي بدائع ترتيبها علم أن القرآن كما أنه معجز بحسب فصاحة ألفاظه وشرف معانيه فهو أيضاً معجز بسبب ترتيبه ونظم آياته، ولعل الذين قالوا إنه معجز بسبب أسلوبه أرادوا ذلك، إلا أني رأيت جمهور المفسرين معرضين عن هذه اللطائف، غير منتبهين لهذه الأسرار، وليس الأمر في هذا الباب إلا كما قيل:
والنجم تستصغر الأبصارُ صورتَه ... والذنْبُ للطرف لا لِلنَّجْمِ في الصغَر


المناسبة في اللغة المشاكلة والمقاربة، ومرجعها في الآيات ونحوها إلى معنى رابط بينهما عام أو خاص، عقلي أو حسي أو خيالي، أو غير ذلك من أنواع علاقات التلازم الذهنيّ، كالسبب والمسبب، والعلة والمعلول، والنظيرين والضدين ونحوه.

وفائدته جعل أجزاء الكلام بعضها آخذاً بأعناق بعض، فيقوى بذلك الارتباط، ويصير التأليف حالته حال البناء المحكم التلائم الأجزاء فنقول:
ذكر الآية بعد الأخرى إما أن يكون ظاهر الارتباط لتعلق الكلام بعضه ببعض وعدم تمامه في الأولى، فواضح، وكذلك إذا كانت الثانية للأولى على وجه التأكيد أو التفسير أو الاعتراض أو البدل، وهذا القسم لا كلام فيه.

وإما ألا يظهر الارتباط، بل يظهر أن كل جملة مستقلة عن الأخرى، وأنها خلاف النوع المبدوء به، فإما أن تكون معطوفة على الأولى بحرف من حروف العطف المشركة في الحكم، أو لا.

فإن كانت معطوفة فلا بد أن يكون بينهما جهة جامعة على ما سبق تقسيمه، كقوله تعالى: (يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي الْأَرْضِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَمَا يَنْزِلُ مِنَ السَّمَاءِ وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا). وقوله: (وَاللَّهُ يَقْبِضُ وَيَبْسُطُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (245). للتضاد بين القبض والبصط، والولوج والخروج، والنزول والعروج، وشبه التضاد بين السماء والأرض.

ومما العلاقة فيه التضاد ذكر الرحمة بعد ذكر العذاب، والرغبة بعد الرهبة.

وقد جرت عادة القرآن العظيم إذا ذكر أحكاماً ذكر بعدها وعداً أو وعيدا؛ لتكون باعثاً على العمل بما سبق، ثم يذكر آيات توحيد وتنزيه، ليعلم عِظَم الآمر الناهي، وتأمَّلْ سورة البقرة والنساء والمائدة تجده كذلك.

وإن لم تكن معطوفة فلا بد من دعامة تؤْذن باتصال الكلام، وهي قرائن معنوية تؤذن بالربط.
وله أسباب:

أحدها: التنظير، فإن إلحاق النَّظير بالنَّظير من شأن العقلاء، كقوله: (كَمَا أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِنْ بَيْتِكَ بِالْحَقِّ)- عَقِب قوله: (أُولَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ)، فإنه تعالى أمر رسوله أن يمضيَ لأمره في الغنائم على كُرْهٍ من أصحابه، كما مضى لأمره في خروجه من بيته لطلب العِير أو القتال وهم له كارهون، والقصدُ أن كراهتهم لما فعله من قسم الغنائم ككراهتهم للخروج. وقد تَبَين في الخروج الخير من النصر والظفر والغنيمة وعزّ الإسلام. فكذا يكون فيما فعله في القسمة، فليطيعوا ما أمروا ويتركوا هَوَى أنفسهم.

الثاني: المضادة، كقوله في سورة البقرة: (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ). فإن أول السورة كان حديثاً عن القرآن، وأن من شأنه الهدايةَ للقوم الموصوفين بالإيمان. فلما أكمل وصف المؤمنين عقب بحديث الكافرين، فبينهما جامع وهميّ بالتضاد من هذا الوجه، وحكمته التشويق والثبوت على الأول، كما قيل: وبضدها تتبين الأشياء.
فإن قيل: هذا جامع بعيد؛ لأن كونه حديثاً عن المؤمنين بالعَرَض لا بالذات، والمقصود بالذات الذي هو مساق الكلام إنما هو الحديث عن القرآن، لأنه مفتتح القول.
قيل: لا يشترط في الجامع ذلك، بل يكفي التعلق على أي وجه كان، ويكفي في وجه الربط ما ذكرنا، لأن القصد تأكيد أمر القرآن، والعمل به، والحثّ على الإيمان؛ ولهذا لما فرغ من ذلك قال: (وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا). فرجع إلى الأول.

الثالث: الاستطراد: كقوله تعالى: (يَا بَنِي آدَمَ قَدْ أَنْزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاسًا يُوَارِي سَوْآتِكُمْ).
قال الزمخشري: هذه الآية واردة على سبيل الاستطراد عقب ذكر بدوّ السَّوْءات، وخَصْف الورق عليها، إظهاراً للمنة فيما خلق من اللباس، ولما في العراء وكشف العورة من المهانة والفضيحة، وإشعاراً بأن الستر باب عظيم من أبواب التقى.

وقد خرجت على الاستطراد قوله تعالى: (لَنْ يَسْتَنْكِفَ الْمَسِيحُ أَنْ يَكُونَ عَبْدًا لِلَّهِ وَلَا الْمَلَائِكَةُ الْمُقَرَّبُونَ)، فإن أول الكلام ذكر فيه الرد على النصارى الزاعمين بنوّة المسيح، ثم استطراد الرد على العرب الزاعمين بنوة الملائكة.

ويقرب من الاستطراد حتى لا يكادان يفترقان حسن التخلص: وهو أن ينتقل مما ابتدأ به الكلام إلى المقصود على وجه سهل يختلسه اختلاساً دقيق المعنى، بحيث لا يشعر السامع بالانتقال من المعنى الأول إلا وقد وقع عليه الثاني لشدة الالتئام بينهما.
وقد غلط أبو العلاء بن غانم في قوله: لم يقَعْ منه في القرآن شيء لما فيه من التكلف، وقال: إن القرآن إنما وقع ردًا كل الاقتضاب الذي هو طريق العرب من الانتقال إلى غير ملائم.
وليس كما قال، ففيه من التخلصات العجيبة ما يحيّر العقول.

وانظر إلى سورة الأعراف كيف ذكر فيها الأنبياء والقرون الماضية والأمم السالفة، ثم ذكر موسى إلى أن قص حكاية السبعين رجلا ودعائه لهم ولسائر أمته بقوله: (وَاكْتُبْ لَنَا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ). وجوابه تعالى عنه، ثم تخلص بمناقب سيد المرسلين بعد تخلصه بقوله لأمته: (قَالَ عَذَابِي أُصِيبُ بِهِ مَنْ أَشَاءُ وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ)، من صفاتهم كيت وكيت، وهم الذين يتبعون الرسول النبي الأمي، وأخذ في صفاته الكريمة وفضائله.

وفي سورة الشعراء حكى قول إبراهيم: (وَلَا تُخْزِنِي يَوْمَ يُبْعَثُونَ). فتخلص منه إلى وصف المعاد بقوله: (يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ).

وفي سورة الكهف حكى سدّ "ذو القرنين" بقوله: (فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ رَبِّي جَعَلَهُ دَكَّاءَ)، فتخلَّص منه إلى وصف حالهم بعد ذكر الذي هو من أشراط الساعة ثم النفخ في الصور، وذكر الحَشْر، ووصف حال الكفار والمؤمنين.

وقال بعضهم: الفرق بين التخلص والاستطراد أنك في التخلص تركت ما كنتَ فيه بالكلية، وأقبلت على ما تخلصت إليه.
وفي الاستطراد تمر بذكر الأمر الذي استطردت إليه مرورًا كالبرق الخاطف ثم تتركه إلى ما كنت فيه، كأنك لم تقصده، وإنما عرض عروضاً.
قال: وبهذا يظهر أن ما في سورة الأعراف والشعراء من باب الاستطراد لا التخلص، لعَوْدِه في الأعراف إلى قصة موسى بقوله: (وَمِنْ قَوْمِ مُوسَى أُمَّةٌ). وفي الشعراء إلى ذكر الأنبياء والأمم.


ويقرب من حسن التخلص الانتقال من حديث إلى آخر تنشيطاً للسامع مفصولاً بهذا: كقوله في سورة ص- بعد ذكر الأنبياء: (هَذَا ذِكْرٌ وَإِنَّ لِلْمُتَّقِينَ لَحُسْنَ مَآبٍ).
قال: هذا القرآن نوع من الذكر لَمّا انتهى ذكر الأنبياء، وهو نوع من التنزيل، أراد أن يذكر نوعاً آخر وهو ذكر الجنة وأهلها، تم لما فرغ قال: (هَذَا وَإِنَّ لِلطَّاغِينَ لَشَرَّ مَآبٍ). فذكر النار وأهلها.
قال ابن الأثير: هذا في هذا المقام من الفصل هو أحسن من الوصل، وهي علاقة وكيدة بين الخروج من كلام إلى آخر.

ويقرب منه أيضاً حسن الطلب: قال الزنجاني والطيبي: وهو أن يخرج إلى الغرض بعد تقدمة الوسيلة، كقولك: (إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ) .
قال الطيبي: وما اجتمع فيه حسن التخلص والمطلب معا قوله تعالى – حكاية عن إبراهيم: (فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِي إِلَّا رَبَّ الْعَالَمِينَ الَّذِي خَلَقَنِي) ... إلى قوله (رَبِّ هَبْ لِي حُكْمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ).


قاعدة لبعض المتأخرين: الأمر الكلي المفيد لعرفان مناسبة الآيات في جميع القرآن هو أنك تنظر الغرض الذي سيقت له السورة، وتنظر ما يحتاج إليه ذلك الغرض من المقدمات، وتنظر إلى مراتب تلك المقدمات في القرْب والبعْد من المطلوب، وتنظر عند انجرار الكلام في مقدمات إلى ما تستتبعه من استشراف نَفْس السامع إلى الأحكام واللوازم التابعة له التي تقتضي البلاغة شفاء الغليل بدفع عناء الاستشراف إلى الوقوف عليها، فهذا هو الأمر الكلي المعين على حكم الربط بين جميع أجزاء القرآن، فإذا فعلْتَه بيَّن لك وجه النظم مفصلاً بين كل آية وآية في كل سورة وسورة" انتهى.

معترك الأقران في إعجاز القرآن (1/ 43- 49)

_________________
مددك يا سيدي يا رسول الله صلى الله عليك و على آلك و سلم

الغوث يا سيدي رسول الله صلى الله عليك و على آلك و سلم

الشفاعة يا سيدي يا رسول الله صلى الله عليك و على آلك و سلم


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
عرض مشاركات سابقة منذ:  مرتبة بواسطة  
إرسال موضوع جديد الرد على الموضوع  [ 15 مشاركة ] 

جميع الأوقات تستخدم GMT + ساعتين


الموجودون الآن

المستخدمون المتصفحون لهذا المنتدى: لا يوجد أعضاء مسجلين متصلين و 7 زائر/زوار


لا تستطيع كتابة مواضيع جديدة في هذا المنتدى
لا تستطيع كتابة ردود في هذا المنتدى
لا تستطيع تعديل مشاركاتك في هذا المنتدى
لا تستطيع حذف مشاركاتك في هذا المنتدى
لا تستطيع إرفاق ملف في هذا المنتدى

البحث عن:
الانتقال الى:  
© 2011 www.msobieh.com

جميع المواضيع والآراء والتعليقات والردود والصور المنشورة في المنتديات تعبر عن رأي أصحابها فقط