موقع د. محمود صبيح

منتدى موقع د. محمود صبيح

جميع الأوقات تستخدم GMT + ساعتين



إرسال موضوع جديد الرد على الموضوع  [ 301 مشاركة ]  الانتقال إلى صفحة السابق  1 ... 7, 8, 9, 10, 11, 12, 13 ... 21  التالي
الكاتب رسالة
 عنوان المشاركة: Re: من رقائق التفاسير الصوفية
مشاركة غير مقروءةمرسل: السبت فبراير 25, 2023 12:55 pm 
غير متصل

اشترك في: الاثنين يناير 25, 2021 8:59 pm
مشاركات: 2358


{ان الله لا يستحى ان يضرب مثلا ما بعوضة} عن الحسن وقتادة لما ذكر الله الذباب والعنكبوت فى كتابه وضرب للمشركين به المثل ضحكت اليهود وقالوا ما يشبه هذا كلام الله فانزل الله هذه الآية.
والحياء تغير وانكسار يعترى الانسان من تخوف ما ياب به ويذم وهو جار على سبيل التمثيل لا يترك ضرب المئل بالبعوضة ترك من يستحيى ان يمثل بها لحقارتها فمحل ان يضرب اى يذكر النصب على المفعولية وما اسمية ابهامية تزيد ما تقارنه من الاسم المنكر ابهاما وشياعا كانه قيل مثلا ما من الامثال اى مثل كان فهى صفة لما قبلها وبعوضة بدل من مثلا والبعوضة صغار البق سميت بعوضة لانها كانها بعض البق {فما فوقها} اى فيذكر الذى هو ازيد منها كالذباب والعنكبوت او فما دونها فى الصغر قيل انه من الاضداد ويطلق على الاعلى والادنى وهو دابة يسترها السكون ويظهرها التحرك يعنى لا تلوح للبصر الحاد الا بتحركها. فان قلت مثل الله آلهتهم ببيت العنكبوت وبالذباب فاين تمثيلها بالبعوضة فما دونها. قلت فى هذه الآية كأنه قال ان الله لا يستحيى ان يضرب مثل آلهتكم بالبعوضة فما دونها فما ظنكم بالعنكبوت والذباب.
قال الربيع بن انس ضرب المثل بالبعوضة عبرة لاهل الدنيا فان البعوضة تحيى ما جاعت وتموت اذا شبعت فكذا صاحب الدنيا اذا استغنى طغى واحاط به الردى.
وقال الامام ابو منصور الاعجوبة فى الدلالة على وحدانية الله تعالى فى الخلق الصغير الجثة والجسم اكثر منها فى الكبار العظام لان الخلائق لو اجتمعوا على تصوير صورة من نحو البعوض والذباب وتركيب ما يحتاج من الفم والانف والعين والرجل واليدو المدخل والمخرج ما قدروا عليه ولعلهم يقدرون على تصوير العظام من الاجسام الكبار منها فالبعوضة اعطيت على قدر حجمها الحقير كل آلة وعضو أعطيه الفيل الكبير القوى. وفيه اشارة الى حال الانسان وكمال استعداده كما قال عليه السلام "ان الله خلق آم على صورته" .
اى على صفته فعلى قدر ضعف الانسان اعطاه الله تعالى من كل صفة من صفات جماله وجلاله نموذجا ليشاهد فى مرآة صفات نفسه كمال صفات ربه كما قال "من عرف نفسه فقد عرف ربه" وليس لشئ من المخلوقات هذه الكرامة المختصة بالانسان كما قال تعالى { ولقد كرمنا بنى آدم } [الإسراء: 70].
قال بعضهم ان الله تعالى قوى قلوب ضعفاء الناس بذكر ضعفاء الاجناس وعرف الخلق قدرته فى خلق الضعفاء على هيآت الاقوياء فان البعوض على صغره بهيئة الفيل على كبره وفى البعوض زيادة جناحين فلا يستبعد من كرمه ان يعطى على قليل العمل ما يعطى على كثير العمل من الخلق كما اعطى صغير الجثة مع اعطى كبير الجثة من الخلقة ومن العجيب ان هذا الصغير يؤذى هذا الكبير فلا يمتنع منه ومن لطف الله تعالى انه خلق الاسد بغاية القوة والبعوض والذباب بغاية الضعف ثم اعطى البعوض والذباب جراءة اظهرها فى طيرانهما فى وجوه الناس وتماديهما فى ذلك مع مبالغة الناس فى ذبهما بالمذبة وركب الجبن فى الاسد واظهر ذلك بتباعده عن مساكن الناس وطرقهم ولو تجاسر الاسد تجاسر الذباب والبعوض لهلك الناس فمن الله تعالى وجل فى الضعيف التجاسر وفى القوى الجبن ومن العجب عجزك عن هذا الضعيف وقدرتك على ذلك الكبير – وحكى – انه خطب المأمون فوقع ذباب على عينه فطرده فعاد مرارا حتى قطع عليه الخطبة فلما صلى احضر ابا هذيل شيخ البصريين فى الاعتزال فقال له لم خلق الله الذباب قال ليذل به الجبابرة قال صدقت واجازه بمال كذا فى روضة الاخيار ففى خلق مثل الذباب حكم ومصالح.
قال وكيع لولا الريح والذباب لأنتنت الدنيا ومن الاعاجيب ان هذا الضعيف اذا طار فى وجهك ضاق به قلبك ونغص به عيشك وفسد عليك بستانك وكرمك واعجب منه جراءتك مع ضعفك على ما يورثك العار ويوردك النار فاذا كان جزعك هذا من البعوض فى الدنيا فكيف حالك اذا تسلطت عليك الحيات والعقارب فى لظى.
قال القشيرىرحمه الله الخلق فى التحقيق بالاضافة الى قدرة الخالق اقل من ذرة من الهباء فى الهواء وسيان فى قدرته العشر والبعوضة فلا خلق العرش عليه اعسر ولا خلق البعوضة عليه ايسر سبحانه وتقدس عن لحوق العسر واليسر.
واعلم انه يمثل الحقير بالحقير كما يمثل العظيم بالعظيم وان كان الممثل اعظم من كل عظيم كما مثل فى الانجيل غل الصدر بالنخالة قال لا تكونوا كمنخل يخرج منه الدقيق الطيب ويمسك النخالة كذلك انتم تخرج الحكمة من افواهكم وتبقون الغل فى صدوركم ومثل مخاطبة السفهاء باثارة الزنابير قال لا تثيروا الزنابير فتلدغكم فكذلك لا تخاطبوا السفهاء فيشتموكم وقال فيه ايضا لا تدخروا ذخائركم حيث السوس والارضة فتفسدها ولا فى البرية حيث اللصوص والسموم فيسرقها اللصوص ويحرقها السموم ولكن ذخائركم عند الله تعالى.
وجاء فى الانجيل ايضا مثل ملكوت السماء كمثل رجل زرع فى قريته حنطة جيدة نقية فلما نام الناس جاء عدوه فزرع الزوان وهو بفتح الزاى وضمها حب مر يخالط البر فقال عبيد الزراع يا سيدنا أليس حنطة جيدة زرعت فى قريتك قال بلى قالوا فمن اين هذا الزوان قال لعلكم ان ذهبتم لتلقطوا الزوان تقلعوا معه حنطة دعوهما يتربيان جميعا حتى الحصاد فامر الحصادين ان يلقطوا الزوان من الحنطة وان يربطوه حزما ثم يحرق بالنار ويجمعوا الحنطة الى الجرين.
والتفسير الزراع ابو البشر والقرية العالم والحطنة الطاعة وزراع الزوان ابليس والزوان المعاصى والحصادون الملائكة يتوفون بنى آدم.
وللعرب امثال مثل قولهم هو اجمع من ذرة يزعمون انها تدخر قوت سبع سنين واجرأ من الذباب لانه يقع على أنف الملك وجفن الاسد فاذا ذب اى منع آب اى رجع واسمع من قراد تزعم العرب ان القراد يسمع الهمس الخفى من مناسم الابل اى اخفافها على مسيرة سبع ليال او سبعة اميال وفلان اعمر من القراد وذلك انها تعيش سبعمائة سنة وقيل اعمر من حية لانها لا تموت الاقتلا ويقال اعمر من النسر لانه يعيش ثلاثمائة سنة وفلان أصرد من جرادة اى ابرد لانها لا تظهر فى الشتاء ابدا لقلة صبرها على البرد وأطيش من فراشة اى اخف منها وهى بالفارسية "بروانه" وأعز من مخ البعوض يقال لما لا يجود ويقال كلفتنى مخ البعوض فى تكليف ما لا يطاق وأضعف من بعوضة وآكل من السوس وهو القمل الذى يأكل الحنطة والشعير والدويبة التى تقع على الصوف والجوخ وغيرهما فتأكلها.
وبالجملة ان الله تعالى يضرب الامثال للناس ولا يستحيى من الحق وله فى امثاله مطلقا حكم ومصالح وما يتذكر اولوا الالباب

{فاما الذين آمنوا} بالقرآن محمد صلىالله عليه وسلم والفاء للدلالة على ترتيب ما بعدها على ما يدل عليه ما قبلها كأنه قيل فيضربه فاما الذين آمنوا {فيعلمون انه} اى المثل بالبعوضة والذباب {الحق} اى الثابت الذى لا يسوغ انكاره {من ربهم} حال من الضمير المستكن فى الحق او من الضمير العائد الى المثل اى كائنا منه تعالى فيتفكرون فى هذا المثل الحق ويوقنون ان الله هو خالق الكبير والصغير وكل ذلك فى قدرته سواء فيؤمنون به {واما الذين كفروا} وهم اليهود والمشركون {فيقولون ماذا} اى ما الذى او أى شئ {اراد الله بهذا} اى بالمثل الخسيس وفى كلمة هذا تحقير للمشار اليه واسترذال له {مثلا} اى بهذا المثل فلما حذف الالف واللام نصب على الحال أى ممثلا او على التمييز فاجابهم الله تعالى بقوله {يضل به} اى يخذل بهذا المثل والاضلال هو الصرف عن الحق الى الباطل واسناد الاضلال اى خلق الضلال اليه سبحانه مبنى على ان جميع الاشياء مخلوقة له تعالى وان كانت افعال العباد من حيث الكسب مستندة اليهم {كثيرا} من الكفار وذلك انهم يكذبونه فيزدادون ضلالة {ويهدى به} اى يوفق بهذا المثل{كثير} من المؤمنين لتصديقهم به فيزدادون هداية يعنى يضل به من علم منهم انه يختار الضلالة ويهدى به من علم انه يختار الهدى. فان قلت لم وصف المهديون بالكثرة والقلة صفتهم. قلت اهل الهدى كثر فى انفسهم وحين يوصفون بالقلة انما يوصفون بها بالقياس الى اهل الضلال وايضا فان القليل من المهديين كثير فى الحقيقة وان قلوا فى الصورة لان هؤلاء على الحق وهم على الباطل.
وعن ابن مسعود رضى الله عنه السواد الاعظم هو الواحد على الحق {وما يضل به} اى لا يخذل بالمثل وتكذيبه.
{الا الفاسقين} اى الكافرين بالله الخارجين عن امره. والفسق فى اللغة الخروج وفى الشريعة الخروج عن طاعة الله بارتكاب الكبيرة التى من جملتها الاصرار على الصغير وله طبقات ثلاث الاولى التغابى وهو ارتكابها احيانا مستقبحا لها والثانية الانهماك فى تعاطيها والثالثة المثابرة عليها مع جحود قبحها وهذه الطبقة من مراتب الكفر فما لم يبلغها الفاسق لا يسلب عنه اسم المؤمن لاتصافه بالتصديق الذى عليه يدور الايمان.
{الذين ينقضون عهد الله} اى يخالفون ويتركون امر الله تعالى.
والنقض الفسخ وفك التركيب فان قلت من اين ساغ استعمال النقض فى ابطال العهد. قلت من حيث تسميتهم العهد بالحبل على سبيل الاستعارة لما فيه من ثبات الوصلة بين المتعاهدين قيل عهد الله ثلاثة الاول ما اخذه على ذرية آدم عليه السلام بان يقروا بربوبيته تعالى والثانى ما أخذه على الانبياء عليهم السلام بأن أقيموا الدين ولا تتفوقوا فيه والثالث ما أخذه على العلماء بان يبينوا الحق ولا يتكموه {من بعد ميثاقهم} اى بعد توثيق ذلك العهد وتوكيده بالقبول فالضمير للعهدا وبعد توثيق الله ذلك بانزال الكتب وارسال الرسل فالضمير الى الله فالمراد بالميثاق هنا نفس المصدر لا نفس العهد – يحكى – عن مالك بن ديناررحمه الله انه كان له ابن عم عامل سلطان فى زمانهم وكان ظالما جائرا فمرض ذلك الرجل ونذر وعهد على نفسه وقال لو عافانى الله تعالى مما انا فيه لا ادخل فى عمل السلطان ابدا قال فأبرأه الله من ذلك المرض فدخل فى عمل السلطان ثانيا فظلم الناس اكثر مما ظلمهم فى المرة الاولى فمرض ثانيا فنذر ثانيا ان لا يرجع الى عمل السلطان فبرئ ونقض العهد ودخل فيه وظلم اكثر مما ظلم فى المرتين فظهرت به علة شديدة فاخبر بذلك مالك بن دينار فاره وقال يا بنى اوجب على نفسك شيأ وعاهد مع الله عهدا لعلك تنجو من هذه العلة فقال المريض عاهدت الله ان لو قمت من فراشى ان لا اعود الى عمل السلطان ابدا فهتف هاتف يا مالك انا قد جربناه مرار فوجدناه كذوبا فلا ينفعه نذره اى جربناه بنفسه فاكذب نفسه فمات الفتى على هذه الحالة كذا فى روضة العلماء: قال فى المثنوى
نقض ميثاق وشكست توبها موجب لعنت شود درانتها

{ويقطعون ما امر به الله ان يوصل} محل ان يوصل النصب على أنه بدل من ضمير الموصول اى ما امر الله به ان يوصل وهو يحتمل كل قطيعة لا يرضى بها الله سبحانه كقطع الرحم وموالاة المؤمنين والتفرقة بين الانبياء عليهم السلام والكتب فى التصديق وترك الجماعات المفروضة وسائر ما فيه رفض خير او تعاطى شر فانه يقطع ما بين الله تعالى وبين العبد من الوصلة التى هى المقصودة بالذات من كل وصل وفصل وفى الحديث "اذا اظهر الناس العلم وضيعوا العمل به وتحابوا بالالسن وتباغضوا بالقلوب وتقاطعوا الارحام لعنهم الله عند ذلك فاصمهم واعمى ابصارهم" وقال صلى الله عليه وسلم "ثلاثة فى ظل عرش الله يوم القيامة امرأة مات عنها زوجها وترك عليها يتامى صغارا فخطبت فلم تتزوج وقالت اقوم على ايتامى حتى يغنيهم الله او يميت يعنى اليتيم او هى ورجل له مال صنع طعاما فاطاب صنعته واحسن ثفقته فدعا عليه اليتيم والمسكين ورجل وصل الرحم يوسع له فى رزقه ويمد له فى اجله ويكون تحت ظل عرش ربه" .
{ويفسدون فى الارض} بالمنع عن الايمان والاستهزاء بالحق وقطع الوصل التى عليها يدور فلك نظام العالم وصلاحه {اولئك هم الخاسرون} اى المغبونون بالعقوبة فى الآخرة مكان المثوبة فى الجنة لانهم استبدلوا النقض بالوفاء والقطع بالوصل والفساد بالصلاح وعقابها بثوابها.
قيل ليس من مؤمن ولا كافر الا وله منزل واهل وخدم فى الجنة فان اطاعه تعالى اتى اهله وخدمه ومنزله فى الجنة وان عصاه ورثه الله المؤمن فقد غبن عن اهله وخدمه ومنزله وفى التأويلات النجمية {ان الله لا يستحى ان يضرب مثلا ما بعوضة فما فوقها فاما الذين آمنوا} بنور الايمان يشاهدون الحقائق والمعانى فى صورة الامثلة {فيعلمون انه الحق من ربهم واما الذين كفروا فيقولون} حيث انكروا الحق فجعل ظلمة انكارهم غشاوة فى ابصارهم فما شاهدوا الحقائق فى كسوة الامثلة كما ان العجم لا يشاهدون المعانى فى كسوة اللغة العربية فكذلك الكفار والجهال عند تحيرهم فىادراك حقائق الامثال قالوا {ما اذا اراد الله بهذا مثلا} فبجهلهم زادوا انكارا على انكار فتاهوا فى اودية الضلالة بقدم الجهالة {يضل به كثيرا} ممن اخطأه رشاش النور فى بدء الخلق كما قال عليه السلام "ان الله خلق الخلق فى ظلمة ثم رش عليهم من نوره فمن اصابه ذلك النور فقد اهتدى ومن اخطأه فقد ضل" فمن اخطأه ذلك النور فى عالم الارواح فقد اخطأه نور الايمان ههنا ومن اخطأه نور الايمان فقد اخطأه نور القرآن فلا يهتدى ومن اصابه ذلك هنالك اصابه ههنا نور الايمان ومن اصابه نور الايمان فقد اصابه نور القرآن ومن اصابه نور القرآن فهو ممن قال {ويهدى به كثيرا} وكان القرآن لقوم شفاء ورحمة ولقوم شقاء ونقمة لانه كلامه وصفته شاملة اللطف والقهر فبلطفه هدى الصادقين وبقهره اضل الفاسقين لقوله {وما يضل به الا الفاسقين} الخارجين من اصابه رشاش النور فى بدء الخلقة ثم اخبر عن نتائج ذكر الخروج ونقض العهود كما قال الله تعالى.
-----
روح البيان في تفسير القرآن لإسماعيل حقي


_________________
أغث يا سيدى وأدرك محبا يرى الأقدار تضربه سهاما
لكل قضية أعددت طه بغير شكية يقضى المراما
أيغدرنا الزمان وأنت فينا معاذ الله يا بدر التماما
(ﷺ)


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة: Re: من رقائق التفاسير الصوفية
مشاركة غير مقروءةمرسل: الاثنين فبراير 27, 2023 8:25 pm 
غير متصل

اشترك في: الاثنين يناير 25, 2021 8:59 pm
مشاركات: 2358


إن الله لا يترك أن يظهر مثلاً من أنوار قدسه بارزاً بقدرته، مرتدياً برداء حكمته، ملتبساً بأسرار ذاته، مَكسُوّاً بأنوار صفاته من الذرة إلى ما لا نهاية له، فالمتجلِّي في النملة هو المتجلي في الفيلة، فأما الذين صَدَّقُوا بتجلي الذات في أنوار الصفات، فيقولون: إنه الحق فائضٌ من نور الربوبية، محتجباً برداء الكبرياء وسبحات الألوهية. وأما الجاحدون لظهور نور ذات الربوبية فينكرونه في حال ظهوره، ويقولون: ماذا أراد الله بهذه العوالم الظاهرة؟ فيقول الحق تعالى: أردت ظهور قدرتي وعجائب حكمتي، ليظهر سر ربوبيتي في مظاهر عبوديتي.
قال الشيخ أبو الحسن رضي الله عنه: "العبودية جوهرة أظهر بها الربوبية" وقيل لأبي الحسن النُّورِي: ما هذه الأماكن والمخلوقات الظاهرة؟ فقال: عز ظاهر وملك قاهر، ومخلوقات ظاهرة به، وصادرة عنه، لا هي متصلة به ولا منفصلة عنه، فرغ من الأشياء ولم تفرغ منه، لأنها تحتاج إليه وهو لا يحتاج إليها. هـ.
فأراد الله بظهور هذا الكون أن يضل به قوماً فيقفون مع ظاهر غرَّتِه، ويهدي به قوماً فينفذون إلى باطن عبرته. وما يضل به إلا الفاسقين الخارجين عن دائرة الشهود، المنكرين لتجليات الملك المعبود، الذين ينقضون عهد الله، وهو معرفة الروح التي حصلت لها وهي في عالم الذر، ويقطعون ما أمر الله به أن يوصل من الشيوخ العارفين، الذين أَهَّلَهُمَ الله للتربية والترقية، وهم لا ينقطعون ما دامت المِلَّةُ المحمدية، ويفسدون في الأرض بالإنكار والتعويق عن طريق الخصوص، بتضييعهم الأصولَ، وهي صحبة العارفين، والتأدب لهم، والتعظيم لحرمتهم. وبالله التوفيق، وهو الهادي إلى سواء الطريق.
-----
البحر المديد لإبن عجيبة الحسيني


_________________
أغث يا سيدى وأدرك محبا يرى الأقدار تضربه سهاما
لكل قضية أعددت طه بغير شكية يقضى المراما
أيغدرنا الزمان وأنت فينا معاذ الله يا بدر التماما
(ﷺ)


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة: Re: من رقائق التفاسير الصوفية
مشاركة غير مقروءةمرسل: الثلاثاء فبراير 28, 2023 6:21 pm 
غير متصل

اشترك في: الاثنين يناير 25, 2021 8:59 pm
مشاركات: 2358


ثم لما طعن الكفار في غاية استكبارهم وعتوهم ونهاية استعظامهم نفوسهم، واعتقادهم الأصالة في الوجود، والاستقلال بالآثار المترتبة عليه الصادرة منهم ظاهراً على الكتاب، والرسول المنزل عليه قائلين بأن ما جئت به وسميته وحياً نازلاً إليك من عند الله الحكيم لا يدل على كلام من يعتد به ويعتمد عليه، فضلاً عن أن يدل على أنه كلام الحكيم المتصف بجميع أوصاف الكمال المستحق للعبادة؛ لأن ما مثل به فيه هي الأشياء الخسيسة الخبيثة والضعيفة الحقيرة، مثل الكلب والحمار والذباب والنمل والنحل والعنكبوت وغيرها، والكلام المشتمل على أمثال هذه الأمثار لا يصدر من الكبير المتعال؟!
رد الله عليهم وروج أمر نبيه - صلوات الله عليه - فقال: {إِنَّ ٱللَّهَ } المستجمع لجميع الأوصاف والأسماء، المقتضية لظواهر الكائنات، المرتبة لمراتب الموجودات الظاهر على جميع المظاهر بلا تفاوت، كظهور الشمس وإشراقها على جميع الآفاق، وسريان الروح في جميع الأعضاء {لاَ يَسْتَحْى} استحياء من في فعله ضعف وعافية وضيعة، بل الله سبحانة {أَن يَضْرِبَ مَثَلاً} بمظهر {مَّا} من المظاهر غير المتفاوتة في المظهرية؛ إذ له بذاته من جميع أوصافه وأسمائه ظهور في كل ذرة من ذرائر العالم بلا إضافة، فلا تفاوت في المظاهر عنده، وما ترى في خلق الرحمن من تفاوت، وسواء كانت {بَعُوضَةً} مستحقرة عندكم أو أحقر منها {فَمَا فَوْقَهَا} في الحقارة والخساسة كالبق والنمل، فلا يبالي الله في تمثيلها؛ إذ عند الكل على السواء {فَأَمَّا ٱلَّذِينَ} صدقوا النبي الأمي صلى الله عليه وسلم و{آمَنُواْ} بما جاء به من عند ربه {فَيَعْلَمُونَ} علماً يقيناً أن التمثيل بهذه الأمثال {أَنَّهُ ٱلْحَقُّ} الثابت الصادر {مِن رَّبِّهِمْ} الذي رباهم بكشف الأمور على ما هي عليه.
-----
الجيلاني رضي الله عنه

_________________
أغث يا سيدى وأدرك محبا يرى الأقدار تضربه سهاما
لكل قضية أعددت طه بغير شكية يقضى المراما
أيغدرنا الزمان وأنت فينا معاذ الله يا بدر التماما
(ﷺ)


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة: Re: من رقائق التفاسير الصوفية
مشاركة غير مقروءةمرسل: الجمعة مارس 03, 2023 6:47 pm 
غير متصل

اشترك في: الاثنين يناير 25, 2021 8:59 pm
مشاركات: 2358
ٱلَّذِينَ يَنقُضُونَ عَهْدَ ٱللَّهِ مِن بَعْدِ مِيثَٰقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَآ أَمَرَ ٱللَّهُ بِهِ أَن يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي ٱلأرْضِ أُولَـۤئِكَ هُمُ ٱلْخَٰسِرُونَ ٢٧ -البقرة

الإشارة فيه إلى حال من سلك طريق الإرادة، ثم رجع إلى ما هو عليه أهل العادة، قال بتَرْكِ نفسه ثم لم يَصْدُق حين عزم الأمر، ونزل من إشارة الحقيقة إلى رخص الشريعة، وكما أنَّ من سلك الطريق بنفسه - ما دام يبقى درهم في كيسه - فغيرُ محمودٍ رجوعُه فكذلك من قصد بقلبه - ما دام يبقى نَفَسٌ من روحه - فغير مَرْضيِّ رجوعهُ:
إن الأُلى ماتوا على دين الهدى وجدوا المنية منهلاً معلولا

ويقطعون ما أمر الله به أن يُوصَل: وصل أسباب الحق بقطع أسباب الخَلْق، ولا يتم وصل مَا لَهُ إلا بقطع ما لَكَ، فإذا كان الأمر بالعكس كان الحال بالضد.
ومما أُمِرَ العبد بوصله: حفظه دِمام أهل هذه الطريقة، والإنفاق على تحصيل ذلك بصدق الهمم لا يبذل النِّعَم، فهممهم على اتصال أسباب هذه الطريقة وانتظام أحوالها موقوفة، وقلوبهم إلى توقع الحراسة من الله تعالى لأهلها مصروفة. وفساد هذه الطريقة في الأرض: أما مَنْ لهم حواشي أحوالهم، وإطراق أمورهم فيتشاغلون عن إرشادِ مريدٍ بكلامهم، وإشحاذِ قاصدٍ بهممهم؛ وذلك مما لا يرضى به الحق سبحانه منهم.
ومِنْ نَقْضِ العهد أيضاً أن يحيد سِرُّك لحظةً عن شهوده، ومِنْ قَطْع ما أُمِرْتَ بِوَصْلِه أن يتخلل أوقاتك نَفَسٌ لحظِّك دون القيام بحقه، ومِنْ فسادِكَ في الأرض ساعة تجري عليك ولم تَرَهُ فيها. أَلاَ إن ذلك هو الخسران المبين، والمحنة العظمة، والرزية الكبرى.
----
لطائف الإشارات للقشيري

_________________
أغث يا سيدى وأدرك محبا يرى الأقدار تضربه سهاما
لكل قضية أعددت طه بغير شكية يقضى المراما
أيغدرنا الزمان وأنت فينا معاذ الله يا بدر التماما
(ﷺ)


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة: Re: من رقائق التفاسير الصوفية
مشاركة غير مقروءةمرسل: السبت مارس 04, 2023 2:10 pm 
غير متصل

اشترك في: الاثنين يناير 25, 2021 8:59 pm
مشاركات: 2358

ٱلَّذِينَ يَنقُضُونَ عَهْدَ ٱللَّهِ مِن بَعْدِ مِيثَاقِهِ } الاشارةُ فيه الى حال اهل الفترة الذين سَلكوا طريق اهل القصد ثم رَجَعوا الى ما عليه عادة العَوَام من الرُّخص والتاويل فمن هذا شانه فقد زاغ محجّة المشاهدة وتَحيَّر في اودية الغفلة وتَهَتَّم في سراب الفقدان محجوباً عن مشاهَدة الرحمن.
عرائس البيان في حقائق القرآن للبقلي

_________________
أغث يا سيدى وأدرك محبا يرى الأقدار تضربه سهاما
لكل قضية أعددت طه بغير شكية يقضى المراما
أيغدرنا الزمان وأنت فينا معاذ الله يا بدر التماما
(ﷺ)


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة: Re: من رقائق التفاسير الصوفية
مشاركة غير مقروءةمرسل: الأحد مارس 05, 2023 7:35 pm 
غير متصل

اشترك في: الاثنين يناير 25, 2021 8:59 pm
مشاركات: 2358

{الذين ينقضون عهد الله من بعد ميثاقه} اى الذين ينقضون عهد الله الذى عاهدوه يوم الميثاق على التوحيد والعبودية بالاخلاص من بعد ميثاقه {ويقطعون ما امر الله به ان يوصل} من اسباب السلوك الموصل الى الحق واسباب التبتل والانقطاع عن الخلق كما قال تعالى { وتبتل إليه تبتيلا } [المزمل: 8] اى انقطع اليه انقطاعا كليا عن غيره.
{ويفسدون فى الارض} اى يفسدون بذر التوحيد الفطرى فى ارض طينتهم بالشرك والاعراض عن قبول دعوة الانبياء وسقى بذر التوحيد بالايمان والعمل الصالح {اولئك هم الخاسرون} خسروا استعداد كمالية الانسان المودعة فيهم كما تخسر النواة فى الارض استعداد النخلية المودعة فيها عند عدم الماء لقوله تعالى { والعصر إن الإنسان لفى خسر إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات } [العصر: 1-3].
---
روح البيان في تفسير القرآن لإسماعيل حقي

_________________
أغث يا سيدى وأدرك محبا يرى الأقدار تضربه سهاما
لكل قضية أعددت طه بغير شكية يقضى المراما
أيغدرنا الزمان وأنت فينا معاذ الله يا بدر التماما
(ﷺ)


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة: Re: من رقائق التفاسير الصوفية
مشاركة غير مقروءةمرسل: الثلاثاء مارس 07, 2023 11:30 pm 
غير متصل

اشترك في: الاثنين يناير 25, 2021 8:59 pm
مشاركات: 2358


{ٱلَّذِينَ} يخرجون عن طريق التوحيد باستحقار بعض المظاهر {يَنقُضُونَ} يفصمون {عَهْدَ ٱللَّهِ} الذي هو حبله الممدود من أزل الذات إلى أبد الأسماء والصفات سيما {مِن بَعْدِ} توكيده بذكر {مِيثَٰقِهِ} الموثق بقوله: { أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ } [الأعراف: 172]، وقولهم: { بَلَىٰ } [الأعراف: 172] وبعدما نقضوا العهد الوثيق الذي من شأنه ألاَّ ينقضِ لم يفزعوا ولم يتوجهوا إلى جبره ووصله، بل {وَيَقْطَعُونَ} التوجه عن امتثال {مَآ أَمَرَ ٱللَّهُ بِهِ} في كتابه المنزل {أَن يُوصَلَ} به ما نقض من عهده، ومع ذلك لا يقنعون بنقض العهد وقطع الوصل المختصين بهم، بل {وَيُفْسِدُونَ فِي ٱلأرْضِ} بأنواع الفسادات السارية من إفسادٍ واعتقاد الضعفاء، والبغض مع العرفاء الأنساء - وفي نسخة أخرى: ا لأمناء - والمخالفة مع الأنبياء والأولياء {أُولَـۤئِكَ} البعداء عن طريق التوحيد {هُمُ ٱلْخَٰسِرُونَ} [البقرة: 27] المقصورون على الخسران الكلي الذي لا خسران فوقه، أعاذنا الله من ذلك.
----
تفسير الجيلاني

_________________
أغث يا سيدى وأدرك محبا يرى الأقدار تضربه سهاما
لكل قضية أعددت طه بغير شكية يقضى المراما
أيغدرنا الزمان وأنت فينا معاذ الله يا بدر التماما
(ﷺ)


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة: Re: من رقائق التفاسير الصوفية
مشاركة غير مقروءةمرسل: الأربعاء مارس 08, 2023 5:36 pm 
غير متصل

اشترك في: الاثنين يناير 25, 2021 8:59 pm
مشاركات: 2358


قوله تعالى: {كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِٱللَّهِ وَكُنْتُمْ أَمْوَاتاً فَأَحْيَاكُمْ}.
قيل فيه كنتم أمواتًا بالشرك وأحياكم بالتوحيد.
وقال بعضهم: كنتم أمواتًا بالجهل فأحياكم بالعلم.
وقيل فيه: كنتم أمواتًا بالخلاف فأحياكم بالائتلاف.
قال بعض البغداديين: كنتم أمواتاً بحياة نفوسكم فأحياكم بإماتة نفوسكم وإحياء قلوبكم.
وقال الشبلى: كنتم أمواتًا عنه فأحياكم به.
وقال ابن عطاء: كنتم أمواتًا بالظواهر فأحياكم بمكاشفة السرائر.
وقال فارس: كنتم أمواتًا بشواهدكم فأحياكم بشاهده ثم يميتكم عن شواهدكم ثم يحييكم بقيام الحق عنه. ثم إليه ترجعون عن جميع ما لكم وكنتم له.
قال الواسطى: ويختم بها غاية التوبيخ لأن الموات والجماد لا ينازع ما نور فى شىء، إنما المنازعة من الهياكل الروحانية.قوله تعالى: {هُوَ ٱلَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَّا فِي ٱلأَرْضِ جَمِيعاً}.
قال: تستعينوا لتقووا به على طاعته لا لتصرفوه فى وجوه معصيته.
وقيل: خلق لكم ما فى الأرض ليَعُدَّ نعمه عليكم فيقتضى الشكر من نفسك لطلب المزيد منه.
قال أبو عثمان: وهب لك الكل وسخره لك؛ لتستدل به على سعة جوده وتسكن إلى ما ضمنه لك من جزيل العطاء فى المعاد ولا تستقل كثير بره على قليل عملك، فقد ابتداك تعظيم النعم قبل العمل وهو التوحيد.
وقال ابن عطاء: {خَلَقَ لَكُمْ مَّا فِي ٱلأَرْضِ جَمِيعاً} ليكون الكون كله لك وتكون لله كلاً تشتغل عمن أنت له.
وقال بعض البغداديين فى قوله: {خَلَقَ لَكُمْ مَّا فِي ٱلأَرْضِ جَمِيعاً} أنعم بها عليك، فإن الخلق عبدة النعم باستيلاء النعمة عليهم فمن طهر للحضرة أسقط عنه فالمنعم رؤية النعم.
وقال أبو الحسن النورى: على مقامات أهل الحقائق انقطاعهم عن العلائق.قوله تعالى: {إِنِّي جَاعِلٌ فِي ٱلأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُواْ أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا}.
قال ابن عطاء: إن الملائكة جعلوا دعاءهم وسيلة إلى الله، فأمر الله النار فأحرقت منهم ساعة واحدة ألوفًا فأقروا بالعجز وقالوا {سُبْحَانَكَ لاَ عِلْمَ لَنَآ} [الآية: 32].
قال جعفر: لما باهَوا بأعمالهم وتسبيحهم وتقديسهم ضربهم كلهم بالجهل حتى قالوا: لا علم لنا.
وقال بعضهم: عجزهم عن درك المكتوبات عرفهم بذلك قصورهم عن حقائق الحق.
وقال بعضهم: من استكبر بعمله واستكثر بطاعته كان الجهل وطنه، ألا تراهم لما قالوا للحق نسبح بحمدك ألجأهم إلى أن قالوا: لا علم لنا.
قال الواسطى: من قال أنا فقد نازع القدرة، قالت الملائكة: نحن نسبح بحمدك وذلك ليغذيهم من المعارف وهم أرباب للافتخار والاعتراض عن الربوبية بقولهم أتجعل فيها من يفسد فيها.
قال الواسطى فى قوله: {إِنِّي جَاعِلٌ فِي ٱلأَرْضِ خَلِيفَةً} خلقه بعلمه السابق ودبره بالتركيب وألبسه شواهد النعت حتى يعرفه، ثم كانت أنفاسه مدخرة عند الحق حتى أبداها.
وقال بعض العراقيين: شروط الخلافة رؤيته بذاته الأشياء فصلاً ووصلاً، إذ الفصل والوصل لم ينفصل منه قط، وأى وصل للحدث بالقِدم.
وقال بعضهم: أعلمهم أن العلم بالله أتم من المجاهدات.
وقال بعضهم: عَيَّروا آدم واستصغروه ولم يعرفوا خصائص الصنع فيه فأمروا بالسجود له.
وقال بعض البغداديين: حلاه بخصائص الخلع وأظهر عليه صفات القدم، فصار الخضوع له قربة إلى الحق والاستكبار عليه بعدًا من الحق.
وقال بعضهم: {إِنِّي جَاعِلٌ فِي ٱلأَرْضِ خَلِيفَةً} خاطب الملائكة لا للمشورة ولكن لاستخراج ما فيهم من رؤية الحركات والعبادات والتسبيح والتقديس ردهم إلى قمتهم فقال اسجدوا لآدم.
وقال الواسطى فى قوله {إِنِّي جَاعِلٌ فِي ٱلأَرْضِ خَلِيفَةً} أظهر عليهم ما أضمروه فى شواهدهم لكم دونه فأظهر حرف كرمه؛ لأن حرف الكرم أن ترى أن شروط الجناية لا تهدم العناية ولو أكرمهم على ما كان منهم لم تظهر حقائق الكرم، ولما قالوا {وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ} علَّم آدم الأسماء كلها فرجعوا إلى رؤية التقصير فى تسبيحهم وتقديسهم فقالوا: {سُبْحَانَكَ لاَ عِلْمَ لَنَآ} [الآية: 32] إن التسبيح والتقديس لا يقربان منك إنما يقرب منك سبق عناية الأزل وهو لا تقدح فيه الجنايات والعصيان.
قال أبو عثمان المغربى: ما بلاء الخلق إلا الدعاوى ألا ترى أن الملائكة قالوا: نحن نسبح بحمدك ونقدس لك حتى ركنوا إلى الجهل فقالوا: لا علم لنا.
----
حقائق التفسير السلمي

_________________
أغث يا سيدى وأدرك محبا يرى الأقدار تضربه سهاما
لكل قضية أعددت طه بغير شكية يقضى المراما
أيغدرنا الزمان وأنت فينا معاذ الله يا بدر التماما
(ﷺ)


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة: Re: من رقائق التفاسير الصوفية
مشاركة غير مقروءةمرسل: الأربعاء مارس 08, 2023 6:34 pm 
غير متصل

اشترك في: الأربعاء فبراير 03, 2010 12:20 am
مشاركات: 7603
جهد مشكور مأحور ........
ماهر حقا يا ابن ماهر
جزاكم الله خيرا
اللهم صل على سيدنا محمد النور وآله وسلم

_________________
صلوات الله تعالى تترى دوما تتوالى ترضي طه والآلا مع صحب رسول الله


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة: Re: من رقائق التفاسير الصوفية
مشاركة غير مقروءةمرسل: الأربعاء مارس 08, 2023 9:08 pm 
غير متصل

اشترك في: الاثنين يناير 25, 2021 8:59 pm
مشاركات: 2358
فراج يعقوب كتب:
جهد مشكور مأحور ........
ماهر حقا يا ابن ماهر
جزاكم الله خيرا
اللهم صل على سيدنا محمد النور وآله وسلم

رضي الله عنكم سيدي وحفظكم وكساكم بأنوار حضرته صلى الله عليه وسلم

_________________
أغث يا سيدى وأدرك محبا يرى الأقدار تضربه سهاما
لكل قضية أعددت طه بغير شكية يقضى المراما
أيغدرنا الزمان وأنت فينا معاذ الله يا بدر التماما
(ﷺ)


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة: Re: من رقائق التفاسير الصوفية
مشاركة غير مقروءةمرسل: الخميس مارس 09, 2023 9:25 pm 
غير متصل

اشترك في: الاثنين يناير 25, 2021 8:59 pm
مشاركات: 2358


الإشارة فيه إلى حال من سلك طريق الإرادة، ثم رجع إلى ما هو عليه أهل العادة، قال بتَرْكِ نفسه ثم لم يَصْدُق حين عزم الأمر، ونزل من إشارة الحقيقة إلى رخص الشريعة، وكما أنَّ من سلك الطريق بنفسه - ما دام يبقى درهم في كيسه - فغيرُ محمودٍ رجوعُه فكذلك من قصد بقلبه - ما دام يبقى نَفَسٌ من روحه - فغير مَرْضيِّ رجوعهُ:
إن الأُلى ماتوا على دين الهدى وجدوا المنية منهلاً معلولا

ويقطعون ما أمر الله به أن يُوصَل: وصل أسباب الحق بقطع أسباب الخَلْق، ولا يتم وصل مَا لَهُ إلا بقطع ما لَكَ، فإذا كان الأمر بالعكس كان الحال بالضد.
ومما أُمِرَ العبد بوصله: حفظه دِمام أهل هذه الطريقة، والإنفاق على تحصيل ذلك بصدق الهمم لا يبذل النِّعَم، فهممهم على اتصال أسباب هذه الطريقة وانتظام أحوالها موقوفة، وقلوبهم إلى توقع الحراسة من الله تعالى لأهلها مصروفة. وفساد هذه الطريقة في الأرض: أما مَنْ لهم حواشي أحوالهم، وإطراق أمورهم فيتشاغلون عن إرشادِ مريدٍ بكلامهم، وإشحاذِ قاصدٍ بهممهم؛ وذلك مما لا يرضى به الحق سبحانه منهم.
ومِنْ نَقْضِ العهد أيضاً أن يحيد سِرُّك لحظةً عن شهوده، ومِنْ قَطْع ما أُمِرْتَ بِوَصْلِه أن يتخلل أوقاتك نَفَسٌ لحظِّك دون القيام بحقه، ومِنْ فسادِكَ في الأرض ساعة تجري عليك ولم تَرَهُ فيها. أَلاَ إن ذلك هو الخسران المبين، والمحنة العظمة، والرزية الكبرى.ويقال {وَكُنْتُمْ أَمْوَٰتاً} لبقاء نفوسكم فأحياكم بفناء نفوسكم ثم يميتكم عنكم عن شهود ذلك لئلا تلاحظوه فيفسد عليكم، ثم يحييكم بأن يأخذكم عنكم ثم إليه ترجعون بتقلبكم في قبضته سبحانه وتعالى.
ويقال يحبس عليهم الأحوال؛ فلا حياة بالدوام ولا فناء بالكلية، كلّما قالوا هذه حياة - وبيناهم كذلك - إذ أدال عليهم فأفناهم، فإذا صاروا إلى الفناء أثبتهم وأبقاهم، فهم أبداً بين نفي وإثبات، وبين بقاء وفناءَ، وبين صحو ومحو.. كذلك جرت سنته سبحانه معهم.قوله جلّ ذكره: {هُوَ ٱلَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَّا فِي ٱلأَرْضِ جَمِيعاً}.
سخر لهم جميع المخلوقات على معنى حصول انتفاعهم بكل شيء منها، فعلى الأرض يستقرون وتحت السماء يسكنون، وبالنجم يهتدون، وبكل مخلوق بوجه آخر ينتفعون، لا بل ما من عين وأثر فكروا فيه إلا وكمال قدرته وظهور ربوبيته به يعرفون.
ويقال مَهَّدَ لهم سبيل العرفان، ونبَّهَهُم إلى ما خصَّهم به من الإحسان، ثم علمهم علوَّ الهمة حيث استخلص لنفسه أعمالهم وأحوالهم فقال: { لاَ تَسْجُدُوا للشَّمْسِ وَلاَ لِلقَمَرِ } [فصلت: 37].
قوله جلّ ذكره: {ثُمَّ ٱسْتَوَىٰ إِلَى ٱلسَّمَآءِ فَسَوَّٰهُنَّ سَبْعَ سَمَٰوَٰتٍ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ}.
فالأكوان بقدرته استوت، لا أن الحق سبحانه بذاته - على مخلوق - استوى، وأَنَّى بذلك! والأحدية والصمدية حقه وما توهموه من جواز التخصيص بمكان فمحال ما توهموه، إذ المكان به استوى، لا الحق سبحانه على مكانٍ بذاته استوىهذا ابتداء إظهار سِرِّه في آدم وذريته. أَمَرَ حتى سلَّ من كل بقعة طينة ثم أمر بأن يخمر طينه أربعين صباحاً، وكل واحد من الملائكة يفضي العَجَبَ: ما حكم هذه الطينة؟ فلمَّا ركب صورته لم يكونوا رأوا مثلها في بديع الصنعة وعجيب الحكمة، فحين قال: {إِنِّي جَاعِلٌ فِي ٱلأَرْضِ} تَرَجَّمَتْ الظنون، وتقسَّمت القلوب، وتجنَّت الأقاويل، وكان كما قيل:
وكم أبصرتُ من حسن ولكن عليك من الورى وقع اختياري

ويقال إن الله سبحانه وتعالى خلق ما خلق من الأشياء ولم يَقُلْ في شأن شيء منه ما قال في حديث آدم حيث قال: {إِنِّي جَاعِلٌ فِي ٱلأَرْضِ خَلِيفَةً}، فظاهر هذا الخطاب يشبه المشاورة لو كان من المخلوقين. والحق سبحانه وتعالى خلق الجنان بما فيها، والعرش بما هو عليه من انتظام الأجزاء وكمال الصورة، ولم يقل إني خالق عرشاً أو جنة أو مَلَكاً، وإنما قال تشريفاً وتخصيصاً لآدم إني جاعل في الأرض خليفة.
فصل: ولم يكن قول الملائكة: {أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا} على وجه الاعتراض على التقدير ولكن على جهة الاستفهام، فإن حَمْلَ الخطاب على ما يُوجِب تنزيه الملائكة أَوْلى لأنهم معصومون.. قال تعالى: { لاَّ يَعْصُونَ اللهَ مَا أَمَرَهُمْ } [التحريم: 6].
ويقال استخرج الحق سبحانه منهم ما استكنَّ في قلوبهم من استعظام طاعاتهم والملاحظة إلى أفعالهم بهذا الخطاب؛ فأفصحوا عن خفايا أسرارهم بقولهم: {وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ}. ثم إن الحق سبحانه عرَّفهم أن الفضيلة بالعلم أتمُّ من الفضيلة بالفعل، فهم كانوا أكثر فعلاً وأقدمه، وآدم كان أكثر علماً وأوفره، فظهرت فضيلته ومرتبته.
ويقال لم يقل الحق سبحانه أنتم لا تفسدون فيها ولا تسفكون الدماء بل قال: {إِنِّيۤ أَعْلَمُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ}، مِنْ غفراني لهم.
ويقال: في تسبيحهم إظهارُ فعلهم واشتهار خصائصهم وفضلهم، ومن غفرانه لمعاصي بني آدم إظهار كرمه سبحانه ورحمته، والحق سبحانه غني عن طاعات كل مطيع، فلئن ظهر بتسبيحهم استحقاق تمدحهم ثبت بالغفران استحقاق تمدح الخالق سبحانه.
ويقال إني أعلم ما لا تعلمون من صفاء عقائد المؤمنين منهم في محبتنا، وذكاء سرائرهم في حفظ عهودنا وإن تدنَّس بالعصيان ظاهرهم، كما قيل:
وإذا الحبيب أتى بذنب واحدٍ جاءت محاسنُه بأَلْفِ شفيع

ويقال إني أعلم ما لا تعلمون من محبتي لهم، وأنتم تظهرون أحوالكم، وأنا أخفي عليهم أسراري فيهم، وفي معناه أنشدوا:
ما حطَّك الواشون عن رتبة عندي ولا ضرك مغتاب
كأنهم أثْنَوْا - ولم يعلموا - عليك عندي بالذي عابوا

ويقال إني أعلم ما لا تعلمون من انكسار قلوبهم وإن ارتكبوا قبيح أفعالهم، وصولةَ قلوبكم عند إظهار تسبيحكم وتقديسكم، فأنتم في رتبة وفاقكم وفي عصمة أفعالكم، وفي تجميل تسبيحكم، وهم مُنْكَرون عن شواهدهم، متذللون بقلوبهم، وإن لانكسار قلوب العباد عندنا لذماماً قوياً.
ويقال أي خطر لتسبيحكم لولا فضلي، وأي ضرر من ذنوبهم إذا كان عفوي؟ ويقال لبَّسْتُكم طاعتكم ولبستهم رحمتي، فأنتم في صدار طاعتكم وفي حُلَّةِ تقديسكم وتسبيحكم، وهم في تغمد عفوي وفي ستر رحمتي ألبستهم ثوب كَرَمي، وجللتهم رداء عفوي.
ويقال إن أسعدتكم عصمتي فلقد أدركتهم رحمتي.
وإيصال عصمتي بكم عنده وجودكم وتعلُّق رحمتي بهم في أزلي.
ويقال: لئن كان مُحسِنْكم عتيق العصمة فإن مجرمَهُم غريق الرحمة.
ويقال: اتكالهم عليَّ زكّى أحوالهم فألجأهم إلى الاعتراف بالجهالة حتى يتبرأوا عن المعارف إلا بمقدار ما منّ به الحق عليهم فقالوا: {سُبْحَٰنَكَ لاَ عِلْمَ لَنَآ إِلاَّ مَا عَلَّمْتَنَآ}.
---
لطائف الإشارات للقشيري

_________________
أغث يا سيدى وأدرك محبا يرى الأقدار تضربه سهاما
لكل قضية أعددت طه بغير شكية يقضى المراما
أيغدرنا الزمان وأنت فينا معاذ الله يا بدر التماما
(ﷺ)


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة: Re: من رقائق التفاسير الصوفية
مشاركة غير مقروءةمرسل: الجمعة مارس 10, 2023 8:32 pm 
غير متصل

اشترك في: الاثنين يناير 25, 2021 8:59 pm
مشاركات: 2358


{ ٱلَّذِينَ يَنقُضُونَ عَهْدَ ٱللَّهِ مِن بَعْدِ مِيثَاقِهِ } الاشارةُ فيه الى حال اهل الفترة الذين سَلكوا طريق اهل القصد ثم رَجَعوا الى ما عليه عادة العَوَام من الرُّخص والتاويل فمن هذا شانه فقد زاغ محجّة المشاهدة وتَحيَّر في اودية الغفلة وتَهَتَّم في سراب الفقدان محجوباً عن مشاهَدة الرحمن.{كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِٱللَّهِ وَكُنْتُمْ أَمْوَاتاً فَأَحْيَاكُمْ} اي كنتم اموات في قبور العدم فاحياكم بانوار القدم وايضا كنتم امواتا في غطاء الغفلة فاَحياكم بروح المعرفة وقال الشبلىُّ وكنتم امواتا عنه فاحياكم به وقال ابن عطا كننتم امواتا بالظاهر فاحياكم بمكاشفة الاسرار ثم يميتكم عن اوصاف العبودية ثم يحييكم باوصاف الربوبيّة ثم اليه ترجعون عند تحيركم عن ادراكه صرف الذّات والصفات عن شواهد المعرفة في طلب الحقيقة قال فارس كنتم امواتاً بشواهد كما فاحياكم بشواهده ثم يميتكم عن مشاهدكم يحييكم بقيام الحق عنه ثم اليه ترجعون عن جميع مالكم وكنتم له وقال الواسطىُّ ونجهم بهذا غاية التوبيخ لان الموت والجماد لا ينازع صانعه في شيء فانما النّزاعُ من الهياكل الرُّوحانية.{هُوَ ٱلَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَّا فِي ٱلأَرْضِ جَمِيعاً} لاعتباركم وامتحانكم حتّى يُميَّز بين الصّادق بتركها الوصوله الى خالقها وبين المدعى بسكونه اليها عن مدبرها وايضا خَلَقَ لكم ما في الارض جميعا لتطلبوا في الاشياء خالق الاشياء لانه اظهر نفسه في مرأة الكون للعارفين والمحبّين قال ابن عطاء ليكوُن الكون كلها لك وتكون للِه فلا يشتغل بمالك عَمَّن انت له وقال بعض البغدادييّن في قوله {هُوَ ٱلَّذِي خَلَقَ لَكُمْ} انعم عليك بها فان ----- عَبَدَهُ انعّم لاستيلاء النعمة عليهم فمَن ظهر للحضرة اسقط عنه بالمنعم روية النعم وقال ابو الحسين النّورىُّ العلى مقامات اهل الحقائق الانقطاعُ عن العلائق وقال ابن عطاء احكم التدبير فيهنّ {ثُمَّ ٱسْتَوَىٰ إِلَى ٱلسَّمَآءِ} اي كما زين ملكوتَ الارض بانوار القدرة للمؤمنين فقصد الى تزين ملكوت السّماء بساء العزة للعارفين.{إِنِّي جَاعِلٌ فِي ٱلأَرْضِ خَلِيفَةً} لمَّا لم يعرفوا الله تعالى بحق المعرفة وعَجَزوا عن ادراك الحقيقة وانصرَفوُا عن باب الربوبيّة من هجوم الجلال سَطَوات العّزة عليهم فاحالهم الحق جلّ وعزّ الى ادم باقتباس العلم والادب في الخدمة حتى يوصلهم بعلم الصفات الى ما لم ينالُوا بالعبادات لانّهم عبدوا الله بجهل ولم يعرفوه حَقّ معرفته وهو عرف الله بحقيقة العلم الذي علمه من العلوم اللدنية لا جرم انّه استاذهم في علم المعرفة وان سَبقوا منه بالعبادة وايضاً يَرَ في الكون محبّاً صافياً كما يريد فجعل أدم لاجل المحبّة لانه خلق الملائكة لاجل العبداة فعرّفهم عند الشورة مع الملائكة خلوهم من المحبّة بشغلهم عنه بالعبادة وايضا اراد الملائكة ان يروا الله تعرفهم الحق ضعفهم عن النظر اليه فجعل أدم لهم حتى يَرَونه لان الله تعالى خلقه بيَدِه وصوره بصوره ووضع فيه مرأة روحه ذا نظر فيها تجل لهم الحق تعالى وايضاً ليس في العالم شاهد جميل -----الحق فخلف بيده والبَسَه من صفاته واحبه بصفاته وايضاً اراد الحق ان يظهر لهم نفسه في حقائق الصنع فانصرفوا من الحق الى الخلق وقيل عصوا الله تعالى باعتبارض الحق في مذمه أدم ومَدَح انفسهم لما قالوا انجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدّماء ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك لان الله تعالى سَمّى أدم خليفةً في بدو الخطاب والخليفة لا يخيف ولا يجور فمهلوا مَنْ وصفه الله تعالى بخلافته وعله بخصائص محبته ومَدَحه بالخلافة وهم غَيَّرواه بالفسق والجهالة من سؤ الظن وقلة الادب فكشف الله تعالى القدس عن وجه أدم وانوار جماله العالم فخجلوا من دعواهم واعتَرفوا بجهلهم فقالوا سبحانك لا علم نا الاّ ما علمتنا وقولهم نحن نسبح بحمدك تحركوا من حيث الاعمال وشان أدم من حيث الاحوال بروية الفعل عن مشاهدة الاصطفائية التي سبقت بنعت الحسن لادم وايضاً تعرضها بنعت المعبودية عند سرادِق العظمة منه على الربوبية فاسقطهم الله عن مقام حقيقة المعرفة واحوجهم باقتباس علمِ احالهم عن أدم قال بعضهم لما شاهَدُوا افعالَهم وافتخروا بها رد الله تعالى وجوهَهُم عنه الى أدم ومارهم بالسجود له اعلاماً انّ العبادة لا تَزن عنده شيئاً وقال بعضهم مَن استكبر بععلمه واستكبر بطاعته كان الجهل ولمنه الاثر اَهم لمّا قالوا نحن نسبح بحمد ونقدس لك الجاهم الى ان قالوا لا علم لنا وقال الواسطى من قال اَنَا فقد نازع القدرة قالت الملئكة نحن نسّبح بحمدك ونقدس لك وذلك لبعدهم من المعَارف وهم ارباب الافتخار والاعتراض على الربوبية بقوله اتجعل فيها من يفسد فيها وقال ابن عطا ان الملئكة جعلوا دعاويهم وسيلةً الى الله فاطر الله النارَ فاحرَق منهم في ساعةٍ واحدةً الوفاً فافروا بالعجز وقالوا سبحانك لا علم لنا وقال جعفر لما باهوا باعمالهم وتسبيحهم وتقديسهم ضربهم كلّهم بالجهل حتى قالوا سبحانك لا علم لنا قال بعض العراقيين شروط الخلافة روية بداية الاشياء فصلاً ووصلاً اذ لا فضل ولا وصلَ لم ينفصل منه شيء واي وصل للحدث والقدم وقال بعضهم عَيَّروا أدم واستصغروه ولم يعرفوا خصائص الصُنع به واظهر عليه صفات القدم فصار الخضوع له قربة الى الحقّ والاستكبارُ عليه بعد امن الحق وقال ابو عثمن المغربىّ ما بلاء الخلق الاّ بالدّعاوى الا ترى ان الملائكة لما قالوا نحن نسبح بحمد ونقدس لك كيف رُدوا الى الجهل حتى قالوا علمنا.
----
عرائس البيان في حقائق القرآن/ البقلي

_________________
أغث يا سيدى وأدرك محبا يرى الأقدار تضربه سهاما
لكل قضية أعددت طه بغير شكية يقضى المراما
أيغدرنا الزمان وأنت فينا معاذ الله يا بدر التماما
(ﷺ)


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة: Re: من رقائق التفاسير الصوفية
مشاركة غير مقروءةمرسل: السبت مارس 11, 2023 7:37 pm 
غير متصل

اشترك في: الاثنين يناير 25, 2021 8:59 pm
مشاركات: 2358


{الذين ينقضون عهد الله من بعد ميثاقه} اى الذين ينقضون عهد الله الذى عاهدوه يوم الميثاق على التوحيد والعبودية بالاخلاص من بعد ميثاقه {ويقطعون ما امر الله به ان يوصل} من اسباب السلوك الموصل الى الحق واسباب التبتل والانقطاع عن الخلق كما قال تعالى { وتبتل إليه تبتيلا } [المزمل: 8] اى انقطع اليه انقطاعا كليا عن غيره.
{ويفسدون فى الارض} اى يفسدون بذر التوحيد الفطرى فى ارض طينتهم بالشرك والاعراض عن قبول دعوة الانبياء وسقى بذر التوحيد بالايمان والعمل الصالح {اولئك هم الخاسرون} خسروا استعداد كمالية الانسان المودعة فيهم كما تخسر النواة فى الارض استعداد النخلية المودعة فيها عند عدم الماء لقوله تعالى { والعصر إن الإنسان لفى خسر إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات } [العصر: 1-3]. البيان في تفسير القرآن
من ارادة شئ آخر فى تضاعيف خلقها او غير ذلك ولا تناقض بين هذا وبين قوله { والأرض بعد ذلك دحاها } [النازعات: 30] لان الدحو البسط.
وعن الحسن خلق الله الارض فى موضع بيت المقدس كهيئة الفهر اى الحجر ملئ الكف عليها دخان يلتزق بها ثم اصعد الدخان وخلق منه السموات وامسك الفهر فى موضعه ثم بسط منه الارض كذا فى الكواشى.
وقال ابن عباس رضى الله عنهما اول ما خلق الله جوهرة طولها وعرضها مسيرة الف سنة فى مسيرة عشرة آلاف سنة فنظر اليها بالهيبة فذابت واضطربت ثم ثار منها دخان فارتفع واجتمع زبد فقام فوق الماء فجعل الزبد ارضا والدخان سماء قالوا فالسماء من دخان خلقت وبريح ارتفعت وباشارة تفرقت وبلا عماد قامت وبنفخة تكسرت {فسواهن} اى اتمهن وقومهن وخلقهن ابتداء مصونات عن العوج والفطور لانه سواهن بعد ان لم يكن كذلك والضمير فيه مبهم فسر بقوله تعالى {سبع سموات} فهو نصب على انه تمييز نحو ربه رجلا.
قال سلمان هى سبع اسم الاولى رقيع وهى من زمردة خضراء واسم الثانية ارفلون وهى من فضة بيضاء والثالثة قيدوم وهى من ياقوته حمراء والرابعة ماعون وهى من درة بيضاء والخامسة دبقاء وهى من ذهب احمر والسادسة وفناء وهى من ياقوته صفراء والسابعة عروباء وهى من نور يتلألأ {وهو بكل شئ عليم} فيه تعليل كانه قال ولكونه عالما بكنه الاشياء كلها خلق ما خلق على هذا النمط الا كمل والوجه الا نفع واستدلال بان من كان فعله على هذا النسق العجيب والترتيب الانيق كان علميا فان اتقان الافعال واحكامها وتخصيصها بالوجه الاحسن الانفع لا يتصور الا من عالم حكيم رحيم وازاحة لما يختلج فى صدورهم من ان الابدان بعد ما تفتت وتكسرت وتبددت اجزاؤها واتصلت بما يشا كلها كيف يجمع اجزاء كل بدن مرة ثانية بحيث لا يشذ شئ منها ولا ينضم اليها ما لم يكن معها فيعاد منها كما كان. وفى هذه الآية اشارة الى مراتب الروحانيات فالاول عالم الملكوت الارضية والقوى النفسانية والثانى عالم النفس والثالث عالم القلب والرابع عالم العقل والخامس عالم السر والسادس عالم الروح والسابع عالم الخفاء الذى هو السر الروحى والى هذا اشار امير المؤمنين على رضى الله عنه بقوله سلونى عن طرق السماء فانى اعلم بها من طرق الارض وطرقها الاحوال والمقامات كالزهد والتقوى والتوكل والرضى وامثالها.
واعلم ان المراتب اثنتا عشرة على عدد السموات والعروش الخمسة. وكان الشيخ الشهير بافتاده افندى قدس سره يقول للتوحيد اثناء عشر بابا فالجلوتية يقطعونها بالتوحيد لان سرهم فى اليقين والخلوتية يقطعونها بالاسماء لان سرهم فى البرزخ وهم يقولون جنة الافعال وجنة الصفات وجنة الذات وذلك لان الجنات على ما روى عن ابن عباس رضى الله عنهما سبع فاذا كان اربع منها لاهل اليقين اعنى الجلوتية فالثلاث لاهل البرزخ اعنى الخلوتية وهى الافعال والصفات والذات.
وفى التأويلات النجمية {كيف تكفرون بالله} اما خطاب توحيد للمؤمنين اى أتكفرون بالله وبانبيائه لانكم {كنتم امواتا} ذرات فى صلب آدم {فاحياكم} باخراجكم من صلبه وأسمعكم لذيد خطاب ألست بربكم وأذاقكم لذات الخطاب ووفقكم للجواب بالصواب حتى قلتم بلى رغبة لا رهبة {ثم يميتكم} بالرجعة الى اصلاب آبائكم والى عالم الطبيعة الانسانية {ثم يحييكم} ببعثة الانبياء وقبول دعوتهم {ثم اليه ترجعون} بدلالة الانبياء وقدم التوحيد على جادة الشريعة الى درجات الجنات واما خطاب تشريف للانبياء والاولياء اى أتكفرون وكنتم امواتا فى كتم العدم فاحياكم بالتكوين فى عالم الارواح ورشاش النور فخمر طينة ارواحكم بماء نور العناية وتخمير يد المحبة باربعى صباح الوصال ثم يميتكم بالمفارقة عن شهود الجمال الى مقبرة الحس والخيال ثم يحييكم اما الانبياء فبنور نور الوحى واما الاولياء فبروح روح نور الايمان ثم اليه ترجعون اما الانبياء فبالعروج واما الاولياء فبالرجوع بجذبات الحق كما قال تعالى { ارجعى الى ربك } [الفجر: 28].
فلما اثبت ان الرجوع اليه امر ضرورى اما بالاختيار كقراءة يعقوب ترجعون بفتح التاء وكسر الجيم واما بالاضطرار كقراءة الباقين اشار الى ان الذى ترجعون اليه {هو الذى خلق لكم ما فى الارض جميعا} اى ما خلقكم لشئ وخلق كل شئ لكم بل خلقكم لنفسه كما قال تعالى { واصطنعتك لنفسى } [طه: 41].
معناه لا تكن لشئ غيرى فانى لست لشئ غيرك فبقدر ما تكون لى اكون لك كما قال عليه السلام "من كان لله كان الله له" وليس لشئ من الموجودات هذا الاستعداد اى ان يكون هو لله على التحقيق وان يكون الله له وفى هذا سر عظيم وافشاء سر الربوبية كفر فلا تشتغل بمالك عمن انت له فتبقى بلا هو {ثم استوى الى السماء فسواهن سبع سموات} فيه اشارة الى ان وجود السموات والارض كان تبعا لوجود الانسان {وهو بكل شئ عليم} اى عالم بخلق كل شئ خلقه ولاى شئ خلقه فكل ذرة من مخلوقاته تسبح بحمد ذاته وصفاته وتشهد على احديته وصمديته وتقول ربنا ما خلت هذا باطلا سبحانك
{كيف تكفرون} كيف نصب حالا من الضمير فى تكفرون اى معاندين تكفرون وتجحدون{بالله} اى بوحدانيته ومعكم ما يصرفكم عن الكفر الى الايمان من الدلائل الانفسية والآفاقية والاستفهام انكارى لا بمعنى انكار الوقوع بل بمعنى انكار الواقع واستبعاده والتعجيب منه لان التعجب من الله يكون على وجه التعجيب هو ان يدعو الى التعجب وكانه يقول ألا تتعجبون انهم يكفرون بالله كما فى تفسير ابى الليث.
وقال القاضى هو استخبار والمعنى اخبرونى على أى حال تكفرون {وكنتم امواتا} جمع ميت كاقوال جمع قيل اى والحال انكم كنتم امواتا اى اجساما لا حياة لها عناصر واغذية ونطفا ومضغا مخلقة وغير مخلقة.
قال فى الكشاف فان قلت كيف قيل لهم اموات حال كونهم جمادا وانما يقال ميت فيما نصح منه الحياة من البنى قلت بل يقال ذلك لعادم الحياة لقوله تعالى { بلدة ميتا } [الفرقان: 49].
{فاحياكم} بخلق الارواح ونفخها فيكم فى ارحام امهاتكم ثم فى دنياكم وهذا الزام لهم بالبعث والفاء للدلالة على التعقيب فان الاحياء حاصل اثر كونهم امواتا وان توارد عليهم فى تلك الحالة اطوار مترتبة بعضها متراخ عن بعض كما اشير اليه آنفا ثم لما كان المقام فى الدنيا قد يطول جاء بثم حرف التراخى فقال {ثم يميتكم}عند انقضاء آجالكم وكون الامانة من دلائل القدرة ظاهر واما كونها من النعم فلكونها وسيلة الى الحياة الثانية التى هى الحيوان الابدى والنعمة العظمى {ثم يحييكم} للسؤال فى القبور فيحيى حتى يسمع خفق نعالهم اذا ولوا مدبرين ويقال من ربك ومن نبيك وما دينك ودل ثم التى للتعقيب على سبيل التراخى على انه لم يرد به حياة البعث فان الحياة يومئذ يقارنها الرجوع الى الله بالحساب والجزاء وتتصل به من غير تراخ فلا يناسب ثم اليه ترجعون ودلت الآية على اثبات عذاب القبر وراحة القبر كما فى التيسير {ثم اليه ترجعون} بعد الحشر لا الى غيره فيجازيكم باعمالكم ان خيرا فخير وان شرا فشر واليه تنشرون من قبوركم للحساب فما اعجب كفركم مع علمكم بحالكم هذه. فان قيل ان علموا انهم كانوا امواتا فاحياهم ثم يميتهم لم يعلموا انه يحييهم ثم اليه يرجعون.
قلت تمكنهم من العلم بهما لما نصب لهم من الدلائل منزل منزلة علمهم فى ازاحة العذر سيما وفى الآية تنبيه على ما يدل به على صحتها وهو أنه تعالى لما قدر أن أحياهم اولا قد أن يحييهم ثانياً فان بدأ الخلق ليس باهون عليه من إعادته {هو الذى خلق لكم} هذا بيان نعمة اخرى اى قدر خلقها لاجلكم ولا نتفاعكم بها فى دنياكم ودينكم لان الاشياء كلها لم تخلق فى ذلك الوقت {ما فى الارض} اى الذى فيها من الاشياء {جميعا} نصب حالا من الموصول الثانى وقد يستدل بهذا على ان الاصل فى الاشياء الاباحة كما فى الكواشى.
وقال فى التيسير اهل الاباحة من المتصوفة الجهلة حملوا اللام فى لكم فى قوله تعالى {هو الذي خلق لكم} على الاطلاق والاباحة على الاطلاق وقالوا لا حظر ولا نهى ولا امر فاذا تحققت المعرفة وتأكدت المحبة سقطت الخدمة وزالت الحرمة فالحبيب لا يكلف حبيبه ما يتعبه ولا يمنعه ما يريده ويطلبه وهذا منهم كفر صريح وقد نهى الله تعالى وامر وأباح وحظر ووعد واوعد وبشر وهدد والنصوص ظاهرة والدلائل متظاهرة فمن حمل هذه الآية على الاباحة المطلقة فقد انسلخ من الدين بالكلية انتهى كلام التيسير {ثم استوى الى السماء} قصد اليها اى الى خلقها بارادته ومشيئته قصدا سويا بلا صارف يلويه ولا عاطف يثنيه من ارادة شئ آخر فى تضاعيف خلقها او غير ذلك ولا تناقض بين هذا وبين قوله { والأرض بعد ذلك دحاها } [النازعات: 30] لان الدحو البسط.
وعن الحسن خلق الله الارض فى موضع بيت المقدس كهيئة الفهر اى الحجر ملئ الكف عليها دخان يلتزق بها ثم اصعد الدخان وخلق منه السموات وامسك الفهر فى موضعه ثم بسط منه الارض كذا فى الكواشى.
وقال ابن عباس رضى الله عنهما اول ما خلق الله جوهرة طولها وعرضها مسيرة الف سنة فى مسيرة عشرة آلاف سنة فنظر اليها بالهيبة فذابت واضطربت ثم ثار منها دخان فارتفع واجتمع زبد فقام فوق الماء فجعل الزبد ارضا والدخان سماء قالوا فالسماء من دخان خلقت وبريح ارتفعت وباشارة تفرقت وبلا عماد قامت وبنفخة تكسرت {فسواهن} اى اتمهن وقومهن وخلقهن ابتداء مصونات عن العوج والفطور لانه سواهن بعد ان لم يكن كذلك والضمير فيه مبهم فسر بقوله تعالى {سبع سموات} فهو نصب على انه تمييز نحو ربه رجلا.
قال سلمان هى سبع اسم الاولى رقيع وهى من زمردة خضراء واسم الثانية ارفلون وهى من فضة بيضاء والثالثة قيدوم وهى من ياقوته حمراء والرابعة ماعون وهى من درة بيضاء والخامسة دبقاء وهى من ذهب احمر والسادسة وفناء وهى من ياقوته صفراء والسابعة عروباء وهى من نور يتلألأ {وهو بكل شئ عليم} فيه تعليل كانه قال ولكونه عالما بكنه الاشياء كلها خلق ما خلق على هذا النمط الا كمل والوجه الا نفع واستدلال بان من كان فعله على هذا النسق العجيب والترتيب الانيق كان علميا فان اتقان الافعال واحكامها وتخصيصها بالوجه الاحسن الانفع لا يتصور الا من عالم حكيم رحيم وازاحة لما يختلج فى صدورهم من ان الابدان بعد ما تفتت وتكسرت وتبددت اجزاؤها واتصلت بما يشا كلها كيف يجمع اجزاء كل بدن مرة ثانية بحيث لا يشذ شئ منها ولا ينضم اليها ما لم يكن معها فيعاد منها كما كان. وفى هذه الآية اشارة الى مراتب الروحانيات فالاول عالم الملكوت الارضية والقوى النفسانية والثانى عالم النفس والثالث عالم القلب والرابع عالم العقل والخامس عالم السر والسادس عالم الروح والسابع عالم الخفاء الذى هو السر الروحى والى هذا اشار امير المؤمنين على رضى الله عنه بقوله سلونى عن طرق السماء فانى اعلم بها من طرق الارض وطرقها الاحوال والمقامات كالزهد والتقوى والتوكل والرضى وامثالها.
واعلم ان المراتب اثنتا عشرة على عدد السموات والعروش الخمسة. وكان الشيخ الشهير بافتاده افندى قدس سره يقول للتوحيد اثناء عشر بابا فالجلوتية يقطعونها بالتوحيد لان سرهم فى اليقين والخلوتية يقطعونها بالاسماء لان سرهم فى البرزخ وهم يقولون جنة الافعال وجنة الصفات وجنة الذات وذلك لان الجنات على ما روى عن ابن عباس رضى الله عنهما سبع فاذا كان اربع منها لاهل اليقين اعنى الجلوتية فالثلاث لاهل البرزخ اعنى الخلوتية وهى الافعال والصفات والذات.
وفى التأويلات النجمية {كيف تكفرون بالله} اما خطاب توحيد للمؤمنين اى أتكفرون بالله وبانبيائه لانكم {كنتم امواتا} ذرات فى صلب آدم {فاحياكم} باخراجكم من صلبه وأسمعكم لذيد خطاب ألست بربكم وأذاقكم لذات الخطاب ووفقكم للجواب بالصواب حتى قلتم بلى رغبة لا رهبة {ثم يميتكم} بالرجعة الى اصلاب آبائكم والى عالم الطبيعة الانسانية {ثم يحييكم} ببعثة الانبياء وقبول دعوتهم {ثم اليه ترجعون} بدلالة الانبياء وقدم التوحيد على جادة الشريعة الى درجات الجنات واما خطاب تشريف للانبياء والاولياء اى أتكفرون وكنتم امواتا فى كتم العدم فاحياكم بالتكوين فى عالم الارواح ورشاش النور فخمر طينة ارواحكم بماء نور العناية وتخمير يد المحبة باربعى صباح الوصال ثم يميتكم بالمفارقة عن شهود الجمال الى مقبرة الحس والخيال ثم يحييكم اما الانبياء فبنور نور الوحى واما الاولياء فبروح روح نور الايمان ثم اليه ترجعون اما الانبياء فبالعروج واما الاولياء فبالرجوع بجذبات الحق كما قال تعالى { ارجعى الى ربك } [الفجر: 28].
فلما اثبت ان الرجوع اليه امر ضرورى اما بالاختيار كقراءة يعقوب ترجعون بفتح التاء وكسر الجيم واما بالاضطرار كقراءة الباقين اشار الى ان الذى ترجعون اليه {هو الذى خلق لكم ما فى الارض جميعا} اى ما خلقكم لشئ وخلق كل شئ لكم بل خلقكم لنفسه كما قال تعالى { واصطنعتك لنفسى } [طه: 41].
معناه لا تكن لشئ غيرى فانى لست لشئ غيرك فبقدر ما تكون لى اكون لك كما قال عليه السلام "من كان لله كان الله له" وليس لشئ من الموجودات هذا الاستعداد اى ان يكون هو لله على التحقيق وان يكون الله له وفى هذا سر عظيم وافشاء سر الربوبية كفر فلا تشتغل بمالك عمن انت له فتبقى بلا هو {ثم استوى الى السماء فسواهن سبع سموات} فيه اشارة الى ان وجود السموات والارض كان تبعا لوجود الانسان {وهو بكل شئ عليم} اى عالم بخلق كل شئ خلقه ولاى شئ خلقه فكل ذرة من مخلوقاته تسبح بحمد ذاته وصفاته وتشهد على احديته وصمديته وتقول ربنا ما خلت هذا باطلا سبحانك
{واذا} مفعول اذكر مقدرة اى اذكر لهم واخبر وقت {قال ربك} وتوجيه الامر بالذكر الى الوقت دون ما وقع فيه من الحوادث مع انها المقصودة بالذات للمباغلة فى اجاب ذكرها لما ان ايجاب ذكر الوقت ايجاب الذكر ما وقع فيه بالطريق البرهانى ولان الوقت مشتمل عليها فاذا استحضر كانت حاضرة بتفاصيلها كانها مشاهدة عيانا {للملائكة} اللام للتبليغ وتقديم الجار والمجرور فى هذا الباب مطرد لما فى المقول من الطول غالبا مع ما فيه من الاهتمام بما قدم والتشويق الى ما اخر.
والملائكة جمع ملك والتاء لتأكيد تأنيث الجماعة وسموا بها فانهم وسائط بين الله وبين الناس فهم رسله لان اصل ملك ملأك مقلوب مألك من الألوكة وهى الرسالة.
والملائكة عند اكثر المسلمين اجسام لطيفة قادرة على التشكل باشكال مختلفة والدليل ان الرسل كانوا يرونهم كذلك.
وروى فى شرح كثرتهم ان بنى آدم عشر الجن وهما عشر حيوانات البر والكل عشر الطيور والكل عشر حيوانات البحار وهؤلاء كلهم عشر ملائكة السماء الدنيا وكل هؤلاء عشر ملائكة السماء الثانية وهكذا الى السماء السابعة ثم كل اولئك فى مقابلة الكرسى نزر قليل ثم جمع هؤلاء عشر ملائكة سرادق واحد من سرادقات العرش التى عدددها ستمائة الف طول كل سرادق وعرضه وسمكه اذا قوبلت به السموات والارض وما فيهما وما بينهما لا يكون لها عنده قدر محسوس وما منه من مقدار شبر الا وفيه ملك ساجد او راكع او قائم لهم زجل بالتسبيح والتقديس ثم كل هؤلاء فى مقابلة الذين يحومون حول العرش كالقطرة فى البحر ثم ملائكة اللوح الذين هم اشياع اسرافيل عليه السلام والملائكة الذين هم جنود جبريل عليه السلام لا يحصى اجناسهم ولا مدة اعمارهم ولا كيفيات عباداتهم الا باريهم العليم الخبير على ما قال تعالى { وما يعلم جنود ربك إلا هو } [المدثر: 31] وروى انه صلى الله عليه وسلم حين عرج به الى السماء رأى ملائكة فى موضع بمنزلة شرف يمشى بعضهم تجاه بعض فسأل رسول الله جبريل عليهما السلام الى اين يذهبون فقال جبريل عليه السلام لا ادرى الا انى اراهم منذ خلقت ولا ارى واحدا منهم قد رأيته قبل ذلك ثم سألا واحدا منهم منذ كم خلقت فقال لا ادرى غير ان الله تعالى يخلق فى كل اربعة آلاف سنة كوكبا وقد خلق منذ ما خلقنى اربعمائة الف كوكب فسبحانه من اله ما اعظم قدره وما اوسع ملكوته واراد بهم الملائكة الذين كانوا فى الارض وذلك ان الله خلق السماء والارض وخلق الملائكة والجن فاسكن الملائكة السماء واسكن الجن الارض والجن هم بنوا الجان والجان ابو الجن كآدم ابو البشر وخلق الله الجان من لهب من نار لا دخان لها بين السماء والارض والصواعق تنزل منها ثم لما سكنوا فيها كثر نسلهم وذلك قبل آدم بستين الف سنة فعمروا دهرا طويلا فى الارض مقدار سبعة آلاف سنة ثم ظهر فيهم الحسد والبغى فافسدوا وقتلوا فبعث الله اليهم ملائكة سماء الدنيا وامر عليهم ابليس وكان اسمه عزازيل وكان اكثرهم علما فهبطوا الى الارض حتى هزموا الجن واخرجوهم من الارض الى جزائر البحور وشعوب الجبال وسكنوا الارض وصار امر العبادة عليهم اخف لان كل صنف من الملائكة يكون ارفع فى السموات يكون خوفهم اشد وملائكة السماء الدنيا يكون امرهم ايسر من الذين فوقهم واعطى الله ابليس ملك الارض وملك السماء الدنيا وخزانة الجنة وكان له جناحان من زمرد أخضر وكان يعبد الله تارة فى الارض وتارة فى السماء وتارة فى الجنة فدخله العجب فقال فى نفسه ما اعطانى الله هذا الملك الا لانى اكرم الملائكة عليه وايضا كل من اطمأن الى الدنيا امر بالتحول عنها فقال الله تعالى له ولجنوده {انى جاعل} اى مصير {فى الارض} دون السماء لان التباغى والتظالم كان فى الارض {خليفة} وهو آدم عليه السلام لانه خلف الجن وجاء بعدهم ولانه خليفة الله فى ارضه اى أريد أن أخلق فى الارض بدلاً منكم ورافعكم الى فكرهوا ذلك لأنهم كانوا اهون الملائكة عبادة.
واعلم ان الله تعالى يحفظ العالم بالخليفة كما يحفظ الخزائن بالختم وهو القطب الذى لا يكون فى كل عصر الا واحدا فالبدء كان بآدم عليه السلام والختام يكون بعيسى عليه السلام والحكمة فى الاستخلاف قصور المستخلف عليه عن قبول فيضه وتلقى امره بغير واسطة لان المفيض تعالى فى غاية التنزه والتقدس والمستفيض منغمس غالبا فى العلائق الدنيئة كالاكل والشرب وغيرهما والعوائق الطبيعية كالاوصاف الذميمة فالاستفاضة منه انما تحصل بواسطة ذى جهتين اى ذى جهة التجرد وجهة التعلق وهو الخليفة ايا كان ولذا يستنبئ الله ملكا فان البشر لا يقدر على الاستفادة منه لكونه خلاف جنسه ألا يرى ان العظم لما عجز عنه اخذ الغذاء من اللحم لما بينهما من التباعد جعل الله تعالى بحكمته بينهما الغضروف المناسب لهما ليأخذ من اللحم ويعطى العظم وجعل السلطان الوزير بينه وبين رعيته اذ هم اقرب الى قبولهم منه وجعل المستوقد الحطب اليابس بين النار وبين الحطب الرطب. وفائدة قوله تعالى {للملائكة انى جاعل فى الارض خليفة} اربعة امور.
الاول تعليم المشاورة فى امورهم قبل ان يقدموا عليها وعرضها على ثقاتهم ونصحائهم وان كان هو بعلمه وحكمته البالغة غنيا عن المشاورة: قال في المثنوى
مشورت ادراك وهشيارى دهد عقلها مر عقل را يارى دهد
كفت بيغمبر بكن اى رأى زن مشورت كه المستشار مؤتمن

ويقال اعقل الرجال لا يستغنى عن مشاورة اولى الالباب وأفره الدواب لا يستغنى عن السوط واورع النساء لا تستغنى عن الزوج.
والثانى تعظيم شأن المجعول بان بشر بوجوده سكان ملكوته ولقبه بالخليفة قبل خلقه.
والثالث اظهار فضله الراجح على ما فيه من المفاسد بسؤالهم وهو قوله {أتجعل} الخ وجوابه وهو قوله {انى اعلم ما لا تعلمون} الخ.
والرابع بيان ان الحكمة تقتضى ما يغلب خيره فان ترك الخير الكثير لاجل الشر القليل شر كثير كقطع العضو الذي فيه آكلة شر قليل وسلامة جميع البدن خير كثير فلو لم يقطع ذلك العضو سرت تلك الآفه الى جميع البدن وأدت الى الهلاك الذى هو شر كثير {قَالوا} استئناف كانه قيل فماذا قالت الملائكة حينئذ فقيل قالوا {اتجعل فيها} اى الارض {من يفسد فيها} كما افسدت الجن وفائدة تكرار الظرف تأكيد الاستبعاد {ويسفك الدماء} اى يصبها ظلما كما يسفك بنو الجان والتعبير عن القتل بسفك الدماء لما انه اقبح انواع القتل.
قال بعض العارفين الملائكة الذين نازعوا فى آدم ليسوا من اهل الجبروت ولا من اهل الملكوت السماوية فانهم لغلبة النورية عليهم واحاطتهم بالمراتب يعرفون شرف الانسان الكامل ورتبته عند الله وان لم يعرفوا حقيقته كما هى بل نازعت ملائكة الارض والجن والشياطين الذين غلبت عليهم الظلمة والنشأة الموجبة للحجاب وفى قوله تعالى {انى جاعل فى الارض خليفة} بتخصيص الارض بالذكر وان كان خليفة فى العالم كله فى الحقيقة هو ايماء ايضا بان ملائكة الارض هم الطاعنون اذا الظن لا يصدر الا ممن هو فى معرض ذلك المنصب واهل السموات مدبرات للعالم العلوى فما قالت الملائكة الارضية الا بمقضتى نشأتهم التى هم عليها من غبطة منصب الخلافة فى الارض والغيرة على منصب ملكهم وتعبدهم بما هم عليه من التسبيح والتقديس فكل اناء يترشح بما فيه واما الاعتراض على فعل الحكيم والنزاع فى صنعه عند حضرته فمعفو عنه لكمال حكمته واتقان صنعته: قال فى المثنوى
زانكه اين دمها اكر نالا يقست رحمت من بر غضب هم سابقست
ازبى اظهار اين سبق اى ملك درتو بنهم داعيه اشكال وشك
تا بكويى ونكيرم بر تومن منكر حلمم نيارد دم زدن
صد بدر صد مادر اندر حلم ما هر نفس زايد درافتد درفنا
حلم ايشان كف بحر حلم ماست كف رود آيد ولى دريا بجاست

وفى الفتوحات ان هاروت وماروت من الملائكة الذين نازعوا آدم ولاجل هذا ابتلاهما الله تعالى باظهار الفساد وسفك الدماء فافهم سر قوله عليه السلام "دع الشماتة عن اخيك فيعافيه الله تعالى ويبتليك" .
وايضا من تلك الملائكة الطاعنين بسفك الدماء الملائكة التى ارسلها الله تعالى نصرة للمجاهدين وسفك الدماء غيرة على دين الله وشرعه كذا فى حل الرموز وكشف الكنوز {ونحن} اى والحال انا {نسبح} اى ننزهك عن كل ما لا يليق بشأنك ملتبسين {بحمدك} على ما انعمت علينا من فنون النعم التى من جملتها توفيقنا لهذه العبادة فالتسبيح لاظهار صفات الجلال والحمد لتذكير صفات الانعام {ونقدس} تقديسا {لك} اى نصفك بما يليق بك من العلو والعزة وننزهك عما لا يليق بك فاللام للبيان كما فى سقيا لك متعلقة بمصدر محذوف ويجوز ان تكون مزيدة اى نقدسك. قال فى التيسير التسبيح نفى ما لا يليق به والتقديس اثبات ما يليق به.
وقال الشيخ داود القيصرى قدس سره التسبيح اعم من التقديس لانه تنزيه الحق عن نقائص الامكان والحدوث والتقديس تنزيهه عنها وعن الكمالات اللازمة للاكوان لانها من حيث اضافتها الى الاكوان تخرج عن اطلاقها وتقع فى نقائص التقييد انتهى وكانه قيل أتستخلف من شأن ذريته الفساد مع وجود من ليس من شانه ذلك اصلا والمقصود عرض احقيتهم منهم بالخلافة والاستفسار عما رجح بنى آدم عليهم ما هو متوقع منهم من الفساد وكأنه قيل فماذا قال الله تعالى حينئذ فقيل {قال} الله {انى اعلم ما لا تعلمون} من الحكمة والمصلحة باستخلاف آدم عليه السلام وان من ذريته الطائع والعاصى فيظهر الفضل والعدل فلا تعترضوا على حكمى وتقديرى ولا تستكشفوا عن غيبة تدبيرى فليس كل مخلوق يطلع على غيب الخالق ولا كل احد من الرعية يقف على سر الملك * وفى الآية تنبيه للسالك بان يتأدب بين يدى الحق تعالى وخلفائه والمشايخ والعلماء لئلا يظهر بالانانية واظهار العلم عندهم لانه سالك لطريق الفناء والفانى لا يكون كطاووس تعشق بنفسه واعجب بذاته بل لا يرى وجوده اصلا فقد وعظنا الله تعالى بزجر للملائكة بقوله {إِنِّى أَعْلَمُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ}: قال السعدى
نرود مرغ سوى دانه فراز جون دكرمرغ بيند اندربند
بند كير ازمصائب ديكران تانكيرند ديكران زتوبند

وفى التأويلات النجمية {واذ قال ربك للملائكة انى جاعل فى الارض خليفة} انما قال جاعل وما قال خالق لمعنيين.
احدهما ان الجاعلية اعم من الخالقية فان الجاعلية هى الخالقية وشئ آخر وهو ان يخلقه موصوفا بصفة الخلافة اذ ليس لكل احد هذا الاختصاص كما قال تعالى { يا داوود إنا جعلناك خليفة فى الأرض } [ص: 26] اى خلقناك مستعدا للخلافة فاعطيناكها.
والثانى ان للجعلية اختصاصا بعالم الامور وهو للملكوت وهو ضد عالم الخلق لانه هو عالم الاجسام والمحسوسات كما قال تعالى {ألاله الخلق والامر} اى الملك والملكوت فانه تعالى حيث ذكر ما هو مخصوص بعالم الامر ذكره بالجعلية لامتياز الامر عن الخلق كما قال تعالى { الحمد لله الذى خلق السموات والارض وجعل الظلمات والنور } [الأنعام: 1].
فالسموات والارض لما كانتا من الاجسام المحسوسات ذكرهما بالخلقية والنور من الملكوتيات لقوله تعالى {الله ولى الذين آمنوا يخرجهم من الظلمات الى النور} فيفيد انها من الملكوتيات لا من المحسوسات واما الظلمات والنور التى من المحسوسات فانها داخلة فى السموات والارض فافهم جدا فكذلك لما اخبر الله تعالى عن آدم بما يتعلق بجسمانيته ذكره بالخلقية كما قال { إنى خالق بشرا من طين } [ص: 71].
ولما اخبر عما يتعلق بروحانيته ذكره بالجعلية وقال {انى جاعل فى الارض خليفة} وفى انى جاعل اشارة اخرى وهو اظهار عزة آدم عليه السلام على الملائكة لينظروا اليه بنظر التعظيم ولا ينكروا عليه بما يظهر منه ومن اولاده من اوصاف البشرية فانه تعالى يقول ولذلك خلقهم وسماه خليفة وما شرف شيأ من الموجودات بهذه الخلقة والكرامة وانما سمى خليفة لمعنيين.
احدهما انه يخلف عن جميع المخلوقات ولا يخلفه المكونات باسرها وذلك لان الله جمع فيه ما فى العوالم كلها من الروحانيات والجسمانيات والسماويات والارضيات والدنيويات والاخرويات والجماديات والنباتيات والحيوانيات والملكوتيات فهو بالحقيقة خليفة كل واكرمه باختصاص كرامة ونخفت فيه من روحى وما اكرم بها احدا من العالمين واشار الى هذا المعنى بقوله تعالى { ولقد كرمنا بنى آدم } [الإِسراء: 70] فلهذا الاختصاص ما صلح الموجودات كلها ان تكون خليفة لآدم ولا للحق تعالى.
الثانى انه يخلف وينوب عن الله صورة ومعنى اما صورة فوجوده فى الظاهر يخلف عن وجود الحق فى الحقيقة لان وجود الانسان يدل على وجود موجده كالبناء يدل على وجود البانى ويخلف وحدانية الانسان عن وحدانية الحق وذاته عن ذاته وصفاته عن صفاته فيخلف حياته عن حياته وقدرته عن قدرته وارادته وسمعه عن سمعه وبصره عن بصره وكلامه عن كلامه وعلمه عن علمه ولا مكانية روحه عن لا مكانيته ولا جهتيه عن لا جهتيه فافهم ان شاء الله تعالى وليس لنوع من الملخوقات ان يخلف عنه كما يخلف آدم وان كان فيهم بعض هذه لانه لا يجتمع صفات الحق فى احد كما يجتمع فى الانسان ولا يتجلى صفة من صفاته لشئ كما يتجلى لمرآة قلب الانسان صفاته واما الحيوانات فانها وان كان لها بعض هذه الصفات ولكن ليس لها علم بوجود موجدها واما الملائكة فانهم وان كانوا عالمين بوجود موجدهم ولكن لا يبلغ حد علمهم الى ان يعرفوا انفسهم بجميع صفاتها ولا الحق بجميع صفاته ولذا قالوا { سبحانك لا علم لنا إلا ما علمتنا } [البقرة: 32].
وكان الانسان مخصوصا بمعرفة نفسه بالخلافة وبمعرفة جميع اسماء الله تعالى واما معنى فليس فى العالم مصباح يستضئ بنار نور الله فيظهر انوار صفاته فى الارض خلافة عنه الامصباح الانسان فانه مستعد لقبول فيض نور الله لانه اعطى مصباح السر فى زجاجة القلب والزجاجة فى مشكاة الجسد وفى زجاجة القلب زيت الروح يكاد زيتها يضئ من صفات العقل ولو لم تمسسه نار النور وفى مصباح السر فتيلة الخفاء فاذا اراد الله ان يجعل فى الارض خليفة يتجلى بنور جماله لمصباح السر الانسانى فيهدى لنوره فتيلة خفا من يشاء فيستتر مصباحه بنار نور الله فهو على نور من ربه فيكون خليفة الله فى ارضه فيظهر انوار صفاته فى هذا العالم بالعدل والاحسان والرأفة والرحمة لمستحقيها وبالعزة والقهر والغضب والانتقام لمستحقيها كما قال تعالى { يا داود إنا جعلناك خليفة فى الارض فاحكم بين الناس بالحق ولا تتبع الهوى فيضلك عن سبيل الله } [ ص: 26].
وقال لحبيبه عليه السلام { بالمؤمنين رؤوف رحيم } [التوبة: 128] وقال فى حقه وحق المؤمنين { محمد رسول الله والذين معه أشداء على الكفار رحماء بينهم } [الفتح: 29].
ولم يظهر هذه الصفات لا على الحيوان ولا على الملك وناهيك بحال هاروت وماروت لما انكرا على ذرية آدم من اتباع الهوى القتل والظلم والفساد وقالا لو كنا بدلا منهم خلفاء الارض ما كنا نفعل مثل ما يفعلون فالله تعالى انزلهما الى الارض والبسهما لباس البشرية وامرهما ان يحكما بين الناس بالحق ونهاهما عن الشرك والقتل بغير حق والزنى وشر الخمر.
قال قتادة فما مر عليهما شهر حتى افتتنا فشربا الخمر وسفكا الدم وزنيا وقتلا وسجدا للصنم فثبت ان الانسان مخصوص بالخلافة وقبول فيضان نور الله فلو كان للملائكة هذه الخصوصية لما افتتنا بهذه الاوصاف المذمومة الحيوانية والسبعية كما كان الانبياء عليهم السلام معصومين من مثل هذه الآفات والاخلاق وان كانت لازمة لصفاتهم البشرية ولكن بنور التجلى تنور مصباح قلوبهم واستتار بنور قلوبهم جميع مشكاة جسدهم ظاهرا وباطنا واشرقت الارض بنور ربها فلم يبق لظلمات هذه الصفات مجال الظهور مع استعلاء النور فالملائكة من بدو الامر لما نظروا الى جسد آدم شاهدوا ظلمات البشرية والحيوانية والسبعية فى ملكوت الجسد بالنظر الملكوتى الملكى ولم تكن تلك الصفات غائبة عن نظرهم {قالوا أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء} فقولهم هذا يدل على معان مختلفة. منها ان الله انطقهم بهذا القول ليتحقق لنا ان هذه الصفات الذميمة فى طينتنا مودعة وجبلتنا مركبة فلا نأمن من مكر أنفسنا الأمارة بالسوء ولا تعتمد عليها ولا نبرئها كما قال تعالى حكاية عن قول يوسف عليه السلام { وما أبرئ نفى إن النفس لأمارة بالسوء إلا ما رحم ربى } [يوسف: 53].
ومنها لنعلم ان كل عمل صالح نعمله هو بتوفيق الله ايانا وفضله ورحمته وكل فساد وظلم نعمله هو من شؤم طبيعتنا وخاصية طينتنا كما قال تعالى { فما أصابك من حسنة فمن الله وما أصابك من سيئة فمن نفسك } [النساء: 79].
وكل فساد وظلم لا يجرى علينا ولا يصدر منا فذلك من حفظ الحق وعصمة الرب لقوله { إلا ما رحم ربى } [يوسف: 53].
ومنها لنعلم ان الله تعالى من كمال فضله وكرمه قد قبلنا بالعبودية والخلافة وقال من حسن عنايته فى حقنا للملائكة المقربين {انى اعلم ما لا تعلمون} لكيلا نقنط من رحمته وننقطع عن خدمته. ومنها لنعلم ان فساد الاستعداد امر عظيم وبناء جسيم ومبنى الخلافة على الاستعداد والقابلية وليس للملائكة هذا الاستعداد والقابلية فلا نتغافل عن هذه السعادة ونسعى فى طلبها حق السعاية.
ومنها ان الملائكة انما قالوا {أتجعل فيها} الخ لانهم نظروا الى جسد آدم قبل نفخ الروح فشاهدوا بالنظر الملكى فى ملكوت جسده المخلوق من العناصر الاربعة المتضادة صفات البشرية والبهيمية والسبعية التى تتولد فى تركيب اضداد العناصر كما شاهدوها فى اجساد الحيوانات والسباع الضاريات بل عاينوها فانها خلقت قبل آدم فقاسوا عليها احواله بعد ان شاهدوها وحققوها وهذا لا يكون غيبا فى حقهم وانما يكون غيبا لنا لانا ننظر بالحس والملكوت يكون لاهل الحس غيبا ومنا من ينظر بالنظر الملكوتى فيشاهد الملائكة والملكوتيات بالنظر الروحانى كما قال تعالى { وكذلك نرى إبراهيم ملكوت السموات والأرض } {الأنعام: 75] وقال { أو لم ينظروا فى ملكوت السموات والأرض } [الأعراف: 185].
فحينئذ لا يكون غيبا فالغيب ما غاب عنك وما شاهدته فهو شهادة فالملكوت للملائكة شهادة والحضرة الالهية لهم غيب وليس لهم الترقى الى تلك الحضرة وان فى الانسان صورة من عالم الشهادة المحسوسة وروحا من عالم الغيب الملكوتى غير المحسوس وسرا مستعدا لقبول فيض الانوار الالهية فبالتربية يترقى من عالم الشهادة الى عالم الغيب وهو الملكوت وبسر المتابعة وخصوصيتها يترقى من عالم الملكوت الى عالم الجبروت والعظموت وهو غيب الغيب ويشاهد بنور الله المستفاد من سر المتابعة انوار الجمال والجلال فيكون فى خلافة الحق عالما للغيب والشهادة كما ان الله تعالى { عالم الغيب فلا يظهر على غيبه } [الجن: 26] اى الغيب المخصوص به وهو غيب الغيب { أحدا } [الجن: 26].
يعنى من الملائكة {الا من ارتضى من رسول} يعنى من الانسان فهذا هو السر المكنون المركوز فى استعداد الانسان الذى كان الله يعلم منه والملائكة لا يعلمونه كما قال تعالى {انى اعلم ما لا تعلمون} * ومنها ان الملائكة لما نظروا الى كثرة طاعتهم واستعداد عصمتهم ونظروا الى نتائج الصفات النفسانية استعظموا انفسهم واستصغروا آدم وذريته فقالوا {أتجعل فيها} يعنى فى الارض {خليفة} مع انه {يفسد فيها ويسفك الدماء ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك} يعنى نحن لهذه الاوصاف احق بالخلافة منه كما قال بنو اسرائيل حين بعث الله لهم {طالوت ملكا قالوا أنى يكون له الملك علينا ونحن احق بالملك منه ولم يؤت سعة من المال} فاجابهم الله تعالى بان استحقاق الملك ليس بالمال انما هو بالاصطفاء والبسطة فى العلم والجسم فقال { إن الله اصطفاه عليكم وزاده بسطة فى العلم والجسم والله يؤتى ملكه من يشاء } [البقرة: 247] فكذلك هنا اجابهم الله تعالى بقوله {انى اعلم ما لا تعلمون} اجمالا ثم فصله بقوله {ان الله اصطفى آدم} وبقوله ى{وعلم آدم الاسماء كلها} وبقوله { ما منعك أن تسجد لما خلقت بيدى } [ص: 75] ليعلموا ان استعداد ملك الخلافة واستحقاقها ليس بكثرة الطاعات ولكنه مالك الملك يؤتى الملك من يشاء وينزع الملك ممن يشاء ويعز من يشاء ويذل من يشاء فلما تفاخر الملائكة بطاعتهم على آدم من الله تعالى على آدم بعلم الاسماء ليعلموا انهم ولو كانوا اهل الطاعة والخدمة فانه اهل العقل والمنة واين اهل الخدمة من اهل المنة فبتفاخرهم على آدم صاروا ساجدين له ليعلموا ان الحق تعالى مستغن عن طاعتهم وبمنته على آدم صار مسجودا لهم ليعلموا ان الفضل بيد الله يؤتيه من يشاء وفى قوله {انى اعلم ما لا تعلمون} اشارة اخرى الى انه كما يدل عى ان لآدم فضائل لا يعلمها الملائكة فكذلك له رذائل واوصاف مذمومة لا يعلمها الملائكة لانهم لا يعلمون منه اوصافا مذمومة هى من نتائج قالبه مشتركة مع الحيوانات مودعة فى ملكوته غير اوصاف مذمومة تكون من نتائج النفس الامارة عند تتتابع نظر الروح الى النفس حالة عدم استعمال الشرع من العجب والرياء والسمعة والحسد واشتراء الحياة الدنيا بالآخرة والابتداع والزيغوغة واعتقاد السوء وغير ذلك مما لا يشاركه الحيوانات فيه انتهى ما فى التأويلات {وعلم آدم الاسماء كلها} قال وهب بن منبه لما اراد الله ان يخلق آدم اوحى الى الارض اى افهمها وألهمها انى جاعل منك خليفة فمنهم من يطيعنى فادخله الجنة ومنهم من يعصينى فادخله النار فقالت الارض منى تخلق خلقا يكون للنار قال نعم فبكت فانفجرت منها العيون الى يوم القيامة وبعث اليها جبريل عليه السلام ليأتيه بقبضة من زواياها الاربع من اسودها وابيضها واحمرها واطيبها واخبثها وسهلها وصعبها وجبلها فلما اتاها جبريل ليقبض منها قالت الارض بالله الذى ارسلك لا تأخذ منى شيأ فان منافع التقرب الى السلطان كثيرة ولكن فيه خطر عظيم كما قيل
بدريا در منافع بيشمارست اكرخواهى سلامت دركنارست

فرجع جبريل عليه السلام الى مكانه ولم يأخذ منها شيأ فقال يا رب حلفتنى الارض باسمك العظيم فكرهت ان اقدم عليها فارسل الله ميكائيل عليه السلام فلما انتهى اليها قالت الارض له كما قالت لجبريل فرجع ميكائيل فقال كما قال جبريل فارسل الله اسرافيل عليه السلام وجاء ولم يأخذ منها شيأ وقال مثل ما قال جبريل وميكائيل فارسل الله ملك الموت فلما انتهى قالت الارض اعوذ بعزة الله الذى ارسلك ان تقبض منى اليوم قبضة يكون للنار فيها نصيب غدا فقال ملك الموت وانا اعوذ بعزته ان اعصى له امرا فقبض قبضة من وجه الارض مقدار اربعين ذراعا من زواياها الاربع فلذلك يأتى بنوه اخيافا اى مختلفين على حسب اختلاف ألوان الارض واوصافها فمنهم الابيض والاسود والاحمر واللين والغليظ فصار كل ذرة من تلك القبضة اصل بدن للانسان فاذا مات يدفن فى الموضع الذى اخذت منه ثم صعد الى السماء فقال الله له أما رحمت الارض حين تضرعت اليك فقال رأيت امرك اوجب من قولها فقال انت تصلح لقبض ارواح ولده.
قال فى روضة العلماء فشكت الارض الى الله تعالى وقالت يا رب نقص منى قال الله على ان ارد اليك احسن واطيب مما كان فمن ثمه يحنط الميت بالمسك والغالية انتهى.
فامر الله تعالى عزرائيل فوضع ما اخذ من الارض فى وادى نعمان بين مكة والطائف بعدما جعل نصف تلك القبضة فى النار ونصفها فى الجنة فتركها الى ما شاء الله ثم اخرجها ثم امطر عليها من سحاب الكرم فجعلها طينا لازبا وصور منه جسد آدم. واختلفوا فى خلقة آدم عليه السلام فقيل خلق فى سماء الدنيا وقيل فى جنة من جنات الارض بغر بيتها كالجنة التى يخرج منها النيل وغيره من الانهار واكثر المفسرين انه خلق فى جنة عدن ومنها اخرج كما فى كشف الكنوز وفى الحديث القدسى "خمرت طينة آدم بيدى اربعين صباحا" .
يعنى اربعين يوما كل يوم منه الف عام من اعوام الدنيا فتركه اربعين سنة حتى يبس وصار صلصالا وهو الطين المصوت من غاية يبسه كالفخار فامطرعليه مطر الحزن تسعا وثلاثين سنة ثم امطر عليه مطر السرور سنة واحدة فلذلك كثرت الهموم فى بنى آدم ولكن يصير عاقبتها الى الفرح كما قيل ان لكل بداية نهاية وان مع العسر يسرا
ان مع العسر جو يسرش قفاست شاد برانم كه كلام خداست

وكانت الملائكة يمرون عليه ويتعجبون من حسن صورته وطول قامته لان طوله كان خمسمائة ذراع الله اعلم بأى ذراع وكان رأسه يمس السماء ولم كونوا رأوا قبل ذلك صورة تشابهها فمر به ابليس فرآه ثم قال لامر ما خلقت ثم ضربه بيده فاذا هو اجوف فدخل فيه وخرج من دبره وقال لاصحابه الذي معه من الملائكة هذا خلق اجوف لا يثبت ولا يتماسك ثم قال لهم ارأيتم ان فضل هذا عليكم ما انتهم فاعلون قالوا نطيع ربنا فقال ابليس فى نفسه والله لا اطيعه ان فضل على ولئن فضلت عليه لأهلكنه
عاقبت كرك زاده كرك شنود

وجمع بزاقه فى فمه وألقاه عليه فوقع بزاق الِلعين على موضع سرة آدم عليه السلام فامر الله جبريل فقور بزاق اللعين من بطن آدم فخفرة السرة من ثقوير جبريل وخلق الله من تلك القوارة كلبا وللكلب ثلاث خصال فانسه بآدم لكونه من طينه وطول سهره فى الليالى من أثر مس جبريل عليه السلام وعضه الانسان وغيره وأذاه من غير خيانة من اثر بزاق اللعين وخلق آدم بعد العصر يوم الجمعة وسمى بآدم لكونه من أديم الارض لانه مؤلف من أنواع ترابها ولما أراد الله ان ينفخ فيه الروح امره ان يدخل فيه فقال الروح موضع بعيد القعر مظلم المدخل فقال له ثانيا ادخل فقال كذلك فقال له ثالثا فقال كذلك فقال أدخُل كرها اى بلا رضى واخرج كرها ولذا لا يخرج الروح من البدن الا كرها فلما نفخه فيه مار فى رأس آدم وجبينه واذنيه ولسانه ثم مار فى جسده كله حتى بلغ قدميه فلم يجد منفذا فرجع منخريه فعطس فقال له ربه قل الحمد لله رب العالمين فقالها آدم فقال يرحمك الله ولذا خلقتك يا آدم فلما انتهى الى ركبيته اراد الوثوب فلم يقدر فلما بلغ قدميه وثبت فقال تعالى وخلق الانسان عجولا فصار بشر لحما ودما وعظاما وعصبا واحشاء ثم كساه لباسا من ظفر يزداد جسده فى كل يوم وهو فى ذلك منتطق متوج وجعل فى جسده تسعة ابواب سبعة فى رأسه اذنين يسمع بهما وعينين يبصر بهما ومنخرين يجد بهما كل رائحة وفما فيه لسان يتكلم به وحنك يجد به طعم كل شئ وبابين فى جسده وهما قبله ودبره يخرج منهما ثقل طعامه وشرابه وجعل عقله فى دماغه وشرهه فى كليتيه وغضبه فى كبده وشجاعته فى قلبه ورغبته فى رئته وضحكه فى طحاله وفرحه وحزنه فى وجهه فسبحان من جعله يسمع بعظم ويبصر بشحم وينطق بلحم ويعرف بدم فلما سواه ونفخ فيه من روحه علمه اسماء الاشياء كلها اى ألهمه فوقع فى قلبه فجرى على لسانه فما فى قلبه بتسمية الاشياء من عنده فعلمه جميع اسماء المسميات بكل اللغات بان اراد الاجناس التى خلقها وعلمه ان هذه اسمه فرس وهذا اسمه بعير وهذا اسمه كذا وعلمه احوالها وما يتعلق بها من المنافع الدينية والدنيوية وعلمه اسماء الملائكة واسماء ذريته كلهم واسماء الحيوانات والجمادات وصنعة كل شئ وأسماء المدن والقرى واسماء الطير والشجر وما يكون وكل نسمة يخلقها الى يوم القيامة واسماء المطعومات والمشروبات وكل نعيم فى الجنة واسماء كل شئ حتى القصعة والقصيعة وحتى الجنة والمحلب.
قال فى كشف الكنوز اتفق جم غفير من اهل العلم على ان الاسماء كلها توقيفية من الله تعالى بمعنى ان الله تعالى خلق لآدم علما ضروريا بمعرفة الالفاظ والمعانى وان هذه الاللاظ موضوعة لتلك المعانى.
وفى الخبر لما خلق الله آدم بث فيه اسرار الأحرف ولم يبث فى احد من الملائكة فخرجت الاحرف على لسان آدم بفنون اللغات فجعلها الله صورا له ومثلت له بانواع الاشكال.
وفى الخبرعلمه سبعمائة الف لغة فلما وقع فى اكل الشجرة سلب اللغات الا العربية فلما اصطفاه بالنبوة رد الله عليه جميع اللغات فكان من معجزاته تكلمه بجميع اللغات المختلفة التى يتكلم بها اولاده الى يوم القيامة من العربية والفارسية والرومية والسريانية واليونانية والعبرانية والزنجية وغيرها.
قال بعض المفسرين علم الله آدم آألف حرفة من المكاسب ثم قال قل لاولادك ان اردتم الدنيا فاطلبوها بهذه الحرف ولا تطلبوها بالدين واحكام الشرائع وكان آدم حراثاً اى زراعاً ونوح نجارا وادريس خياطا وصالح تاجرا وداود زرادا وسليمان كان يعمل الزنبيل فى سلطنته ويأكل من ثمنه ولا يأكل من بيت المال وكان موسى وشعيب ومحمد رعاة وكان اكثر عمله صلى الله تعالى عليه وسلم فى البيت الخياطة.
وفى الحديث "عمل الابرار من الرجال الخياطة وعمل الابرار من النساء الغزل" كذا فى روضة الاخيار.
وقال العلماء الاسماء فى قوله تعالى {وعلم آدم الاسماء} تقتضى الاستغراق واقتران قوله كلها يوجب الشمول فكما علمه اسماء المخلوقات علمه اسماء الحق تعالى فاذا كان تخصيصه بمعرفة اسماء المخلوقات يقتضى ان يصح سجود الملائكة له فما الظن بتخصيصه بمعرفة اسماء الحق وما الذى يوجب له { ثم عرضهم على الملائكة } [البقرة: 31] اى عرضها اى المسميات وانما ذكر الضمير لان فى المسميات العقلاء فغلبهم والعرض اظهار الشئ للغير ليعرف العارض منه حاله.
وفى الحديث "انه عرضهم امثال الذر" ولعله عز وجل عرض عليهم من افراد كل نوع ما يصلح ان يكون انموذجا يتعرف منه احوال البقية واحكامها والحكمة فى التعليم والعرض تشريف آدم واصطفاؤه واظهاره الاسرار والعلوم المكنونة فى غيب علمه تعالى على لسان من يشاء من عباده وهو المعلم المكرم آدم الصفى كيلا يحتج الملك وغيره بعلمه ومعرفته وذلك رحمة الله التى وسعت كل شئ {فقال} الله عز وجل تبكيتا وتعجيزا للملائكة وخطاب التعجيز جائز وهو الامر باتيان الشئ ولم يكن اتيانه مرادا ليظهر عجز المخاطب وان كان ذلك محالا كالامر باحياء الصورة التى يفعلها المصورون يوم القيامة ليظهر عجزهم ويحصل لهم الندم ولا ينفعهم الندم {انبئونى} اى اخبرونى {باسماء هؤلاء} الموجودات {ان كنتم صادقين} فى زعمكم انكم احقاء بالخلافة ممن استخلفته كما ينبئ عنه مقالكم.
ويقال هذه الآية دليل عى ان اولى الاشياء بعد علم التوحيد تعلم علم اللغة لانه تعالى أراهم فضل آدم بعلم اللغه.
ودلت ايضا ان المدعى يطالب بالحجة فان الملائكة ادعوا الفضل فطولبوا بالبرهان وبحثوا عن الغيب فقرعوا بالعيان اى لا تعلمون اسماء ما تعاينون فكيف تتكلمون فى فساد من لا تعاينون فيا ارباب الدعاوى اين المعانى ويا ارباب المعرفة اين المحبة ويا ارباب المحبة اين الطاعة.
قال ابو بكر الواسطى من المحال ان يعرفه العبد ثم لا يحبه ومن المحال ان يحبه ثم لا يذكره ومن المحال ان يذكره ثم لا يجد حلاوة ذكره ومن المحال ان يجد حلاوة ذكره ثم يشتغل بغيره.
----
روح البيان لإسماعيل حقي


_________________
أغث يا سيدى وأدرك محبا يرى الأقدار تضربه سهاما
لكل قضية أعددت طه بغير شكية يقضى المراما
أيغدرنا الزمان وأنت فينا معاذ الله يا بدر التماما
(ﷺ)


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة: Re: من رقائق التفاسير الصوفية
مشاركة غير مقروءةمرسل: الأحد مارس 12, 2023 9:59 am 
غير متصل

اشترك في: الاثنين يناير 25, 2021 8:59 pm
مشاركات: 2358


يا عبادي خلقتُ الأشياء كُلَّها من أجلكم، الأرض تُقلكم، والسماء تُظلكم، والجهات تَكْتَنِفُكُمْ والحيوانات تخدُمكم، والنباتات تنفعكم، وخلقتكم من أجلي، فكيف تميلون إلى غيري، وتنسَوْن إحساني وبرِّي؟!!! الأشياء كلها عبيدكم وأنتم عبيد الحضرة، "أنت مع الأكوان ما لم تشهد المُكَوِّنَ، فإذا شهدتَ المكوِّنَ كانت الأكوانُ معك".
وفي بعض الكتب المنزلة يقول الله تعالى: "يا عبدي؛ إنما منحتك صفاتي لتعرفني بها، فإن ادعيتها لنفسك سلبتُك الولاية، ولم أسلبك صفاتي، يا عبدي: أنت صفتي وأنا صفتك، فارجع إليَّ أرجع إليك، يا عبدي: فيك للعلوم باب مفاتحه أنا، وفيك للجهل باب مفاتحه أنت، فاقصد أيّ البابين شئت، يا عبدي: قربي منك بقدر بعدك عن نفسك؛ وبعدي عنك بقدر قربك من نفسك، فقد عرفتك الطريق، فاترك نفسك تصل إليَّ في خطرة واحدة، يا عبدي: كل ما جمعك علي فهو مني، وكل ما فرقك عني فهو منك، فجاهد نفسك تصل إليّ، وإني لغني عن العالمين، يا عبدي: إن منحتني نفسك رددتها إليك راضية مرضية، وإن تركتها عندك فهي أعظم بلية، فهي أعدى الأعادي إليك فجاهدها تَعُدْ بالفوائد إليك" .
وفي بعض الآثار المروية عن الله تعالى: "يا عبدي: أنا بُدُّك اللازم فالزم بُدَّك" .
ويمكن أن يشار بالأرض إلى أرض العبودية، وبالسماء إلى سماء الحقيقة، وبالسبع سماوات إلى سبع مقامات؛ وهي الصبر والشكر والتوكل والرضى والتسليم والمحبة والمعرفة. والله تعالى أعلم.
ولما ذكر الخلق العالم العلوي والسفلي، ذكر كيفية ابتداء من عمَّر العالم السفليَّ من جنس الآدمي.اعلم أن الروح القائمة بهذا الآدمي هي قطعة من الروح الأعظم التي هي المعاني القائمة بالأواني، وهي آدم الأكبر والأب الأدم، وفي ذلك يقول ابن الفارض:
وإنِّي وإنْ كنتُ ابن آدمَ صُورةً فلِي فِيه مَعْنىً شاهدٌ بأُبوَّتِي

فلمّا أراد الحق تعالى أن يستخلف هذا الروح في هذه البشرية لتدبرها وتصرفها فيما أريد منها، قالت الملائكة بلسان حالها: كيف تجعل فيها من يفسد فيها بالميل إلى الحظوظ والشهوات، ويسفك الدماء بالغضب والحميات، ونحن نسبحك وننزهك عما لا يليق بك؟ رأت الملائكة ما يصدر من بعض الأرواح من الميل إلى الحضيض الأسفل، ولم تر ما يصدر في بعضها من التصفية والترقية، فقال لهم الحق تعالى: {إني أعلم ما لا تعلمون}؛ فإن منها من تعرج إلى عرش الحضرة، وتعبدني بالفكرة والنظرة، وتستولي على الوجود بأسره، وتنكشف لها عند ذلك أسرار الذات وأنوار الصفات وأسماء المسميات.
فيقول الحق تعالى للملائكة: هل فيكم من كشف له عن هذا السر المكنون، والاسم المصون، فقالوا: {سُبْحَانَكَ لا عِلْمَ لَنَا إِلاَّ مَا عَلَّمْتَنَا} من علم الصفات دون أسرار الذات {إنَّكَ أَنتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ} يقول الحق تعالى لروح العارف التي نفذت إلى بحر وحدة الذات وتيار الصفات: أنبئهم بما غاب عنهم من أسرار الجبروت، وأسماء الملكوت، فلما أعلمهم بما كوشف له من الأسرار، وانفق له من الأنوار، أقروا بشرف الآدمي، وسجدوا لطلعة آدم عليه السلام فقال الحق لهم: {أَلَمْ أَقُل لَّكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ غَيْبَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ}؟ أي: ما غاب في سماء الأرواح من الأسرار وفي أرض النفوس من الأنوار، وأعلم ما تظهرونه من الانقياد، وما تكتمونه من الاعتقاد، والله تعالى أعلم.
ولما تبينّ شرف آدم عليه السلام وبان فضله أمرهم بالسجود له.
----
البحر المديد لإبن عجيبة الحسيني

_________________
أغث يا سيدى وأدرك محبا يرى الأقدار تضربه سهاما
لكل قضية أعددت طه بغير شكية يقضى المراما
أيغدرنا الزمان وأنت فينا معاذ الله يا بدر التماما
(ﷺ)


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة: Re: من رقائق التفاسير الصوفية
مشاركة غير مقروءةمرسل: الأربعاء مارس 15, 2023 12:54 pm 
غير متصل

اشترك في: الاثنين يناير 25, 2021 8:59 pm
مشاركات: 2358


{هُوَ ٱلَّذِي} جعلكم خلائف في الأرض وصوركم على صورته، وصيركم مظاهر جميع أوصافه وأسمائه و{خَلَقَ لَكُمْ} أي: قدر ودبر لكم {مَّا فِي ٱلأَرْضِ جَمِيعاً} ما في العالم السفلي من آثار الأسماء والصفات تتميماً لجسمانيتكم؛ لتتصرفوا فيها وتتنعموا بها متى شئتم {ثُمَّ} لما تم تقدير ما في العالم السفلي ترقى عنها و{ٱسْتَوَىٰ} توجه {إِلَى ٱلسَّمَآءِ} إلى تقدير جميع ما في العالم العلوي {فَسَوَّٰهُنَّ} فهيأهن {سَبْعَ سَمَٰوَٰتٍ} مطبقات مشتملات على ملائكةٍ ذوي علومٍ ومعاملاتٍ، وعلى كواكب ذوي آثارٍ كثيرةٍ كلها من مقتضيات أسمائه وصفاته {وَ} لا يخفى عليه شيء مما في العالمين؛ إذ {هُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} البقرة: 29] لا يعزب عن عمله مثقال ذرة في الأرض ولا في السماء.
ثم لما قدر لنوع الإنسان جميع ما في العالم العلوي والسفلي أشار إلى اصطفاء شخصٍ من هذا النوع وانتخابه من بين الأشخاص؛ ليكون مظهراً جامعاً لائقاً لأمر الخلافة والنيات، فقال مخاطباً لنبيه، مذكراً له، مستحضراً إياه بقوله: {وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ} أي: استحضر أنت يا أكمل الرسل فذكر ممن تبعك وقت قول ربك {لِلْمَلَٰئِكَةِ} الذين هم مظاهر لطفه ومجالي جماله، لا يظهر عليهم أثر من آثار الجلال والقهر {إِنِّي} أريد أن أطالع ذاتي وألاحظ أسمائي وأوصافي على التفصيل، فأنا {جَاعِلٌ فِي ٱلأَرْضِ} أي: العالم السفلي {خَلِيفَةً} مرآة مجلوة عن صداء الإمكان ورين التعلق؛ لأتجلى منها بجميع أوصافي وأسمائي حتى تعتدل خليفتي بأسمائي أخلاق من عليها وتصلح أحوالهم، وإذا شاور معهم قالوا في الجواب على مقتضى علمهم {قَالُواْ} في الجواب على مقتضى علمهم من العالم السفلي الذي هو عالم الكون والفساد ومنزل الجدال والعناد: ما نرى في العالم السفلي إلا اللدد والعناد والمخاصمة المستمرة بين العباد والخروج من حدودك من سفك الدماء ونهب الأموال وسبي الذراري {أَ} ن سلم ونجوز لك أن {تَجْعَلُ} بعزتك وكبريائك مع أنا ننزهك عن جميع الرذائل خليفة لك نائباً عنك {فِيهَا} في الأرض {مَن يُفْسِدُ فِيهَا} بأنواع الفسادات {وَ} خصوصاً {يَسْفِكُ ٱلدِّمَآءَ} المحرمة، وليس في وسعنا هذا التسليم، ولا نرى هذا الأمر لائقاً بجلالك وعصمتك، وإن شئت بفضلك وجودك أن تصلح بينهم {وَ} تدبر أمرهم {نَحْنُ} أولى بإصلاحهم وتدبيرهم وحفظ حدودك الموضوعة فيهم؛ إذ {نُسَبِّحُ} نشتغل دائماً {بِحَمْدِكَ} وثنائك على آلائك ونعمائك {وَنُقَدِّسُ} به {لَكَ} أي: ننزه ذاتك عن جميع ما يشعر بالعلل والأعراض فنحن أولى بأمر الخلافة والنيابة منه {قَالَ} تعالى بلسان الجمع في جوابهم؛ إرشاداً لهم وامتناناً لآدم: {إِنِّيۤ أَعْلَمُ} من آدم الذي هو مظهر ذاتي وجميع أسمائي {مَا} أي: شيء من الجامعية {لاَ تَعْلَمُونَ} [البقرة: 30] أنتم لعدم جميعتكم.
ثم لما ادعى سبحانه استحقاقه للنيابة ولياقته للخلافة، وأجاب عن شبههم التي أوردوها إجمالاً وأشار إلى تفصيل ما أجمل عليهم إرشاداً لهم على مرتبة الجمع، وتنبيهاً على جلالة قدر المظهر الجامع فقال: {وَعَلَّمَ ءَادَمَ} سبحانه؛ أي: ذكره {ٱلأَسْمَآءَ} التي أودعها في ذاته وأوجد بها ما في العالم من الآثار البديعة {كُلَّهَا} بحيث لا يبقى من الأوصاف المتقابلة والأسماء المتخالفة المتضادة شيء إلا ما استأثر به في غيبه {ثُمَّ عَرَضَهُمْ} الأسماء المودعة باعتبار مسمياتها وآثارها الظاهرة في الآفاق {عَلَى ٱلْمَلَٰئِكَةِ} الذين يدعون الأولوية في أمر الخلافة {فَقَالَ} تعالى لهم مخاطباً على سبيل الإسكات والتبكيت: {أَنْبِئُونِي} عن روية وبصيرة {بِأَسْمَآءِ هَـٰؤُلاۤءِ} المسميات، وبأسباب هؤلاء الآثار والمسببات {إِن كُنْتُمْ صَٰدِقِينَ} [البقرة: 31] في دعوى الأولوية والأحقية للنيابة، محقين في الاعتراض على آدم لا عن علم بحاله.
{قَالُواْ} مستوحشين من هذه الكلمات، معتذرين متذليين خائفين من عتابه تعالى، متذكرين عن سوء الأدب مع الله، مستحيين عن سؤالهم من فعله الذي لا يسأل عنه قائلين: {سُبْحَٰنَكَ} ننزهك من أن يعترض عليك ويسأل عن فعلك، ذلك الحكم في ملكوتك والتصرف في مقتضيات أسمائك، وإنما بسطنا معك الكلام لا لانبساطك بنا؛ إذ {لاَ عِلْمَ لَنَآ} منها {إِلاَّ مَا عَلَّمْتَنَآ} بقدر استعداداتنا وقابلياتنا {إِنَّكَ أَنْتَ ٱلْعَلِيمُ} بجميع الاستعدادات والقابليات {ٱلْحَكِيمُ} [البقرة: 32] بإقامته ما ينبغي لمن ينبغي بلا عللٍ واعتراضٍ.
----
تفسير الجيلاني


_________________
أغث يا سيدى وأدرك محبا يرى الأقدار تضربه سهاما
لكل قضية أعددت طه بغير شكية يقضى المراما
أيغدرنا الزمان وأنت فينا معاذ الله يا بدر التماما
(ﷺ)


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
عرض مشاركات سابقة منذ:  مرتبة بواسطة  
إرسال موضوع جديد الرد على الموضوع  [ 301 مشاركة ]  الانتقال إلى صفحة السابق  1 ... 7, 8, 9, 10, 11, 12, 13 ... 21  التالي

جميع الأوقات تستخدم GMT + ساعتين


الموجودون الآن

المستخدمون المتصفحون لهذا المنتدى: لا يوجد أعضاء مسجلين متصلين و 10 زائر/زوار


لا تستطيع كتابة مواضيع جديدة في هذا المنتدى
لا تستطيع كتابة ردود في هذا المنتدى
لا تستطيع تعديل مشاركاتك في هذا المنتدى
لا تستطيع حذف مشاركاتك في هذا المنتدى
لا تستطيع إرفاق ملف في هذا المنتدى

البحث عن:
الانتقال الى:  
© 2011 www.msobieh.com

جميع المواضيع والآراء والتعليقات والردود والصور المنشورة في المنتديات تعبر عن رأي أصحابها فقط