[align=center]إبن عطاء الله السكندرى
يقول النسابة حسن قاسم فى كتابه







سيدى تاج الدين بن عطاء الله السكندرى ( ... – 709 ) الأستاذ الإمام ، قطب العارف ، وترجمان الواصلين ، ومبدى أسررار اللطائف ، الواصل غلى الله والموصل إليه تاج الدين ومنبع أسرار الواصلين أبو الفضل سيدى أحمد بن محمد بن عبد الكريم بن عبد الرحمن بن عبد الله بن أحمد بن عيسى بن الحسين بن عطاء الله الجذامى نسبا ، المالكى مذهبا ، الإسكندرى دارا ، القرافى مزارا الصوفى حقيقة ، الشاذلى طريقى ، أعجوبة زمانه ، ونخبة عصره ، وأوانه ، الجامع لأنواع العلوم ، من تفسير ، وحديث ، وفقه ، وتصوف ، ونحو ، واصول ، وغير ذلك كان رضى الله عنه ونفعنا بأسراره متكلما على طريق أهل التصوف واعظا ، انتفع به خلق كثير وسلكوا طريقه ، وقد شهد له شيخه بالتقديم قال فى ( لطائف المنن ) ك قال لى الأستاذ ك الزم فوالله لئن لومت لتكونن مفتيا فى المذهبين ، يريد مذهب أهل الشريعة ومذهب أهل الحقيقة .
قالو رحمه الله : ودخلت عليه ذات يوم ، فلما دخلت عليه قال : لا تطالبوا الأستاذ بأن تكونوا فى خاطره ، بل طالبوا أنفسكم بأن يكون الأستاذ فى خاطركم ، فعلى مقدار ما يكون عندكم تكونوا عنده .
وقد كنت قد حدثت بعض أصحابه : أريد لو نظر الأستاذ بعنايته ، وجعلنى فى خاطره ، ثم قال لى : أى شىئ تريد ؟ والله ، ليكونن لك شأن عظيم ، والله ، ليكونن لك شأن عظيم ، والله ليكونن لك كذا وكذا ، فكان كما أخبر .
وقال رضى الله عنه فى ( لطائف المنن ) جرت مخاصمة بينى وبين أحد أصحاب سيدى أبو العابس المرسى قبل صحبتى له ، وقلت لذلك الرجل : ليس إلا أهل العم الظاهر ، وهؤلاء القوم يدعون أمورا عظيمة ، وظاهر الشرع يأباها ن قال رحمه الله : وسبب اجتماعى به أنقلت فى نفسى بعد أن جرت المخاصمة ك دعنى أذهب أنظر إلى هذا الرجل ، فصاحب الحق له أمارات ، قال : فأتيته ، فوجدته يتلكم فى الأنفاس التى أمر الشارع بها ، فأذهب الله ما كان عندى ، وصار رحمه الله من خواص اصحابه ، ولازمه اثنى عشر عاما حتى أشرقت أنواره عليه ، وصار من صدور المقربين * وله مؤلفات رحمه الله متداولة سارت بذكرها الركبان منها : ( الحكم العطائية ) (1) وهى أفضل ما صنف فى علم التوحيد ، واجل ما عتمده بالتفهم والتحفظ كل سالك ومريد ، ذات عبارات رائقة ، ومعان حسنة فائقة ، قصد فيها إلى إيضاح طريق العارفين والموحدين ، وغبانه مناهج السالكين والمتجردين ، وله كتاب التنوير (2) وكتاب مفتاح الفلاح (3) فى الذكر ومراتبه ، وكتاب تاج العروس (4) وكتاب ( عنوان التوفيق ) (5) وهو شرح لقصيدة العارف بالله سيدنا أبى مدين التلمسانى وكتاب القول المجرد فى الاسم المفرد وله غير ذلك .
توفى رحمه الله تعالى بالمدرسة المنصورية بمصر ثالث عشر جمادى الآخر سنة 709 ودفن بسفح الجبل المقطم بزاويته التى كان يتعبد فيها ومقامه يزار ، يعرفه الكبير والصغير ، ويتوسل به إلى الله الغنى والفقير ، نفع الله به المسلمين .





[u](1) كتاب الحكم العطائية : للشيخ تاج الدين أبى الفضل أحمد بن عبد الكريم المعروف بابن عطاء الله الإسكندرانى الشاذلى المالكى المتوفى بالقاهرة سنة 709 ، وهى حكم منثور على لسان أهل الطريقة ولما صنفها عرضها على شيخه أبى العباس المرسى فتأملها وقال له : لقد أتيت يا بنى فى هذه الكراسة بمقاصد الأحياء وزيادة ولذلك تعشقها أرباب الذوق لما رقلهم من معانيها وراق وبسطوا القول فيها وشرحوها كثيرا(كشف الظنون 2/675) .
(2) كتاب التنوير : فى غسقاط التدبير للشيخ تاد الدين أحمد بن محمد المعروف بابن عطاء الله الإسكندرى المتوفى سنة 709 وذكر أنه ألفه بمكة المكرمة ثم استدرك عليه بدمشق وزاد فيه فوائد ولم يرتبه وغنما هو كلما من حيث الورود قال : إذا طالعه المريد الصادق عرف أن المتلوث لا يصلح للحضرة القدسية ( كشف الظنون 1/502)
(3) كتاب مفتاح الفلاح ومصباح الأرواح في ذكر الله الكريم الفتاح، في التصوف، للمؤلف: الإمام ابن عطاء الله السكندري. : إن ذكر الله هو مفتاح الفلاح والصلاح، وهو العمدة في حياة المسلم، وعليه يعوّل أهل التحقيق موادهم. وأهل العرفان هم أهل الذكر الذي لا ينفك عن قلبهم قبل لسانهم ذكر الله. لذا فقد صنف ابن عطاء الله السكندري هذا الكتاب الذي جاء مضمونه ليضيء الأرواح بمصباح الذكر الذي استهله بمقدمة تحدث فيها ع ماهية الذكر وبفضله، وبالإجماع عليه، ودليله في الكتاب والسنة ثم تحدث عن الجهر فيه والتحذير من تركه وأتبع ذلك بباب ذكر فيه فوائد الذكر على الإجمال ثم فوائد الأذكار، ثم تحدث عن تدريج السالك بالأذكار وكيفية تنقله في الأطوار وتناول الحديث عن المريد للسلوك إذا سبق منه كثرة آثام وأوزار ثم أتبع ذلك بباب ذكر فيه الخلوة منهياً القسم الأول باب ما ينبغي لأهل الطريق أن يأخذوا أنفسهم به ويلازموه وخصص القسم الثاني لشرح الأذكار وقد ضمّ هذا القسم فصول وخاتمة هي جملة من الأصول.
(4) كتاب تاج العروس الحاوي لتهذيب النفوس للمؤلف: الإمام ابن عطاء الله السكندري، في التصوف. كتاب يتناول موضوع تهذيب النفوس البشرية والتوبة إلى الله ومناجاة الله وغير ذلك.
(5)
عنوان التوفيق في آداب الطريق
للإمام العارف بالله سيدي
تاج الدين أحمد بن محمد عبد الكريم بن عطاء الله السكندريقال الشيخ العارف بالله القدوة المحقق، تاج العارفين، ولسان المتكلمين، إمام وقته، ووحيد عصره، تاج الدين أبو الفضل أحمد ابن محمد بن عبدالكريم بن عطاءالله السكندري رضي الله عنه ونفعنا به، آمين:
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله المنفرد بالخلق والتدبير، الواحد في الحكم والتقدير، الملك الذي ليس له في مُلكه وزير، المالك الذي لا يخرج عن مُلكه صغير ولا كبير، المتقدس في كمال وصفه عن الشبيه والنظير، المنزَّه في كمال ذاته عن التمثيل والتصوير، العليم الذي لا يخفى عليه ما في الضمير، { ألاَ يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الخَبِيرْ } العَالِم الذي أحاط عِلمه بمَبادِئ الأمور ونهاياتها، السميع الذي فضل في سمعه بين ظاهر الأصوات وخفاياها، الرازق وهو المُنعم على الخليقة بإيصال أقواتها القيوم المتكفل بها في جميع حالاتها، الوهاب وهو الذي منَّ على النفوس بوجود حياتها، القدير وهو المعيد لها بعد وفاتها، الحسيب وهو المُجازي لها يوم قدومها عليه بحسناتها وسيئاتها، فسبحانه من إله مَنَّ على العباد بالجُودِ قبل الوُجود، وقام بهم بأرزاقهم على كلتا حالاتهم من إقرار وجحود، ومَدَّ كل مـوجودٍ بوجودِ عطائِهِ، وحفظ وجود العالم بإمداد بقائه، وظهر بحكمته في أرضه وقدره في سمائه.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، شهادة عبدٍ مفوِّضٍ لقضائه ومسلِّمٍ له في حُكمِهِ وإمضائِهِ، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله المفَضَّل على جميع أنبيائه، المخصوص بجزيل فضله وعطائه، الفاتح الخاتم وليس ذلك لسواه، الشافع لكل العباد حين يجمعهم الحق لِفصلِ قضائه.
صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه المستمسكيـن بولائه، وسلم تسليما كثيــراً .
اعلم يا أخي جعلك الله من أهل حُــبِّه، وأتحفك بوجود قربه، وأذاقك من شراب أهل وُدِّهِ، وأمِنكَ بدوام وصْلتِهِ من إعراضه وصَدِّهِ، ووصَلك بعباده الذين خَصَّهم بمراسلاته، وجَبَرَ كسرَ قلوبهم لما علموا أنه لا تدركه الأبصار لنور تجلياته، وفتح لهم رياض القرب وهبَّ منها على قلوبهم واردات نفحاته، أشهدهُم سابقَ تدبيرِهِ فيهم فسلمُوا إليه القياد وكشَفَ عن خفي لطفه في منعه فتركوا المنازعة والعناد، فهم مستسلمون إليه، ومتوكـلون عليه .
أما بعد، فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( يُحشَر المَرءُ عَِلى دِينِ خَلِيلِهِ فليَنظُر أحُدُكم مَن يُخَالِل ) . فإذا علمت أيها الأخ الشقيق، فلا تخالل إلا من ينهضك حالهُ، ويَدُلك على الله مقالهُ، وذلك هو الفقير المتجرِّد عن السِّوى، المقبل على المولى، فليست اللذة إلا مخاللته، ولا السعادة إلا خدمته ومصاحبته، فلذلك قال الشيخ العارف المتمكن أبو مدين رضي الله تعالى عنه.( مـا لـذة الـعيش إلا صحبة iiالفقرا هم السلاطين و السادات والأمرا )
أي ما لذة عَيشِ السالك في طريق مولاه إلا صحبة الفقراء .
والفقراء جمع فقير، والفقير هو المتجرد عن العلائق، المعرض عن العوائق، لم يبق له قبلة ولا مقصد إلا الله تعالى، وقد أعرض عن كل شيء سواه، وتحقق بحقيقة ( لا إله إلا الله محمد رسول الله ) فمثل هذا مصاحبته تذيقك لذة الطريق، وتريق في جميع فؤادك من شراب القوم أهنى رحيق، ويعرفك الطريق، ويقطع لك العقاب ويزيل عن قلبك التعويق، وينهضك بهمَّـتِهِ ويرفعك إلى أعلى الدرجات، ومن كان كذلك فهو السلطان على الحقيقة، والسيد على أهل الطريقة، والأمير على أهل البصيرة .
فلا تخالف أيها السالك طريقه، واجتهد أيها السالك المُجِدُّ في تحصيل هذا الرفيق، وأصحبه وتأدب في مجالسه، ويزيل عنك ببركة صحبته كل تعويق .
كما قال رضي الله تعالى عنه :
فاصحبهموا وتأدب في مجالسهم وخــل حـظـك مـهما قـدموك iiورا





أي اصحب الفقراء، وتأدب معهم في مجالستهم فإن الصحبة شبح، والأدب روحها، فإذا اجتمع لك بين الشبح والروح حُزتَ فائدة صحبته، وإلا كانت صحبتك ميتة فأي فائدة ترجوها من الميت.
ومن أهم آداب الصحبة أن تخلف حظوظك وراءك ولا تكن همتك مصروفة إلا لإمتثال أوامرهم فعند ذلك يشكر مسعاك، فإذا تخلقت بذلك فبادر واستغنم الحضور وأخلص في ذلك ترفع درجتك وتعلو همتك والقصور، كما قال رضي الله عنه :
( واستغنم الوقت واحضر دائما معهم واعلم بأن الرضا يختص من حضرا
iأي واسـتغنم وقت صحبة الفقراء واحضر دائما معهم بقلبك وقالبك تسري إليك زوائدهم، وتغمرك فوائدهم، وينصح ظاهرك بالتأدب بآدابهم، ويشرق باطنك بالتحلي بأنوارهم، فإن من جالس جانس، فإن جلست مع المحزون حزنت، وإن جلست مع المسرور سُرِرت، وإن جلست مع الغافلين سَرَت إليك الغفلة، فإنهم القوم لا يشقى جليسهم، فكيف يشقى خادمهم ومحبهم وأنيسهم وما أحسن ما قيل لـي سادة من عزهم أقدامهم فوق الجباه
إن لم أكن منهم فلي فـي حبهم عِزٌ iiوجا:
واعلم أن هـذا الرضا، وهذا المقام يخص من حضر معهم بالتأدب، وخرج عن نفسه، وتحلى بالذلة والإنكسار، فاخرج عنك إذا حضرت بين أيديهم، وانطرح وانكسِر إذا حللت بناديهم فعند ذلك تذوق لذة الحضور، واستعن على ذلك بملازمة الصَّمت، تشرق لك أنوار الفرح، ويغمرك السرور كما قال رضي الله عنه :
( ولازم الـصـمت إلا إن سـئلت فـقل لا علم عندي وكن بالجهل مستترا




الصَّـمت عند أهل الطريقة من لازمه ارتفع بنيانه، وتمَّ غِراسه، وهو نوعان : صمت باللسان وصمت بالجَنان وكلاهما لا بدَّ منه في الطريق فمن صمت قلبه ونطق لسانه نطق بالحكمة، ومن صمت لسانه وصمت قلبه تجلـى له سره، وكلمه ربه، وهذا غاية الصمت وكلام الشيخ قابل لذلك فالزم الصمت أيها السالك إلا إن سُـئـِلت فإن سُـئـِلتَ فارجع إلى أصلِك ووصلك وقل لا علم عندي واسـتتر بالجهل تشرق لك أنوار العلم اللدني، فإنك مهما اعترفت بجهلك ورجعت إلى أصلِك لاحت لك معرفة نفسك، فإذا عرفتها عرفت ربك، كما روي في الحديث { مَن عَرفَ نفسَهُ عَرفَ رَبَّهُ }، "تعليق:هذا ليس بحديث، وإنما هو من كلام يحيى بن معاذ الرازي، وللإمام السيوطي فيه رسالة اسمها: القول الأشبه في من عرف نفسه فقد عرف ربه.اهـ موقع المسلم" وكل ذلك من فوائد الصمت ولزوم آدابه، فاصمـت وتأدب ولازم الباب تكن من أحبابه، وما أحسن ما قيل :
لا أبرح الباب حتى تصلحوا عوجي وتـقـبلوني عـلـى عـيبي ونـقصاني
فـإن رضـيتم فـيا عـزي ويا iiشرفي وإن أبـيـتم فـمـن أرجــو iiلـعصيان
فانهــض أيها الأخ ـ إلى باب مـولاك بهمَّـة علية، وتحقق بعبـوديتك تشـرق عليك أنواره السنية، كما أشار إلى ذلك الشيخ رضي الله عنه بقوله :
( ولا تَرَ العيب إلا فيك معتقداً عـيباً بـدا بـيِّناً لـكنه استترا ii
أي تحقق بأوصافك من فقـرك وضعفك وعـجزك وذلتك، فإذا تحققت بأوصافك وشَهِدتْ لنفسك عيوباً لكنها مستترة، فعند ذلك تحظى بظهـور أوصاف مولاك فيك، كما قيل ( سُبحانَ مَن سَترَ سِرَّ العُبُودية )، وأفهم من هنا سر معنى قوله تعالى { سُبْحَانَ الذِي أسْرَى بِعَبدِهِ } ولم يَقل برسوله ولا بنبيِّـهِ، أشار إلى ذلك المعنى الرفيع الذي لا ينال إلا من العبودية لذلك قيل :
لا تدعني إلا بيا عبدها فـإنه أشـرف iiأسـمائ
فانكسِـر - أيها الأخ ـ وانطرح بالطريق ولا تــَرَ لك حالا، ولا مقالا يزل عنك كل تعويق، واستغفر من كل ما يخطر بقلبك في عبوديتك وقـُمْ على قدمِ الاعتراف وأنـصِفْ من نفسـك تبلغ أعـلى درجات المنازل وتغـنى بشـريتك كما قال رضي الله عنه :
أي تواضع وانكسر، وحُطَّ أشرف ما عندك، وهو رأسك في أخفض ما يكـون وهي الأرض
( وحـط رأسك واستغفر بلا iiسبب وقف على قدم الإنصاف معتذرا



لتحـوز مقام القرب، كما ورد في الحديث{ أقرَبُ ما يَكـُونُ العَبدُ إلى اللهِ تعَالى وَهو سَاجـِد }، لأن قـُرب العبد، بتواضعه وانكساره وخروجه عن أوصاف بشريته، وأشهد نفسك دائماً مُذنباً، ولو لم يظهر عليك سبب الذنب، فإن العبد لا يخلو من تقصير، وقـِف على قدَمِ الإنصاف من ذنوبك خجـلا من سيئاتك وعيوبك، فإن من عامل المخلوق هذه المعاملة أحـبَّهُ ولم يشهد له ذنباً وكانت مساويه عنده محاسن، فكيف إذا عامل بهذه المعاملة بهذه المعاملة صاحبه الحقيقي الذي إذا تحققه ليس له صاحب سواه، كما ورد في الحديث { اللهم أنتَ الصَّاحِبُ في السَّـفر، والخلِيفة فِي الأهلْ والمَال والولَد } .
فتأهب ـ أيها الأخ ـ لهذه المعاملة مع إخوانك الفقراء، لتصير لك معراجاً تتوصل بها إلى معاملة ربِّ السماء، وتكون مقبولاً عند الخلق والخالق وتصفو لك المعاملة، وتشرق عليك أنوار الحقائق قال رضي الله عنه :
( إن بــدا مـنك عـيب فـاعتذر iiوأقـم وجه اعتذارك عما فيك منك جرى )
( وقـل عـبيدكموا أولى iiبصفحكموا فـسامحوا وخـذوا بـالرفق يا فقرا )
( هـم بـالتفضل أولى وهو iiشيمتهم فـلا تـخف دركـا مـنهم ولا ضررا ii
أي لِيكن شأنك دائماً التواضع والإنكسار وطلب المعـذرة والإستغفار، سواء وقع منك ذنب أو لم يقع، وإن بدا منك عيبٌ أو ذنب فاعترف واستغفر، فإن التائب من الذنب كمن لا ذنب له، وليس الشأن أن لا تذنب، إنما الشأن أن لا تصِرَّ على الذنب كما ورد { أنِينُ المُذنِبينَ عِندَ الله خَيرٌ مِن زَجلُ المُسَبحِين عَجَباً وافتخَارا },"تعليق:هذا ليس بحديث.اهـ موقع المسلم"، ولذلك قلتُ في الحِكَمْ ( ربما فتح لك باب الطاعة وما فتح لك باب القبول وقضى عليك بالذنب وكان سبباً للوصول ). ( رُبَّ معصِيةٍ أورثتْ ذلا وانكِسَاراً خير من طاعةِ أورثت عِـزا واستكبَاراً ) . ومع اعترافك واستغفارك أقـِم وجه اعتذارك عما جرى منك فيكون ذلك مُمْحِياً للذنب وأدخل في القبول .
وذُلَّ وتواضَع وانكسِر وقل عبيدكم أولى بصفحِكُم لأن العبد ليس له إلا باب مولاه وما أحسن ما قيل :
ألـقيت فـي بـابكم iiعـناني ولـــم أبــال بـمـا عـنـاني
فزال قبضي وزاد بسطي وانـقلب الـخوف بالأمان





فسامحـوا عُبَيـدُكم يا فقرا، وخذوا بالرفق وعاملوني به، فإني عبد فقير لا يصلحني إلا المعاملة بالرفق والفضل، ولا اعتماد لي إلا على الفضل ـ لا بحـولي و لا بقوتي، مذهبي العجز والسلام.
ثم قال رضي الله تعالى عنه ـ إنهم أولى بهذا الشيء، وهو شِيمتهم ولم يزالوا متفضلين، وهذه معاملتهم مع أصحابهم ـ وهي سجيتهم وكيف لا تكون سجيتهم وهم متخلقون بأخلاق مولاهم، كما ورد {تخَـلقوا بأخْـلاقِ الله} .
فلا تخف منهم ضـررا ـ أيها السالك المصاحب لهم ـ وتمسَّك بأذيَالهم {فإنَّهُمُ القومُ لا يَشقَى جَلِيسَهُم}، فإذا عرفت ذلك أيها السالك ـ فتخلـق بأخلاقهم الكريمة، وجُد بالتغـني عن الأخوان، وغض الطرف عن عثرتهم تكن آخذ من أوصافهم أحسن هيئة . قال رضي الله عنه :
( وبـالـتغني عـلـى الإخـوان جـد أبـداً حساً ومعنى وغض الطرف إن عثرا
أي: وتكـرَّم على إخوانك، وجُد عليهم أبدا، أما في الحِسِّ فببَذل الأمـوال، وأما في المَعنى فبصرف همَّـة الأحوال، ولا تبخل عليهم بشيء يمكنك إيصاله إليهم، فإن السماحة لبُّ الطريق، ومن تخلق بها فقد زال عن قلبه كل تعويق .
قال الشيخ عبد القادر رضي الله عنه: إخواني، ما وصَلتُ إلى الله تعالى بقيام ليل، ولا صيام نهار، ولا دراسة علم، ولكن وصلت إلى الله بالكرم والتواضع وسلامة الصَّدر .
فدَلَّ كلام الشيخ رضي الله عنه، أن الكرم هو الأساس، وأن التواضع يتم للسالك به الغراس، فإذا أتمَّ له هذان سلم صدره من العلائق، وزال عن طريقه كل عائق، ولذلك ورد في الحديث { إنَّ في الجنة لغُرَفاً، يُرى ظاهِرها مِن باطِنها، وباطنُها من ظاهِرها، أعدَّها الله تعالى لِمَنْ ألانَ الكَلام، وأطعَمَ الطعام وتابَعَ القِيام وصَلى بالليل والناسُ نِيام } .
فتأمـل هـذا الحديث ـ يا أخي ـ حيث بدأ صلى الله عليه وسلم بإلانة الكـلام وهو إشارة إلى التواضع، ثم ثنى بإطعام الطعام، وهو إشارة إلى الكرم، ثم أتى بعد ذلك بالصَّلاة والصِّيام كما أشار إليه الشيخ عبدالقادر، فانهض أخي إلى هذه المآثر وبادر واجمع معها حُسْنَ مكارم الأخلاق، وغُضَّ الطرف عن مساوئ الإخوان إن وقفت منهم على عثرة ولا تشهد إلا محاسنهم، كما قال رضي الله عنه في حكمـه الفتوحية ( رؤية محاسن العبيد والغيبة عن مساويهم ذلك شيء من كمال التوحيد ).
كما قيل :
إذا ما رأيت الله في الكل فاعلاً رأيــت جـميع الـكائنات iiمـلاح
فإذا تخلـقت ـ أيها الأخ ـ بهـذه الخصال الشريفة، فقد تأهـلتَ للإقبال على الشيخ فانهض إلى عتبة بابه، وراقبه بهمَّـة منيفة، كما أشار إلى ذلك الشيخ رضي الله عنه بقوله :
( وراقب الشيخ في أحواله فعسى يـرى عـليك مـن استحسانه أثرا ii
أي: إذا تخـلقـتَ بما تقـدم من الآداب، ووصلت بافتقارك وانكسارك إلى الشيخ، وتمسـَّكت بأثر تلك الأعتاب فراقب أحواله، واجتهد في حصول مراضيه، وانكسِر واخضع له في كل حين، فإنه الترياق والشفاء، وإن قلوب المشايخ ترياق الطريق، ومن سَعِد بذلك تمَّ له المطلوب وتخلص من كل تعويق، واجتهد ـ أيها الأخ ـ في مشاهدة هذا المعنى فعسى يرى عليك من استحسانه لحالك أثراً، قال بعضهم : من أشد الحرمان أن تجتمـع مع أولياء الله تعالى ولا تُرزق القبول منهم، وما ذلك إلا لسوء الأدب منك، وإلا فـلا بُخـل من جانبهم ولا نقص من جهتهم . كما قلتُ في الحكم :
ما الشأن وجود الطلب، إنما الشأن أن تورث حُسن الأدب .
زار بعض السلاطين ضريح أبي يزيد رضي الله عنه وقال هل هنا أحد ممن اجتمع بأبي يزيد ؟ فأشير إلى شيخ كبير في السِّن كان حاضراً هناك، فقال له : هل سمعت شيئا من كلامه ؟ قال : نعم، قال ( من زارني لا تحرقه النار )، فاستغرب السلطان ذلك الكلام . فقال: كيف يقول أبو يزيد ذلك وأبو جهل رأى النبي صلى الله عليه وسلم، وهـو تحرقه النار . فقال ذلك الشيخ للسطان: أبو جهل لم ير النبي صلى الله عليه وسلم، إنما رأى يتيم أبي طالب، ولو رآه ـ صلى الله عليه وسلم ـ لم تحرقه النار . ففهم السلطان كلامه وأعجبه هذا الجواب منه . أي إنه لم يره بالتعظيم والإكرام واعتقاد أنه رسول الله، ولو رآه بهذا المعنى لم تحرقه النار، ولكنه رآه باحتقار واعتقاد أنه يتيم أبي طالب، فلم تنفعه تلك الرؤية . وأنت يا أخي، لو اجتمعت بقـُطبِ الوقت ولم تتأدب لم تنفعك تلك الرؤية، بل كانت مضرَّتها عليك أكثر من منفعتها . فتأدب بين يدي الشيخ، واجتهد أن تسلك أحسن المسالك، وخذ ما عرفت بجـد واجتهاد، وانهض في خدمته، واخلص في ذلك لتسود مع من ساد، كما قال :
( وقَــدِّمِ الـجِدِّ وانـهض عـند iiخـدمته عساه يرضى وحاذر أن تكن ضجرا )
( فـفي رضـاه رضـا الـباري iiوطـاعته يـرضى عـليك فـكن مـن تركه حذرا ii
أي انهض في خـدمة الشيخ بالجد فعساك تحوز رضاه فتسُود مع من ساد، واحذر أن تضجر، ففي الضَّجر الفساد . ولازم أعتاب بابه في الصباح والمساء لتحـوز منه الوداد . وما أحسن ما قيل:
اصبر على مضض الإدلاج في السحر ولــلـنـذور عــلـى الـطـاعـات iiبـالـبـكر
وقـــل مـــن جـــدَّ فـــي أمــر iiيـؤمـله مـا اسـتصحب الـصبر إلا فـاز iiبـالظفر
فإن ظفرت ـ أيها السالك ـ برضاه رضي الله تعالى عنك ونلت فوق ما تمنيت .
فاستقم في رضاء شيخك وطاعته تظفر بطاعة مولاك ورضاه، وتفوز بجزيل كرامته .
وعُضَّ بالنواجذ على خِـدمة الشيخ إن ظفرت بالوصـول إليه، واعلم أن السعادة قد شملتك من جميع جهاتك، إذا عرفك الله تعالى به، وأطلعك تعالى عليه فإن الظفر به .
لكن إذا ساعدتك العناية ظفرتَ وشمَمْتَ من نفحة طيبة ما يفوق المِسك الأذفر، ولذلك قال رضي الله تعالى عنه وعنا به، آمين :
( واعـلم بـأن طـريق الـقوم iiدارسـة وحال من يدعيها اليوم كيف ترى ii)
( مـتـى أراهــم وأنـى لـي iiبـرؤيتهم أو تسمع الأذن مني عنهموا خبرا )
( مـن لـي وأنـى لمثلي أن iiيزاحمهم عـلـى مــوارد لـم آلـف بـها كـدرا ii)
( أحــبـهـم وأداريــهــم iiوأوثــرهــم بـمـهجتي وخـصوصا مـنهم نـفرا ii)
شرع الشيخ رضي الله تعالى عنه يشوق السالك إلى طريق أهله، ويخبرهم أن طريقهم دارسة، وحال من يدعيها اليوم كما ترى في الفترة حتى كادت الهمم تكون من الطلب آيسة، وهكذا شأن طريق القوم لعزتها، كأنها في عصر مفقودة، ولا يظفر بها إلا الفرد بعد الفرد، وهذه سنة معهودة، وذلك أن الجوهر النفيس لا يزال عزيز الوجود، يكاد لعزته يُحكَم بأنه ليس موجود، والطريق أهلها مخفية في العالم خفاء ليلة القدر في شهر رمضان، وخفاء ساعة الجمعة في يومها حتى يجتهـد الطالب في طلبه بقدر الإمكان، فإن من جـَـدَّ وَجَـدَ، ومن قرع الباب ولـَـج .
شرع الشيخ رضي الله تعالى عنه يشوق السالك إلى طريق أهله ، ويخبرهم أن طريقهم دارسة ، وحال من يدعيها اليوم كما ترى في الفترة حتى كادت الهمم تكون من الطلب آيسة ، وهكذا شأن طريق القوم لعزتها ، كأنها في عصر مفقودة ، ولا يظفر بها إلا الفرد بعد الفرد ، وهذه سنة معهودة ، وذلك أن الجوهر النفيس لا يزال عزيز الوجود ، يكاد لعزته يُحكَم بأنه ليس موجود ، والطريق أهلها مخفية في العالم خفاء ليلة القدر في شهر رمضان ، وخفاء ساعة الجمعة في يومها حتى يجتهـد الطالب في طلبه بقدر الإمكان ، فإن من جـَـدَّ وَجَـدَ ، ومن قرع الباب ولـَـجَّ وَلـَجَ .
قلتُ : بعد أن ذكر لا بد من الشيخ في الطريق على سبيل السؤال والجواب، كيف تأمرنا بذلك وقد قيل إن وجود الشيخ كالكبريت الأحمر وكالعنقاء ، من ذا الذي بوجودها يظفر ، كيف تأمرني بتحصيلِ مَن هذا شأنُهُ ، فقال : لو صدقتَ في الطلب وكنتَ في طلبه كالطفل والظمآن لا يقرُّ لهم قرار ولا تسكن لوعتهم حتى يظفروا بمقصودهم ، فأشار الشيخ رضي الله عنه إلى أن الشيخ موجود ، وكيف لا يكون موجودا وعمارة العالم بأمثاله ، فإن العالَمَ شخصٌ والأولياء روحه ، فما دام العالَم مـوجوداً لا بدَّ من وجودهم ، لكن لشدَّة خفائهم وعدم ظهورهم حـُـكِم بفقدانهم .
فاجتهـد واصدق في الطلب تجـدِ المطلوب ، واستعِن على ذلك الطلب بمَدَدِ علام الغيوب ، فإن الظفر لا يحصـل إلا بمجـَّرد فضله . وإذا أوصلك إلى الشيخ فقد أوصلك إليه كما قلت في الحكم ( سبحان من لم يجعل الدليل على أوليائه إلا من حيث الدليل عليه ، ولم يوصل إليهم إلا من أراد أن يوصله إليه ) .
ثم إن الشيخ رضي الله عنه ، كما ذكر عزة الطريق ، وفقدان أهلها شرع يتأسف على الإجتماع بهم ويتمناه ، ويستبعـد من نفسه حصول ذلك ، والتشرف بلقائه تواضعا منه وانكساراً وهضماً لنفسه واحتقاراً . وهذا شأن العارف لنفسه بنفسه ، الممتلىء من معرفة ربه ، المتحلي بواردات قدسه ، لأنه لا يرى لنفسه حالا ولا مقالا ، بل يرى نفسه أقل من كل شيء وهو هو النظر التام ، كما قيل :
إذا زاد عـلم المــرء زاد تواضعــا وإن زاد جـهل المـرء زاد ترفعــا
وفي الغصن عن حمل الثمار مناله فإن يَعـْرُ من حمـل الثمار تمنـُّـعـا
فانظر إلى الشيخ أبي مدين ورفعته في الطريق مع أنه وصل من تربيته اثنا عشر ألف مريد ، وانظر إلى هذا التنزل منه والتدلي بأغصان شجرة معرفته إلى أرض الخضوع والانكسار حتى أنه لم ير نفسه أهلا للاجتماع بأهل هـذه الطريقة ، ويزيده هذا الانخفاض من الارتفاع ، لأن الشجرة لا يزيدها انخفاضها في عروقها إلا ارتفاعا في رأسها .
فتواضع في الطريق ، وخذ هذا الأصل العظيم من هذا العارف المتمكـن يزل عنك كل تعويق .
ثم قال رضي الله عنه ـ بعد ذلك ( أحبهم إلى آخره ) ، أي وإن لم أكن أنا منهم فإني أحبهم ، ومن أحب قوما فهو منهم ، كما ورد في الحديث { المَرءُ مَعَ مَنْ أحَبَّ } . كما قيل :
أحب الصالحين ولســـــت منهم لعـلي أن أنا بهـــــم شــفــــاعـة
وأكـــره من بضاعته المعاصي وإن كنا ســــواء في البضاعـــة
وهذه خصال القوم وصفاتهم ، ولذلك ارتفعت رتبهم ، وجزلت عطيتهم كما وصفهم رضي الله عنه بقوله :
( قوم كرام الســجايا حيــث ما جلسـوا يبـقى المكـــان على آثارهم عـطرا )
( يهـدي التصوف من أخلاقهم طرفـــا حسـن التألف منهم راقني نظـــــرا )
( هم أهل ودي وأحبابي الذين همــــوا ممـــن يجـر ذيول العـز مفتخــــرا )
( لا زال شمـلي بهم في الله مجــتمـعـا وذنبنــا فيــه مغــفورا ومغــــــتفرا )
( ثم الصلاة عــلى المخـــتار سيدنـــــا محمــد خيـــر من أوفى ومن نذرا )
أي قوم سجاياهم كريمة وهمتهم عظيمة ، حيثما جلسوا تبقى آثار نفحات عطرهم في المكان ظاهرة ، وأينما توجهـوا سطع شمس معارفهم فتشرق القلوب ، وتصلح بهم الدنيا والآخـرة ، يهدي التصوف للسالك المشتاق من أخلاقهم طرقا مجيدة تدل على الطريق ويسـير في سلوكه سيرة حميدة ، فلذلك جمعوا أحسن تأليف ، حتى راق كل ناظر وجَـدُّوا في أكمل معنى لطيف ، حتى اكتحلت بكحل إثمـدهم أنوار البصائر .
وكذلك قال الشيخ رضي الله عنه بعد ذلك (هم أهل ودي وأحبابي ) إلى آخره ، فإن الشخص لا يحب إلا من جانسه ولا يَوَد إلا من كان بينه وبينه مؤانسة .
وفي هذا الكلام إشارة إلى أنه رضِي الله عنه من جملتهم وطينته من طينتهم ، وما تقدم منه في التواضع والإنكسار دليل على التحقيق في هذا المجد والفخار كما تقدمت الإشارة إلى ذلك ، فنسأل الله تبارك وتعالى أن يسلك بنا أحسن المسالك ، ثم دعا وسأل أنه لا يزال شمله بهم في الله تعالى ، وذنبه مغفورا ، ونحن نسأله أيضا إتمام الصلاة والسلام على سيدنا محمد المختار خير من أوفى ومن نذر ، ومن أكرم الجار وعلى آله وصحبه السادة الأبرار والتابعين وتابعيهم بإحسان إلى يوم الدين ، وهذا الرقم لمن تعـطش ليله في معاني هذه الأبيات ، وإلا فنحن معترفون بالعجز والتقصير عن معانيها وإنما الأعمال بالنيات ، والله تبارك وتعالى أعلم .
انتهى الكتاب والحمد لله أولاً وآخراً
وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم
III
وإليك نص قصيدة سيدي أبي مدين الغوث :
(مــا لــذة الـعـيش إلا صـحبة الـفـقرا هــم الـسـلاطين و الـسـادات والأمـرا)
( فـاصـحبهموا وتـأدب فـي مـجالسهم وخــــل حــظـك مـهـمـا قــدمـوك ورا)
( واستغنم الوقت واحضر دائما معهم واعلم بأن الرضا يختص من حضرا )
( ولازم الـصـمـت إلا إن سـئـلت فـقـل لا عـلم عـندي وكـن بالجهل مستترا )
( ولا تَــــرَ الـعـيـب إلا فــيـك مـعـتـقداً عــيـبـاً بــــدا بـيِّـنـاً لـكـنـه اسـتـتـرا )
( وحــط رأســك واسـتـغفر بــلا سـبب وقــف عـلـى قـدم الإنـصاف مـعتذرا )
( إن بــدا مـنـك عـيـب فـاعـتذر وأقــم وجـه اعـتذارك عـما فيك منك جرى )
( وقــل عـبـيدكموا أولــى بصفحكموا فـسـامحوا وخــذوا بـالرفق يـا فـقرا )
( هــم بـالـتفضل أولـى وهـو شـيمتهم فــلا تـخـف دركــا مـنـهم ولا ضـررا)
( وبـالـتغني عـلـى الإخــوان جـد أبـداً حـساً ومعنى وغض الطرف إن عثرا)
( وقَــدِّمِ الـجِـدِّ وانـهـض عـنـد خـدمته عـساه يرضى وحاذر أن تكن ضجرا )
( فـفـي رضـاه رضـا الـباري وطـاعته يـرضى عـليك فـكن مـن تـركه حذرا )
( واعـلـم بــأن طـريـق الـقـوم دارسـة وحـال مـن يـدعيها الـيوم كيف ترى )
( مــتـى أراهــم وأنــى لــي بـرؤيـتهم أو تـسمع الأذن مـني عـنهموا خبرا )
( مــن لـي وأنـى لـمثلي أن يـزاحمهم عـلـى مــوارد لــم آلــف بـهـا كــدرا )
( أحــبــهــم وأداريـــهـــم وأوثـــرهــم بـمـهـجتي وخـصـوصـا مـنـهم نـفـرا )
( قوم كرام الســجايا حيــث ما جلسـوا يبـقى المكـــان على آثارهم عـطرا )
( يهـدي التصوف من أخلاقهم طرفـــا حسـن التألف منهم راقني نظـــــرا )
( هم أهل ودي وأحبابي الذين همــــوا ممـــن يجـر ذيول العـز مفتخــــرا )
( لا زال شمـلي بهم في الله مجــتمـعـا وذنبنــا فيــه مغــفورا ومغــــــتفرا )
( ثم الصلاة عــلى المخـــتار سيدنـــــا محمــد خيـــر من أوفى ومن نذرا )
هو الشيخ الإمام تاج الدين أبو الفضل أحمد بن محمد بن عبد الكريم بن عطاء السكندرى الجذامى نسبا المالكى مذهبا الشاذلى طريقة ، وهو من أصل عربى فأجداده من الجذاميين من قبيلة كهلان التى ينتهى نسبها إلى بنى يعرب بن قحطان من العرب.
ولد بن عطاء بمدينة الأسكندرية حيث كانت تقيم أسرته وكان جده يشتغل بالتدريس .
ويقول الدكتور التفتازانى إن مولده بين سنتى 658هـ - 679هـ وقد تتلمذ ابن عطاء على يد أشهر فقهاء الأسكندرية فى ذلك العصر وهو الفقيه ناصر الدين الدين المنبر الجذامى الاسكندرى إذ كانت الاسكندرية فى ذلك العصر مركزا هاما من المراكز العلمية بمصر وكان والده معاصرا للشيخ أبى الحسن الشاذلى مؤسس الطريقة الشاذلية .
وفى كتب التراجم قسم حياة بن عطاء الله إلى ثلاثة أقسام أولها: أمضاه مدينة الاسكندرية طالبا لعلوم عصره الدينية من تفسير وحديث وفقه وأصول ونحو
والثانى : من حياته سنة 674هـ عند التقائه بأبى العباس المرسى واصطحابه له وينتهى بحضوره إلى القاهرة ومما هو جدير بالذكر أن أبن عظاء الله لم ينقطع عن طلب العلم بسلوكه كريق الصوفية .
والثالث : من حياته يبدأ من وقت أرتحاله من الأسكندرية ليقيم بالقاهرة وينتهى بوفاته سنة 709 هـ .
يقول الإمام الغزالى فى كتابه أحياء علوم الدين :
والذين يستندون فى هذا المسلك إلى أساس من اعتزال النبى صلى الله عليه وسلم وتعبده بغار حراء قبل نزول الوحى حتى صفت نفسه وتهيأ لنور النبوة والعزل عند ابن عطاء الله تعنى الأنقطاع المعنوى لا الحقيقى عن الخلق بحيث يكون السالك مراقب نفسه على الدوام ومحازرا أن يشغل ذهنه بالعالم فإذا أحكم الصوفى عزلته وألفت نفسه الوحدة دخل الخلوة ويعرف الخلوة بأنها وسيلة للوصول إلى سر الخلق فهى تبتل إلى الله وانقطاع عن غيره تعالى .
لقد أصبح ابن عطاء الله بعد وفاة شيخه أبى العباس المرسى سنة 686هـ هو القائم على طريقته والداعى لها هذا بالاضافة إلى قيامه بالتدريس بمدينة الأسكندرية فلما رحل للقاهرة اشتغل بالتدريس واعظ
من كراماته رضى الله عنه :ولكى ولى كرامة تسنت له فقد ذكره الإمام عبد الوهاب الشعرانى فى طبقاته الكبرى بعض الكرامات التى تنسب إلى ابن عطاء وعددها دال على منزلته كصوفى كامل واصل إلى الله .
فيروى بن حجر العسقلانى :
إن ثلاثة قصدوا محله فقال أحدهم لو سلمت من العائلة لتجردت ، وقال الآخر أنا أصلى واصوم ولا أجد من الصلاح ذرة ، فقال الثالث أن صلاتى ما ترضينى فكيف ترضى ربى . فلما حضروا مجلسه قال فى غثناء كلامه ومن الناس من يقول كذا وكذا وأعاد كلامهم بعينه .
وبقول المناوى فى الكواكب الدرية :
واقعتين أخرتيين خارقتيين للعادة وعدهما من قبيل الكرامات ،
الأولـــى : أن الشيخ الكمال الهمام زار قبره فقرأعنده سورة هود حتى وصل إلى قوله تعالى ( فمنهم شقى وسعيد ) فأجابه ابن عطاء الله من القبر بصوت عال يا كمال ليس فينا شقى ، فاوصى أن يدفن بجواره .
والثانية : ان رجلا من تلاميذ ابن عطاء الله حج فرأى الشيخ ابن عطاء الله فى المطاف وخلف المقام وفى السعى وفى عرفة فلما رجع سأل عن الشيخ هل خرج من البلد فى غيبته فى البلاد الحجازية قالوا: لا فدخل إليه وسلم عليه فقال له من رأيت فى سفرك من الرجال ؟ قال يا سيدى رأيتك ، فتبسم وقال الرجل الكبير يملأ الكون لودعى القطب من حجر الأحباب
ويقول السخاوى فى تحفة الأحباب وبغية الطلاب :
العالم القطب عطاء الله السكندرى : هو الشيخ الإمام العالم القطب الارف بالله تعالى الشيخ تاج الدين أبو الفضل أحمد بن عطاء الله السكندرى المالكى الشاذلى وهو تلميد أبى العباس المرسى وتلميذ الشيخ أبى الحسن الشاذلى وتلميذ عبد السلام مشيش وتلميذ الشيخ عبد الرحمن العطار رضى الله تعالى عنهم أجمعين وهو من كبار مشايخ الشاذلية وله كتب ومصنفات وله الديوان المشهور وله ذرية لاقية ومسجده معروف بالقاهرة بخط الجامع الأزهر ومناقبه مشهور ويضيق الوقت عن وصفها * وبالحوش ايضا صهرالشيخ وهو القاضى محبى الدين المغربى والشيخ شمس الدين ابى عبد الله محمد بن عبد الملك بن عبد الغنى الزركشى وولده تاج الدين أبى عبد الله واخيه الشيخ محب الدين وبهذا التربة جماعة من الأولياء والأشراف واقراء والمحدثين .
ويقول بعض الكتاب والمعاصرين عنه الأتى :سيدي ابن عطاء الله السكندري رضي الله عنه
نسبه
هو تاج الدين سيدي أبو الفضل أحمد بن محمد بن عبد الكريم بن عبد الحمن بن عبد الله بن أحمد بن عيسى بن الحسين بن عطاء الله الجذامي نسباً المالكي مذهباً الاسكندري داراً القرافي مزاراً الصوفي حقيقة الشاذلي طريقة أعجوبة زمانه ونخبة عصره وأوانه الجامع لأنواع العلوم من تفسير وحديث وفقه وتصوف ونحو وأصول وغير ذلك قطب العارفين وترجمان الواصلين ومرشد السالكين رضي الله عنه وأرضاه .
سلوكه طريق أهل الله
كان رضي الله عنه في أول حاله منكراً على أهل التصوف حتى أنه كان يقول : من قال أن هنالك علماً غير الذي بأيدينا فقد افترى على الله عز وجل ولكن بعد أن سلك على يد أهل الصوفية وعرف مقامهم قال : كنت أضحك على نفسي في هذا الكلام .
قال رضي الله عنه في كتابه لطائف المنن : جرت بيني وبين أحد أصحاب سيدي أبو العباس المرسي رضي الله عنه قبل صحبتي له وقلت لذلك الرجل : ليس إلا أهل العلم الظاهر وهؤلاء القوم يدّعون أموراً عظيمة وظاهر الشرع يأباها ، قال رحمه الله وسبب اجتماعي به أن قلت في نفسي بعد أن جرت تلك الخصومة : دعني أذهب أنظر إلى هذ الرجل فصاحب الحق له أمارات . قال فأتيته فوجدته يتكلم في الأنفاس التي أمر الشارع بها فأذهب الله ما كان عندي وصار رحمه الله من خواص أصحابه ولازمه اثني عشر عاماً حتى أشرقت أنواره عليه وصار من صدور المقربين .
كان رحمه الله ونفعنا بأسراره متكلماً على طريق أهل التصوف واعظاً انتفع به خلق كثير وسلكوا طريقه قال له مرة شيخه سيدي أبو العباس المرسي رضي الله عنه إلزم فوالله لئن لزمت لتكونن مفتياً في المذهبين - يريد مذهب أهل الشريعة ومذهب أهل الحقيقة – ثم قال والله لا يموت هذا الشاب حتى يكون داعياً إلى الله وموصلاً إلى الله والله ليكونن لك شأن عظيم والله ليكونن لك شأن عظيم والله ليكونن لك كذا وكذا فكان كما أخبر
من كراماته رضي الله عنه أن رجلاً من تلامذته حج فرأى الشيخ في المطاف وخلف المقام وفي المسعى وفي عرفة . فلما رجع سأل عن الشيخ هل خرج من البلد في غيبته في الحج فقالوا لا ، فدخل وسلم على الشيخ فقال له سيدي بن عطاء الله رضي الله عنه من رأيت في الحج في سفرتك هذه من الرجال فقال الرجل يا سيدي رأيتك . فتبسم وقال : الرجل الكبير يملأ الكون ومن كراماته رضي الله عنه أن الكمال بن الهمام رضي الله عنه الفقيه المحدث زار قبره فقرأ عنده سورة هود حتى وصل إلى قوله تعالى ( فمنهم شقي وسعيد ) فأجابه من القبر سيدي ابن عطاء الله بصوت عال : يا كمال ليس فينا شقي . فأوصى الكمال بن الهمام رضي الله عنه أن يدفن هناك .
مؤلفاته
وله مؤلفات كثيرة رحمه الله تعالى ومتداولة سارت بذكرها الركبان منها الحكم العطائية التي أفرد كثير من العلماء كتبهم في تفسير تلك الحكم ذات العبارات الرائقة والمعاني الحسنة الفائقة قصد فيها إيضاح طريق العارفين والموحدين وتبيين مناهج السالكين حتى قالوا في حق الحكم العطائية كادت أن تكون الحكم قرآناً يتلى ، ومن كتبه رضي الله عنه التنوير ومفتاح الفلاح وتاج العروس وعنوان التوفيق في آداب الطريق – شرح بها قصيدة الغوث أبو مدين – ومن كتبه القول المجرد في الاسم الفرد
توفي رضي الله عنه بالمدرسة المنصورية بمصر سنة /709/هجرية ودفن بمقبرة المقطم بسفح الجبل بزاويته التي كان يتعبد فيها ومقامه يزار يتوسل به الصالحون ويتبرك فيه الصغير والكبير
قال رحمه الله:
- تشَوُّفُك إلى ما بَطُنَ فيك من العيوب خيرٌ مِن تشوُّفِك إلى ما حُجِبَ عنك من الغيوب.
- الحقُّ ليسَ بمحجوب,وإنما المحجوب أنتَ عن النظرِ إليه,إذ لو حَجبهُ شيءٌ لستره ما يحجبه,ولو كان له ساترٌ لكان لوجوده حاصر,وكلُّ حاصرٍ لشيءٍ فهو له قاهرٌ, "وهوَ القَاهِرُُ فَوْقَ عِبَادِه".
- إذا لم تُحْسِن ظنَّكَ به-أي:بالله-لأجل حُسنِ وصْفِه,فَحَسِّن ظنَّك بهِ لأجل معاملته معك , فهل عَوَّدَكَ إلاَّ حسنًا؟ وهل أسدى إليك إلاَّ مِنَنًا؟.
- خَفْ من وجودِ احسانهِ إليك ودوامِ إساءتِك معهُ أنْ يكون ذلك استدراجًا لك," سَنَسْتَدْرِجُهُم مِّنْ حَيثُ لاَ يَعْلَمُون".
- من علامات موت القلب:عدمُ الحزنِ على ما فاتك من الموافقات,وترك الندم على ما فعلتَهُ من وجود الزلاَّت.
- لا يعظُمُ الذنبُ عندك عظمة ًتصدُّك عن حسنِ الظنِّ بالله تعالى, فإنَّ مَن عرفَ ربَّهُ استصغرَ في جنبِ كرمِهِ ذنبَه.
- اجتهادُك فيما ضُمِنَ لك وتقصيرُك فيما طُلِبَ منك دليلٌ على انطِماسِ البصيرةِ منك.
- ما نفَعَ القلبَ شيءٌ مثل عُزلةٍ,يدخلُ بها ميدان فكرة.
- ما بَسَقتْ أغصانُ ذلٍّ إلاَّ على بذرِ طمَع.
- مَن لم يشكر النِعمَ فقد تعرَّضَ لزوالها, ومن شكرها فقد قيَّدها بعِقالها.
- مَن رأيتَهُ مُجيبًا عن كلِّ ما سُئلَ, ومُعبِّرًا عن كلِّ ما شهِد,وذاكِرًا كلَّ ما علِم, فاستدل بذلك على وجودِ جهلِه.
نبذة وتنبيه
ولد ابن عطاء الله(واسمه:أحمد بن محمد بن عبد الكريم بن عطاء الله) بمدينة الإسكندرية بمصر حيث كانت تقيم أسرته,وحيث كان جده مشتغلاً بتدريس الفقه على المذهب المالكي,فنشأ ابن عطاء الله كجده فقيهاً مشغلاً بالعلوم الشرعية وكان يطمح إلى بلوغ منزلة جده,كما لازم بعد ذلك أبا العباس المرسي ملازمة تامة وأخذ عنه التصوف,ولما رحل إلى القاهرة كان يدرس في الأزهر العلوم الشرعية من فقهٍ وحديثٍ وغيرها إلى جانب تدريسه للتصوف ووعظه لعامة الناس,ويمكن القول بأنَّ تصوفه تصوفٌ إسلامي سُنِّي بعيدٌ عن الشطحات الصوفية والتخبطات التي يبرأ منها الدين,وذلك لأنه لم يتأثر بالآراء والمعتقدات والفلسفات الأجنبية التي ذهبت بكثير من المتصوفين كل مذهب حتى أتوا بأفكارٍ وأقوالٍ يبرأ منها الإسلام,وذلك لأنه عاش في مصر حيث كانت السيادة لمذهب أهل السنة. قال عنه تاج الدين السبكي في كتابه (طبقات الشافعية):"إنه كان إمامًا عارفًا صاحب إشارات وكرامات وإن له قدمًا راسخًا في التصوف". وقال عنه صاحب الديباج المذهب:"كان جامعًا لأنواع العلوم من تفسير وحديث وفقه ونحو وأصول وغير ذلك,وكان رحمه الله متكلماً على طريق التصوف,واعظًا انتفع به خلقٌ كثير" وذكر السيوطي أن طريقته لم يكن بها أدنى عوج.
تنبيه:لا يظن أحدٌ أنني بإيرادي هذه الحِكم أميل إلى التصوف, كلاَّ, فوالله ما نرضي بكتاب الله وسنة رسوله وما كان عليه سلف الأمة من الصحابة والتابعين وتابعيهم والأئمة المعتبرين كالشافعي وأحمد أبو حنيفة ومالك وعلماء الحديث بديلاً, ولكنَّ الإسلام علمنا الإنصاف والعدل في كل شيءٍ, فلا مانع من أن نأخذ من حسنات الناس-أيًا كانوا- ونترك سيئاتهم فالرسول-صلى الله عليه وسلم – يقول:"الحكمة ُضالةُ المؤمن, أنَّى وجدها فهو أحقُّ بها" بل في صحيح البخاري أن أبا هريرة قد جعله الرسول صلى الله عليه وسلم على صدقة الفطر فجاءه شيطان في صورة رجل وسرق من تمر الصدقة,ثلاثة أيام, وفي اليوم الأخير قال لأبى هريرة:أتركني وسأعلمك كلمات ينفعك الله بها,فعلَّمه(إذا أويت إلى فراشك فاقرأ:الله لا إله إلا هو الحي القيوم-آية الكرسي-فإنه لا يزال عليك من الله حافظ حتى تُصبح) فأقرَّه الرسول على ذلك القول فقال(صدقك وهو كذوب) فهذا الحديث يعلمنا قبول الحق من قائله وإن كان شيطانًا(جنيًّا)
1. بسم الله الرحمن الرحيم
الحكمة رقم 6 :
لا يَكُن تأخُّرُ أمد العطاء مع الإلحاح في الدعاء موجباً ليأسك ؛ فهو ضَمِنَ لك الإجابة فيما يختاره لك ، لا فيما تختاره لِنَفسك ، وفي الوقت الذي يُريد ، لا في الوقت الذي تُريد .
شرح الحكمة رقم 6 :
أي : لايكُن تأخر وقت العطاء المطلوب مع الإلحاح ، أي : المُداومة في الدعاء موجباً ليأسك من إجابة الدعاء ، فهو سبحانه ضَمِنَ لك الإجابة بقوله : { ادعوني أستجب لكم } فيما يختاره لك ، لا فيما تختاره لنفسك ، فإنه أعلم بما يَصْلُحُ لك منك ، فربما طلبت شيئاً كان الأولى لك منعه عنك ، فيكون المنع عين العطاء ، كما قال المصنف فيما يأتي : ربما منعك فأعطاك ، وربما أعطاك فمنعك . يشهد ذلك من تَحَقَّقَّ بمقام : { وعسى أن تكرهوا شيئاً وهو خيرٌ لكم وعسى أن تُحبوا شيئاً وهو شرٌ لكم والله يعلمُ و أنتم لا تعلمون } ، ولذا قال بعض العارفين : ومَنعُكَ في االتحقيق ذا عينُ إعطائي .
وكذلك ضَمِن لك الإجابة في الوقت الذي يُريد ، لا في الوقت الذي تريد ، فَكُن مُوسَويَّ الصبر ، فإن الصبر وعدم الاستعجال أولى بالعبيد . ألا ترى أن موسى كان يدعو على فرعون وقومه ، وهارون يُؤَمِّن على قوله : { ربنا اطمس على أموالهم } إلى آخر ما قص الله في كتابه المكنون ، وبعد أربعين سنة حصل المدعوُّ به ، وقال : { قد أجيبت دعوتكما فاستقيما و لاتَتَّبعَانِّ سبيل الذين لا يعلمون } . وفي الحديث : (( إنَّ الله يُحبُّ الملحين في الدعاء))
وورد : أن العبد الصالح إذا دعا الله تعالى قال جبريل : يا رب عبدك فلان اقض حاجته ، فيقول : (( دَعُوا عَبْدِي فإني أحب أن أسمعَ صوته )) . فَقُم بما أمركَ الله به من الدعاء ، وسَلِّم له مراده فربما أجابك ، وادَّخر لك بدل مطلوبك ما تنال به الحسنى و زيادة .
ترجمة سيدي بن عطاء الله السكندري :
هو أحمد بن محمد بن عبد الكريم بن عبد الرحمن بن عيسي بن عطاء الله السكندري، أحد أركَان الطريقة الطريقة الشاذلية الصوفية التي أسسها الشيخ أبو الحسن الشاذلي 1248 وخَلِيفتُه أبو العبَاس المرسي 1287
وَفد أجداده المَنسوبون إلى قَبيلةِ جذَام، إلى مصر بعد الْفتح الإسلامي واستوطنوا الإسكندرية حيث ولد ابن عطَاء الله حَوالي سنة 1260 ونَشأ كجدهِ لوَالده الّشيخ أبى مُحمد عبد الْكريم بن عطَاء الله، فَقيهاً يَشتغلُ بالعُلومِ الشَرعية حيث تلقي منذ صباه العَلوم الدينية والشرعية واللغوية، وكان في هذا الطَور الأول من حيَاتِه ينُكر على الصوفية إنكارا شَديداً تعصباً منه لعلومِ الفقهَاءِ. فما أن صحب شيخه أبو العباس المرسي 1286 واستمع إليه بالإسكندرية حتى أعجب به إعجَأباً شديداً وأخذ عنه طريق الصوفية وأصبح من أوَائل مُريديه. حيث تَدرج ابن عطَاء في منَازلِ الْعلم والمَعرفةِ حتى تَنبأ له الشيخ أبو العبَاس يوماً فقَال له: (الزم، فو الله لئن لزمت لتكونن مُفتياً في الْمذهبين) يَقصدُ مَذهب أهل الحَقيقة وأهل العلم البَاطن.
أخذ عن ابن عطاء الله بعد ذلك الكثير من التلامذةِ منهم ابن المبلق السكندري، و تَقي الدين السبكى شيخ الشَافعية، وتوفي ابن عطاء ودفن بالقَاهرةِ عَام 1309. ولا يزال قَبره مَوجوداً إلى الآن بجبَانة سيدي على أبو الوفاء تحت جبل المُقطمِمن الجهةِ الْشرقية لجبَانة الإمام الليث. ترك ابن عطَاء الكثير من المُصَنفات و الكُتب منها ما نسيه الزمن وغمرته ريَاح السَنون، لكن أبرز ما بقي له:
لطَائف المنن، في منَاقبِ الشيخ أبى العباس وشيخه أبى الحسن
القصد المُجرد في مَعرفةِ الاسم المُفرد
عنوانُ التوفيقُ
تَاجُ العروسُ الحاوى لتهذيب النفوس
مفتاحُ الفلاحُ، ومصبَاحُ الأرواح
الحَكم العطَائية، وهي أهم ما كتبه وقد حظيت بقبول وانتشَار كبير ولا يزال بعضها يُدرس في بعض كُليات جامعة الأزهر، كما تَرجم المُستشرق الانجليزى آرثر اربري الكثير منها إلى الانجليزيه، وترجم الأسبانى ميجيل بلاسيوس فَقرات كثيرة منها مع شرح الرندى عليها.
"ملاحظة "
إبن عطاء الله هو أحد شيوخ الولي الصالح سيدي عبد القادر بن محمد ، وفقا لسلسلة الطريقة الشيخية ، حيث يقول في قصيدته الياقوت :
عـــن ابـــن عـطــاء الله بــحــر عـلـومـنـا *** عــن المـرتـضـى الـمـرسـي أحـمــد حـلــة
مــعـــارف مــنـــه لــلـــورى ومـــواهـــب *** فــحــاز بــهــا مــجــد الــعــلى والـجـلالــة
إلـى الشاذلـي السامـي أبـي الحسـن iالـذي *** بحـوز الكمـال أضحـى بحـر الحقيقـة