اشترك في: الجمعة إبريل 28, 2006 11:18 pm مشاركات: 4149 مكان: الديار المحروسة
|
أولياء مصر.. أبو القاسم القبارى (662هـ)
هو أبو القاسم محمد بن منصور بن يحيى القبارى السكندرى المالكى الإمام الربانى الأوحد، شيخ الوقت زهدًا وصلاحًا، وصفه الزبيدى بقوله: زاهد الإسكندرية وإمامها وقدوتها، وقال عنه ابن العماد الحنبلى: كان صالحًا قانتا منقطع القرين فى الورع، وكان له بستان يعمل فيه.. وقال ابن كثير: كان مقيمًا بغيط له، يقتات منه، ويعمل فيه، ويطعم الناس من ثماره. من ضمن ثمار البستان التى كان يزرعها "القَبَّار" وهو قريب الشبه بالتفاح الأخضر الصغير، ومنه استمد اسمه "القَبّارى". وُلد القبارى بالإسكندرية، وبها عاش عمره كله الذى امتد خمسة وسبعين عامًا، وبها مات وقُبر. لم يغادرها إلا للحج. ولم يتزوج فى حياته، ولم يكن له أهل معلومون سوى والده واسمه منصور، وهو الذى ورث عنه دارًا خربة وبستانًا برمل الإسكندرية، لكنه آثر العزلة والابتعاد عن الناس، فانتقل إلى غرب الإسكندرية فى منطقة خالية بعيدة عن المدينة، وسكن بها قصرًا مهجورًا من العصور الخالية قد تهدّم وصار أطلالاً.. وقيل بل دير للنصارى هُجر منذ زمن طويل وكان له باب قديم.. فى هذا المكان المهجور الموحش الذى تسكنه الثعابين والحيات أقام الشيخ القبارى، وعمل فى إصلاح الأرض من حوله وزرع بها بستانه الذى كان يعمل فيه بنفسه، ويأكل من ثماره ويطعم الناس والطير.. وعن إطعامه للطير كان يقول: "كما أباح الله للطير أموال الناس، أباح للناس دمه". هذا البستان أغناه عن الناس، بل جعله يتصدق منه، وحين قال له أحد الأمراء: لم لا تبيع البستان وتتصدق بثمنه؟ ردّ عليه الشيخ قائلا: - هذا رأيك أنت، أبيع حلالى وأحتاج إلى حرامك وإلى الوقوف ببابك. * * * فى هذا الفضاء الموحش، وفى تلك الأطلال المهجورة عاش القبارى وحيدًا وسط أخطار جمّة لكن الله حفظه ورفع ذكره فى الناس وجعل بستانه مهوى أفئدة الملوك والأمراء وعامة الناس وصالحيهم.. كان مما غرسه فى بستانه وأينع وترعرع النخل والعنب وغير ذلك، فكان اللصوص يهجمون على البستان فى بعض الليالى لسرقة العنب فلا يفلحوا، وقد أقسموا بالله إنهم "كانوا يرون العناقيد فى ضوء القمر فيبسطون أيديهم إليها فلا يجدون شيئًا". وفى ليلة شديدة البرد اقتحموا البستان وسرقوا منه بعض الحطب ليتدفئون عليه، فلما هموا بالخروج فوجئوا بسور قد ارتفع فى وجهوهم إلى السماء، فتركوا الحطب، فانفتحت لهم ثلمة فى السور وخرجوا منها وهم يقولون لبعضهم البعض "هذا يكون غيط رجل صالح". من ضمن تلامذة الشيخ القبارى العلامة الشيخ ناصر الدين بن المنيَّر السكندرى، وكان إماما فى النحو والأدب والفقه والأصول والتفسير والبيان والقراءات.. "وكان علاّمة الإسكندرية فى غزارة العلوم وكثرة المناصب" وكان سلطان العلماء العز بن عبد السلام يقول: "ديار مصر تفخر برجلين فى طرفيها: ابن المنيَّر فى الإسكندرية، وابن دقيق العيد فى قوص". وهى العبارة التى جرت على ألسنة كثير من المؤرخين. وقد صحب ابن المنيَّر الشيخ القبارى نحو عشرين سنة، كان فيها قريبًا من الشيخ، مراقبًا لأحواله، متعلمًا من أخلاقه ومعارفه، مطّلعا على أسراره، مشاهدًا لأنواره، فكان بحق خير من يعرّف به ويكتب عنه. وبالفعل أفرد العلامة ابن المنيَّر شيخه بتأليف سمّاه: "مِنح مولانا البارى فى مناقب الشيخ أبى القاسم القبارى"، ولا أدرى إن كان قد تم طبعه أم لا، ولكن الأستاذ محمد محمود زيتون قد اطّلع على مخطوط له، واعتمد عليه فى كتابة مؤلفه القيِّم بعنوان "القبارى زاهد الإسكندرية" الذى طُبع بدار المعارف بمصر سنة 1968، وهو الذى اعتمدتُ عليه بدورى – فى كتابة هذه الترجمة. مرّ بنا – سابقًا – أن القبارى عاش عمره كله بالإسكندرية، لم يغادرها إلا للحج، وفى رحلة الحج التى قام بها فى شبابه أظهر الله على يده كرامة عجيبة كانت السبب فى نجاته من الموت. وصف الشيخ ذلك بقوله: "فكنت فى آخر الركب، فخرج العرب على الركب، وتخطفوه، وتعلقوا بأواخره، فجئنا إلى عقبة تبلّدت الناقة عن هبوطها، فأدركنى بدوى راكب ومعه سيف مُصلت، فهوى به إلىّ وضربنى، فصادفت ضربته ساقى، فكان لها طنين. وكانت تلك الضربة سبب نجاتى، لأن الناقة لما أحسّت بصوت الحديد نهضت فزجّت نفسها من العقبة، ففُتُّه أن يضربنى ثانية. فوقع لى عند حكاية قول بعضهم فى الحكاية المشهورة: نجيناك من التلف بالتلف". القوى الأمين كان القبارى – إلى جانب ما وهبه الله من قوة بدنية – شجاعًا لا يخاف المخلوقين، لأن قلبه امتلأ بالخوف من الله. فكان يقول: "أنا إن أخذت مطرقة ولقيت ثلاثين رجلاً لا أبالى بهم". وفى يوم هجم عليه فى بستانه زهاء مائة فارس من الأعراب، ادّعوا عليه أنه أخذ غنمًا لهم، وشرعوا الرماح فى وجهه، فصرخ فيهم صرخة امتلأت منها قلوبهم رعبًا فولّوا هاربين. ابتلى الله وليَّه القبارى فى ثلاث من حواسه دفعة واحدة، فقد كان فاقدًا للسمع والذوق والشمّ، وكان صابرًا راضيًا عن ربه، فلم يُعلم بذلك أحدًا من الناس، ولم يلاحظه إلا القليل النادر ممن صحبوه. يقول ابن المنير: "وكان رحمه الله قد حُمل عنه الشم، فلا يشم طيبًا ولا رديئًا، وبهذا – والله أعلم – استعان على شظف العيش، وكان يكتم هذا من نفسه، وما أظهره لِى قطّ، ولكن فهمته من قرائن أحواله، وأخبرنى به بعض من باطنه فى الخدمة. فكانت الطعوم أيضا قد حُملت عنه، فلا يفرق بينها، ولهذا كان يقسم بالله أنه لا يأكل بشهوة منذ زمن طويل، ولا يأكل إلا سدًا للخلّة لا غير". "وكان يحضر مجالس العلم على ثقل سمعه، فإذا انقضى الدرس سأل من أترابه أن يعيدوا له بصوت عال كلام المدرس" وفى إحدى المرات طلب من زميل له فى الدرس أن يعيد عليه ما قال المدرس بصوت عالٍ فنفر منه وصدّه صدًا قبيحًا، فمضى القبارى آسفًا حزينا إلى دار أبيه – وكان ذلك فى شبابه المبكر، وصعد إلى غرفة خربة بأعلى الدار كان يخلو فيها، وناجى ربه: يارب.. "ابتليتنى بحب العلم، وثقل السمع، حتى تكبّر على فلان اليوم، وبخل بما لا يضرّه". ثم دعا عليه. فلم يمض شهر حتى أجيبت دعوته فى زميله، فسلبه الله نعمة الإقبال على العلم. ومن يومها قرر القبارى ألا يدعو على أحد، وظل على ذلك حتى لقى ربه. كان القبارى مُجاب الدعوة، لأنه كان من أكثر الناس تورعًا فى مطعمه ومشربه، وقد زينت أخباره فى ذلك صفحات الكتب. الـــــــورِع قال أبو شامة فى كتابه "الذيل على الروضتين": "كان يكون فى غيط له، يخدمه بنفسه، ويأكل من ثماره وزرعه، ويتورع فى تحصيل بذره حتى بلغنى أنه كان إذا رأى ثمرة ساقطة فيه تحت أشجاره ولا يشاهد سقوطها من شجره، يتورع من أكلها، خوفا من أن تكون من شجر غيره قد حملها طائر فسقطت منه فى غيطه". "وكنت اجتمعت به فى آخر سنة 628هـ مع جماعة، صادفناه وهو يسقى فى جرار ماء من الخليج على حمار له يسقى به غيطه، وكان الماء فى الخليج حينئذ قليلاً، فأجلسنا إلى أن أتم عمله، ثم قدّم لنا من ثمر غيطه". وكان القبارى لا يشرب إلا من نبع ماء فى بستانه، ويتورع عن شرب مياه الآبار ومجارى الماء التى يُنفق عليها من الصدقات.. بلغ من شدة ورعه فى ذلك أن دابته تعودت على شرب الماء المالح من البحر، وروى ابن المنير والسيوطى فى "حسن المحاضرة" قصة هذه الدابة العجيبة التى تأثرت بورع صاحبها، وذلك أن رجلا اشتراها من الشيخ، وبعد أيام عاد إليه يقول إن الدابة قد امتنعت عن الطعام منذ اشتراها! فسأله الشيخ عن عمله، فقال: رقّاص عند الوالى. فقال القبارى: إن دابتنا لا تأكل الحرام. وردّ إليه ماله واسترد الدابة. * * * كان القبارى معظمًا لشعائر الله، وكانت له عناية خاصة بالصلاة، وصف ذلك الأستاذ محمد زيتون بقوله: "كان قبل حلول وقت الصلاة يتأهب لها بكل جوارحه، وآلة الميقات فى يده، يتحدث مع من يكون فى حضرته، أو يمارس عمله فى البستان، وذهنه حاضر، يظل يراقب الميزان أو البوصلة من حين إلى حين، حتى إذا أيقن من حلول وقت الصلاة، كأنه فى حال من الوجد والهيام، فيتوضأ وضوءًا سابغا، ويتوقف عن الكلام والعمل ويكف بصره، حتى يأخذ مكانه من الصلاة، فيصلى النوافل.. ويمضى فى تسبيحاته حتى يقوم إلى الصلاة المفروضة، لا يلوى على شىء حتى يتمها، ثم يصلى السنة!! قال ابن المنير إنه راقبه فى حال تأهبه للصلاة والدخول فيها، ثم سأله: "أراك عند الأخذ فى أهبة الصلاة لا تلوى على شىء البتة، فقال القبارى: أراقب نفسى إذا توضأت حذر أن يتفق حدث أو لمس، ولا أُلقى إليه بالا، وأراقب العدو (إبليس) فإن العبد إذا تأهب للعبادة، تأهب العدو للإفساد". وكان معظمًا لسنة النبى صلى الله عليه وسلم، يجتهد فى متابعتها كل الاجتهاد، فكان لا يأكل الطير مسموطًا، وإنما كان ينتف ريش الدجاجة نتفا بعد ذبحها لأنه وجد فى الحديث الشريف أن النبى ما أكل سميطًا قط إلى أن لقى ربه. وكان لا ينخل دقيق الشعير ويكتفى بنفخ القذى منه كما كان يفعل رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكذلك لم يأكل على مائدة قط، ولا يعدد أصناف الطعام، ولا يأكل إلا فى القصعة، ولا أسرف فى طعام أو شراب. قال يومًا لتلميذه ابن المنير متبسطًا: "أكلت البارحة لونا غريبًا. فلما سُئل عنه قال:"صببت فى القصعة من الإبريق ماء قراحا، ووضعت فيه الكسر، فما كان هذا اللون إلا ألطف من الألوان البلدية وأنقى" وكان – مع أخذه بالأمر بالمعروف والنهى عن المنكر – من أصفى الناس سريرة، لا يحمل لأحد غلاً ولا ضغينة. وكان يقول: "ما أشتهى لأحد من أمة محمد إلا خيرًا.. أود لو كان الناس كلهم على الخير.. أحب لكل أحد ما أحب لنفسى..". * * * الزاهــــــــد لما زهد القبارى فى دنيا الناس أحبه الناس، وأكبره الولاة والأمراء والسلاطين، وأقبلوا عليه التماسًا لبركته، وقبلوا منه الأمر والنهى. قال ابن كثير: "كان يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر، ويردع الولاة عن الظلم، فيسمعون منه ويطيعونه لزهده". عندما زاره السلطان الظاهر بيبرس، سأله عن حاجته ليقضيها له، فلم تكن للشيخ حاجة إلا أن طلب منه أن يعتنى بتعمير الثغر وترميم أسواره وقلاعه، فسُرّ السلطان المجاهد بهذا الطلب، وخرج من عند الشيخ ليصدر أوامره بإصلاح الأسوار، وترميم الأبراج، وتعزيز القلاع وشحنها بالرجال والعتاد، وأخذ يطوف عليها بنفسه مبديا غاية الاهتمام فى هذا الشأن. وفى يوم زاره الصاحب بهاء الدين، وزير الظاهر بيبرس، وكان حسن السيرة عادلاً، فلما أقبل على غيط القبارى قالوا له: هذا هو الصاحب الصالح (والصاحب هو الوزير) فقال له الشيخ القبارى "إن أحسنتم أحسنتم لأنفسكم". وطلب منه الوزير أن ينصحه بكلمة يأخذها عنه، فقال له الشيخ: اقرأ سورة "اقرأ باسم ربك "، فقرأها الوزير الصاحب، هو ومن كان فى صحبته، حتى وصلوا إلى قوله تعالى:( ألم يعلم بأن الله يرى) فقال له القبارى: أتعلم أن الله يراك؟ فقال له: نعم. فقال الشيخ: "من علم أن الله يراه فحقه أن يخشاه". وكان الوزير الصالح ممن يعرف أقدار الرجال، ويعرف ما يضفيه مجرد النظر إلى وجوههم على الناظر من بركات، لذلك طلب من الشيخ ألا يحرم الناس من رؤيته قائلا: "فإنه لا يُفلح من لا يرى مُفلحًا". واستجاب القبارى لهذا الطلب، فصار بعد ذلك يفتح طاقة فى بيته ينظر منها إلى الناس وينظرون إليه، وظل على ذلك إلى قبل وفاته بساعة واحدة. ولما عاد الصاحب الوزير إلى الإسكندرية كان الشيخ قد انتقل إلى جوار مولاه، فأسف الصاحب عليه اشد الأسف، وقال: كنت عزمت فى حياته ألا أدخل البلد حتى أتيمن برؤية وجهه، وقد عزمت الآن بعد وفاته ألا أدخلها حتى أتيمن بزيارة قبره وروحانيته. كم من أمير أو ذى سلطان وقف خارج سياج البستان منتظرًا أن يأذن له الشيخ، فإذا إذن له سعد أيما سعادة، وربما لم يأذن له فعاد راجعًا بخيله ورَجْله. عُيِّن والٍ جديد على الإسكندرية، فكان أحرص ما حرص عليه أن يزور الشيخ فى بستانه بعد يومين فقط من وصوله إليها، وطلب الإذن من الشيخ فى الدخول، لكنه لم يأذن له قائلا: لا آذن لك، لأنكم عندى كالمرض، لا آذن له إن استأذن، وإذا دخل بقضاء الله وقدره صبرت عليه، فكذلك أنتم. والعجيب أن هذا الوالى تقلب فى الولايات بمصر والشام، وعاد مرة أخرى إلى الإسكندرية بعد خمسة وعشرين سنة، والتقى بالشيخ القبارى وذكّره بما حدث فى اللقاء الأول، وأخبره أنه كان يحكى تلك الواقعة لأهل الشام مفتخرًا أمامهم بالقبارى زاهد الإسكندرية. لقد أحبه الجميع، وأحبه عامة الناس لما عرّض نفسه له من أمر للولاة بالمعروف ونهى عن المنكر من أجل رفع المظالم عنهم، ولما اشتهر عنه من زهد وكرامات.. كان إذا خرج إلى السوق ليبيع ويشترى ازدحم عليه الناس وتكاثروا حوله حتى تعجز دابته عن المسير، فيتبسم للناس ويرجوهم بأدب أن يتفرقوا عنه حتى يفرغ من أمره مع التجار فى السوق، ويقول لهم: "أخشى من انشغالى بحضوركم أن أغلط فى حساب أو أخلّ بشرط لا ألقى فيه بالى". كان الناس يتبركون به وبرؤيته وبكل شىء يتصل به لما عرفوا من قدره ورأوا من أخلاقه وزهده.. يحكى ابن المنيّر أنه كان يزرع الفول، وكان الناس يأخذون منه على سبيل البركة فيعطيهم، فكانوا يضعونه فى أمتعتهم، ونادرًا ما كان صندوق تاجر من تجار الإسكندرية يخلو من حبات من هذا الفول.. وقال ابن الملقن فى "طبقات الأولياء" إنه كانت له بهيمة فوكل بعض خدمه فى بيعها، فباعها بخمسين درهما ثم جاء بها إلى الشيخ، فوضعها فى قادوس، فلما كان بعد أيام جاء صاحب الدابة إليه وقال: لها يومان ما أكلت (وهى القصة التى مرت بنا سابقا) فنظر الشيخ إليه ساعة وقال: ما صنعتك، فقال: رقاص فى دار الوالى. فدخل الشيخ وأخرج القادوس وفيه دراهم غير ثمن البهيمة فأعطى الجميع له، لأجل اختلاط دراهم الرقاص بها، فاشترى الناس من الرقاص كل درهم بثلاثة لأجل البركة. بل إنه بعد وفاته قيموا كل ما ترك من الأثاث فلم يزد عن عشرين درهما، ولكن الناس تهافتوا عليه تبركا به، فبيع ما ثمنه درهم بألف درهم. تاج الكرامـــــات كثرت كرامات الشيخ، وانتشر خبرها، وتبادلها البادى والحاضر، وأصبحت أشهر من نار على علم، مرّ بنا بعضها، ونسوق هذه الكرامة العجيبة التى ذكرها ابن المنير حيث قال: "عندما حج السلطان قايتباى إلى بيت الله الحرام، وزار الحضرة الشريفة، سأل خدام الحرم النبوى عن أعجب ما رأوه، فقالوا: إن رجلاً يأتى قبر النبى صلى الله عليه وسلم كل يوم، فينفتح له، ثم يغيب مدة ثم يظهر، ومضى على ذلك وقت طويل، حتى إذا جاء على عادته كل ليلة سمعوا أصواتًا وجلبة، فاستعدوا بعصيهم إزاء القبر الشريف، خشية من أن يصيبه مكروه، وإذا بالرجل يخرج، فامسكوا به وشددوا عليه، وسألوه عن أمره، فقال لهم إنه يأتى كل ليلة ليقرأ صحيح البخارى على النبى عليه السلام، وسألوه عن هذه الأصوات، فقال لهم إنها أصوات خاصة الله الكرام، حضروا لختم البخارى والتبرك بالنبى عليه السلام، وسألوه عن اسمه وبلده، فقال: أبو القاسم القبارى من الإسكندرية، فتركوه وشأنه". * * * واليوم إذا ذهبت إلى الإسكندرية وسألت عن القبارى دُللت عليه بسهولة، فلا أحد من أهل الإسكندرية يجهله، لأنه اسم حى من أكبر أحياء المدينة العريقة، يزينه مسجد القبارى الذى به قبره، يزوره الزوار والمحبين ولا يعدمون بركته وخيره. ختم العلامة ابن المنير كتابه الذى يرجع إليه الفضل فى حفظ تاريخ الشيخ وتسجيل مناقبه وأحواله بهذه العبارة التى يحسن أن تكون أيضا فى ختام هذه الترجمة الخاطفة: "ولما بلغتُ إلى هذا المنتهى من كتابة حكايات الشيخ – رحمه الله – تأملت المتوقع من حكاياته، فرأيته زائدا على ذلك، لأننى ما اجتمعت بأحد ممن اجتمع به – رحمه الله – من بلدى، أو قادم، إلا حكى لى حكاية أو اثنتين فصاعدا، كل حكاية لا تشبه الأخرى، إما من كراماته، وإما من استقامته، وإما من حكمته، وإما من نصيحته، فعلمت أن الله إذا فتح على عبده بابا من أبواب الخير لم تُحصر عطاياه، ولم تنفد مزاياه، فرأيت الاقتصار على هذا المقدار". المراجــــــع الكواكب الدرية فى تراجم السادة الصوفية للمناوى طبقات الأولياء لابن الملقن. القبارى زاهد الإسكندرية لمحمد محمود زيتون.
_________________ أنا الذى سمتنى أمى حيدره
كليث غابات كريه المنظره
أوفيهم بالصاع كيل السندره
|
|