#007f00المشهد الزينبى





ذكرنا فيما تقدم أن السيدة رضى الله تعالى عنها لما قدمت مصر وكانت تشتكى انحرافا أنزلها مسلمة (1) بن مخلد الأنصارى فى داره بالحمراء القصوى
(1) مسلمة بن مخلد تولى حكم مصر فى عهد معاوية بن أبى سفيان مؤسس الدولة الاموية فى سنة 667م / 47 هـ الى سنة 682م / 62 هـ *** هو مسلمة بن مخلد بن صامت الصحابى الانصارى الخزرجى ** يقول ابن تغرى فى النجوم الزاهرة ( مسلمة بفتح الميم وسكون السين المهملة ،ومخلد بضم الميم وتشديد اللام ) ويقول على بن سعيد الرازى : حدثنا موسى بن على قال : سمعت مسلمة بن مخلد يقول : ولدت حين قدم الرسولصلى الله عليه وسلم المدينةوتوفى وأنا ابن عشر سنين – وقيل لما قدم النبى صلى الله عليه وسلم إلى المدينة كان مسلمة بن أربع سنوات . وكان مسلمة ورعا تقيا يطيل فى عبادته حتى أصبح مطرب الأمثال إذ يقول المقريزى فى الخطط والآثار عن مجاهد : صليت خلف مسلمة فقرأ سورة البقرة ، فما ترك ألفا ولا واوا وقال ابن هليعة عن الحرث بن يزيد : كان مسلمة يصلى بنا فيقوم فى الظهر فربما قرأ سورة البقرة ، وجاء فى كتاب ترتيب الزيارة لابن الزياد عن مجاهد قال : كنت أرانى أحفظ الناس للقرأن حتى صليت خلف مسلمة الصبح فقرأ سورة البقرة فما أخطأ فيها . وحكى الواقدى أن مسلمة كان إذا قرأ فى المحراب يسمع سقوط دموعه على الارض وقال الإمام أحمد بن حنبل رضى الله عنه : أن مسلمة بن مخلد شهد فتح مصر وسكنها ثم ولاه معاوية بن أبى سفيان مصر بعد عزل عقبة بن عامر الجهينى رضى الله عنه وذلك فى عام 47 هـ * وقد جمع له معاوية الصلاة والخطابة وكذا الخراج – كما أضيف إليه بلاد المغرب .** وفى ولايته على مصر هجمت على مصر أساطيل الدولة البيزنطية ونزلت جنودها البرلس سنة 53 هـ .


أما عن مشاركة مسلمة فى فتح مصر
فيقول البلاذرى فى فتوح البلدان وكذا السيوطى والمقريزى :
إن الامدادات التى أرسلها الخليفة عمر بن الحطاب لعمرو بن العاص لإتمام فتوح مصر كان على رأسها كل من عبادة بن الصامت والمقداد بن الأسود ومسلمة بن مخلد كان على ألف رجل – وأن الزبير بن العوام مثلهم .
وإذا تتبعنا سيرة فتح مصر نجد أن مسلمة كان من بين قواد المسلمين الذين تزعمهم الزبير بن العوام وتسلقوا حصن بابليون واستطاعوا دخول الحصن وفتح أبوابه لجيوش المسلمين وبذلك كتب لهم النصر .
وبينما كان مسلمة بن مخلد فى الإسكندرية سنة ستين هجرية بعد أن استخلف على مصر عابس ابن سعيد إذ جاءه خبر موت الخليفةبن أبى سفيان واستخلاف يزيد بن معاوية بعد أبيه - وكتب إليه يزيد بن معاوية وأقره على ولاية مصر – كما كتب إليه أيضا بأخذ البيعة له – وبالتالى كتب مسلمة بن مخلد الى عابس وكلفه أن يقوم بمهمة أن يأخذ البيعة ليزيد من أهل مصر ولكن أمتنع عبد فلما أخبر عابس مسلمة بامتناع عبد الله عن المبايعة أمر عابس بإحراق باب عبد الله فحينئذ بايع ابن عمرو بن العاص ليزيد على كره منه - ثم قدم مسلمة من الإسكندرية فجمع لعابس من الشرطة والقضاء سنة 61 هـ . وعن وفاة مسلمة بن محلد الأنصارى
قيل إنه توفى بمصر الموضع المعروف بذبح الجبل فيه قبر مسلمة الرجل الصالح فكان لا يسمع أحد قراءته إلا بكى لحسن صوته وقال : أبن عبد البر أن مسلمة مات بمصر وقيل بالمدينة * *وقال ابن يونس بالاسكندرية
وقال الحافظ عبد الغنى : مات بمصر ودفن لخمس بقين من رجب سنة 62 هـ .
وقال ابن زولان وابن الزيات : مات مسلمة بمصر وهو الاصح وقبره بمصر القديمة .
كما أخبرنا صاحب المستدرك : أن أحمد بن يعقوب الثقفى ثنا موسى بن ذكريا ثنا بن خياط قال : وفيها مات سنة اثنين وستين هجرية أبو سعيد مسلمة بن مخلد الأنصارى بمصر وكان أميرها هو أول من جمعت له مصر والمغرب من الأمراء وله زاوية . والضريح عبارة عن زاوية مربعة بداخلها الضريح يعلوها قبة صغيرة - وفى زيارة للضريح وجد بجواره شجرة كبيرة بجوارها
ولما توفيت دفنت به حسب وصيتها وكانت هذا الخطة الواقع بها الدار المذكورة ابتداء فسطاط مصر طولا وعرفت فى صدر الاسلام بالحمراء القصوى إحدى الحمراوات الثلاث وكان بها قصرا يرجع تاريخه إلى عهد بعيد يقضى منه العجب لطوله واتساعه وعليه نزل عمرو بن العاص وفى طرفه القبلى ضرب فسطاطه وما برح هذا القصر سريرا للسلطنة بتداوله أمير بعد أمير إلى أن بنى عبد الملك بن يزيد الملقب بأبى عون مدينة العسكر فى سنة 133هـ ثم تخربت هذه المدينة إلى أن ابتنى بها دارا عيسى الهاشمى وأنزل بها حشمه ولما ولى السرى بن الحكم أذن للناس فى البناء فيها والى جانب هذه المدينة بنى احمد بن طولون جامعه الموجود الآن وكانت هذه المنطقة فيما سلف من أجل منتزهات فسطاط مصر إذ كان النيل يحدها من جهة الغرب والخليج من الجهة البحرية وكان بها بساتين ابن مسكين وابن الزهرى ( وأول ) من غرس بها على ما استطلعناه من التواريخ الثابتة عبد الله بن عبد الرحمن بن عوف الزهرى وهو أول القادمين إلى مصر من بنى الزهرى وأول من مات بها منهم وتربة الزهرى القرافة الصغرى معروفة وفيها دفن الشافعى فى قصة مذكورة ولهم ترب أخرى بمواضع من القرافة وبنى بطرفها القبلى دارا واسعة وبعد موته استولى عليها ابن أخيه الربيع بن سليمان بن عبد الرحمن الزهرى فما برح مستوليا عليها إلى زمن موسى بن عيسى الهاشمى أحد أمراء مصر من قبل الرشيد فأمر بزيادة الرحبة التى فى مؤخر جامع عمرو لضيق الطريق فأخذ هذه الدار المذكور من الربيع ووسع بها الطريق وعوضه عنها فلما مات الربيع أهملت هذه البساتين فلما قدم عبد الوهاب المتقدم الذكر آنفا نسبت إليه وما برحت هذه البساتين علم على هذه المنطقة الى أن كان من أمرها ما تقدم ذكره مفصلا ( ثم ) كثرت العمارة بهذه المنطقة وتنافس الناس فى البناء فيها فكثرت فيها الدور والحوانيت واتسعت جوانبها وكان ضريح السيدة يقع فى الجهة البحرية من دار مسلمة يشرف على الخيج وجماميز السعدية ثم مرت العصور على هذه الدار فاندثر جزء عظيم منها إلا ما كان من ضريح السيدة فانه كان معظما مقصودا بالزيارة موضع احترام الخاصة والعامة وكان الناس يتعاهدون ببناء ما يتصدع من جدرانه فكان من جملة المشاهد المعدودة يتناوبون خدمته أناسا انقطعوا لذلك يصرف عليهم من وجوه أهل الخير وفى زمن دولة احمد بن طولون أجرى عليه ما أجراه على المشاهد فلما جاءت الدولة الفاطمية كان أول من بنى عليه عمارة جليلة من خلفاء الفاطميين أبو تميم معد نزار بن المعز فى سنة 369 وفى ايام الحاكم بأمر الله أمر بأثبات المساجد والمشاهد التى لا غلة لها وقال السخاوى فى كتاب أوقاف مصر وقرى يوم الجمعة 28 صفر من سنة 405 سجل عدة ضياع على المشاهد والمساجد بمصر والقاهرة وهى إ\فيح وصول وطوخ وست ضياع أخر وعدة قياصر وغيرها وكان القضاة بمصر اذا بقى لشهر رمضان ثلاثة ايام طافوا يوما على المشاهد بمصر والقاهرة فخص هذا المشهد بنصيب وافر من هذه الأحباس وما برح كذلك إلى أن زالت الدولة الفاطمية واستقرت دولة بنى أيوب ثم دول من جاء بعدهم فكان لهذا المشهد الذى ضم جثمان هذه البضعة الطاهرة موضع عناية الجميع وتعاقب عليه جملة أفاضل من أهل العلم والولاية يتناوبون خدمته من أجلهم العارف السيد محمد بن أبى المجد القرشى المعروف بالعتريس (1) أخى سيدى إبراهيم الدسوقى وهو المدفون بالجهة البحرية منه وما برح كذلك الىأن كان من أمره ما سيأتى *
صورة لمقام سيدى العتريس رضى الله عنه
(1)سيدي العتريس



هو السيد الكامل والصوفى و الواصل العابد الزاهد والمتبتل الناسك
محمد بن أبى المجد بن قريش
المشهور بالعتريس من الدوحة الحسينية المباركة
إذ ان نسبه الشريف ينتهى إلى الإمام أبى عبد الله الحسين بن على رضى الله عنهما
وهو شقيق سيدى إبراهيم الدسوقى رضى الله عنه
صاحب المقام المعروف بمدينة دسوق بمحافظة كفر الشيخ
وأمة فاطمة بنت أبى الفتح الواسطى رحمها الله
وقد تفقه الإمام العتريس على مذهب الإمام الشافعى رضى الله عنه
وسلك مسلك السادة الصوفية
وإقتفى آثارهم وجلس فى المقام الزينبى الطاهر ليخدمه ويخدم زواره
وكان عاكفا على عباده الله تعالى وقراءة القرآن الكريم
وتثقيف الناس وتعليمهم قواعد الدين الحنيف
وإرشادهم إلى ما فيه خير الدنيا والآخرة
وظل ملازما للمقام الطاهر سائرا فى الطريق القويم
إلى أن إنتقل رضوان الله تعالى إلى الرفيق الأعلى
فى أواخر القرن السابع الهجرى
فدفن بالجهة البحرية من المقام الزينبى الطاهر
وقد جدد ضريحه الخديوى سعيد باشا
وأقام عليه قبة كتب عليها
بسر إبن أبى المجد الدسوقى وصنوه ****** محمد العتريس كن متوسلا
وصفه المشهد قديما


فى رحلة الأديب الرحالة أبى عبد الله محمد الكوهينى الفاسى الأندلسى التى عملها فى أواخر القرن الرابع الهجرى أنه دخل القاهرة فى 14 محرم سنة 369هـ والخليفة يومئذ أبو النصر نزار بن المعز لدين الله أبى تميم معد الفاطمى فزار جملة من المشاهد من بينها هذا المشهد فذكر ما عاينه من الصفة التى كان عليها وقتئذ (فقال) ما نصه ، ثم دخلنا مشهد زينب بنت على على ما قيل لنا فوجدناه داخل دار كبيرة وهو فى طرفها البحرى يشرف على الخليج فنزلنا اليه بدرج وعاينا الضريح فوجدنا عليه دربوزا قيل لنا إنه من القمارى فاستبعدنا ذلك لكن شممنا منه رائحة طيبة ورأينا بأعلى الضريح قبة بناءها من الجص ورأينا فى صدر الحجرة ثلاث محاريب أطولها الذى فى الوسط وعلى ذلك كله نقوش غاية فى الاتقان ويعلو باب الحجرة زليخة قرأنا فيها بعد البسملة ( إن المساجد لله فلا تدعوا مع الله أحدا ) هذا ما أمر به عبد الله ووليه أبو تميم أميير المؤمنين الامام العزيز بالله صلوات الله تعالى عليه وعلى آبائه الطاهرين وأبنائه المكرمين .. أمر بعمارة هذا المشهد على مقام السيدة الطاهرة بنت الزهراء البتول زينب بنت الامام على بن أبى طالب صلوات الله تعالىعليها وعلى آبائها الطاهرين وأبنائهم المكرمين ...
وفى القرن السادس الهجرى أيام المستنصر الفاطمى أمر باجراء عمارة هذا المشهد ومشاهد القاهرة والقرافة فأجرى ذلك وزيره المأمون البطائحى راجع تاريخ ابن ميسر وابن دقماق بدار الكتب المصريى ( وفى أيام الملك العادل سيف الدين أبو بكر بن أيوب ) أجرى فى هذا المشهد عمارة أمير مصر ونقيب الأشراف الزينبيين بها الشريف فخر الدين ثعلب الجعفرى الزينبى صاحب البساتين التى عرفت بمتشأة ابن ثعلب ومنشىء المدرسة الشريفية التى تعرف الآن بجامع العربى بالجودرية ومابرح هذا المشهد على هذه العمارة إلى أن كان فى القرن العاشر الهجرى فاهتم بعمارته وتشييده وجعل له مسجدا يتصل به الأمير على باشا الوزير والى مصر من قبل السلطان سليمان خان بن السلطان سليم فاتح مصر وكان ذلك فى شهور سنة 956 راجع اختصار الخطط المقريزية لمحمد بن أبى السرور البكرى والروضة المانوسة والنزهة السنية من مخطوطات دار الكتب المصرية وفى سنة 1174 أعاد بنيانه وشيد أركانه الأمير عبد الرحمن كتخدا القازدوغلى وانشأ به ساقية وحوضا للطهارة وبنى أيضا مقاما الشيخ محمد العتريس وفى سنة 1210 جددت المقصورة الشريفة من النحاس الأصفر وكتب فيه على بابها ( يا سيدة زينب يا بنت فاطمة الزهراء مددك سنة 1210) وفى سنة 1212 ظهر الصدع فى حوائط المسجد وبنائه فندبت حكومة المماليك عثمان بك المرادى لتجديده وإنشائه فابتدأ بالبناء فيه ومالبث أن توقف العمل لدخول الفرنسيين القطر المصرى فأكمله بعد ذلك يوسف باشا الوزير فى شهور سنة 1216 وارخ ذلك بأبيات خطت على لوح من الرخام ونصها :
نور بنت النبى زينب يعلو
مسجدا فيه قبرها والمزار
قد بناه الوزير صدر المعالى
يوسف وهو للعلى مختــار
زاد إجلاله كما قلـــت ارخ
مسجد مشرق به أنــــــوار
(1216) ثم حالت دون تمام عمارته موانع فأكملها المغفور له محمد على باشا الكبير جد الأسرة العلوية واراد عباس باشا أيام حكومته أن يجدد هذا المسجد ويوسعه وشرع فى ذلك ووضع الأساس بيده سنة 1270 ولكنه عاجلة الأجل فانقطع العمل فأتمه من بعده المرحوم سعيد باشا وأمر بتجديد الواجهة الغربية والبحرية ومقام العتريس والعيدروس وكان ذلك فى سنة 1276 وبعد تمام هذه العمارة كتب على لوح من الرخام تاريخها فى أبيات ونصها :
فى ظل أيام السعيد محمد
رب الفخار مليك مصر الأفخم
من فائض الأوقاف أتحف زينبا
عون الورى بنت النبى الأكرم
من يأت ينوى للوضوء مؤرخا
يسعد فأن وضوءه من زمزم
(1276) وكتب على باب المقام هذا البيت :-
يا زائريها قفوا بالباب وأبتهلوا
بنت الرسول لهذا القطر مصباح
وفى سنة 1294 تجدد الباب المقابل لباب القبة من المرمر المصرى والأستانبولى على الهيئة الموجودة الآن بأمر الخديوى محمد توفيق باشا وفى سنة 1297 أمر بتجديد القبة والمنارة فتم ذلك فى شهور سنة 1302 وكتب على أبواب القبة الشريفة :-
باب الشفاعة عند قبة زينب
يلقاه غاد للمقام ورائح
من يمن اوفيق العزيز مــــؤرخ
نور على باب الشفاعة لائح
*************
قف توسل بباب بنت على
بخضوع وسل إله السماء
تحظ بالعز والقبول وارخ
باب أخت الحسين باب العلاء
**************
رفعوا لزينب بنت طه قبة
باب الرضا والعدل باب السيدة
وفى عصر هذا التاريخ نقشت القبة والمشهد بنقوش بديعة للغاية ألبستها ثوبا جديدا وانيرت أرجاء المسجد والأنوار الكهربائية .