بمناسبة مولد سيدى عمر بن الفارض
رضى الله تعالى عنه
سلطان العاشقين ( ابن الفارض )
576 – 632 هـ
على سفح المقطم بوسط القاهرة يقع جامع عمر بن الفارض وبالجامع منبر وأربعة أعمدة من الرخام حاملة لبائكتين من الحجر وسقفه من الخشب وأفلاق النخيل وبه قبلتان احدهما قديمة يتخللها عمودان صغيران من الحجر الأسود وبها آثار شغل قديم والمنارة الأخرى وبالجامع منارة وبداخله مقام عمر بن الفارض وكما جاء فى تاريخ ابن خلكان هو أبو حفص وأبو القاسم عمر بن أبى الحسن على بن المرشد بن على وهو حموى الأصل مصرى المولد والدار والوفاه وملقب بابن الفارض
ولد عام 576هـ بالقاهرة وتوفى عام 632 هـ وكان فريد عصره فى التصوف وله نظم جيد فى معانى الغراميات الإلهية ويعد سيد شعراء عصره ومن شعره
لــو تــرى أيــن خميــلات قبــا كنت لا كنت بــهم صبــا
يــر وتـــرى جميـــلات الــقــــى مـــر مــا لا قيتـــه فيهم حلـى
وجاء فى المزارات للسخاوى أن سلطان المحبين تلميذ أبى الحسن على البقال صاحب الفتح الا لـهى والعلم الوهبى نشأ فى عبادة ربه من صغره ، وقد ذكر المقريزى فى خططه فى الجزء الرابع الصفحة رقم 456
ويقول هــذا المكان مغارة فى الجبل عرفت بأبى بكر محمد جد مسلم القارىءلأنه نقرها فى الجبل ثم عمرت بأمر الحاكم وأنه أنشئت فيها منارة هى باقية إلى اليوم وهى مغارة ( العارض ) وتحته قبر العارف ابن الفارض رحمه الله ولله در القائل :
جزبـا بالقراف تحــت ذيــل العــارض وقــل الســلام عليــك يا ابن الفــارض
وقد لقب بسلطان العاشقين فقد حفل ديوانه بأناشيد الحب الإلهى فصار بها تحفة أدبية تزهو بها العربية على أداب الأمم وتراثا روحانيا راقيا ومن ديوانه :
سقتــنى حميــا الحب ؤاح’ مقلتــى وكأس محيــا من عــن الحسـن جلت
- شربنـــا علــى ذكــر الحبيب مدامة سكرنــا بــها من قبــل أن يخلـق الكرم
يقول المقريزى فى المواعظ والاعتبار جزء 4 ص 456 تحت أسم ( العارض )
هذا المكان مغارة فى الجبل عرفت بأبى بكر محمد جد مسلم القارىء لأنه نقرها ثم عمرت بامر الحاكم وأنشئت فيها منارة وهى باقية الى اليوم وتحت العارض قبر الشيخ العارف عمر بن الفارض رحمه الله ولله در القائل :
جزء القرافة تحت ذيل العارض وقل السلام عليك يا أبن الفارض
ويقول السخاوى فى تحفة الأحباب وبغية الطلاب :
قبر شرف الدين عمر بن الفارض ومناقبه : قبر الإمام العالم قدوة العارفين وسلطان المحبين الشيخ شرف الدين عمر بن الفارش معتدل القامة حسن الوجه مشربا بحمرة وإذا استمع وتواجد وغلب عليه الحال ازداد وجهه نورا وجمالا ويسيل العرق من سائر جسده حتى يسيل من تحت قدميه على الأرض وكان إذا حضر فى مجلس يظهر على ذلك المجلس سكينة وسكون * ورأيت جماعة من المشايخ والفقراء وأكابر الدولة وسائر الناس يحضرون إلى قبره ويتبركون بزيارته ** وقيل وكانوا فى حياته يزدحمون عليه ويلتمسون منه الدعاء ويقصدون تقبيل يده فيمنعهم من ذلك ويصافحهم وكانت ثيابه حسنة ورائحته طيبة **وكان ينفق على من يرد عليه نفقة متسعة ويعطى من يده عطاء جزيلا ولم يحصل شيئا من الدنيا ولم يقبل من أحد شيئا وبعث إليه السلطان الكامل بألف دينار فردها عليه ، قال سبط الشيخ المقدم ذكره سمعت جدى يقول : كنت أول تجريدى أستأذن والدى وهو يومئذ خليفة الحكم الشريف بالقاهرة ومصر وأطلع إلى وادى المستضعفين بالجبلوآوى فيه وأقيم فى هذه السياحة أيما وليالى ثم أعود إلى والدى لأجل بركته ومراعاة قلبه فيجد سرورا برجوعى إليه ويلزمنى بالجلوس معه فى مجلس الحكم ثم أشتاق إلى التجريد فأستأذنه وأعود إلى السياحة * وما برحت أفعل ذلك مرة بعد مرة إلى أن سئل والدى أن يكون قاضى القضاة فامتنع وترك الحكم واعتزل الناس وانقطع إلى الله تعالى فى الجامع الأزهر إلى أن توفى فعاودت التجريد والسياحة وسلوك طريق الحقيقة فلم يفتح على بشى فحضرت يوما من السياحة إلى المدرسة السيوفية فوجدت شيخا بالا على باب المدرسة يتوضأ وضوءا غير مرتب فقلت له يا شيخ أنت فى هذا السن فى دار الإسلام على باب هذه المدرسة بين الفقهاء وانت تتوضأ وضوءا خارجا عن ترتيب الشرع فنظر إلى وقال : يا عمر أنت ما يفتح عليك بمصر وإنما يتح عليك بمكة فاقصدها فقد آن لك وقت الفتح * فعلمت أن الرجل من أولياء الله تعالى وأنه يتستر بالمعيشة وإظهار الجهل فجلسته بين يدية
** وقلت يا سيدى وأين أنا وأين مكة ولا اجد ركبا ولا رفيقا فى غيرالحج فنظر غلى واشار بيده وقال
: هذه مكة أمامك * فالتفت إلى الجهى التى أشار إليها فنطرت مكة شرفها الله تعالى فتركته وطلبتها فلم شرح أمامى حتى دخلتها فى ذلك الوقت وجاءنى الفتخ حين دخلتها *
قال رحمه الله تعالى ثم أقمت بواد وبينه وبين مكة عشرة أيام للراكب المجد وكنت آتى منه كل يوم أصلى فى الحرم الشريف الصلوات الخمس ومعى سبع عظيم الخلقة يصحبنى ويقول : يا سيدى اركب فما ركب قط ثم لما مضى على همس عشرة سنة سمعت الشيخ البقال ينادى يا عمر انت إلى القاهرة أحضر وفاتى فأتيته مسرعا فوجدته قد احتضر فسلمت عليه فناولنى دنانير ذهب ووقال لى جهزنى بهذه وافعل كذا وكذا واعط حمله نعشى إلى القرافة وكل واحد دينارا واتركنى على الأرض فى هذه البقعة واشار بيده إليها وهى تحت المسجد المعروف بالعارض بالقرب من مراكع موسى *
وقال لى انتظر قدوم رجل يهبط إليك من الجبل فصل أنت وإياه على وانتظر ما يفعله الله تعالى فى أمرى قال فتوفى إلى رحمة الله تعالى فجهزته كما أشار وحملته إلى البقعة المباركة كما أمرنى به فهبط إلى رجل كما يهبط الريح المسرع فلم أره يمشى على الأرض فعرفته بشخصه وكنت أراه يصفع قفاه فى الأسواق *
فقال لى يا عمر تقدم فصلى بنا على الشيخ فصليت إماما ورأيت طيورا بيضاء وخضرا بين المساء والأرض يصلون معنا ثم بعد أنقضاء الصلاة جاء طير منهم أخضر عظيم الخلقة قد هبط عند رجليه وابتلعه وارتفع الى الطيور وطاروا جميعا ولهم ضجيج بالتسبيح إلى أن غابوا عنا فقال الرجل الذى صلى معى على الشيخ يا عمر أما سمعت أن أرواح الشهداء فى أجواف كيور خضر تسرح فى الجنة حيث شاءت ؟ وهؤلاء شهداء السيوف * وأما شهداء المحبة فى اجسادهم وأرواحهم فى جوف طيور خضر وهذا الرجل منهم وأنا أيضا كنت منهم وإنما وقعت منى هفوة فطردت عنهم فأنا أصفع قفاى فى الأسواق ندما وأدبا على تلك الهفوة قال ثم ارتفع الرجل الى الجبل الى أن غاب من عينى وقال لى يا ولدى إنما حكيت لك هذه الحكاية لأرغبك فى سلوك طريق القوم * وتوفى الشيخ شرف الدين بن الفارض رحمة الله تعالى بالجامع الأزهر بقاعة الخطابة فى الثانى من جمادى الأولى سنة 632 ودفن بالقرافة بسفح المقطم عند مجرى السيل تحت المسجد المعروف بالعارض ** وكان مولده بالقاهرة فى الرابع من ذى القعدة الحرام سنة سبع وسبعين وخمسمائة وصار قبر الشيخ بغير حاجز عليه مدة طويلة فلما كان فى أيام السلطان أينال الملقب بالأشرف انتدب رجل من الأتاك يقال له تمر الإبراهيمى عتيق السلطان الأشرف برسباى لزيارنه هو وابنه برقوق الاصرى عتيق السلطان الظاهرى جقمق العلائى وجماعة من جهتهم وصار يعملان الأوقاف عنده ويطمعان الطعام ويتصدقان على الفقراء عنده ثم فى سنة نيف وستين وثمانمائة وقف اليفى تمر على الشيخ خصصا من أقطاعه ابتاعها من بيت المال وأنشأ له مقاما مباركا وجعل له خادما وجعل له جامكية وجعل السيفى فوق ناظرا على ذلك ثم توفى تمر المذكور بجزيرة قبرص قتيلا فى معركة الفرنج وصار السيفى برقوق يعمل هناك الأوقاف الجليلة بهذا المقام من إطعام الطعام وقرأة القرآن الى أن ولى السلطنة قايتباى المحمودى فجعل برقوق نائب الشام فجعل شخصا عوضه فى ذلك إلى أن توفى بالشام فقام ولده مقامه فى النظر على ذلك الى يومنا هذا وللشيخ شرف الدين بن الفارض مناقب عظيمة ولما حج مدح النبى صلى الله عليه وسلم بقصيدة شريفة وأنشدها وهو مكشوف الراس عند الروضة الشريفة وهو باك شديدا والناس معه ** كان رحمه الله تعالى إذا سمع من إنسان كلاما فيه موعظة تواجد وغاب عن الوجود وربما نزع ثيابه وألقاها وحكى عنه أنه كان يحب مشاهدة البحر ** وكان من أجل ذلك يتردد على المسجد المعروف بالمشتهى فى أيام النيل فلما كان فى بعض الأيام جالسا هناك سمع قصار يقول قطع قلبى هذا المقطع ما يصفو ويتقطع فما زال يصرخ ويبكى حتى ظن الحاضرون أنه مات وبالمعبد المبارك المعروف بمرا كع موسى قبر الطواشى صندل خادم الحجرة النبوية على سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أفضل الصلاة وأتم التسليم
أما على باشا مبارك فى الخطط التوفيقية جزء رقم 5 ص 58 ، 59
يقول : ( جامع سيدى عمر بن الفارض ) هذا المسجد بسفح المقطم بالقرب من مسجد سيدى شاهين الخلوتى على بابه الخارج لوح رخام مكتوب فيه هذا مسجد العارف بالله تعالى سيدى عمر بن الفارض رضى الله عنه ونفعنا به أمير اللواء الشريف السلطانى على بيك قازدغلى أمير الحاج حالا فى غرة رمضان سنة ثلاث وسبعين ومائة وألف * وعلى بابه الداخل تاريخ سنة ثلاث وسبعين ومائة وألف وبه منبرا وأربعة أعمدة من الرخام حاملة لبائكتين من الحجر وبداخله ضريح سيدى عمر بن الفارض رضى الله عنه وجملة قبور وفى تاريخ بن خلكان ان سيدى عمر بن الفارض هذا هو أبو حفص وابو القاسم عمر نب أبى الحسن على بن المرشد بن الحموى الصل المصرى المولد والدار والوفاة المعروف بابن الفارض المنعوت بالشرف له ديوان شعر لطيف واسلوبه فيه رائق ظريف ينحو منحى كريقة الفقراء وله قصائد بمقدار ستمائة بيت على اصطلاحهم ومنهجهم وما ألف قوله من جملة قصيدة طويلة وكانت ولادته فى الرابع من ذى القعدة سنة ست وسبعين وخمسمائة بالقاهرة توفى بها يوم الثلاثاء الثانى من جمادى الأول سنة اثنتين وثلاثين وستمائة ودفن بسفح المقطم رحمة الله تعالى عليه ** والفارض بفتح الفاء وبعد الالف راء وبعدها ضاد معجمة وهو الذى يكتب الفروض للنساء على الرجال **
وفى بدائع الزهور :
أن والد شرف الدين بن الفارض كان قد برع فى علم الفرائض حتى انفرد به فى عصره ولما مات شرف الدين بن القارض دفن تحت سفح القطم بالعين المهملة بجوار الجبل وكان رحمه الله فريد عصره فى التصوف وله نظم جيد .
وشخصية عمر بن الفارض من أهم الشخصيات فى تاريخ التصوف الإسلامى لما تركه من تراث تداولته الأجيال وقد عاش حياته منذ عرف الطريق إلى الله وهو يترنم بأعذب الأشعار فى حب الله
ولأبن الفارض ديوان مشهور وهو على صغر حجمه من أحسن الدواوين العربية ابتكارا من ناحية موضوعه ومن ناحية اسلوبه وهو يدور فى ديانة على الشعر الصوفى فى حلب وله قصائد منها:
ياساكن القلب لا تنظر إلى سكنى **** واربح فؤادك واحذر فتنة الدعج
تبارك الله ما اجلى شمائله******** فكم أماتت وأحيت فيه من مهج
يهوى لذكر اسمه من لج فى عذلى ***سمعى ، وإن كان عذلى فيه من يلج
وارحم البرق فى مسراه منتسبا**** لثغره وهو مستحى من الفلج
وهاكذا سطر بن الفارض أكثر من ستمائة بيت من الشعر وضرب المثل الأغلى فى التصوف الإسلامى وإن كان بعض الكتاب والمنتديات يحاربون شعره ويتهمونه الذندقة فإن أحد لا يسلم من ألسنة هؤلاء المتطاولون على خيرة الناس فنقول لهم حسبنكم فأنظروا ما ستلقون به من أنفسكم .
على سفح المقطم بوسط القاهرة يقع جامع عمر بن الفارض وبالجامع منبر وأربعة أعمدة من الرخام حاملة لبائكتين من الحجر وسقفه من الخشب وأفلاق النخيل وبه قبلتان احدهما قديمة يتخللها عمودان صغيران من الحجر الأسود وبها آثار شغل قديم والمنارة الأخرى وبالجامع منارة وبداخله مقام عمر بن الفارض
وكما جاء فى تاريخ ابن خلكان
هو أبو حفص وأبو القاسم عمر بن أبى الحسن على بن المرشد بن على وهو حموى الأصل مصرى المولد والدار والوفاه وملقب بابن الفارض
ولد عام 576هـ بالقاهرة وتوفى عام 632 هـ وكان فريد عصره فى التصوف وله نظم جيد فى معانى الغراميات الإلهية ويعد سيد شعراء عصره ومن شعره
لــو تــرى أيــن خميــلات قبــا كنت لا كنت بــهم صبــا يــر وتـــرى جميـــلات الــقــــى مـــر مــا لا قيتـــه فيهم حلـى
وجاء فى المزارات للسخاوى أن سلطان المحبين تلميذ أبى الحسن على البقال صاحب الفتح الا لـهى والعلم الوهبى نشأ فى عبادة ربه من صغره ، وقد ذكر المقريزى فى خططه فى الجزء الرابع الصفحة رقم 456
ويقول هــذا المكان مغارة فى الجبل عرفت بأبى بكر محمد جد مسلم القارىءلأنه نقرها فى الجبل ثم عمرت بأمر الحاكم وأنه أنشئت فيها منارة هى باقية إلى اليوم وهى مغارة ( العارض ) وتحته قبر العارف ابن الفارض رحمه الله ولله در القائل :
جزبـا بالقراف تحــت ذيــل العــارض وقــل الســلام عليــك يا ابن الفــارض
وقد لقب بسلطان العاشقين فقد حفل ديوانه بأناشيد الحب الإلهى فصار بها تحفة أدبية تزهو بها العربية على أداب الأمم وتراثا روحانيا راقيا ومن ديوانه :
سقتــنى حميــا الحب ؤاح’ مقلتــى وكأس محيــا من عــن الحسـن جلت
شربنـــا علــى ذكــر الحبيب مدامة سكرنــا بــها من قبــل أن يخلـق
وابن الفارض هو شاعر الوقت شرف الدين أبو حفص عمر بن علي بن مرشد بن علي، الحموي الأصل، المصري المولد والمنشأ والوفاة، ولد سنة 566 هـ وتوفي سنة 632 هـ وله ست وخمسون سنة.
كان أبوه من أهل حماة (بسوريا) وقدم إلى مصر وسكنها وكان عالما بالفرائض ـ وهي علم الميراث ـ فكان يثبت الفروض بين يدي الحكام، ومن ثم عرف بالفارض وعرف ابنه بابن الفارض.
في ظل هذا الأب , وفي رعاية علمية وحياة طيبة نشأ عمر وأخذ علومه الجلة وكان منذ صغره يستأذن والده لينقطع للعبادة في بعض المساجد المنقطعة وفي جبل المقطم ,ولما شب ابن الفارض أخذ الفقه والحديث عن شيوخ مصر، وقد روى عن القاسم بن عساكر وحدث عنه الحافظ المنذري ،وعرض عليه منصب قاضي القضاة فأمتنع وأنقبض عن الناس زاهدا ومتعبدا،وسلك طريق الصوفية، فتزهد، ثم مضى إلى مكة فاتصل بمنابع الوحي والإلهام وظل هناك زهاء خمسة عشر عاما ثم عاد إلى مصر وأقام بالجامع الأزهر معظما من أهل عصره، وكثر المعجبون به والمتبركون به , وكانت العلماء والحكام تجلسه حتى أن الملك كامل طلب زيارته وقصد إليه , وكانت حياته حيات إنقطاع , وعبادة وزهد وكانت تحصل له حالات إستغراق طويل وصمت , وكان يملي شعره في إنتباهه من تلك الاحوال ، وساعده على الظفر بمحبة الناس ما منحه الله من جمال الخلقة والخلق
وأخذ في نظم الشعر، فكان الناس يتلقون قصائده ويترنمون بها، وقد جرى فيها على طريقة الحب والغرام.
والتصوف في حقيقته حب وحنين إلى الذات الإلهية من ذلك قوله:
ولقد خلوت مع الحبيب وبيننا سر أرق من النسـيم إذا سرى
وأباح طرفي نظرة أملتها فغدوت معروفا وكنت منكرا
فدهشت بين جماله وجلاله وغدا لسان الحال مني مجهرا
ولقد اهتم بديوانه كثير من الأدباء العرب والمستشرقين، ومن هؤلاء المستشرقين الإيطالي جوزيبي سكاتوليني، والذي ربط بينه وبين ديوان ابن الفارض علاقة قوية تزيد عن أربعين عاماً ، حيث إنه فرغ نفسه وعكف على دراسة هذا الديوان العظيم طيلة هذه الفترة حتى أنتج ثمرة جهده من تحقيق لهذا الديوان في نهاية شهر يونيو عام 2004، حيث أقام المعهد العلمي الفرنسي للآثار الشرقية بالقاهرة حفلاً بمناسبة صدور الديوان عنه، وأُنشد فيه أشعار ابن الفارض كبار المنشدين المتصوفة كالشيخ ياسين التهامي. ووصف ابن الفارض بإنه كان معتدل القامة , وأن وجهه جميل , حسن مشرب بحمرة وكان حسن الهيئة والملبس , وحسن الصحبة والعشرة , فصيح العبارة , كثير الخير , وكان يحب مشاهدة البحر في المساء ,
سيدى عمر بن الفارض (576-632 )
يقول حسن قاسم فى كرامات الأولياء
العارف بالله تعالى سلطان العاشقين ، وملاذ أهل التمكين ، ومربى الفقراء والمريدين ، وموصلهم إلى مقامات الإنزال والتمكين ، الأستاذ شرف الدين أبو حفص عمر السعدى المحمدى الهاشمى المعروف بابن الفارض قدس الله سره وأفاض علينا بره .
كان رضى الله عنه ونفع به معتدل القامة ن وجهه جميل حسن ، مشرب بحمرة ظاهرة ، وإذا استمع وتواجد وغلب عليه الحال يزداد وجهه وجمالا ونورا ، وينحدر العرق من سائر جسده ، حتى يسيل تحت قدميه على الأرض .
وكان عليه نور حياء وبهجة وجلالة وهيبة .
وكان إذا مشى فى المدينة تزدحم الناس عليه ، ويلتمسون منه البركة والدعاء ، ويقصدون تقبيل يده ، فلا يمكن احدا من ذلك ، بل يصافحه ، وكانت ثيابه حسنة ، ورائحته طيبة . وكان إذا حضر مجلس يظهر على ذلك المجلس سكون وهيبة ، وسكينة ووقار ، وكان يحضر مجلسته مشايخ الفقهاء والفقراء ، وأكابر الدولة من الأمراء والوزراء والقضاة ورؤساء الناس ، وهم فى غاية ما يكون من الأدب معه ، والاتصاع له ، وإذا خاطبوه فكأنهم يخاطبون ملكا عظيما . وكان ينفق على من يزوره نفقة متسعة ، ويعطى من يده عطاء جزيلا ، ولم يكن يتسبب فى تحصيل شىء من الدنيا ، ولا يقبل من أحد شيئا .
قال ولده سيدى جمال الدين محمد رحمه الله : سمعت والدي يقول : كنت فى أول تجريدى استأذن أبى ، وأطلع غلى وادى المستضعفين بالجبل الثانى من المقطم ، وآاوى فيه ، وأقيم فى هذه الساحة ليلا ونهارا ، ثم اعود إلى والدى لأجل بره ، ومراعاة قلبه ، وكان والدى يومئذ خليفة الحكم للعزيز بالقاهرة ومصر المحروستين ، وكان من أكابر أهل العلم والعمل ، فيجد سرورا برجوعى إليه ، ويلزمنى بالجلوس معه فى مجالس الحكم ومدارس العلم ، ثم أشتاق إلى التجريد ، فأستأذنه ن وأعود الى السياحة ، وما برحت أفعل ذلك مرة بعد مرة ، غلى أن توفى والدى ، وكان قبل وفاته قد اعتزل الناس ، وانقطع للعبادة إلى الله تعالى بقاعة الخطابة فى الجامع الأزعر زمانا ، وبعد وفاته عاوت التجريد والسياحة ، وسلوك طريق الحقيققة فلم يفتح على بشىء ، فحضرت يوما من السياحة غلى القاهرة ودخلت المدرسة السيوفية ، ووجدت رجلا شيخا بقالا على باب المدرسة يتوضأ وضوءا غيرر مرتب ، غسل يديه ، ثم غسل رجليه ، ثم مسح برأسه ، ثم عشل بوجهه ، فقلت له : يا شييخ ، أنت فى هذا السن على باب المدرسة بين فقهاء المسلمين ، وتتوضأ وضوءا خارجا عن الترتيب الشرعى ! فمظر إلى وقال : يا عمر ، أنت ما يفتح عليك فى مصر ، وغنما يفتح عليك بالحجاز بأرض مكة شرفها الله تعالى ، فاقصدها ، فقد آن لك وقت الفتح ، فعلمت أن الرجل من أولياء الله تعالى ، وأنه يتستر بالمعيشة ، وإظهار الجهل بعدم ترتيب الوضوء ، فجلست بين يديه ، وقلت له : سيدى ، واين أنا وأين مكة ؟ ولم أجد ركبا ولارفقة فى غير أشهر الحج ، فنظر إلى واشار بيده وقال : هذه مكى أمامك ، فنظرت معه فرأيت مكة شرفها الله تعالى ، فتركته ، وطلبتها فلم تبرح أمامى حتى دخلت فى ذلك الوقت ، وداءنى الفتح حين دخلتها ، وإلى هذا الفتح أشار رحمه الله فى قصيدته الدالية بقوله :
يا سميرى روح بمكة روحى شاديا إن رغبت فى إسعادى
كان فيها أنسى ومعراج قدسى ومقامى المقام والفتح بادى
( المعراج ) السلم والمصعد (ج) معارج ومعاريج
قال رحمه الله : ثم شرعت فى السياحة فى أودية مكة وجبالها ، وكنت أستأنس منها بالوحوش ليلا ونهارا ، وأقيمت بواد كان بينه وبين مكة عشرة أيام للراكب المجد ، وكنت آتى منه كل يوم وليلة واصلى فى الحرم الشريف الصلوات الخمس ، ومعى سبع عظيم الخلقة يصحبنى فى ذهابى وإيابى ، وينخ لى كما ينخ الجمل ، ويقول : يا سيدى ، اركب ، فما ركبته قط ، وتحدث بعض جماعة من مشايخ المجاورين بالحرم فى تجهيز مركوب يكون عندى فى البرية ، فظهر لهم السبع عند باب الحرم ، وسمعوا قوله : يا سيدى ، اركب ، فاستغفروا الله ، وكشفوا رؤوسهم ، واعتذروا إلى .
ثم بعد خسم عشرة سنة سمعت الأستاذ البقال ينادينى : يا عمر ، تعالى غلى القاهرة احضر وفاتى ، وصلى على ، فأتيته مسرعا فوجدته قد احتضر ، فسلمت عليه وسلم على ، وناولنى دنانير ذهب ، وقال : جهزنى بهذه ، وافعل كذا وكذا ، وأعط حملة نعشى إلى القرافة كل واحد منهم دينارا ، واطرحنى على الأرض فى هذه البقعة ، وأشار بيده اليها ، وانتظر يا عمر قدوم رجل يهبط عليك من الجبل فصل أنت وهو على، وانتظر ما يفعل الله فى أمرى ، قال : فجهزته وطرحته فى البقعة كما اشار إلى ( وهى مقبرة أهل مصر ) ، فهبط إلى رجل من الجبل ، كما يهبط الطائر المسرع ن لم أره يمشى على رجليه ، فعرفته بشخصيه ، كنت اراه يصفع قفاه فى الأسواق فقال : يا عرم ، تقدم فصل بنا على الأستاذ ، فتقدمت وصليت أماما ، ورأيت طيورا بيضاء وطيورا خضراء صفوفا بين السماء والأرض ، يصلون معنا ، ورأيت طائرا أخضر عظيم الخلقة قد هبط عند رجليه ، وابتعله ، ارتفع غليهم ، وطاروا جميعا ، ولهم زجل بالتسبيح بصوت مرتفع عظيم ، يطرب السامع إلى أن غابوا عنا ، فسألت الرجل الذى هبط من الجبل عن ذلك ، فقال ك يا عمر ، أما سمعت أن أرواح الشهداء فى أجواف طيور خضر تسرح فى الجنة حيث شاءت ، هم شهداء السيوف ، واما شهداء المحبة فأجسادهم وأرواحهم فى اجواف طيور بيض ، وهذا الرجل الأستاذ البقال منهم ، وانا ياع عمر كنت منهم ، ونما حصلت منى هفوة ، فطردت عنهم ، فأنا اليوم أصفع قفاى فى الأسواق ندما وتأديبا على ذلك ، قال سيدى عمر : ثم ارتفع الرجل الى الجبل كالطائر وغاب عنى ، وفى هذه البقعة التى أشار الأستاذ البقال الى سيدى عمر رضى الله عنه دفن سيدى عمر حسب وصيته ، وهذه البقعة هى القرافة الشاذلية الكبرى ، تحت المسجد المبارك المعروف بالعارض ، بالقرب من مراكع موسى بسفح المقطم ، عند مجرى السيل ، وضريحه بها معروف ظاهر ، ويزار ن وما من قاصد يقصده للزيارة إلا وتحفه الأنوار ، وتقضى له الحوائح ، وتقصده للزيارة سكان أهل مصر والقاهرة ، ويتبركون به ويدعون الله سبحانه وتعالى عنده فيستجاب لهم ببركته ، لكمال الستغراقه وشهوده حيا وميتا فى حضرة الله وحضرة رسول اللهه صلى الله عليه وسلم . وكانت ولادته رضى الله عنه فى الرابع من ذى القعدة سنة ست وسبعين وخمس مئه بالقاهرة وتوفى بها يوم الثلاثاء الثانى من شهر جمادى الأولى سنة اثنتين وثلاثين وست مئة بقاعة الخطابة بالأزهر الشريف وحمل من ثم حيث مدفنه المذكور .
ومن كراماته رحمه الله مما اخبر به ولده سيدى الشيخ جمال محمد ، قال : رأيت الأستاذ رحمه الله نائما مستلقيا على ظهره وهو يقول : صدقت يا رسول الله صلى الله عليه وسلم ، صدقت يا رسول الله رافعا صوته ، مشيرا بأصبعه اليمنى واليسرى إليه ، واستيقظ من نومه ، وهو يقول كذلك ويشير بأصبعه كما كان يفعل ، وهو نائمن فأخبرته بما رأيته وسمعت منه وسألته عن سبب ذلك ، فقال : يا ولدى ، رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فى المنام ، وقال لى : يا عمير ، لمن تنتسب ؟ فقلت : يا رسول الله أنتسب إلى بنى سعد قبيلة حلمية السعدية (1) مرضعتك ، فقال : لا بل أنت منى ونسبك ينتهى غلى ، فقلت : يا رسول الله ن إنى أحفظ نسبى عن ابى وجدى إلى بنى سعد ، فقال : لا – مذا بها صوته – بل أنت منى ونسبك متصل بى ، فقلت : صدقت يا رسول الله ، مكررا لذلك مشيرا بأصبعى كما رأيت وسمعت .
(1) حليمة السعدية ( توفيت بعد 8 هـ = بعد 630م – حليمة بنت أبى ذؤيب عبد الله بن الحارث بن شجنة بن جابر السعدى البكرى الهوازنى ، من أمهات النبى صلى الله عليه وسلم فى الرضاعة ، كانت زوجة الحارث بن عبد العزى السعدى من بادية الحديبية وكان المرضعات يقدمن إلى مكة من البادية لإرضاع الأطفال ويفضلن من يكون أبوه حيا لبره إلا أن محمدا كان يتيما مات أبوه(سيدى عبد الله) فتسلمته حليمة من أمه (السيدة آمنة ) ونشأ فى بادية بنى سعد فى الحديبية وأطرافها ثم فى المدينة وعادت به إلى أمه وماتت ( السدة آمنة ) وعمره ست سنوات فكقله جده عبد المطلب وقدمت حليمة على مكى بعد ان ازوج رسول الله بخديجة وشكت غليه الجدب ، فكلم خديجة بشأنها فأعطتها أربعين شاة وقدمت مع زوجها بعد النبوة فأسلما ، وجاءت إلى النبى صلى الله عليه وسلم يوم حنين وهو على الجعرانة فقال إليها وبسط لها رداءه فجلست عليه ولها رواية عن النبى صلى الله عليه وسلم روى عنها عبد الله بن جعفر ( الأعلام 2/271) والأصابة 4/274، وتاريخ أبو الفدا1 / 112 )
قال ولده رحمه الله : وإلى هذا النسب الشريف أشار الأستاذ رحمه الله فى القصيدة اليائية (1)، حيث قال :
نسب أقرب فى شرع الهوى بيننـــا من نسب أبوى
(1) التائية فى التصورف للشيخ أبو حفص عمر بن على بن الفارض الحموى المتوفى سنة 576 لاوى ابن نته عنه أنه لما أتمها رأى النبى صلى الله عليه وسلم فى المنام فقال : يا عمر ما سميت قصيدتك ؟ ال : سميتها لوائح الجنان وروائح الجنان ، فقال : لا بل سمها نظم السلوك .... هى بيت فى كل بيت صنائع لفظية وبدائع شعرية من التجنيس والترصيع والاشتقاق وغيرها ، وسلك طريق التغزل وبين فيه طريق السالكين لكن العلماء اختلفوا فيه وافترقوا فرقا فمنهم من أفرط فى مدحه واشتغل بتوجيه كلامه ومنهم من فرط وأفتى بكفره ، ومنهم من كف عنه وسكت ولعله هو الطريق الأسلم فى أمثاله والله سبحانه وتعالى أعلم بحقيقة أحواله(كشف الظنون 265 )
والذى يطالع كلام الأستاذ رحمه الله تعالى يقف على كمال استغراقه وشهوده وتمكنه من مقام القرب الأسنى ، وهو مقام *( قاب قوسين أو ادنى )* ( النجم :9)
فمن ذلك تائتيه المشهورة المساة بت ( نظم السلوك)
قال ولد الشيخ رضى الله عنه : كنت أرى والدى فى غالب الأوقات دهشا وبصره شاخصا ، لا يسمع من يكلمه ولا يراه ، فتارة يكون واقفا ، وتارة يكون قاعدا ، وتارة يكون مضطجعا على جتبيه وتاره يكون مستلقيا على ظهره مغطى كالميت ، يمر عليه عشرة أيام متواصلة وأقل من ذلك وأكثر وهو على هذه الحالة ، ولا يأكل ولا يشرب ولا يتلكم ولا يتحرك ثم يستفيق ويتبعث من هذه الغيبة ويكون أول كلامه أنه يملى من القصيدة ( نظم السلوك ) ما فتح الله عليه وهذه القصيدة الغراء ، والفريدة الزهراء التى تكاد تخرج عن طوق وسمع البشر ألفاظا ومعانى هى التى أولها :
نهم بالصبا قلبى صبا لحبتى فيا حبذا ذاك حين هبت
( هذه البيت فى كشف الظنون (267) وهو مطلع تائيته الصغرى
وكان رضى الله عنه جرد من نفسه شخصا سأله عن غرامة عند هبوب الصبا لما أذكره الهبوب شمائل ذلك المحبوب ، أو قال مجيبا لمن سأله بلسان الحال .
ولما قربت وفاته رضى الله عنه ودعاه إليه مولاه سأل الله تعالى أن يجمع عليه جماعة الأولياء .
قال الشيخ إبراهيم الجعقرى الشاذلى رضى الله عنه دفين باب النصر من أبواب مصر : كنت يوما بالسياحة على نهر الفرات ، وانا أخاطب روحى بروحى وأناجيها بتلذذى بفنائى فى المحبة ، فمر بى رجل كالبرق ، وهو يقول :
فلم تهون مالم تكن فى فانيا ولم تفن مالم تجتلى فيك صورتى
فعلمت أن هذا نفس محب ، فوثبت إلى الرجل ، وتعلقت به ، وقلت له : من أين لك هذا النفس ؟ فقال : كنت أجد نفسه من جانب الحجاز ، والآن أجد نفسه من جانب مصر ، وهو محتضر ، وقد أمرت بالتوجه إليه ، وأن أحضر انتقاله ، وأصلى عليه ، وانا ذاهب إليه ، وتركنى ، التفت إلى جانب مصر ، فتبعته إلى أن دخلت على سيدى عمر بن الفارض فى ذلك الوقت وهو محتضر ، فقلت له السلام عليك ورخمة الله وبركاته ، فقال : وعليك السلام يا إبراهيم ، اجلس وأبشر ف،ا من أولياء الله تعالى ، واعمل يا إبراهيم أنى لما احتضرت سألت الله تعالى أن يحضر وفاتى وانتقالى إليه جماعة من الأولياء وقد أتى بك أولهم فأنت منهم ، قال الشيخ إبراهيم : ثمرأيت الجنة قد تمثلت له ، فلما رآها قال : آه ، وصرخ صرخة عظيمة ، وبكى بكاء شديدا ، وتغير لونه ، وقال :
إن كان منزلتى فى الحب عندكم ما قد رأيت فقد ضيعت أيامى
أمنية ظفرت روحى بها زمنا واليوم أحسبها أضغاث أحلام
فقلت له : يا سيدى ، هذا مقام كريم ، فقال : يا إبراهيم ، رابعة العدوية تقول وهى أمرأة : وعزتك ما عبدتك خوفا من نارك ، ولا رغبة فى جنتك ، بل كرامة لوجهك الكريم ، ومحبة فيك ، وليس هذا المقام الذى كنا أطلبه ، وقضيت عمرى فى السلوك إليه ، قال : ثم بعد ذلك سكن قلقه ، وتبسم وسلم ، وودعنى ، وقال لى : احضر وفاتى وتجهيزى مع الجماعة ، وصل على معهم ، واجلس عند قبرى ثلاثة أيام بلياليهن ، ثم بعد ذلك توجه الى بلادك ، قال سيدى إبراهيم : ثم اشتغل عنى بمناجاة ومخاطبة ، فسمعت قائلا يقول بين السماء والأرض أسمع صوته ، ولا أرى شخصه ، قال : عمر ، ما تروم؟ فقال :
أروم وقد طال المدى منك نظرة وكم من دماء دون مرماى طلت
ثم بعد ذلك تهلل وجهه وتبسم وقضى نحبه فرحا مسرورا ، فعلمت أنه قد أطى مرامه * وكنا عند جماعة كثيرة ، فيهم من أعرفه من الأولياء ، وفيهم من لا أعرفه ، ومنهم الرجل الذى كان سبب المعرفة وحضرت غسله وجنازته ، ولم أر فى عمرى جنازة أعظم منها ، وازدحم الناس على حمل نعشه ، وأيت طيورا بيضاء وخضراء ترفرف عليه وصلينا عليه عند قبره ، ولم يتجهز حفره إلى آخر النهار ، والناس مزدحمون عليه ن وذلك لما كنت أنظره بما فتح الله به على من الكشف إلى الروح المقدسة المحمدية ، وهى تصلى إماما وأرواح الأنبياء والملائكة والأولياء من الأنس والجن يصلون عليه مع روح رسول الله صلى الله عليه وسلم طائفة بعد طائفة ، وأنا أصلى مع كل طائفة إلى آخرهم ، حتى إذا انتهت الصلاة تجهز القبر ، وصارت الناس تتعجب من ذلك ، ولكن من فتح الله بصيرته شاهد سر ما هنالك .
قال الشيخ إبراهيم الجعبرى رضى الله عنه : وأقيمت عنده بعد الدفن ثلاثة أيام بلياليهم ، وانا أشاهد من حاله مالم تحتمله العقول ، ثم توجعت إلى بلدتى جعبر ، وكانت هذه السفرة أول دخولى مصر ، ولسان الحال يقول :
جزالك الله عن ذا السعى خيرا ولكن جئت فى الزمن الأخير
ثم رجعت بعد ذلك إلى مصر وأقمت فيها ،
وليكن ذلك آخر الكلام فى ترجمة سيدى شرف الدين عمر بن الفارض نفعنا الله به ، فإن فضائله ومناقبه لا تحصرها العقول ولا تدركها الأفهام وما ذكرت إلا نقطة يسيرة من بحر فضائله ، الله أمتنا واحشرنا فى زمرته وتحت لوائه ، واجعلنا من الذين تعلقوا بمحبة الأولياء حتى لاقوا ربهم وهو عنهم راض ، وأمدنا بمددهم آمين يارب العالمين
عمر بن الفارض يقول ابن الملقن فى طبقاته
576 - 632 للهجرة عمر بن الفارض أبي الحسن على بن المرشد بن علي، شرف الدين الحموي الأصل، المصري المولد والدار والوفاة. العارف المحب، المنعوت بالشرف صاحب الديوان المعروف الفائق، والشعر الرائق، منه قصيدته في السلوك:
قلبي يحدثني بأنك متلفي ... نفسي فداك عرفت أم لم تعرف
مات سنة اثنتين وثلاثين وست مئة ودفن بالقرافة * روى فى النوم ، فقيل له : لم لا مدحت المصطفى صلى الله عليه وسلم فى ديوانك ؟ فقال :
أرى كل مدح فى النبى مقصرا وإن بالغ المثنى عليه وأكثرا
إذ الله أثنى بالذى هو أهله عليه فما مقدار ما تمدح الورى